الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء

الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء36%

الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 210

الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء
  • البداية
  • السابق
  • 210 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55489 / تحميل: 7472
الحجم الحجم الحجم
الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء

الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

امرأة قتلت رجلا قال تقتل به ولا يغرم أهلها شيئا.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في رجل قتل امرأة متعمدا فقال إن شاء أهلها أن يقتلوه ويؤدوا إلى أهله نصف الدية وإن شاءوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم وقال في امرأة قتلت زوجها متعمدا فقال إن شاء أهله أن يقتلوه قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه.

٥ ـ ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن الحلبي وأبي عبيدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل عن رجل قتل امرأة خطأ وهي على رأس الولد تمخض قال عليه الدية خمسة آلاف درهم وعليه للذي في بطنها غرة وصيف أو وصيفة أو أربعون دينارا.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبان بن تغلب قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها قال عشر من الإبل قلت قطع اثنين قال عشرون قلت قطع ثلاثا قال ثلاثون قلت قطع أربعا قال عشرون قلت سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول الذي جاء به شيطان فقال مهلا يا أبان هكذا حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « أو أربعون دينارا » خلاف ما عليه الأصحاب ، وحمله الشيخ تارة على التقية ، وأخرى على ما إذا كان علقة وسيأتي القول فيه.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « مهلا » أي اسكت وانظر في حتى أجيبك ، ويدل على عدم حجية القياس بالطريق الأولى أيضا فلا تغفل.

٦١

الدين.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص قال نعم في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء فإذا بلغت الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص فقال الرجال والنساء في القصاص سواء السن بالسن والشجة بالشجة والإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا جاوزت الثلث صيرت دية الرجل في الجراحات ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاد ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برجل قد ضرب امرأة حاملا بعمود الفسطاط فقتلها فخير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم وغرة وصيف أو وصيفة للذي في بطنها أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف [ درهم ] ويقتلوه.

الحديث السابع : حسن.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

الحديث التاسع : صحيح.

وهذا الخبر وما تقدمه بظواهرها تدل على أن الخيار في القود والدية إلى أولياء المقتول كما ذهب إليه ابن الجنيد ، إلا أن يأول بما قدمنا ذكره بأن يكون مبنيا على ما هو الغالب من رضا الجاني بالدية ، على أنه يجوز أن يكون في خصوص تلك الصورة الحكم كذلك ، لاشتمالها على الرد من الولي كما قال العلامة (ره) في القواعد ، ولو امتنع الولي أو كان فقيرا فالأقرب أن له المطالبة بدية الحرة إذ لا سبيل إلى طل الدم ـ انتهى.

والقول به في خصوص هذه الصورة قوي ، لدلالة الأخبار الكثيرة عليه.

٦٢

١٠ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له رجل قتل امرأة فقال إن أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف ديته وقتلوه وإلا قبلوا الدية.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جراحات المرأة والرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية فإذا جاز ذلك تضاعفت جراحة الرجل على جراحة المرأة ضعفين.

١٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل فقأ عين امرأة فقال إن يشاءوا أن يفقئوا عينه ويؤدوا إليه ربع الدية وإن شاءت أن تأخذ ربع الدية وقال في امرأة فقأت عين رجل أنه إن شاء فقأ عينها وإلا أخذ دية عينه.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدوا نصف الدية إلى أهل الرجل.

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الكريم ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل قطع إصبع امرأة قال يقطع إصبعه حتى ينتهي إلى ثلث الدية فإذا جاز الثلث كان في الرجل الضعف.

الحديث العاشر : موثق.

الحديث الحادي عشر : حسن أو موثق.

ويدل على مذهب الشيخ ، ويمكن إرجاع« ذلك » إلى ما دون الثلث.

الحديث الثاني عشر : حسن.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

الحديث الرابع عشر : موثق.

٦٣

( باب )

( من خطؤه عمد ومن عمده خطأ )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سئل عن غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ فقال إن خطأ المرأة والغلام عمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما ويؤدوا إلى أولياء الغلام خمسة آلاف درهم وإن أحبوا أن يقتلوا

باب من خطاؤه عمد ومن عمده خطاء

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « إن خطاء المرأة والغلام عمد » لا يخفى مخالفته للمشهور بل للإجماع ، ويحتمل أن يكون المراد بخطائهما ما صدر عنهما لنقصان عقلهما لا الخطأ المصطلح ، فالمراد بغلام لم يدرك شاب لم يبلغ كمال العقل ، مع كونه بالغا.

قال الشيخ في التهذيب(١) بعد إيراد الروايتين على عكس ترتيب الكتاب ، فأما قوله في الخبر الأول : إن خطاء المرأة والعبد عمد » وفي الرواية الأخرى « إن خطاء المرأة والغلام عمد » فهذا مخالف لقول الله ، لأن الله تعالى حكم في قتل الخطإ الدية دون القود ، ولا يجوز أن يكون الخطأ عمدا كمالا يجوز أن يكون العمد خطاء إلا فيمن ليس بمكلف ، مثل المجانين ، والذين ليسوا عقلاء وأيضا قد قدمنا من الأخبار ما يدل علي أن العبد إذا قتل خطاء سلم إلى أولياء المقتول ، أو يفتديه مولاه ، وليس لهم قتله ، وكذلك قد بينا أن الصبي إذا لم يبلغ فإن عمدة خطاء ، وتتحمل الدية عاقلته ، فكيف يجوز أن يكون خطاؤه عمدا ، وإذا كان الخبران على ما قلناه من الاختلاط لم ينبغ أن يكون العمل عليهما فيما يتعلق بأن يجعل الخطأ عمدا ، على أنه يشبه أن يكون الوجه فيه أن خطاءهما عمد ، على ما يعتقده بعض مخالفينا أنه خطاء لأن منهم من يقول كل من يقتل بغير حديدة فإن قتله خطاء ، وقد بينا

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ٢٤٣.

٦٤

الغلام قتلوه وترد المرأة إلى أولياء الغلام ربع الدية وإن أحب أولياء المقتول أن يقتل المرأة قتلوها ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية قال وإن أحب أولياء المقتول أن يأخذوا الدية كان على الغلام نصف الدية وعلى المرأة نصف الدية.

٢ ـ ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن ضريس الكناسي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ فقال إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما فإن كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا

نحن خلاف ذلك ، وأن القتل بأي شيء كان إذا قصد كان عمدا ، ويكون القول فيقوله عليه‌السلام : « غلام لم يدرك » المراد به لم يدرك حد الكمال ، لأنا قد بينا أنه إذا بلغ خمسة أشبار اقتص منه. انتهى.

ثم اعلم أنه مع حمل الغلام على البالغ يبقى فيه مخالفتان للمشهور ، أحدهما فيقوله عليه‌السلام : « وترد المرأة على أولياء الغلام ربع الدية » فإنه موافق لما اختاره الشيخ في النهاية وتبعه تلميذه القاضي ، والمشهور أنها ترد على ورثة الرجل ديتها كاملة نصف دية الرجل.

وثانيهما فيقوله « ويرد الغلام على أولياء المرأة ربع الدية » فإن المقطوع به في كلامهم هو أنه حينئذ لا يرد على أولياء المقتول نصف الدية من الغلام ، وأماقوله « ويردوا على أولياء الغلام خمسة آلاف درهم » فهو موافق للمشهور ، ويرد مذهب المفيد حيث ذهب إلى أن المردود على تقدير قتلهما يقسم أثلاثا ثلثه لأولياء المرأة وثلثاه لأولياء الرجل ، والله يعلم.

