لمعات الحسين (عليه السلام)

لمعات الحسين (عليه السلام)0%

لمعات الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام

لمعات الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد حسين الحسيني
تصنيف: المشاهدات: 4506
تحميل: 3707

توضيحات:

لمعات الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 12 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 4506 / تحميل: 3707
الحجم الحجم الحجم
لمعات الحسين (عليه السلام)

لمعات الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خطبتهعليه‌السلام صبيحة يوم عاشوراء

* ثمّ دعا الحسينُعليه‌السلام براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته بحيث يسمعه الجميع، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، وَلاَ تَعْجَلُوا حَتَّى أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ عَلَيَّ لَكُمْ، وَحَتَّى أُعْذِرَ إلَيْكُمْ؛ فَإنْ أَعْطَيْتُمُونِي النِّصْفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ، وَإنْ لَمْ تُعْطُونِي النِّصْفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ، إنَّ وَليَّ اللَهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّي الصَّالِحِينَ».

ثُمَّ حمد الله وأثنى عليه، وذكر الله تعالى بما هو أهله، وصلّى على النبيّ وآله، وعلى ملائكته وأنبيائه، فلم يُسمَع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثمّ قال: «أمّا بعد، فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟!

ألستُ ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين، المصدّق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما جاء به من عند ربّه؟! أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمّي؟! أولم يبلغكم ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي: هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟

فإن صدّقتموني بما أقول - وهو الحقّ - واللهِ ماتعمّدتُ كذباً منذ علمتُ أنَّ اللَه يمقت عليه أهله، وإنْ كذّبتموني فإنّ فيكم من إنْ سألتُموه عن ذلك أخبركم. سَلوا جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأبا سعيد الخدريّ، وسهل بن سعد الساعديّ، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولاخي. أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟!».

فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد اللهَ على حَرْفٍ إنْ كان يدري ما تقول.

فقال له حبيب بن مظاهر: واللهِ، إنّي لأراك تعبدُ اللهَ على سبعين حرف، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول؛ قد طبع اللهُ على قلبك. ثمّ قال لهم الحسينعليه‌السلام : «فإنْ كنتم في شكٍّ من هذا أفتشكّون أَنّي ابن بنت نبيّكم؟ فواللهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُ بنتِ نَبيٍّ غَيري فيكم ولا في غيركم. وَيْحَكُمْ! أتطلبوني بقتيلٍ منكمْ قتلتُه؟ أو مالٍ لكم استهلكتُه؟ أو بقصاصِ جراحةٍ؟».

فأخذوا لا يكلّمونه، فنادى: «يا شبث بن ربعيّ، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ: أنْ قدْ أينعت الثمارُ واخضرَّ الجنابُ، وإنّما تَقْدَمُ عَلى جُندٍ لَكَ مُجَنَّدَةٍ؟!».

فقال له قيسُ بن الأشعثِ: ما ندري ما تقول! ولكن انْزِل على حُكم بَني عمّكَ؛ فَإنّهم لن يُرُوك إلاّ ما تحبّ.

فَقَالَ الْحُسَيْنُعليه‌السلام : «لاَ وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ، وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ»(1)، ثُمَّ نَادَى: «يَا عِبَادَ اللَهِ، إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ، وَأَعُوذُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَاب»(2) .

خطبة الإمام الغرّاء يوم عاشوراء

* وروى ابن طاووس الخطبة الغرّاء التالية عن سيّد الشهداءعليه‌السلام ، خطبها يوم عاشوراء بهذا المضمون:

قالَ الرَّاوي: وَرَكِبَ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ (لَعَنَهُمُ اللَهُ)، فَبَعَثَ الْحُسَيْنُعليه‌السلام بُرَيْرَ بْنَ خُضَيْرٍ فَوَعَظَهُمْ فَلَمْ يَسْتَمِعُوا، وَذَكَّرَهُمْ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا. فَرَكِبَ الْحُسَيْنُعليه‌السلام نَاقَتَهُ - وَقِيلَ: فَرَسَهُ -، فَاسْتَنْصَتَهُمْ فَأَنْصَتُوا؛ فَحَمِدَ اللَهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى الْمَلاَئِكَةِ وَالأنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْمَقَالِ، ثُمَّ قَالَ: «تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَتَرَحاً! حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ، فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِفِينَ، سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً لَنَا فِي أَيْمَانِكُمْ، وَحَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً اقْتَدَحْنَاهَا عَلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ ألْباً لأعْدَائِكُمْ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ، بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ، وَلاَ أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ!

