مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب

مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب0%

مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 190

مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الوهاب الكاشي
تصنيف: الصفحات: 190
المشاهدات: 28724
تحميل: 4210

توضيحات:

مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 190 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28724 / تحميل: 4210
الحجم الحجم الحجم
مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب

مأساة الحسين (عليه السلام) بين السائل والمجيب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مأساةالحسينعليه‌السلام بينالسائلوالمجيب

الخطيب الشيخ عبد الوهاب الكاشي

١

٢

الطبعة الاُولى: 1973م - 1393 هـ.

الطبعة الثانية: 1978 م - 1398 هـ.

بيروت - لبنان

٣

٤

الإهداء

- إلى شبابنا الواعي الذي يقف عند كلّ ظاهرة مِنْ ظواهر الحياة والمجتمع وقفة تأمل وتفحّص وتفكير في أسباب تلك الظاهرة وآثارها؛ ليتبيّن خيرها مِنْ شرّها، وحقّها مِنْ باطلها.

- إلى شبابنا الحرّ المثقّف الطالب للعلم والمعرفة بواقع الحوادث وحقائق التاريخ، بعيداً عن التعصب الأعمى والتحيّز العاطفي.

- إلى شبابنا المؤمن بالله الحكيم، وبالإنسانية الكريمة، وبنظامها الخالد المتمثّل في الإسلام، وبقادته الأفذاذ محمد وآله (عليهم الصلاة والسّلام).

- إلى شبابنا المتعطّش إلى التعرّف على مقاييس الأخلاق الفاضلة وموازينها الدقيقة في هذه الحياة التي ضاعت فيها معالم الحقّ، واختفت فيها آثار العدل.

وأخيراً: إلى كافة شبابنا المتحمّس للإصلاح، الباحث عن طريق السعادة والعدالة الاجتماعية، الساعي وراء حياة حرّة كريمة؛ إليكم جميعاً أيّها الإخوان أهدي كتابي هذا على أمل أنْ يكون كاشفاً عن بعض الجوانب الغامضة، والنقاط الحساسة المثيرة للتساؤل في ثورة الحسينعليه‌السلام بإذن الله تعالى وتوفيقه.

المؤلّف

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

بقلم سماحة الشيخ حسين معتوق

لقد أشرقت شمس التوحيد على دنيا الناس، وبددت بسناها ظلمة الشرك، وخرج الناس مِنْ الظلمات إلى النور، ودخلوا في دين الله أفواجاً. ولكنّ فريقاً من الناس أبت له نفسه الملوّثة أنْ ينصاع لدعوة الحق، وبقي مِنْ بعد إظهار الإسلام يمارس حياة الجاهلية، ويستغلّ الفرص لمطاردة الدعوة التي فيها خيره وحياته، في الخفاء تارة وفي الجلاء اُخرى؛ ليخنقوها في مهدها مِنْ قبل أنْ تستوي قائمة على الأرض.

وهذا الفريق لمّا رأى أنّ قواه قد انهارت أمام ضربات الحقّ الذي انتشر بسرعة البرق أظهر الإسلام كرهاً، وتظاهر به كذباً، وهو في قرارة نفسه كافر بالله وبرسوله، وعلى رأس هذا الفريق الحزب الاُموي الذي بقي يواصل تحرّكه ضد الحقّ وأهله كلّما من مِنْ ضربات الحقّ، ولقد مرّ الزمن سراعاً، وتوالت الأحداث تباعاً، وضرب الدهر ضربته لصالح الحزب الاُموي غبّ موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة فتحول فيه الحقّ عن مقرّه، وأصبح مغلوباً على أمره.

٧

فالخلافة التي قربت إلى ساحتها رجلاً مِنْ تيم، وأقامت محله رجلاً مِنْ عدِيّ هي التي دفعت بالحقّ إلى أعدائه، وهل ينتظر مِنْ أعداء الحقّ غير القضاء عليه؟!

وهنا استصرخ الحقّ أهله عندما توالت عليه الأحداث، فما وجد له ملبّياً غير علي وبنيهعليهم‌السلام ، فحمّلهم الحقّ مسؤولية حمايته والدفاع عنه.