الحديث الثاني : صحيح.

وهذه الأحكام كلها موافقة للمشهور بين الأصحاب ، بعد حمل الخطإ على ما مر. قال في الشرائع : لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر فللأولياء قتلهما ، ولا رد على المرأة ولا على العبد إلا أن يزيد قيمته عن نصف الدية ، فيرد على مولاه الزائد ، ولو قتلت المرأة به كان لهم استرقاق العبد إلا أن يكون قيمته زائدة عن نصف دية

٦٥

إلى سيد العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم وإن أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن يكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده وإن كانت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد.

٣ ـ ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبيدة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن أعمى فقأ عين صحيح [ متعمدا ] قال فقال يا أبا عبيدة إن عمد الأعمى مثل الخطإ هذا فيه الدية من ماله فإن لم يكن له مال فإن ديته على الإمام ولا يبطل حق مسلم.

المقتول ، فيرد على مولاه ما فضل ، فإن قتلوا العبد وقيمته بقدر جنايته أو أقل فلا رد ، وعلى المرأة دية جنايتها ، وإن كان قيمته أكثر من نصف الدية ، ردت عليه المرأة ما فضل من قيمته ، فإن استوعب دية الحر وإلا كان الفاضل لورثة المقتول أولا.

الحديث الثالث : موثق.

وقال في المسالك : ذهب الشيخ في النهاية إلى أن عمد الأعمى وخطأه سواء ، يجب فيه الدية على عاقلته ، وتبعه ابن البراج ، وهو قول ابن الجنيد وابن بابويه والسند رواية الحلبي عن الصادقعليه‌السلام « أنه قال : » الأعمى جنايته خطاء ، يلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمه دية ما جنى في ماله يؤخذ بها في ثلاث سنين « الحديث » ورواية أبي عبيدة [ عن الباقرعليه‌السلام ] وهما مشتركان في الضعف ، ومختلفان في الحكم ، ومخالفان للأصول ، وذهب ابن إدريس وجملة المتأخرين إلى أن الأعمى كالمبصر في وجوب القصاص عليه بعمده.

٦٦

( باب نادر )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه وإن لم يكن بلغ خمسة أشبار قضي بالدية.

( باب )

( الرجل يقتل مملوكه أو ينكل به )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل قتل مملوكا له قال يعتق رقبة ويصوم «شَهْرَيْنِ

باب نادر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال في الشرائع : الصبي لا يقتل بصبي ولا بالغ ، وفي رواية يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا ، وفي الأخرى إذا بلغ خمسة أشبار يقام عليه الحدود ، والوجه أن عمد الصبي خطاء محض ، يلزم أرشه العاقلة ، حتى يبلغ خمس عشرة سنة.

وقال في المسالك : بمضمونها أفتى الصدوق والمفيد ، وبرواية العشر أفتى الشيخ في النهاية ، والحق أنها مع ضعفها شاذة مخالفة للأصول ، ولما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ فلا يلتفت إليها.

باب الرجل يقتل مملوكه أو ينكل به

الحديث الأول : موثق بسنديه.

والمشهور بين الأصحاب وجوب كفارة الجمع بالقتل عمدا ، سواء كان المقتول حرا أو عبدا مملوكا للقاتل أو غيره صغيرا كان أو كبيرا.

وقال في المختلف : قال المفيد : السيد إذا قتل عبده عمدا كان عليه كفارة عتق

٦٧

مُتَتابِعَيْنِ » ويتوب إلى الله.

علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن زرعة ، عن سماعة مثله.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال في الرجل يقتل مملوكه متعمدا قال يعجبني أن يعتق رقبة ويصوم «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ » ويطعم ستين مسكينا ثم تكون التوبة بعد ذلك.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في الرجل يقتل مملوكا له قال يعتق رقبة ويصوم «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ » ويتوب إلى الله عز وجل.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قتل عبده متعمدا فعليه أن يعتق رقبة وأن يطعم ستين مسكينا ويصوم «شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ ».

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسنعليه‌السلام في رجل قتل مملوكته أو مملوكه قال إن كان المملوك له أدب وحبس إلا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به.

رقبة مؤمنة ، فإن أضاف إليه صوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا ، فهو أحوط وأفضل له في كفارته انتهى.

وربما يؤيد قول المفيد بالاكتفاء ببعض الخصال في بعض الأخبار ، وبقوله :عليه‌السلام « يعجبني » في حسنة الحلبي ، لكن يشكل تخصيص الأخبار المطلقة ، وتأويل الأخبار الخاصة بمفهوم هذه الأخبار ، وأما الإعجاب فيمكن أن يكون لتأخير التوبة عن الخصال لا لنفسها.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : مجهول.

٦٨

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن أمير المؤمنينعليه‌السلام رفع إليه رجل عذب عبده حتى مات فضربه مائة نكالا وحبسه سنة وأغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس عنهمعليه‌السلام قال سئل عن رجل قتل مملوكه قال إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا وأخذ منه قيمة العبد ويدفع إلى بيت مال المسلمين وإن كان متعودا للقتل قتل به.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في امرأة قطعت ثدي وليدتها أنها

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ويدل الخبر على أحكام :

الأول : وجوب ضرب مائة سوط ، وإنما ذكر الأصحاب فيه التعزير مع تصريحهم بأن التعزير يجب أن لا يبلغ الحد ، لكن مستندهم ظاهرا هذا الخبر.

الثاني : الحبس سنة ، ولم أجد من تعرض له منهم.

الثالث : وجوب التصدق بقيمته ، وقد قطع به الأكثر وتردد فيه ابن الجنيد والعلامة في بعض كتبه ، والشهيد الثاني رحمهم الله تعالى.

الحديث السابع : مجهول.

والمشهور بين الأصحاب التصدق به كما مر ويمكن الجمع بالتخيير.

الحديث الثامن : حسن.

ويدل على أن التنكيل موجب للعتق من غير ولاء كما هو المشهور بين الأصحاب ، وعلى أنه إذا جعله بعد ذلك ضامن جريرته يرثه ، ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل في « ضمن » راجعا إلى « من أحب ».

٦٩

حرة لا سبيل لمولاتها عليها وقضى فيمن نكل بمملوكه فهو حر لا سبيل له عليه سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب فإذا ضمن جريرته فهو يرثه.

( باب )

( الرجل الحر يقتل مملوك غيره أو يجرحه والمملوك يقتل )

( الحر أو يجرحه )

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له قول الله عز وجل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى » قال فقال لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ثمنه دية العبد.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يقتل العبد بالحر ولا يقتل الحر بالعبد ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا حتى لا يعود.

باب الرجل الحر يقتل مملوك غيره أو يجرحه والمملوك يقتل الحر أو يجرحه

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « لا يقتل حر بعبد » تفسير وتخصيص للآية ، إذ ظاهرها عدم قتل العبد أيضا بالحر لكنه خرج بالأخبار والإجماع ، وكذا الذكر والأنثى من الجانبين ولا خلاف بين الأصحاب في عدم قتل الحر بالعبد مع عدم كونه معتادا لقتلهم ، وأما مع الاعتياد فقيل يقتل مطلقا سواء كان عبده أو غيره ، وقيل : لا يقتل مطلقا ، وعلى الأول ففي قتله قصاصا فيرد فاضل ديته عن القيمة أو حدا لإفساده فلا يرد عليه شيء وجهان ، وذهب أكثر القائلين به إلى الثاني وهو الظاهر من الأخبار الدالة عليه.

الحديث الثاني : موثق والحكم إجماعي.

