ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم0%

ما منا إلا مقتول أو مسموم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 181

ما منا إلا مقتول أو مسموم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: جعفر البياتي
تصنيف: الصفحات: 181
المشاهدات: 27549
تحميل: 5369

توضيحات:

ما منا إلا مقتول أو مسموم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 181 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27549 / تحميل: 5369
الحجم الحجم الحجم
ما منا إلا مقتول أو مسموم

ما منا إلا مقتول أو مسموم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أيضاً مِن سَقْي جبابرة وطواغيت أزمنتهم السُّمومَ...(1) .

وورد في الزيارة الجامعة لأئمّة المؤمنين هذه العبارات:حتّى فارقتَ الدنيا وأنت شهيد، ولَقِيتَ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنتَ حميد، صلواتُ اللهِ عليك تَترادفُ وتَزيد(2) ثمّ تتعرّض الزيارة الشريفة إلى مظلوميّة الإمام عليّ وأبنائه (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)، وما جرّت البيعة المشؤومة الناقضة لبيعة الغدير على أهل البيت من مصائب ونوائب، ونكباتٍ وفجائع، فتقول الزيارة:

وقادُوه إلى بَيعتِهِم مُصْلِتَةً سُيوفَها، مُشْرِعةً أسنّتَها، وهو ساخطُ القلبِ هائجُ الغضب، شديدُ الصبرِ كاظِمُ الغَيظ، يَدْعُونه إلى بيعتِهِمُ التي عَمَّ شُؤْمُها الإسلام، وزَرَعَت في قلوبِ أهلِها الآثام... ورَخّصَت لأهل الشّبهةِ في قتلِ أهلِ بيتِ الصَّفوة، وإبادةِ نسْله(3) ، واستئصالِ شأفته، وسبي حَرَمِه، وقتل أنصارهِ، وكسرِ مِنْبرِه، وقَلْب مفخَرِه، وإخفاء دينِه، وقطع ذكرِه.

يا مَواليّ، فلَو عايَنكُمُ المصطفى وسهامُ الأمّة مغرقةٌ في أكبادكُم، ورماحهم مشرعةٌ في نُحوركم، وسيوفها مولعةٌ في دمائكم(4) ، يشفي أبناءُ العوهر غليلَ الفسق من ورعكم، وغيظَ الكفر من إيمانكم،

____________________

(1) شرح الزيارة الجامعة الكبيرة 2 / 54.

(2) الخطاب المبارك هذا متوجّه إلى أمير المؤمنين عليٍّ (صلوات الله عليه).

(3) أي إبادة نسلِ هذا البيتِ النبويّ الشريف.

(4) في نسخة اُخرى: مُولغةٌ في دمائكُم.

٢١

وأنتم بين صريع في المحراب قد فلقَ السيفُ هامتَه، وشهيدٍ فوق الجنازة شُكّت أكفانُه بالسِّهام، وقتيلٍ بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسه، ومُكبَّلٍ في السجن قد رُضّت بالحديد أعضاؤه، ومسموم قد قُطّعت بجُرع السَّمّ أمعاؤه، وشَملُكُم عَباديد(1) ، تُفنيهمُ العبيدُ وأبناءُ العبيد؛ فَهَل المِحَنُ يا سادتي إلاَّ التي لَزِمَتْكُم، والمصائبُ إلاّ التي عمّتكُم، والفجائعُ إلاَّ التي خصَّتكُم، والقوارعُ إلاَّ التي طَرَقَتْكُم؟! صلواتُ الله عليكُم، وعلى أرزاحِكُم وأجسادِكُم، ورحمةُ اللهِ وبركاتُه(2) .

والآن نشير إلى النصوص الدالّة على شهادة كلّ واحدٍ منهم إجمالاً:

____________________

(1) في اللّغة: المتفرّقون: الذاهبون في كلّ وجه.

(2) مصباح الزائر / 464 - 465، الزيارة الجامعة الأولى في مختار الزيارات الجوامع - الفصل الثامن عشر، وأوردها ابن المشهديّ في المزار الكبير / 401، ونقلها المجلسيّ عنه في بحار الأنوار 102 / 162.