لقد قرّر في هذا الدور أنْ يعيد للخلافة اعتبارها الذي فقدته مِنْ بعد ما انطوى على نفسه في الدور الأول، الذي لمْ يدع فيه إلى خلاف أو تأييد؛ احتفاظاً بحقّه مِنْ جهة، وحفاظاً على الدين مِنْ جهة اُخرى. [ وقد ] قام الآن ليلتقي مع عهد الرسالة له بالقتال على التأويل بعد القتال على التنزيل، وفي هذا العهد أكثر مِنْ دليل على أنّه دون سواه هو المسؤول الثاني عن هذا الدين.

لقد كُتب على الإمام عليعليه‌السلام أنْ يحارب على جبهتين: جبهة الكفر من الخارج، وجبهة النفاق من الداخل، والإمام لا يملك الاختيار تجاه الحقّ وهو يستصرخه إلاّ أنْ يلبي دعوته.

وقضية الحقّ في حساب علي وبنيهعليهم‌السلام جديرة بالولاء الذي لا ينقطع، وبالحماية التي ينبغي أنْ لا تغيب عن معركة الحياة وإنْ أدّت حمايته إلى الشهادة.

فالخلافة عند أهل البيتعليهم‌السلام لا تشكل أكثر مِنْ تحمّل مسؤوليةٍ يفرضها الحقّ لا شيء سواه، ومِنْ طبيعة الظروف - وأعني بها ظروف المعركة - التي يخوضونها، وهي التي فرضت على الأمام عليعليه‌السلام أنْ يعلن الثورة على الأوضاع الفاسدة التي خلّفتها مِنْ ورائها خلافة عثمان، وإذا كانت الظروف هي نفسها لمْ تسمح له بتحقيق الأهداف الكاملة التي حاول جاهداً الوصول إليها مِنْ وراء خلافته؛ فإنّه استطاع مِنْ غير شك أنْ يربط الإسلام مِنْ جديد بقيادته الأولى، ويفصله عن القيادات المستوردة مِنْ هنا وهناك.

إنّه استطاع أنْ يفصل الإسلام عن قاعدة الحكم الجديد، ويجعل المسلم يفقد ثقته بالحاكمين، وهذا ما كان يحرص عليه أهل البيتعليهم‌السلام عندما حالت الأقدار بينهم وبين الوصول إلى حقّهم.

ومِنْ هذه الزاوية نستطيع أنْ نجعل مِنْ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام

٨

وسيلة مِنْ أهم الوسائل للكشف عن زيف معاوية وانحرافه عن خط الإسلام.

لقد خفي على كثير من الباحثين وجه المصلحة في صلح الإمام الحسنعليه‌السلام ، وقرّروا واهمين أنّه آثر الصلح استسلاماً للراحة وطلباً للعافية، وكأنّ هؤلاء قد نظروا إلى حياة أهل البيت نظرة واحدة مجرّدة عن طبيعة الظروف التي عايشوها وعاشوا معها، وفات هؤلاء أنّ أهل البيت إنّما يمثّلون في حماية الرسالة دوراً مشتركاً يكون لللاحقِ دور الإكمال، والسابق دور التحضير، وأنّ كل واحد منهم هو في مستوى المسؤولية. يأبى عليه غناه الروحي كما يأبى عليه امتلاء نفسه بالبطولة الذاتية إلاّ أنْ يثور في وجه الباطل، وحياة كل واحد منهم هي ثورة على الظلم، وله اُسلوبه الخاص في نشر الدعوة وإيضاح معالمها، والدفاع عنها بما يناسب طبيعة عصره وظرفه.

ولكن إذا وضعنا في اعتبارنا أنّ الثورة لا تختصّ بالكفاح المسلّح وإنّما يدخل فيها التخطيط والعمل، ويكون الكفاح المسلّح هو نهاية مراحلها، وارتجال الأمور التي يكون مركزها في نهاية النضال إذا استبقنا بها الحوادث، وجعلناها في بداية النضال يؤدي في النتيجة إلى القضاء على أهداف الثورة، وتسهيل الطريق لهزيمتها ومحوها من الوجود.

وما موقف الإمام عليعليه‌السلام بثورته، وموقف الإمام الحسنعليه‌السلام بصلحه إلاّ تمهيداً وتخطيطاً لموقف الإمام الحسينعليه‌السلام ، الذي سار فيه من البداية إلى النهاية في إطار منهج موحّد منتظم في الدفاع عن الدين بما يملك كلّ واحد منهم من الوسائل في ظرفه وعصره.