٧٠

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لا يقتل الحر بالعبد وإذا قتل الحر العبد غرم ثمنه وضرب ضربا شديدا.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يقتل حر بعبد وإن قتله عمدا ولكن يغرم ثمنه ويضرب ضربا شديدا إذا قتله عمدا وقال دية المملوك ثمنه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال دية العبد قيمته فإن كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ولا يجاوز به دية الحر.

٦ ـ يونس ، عن أبان بن تغلب عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا حبسوه وإن شاءوا استرقوه ويكون عبدا لهم.

الحديث الثالث : حسن.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس : صحيح.

ولا خلاف فيه بين الأصحاب إلا ابن حمزة حيث قال : وإن قتل عبد غيره لزمه قيمته ما لم تتجاوز دية الحر ، فإن تجاوزت أدت إلى أقل من دية الحر ولو بدينار ولا يعلم مستنده ، والروايات إنما تدل على عدم الزيادة.

الحديث السادس : مرسل.

ويدل هذا الخبر والخبر الآتي على أن الوارث في العمد بالخيار بين القتل والاسترقاق ، ولا خلاف في تسلط الولي على قتله ، وأما إذا أراد استرقاقه فهل يتوقف على رضا المولى؟ فالأشهر بين الأصحاب وظاهر الأخبار العدم ، وقيل : يتوقف على رضاه ، لأن القتل عمدا يوجب القصاص ولا يثبت المال عوضا عنه إلا بالتراضي ، ولا يخفى ضعفه في مقابلة النصوص.

٧١

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام في العبد إذا قتل الحر دفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوه وإن شاءوا استرقوه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن مدبر قتل رجلا عمدا فقال يقتل به قال قلت فإن قتله خطأ قال فقال يدفع إلى أولياء المقتول فيكون لهم رقا إن شاءوا باعوه وإن شاءوا استرقوه وليس لهم أن يقتلوه قال ثم قال يا أبا محمد إن المدبر مملوك.

الحديث السابع : حسن.

الحديث الثامن : صحيح.

واعلم أن المقطوع به في كلام الأصحاب هو أن المدبر إذا قتل عمدا قتل به ، وإن شاء الولي استرقه وبطل تدبيره ، وأما لو قتل خطاء فإن فكه مولاه بأرش الجناية أو أقل الأمرين على القولين لم يبطل التدبير ، وإن سلمه فاختلفوا فيه في موضعين :

الأول أنه هل يعتق بموت مولاه الذي دبره أم يبطل التدبير؟ فذهب الشيخان إلى الأول ، وابن إدريس وأكثر المتأخرين إلى الثاني كما هو ظاهر هذا الخبر وغيره.

والثاني في أنه على القول بعدم بطلان التدبير والحكم بعتقه بعد موت المولى هل يسعى في شيء لأولياء المقتول؟ قيل : لا ، لإطلاق الرواية.

وقال الشيخ : يسعى في دية المقتول إن كان حرا وقيمته إن كان عبدا ، وقال الصدوق : يسعى في قيمته ، وقيل : يسعى في أقل الأمرين من قيمة نفسه ومن دية المقتول أو قيمته جمعا بين الأدلة.

وقال الشهيد الثاني : والأقوى في الموضعين أنه مع استرقاقه بالفعل قبل موت المولى يبطل التدبير ، وإلا عتق بموت مولاه وسعى في فك رقبته بأقل الأمرين من قيمته يوم الجناية وأرش الجناية إن لم تكن الجناية موجبة لقتله حرا ، ويمكن الجمع بين الأخبار بذلك أيضا. انتهى ، ولا يخفى قوته ومتانته.

٧٢

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام مدبر قتل رجلا خطأ من يضمن عنه قال يصالح عنه مولاه فإن أبى دفع إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره ثم يرجع حرا لا سبيل عليه وفي رواية أخرى ويستسعى في قيمته.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمد الوابشي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوم ادعوا على عبد جناية يحيط برقبته فأقر العبد بها قال لا يجوز إقرار العبد على سيده فإن أقاموا البينة على ما ادعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا قتل الحر العبد غرم قيمته وأدب قيل فإن كانت قيمته عشرين ألف درهم قال لا يجاوز بقيمة عبد دية الأحرار.

١٢ ـ وعنه وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن

الحديث التاسع : حسن وآخره مرسل.

وحمل على أقل الأمرين أو أرش الجناية.

الحديث العاشر : مجهول.

ولا خلاف في عدم اعتبار إقرار المملوك بالجناية ولو أقر بما يوجب المال يتبع به إذا تحرر.

وقوله عليه‌السلام : « أو يفتديه مولاه » محمول على ما إذا رضي به الوارث إذا كان عمدا ، والافتداء لم يرد متعديا بنفسه فيما عندنا من كتب اللغة ، وإنما يقال : يفتدي به ، ولعل فيه حذفا وإيصالا وتصحيفا.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

ويدل على أحكام. الأول : إن الخيار في جراحة العبد عمدا إلى المجروح بين

٧٣

رئاب ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال في عبد جرح حرا قال إن شاء الحر اقتص منه وإن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحته ـ والباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى.

١٣ ـ ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل شج عبدا موضحة قال عليه نصف عشر قيمته.

القصاص واسترقاق الكل إن كانت الجناية تحيط برقبته ، وإلا فبقدر أرش الجناية كما هو المشهور بين الأصحاب.

الثاني : إنه مع عدم استيعاب الجناية يفديه مولاه إن أراد ، وحمل على ما إذا أراد المجني عليه أيضا ، وإلا فله الاسترقاق بقدر أرش الجناية كما هو الأشهر ، وعمل بظاهره ابن الجنيد حيث قال : إذا كان أرش جناية العبد لا يحيط برقبته كان الخيار إلى سيده إن شاء فداه ، وإلا كان المجني عليه شريكا في رقبة العبد بقدر أرش الجناية ، وإن كان أرش جنايته يحيط برقبة كان الخيار إلى المجني عليه أو وليه ، فإن شاء ملك الرقبة وإن شاء أخذ من سيده قيمته.

الثالث : إنه مع عدم رضا المولى بالفداء ، للمجروح استرقاقه بقدر الجناية ولا خلاف فيه.

الرابع : إن للمولى أن يجبر على بيع جميع العبد ليأخذ قدر أرشه ، وهو الظاهر من المحقق في الشرائع ، لكن الظاهر من كلام الأكثر والأوفق بأصولهم أن له أن يبيع بقدر أرش الجناية ، ويمكن أن يحمل الخبر على ما إذا رضي المولى بالبيع أو على ما إذا لم يمكن بيع البعض ، والأخير أيضا لا يخلو من إشكال. فالله يعلم.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « عليه نصف عشر قيمته » لأن في الموضحة خمسا من الإبل وهي نصف عشر تمام الدية ، ففي العبد نصف عشر قيمته كما هو المقرر في جراحات

٧٤

١٤ ـ ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن عبد قطع يد رجل حر وله ثلاث أصابع من يده شلل فقال وما قيمة العبد قلت اجعلها ما شئت قال إن كان قيمة العبد أكثر من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث أصابع الشلل رد الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد وإن شاء أخذ قيمة الإصبعين الصحيحتين والثلاث أصابع الشلل قلت وكم قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكف والثلاث الأصابع [ الشلل ] قال قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكف ألفا درهم وقيمة الثلاث الأصابع الشلل مع الكف ألف درهم لأنها على الثلث من دية الصحاح قال وإن

المملوك.

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

قوله : « من يده شلل » الشلل بالتحريك مصدر ، والصفة للمذكر أشل وللمؤنث شلاء فالتوصيف والحمل إما للمبالغة ، أو بحذف مضاف أي ذوات شلل ، والأظهر أنه كان شلاء بالضم ، جمع شلاء فصحف.