فَهَلاَّ - لَكُمُ الْوَيْلاَتُ! - تَرَكْتُمُونَا، وَالسَّيْفُ مَشِيمٌ، وَالجَأْشُ طَامِنٌ، وَالرَّأْيُ لَمَّا يُسْتَحْصَفْ؟! وَلكِنْ أَسْرَعْتُمْ إلَيْهَا كَطَيْرَةِ الدَّبَى، وَتَدَاعَيْتُمْ إلَيْهَا كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ! فَسُحْقاً لَكُمْ يَا عَبِيدَ الاُمَّةِ، وَشُذَّاذَ الأحْزَابِ، وَنَبَذَةَ الْكِتَابِ، وَمُحَرِّفِي الْكَلِمِ، وعُصْبَةَ الآثَامِ، وَنَفَثَةَ الشَّيْطَانِ، وَمُطْفِئِي السُّنَنِ! أَهَؤُلاَءِ تَعْضُدُونَ، وَعَنَّا تَتَخَاذَلُونَ؟!

أَجَلْ وَاللَهِ غَدْرٌ فِيكُمْ قَدِيمٌ، وَشَجَتْ إلَيْهِ أُصُولُكُمْ، وَتَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ فُرُوعُكُمْ، فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ ثَمَرٍ شَجاً لِلنَّاظِرِ وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ!

أَلاَ وَإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ(3) قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ؛ بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ؛ يَأْبَي اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ.

أَلاَ وَإنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الاُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَخَذْلَةِ النَّاصِرِ».

ثُمَّ أَوصَلَ كَلاَمَهُ بِأَبْيَاتِ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيِّ:

فَإنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً

وَإنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا(4)

وَمَا إنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ

مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا(5)

إذَا مَا الْمَوْتُ رَفَّعَ عَنْ أُنَاسٍ

كَلاَكِلَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا

فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سُرَوَاءَ قَوْمِي

كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الأوَّلِينَا

فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذاً خَلَدْنَا

وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذاً بَقِينَا

فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا

سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

«ثُمَّ أَيْمُ اللَهِ، لاَ تَلْبَثُونَ بَعْدَهَا إلاَّ كَرَيْثِمَا يُرْكَبُ الْفَرَسُ حَتَّى تَدُورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحَى، وتَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْوَرِ؛ عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ أَبِي عَنْ جَدِّي؛ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

اللَهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ، وَسلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلاَمَ ثَقِيفٍ فَيَسُومَهُمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً؛ فإنَّهُمْ كَذَّبُونَا وَخَذَلُونَا، وَأَنْتَ رَبُّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ»(6) .

أشعاره الرجزيّة يوم عاشوراء

* وجاء في كتاب «كشف الغمّة» عن كتاب «الفتوح» أنّهعليه‌السلام لمّا أحاطت به جموع ابن زياد وقتلوا مَن قتلوا من أصحابه، ومنعوهم الماء، كان لهعليه‌السلام ولدٌ صغير، فجاءه سهمٌ منهم فقتله، فزمّله الحسينعليه‌السلام وحفر له بسيفه وصلّى عليه ودفنه. (ووقف أمام جيش الأعداء وَحمل عليهم مرتجزاً):

غَدَرَ(7) الْقَوْمُ وَ قِدْماً رَغِبُوا

عَنْ ثَوابِ اللَهِ رَبِّ الثَّقَلَيْن

قَتَلُوا قِدْماً(8) عَلِيّاً وَابْنَهُ

حَسَنَ الْخَيْرِ كَرِيمَ الطَّرَفَيْن

حَسَداً مِنْهُمْ وَقَالُوا أَجْمِعُوا

نُقْبِلِ الآنَ جَمِيعاً بِالْحُسَيْن

يَا لَقَوْمٍ لِاُنَاسٍ رُذَّلٍ

جَمَعُوا الْجَمْعَ لأهْلِ الْحَرَمَيْن(9)

ثُمَّ سَارُوا وَتَوَاصَوْا كُلُّهُمْ

لاِجْتِيَاحِي لِلرِّضَا بِالْمُلْحِدَيْن(10)