٢٢

شهادة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله

إنّ استشهاد رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسّمّ هو من أعقد الأمور التي دارت حولها البحوث والكتابات والمناقشات منذ أقدم العصور، والأدلّة في هذا المجال كثيرة من نصوص حديثيّة، وشواهد تاريخيّة، ومتابعات حَدَثيّة، ومع ذلك بقي البعض متحيّراً في هذا المضمار؛ لأنّ بعض العقول لا تتقبّله، إذْ كيف تتسنّى ليد الإجرام أنْ تنال مِن سيّد الخلق أجمعين (صلوات اللّه عليه وعلى آلهِ) فتقتله دون أنْ تحول بينه وبين ذلك يدُ الرعاية الإلهيّة؟!

مع أنّ في هذا غفلةً بيّنة؛ لأنّ النظر اقتصر على صورة الاعتداء، وغضّ عن صورة الشهادة، وهي محبوبة عند اللّه تبارك وتعالى؛ إذ هي وسام شاء اللّه (عزّ وجلّ) أنْ يقلّده بعضَ أنبيائه وأوصيائهم.

فنقرأ - مثلاً - في قصص الأنبياءعليهم‌السلام أنّ (هيرودس) قتل نبيَّ اللّه يحيىعليه‌السلام ، وقدّم رأسه إلى بغيٍّ مِن بغايا بني إسرائيل(1) .

____________________

(1) تفسير الميزان - للسيّد محمّد حسين الطباطبائي 14 / 26 - 31.

٢٣

أجل، ذبح (هيرودس) سيّدنا (يحيى) وأهدى رأسه في طستٍ من ذهب، والآيات الكريمة تذكر ما جرى من الكافرين على الأنبياء (صلواتُ اللّه عليهم)، منها:

قوله تعالى:( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) . وقوله تعالى:( كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) (2) . وقوله تعالى:( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ . . ) (3) . [ يراجع في ذلك: الآيات 21: آل عمران، و181: آل عمران، و155: النساء]

وفي ظلّ الآية المباركة:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (4) .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «لم يكن إسماعيلَ بن إبراهيم، بل كان نبيّاً من الأنبياء بعثه اللّه (عزّ وجلّ) إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فجاءه ملَكٌ فقال: إنّ اللّه بعثني إليك، فمرْني بما شئت. فقال: لي أُسوةٌ بما يُصنع بالحسينعليه‌السلام »(5) .

____________________

(1) سورة البقرة / 91.

(2) سورة آل عمران / 112.

(3) سورة البقرة / 61.

(4) سورة مريم / 54.

(5) علل الشرائع / 78.

٢٤

وفي روايةٍ اُخرى:«فقشروا جلدةَ وجهه وفروة رأسه...»(1) .

وذاك زكريّا (صلوات اللّه عليه) قطّعوه وشقّوه بالمنشار(2) . إذاً، فما الغرابة في أنْ يكون النبي الأكرم المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله شهيداً وهو أشرف الأنبياء والمرسلين، بل سيّد الخلائق أجمعين؟!

وربّ قائل يقول: إنّ هذا الادّعاء يحتاج إلى برهان ودليل. ونحن نقول: هو بين أيدينا لا ندفع أحداً عنه، بل ندعو أهلَ التبصّر إليه.

ماذا نقول أمام هذه الروايات؟

لقد أخبر اللَّه سبحانه وتعالى أنبياءَه جميعاً بمبعث النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر الزمان، وكان في إخباره لعيسى المسيح ذِكرُ صفاته ونعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد روى الكليني ذلك بسنده عن أبي بصير، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، في حديث طويل قال فيه: «كان فيما وعظ اللَّه تبارك وتعالى به عيسى بنَ مريمعليه‌السلام أن قال له:... ثمّ إنّي أُوصيك يابنَ مريم البِكْر البتول، بسيّد المرسَلين وحبيبي منهم أحمد... يا عيسى، دينُه الحنيفيّة، وقبلته مكّيّة... له الكوثر والمقام الأكبر من جنّات عدن، يعيش أكرمَ معاش،

____________________

(1) كامل الزيارات - لابن قولويه / 64 و 65.