قوله : « اجعلها ما شئت » أي أفرضها ما شئت وبين لها حكمها ويستفاد من الخبر أمور.

الأول : تساوي دية الأصابع كما هو الأشهر وسيأتي.

الثاني : كون دية العضو الأشل ثلث دية الصحيح كما هو المقطوع به في كلامهم.

الثالث : عدم قطع اليد الصحيحة بالشلاء ، وإن كان الجاني عبدا والمجني عليه حرا إذ لم يتعرضعليه‌السلام لذكر القصاص مع عدم التخصيص بالخطاء ، وهو الظاهر من تعميم الأصحاب.

الرابع : أن شلل الأصابع وصحتها يسري حكمها إلى جميع الكف ، ولم أرهم صرحوا بذلك ، لكن لا يبعد القول به على أصولهم.

الخامس : تخيير المولى مع استيعاب الجناية بين الفداء ، ودفع العبد ولعله

٧٥

كان قيمة العبد أقل من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه ويأخذ العبد.

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عمن رواه قال قال يلزم مولى العبد قصاص جراحة عبده من قيمة ديته على حساب ذلك يصير أرش الجراحة وإذا جرح الحر العبد فقيمة جراحته من حساب قيمته.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن جميل وعلي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمد بن حمران جميعا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في مدبر قتل رجلا خطأ قال إن شاء مولاه أن يؤدي إليهم الدية وإلا دفعه إليهم

محمول على ما إذا رضي به المجني عليه أو على الخطإ.

الحديث الخامس عشر : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « من قيمة ديته » لعل الضمير راجع إلى المجني عليه المعلوم بقرينة المقام أو إلى الجراح.

والحاصل أن المولى يلزمه إذا أراد الفك أن يعطي دية الجرح بالنظر إلى المجروح لا بالنظر إليه ، فيدل على مذهب من قال بثبوت أرش الجناية مطلقا ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى العبد إشارة إلى أن المولى لا يلزم بأزيد من قيمة العبد ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ذكره الأصحاب من أن أرش الجناية الواقعة على الحر إذا لم يقدر في الشرع تفرض الجناية في العبد وبنسبة نقص قيمته يؤخذ من الدية ، لكن تطبيقه على العبارة مشكل ،قوله عليه‌السلام : « فقيمة جراحته » إلى آخره أي ينسب دية الجراح في الحر إلى مجموع ديته ، وبهذه النسبة يؤخذ من قيمة العبد كما ذكره الأصحاب.

الحديث السادس عشر : السند الأول ضعيف على المشهور والثاني مجهول.

وقال الشيخ في التهذيب(١) : هذه الروايات هكذا وردت مطلقة بأنه متى مات المدبر صار المدبر حرا ، وليس فيها أنه يستسعي في الدية ، والأولى أن يشترط ذلك فيها فيقال

__________________

(١) التهذيب ج ١٠ ص ١٩٨.

٧٦

يخدمهم فإذا مات مولاه يعني الذي أعتقه رجع حرا وفي رواية يونس لا شيء عليه.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن نعيم بن إبراهيم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها وما كان من حقوق الله عز وجل في الحدود فإن ذلك في بدنها قال ويقاص منها للمماليك ولا قصاص بين الحر والعبد.

١٨ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في عبد فقأ عين حر وعلى العبد دين إن على العبد حدا للمفقوء عينه و

إذا مات المولى الذي دبره استسعى في دية المقتول ، » لئلا يبطل دم امرئ مسلم ، وذلك لا ينافي هذه الأخبار ، فأما قوله في رواية يونس« لا شيء عليه » فنحمله على أنه لا شيء عليه من العقوبة ، أو أنه لا شيء عليه في الحال وإن وجب عليه أن يسعى على مر الأوقات.

الحديث السابع عشر : مجهول.

وظاهره أن جنايتها لا تتعلق برقبتها ، بل يلزم المولى أرش جنايتها ونسب القول بذلك إلى الشيخ في المبسوط ، وابن البراج ، والمشهور بين الأصحاب أن جنايتها تتعلق برقبتها ، وللمولى فكها إما بأرش الجناية أو بأقل الأمرين وإن شاء دفعها إلى المجني عليه. هذا في الخطإ.

وأما في العمد فلا خلاف في جواز القود ، وأما الاسترقاق فالظاهر أنه يجري فيه ما مر.

وقال الشهيد (ره) في الدروس بعد نقل مضمون الرواية : ويمكن حملها على أن له الفداء وهو متين.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « حدا » أي حكما جاريا فإن كان عمدا يقتص منه ولا يمنع منه عدم قدرته بعد ذلك على الكسب للغرماء إن تعلق دينهم بكسبه ، لتقدم حق الجناية المتعلق

٧٧

يبطل دين الغرماء.

١٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل له مملوكان قتل أحدهما صاحبه أله أن يقيده به دون السلطان إن أحب ذلك قال هو ماله يفعل به ما يشاء إن شاء قتله وإن شاء عفا.

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن الخطاب بن سلمة ، عن هشام بن أحمر قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن مدبر قتل رجلا خطأ قال أي شيء رويتم في هذا قال قلت روينا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال يتل برمته إلى أولياء المقتول فإذا مات الذي دبره أعتق قال سبحان الله فيبطل دم امرئ مسلم قال قلت هكذا روينا قال قد غلطتم على أبي يتل برمته إلى أولياء المقتول فإذا مات

برقبته على الدين المتعلق بكسبه أو ذمته ، ويجوز للمجني عليه استرقاقه ، وكذا في الخطإ يجوز استرقاقه ، ويمكن أن يخص الحد بالقصاص بل هو أظهر.

الحديث التاسع عشر : موثق.

ولا خلاف ظاهرا بين الأصحاب في كونه مخيرا بين العفو والقود ، والخبر يدل على جواز القود له بدون إذن الإمامعليه‌السلام كما ذهب إليه جماعة ، لا سيما إذا كان مملوكه والأحوط عدم المبادرة بدون إذن الحاكم.

الحديث العشرون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « يتل برمته » قال الجزري يقال : تله في يده أي ألقاه ، وتله للجبين : أي صرعه ، وقال : وفي حديث عليعليه‌السلام « إن جاء بأربعة يشهدون وإلا دفع إليه برمته » الرمة بالضم قطعة حبل يشد بها الأسير ، أو القاتل إذا قيد إلى القصاص أي يسلم إليهم بالحبل الذي شد به تمكينا لهم منه ، لئلا يهرب ، ثم اتسعوا فيه حتى قالوا « أخذت الشيء برمته » أي كله انتهى ، والخبر يدل على أنه يستسعي في قيمته ، وإن زادت الدية عنها كما هو الأشهر ، ويمكن الجمع بين الأخبار بالتخيير بين الاسترقاق ـ فلا يعتق بعد موت المولى ـ وبين استخدامه إلى موت المولى ، واستسعائه

٧٨

الذي دبره استسعي في قيمته.

٢١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مريم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في أنف العبد أو ذكره أو شيء يحيط بثمنه أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد.

( باب )

( المكاتب يقتل الحر أو يجرحه والحر يقتل المكاتب أو يجرحه )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في مكاتب قتل قال يحسب

بعده ليعتق ، ويحمل أخبار عدم الاستسعاء على الاستحباب.

الحديث الحادي والعشرون : حسن أو موثق.