لَمْ يَخَافُوا اللَهَ فِي سَفْكِ دَمِي

لِعُبَيْدِ اللَهِ نَسْلِ الْفَاجِرَيْن

وَابْنُ سَعْدٍ قَدْ رَمَانِي عَنْوَةً

بِجُنُودٍ كَوُكُوفِ الْهَاطِلَيْن

لاَ لِشَيْءٍ كَانَ مِنِّي قَبْلَ ذَا

غَيْرِ فَخْرِي بِضِيَاءِ الْفَرْقَدَيْن

بِعَلِيٍّ خَيْرِ مَنْ بَعْدَ النَّبِيّ

وَالنَّبِيِّ الْقُرَشِيِّ الْوَالِدَيْن

خَيْرَةُ اللَهِ مِنَ الْخَلْقِ أَبِي

ثُمَّ أُمِّي فَأَنَا ابْنُ الْخَيْرَتَيْن

فِضَّةٌ قَدْ صُفِيَتْ مِنْ ذَهَبٍ

فَأَنَا الْفِضَّةُ وَابْنُ الذَّهَبَيْن

مَنْ لَهُ جَدٌّ كَجَدِّي فِي الْوَرَى

أَوْ كَشَيْخِي فَأَنَا ابْنُ الْقَمَرَيْن

فَاطِمُ الزَّهْرَاءِ أُمِّي وَأَبِي

قَاصِمُ الْكُفْرِ بِبَدْرٍ وَ حُنَيْن

وَ لَهُ فِي يَوْمِ أُحْدٍ وَقْعَةٌ

شَفَتِ الغِلَّ بِفَضِّ الْعَسْكَرَيْن

ثُمَّ بِالأحْزَابِ وَالْفَتْحِ مَع

كَانَ فِيهَا حَتْفُ أَهْلِ الْقِبْلَتَيْن

فِي سَبِيلِ اللَهِ مَاذَا صَنَعَتْ

أُمَّةُ السَّوْءِ مَعاً بِالْعِتْرَتَيْن

عِتْرَةِ الْبَرِّ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى

وعَلِيِّ الْوَرْدِ(11) بَيْنَ الْجَحْفَلَيْن(12)

* قال عبد الله بن عَمّار بن يَغوث: ما رأيتُ مكثوراً قَطّ قد قُتلَ ولده وأهلُ بيته وصحبُهُ أربط جَأشاً منهُ، ولا أمْضى جناناً ولا أجرأ مقدماً! ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شدّ فيها، ولم يثبتْ له أحد(13) .

فصاح عُمر بن سَعد بالجمع: هذا ابنُ الأنْزَعِ البطين(14) ، هذا ابنُ قتّالِ العرب، احملوا عليه من كلّ جانب.

فأتته أربعةُ آلاف نبلة(15) ، وحال الرجال بينه وبين رحله، فصاح بهم سيّد الشهداءعليه‌السلام :

نداؤهعليه‌السلام في أتباع آل أبي سفيان

«يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ، وَكُنْتُمْ لاَ تَخَافُونَ الْمَعَادَ، فَكُونُوا أَحْرَاراً فِيدُنْيَاكُمْ، وَارْجِعُوا إلَى أَحْسَابِكُمْ إنْ كُنْتُمْ عُرْباً كَمَا تَزْعُمُونَ».

فناداه شمر: ما تقولُ يابنَ فاطمة؟

قال: «أنا الذي اُقاتلكم، والنِّساءُ ليس عليهنّ جُناح؛ فامنعوا عُتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمتُ حيّاً».

قَالَ اقْصُدُونِي بِنَفْسِي وَاتْرُكُوا حَرَمِي

قَدْ حَانَ حِينِي وَقَدْ لاَحَتْ لَوَائِحُهُ

فقال شمر: لك ذلك.

وقصده القوم، واشتدّ القتال وقد اشتدّ به العطش(16) .

ثمّ إنّهعليه‌السلام رجع إلى الخيمة وودّع عياله ثانياً، فحملوا عليه يرمونه بالسهام، فحمل عليهم كالليث الغضبان، ورجع إلى مركزه يُكثر من قول: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ»(17) .

* ورماه أبو الحُتوف الجُعْفي بسهم في جبهته، فنزعه وسالت الدماء على وجهه، فقال:

دعاؤهعليه‌السلام على أهل الكوفة ومخاطبته لهم

«اللَهُمَّ إنَّكَ تَرَى مَا أَنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ هَؤُلاَءِ الْعُصَاةِ! اللَهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً، وَاقْتُلْهُمْ بَدَداً، وَلاَ تَذَرْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مِنْهُمْ أَحَداً، وَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً».