وإنّ ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام قد استكملت جميع العناصر التي سارت به نحو الهدف المنشود، أو سار هو بها فخطط بنفسه لنفسه حتّى النهاية وحتى بلوغ الأهداف، إذ كان الوضع في يومه لا يمكن علاجه بغير الكفاح المسلح وبغير الاستشهاد، كما كان يتطلّب أنْ يكون القائم بالثورة رجلاً قد تعاظم فيه الجانب الروحي، وامتلأت نفسه امتلاءً يجعلها تندفع تلقائياً للتجاوب مع الحقّ، ومِنْ أجل الحقّ وحده.

ولا أريد الآن الدخول في شرح معطيات الثورة الحسينية، وما ولده هذا

٩

الفداء مِنْ عطاء، فلقد تناول أكثر مِنْ كاتبٍ ثورة الحسينعليه‌السلام بالدرس والتحليل، وإنّ من الصعب تحديدها وحصرها في مقال، أو في مقدمة كتاب.

وحسبي أنْ أقول: بأنّها ثورة مِنْ أعظم شخصية لأعظم غاية، لها قدرة الإشعاع على الوجود بصورة جديدة ملهمة، تنعكس فيها الصورة النهائية لما يمكن أنْ تسمو به الإنسانية في حاضرها ومستقبلها البعيد. وإنْ شئت فقل: بأنّها قد احتضنت في حركتها كلّ أهداف الإسلام.

وهل أهداف الإسلام شيء آخر وراء ما أعلنه الحسينعليه‌السلام عن أهداف ثورته بقوله: «إنّي لمْ أخرج أشراً ولا بطراً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي محمد. اُريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحق».

لقد حدّد أهداف ثورته بهذه الكلمات، وأنّه لا غاية له مِنْ ورائها إلاّ الحقّ، وأنّ قبوله يجب أنْ يكون على حساب الحقّ لا على حساب شيء آخر، ومعنى ذلك أنّ مَنْ يردّ عليه فإنّما يردّ على الحقّ، وفي ذلك انعكاس لثورة الإسلام، وإنّ في إطارها المنهجي الذي ارتفع عن مستوى الأفراد والأشخاص، وبذلك لمْ تعد ثورة الحسينعليه‌السلام تمثّل حركة شخصية، أو مصيبة فردية ليُقال إنّه مضى زمانها وانتهى وقتها، وإنّما هي رمز للاستشهاد في سبيل الحقّ، وهي بذلك سوف تعيش في ضمير الإنسان ووجدانه ما بقي هذا الإنسان وما بقي في الكون حقّ وباطل.

وإنّ مسؤولية الإنسان عن الحقّ تفرض عليه إحياءها في الجفون والأفكار؛ انطلاقاً مع الحقّ، وتجاوباً مع الصدق، وتعاملاً مع الوفاء لدين الله، وإنّها لمسيرة كبرى في حياة هذا الكائن الحي أنْ يتمرّس اليوم مِنْ جديد بروح النضال مِنْ أجل الحقّ، وينطلق مِنْ هذه المسيرة التي ألفت مِنْ اعتبارها كلّ شيء إلاّ شيء واحد اسمه الحقّ.

وإنّ مستقبل الأجيال الصاعدة حيث تنظم مسيرتها مِنْ هذه القاعدة مع قافلة الشهداء مِنْ أهل بيتعليهم‌السلام ، لا بدّ أنْ تقوم حياتها على حراسة المبادئ وصيانة القيم، وتنظيم كافة الوسائل لحماية المكاسب والمغانم التي يثرى معها العقل، وينمو بها الإدراك.

١٠

كما أنّها سوف تكون السبيل الوحيد لتطوير المجتمع، وتحويل نظره إلى المستقبل الأفضل الذي يدفع أهله لتحمل المسؤولية، والصمود في مواجهة الأحداث التي تحاك ليل نهار ضد الدين وأهله.

وكان لزاماً عليَّ أنْ لا أخوض كما وعدت مِنْ قبل في شرح معطيات ثورة الإمام المجيدة، وبيان الدوافع والأهداف لها بعد أنْ كانت كلمتي هذه مقدّمة لكتاب يكاد أنْ يكون الفريد مِنْ نوعه في شرح الأهداف التي تحدّدت بها نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولا سيما أنّ مؤلف الكتاب فضيلة الخطيب الشيخ عبد الوهاب الكاشي ممّن قد برز في هذا المضمار، وحلّق في سماء الأفكار حتّى صار ملء السمع والبصر في أكثر الأقطار.