(2) قصص الأنبياء - للقطب الراونديّ / 217، ح 284.

٢٥

ويُقبَض شهيداً...»(1) .

وفي قصّة شهادة مولانا أمير المؤمنين (صلوات اللّه وسلامه عليه) ينقل الشيخ المجلسي (قدّس اللّه روحه) روايةً طويلة مفصّلة، جاء فيها: قال الراوي: وأقبلت زينبُ واُمُّ كلثوم(2) حتّى جلستا معه على فراشه، وأقبلتا تندبانِه وتقولان: يا أبتاه! مَنْ للصغير حتّى يكبر؟! ومَنْ للكبير بين الملأ؟! يا أبتاه! حزننا عليك طويل، وعَبرتُنا لا ترقأ(3) .

قال: فضجّ الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب، وفاضتْ دموع أمير المؤمنينعليه‌السلام عند ذلك، وجعل يقلّب طَرْفَه وينظر إلى أهل بيته وأولاده، ثمّ دعا الحسنَ والحسينعليهما‌السلام وجعل يحضنهما ويُقبّلُهما، ثمّ أُغميَ عليه ساعةً طويلةً وأفاق.

وكذلك كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُغمى عليه ساعةً طويلةً ويفيق أخرى؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مسموماً(4) .

____________________

(1) الكافي 8 / 131 - 141، وأمالي الصدوق / 308 - 312، وعنهما في بحار الأنوار 14 / 297 - الباب 21، ح 14.

(2) وهنا نستدلّ على أنّ أمّ كلثوم هي أخت زينبعليها‌السلام لا ما يذهب إليه البعض من أنّ أم كلثوم هي (زينب) لا غير.

(3) أي لا تجفّ.

(4) ويبدو أنّ هذا الأمر كان معروفاً، كما كان يُعلم من هذه الحالة أنّ الرجل مسموم، ونستدلّ بهذا أنّ ابن ملجم (عليه لعائن الله) كان قد ضرب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بسيفٍ مسموم.

٢٦

فلمّا أفاق ناوله الحسنعليه‌السلام قَعْباً من لبن، فشرب منه قليلاً ثمّ نحّاه عن فيه، وقال: «احملوه إلى أسيركم»(1) .

وروى ابن شهر آشوب (رحمة اللّه عليه) عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام هذا الحديث الشريف في شهادة مولانا الحسن المجتبى (صلوات اللّه وسلامه عليه): «قال الحسن بن عليّ لأهل بيته: إنّي أموت بالسمّ كما مات رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال له أهلُ بيته: ومَنْ الذي يسمُّك؟ قال: جاريتي أو امرأتي. فقالوا له: أخرِجها مِن مِلكِك (عليها لعنة اللّه). فقال: هيهات أنْ أُخرجَها ومنيّتي على يدها ما لي منها مَحيص، ولو أخرجتُها ما يقتلُني غيرها، كان قضاءً مقضيّاً، وأمراً واجباً من اللّه. فما ذهبتِ الأيّام حتّى بعث معاويةُ إلى امرأته...»(2) .

ولم تذكر الرواية أنّ أحداً مِن أهل بيت الإمام الحسنعليه‌السلام قد استغرب مِن خبر شهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسمّ، أو تساءَل أو استنكر الأمر أبداً.

وهذا يدلّ على أنّ شهادتَهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمرٌ مُسَلّم به، لا شكّ فيه ولا غبار عليه، ليس عند أهل البيت (سلام اللّه عليهم) فحسب، بل عند المسلمين أيضاً كما يُستفاد من كلام الشيخ الطبرسي (أعلا اللّه مقامه)، حيث يقول بعد نقل قصّة شهادة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : فكان المسلمون

____________________

(1) بحار الأنوار 42 / 289 - الباب 127 - كيفيّة شهادته ووصيّتهعليه‌السلام .

(2) مناقب آل أبي طالب 4 / 8.

٢٧

يرَون أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مات شهيداً، مع ما أكرمه اللّهُ به من النبوّة(1) .