ومضمونه مقطوع به في كلام الأصحاب ، حيث حكموا بأنه إذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شيء له ، وبين دفعه وأخذ قيمته ، لئلا يجمع بين العوض والمعوض ، واستثنى الأكثر من ذلك ، ما لو كان الجاني غاصبا ، فإنه يجمع عليه بين أخذ العوض ، والمعوض مراعاة لجانب المالية ، ووقوفا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.

باب المكاتب يقتل الحر أو يجرحه والحر يقتل المكاتب أو يجرحه

الحديث الأول : صحيح أو حسن.

وعليه عمل الأصحاب ولم يخالف ظاهرا إلا الشيخ في الاستبصار حيث قال : يحسب ويؤدي منه بحساب الحرية ما لم يكن أدى نصف ثمنه ، فإذا أدى ذلك كان حكمه حكم الأحرار ، وقال الصدوق : إذا فقأ حر. عين مكاتب أو كسر سنه فإن كان أدى نصف مكاتبته ، فقأ عين الحر أو أخذ ديته إن كان خطاء فإنه بمنزلة الحر وإن كان لم يؤد النصف قوم فأدى بقدر ما عتق منه انتهى ، ومستندهما خبر طرح

٧٩

ما أعتق منه فيؤدى دية الحر وما رق منه فدية العبد.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مكاتب اشترط عليه

بالجهالة.

الحديث الثاني : صحيح.

واعلم أن المكاتب إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقن ، وإن كان مطلقا وقد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه بحسابه ، فإذا قتل حرا عمدا قتل به ، وإن قتل مملوكا فلا قود ، وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة ، فيسعى في نصيب الحرية ويسترق الباقي منه ، أو يباع في نصيب الرقية إلا أن يفكه المولى فيبقى على مكاتبته. وإذا قتل خطاء تتعلق الجناية برقبته مبعضة ، فما قابل نصيب الحرية يكون على الإمام ، وما قابل نصيب الرقية إن فداه المولى فالكتابة بحالها وإن دفعه استرقه أولياء المقتول ، وبطلت الكتابة في ذلك البعض ، هذا هو المشهور وفيه أقوال أخر ، أحدها : أنه مع أداء نصف ما عليه يصير بمنزلة الحر ، فيستسعى في العمد ، ويجب على الإمام أداء نصيب الحرية في الخطإ ، نسب إلى الشيخ في الاستبصار وإلى الصدوق وقد عرفت ما ذهبا إليه فيما نقلنا عنهما ، وثانيهما أن على الإمام أن يؤدي بقدر ما عتق من المكاتب ، وما لم يؤد فلمورثه أن يستخدموه فيه مدة حياته ، وليس لهم بيعه. ذهب إليه المفيد وسلار ، ونسب إلى الصدوق أيضا.

وثالثها : أن على مولاه ما قابل نصيب الرقية ، وعلى الإمام ما قابل الحرية ، ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن إدريس.

فإذا عرفت هذا ففي هذا الخبر إشكال من حيث إن الحكم المذكور فيه هو حكم غير المشروط ، وقد صرح فيه بأنه حكم المشروط ، ولعله سقط حكم المشروط من البين ، وقيل : المعنى اشترط أن يكون جنايته عليه ، ولا يخفى بعده ، وفي الفقيه(١) هكذا « قال : سألت أبا عبد الله عن مكاتب جنى على رجل » إلى آخره وهو

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ٩٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قضي عليهم أن يخوضوه فلا يبالون ما يصيبهم في أنفسهم وفي أبنائهم وأموالهم؛ لأنّهم يطلبون به ما هو أعزّ على المؤمن من النّفس والولد والمال، فليس من المروءة أن يندبهم لأمر ولا يكون قدوة لهم فيه.

وكان على الحُسين - وقد أزمع الخروج - أن يجمع له أقوى حجّة في يديه، ويجمع على خصومه أقوى حجّة تنقلب عليهم إذا غلبوه وأخفق في مسعاته فيكون أقوى ما يكون وهو منتصر، ويكونون أبغض ما يكونون وهو مخذول والمسلم الذي ينصر الحُسين لنسبه الشّريف أولى أن ينصره غاية نصره وهو بين أهله وعشيرته، وإلاّ فما هو بناصره على الاطلاق، وتنقلب الآية في حالة الخذلان، فينال المنتصر من البغضاء والنقمة على قدر انتصاره الذي يوشك أن ينقلب عليه.

صواب الشُهداء:

وجملة ما يقال: إنّ خروج الحُسين من الحجاز إلى العراق، كان حركة قوية لها بواعثها النّفسية التي تنهض بمثله ولا يسهل عليه أن يكبتها أو يحيد بها عن مجراها، وإنّها قد وصلت إلى نتائجها الفعّالة من حيث هي قضية عامّة تتجاوز

١٢١

الأفراد إلى الأعقاب والأجيال، سواء أكانت هذه القضية نصرة لآل الحُسين أم حرباً لبني اُميّة

إنّما يبدو الخطأ في هذه الحركة حين ننظر إليها من زاوية واحدة ضيّقة المجال قريبة المرمى، وهي زاوية العمل الفردي الذي يراض بأساليب المعيشة اليومية ويدور على النفع العاجل للقائمين به والداعين إليه، فحركة الحُسين لم تكن مسدّدة الأسباب لمنفعة الحُسين بكلّ ثمن وحيثما كانت الوسيلة؛ وعلّة ذلك ظاهرة قريبة، وهي: إنّ الحُسين رضي الله عنه طلب الخلافة بشروطها التي يرضاها، ولم يطلبها غنيمة يحرص عليها مهما تكلّفه من ثمن ومهما تتطلب من وسيلة.

وهُنا غلطة الشُهداء بل قُل: هُنا صواب الشُهداء ومَن هو الشّهيد إن لم يكن هو الرّجل الذي يُصاب ويعلم أنّه يُصاب؛ لأنّ الواقع يخذله ولا يجري معه إلى مرماه؟

منذ القدم أخطأ الشُهداء هذا الخطأ، ولو أصابوا فيه لما كانوا شُهداء ولا شرفت الدُنيا بفضيلة الشّهادة

١٢٢

فالحُسينرضي‌الله‌عنه قد طلب خلافة الرّاشدين حيث لا تتسنى خلافة الرّاشدين، أو حيث تتسنى الدولة الدنيوية التي يضنّ بها أصحابها ويتكالبون عليها ويتوسلون إليها بوسائلها فكانت عنايته بالدعوة والإقناع أعظم جدّاً من عنايته بالتنظيم والإلزام

نزل رسوله الأوّل مُسلم بن عقيل بالكوفة صفر اليدين من المال، حتّى احتاج فيها أن يقترض سبعمئة درهم هي التي أوصى بردّها إلى أصحابها قبل قتله، وتلك عقبة من العقبات التي تعوق دعوات الكبار، ولكنّها على هذا لم تكن بالعقبة العصية التذليل فلو أنّه قد طلب المال من وسائله الدنيويّة أو السّياسية، لما استعصى عليه أن يأخذ منه ما يكفيه.

فلعلّه كان ميسوراً له بعد أن تجمّع حوله الأنصار وبايع الحُسين على يديه ثلاثون ألفاً، كما جاء في بعض الرّوايات. ففي تلك اللحظة لعلّه كان يستطيع أن يحيط بقصر الوالي الأموي ويستولي عليه وينشئ الحكومة الحسينية فيه. ثمّ لعلّه كان يستطيع بعد ذلك أن يوجّه الدعاة إلى أطراف الدولة الشّرقية؛ ليتلقّى البيعة ويقيم الولاة ويحشد الأجناد

١٢٣

فإذا كان هذا فاته حتّى خفّ الاُمويّون لدرء الخطر عنهم وبعثوا إلى الكوفة بعبيد الله بن زياد، فقد سيق عبيد الله هذا في يوم من الأيّام إلى يديه وكان في وسعه أن يبطش به ويستوي على كرسيه ويحرم يزيد بن معاوية نصيراً من أعنف أنصاره وقد فاته هذا؛ لأنّ شريعة الخلافة لا تبيحه في رأيه، أو لأنّه اعتقد أنّ الحقّ بيّن وأنّ الباطل بيّن فلا حاجة به بعد التمييز بينهما إلى فتكة الغدر كما سماها، ولا محل عنده لإهدار الدماء وهو ينعي على الدولة القائمة أنّها تهدر الدماء بالشبهات.