وإنّ هذه الدراسة التي يجدها القارئ بين يديه لمْ تكن إلاّ صورة مصغرة عن مكانة واضعها العلمية، فالظروف القاهرة كما تحكّمت في طبعها، كذلك تحكّمت في وضعها؛ لذلك وتجاوباً مع رغبة مقدّري فضله قرّر أنْ يجعل مِنْ هذه الدراسة مقدّمة لدراسة جديدة وشاملة بكلّ ما في التجديد والشمول مِنْ معنى. جزاه الله عن أهل بيت نبيّه خير جزاء العاملين.

١١

١٢

مقدمة الطبعة الاُولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد مِنْ فضله، ودليلاً على آلائه وعظمته، والصلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا محمد وآله الطاهرين المعصومين، واللّعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد، فإنّ تاريخ الأجيال دروس وعبر؛ ولذا كثر في القرآن الكريم ذكر الحوادث السابقة، وأحوال الأمم السالفة، وسيرة الأنبياء والملوك وغيرهم بما فيها مِنْ خير وشرّ، وظلم وعدل؛ لأجل العظة والاعتبار.

ولنفس الغرض أيضاً حثّنا الأنبياء والمصلحون وأمرونا أنْ ننظر في سير الماضين وآثارهم وندرس التاريخ. قال الإمام عليعليه‌السلام في وصية إلى ولده الحسنعليه‌السلام : «... واعرض على قلبك أخبار الماضين، وذكرّه بما أصاب مَنْ كان قبلك من الأوّلين، وسر في ديارهم وآثارهم، وانظر فيما فعلوا، وعمّا انتقلوا، وأين حلّوا...».

ووجه الاتّعاظ والاستفادة من التاريخ واضح، وهو أنّ عُمْرَ الفرد الإنساني في هذه الحياة محدود وقصير نسبياً، حيث يترواح معدّله بين الستين والسبعين عاماً. ومعلوم أنّ نصف هذا المعدّل تقريباً يذهب في حالات اللاوعي والغفلة القهرية الطبيعية، كفترة الطفولة والنوم والشيخوخة مثلاً، والثلاثين سنة الباقية غير كافية للقيام بتجربة الحياة واختبارها أولاً بكلّ فروعها ونواحيها، ثمّ تطبيق تلك التجارب والاختبارات ثانياً.

١٣

أي أنْ يدرس الحياة أولاً دراسة نظريّة وعمليّة، ثمّ يسير على ضوء ما استنتجه مِنْ تلك الدراسات.

فإذاً يجب على الإنسان إذا أراد أنْ يستفيد مِنْ حياته أنْ يأخذ بنتائج تجارب الآخرين مِنْ خير وشرّ، وحقّ وباطل ويطبقها على حياته؛ لأنّ مصالح الإنسان واحدة لا تختلف في جوهرها واُصولها، ومِنْ ثمّ جاء في الأثر(السعيد مَنْ اتعظ بغيره) . وقال الإمام عليعليه‌السلام : «مَنْ نظر في عيوب الناس فأنكرها ثمّ رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه...».

وهؤلاء الناس الذين لا يعتبرون بما يرون، ويسمعون مِنْ تجارب الآخرين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله:( ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً من الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا َيَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (1) .

فالخلاصة هي أنّ دراسة التاريخ والتعرّف على الحوادث السالفة أمر ضروري للوقوف على أسبابها ونتائجها، والتمييز بين الحقّ منها والباطل، والخير والشرّ، وليعرف أيضاً تسلسل الحياة وارتباط الحاضر منها بالماضي، وتأثير بعضها ببعض.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في بعض وصاياه: «وصدّق بما سلف من الحقّ، واعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها؛ فإنّ بعضها يشبه بعضاً، وإنّ آخرها لاحق بأولها، وكلّها حائل مفارق». وقالعليه‌السلام في مقام آخر: «عباد الله، إنّ الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين، آخر فعاله كأوّله».

وخاصّة الحوادث المهمّة التي غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مجرى الحياة لدى اُمّة أو مجتمع، فإنّها يمكن أنْ تتكرر وتعاد في كلّ مكان وزمان؛ فإنْ كانت خيراً عملنا على وقوعها والمساهمة فيها، وإنْ كانت شرّاً عملنا على منعها وعدم تكرارها، أو تجنّب المساهمة فيها على الأقل.