وإلى هذا ذهب أجلّةُ علماءِ الطائفة الحقّة (رضوان اللّه عليهم)، حيث أورد الشيخ المجلسي في بحاره(2) عدداً من الروايات القائلة بشهادة النبيّ الأكرم (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم)(3) ، وذكر الشيخ محمّد حسن النجفي في جواهره أنّ الرسولَ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله صدعَ بالرسالة في اليوم السابع والعشرين من رجب لأربعين سنة [أي من عمره المبارك]، وقُبض بالمدينة يومَ الإثنين لليلتينِ بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل، وله من العمر ثلاث وستّون سنة.

وفي (التحرير)(4) قُبض مسموماً(5) .

وفي (التتمّة في تواريخ الأئمّةعليهم‌السلام ): سبب موته مَرَضٌ قُبض فيه، وقيل: مات بالسُّمّ(6) .

____________________

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 9 / 122.

(2) الجزء 22 - باب وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وغسله والصلاة عليه، والجزء 27 - باب أنّهمعليهم‌السلام لا يموتون إلاّ بالشهادة.

(3) وكذلك التوسيركانيّ في لآلئ الأخبار 5 / 466 نقلاً عن التهذيب 6 / 2، حيث قال الطوسيّ: قُبض بالمدينة مسموماً...

(4) للعلاّمة الحلّيّ (رحمه الله).

(5) جواهر الكلام 20 / 79.

(6) ص 34.

٢٨

وذهب إلى ذلك ابن سعد(1) ، والشيخ المفيد(2) ، والشيخ الطوسي(3) ، والذهبي(4) ، والشبلنجي الشافعي(5) . وذاك ما كان قد أكّده الشيخ الصدوق في اعتقاداته.

فإذا كان أهلُ العلم والتحقيق يقولون هذا، فما علينا إلاّ أنْ نتساءل:

مَنْ سَمّ رسولَ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال الشيخ الصدوق (أعلى اللّه مقامه): اعتقادنا في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سُمّ في غزاة خيبر، فما زالت هذه الأكلةُ تعاوده حتّى قطعتْ أبهرَه(6) .

ولكنْ ما هو الدليل على هذا الاعتقاد؟ لا بدّ أنْ يكون الشيخ الصدوقرحمه‌الله قد استند على روايات صحيحةٍ وصلت إليه بيّنت ذلك؛ فقد روى الشيخ المحدّث أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفّار القمّي(7) ، قال:

____________________

(1) في طبقاته 2 / 200.

(2) في المقنعة / 71.

(3) في تهذيب الأحكام 6 / 2، حيث قال: وقُبِض مسموماً يوم الإثنين لِلَيلتَينِ بَقيَتا من صفر سنة عشرة من الهجرة.

(4) نقلنا عنه بالواسطة.

(5) في نور الأبصار / 46.

(6) الاعتقادات / 109. والأبهر: وريد القلب.

(7) وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام .

٢٩

حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه (الصادق)عليه‌السلام ، قال: «سُمّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر، فتكلّم اللحمُ فقال: يا رسولَ اللّه، إنّي مسموم. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند موته: اليوم قطّعتْ مطاياي (مطاي خ ل) الأُكلةُ التي أكلتُ بخيبر، وما من نبيّ ولا وصيّ إلاّ شهيد»(1) .

قال الشيخ المجلسي (رضوان اللّه عليه) بعد نقل الخبر:

بيان: المطايا: جمع مطيّة، وهي الدابّة التي تمطو في سيرها. وكأنّه استُعير هنا للأعضاء والقوى التي بها يقوم الإنسان.والأصوب: مطاي كما في بعض النسخ، والمطا: الظهر(2) .

وقال الصفّار القمّي (أعلى اللّه مقامه): حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمّد، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: «سمّت اليهوديّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذراع. قال: وكان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحبّ الذراعَ والكتف، ويكره الورك لقربها مِن المبال. قال: لمّا أُتي بالشواء أكل من الذراع - وكان يحبّها - فأكل ما شاء اللّه، ثمّ قال الذراع: يا رسول اللّه، إنّي مسموم. فتركه، وما زال

____________________

(1) بصائر الدرجات في فضائل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله 10 / 523 - الباب 17، ح 5.