ولقد رأى مُسلم أنّ حقّ صاحبه في الخلافة قائم على شيء واحد، وهو إقبال النّاس إليه طائعين ومبايعتهم إيّاه مختارين، فأمّا وقد تفرّقوا عنه رهبة من السلطان أو ضعفاً في اليقين، فالرّأي عنده أن يكتب إلى صاحبه يعلمه بانفضاض النّاس عنه ويثنيه عن القدوم، ولا حقّ له عليهم بعد ذلك حتّى يثوبوا إليه

وقيام الخلافة على هذا الاختيار عقيدة لا نفهمها نحن الآن، ولكن قد يفهمها يومئذ مَن كان على مقربة من عهد النّبوّة وعهد الصدّيق والفاروق فقد كان الصراع بين الحُسين ويزيد أوّل تجربة من قبيلها بعد عهد النّبوّة وعهد الخلفاء الأوّلين

١٢٤

لم يكن الصراع بين عليّ ومعاوية على هذا الوضوح الذي لا شبهة فيه بين الحقّ والباطل وبين الفضيلة والنّقيصة لكنّه في بيعة الحُسين كان قد وضح وضوح الصبح لذي عينين.

وكان ذلك - كما قُلنا - أوّل تجربة من قبيلها بعد عهد الفداء في سبيل العقيدة والإيمان بعد العهد الذي كان الرّجل فيه يخرج من ماله وينفصل من ذويه ويتجرّد لحرب أبيه وأخيه وبنيه إن خالفوه في أمر الإسلام بعد العهد الذي كان القليل فيه من المسلمين يصدّون الكثير من المشركين وفي أيديهم السّلاح والعتاد، ومن ورائهم المعاقل والأزواد بعد العهد الذي تغيّر فيه النّاس، وخُيل إلى مَن كان يعهدهم على غير تلك الحال أنّهم متغيّرون

النّاس عبيد الدُنيا:

فكيف ينخذل الحُسين وينتصر يزيد في عالم شهد النّبوّة وشهد الخلافة على سنّة الرّاشدين؟ إنّ كلمة واحدة قالها الحُسين في ساعة يأسه تشف عن مبلغ يقينه بوجوب الحقّ وعجبه من أن يكون الأمر غير ما وجب، وذلك حيث قال:(( النّاسُ عبيدُ الدُنيا، والدينُ لعقٌ على ألسنتهم يحوطونهُ ما درّت به معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاءِ قلَّ الديّانون )).

إنّ الطبائع الأرضية لا تنخدع في صلاح النّاس ولا تعجب هذا

١٢٥

العجب؛ لأنّها لا تخرج من نطاقها المحدود ولا تصدّق ما وراءها من الآمال والوعود.

إنّها لا تضلّ عن طريق المنفعة؛ لأنّها لا تعرف غيرها من طريق، إنّها تؤثر القنديل الخافت في يدها على الكوكب اللامع في السّماء، لا لأنّها لا ترى الكوكب اللامع في السّماء، بل لأنّها ترى القنديل والكوكب فتعلم أنّ هذا قريب وأنّ ذاك جد بعيد إنّها لا تنخدع بالسّراب؛ لأنّها لا تخرج من عقر دارها ولا تشعر بظمأ الفؤاد ولا تنظر إلى السّراب ولكن طبيعة الشُهداء غير طبيعة المساومة على البيع والشّراء.

طبيعة المساومة موكلة بالحرص على الهنات وطبيعة الشّهادة موكلة ببذل الحياة لما هو أدوم من الحياة وشتان طبيعة وطبيعة، وشتان خطأ الشُهداء وخطأ المساومين.

وليست موازين المساومة بالموازين الفذّة التي يصلح عليها أمر بني الإنسان، فإنّ بني الإنسان ما بهم غنى قط عن الذين يخطئون؛ لأنّهم أرفع من المصيبين، وإنّهم لهم الشُهداء.

وإنّهم لعلى صواب في المدى البعيد، وإن كانوا على خطأ في المدى القريب مدى الأجواف والمعدات والجلود لا مدى الأرواح والأخلاد

١٢٦

من هؤلاء كان الحُسين رضي الله عنه، بل هو أبو الشُهداء وينبوع شهادة متعاقبة لا يقرن بها ينبوع في تاريخ البشر أجمعين.

فلا جرم يصيب في المدى البعيد ويخطئ في المدى القريب مدى المنفعة التي تناله هو في معيشة يومه، وهو المدى الذي لا يأسف عليه ولا ينص الركاب إليه.

* * *

١٢٧

١٢٨

كربلاء

الحرّم المقدّس:

عرفت قديماً باسم (كور بابل) ثمّ صحفت إلى كربلاء، فجعلها هذا التصحيف عرضة لتصحيف آخر يجمع بين الكرب والبلاء، كما رسمها بعض الشُعراء

ولم يكن لها ما تذكر به في أقرب جيرة لها فضلاً عن إرجاء الدُنيا البعيدة منها فليس لها من موقعها، ولا تربتها، ولا من حوادثها، ما يغري أحداً برؤيتها ثمّ يثبت في ذاكرة من يراها ساعة يرحل عنها. فلعلّ الزمن كان خليقاً أن يعبر بها سنة بعد سنة وعصراً بعد عصر، دون أن يسمع لها اسم أو يحسّ لها بوجود إلاّ أن تذكر نينوى وجيرتها فتدخل في زمرة تلك الجيرة بغير حساب.

وشاءت مصادفة من المصادفات أن يُساق إليها ركب الحُسين بعد أن حيل بينه وبين كلّ وجهة اُخرى، فاقترن تاريخها منذ ذلك اليوم بتاريخ الإسلام كلّه، ومن حقّه أن يقترن بتاريخ بني الإنسان حيثما

١٢٩

عرفت لهذا الإنسان فضيلة يستحقّ بها التنويه والتخليد.

فهي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى، ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة، ولكنّها لو أعطيت حقّها من التنويه والتخليد، لحقّ لها أن تصبح مزاراً لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظّاً من الفضيلة؛ لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب، أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحُسين فيها.

فكلّ صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان، وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السّائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيّام الحُسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم له من الإيمان والفداء والإيثار، ويقظة الضمير، وتعظيم الحقّ، ورعاية الواجب، والجلد في المحنة، والأنفة من الضيم، والشّجاعة في وجه الموت المحتوم

وهي - ومثيلات لها من طرازها - هي التي تجلّت في حوادث كربلاء منذ نزل بها ركب الحُسين، ولم تجتمع كلّها ولا تجلّت قط في موطن من المواطن تجلّيها في تلك الحوادث، وقد شاء القدر أن تكون في جانب منها أشرف ما يشرّف به أبناء آدم؛ لأنّها في الجانب الآخر منها أخزى ما يخزى به مخلوق من المخلوقات

وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النّفوس، أنّه ما من أحد

١٣٠

قُتل في كربلاء إلاّ كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة، ولكنّهم جميعاً آثروا الموت عطاشاً جياعاً مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة؛ لأنّهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الحياة

أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها أنّهم رأوه بينهم فافتدوه بأنفسهم، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلاّ أن يكون هو أهلاً للاستشهاد في سبيله وسبيل دعوته، وأن يكون في سليقة الشّهيد الذي يأتمّ به الشُهداء.