ولا شك أنّ ثورة الحسينعليه‌السلام مِنْ أغنى تلك الحوادث بالعبر والعظات الجديرة بالأخذ، والالتفات لما فيها مِنْ تطورات وملابسات، ولما تضمنته مِنْ شخصيات وأفراد يجب أنْ

____________________

(1) سورة الأعراف / 179.

١٤

نعرفهم حقّ المعرفة، ونميّز مواقفهم تجاه تلك الأحداث تمييزاً دقيقاً؛ لكي نكون على بصيرة مِنْ أمرنا تجاه تلك التناقضات التي ظهرت في مواقفهم وأعمالهم، فنعرف المحقّ من المبطل، والظالم من المظلوم؛ لأنّ الحقّ والباطل لا يُقاسان بالأشخاص، بل بالعكس الأشخاص يُقاسون بالحقّ والباطل.

فمَنْ عرف الحقّ فاتّبعه، وعرف الباطل فنبذه فهو الإنسان الكامل الذي يجب أنْ يُقتدى به ويُحتذى حذوه، ومَنْ كان على العكس مِنْ ذلك فهو المنافق الدجّال الذي يجب أنْ يُتبرأ منه ويُحتقر؛ وفاءً لأمانة الحقّ في أعناقنا أيّاً كان ذلك الشخص مِنْ حيث النسب والمكانة الاجتماعية.

أجل، إنّ ثورة الحسينعليه‌السلام بما سبقتها مِنْ مقدّمات وتلتها مِنْ ثمرات، وتضمّنتها مِنْ قضايا وأحداث قد غيّرت اتّجاه المسلمين الخاطئ، وأيقظتهم مِنْ سبات الغفلة، ونفضت عنهم غبار التخدير والتنويم العقائدي والعملي، وأدخلتهم في دور جديد ومرحلة جديدة، ووضعت لهم النقاط على الحروف، والعلامات الواضحة على سنن الطريق القويم، وهدتهم إلى الصراط المستقيم، وكلّ ما في عالمنا اليوم مِنْ إسلام ومسلمين بالمعنى الصحيح فإنّهما مدينان في البقاء لفضل ثورة الحسينعليه‌السلام ، وإنّ بقائهما أهمّ ثمرات تلك الثورة المباركة. وهذا ما سنعرفه تفصيلاً مِنْ فصول هذا الكتاب بإذن الله تعالى.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

بيروت 1 رجب / 1393 هـ

عبد الوهّاب الكاشي

١٥

١٦

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يُحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقّه المجتهدون، وصلّى الله على أشرف أنبيائه، وخاتم رسله سيّدنا محمد المصطفى، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.

وبعد، فإنّ مِنْ عظيم نِعَمِ الله سبحانه عليّ أنْ وفقني لتأليف هذا الكتاب منذ بضعة أعوام، فجاء والحمد لله فريداً في موضوعه، جديداً بمضمونه، فنال رضا الكثيرين مِنْ قرّائه، والقبول الحسن في أوساط المؤمنين؛ الأمر الذي اقتضى إعادة طبعه تلبية لطلب الراغبين، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله.

ولعمري، إنّها لظاهرة طيّبة تسرّ المؤمنين؛ أنْ يُقبلَ شبابنا المعاصر على أمثال هذه الكتب الإسلامية رغم كلّ المحاولات التي بذلت وتبذل لصرفهم عن كلّ ما يمتّ إلى الدين والأخلاق بصلة. أجل، إنّها لظاهرة طيّبة تبشر بالخير، وتبعث على التفاؤل بأنّ الحقّ يعلو ولا يُعلى عليه.

ولكنّها وفي نفس الوقت تدلّ دلالة واضحة على عظم المسؤولية التي نتحمّلها نحن رجال الدين عامّة، ورجال المنبر الحسيني خاصة. تلك المسؤولية التي تتجسد

١٧

في اغتنام هذه الفرصة، واستغلال وعي الشباب الروحي للقيام بكلّ عمل مستطاع لدعم هذه الظواهر الخيّرة، وتنمية هذا الوعي الروحي، وتغذية التوجّه والإحساس الإسلامي لدى النشء الجديد.