(2) بحار الأنوار 22 / 516، ح 21 - باب وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣٠

ينتقض به سمُّه حتّى ماتصلى‌الله‌عليه‌وآله »(1) .

وروى الشيخ الكليني (رحمة اللّه عليه) عن محمّد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن بُكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (الباقر)عليه‌السلام ، قال: «إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أُتي باليهوديّة التي سمّت الشاة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها: ما حملَكِ على ما صنعتِ؟ فقالتْ: قلتُ: إنْ كان نبيّاً لم يضرَّه، وإنْ كان ملِكاً أرحتُ الناسَ منه. قال: فعفا رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها»(2) .

ونقل الشيخ الطبرسي - المفسّر - (أعلى اللّه مقامه) عن المؤرّخ المعروف ابن إسحاق مقطعاً في باب غزوة خيبر، جاء فيه: ولمّا اطمأنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أهدتْ له زينبُ بنتُ الحارث بن سلاّم بن مشكم - وهي ابنة أخي مرحب - شاةً مصليّة(3) ، وقد سألت: أيُّ عضوٍ مِن الشاة أحبّ إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقيل لها: الذراع. فأكثرتْ فيها السمّ، وسمّت(4) سائر الشاة، ثمّ جاءت بها، فلمّا وضعتْها بين يديه تناول الذراع

____________________

(1) بصائر الدرجات 10 / 523 - باب 17، ح 6.

(2) أصول الكافي 2 / 89 - باب العفو، ح 9.

(3) أي مشويّة.

(4) وسمّمت (خ ل).

٣١

فأخذها، فلاك منها مضغةً وانتهش(1) منها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، فتناول عظماً فانتهش منه(2) ، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ارفعوا أيديكم؛ فإنّ كتف هذه الشاة تُخبرني أنّها مسمومة». فدعاها فاعترفت... فقال: «ما حملَكِ على ذلك؟». قالت: بلغتَ مِن قومي ما لم يَخْفَ عليك، فقلتُ: إنْ كان نبيّاً فسيُخبَر، وإن كان ملِكاً استرحتُ منه. فتجاوز عنها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومات بشر بن البراء مِن أكلته التي أكل.

ودخلت أمّ بشر بن البراء على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعوده في مرضه الذي تُوفّي فيه، فقال: «يا أمّ بشر، ما زالت أكلةُ خيبر التي أكلتُ مع ابنك تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري». فكان المسلمون يرون أنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مات شهيداً، مع ما أكرمه اللّهُ به من النبوّة(3) .

ومع أنّ المرأة اليهوديّة التي سمّتِ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد اعتذرت إليه بأنّها رأتْ أنّه إنْ كان نبيّاً أُخبر بالوحي فلم يضرَّه السمّ، وإن كان ملكاً يريد التسلّط على العباد والبلاد كان السمّ سبباً

____________________

(1) نهش (خ ل).

(2) في سيرة ابن هشام: (تناول الذراع، فلاكَ منها مضغةً فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها... فأساغها، وأمّا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلفظها). لم يسغها: أي لم يبلعها. ولفظها: أي طرحها ورماها.

(3) مجمع البيان 9 / 119 - 122.

٣٢

في إراحة الناس منه. مع هذا، فإنّنا أخذنا نسمع من اليهود همساً يقول بأنّهم همُ الذين دفعوها إلى وضع السمّ في ذراع الشاة.

قال لافي موسى لافي: إنّه لا دينَ إلاّ الدين اليهودي، وكلّ ما سواه من الأديان المزعومة فاسدٌ ومرذول، أما كفتْنا البلابل التي أحدثها (...)(1) يسوع(2) حتّى جاءنا هذا (...)(3) الآخر (...)(4) يزيدنا بلبلة وشغباً؟! إذنْ لنجعل مقاومتنا واحدة؛ ذلك(5) صلبناه(6) ، وهذا لم نحتج لأن نصلبه؛ لأنّنا أمتناه مسموماً...