وصاح بصوت عالٍ: «يَا أُمَّةَ السَّوْءِ بِئْسَمَا خَلَّفْتُمْ مُحَمَّداً فِي عِتْرَتِهِ! أَمَا إنَّكُمْ لاَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً بَعْدِي فَتَهَابُونَ قَتْلَهُ، بَلْ يَهُونُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ عِنْدَ قَتْلِكُمْ إيَّايَ. وَأَيْمُ اللَهِ إنِّي لأرْجُو أَنْ يُكْرِمَنِيَ اللَهُ بِالشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَنْتَقِمَ لِي مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لاَتَشْعُرُونَ».

فقال الحُصَيْن: وبماذا ينتقم لك منّا يابن فاطمة؟

قالعليه‌السلام : «يُلقي بأسَكم بينكم، ويسفك دماءَكُم، ثُمّ يصبّ عليكم العذابَ صَبّاً»(18) .

كيفيّة استشهادهعليه‌السلام

ولمّا ضعف عن القتال وقف يستريح؛ فرماه رجلٌ بحجر على جبهته، فسال الدم على وجهه، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن عينيه (فـ) رماه آخر بسهمٍ مُحدَّد له ثلاث شعب وقع على قلبه، فقال: «بِسْمِ اللَهِ وَبِاللَهِ، وَعلى مِلَّةِ رَسُولِ اللَهِ». وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «إلَهِي، إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ رَجُلاً لَيْسَ على وَجْهِ الأرْضِ ابْنُ نَبِيٍّ غَيْرُهُ».

ثمّ أخرج السهم من قفاه، وانبعث الدم كالميزاب(19) ؛ فوضع يده تحت الجرح، فلمّا امتلات رمى به نحو السماء وقال: «هَوَّنَ عَلَيَّ ما نَزَلَ بي أنَّهُ بِعَيْنِ اللَهِ». فلم يسقط من ذلك الدمِ قطرةٌ إلى الأرضِ. ثُمّ وَضَعها ثانياً، فلمّا امتلات لطّخ به رأسَه ووجهَه ولحيته، وقال: «هكذا أكونُ حتّى أَلقى اللهَ وَجدِّي رَسُولَ اللهِ»(20) .

* وأعياه نزفُ الدمِ؛ فجلسَ على الأرض ينوءُ برقبته، فانتهى إليه في هذا الحالِ مالكُ بنُ النسر؛ فشتمه ثُمَّ ضربه بالسَّيفِ على رأسه، وكان عليه بُرْنُسٌ فامتلأ البرنس دماً، فألقى البرنسَ واعتمَّ على القَلَنسُوَةِ(21) . وروى البعض أنّه استدعى بخرقةٍ فشَدَّ بها رأسَهُ.

وضربه زُرعة بن شَريك على كتفه اليُسرى(22) ، ورماه الحُصين(23) في حلقه، وضربه آخرُ على عاتِقه، وطعنه سِنان بن أنس في ترقوته، ثُمّ في بواني صدرهِ، ثُمّ رماه بسهم في نَحْره(24) ، وطعَنَه صالح بن وهب فيجنبه(25) .

قال هلال بن نافع: كنتُ واقفاً نحوَ الحسينِ وهو يجودُ بنفسه، فواللهِ ما رأيتُ قتيلاً قطّ مُضمَّخاً بدمه أحسنَ منه وجهاً ولا أنور! ولقد شغلني نورُ وجهه عنالفكرة في قتله(26) .

ولمّا اشتدّ به الحالُ رفعَ طرفَهُ إلى السماء، وتضرَّع إلى ساحة الربِّ ذي الجلال قائلاً: «صَبْراً على قَضَائِكَ يَارَبِّ، لاَ إلَهَ سِوَاكَ، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ»(27) .

وأقبل فرسُه يدور حوله ويمرّغ ناصيتَه بدمه، ويشمّه ويصهَل صهيلاً عالياً(28) . ورُوي عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقرعليه‌السلام أنّه كان يقول: الظَّلِيمَةَ الظَّلِيمَةَ مِنْ أُمَّةٍ قَتَلَتِ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا(29) ! وتوجّه نحو المخيّم.

ونادت اُمّ كلثوم: وَا مُحَمَّدَاهْ! وَا أَبَتَاهْ! وَا عَلِيَّاهْ! وَا جَعْفَرَاهْ! وَا حَمْزَتَاهْ! هَذَا حُسَيْنٌ بِالعَرَاءِ، صَرِيعٌ بِكَرْبَلاءَ(30) .