نموت معك:

أقبل الفتى الصغير عليّ بن الحُسين على أبيه وقد علم أنّهم مخيّرون بين الموت والتسليم فسأله: ألسنا على الحقّ؟! قال الوالد المنجب النّجيب:(( بلى والذي يرجع إليه العباد )). فقال الفتى: يا أبه، فإذن لا تُبالي وهكذا كانوا جميعاً لا يُبالون ما يلقون، ما علموا أنّهم قائمون بالحقّ وعليه يموتون

١٣١

وأراد الحُسين - وقد علم أنّ التسليم لا يكون - أن يبقى للموت وحده وألاّ يعرّض له أحداً من صحبه؛ فجمعهم مرّة بعد مرّة وهو يقول لهم في كلّ مرّة:(( لقد بررتم وعاونتم، والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحداً فإذا جنّكم الليل فتفرّقوا في سواده وانجوا بأنفسكم )).

فكأنّما كان قد أراد لهم الهلاك ولم يرد النّجاة، وفزعوا من رجائهم إيّاه كما يفزع غيرهم من مطالبتهم بالثبات والبقاء. وقالوا له - كأنّهم يتكلمون بلسان واحد -: معاذ الله والشّهر الحرام ماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم؟ أنقول لهم إنّا تركنا سيّدنا وابن سيّدنا وعمادنا، تركناه غرضاً للنبل ودريئة للرماح وجزراً للسباع، وفررنا عنه رغبة في الحياة؟ معاذ الله بل نحيا بحياتك ونموت معك.

قالوا له نموت معك ولك رأيك، ولم يخطر لأحد منهم أن يزيّن له العدول عن رأيه إيثاراً لنجاتهم ونجاته. ولو خادعوا أنفسهم قليلاً لزيّنوا له التسليم وسمّوه نصيحة مخلصين يريدون له الحياة، ولكنّهم لم يخادعوا أنفسهم ولم يخادعوه، ورأوا أصدق النّصيحة له أن يجنبوه التسليم ولا يجنبوه الموت، وهُم جميعاً على ذلك.

ولم يكونوا جميعاً من ذوي عمومته وقرباه، بل كان منهم غرباء نصحوا له ولأنفسهم هذه النّصيحة التي ترهب العار ولا ترهب الموت. فقال له زهير بن القين: والله، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت حتّى

١٣٢

اُقتل هكذا ألف مرّة، ويدفع الله بذلك الفشل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وقال مُسلم بن عوسجة - كأنّه يعتب لما اختار له من السّلامة -: أنحن نخلي عنك؟ وبِمَ نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ لا والله، حتّى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله، لا نخليك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك. وأما والله، لو علمت أنّني اُقتل ثمّ أحيى ثمّ اُحرق ثمّ أحيى ثمّ اُحرق ثمّ أذرّى، ويُفعل بي ذلك سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك

وجيء إلى رجل من أصحابه الغرباء بنبأ عن ابنه في فتنة الديلم، فعلم أنّ الديلم أسروه ولا يفكّون إساره بغير فداء، فأذن له الحُسين أن ينصرف وهو في حلّ من بيعته ويعطيه فداء ابنه، فأبى الرّجل إباء شديداً، وقال: عند الله أحتسبه ونفسي. ثمّ قال للحسين: هيهات أن أفارقك ثمّ أسأل الركبان عن خبرك، لا يكن والله هذا أبداً

* * *

وقد تناهت هذه المناقب إلى مداها الأعلى في نفس قائدهم الكريم يخيّل إلى الناظر في أعماله بكربلاء أنّ خلائقه الشّريفة كانت في سباق بينها أيّها يظفر بفخار اليوم، فلا يدري أكان في شجاعته أشجع، أم في صبره أصبر، أم في كرمه أكرم، أم في إيمانه وأنفته وغيرته على الحقّ

١٣٣

بالغاً من تلك المناقب المثلى أقصى مداه إلاّ أنّه كان يوم الشّجاعة لاُمراء، وكانت الشّجاعة فضيلة الفضائل التي تمدّها سائرها بروافد من كلّ خلق نبيل يعينها على شأنها، فكان الحُسين - شبل عليّ - في شجاعته الروحية والبدنية معاً غاية الغايات، وكان مضرب المثل بين الرعيل الأوّل من أشجع الشّجعان في أبناء آدم وحواء

ملك جأشه ومن حوله نساؤه وأبناؤه في نضارة العمر، يجوعون ويظمؤون، ويتشبثون به ويبكون، وملك جأشه روية وأناة ولم يملكه وثبة واثب إلى الغضب أو هيجة مهتاج إلى الوغى، فكان قبل القتال وفي حومة القتال قوياً بصيراً ينفض الضعف عن عزائمه، كما ينفض الأسد غبرات الحصباء عن لبده، ولم يخامره الأسف قط في ذلك الموقف المرهوب، إلاّ من أجل أحبّائه وأعزّائه الذين يراهم ويرونه ويسمع صيحتهم ويسمعونه، فقال وهو ينظر إلى الأخبية ومَن فيها:(( لله درّ ابن عبّاس فيما أشار به عليّ! )).

وجلس ليلة القتال في خيمته يعالج سهاماً له بين يديه ويرتجز وأمامه ابنه العليل.

يا دهرُ أفٍّ لك منْ خليلِ

كمْ لك بالإشراقِ والأصيلِ

١٣٤

مـن صاحبٍ وماجدٍ قتيلِ

والـدهرُ لا يـقنعُ بالبديلِ

والأمرُ في ذاكَ إلى الجليلِ

وكـلُّ حـيٍّ سالكٍ سبيلي

فردّ ابنه عبرته لكيلا يزيده ألماً على ألمه. وسمعته أخته زينب، فلم تقو على حنانها ووجلها، وخرجت إليه من خبائها حاسرة تُنادي: وا ثكلاه! اليوم مات جدّي رسول الله، واُمّي فاطمة الزهراء، وأبي عليّ وأخي الحسن، فليت الموت أعدمني الحياة. يا حُسيناه! يا بقية الماضين وثمالة الباقين!

فبكى لبكائها ولم ينثن ذرّة عن عزمه الذي بات عليه، وقال لها:(( يا اُخت، لو تُرك القطا لنام )). ولم يزل يناشدها ويعزّيها، وهو في قرارة نفسه مستقرّ كالطود على مواجهة الموت وإباء التسليم، أو النزول على حكم ابن مرجانة كما قال ثمّ احتملها مغشيّاً عليها حتّى أدخلها الخباء.

* * *

١٣٥

من الممالك وما حوته، ومن الدول وما حفظته أو ضيعته، بل أحقّ بالبقاء من رواسي الأرض وكواكب السّماء

حرب النّور والظلام:

وكانت فئة الحُسين صغيرة - كما علمنا - قد رصدت لها - هُنالك - تلك الفئة الكبيرة التي تناقضها أتمّ ما يكون التناقض بين طرفين، وتباعدها أبعد ما تكون المسافة بين قطبين، فكلّ ما فيها أرضي مظلم مسف بالغ في الإسفاف، وليس فيها من النفحة العلوية نصيب

أللمصادفات نظام وتدبير؟! نحن لا نعلم إلاّ أنّها مصادفات يخفى علينا ما بينها من الوشائج والصلات ولكنّها - لذلك - هي الأعاجيب التي تستوقف النظر لعجبها العاجب، وإن لم تستوقفه لما يفهمه فيها من نظام وتدبير؛ فجيرة كربلاء كانت قديماً من معاهد الإيمان بحرب النور والظلام، وكان حولها اُناس يؤمنون بالنضال الدائم بين أورمزد وأهرمان، ولكنّه كان في حقيقته ضرباً من المجاز وفنا من الخيال.