أورد هذا النصَّ الكاتب (صابر طعيمة) في كتابه (الماسونيّة ذلك العالم المجهول) على الصفحة التاسعة عشرة بعد المئة، معلّقاً عليه في الهامش بقوله: إنّما يدّعي اليهودُ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مات بأثر السمّ الذي وضعوه له في المدينة بكتفِ شاة.

وحقيقة حاول اليهود كثيراً التآمر على حياة رسول اللّهعليه‌السلام ؛ مرّةً بإلقاء الحجر مِن أعلى الجدار الذي كان يجلس عليه يتفاوض معهم في حيّهم، ومرّةً

____________________

(1) كلمة بذيئة نعتذر عن ذكرها.

(2) أي نبيّ الله عيسى بن مريمعليهما‌السلام .

(3) كلمة بذيئة تليق بـ (لافي) قائلها كما تليق بالصهاينة اليهود.

(4) كلمة أخرى يقصد بها النبيَّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(5) أي نبيّ الله عيسى (صلوات الله عليه).

(6) بزعمهم.

٣٣

بدسّ السمّ عند يهوديٍّ دعاه إلى تناول الطعام.

ثمّ استبعد الكاتب (طعيمة) أنْ يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سُمّ، لتصوّره أنّ ذلك لا يجري على النبيّ؛ إذِ الأمر مخالفٌ لشأن كرامته على اللّه تعالى - كما يتصوّر - فيقول: ولكنّ الحقيقة هي فيما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فيما معناه حين لفظ الشاة -:هذه الشاة تُخبرني أنّها مسمومة، وإذا كان اللّه كرّمه بالمعجزة الإلهيّة إلى هذا الحدّ، فكيف يموتصلى‌الله‌عليه‌وآله مسموماً؟!

ونراه استدلالاً مخالفاً:

أوّلاً : للروايات التي ذكرتْ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بشهادة الأنبياء والأوصياء، وأنّه مات مسموماً.

وثانياً : للمنطق الذي يقول بأنّ الشهادة شرف خلعه اللّهُ تعالى على الأنبياء (صلوات اللّه عليهم جميعاً) كما ذكرنا.

وكرامةٌ كالشهادة لا يمكن تصوّر حرمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها، وهو أشرف الأنبياء والمرسلين، وأشرف الخلائق أجمعين، وقد شاء اللّه تبارك وتعالى أنْ يجعل لهُ كلَّ شرفٍ في أسماه، وكلّ كرامةٍ في أسماها.

ولا فُضّ فم ذلك الشاعر حيث قال:

لقد شاء للعلياءِ أنْ تتجسّدا

فقال لها كوني فكانت محمّدا

(صلّى اللّه تعالى عليه وعلى آله)، فهو مجمع الفضائل، بل كانت الفضائل وما زالت تُعرف به، ومنها الشهادة، وهي تتشرّف به، فليس خدشاً في كرامة المعصوم، نبيّاً كان أو رسولاً أو إماماً، أنْ يقضي شهيداً.

٣٤

وقد رُوي عن الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: «أشرف الموت قتلُ الشهادة»(1) .

ونحن ذَكَرْنا بعض الروايات في شهادته (صلوات اللّه عليه وعلى آله)، فهل هنالك غيرها يا تُرى؟! نعم، فبعد أنْ تأكّدنا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مات مسموماً قتيلاً شهيداً، لا بأس هنا أنْ ندقّق في شخص القاتل.

فالعيّاشيرحمه‌الله يروي عن عبد الصمد بن بشير، عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال يوماً لأصحابه: «تدرون مات النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو قُتل؟ إنّ اللّه يقول:( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (2) ، فسُمّ قبل الموت، إنّهما سمّتاه».

قال الراوي: فقلنا: إنّهما وأبويهما شَرُّ مَنْ خلَق اللّه(3) .

وقريب مِن هذا يرويه الفيضُ الكاشاني (رضوان اللّه تعالى عليه)، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «أتدرون مات النبيُّ أو قُتل؟ إنّ اللّه يقول:( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) ». ثمّ قالعليه‌السلام : «إنّهما سقَتاه»، يعني الامرأتين(4) .