ونادت زينب: وَا أَخَاهْ! وَا سَيِّدَاهْ! وَا أَهْلَ بَيْتَاهْ! لَيْتَ السَّمَاءَ أَطْبَقَتْ على الأرْضِ، وَلَيْتَ الْجِبَالَ تَدَكْدَكَتْ عَلَى السَّهْلِ(31) .

وانتهت نحو الحسينعليه‌السلام ، وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه، والحُسين يجود بنفسه، فصاحت: أَيْ عُمَر! أَيُقْتَلُ أَبُو عَبْدِ اللَهِ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إلَيْهِ؟!

فصرفَ بوجهه عنها ودموعُه تسيلُ على لحيته(32) .

فصاحت: وَيْحَكُمْ! أَمَا فِيكُمْ مُسْلِمٌ؟!

فلم يجبها أحد(33) ، ثمّ صاح عمر بن سعد بالناس: انزلوا إليه وأريحوه.

فبدر إليه شمر فرفسه برجله، وجلس على صدره، وقبض على شيبته المقدّسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة(34) ، واحتزّ رأسه المقدّس.

أشعار في تصوير حالات سيّد الشهداءعليه‌السلام وحال جميع المخلوقات

وما أروع ما جسّد المرحوم حجّة الإسلام نيّر التبريزيّ حال الموجودات عند شهادة الإمام، كلاً بدوره وبقدر سعته واستعداده، حيث يقول:

جان فداي تو كه از حالتِ جانبازي تو

در طفِ ماريه از ياد بشد شور نُشور

قُدسيان سر بگريبان بحجاب مَلكوت

حُوريان دست بگيسوي پريشان ز قُصور

گوش خَضرا همه پُر غُلغُلة ديو و پَري

سَطح غَبْرا همه پُر ولولة وحش و طُيور

غرق درياي تحيّر زلب خشك تو نوح

دست حسرت بدل ازصبر توأيّوب صَبور

مرتضي با دل افروخته لا حَوْل كنان

مصطفى با جگر سوخته حيران وحَصور

كوفيان دست بتاراج حرم كرده دراز

آهوانِ حَرَم از واهمه در شيوَن و شُور

أنبياء محو تماشا و ملائك مَبهوت

شمر سرشار تمنّا و تو سرگرم حُضور(35)

وما أروع وأبلغ ما حكى آية الله الشعرانيّ (رحمه الله) في «دَمع السُّجوم» عن حقيقة شهادة ذلك الإمامعليه‌السلام :

شاهان همه بخاك فكندند تاجها

تا زيب نيزه شد سر شاه جهان عشق

بر پاي دوست سر نتوان سود جز كسي

كو را بلند گشت سر اندر سِنان عشق

از لا مكان گذشت بيك لحظه بي بُراق

اين مصطفي كه رفت سوي آسمان عشق

شاه‌جهان‌عشق‌كه‌جانانش ازأَلَسْت گفت

اي جهان حُسْن، فداي تو جان عشق

تو كشتة منيّ و منم خون بَهايِ تو

بادا فداي خون تو كَوْن ومكان عشق(36)

وللّهِ الحمدُ ولهُ المِنّة؛ فقد استغرقت كتابة هذه الرسالة أُسبوعاً واحداً، وحُرّرت أيّام إقامة مراسم العزاء عليه (سلام الله عليه)، أي في الأيّام العشرة الاُولى منالمحرّم لسنة ألف وأربعمئة واثنين هجريّة قمريّة، واختتمت بعد شروع ليلة تاسوعاء الحسينعليه‌السلام بساعتين وربع الساعة، بمَنّه وَجودِه وكرمِه إنّه أرحمُ الراحمين.

رَبَّنَا احْشُرْنَا مَعَ الْحُسَيْنِ وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، رَبَّنَا وَتَقَبَّلِ الدُّعَاءَ.

محفل انس است دو عالم ولي

شمع دل افروز حسين است و بس

آنكه سُرود اين دُرَرِ پاك را

خاك ره كوي حسين است و بس

كتبه بيُمناه الداثرةِ، العاشقُ المسكين، والفاني المُستكين، السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ فيالبلدةِ الطيِّبةِ لِلمشهدِ الرضَويِّ المـُقدَّسِ على مُقدِّسِها آلافُ التحيّةِ والإكرامِ، بجاهِ محمّدٍ وآلهِ البَررَةِ الكِرام.