أقول: يجب أنْ نغتنم هذه الظواهر الخيّرة التي هي دليل عافية الفكر عند الشباب، ويقظة الضمير لديهم، فنمدّهم بما نستطيع من طاقات فكرية وعملية. وإنّي لعلى يقين أنّ ثورة الحسينعليه‌السلام بما فيها مِنْ دروس وعظات وعبر لهي المدخل الأمثل، والوسيلة الفضلى للقيام بمهام التوجيه والتوعية والتنظيم السليم؛ إذ إنّ تلك الثورة المباركة مقدّسة لدى كافة العقلاء في العالم، ومعبّرة عن آمال كلّ الشعوب، وتمثّل الإسلام الصحيح، وتدلّ على الطريق الواضح نحو تحقيق الكرامة الإنسانية والحياة الأفضل.

ومِنْ ثمّ يوصف الحسينعليه‌السلام بباب النجاة، أي إنّهعليه‌السلام أرسى بثورته الخالدة اُسس بناء الحرية، ووضع العلامة الفارقة على طريق النجاة من الذل والظلم والفساد، وقال بلسان القول والفعل: أيتها الإنسانية المعذّبة، لا نجاة لك ممّا تعانين إلاّ بالبذل والفداء والتضحية، والإنفاق والجهاد بالمال والنفس، مقروناً بالإيمان بالله وحده، وباليوم الآخر.

إنّ الحسينعليه‌السلام جسّد بثورته مضمون الآية الكريمة مِنْ قوله تعالى:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى‏ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ) (1) .

ومثّلعليه‌السلام بثورته المقدّسة مصداق الحديث الشريف عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سيد الشهداء عمّي حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام في وجه سلطان جائر فقُتل».

والخلاصة هي أننا يجب أنْ نستفيد من الحسينعليه‌السلام أكثر ممّا استفدنا، ولو كان الحسينعليه‌السلام عند غيرنا، أي لو كان غيرنا نحن الشيعة يؤمن إيماننا بالحسين، ويواليه ولاءنا نحن الشيعة، لكانت استفادتهم مِنْ ثورته

____________________

(1) سورة الصف / 10 - 11.

١٨

المقدّسة أكثر بكثير ممّا نستفيد، ولجعلوا من الحسين شعاراً لجميع مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية، يستوحون مِنْ ذكرى حياته وثورته دروساً لحياتهم اليومية في جميع المجالات.

إنّ الحسينعليه‌السلام مدرسة الحياة الكريمة، ورمز المسلم القرآني، وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيَمِها، ومقياس الحقّ.

فيا أيّها العاملون المخلصون، هذه أبواب الحسينعليه‌السلام فادخلوها، وتلك سفينة الحسينعليه‌السلام فاركبوا فيها بسلام وإلى السلام، والسلام.

المؤلّف

5 / 8 / 1977 م - 19 شعبان 1397هـ.

١٩

مَنْ هو الحسين عليه‌السلام نسباً وحسباً ومقاماً في المجتمع؟

نسبُهُ:

من المؤسف المؤلم حقاً أنْ يوجد بين شباب المسلمين اليوم مَنْ يعرفون الكثير عن أقطاب الشرق والغرب، والكثير مِنْ أحوال الشخصيات الأجنبية وسيرتهم وحياتهم، ولكن لا يعرفون إلاّ القليل، وقد لا يعرفون شيئاً أصلاً عن أحوال نبيهم، ورجال دينهم، وقادة الإسلام. وهذا أوضح دليل على أنّ هؤلاء الشباب قد ابتعدوا عن الإسلام كثيراً مِنْ حيث يشعرون أو لا يشعرون.

ٍفنقول لهؤلاء: وما الذي تعرفونه عن الحسينعليه‌السلام صاحب تلك النهضة العظيمة، والثورة المدهشة التي ستقرؤون بعض فصولها، وتعرفون بعض تفاصيلها في مواضيع هذا الكتاب؟ إذ من المعلوم أنّ الأعمال لا تقدّر إلاّ بمقدار أصحابها، ولا تكتسب الأهمية والعظمة إلاّ مِنْ عظمة أهلها.

فالحسينعليه‌السلام هو أشرف إنسان في الدنيا مِنْ حيث النسب؛ فهو الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخوه الإمام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنةعليه‌السلام ، وابنه الإمام علي السجاد زين العابدينعليه‌السلام ، ومن ذرّيّته ثمانية أئمة معصومين.

٢٠