____________________

(1) أمالي الصدوق / 395 - المجلس 74، ح 1، عنه: بحار الأنوار 100 / 8، ح 4.

(2) سورة آل عمران / 144.

(3) تفسير العيّاشيّ 1 / 224، ح 152.

(4) تفسير الصافي 1 / 359.

٣٥

إشارات

الإشارة الأولى : قرأنا في رواية العيّاشيرحمه‌الله لفظة (سمّتاه)، وفي رواية الفيض (قدّس سرُّه) لفظة (سقَتاه)، والمعنى إلى مؤدّىً واحد، أي وضعَتا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله السمّ، أو جعلتا السمّ في ما يُشرب من ماءٍ أو لبن مثلاً، فشرِبَهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسُقيَ معه السُمَّ الذي دُسّ فيه.

الإشارة الثانية : رواية العيّاشي تبدأ بـ (تدرون...؟!) ورواية الفيض تبدأ بـ (أتدرون...؟!)، وكلتاهما تريدانِ السؤال، مرّة بهمزة الاستفهام، ومرّة بالاستغناء عنها.

وصيغة الاستفهام هنا لم تأت طلباً لفهم مجهول، فالأمر بالنسبة للسائل - وهو المعصوم (صلوات اللّه عليه) - معلوم واضح، وكم سائلٍ عن أمره وهو يعلم، وإنّما جاءتْ هذه الصيغة لاستثارة الموضوع واستقطاب الأفهام إلى أمرٍ مهمٍّ مطويٍّ مجهولٍ بالنسبة للناس.

الإشارة الثالثة : استشهد الإمامُ الصادق (سلام اللّه عليه)

٣٦

بأنسب آية في قضيّة وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأيّ سببٍ كانت؛ وذلك لأنّ قوله تعالى:( أفإنْ مات أو قُتل ) - كما يرى بعضُ أهل الفهم - مُثيرٌ لشبهةِ قتلٍ يقع على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكأنّ الآية تريد أنْ تقول:إنّ من الجائز أنْ يُقتَل الأنبياء حتّى المصطفى الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله رغم أنّه سيّدُهم وأشرفهم.

إذاً، فلا غرابة أنْ يكون شهيداً، ثمّ لا غرابة أنْ يكون هنالك من المقرَّبين مَنْ تُسوّل له نفسُه بأنْ يرتكب مثلَ هذه الجريمة العظمى. ثمّ لا غرابة أنْ يكون هنالك ممّنْ ينقلبُ على عقبيهِ علناً بعد رحيل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو يرتدّ الكثير، ويبقى أهلُ الصبر في أشدّ العناء، ولكنَّ اللّه (تعالى) مجازيهم، هو نعم المولى ونعم النصير.

وهو القائل (عزّ مِن قائل) في تتمّة الآية المباركة:( ... ومَن ينقلبْ على عقِبَيهِ فلن يَضُرَّ اللّه شيئاً وسيجزي اللّهُ الشاكرين ) (1) .

روى ابن شهر آشوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس في قوله تعالى:( أَفَإِنْ مَاتَ أَو قُتِلَ انْقَلَبْتُم عَلى أَعقابِكُم ومَنْ ينقلبْ على عقِبَيهِ فلن يضرَّ اللّه شيئاً وسيجزي اللّهُ الشاكرين ) ، يعني بالشاكرين: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والمرتدّين على

____________________

(1) سورة آل عمران / 144.

٣٧

أعقابهم: الذين ارتدّوا عنه(1) . أجل، فهو (سلام اللّه عليه) الصابر الشاكر مِن قبلُ ومِن بعد.

روى الشيخ الطبرسيّ (قُدّس سرُّه) بإسناد عن جملة من الرواة ينتهون إلى الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، يروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطبة الغدير، وفيها: «معاشرَ الناس، هذا عليٌّ أخي ووصيّي، وواعي علْمي، وخليفتي على اُمّتي وعلى تفسير كتاب اللّه (عزّ وجلّ)، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفةُ رسول اللّه، وأميرُ المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر اللّه.