أشعار المؤلّف في مدح سيّد الشهداءعليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ، وَعَلَى الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَهِ وَبَرَكَاتُهُ

الثالث من شعبان المعظّم لسنة 1378 هجريّة قمريّة

العيد السعيد لميلاد سيِّد الشُّهداءِ أَرواحُنا وأرواحُ العالمين له الفِداءُ

ربّنا احشُرنا مع الحسينعليه‌السلام ، وأدخلنا في زمرته، ربّنا وتقبّل الدّعاء

إنّ نور الإله و مرآة تجلّي الحقّ ونور الهدى نور الحسين لا سواه

وسرّ الولاء ولؤلؤ الحقّ المتوهّج ومظهر الواهب المعطي إنّما هو الحسين

ولقد كان سرّ الهويّة الذي تجلّى هو الضوء الساطع لنور الحسين

وروح المشيّة التي ظهر منها الكون والمكان هي الحسين لا سواه

كان تجلّي الذات الأحديّة بلا نقاب هو نور تجلّي الحسين

ولقد كانت السجدة التي سجدتها جمهرة الملائكة لآدم الترابيّ إنّما هي من أجل الحسين لا سواه

وإنّ سلسلة الأنبياء المستمرّة ليست إلاّ طلائع جيش الحسين

وهو لا سواه ثمرة الخلقة منذ الأزل إلى الأبد، وهدف الخلقة والإيجاد

ومع أنّ العالمين محفلٌ للاُنس، لكن الشمع الـذي يُـنير القلوب الحسين لا سواه

ولـيـست الـنفحة الـمنعشة لـنسيم الـجنّة إلاّ شـمّة وعـبيراً مـن رائـحة الـحسين

ومـن سـجيّة الـحسين ولأجـله صـارت نـار نـمرود عـلى الـخليل بـرداً وسـلاماً

وسـفـينة نوح في طـوفان الـيمّ لـم تـكن إلاّ كـزورق فـي جـدولٍ لـلحسين

لـقـد ذهـب مـوسى بـن عـمران لـلميقات حـين ذهـب، لأجـل مـيقات الـحسين

ولـقـد كـان نـور الـوادي الأيـمن عـلى الـدوام شـعشعة مُـحيّا الـحسين لا سـواه

والـنـار الـمـشتعلة فـي جـبل الـطور لـم تـكن إلاّ ضـوءاً مـن نـور الـحسين

والـنفخة الـتي نـفخها عـيسى فـي الـجسد فأحياه إنّما كانت من أنفاس ورائحة الحسين

وهذه الـقـبّة الـمرتفعة الـمنشورة إنّـما تـدور عـلى اسـتدارة حـاجب الـحسين

فـمـا الذي أقول؟ إذ إنّ كلّ مـا فـي الـعالم إنّـما يـبحث عـن الـحسين

والـذي سـطع هـذه الـليلة كـالشمس إنّـما هـو رايـة الـتوحيد، الـحسين لا سـواه

ذلك الذي قـبّل الـرسول عـنقه عـطفاً وحـبّاً فـبكى، هـو الـحسين لا سـواه

إنّ شـمعة مـحفل سـرور حـريم الـلقاء إنّما هو الرأس الطافح بالأنوار للحسين لا سواه

ولـقـد أحرق الـحـسين لا سواه فـراشـة الـروح فـي حـرم الـعشق شـوقاً

فـالقتيل الـذي فـدى بـروحه في سبيل الحبيب، وذو الجسد المـُقطَّع إرباً إنّما هو الحسين

والـذي نـصـب خـيـمته خارج الـعـالمينِ كـلـيهما لـيـس إلاّ الـحـسين

ومَـن قـال فـي مـوضع تـقديم القرابين للحبيب: رضىً ربِّ، إنّما هو الحسين لا سواه

والذي ضُـمِّـخَ بدم الـعـنق إنّـمـا هو نـاصية ذؤابـة الـحسين لا سـواه

إنّ بـاب الـخلاص مـن الـغمّ ومـن بحر البلاء هي سفينة الحسين المنجية دونما سواها

والـيد الـتي تـشفع لـلجميع يـوم الـحشر هـي مـن كـرم الـحسين وجـوده لا سواه

فـإن رُمـتَ الفـوز والـفـلاح فـالـسبيل لـيـس إلاّ ولاية الـحـسين

وإنّ مُـنـشد هذه الدرر الـطـاهرة ترابٌ في مـسـير درب الـحـسين

السيِّد محمّد الحُسين الحُسينيّ الطهرانيّ