معاشر الناس، أُنذرُكم أنّي رسول اللّه قد خلتْ مِن قبليَ الرسل، أفإنْ مِتُّ أو قُتلتُ انقلبتُم على أعقابكم، ومَنْ ينقلب على عقِبَيه فلن يضرَّ اللّه شيئاً وسيجزي اللّه الشاكرين. أَلا وإنّ عليّاً هو الموصوف بالصبر والشكر، ثمّ مِن بعدهِ وُلْدي مِن صُلبه»(2) .

وبإسنادٍ للشيخ الطوسي إلى ابن عبّاس أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول في حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ اللّه (عزّ وجلّ) يقول:( وما محمّدٌ إلاّ رسول قد خلت مِن قبلهِ الرسل أفإنْ ماتَ أو قُتل انقلبتُم على أعقابكم ) ، واللّهِ لا ننقلبُ على أعقابنا

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب 2 / 120.

(2) الاحتجاج 1 / 62.

٣٨

بعد إذْ هدانا اللّه. واللّهِ لئنْ مات أو قُتل لأُقاتلنّ على ما قاتل عليهِ حتّى أموت. واللّهِ إنّي َلأخوه وابنُ عمّه ووارثُه، فمَنْ أحقُّ به منّي؟!»(1) .

وهكذا نلاحظ إثارة الاحتمال للقتل واقعاً على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية الشريفة، وفي خطبة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديث أمير المؤمنينعليه‌السلام .

الإشارة الرابعة : إنّ الفعلينِ (سمَّتاه) و (سقَتاه) قد دخلَ عليهما ضمير التثنية (الألف) بعد تاء التأنيث؛ فالألف فاعل، والهاء ضمير متّصل مبنيٌّ على الضمّ في محلّ نصب مفعول به، عائد بالمعنى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا الألف - وهو هنا ضمير متّصل أيضاً مبنيٌّ على السكون في محلّ رفع فاعل - فهو عائد على مثنّى مؤنث. قال الفيض الكاشانيّ (رحمه اللّه) توضيحاً لقول الإمام الصادقعليه‌السلام : (إنّهما سقتاه): يعني الامرأتين(2) .

فضمير التثنية إذاً كناية عن المرأتينِ اللتين قال اللّه (عز ّوجلّ) فيهما:( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ

____________________

(1) أمالي الشيخ الطوسيّ / 502 - المجلس 18، ح 6، وعنه: تفسير نور الثقلين للحويزيّ 1 / 401، ح 389.

(2) تفسير الصافي 1 / 359.

٣٩

اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (1) .

فالفعلانِ (تتوبا) و (تظاهرا)، والاسم (قلوبكما) دخل عليهم ألف التثنية، وهو ضمير عائدٌ على مثنّى مؤنث، فمَنْ هما يا تُرى؟ نترك التعريف بهما للرواية: عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاس، قال: وجدتْ حفصةُ رسولَ اللّه مع أمّ إبراهيم(2) في يوم عائشة، فقالت: لأُخبرنّها.فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اكتمي ذلك...».

فأخبرت حفصةُ عائشةَ بذلك، فأعلم اللّهُ نبيَّهُ فعرّف حفصةَ أنّها أفشت سرَّه، فقالت له: مَنْ أنبأَك هذا؟ قال: «نبّأنيَ العليمُ الخبير». فآلى رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله مِن نسائهِ شهراً، فأنزل اللّهُ (عزّ اسمُه):( إنْ تتوبا إلى اللّه فقد صغَتْ قلوبُكما ) .

قال ابنُ عبّاس: فسألتُ عمرَ بن الخطّاب: مَنِ اللتانِ تظاهرتا على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: حفصة وعائشة(3) .

وروى كثير من علماء العامّة وحفّاظهم بأسانيدهم عن ابن عبّاس قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمرَ عن المرأتين من أزواج

____________________

(1) سورة التحريم / 3 - 4.

(2) أي ماريّة القبطيّة (رحمة الله عليها).

(3) أمالي الشيخ الطوسيّ / 151 - المجلس 6، الحديث الأوّل.

٤٠