وتشاء مصادفات التاريخ إلاّ أنْ ترى هذه البقاع التي آمنت بأورمزد وأهرمان، حرباً هي أولى أنْ تسمّى حرب النور والظلام من حرب الحُسين ومقاتليه

* * *

١٣٦

وهي عندنا أولى بهذه التسمية من حروب الإسلام والمجوسية في تلك البقاع وما وراءها من الأرض الفارسية؛ لأنّ المجوسي كان يُدافع شيئاً ينكره ففي دفاعه معنى من الإيمان بالواجب كما تخيله ورآه، ولكن الجيش الذي أرسله عبيد الله بن زياد لحرب الحُسين، كان جيشاً يحارب قلبه لأجل بطنه أو يحارب ربّه لأجل واليه؛ إذ لم يكن فيهم رجل واحد يؤمن ببطلان دعوى الحُسين أو رجحان حقّ يزيد، ولم يكن فيهم كافر ينفح عن عقيدة غير عقيدة الإسلام، إلاّ مَن طوى قلبه على كفر كمين هو مخفيه، ولا نخالهم كثيرين

ولو كانوا يحاربون عقيدة بعقيدة، لما لصقت بهم وصمة النّفاق ومسبّة الأخلاق فعداوتهم ما علموا أنّه الحقّ وشعروا أنّه الواجب أقبح بهم من عداوة المرء ما هو جاهله بعقله ومعرض عنه بشعوره؛ لأنّهم يحاربون الحقّ وهُم يعلمون ومن ثمّ كانوا في موقفهم ذاك ظلاماً مطبقاً، ليس فيه من شعور الواجب بصيص واحد من عالم النور والفداء فكانوا حقّاً في يوم كربلاء قوّة من عالم الظلام تكافح قوّة من عالم النور.

أقربهم إلى العذر يومئذ من اعتذر بالفرق والرهبة؛ لأنّهم أكرهوه بالسّيف على غير ما يُريد فكان الجبن أشرف ما فيهم من خصال السّوء، وكان منهم اُناس كتبوا إلى الحُسين يستدعونه إلى الكوفة ليبايعوه

١٣٧

على حرب يزيد، فلمّا ندبهم عمر بن سعد للقائه وسؤاله، أحجموا عمّا ندبهم له واستعفوه؛ لأنّ جوابهم إنْ سألوه في شأن مجيئه إليهم: إنّني جئتكم ملبّياً ما دعوتم إليه

وركب اُناساً منهم الفزع الدائم بقية حياتهم؛ لأنّهم عرفوا الإثم فيما اقترفوه عرفاناً لا تسعهم المغالطة فيه، ومن هؤلاء رجل من بني أبان بن دارم كان يقول: قتلت شابّاً أمرد مع الحُسين بين عينيه أثر السّجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلاّ أتاني فيأخذ بتلابيبي حتّى يأتي جهنّم فيدفعني فيها، فأصبح فما يبقى أحدٌ في الحي إلاّ سمع صياحي.

* * *

ورأى هذا الرّجل صاحب له بعد حين وقد تغيّر وجهه واسودّ لونه، فقال له: ما كدت أعرفك. وكان يعرفه جميلاً شديد البياض ومنهم مَن كان يتزاور عن الحُسين في المعمعة، ويخشى أن يصيبه أو يُصاب على يديه، ولو أنّهم حاربوه؛ لأنّهم علموا أنّه أهل للمحاربة فلم يتزاوروا عنه ولم يتحاشوه، لكانت الحرب هُنالك حرباً بين رأيين ومذهبين وشجاعتين، ولكنّهم كشفوا أنفسهم بتحاشيهم إيّاه، فإذا هُم يحاربون رأيهم الذي يدينون به، ووليهم الذي يضمرون له الحرمة والكرامة، وفي ذلك خزيهم الأثيم.

١٣٨

على أنّ الجبن والجشع لا يفسران كلّ ما اقترفه جيش عبيد الله من شرّ ولؤم في أيّام كربلاء.

فلا حاجة بالجبان ولا بالجشع إلى التمثيل والتنكيل أو التبرّع بالإيذاء حيث لا تلجئه الضرورة إليه، وليس قتل الطفل الصغير الذي يموت من العطش وهو على مورد الماء بالأمر الذي يلجئ إليه الجبن أو يلجئ إليه طلب المال، وقد حدث في أيّام كربلاء من أمثال هذا البغي اللئيم شيء كثير رواه الاُمويّون، ولم تقتصر روايته على الهاشميّين والطالبيّين أو أعداء بني اُميّة

* * *

وينبغي أنْ نفهم ذلك على وجه واحد لا سبيل إلى فهمه بغيره، وهو نكسة الشرّ في النّفس البشرية، حين تلج بها مغالطة الشعور وحين تغالب عنانها حتّى تعييها المغالبة فينطلق بها العنان.

فالرّجل الخبيث المغرق في الخيانة قد يتصرّف في خلوته تصرّف الأنذال ثمّ لا يُبالي أنْ يعرف نذالته وهو بنجوة من أعين الرّقباء، ولكن أربعة الآلاف لا يتصارحون بالنذالة بينهم، ولا يقول بعضهم لبعض أنّهم يعملون ما يستحقّون به التحقير والمهانة، ولا تقبل لهم فيه معذرة ولا علالة، وإنّما شأنهم في هذه الحالة أنْ يصطنعوا الحماسة ويجاهدوا التردد ما استطاعوا؛ ليظهروا في ثوب الغلاة المصدقين الذين لا يشكّون لحظة في صدق ما يعملون، فيغمض الرّجل منهم عينيه ويستتر بغشاء من النّفاق

١٣٩

حتّى ليوشك أنْ يخدع نفسه عن طوية فؤاده وتلك لجاجة المغالطة في الشّعور.

أمّا مجاذبة النّفس عنانها وانطلاقها بعد هذه المجاذبة المخفقة، فالشّواهد عليها كثيرة فيما نراه كلّ يوم يحاول الرّجل أن يتجنب الخمر فلا يستطيع، فإذا هو قد خلع العذار وغرق فيها ليله ونهاره غير مبال بما يُقال كأنّما هو القائل:دعْ عنكَ لومي فإنّ اللومَ إغراءُ ...

وتحبّ المرأة أن تستحي وتتوارى من المسبّة في هواها، ثمّ يغلبها هواها فإذا هي قد ألقت حياءها للريح، وصنعت ما تحجم عنه التي لم تنازع نفسها قط في هوى، ولم تشعر قط بوطأة الخجل والاستتار.

واندفاع المتهجمين على الشرّ في حرب كربلاء بغير داع من الحفيظة ولا ضرورة ملزمة تقضي بها شريعة القتال، لهو الاندفاع الذي يسبر لنا عمق الشّعور بالإثم في نفوس أصحاب يزيد. وقد رأينا من قبل عمق الشّعور بالحقّ في أصحاب الحُسين، وما بنا من حاجة إلى البحث عن علّة مثل هذه العلّة لِمن خُلقوا مجرمين وخُلقت معهم ضراوة الحقد والإيذاء لهذا الميدان وغير هذا الميدان، كشمر بن ذي الجوشن ومَن جرى مجراه، فهؤلاء لا يصنعون غير صنيعهم الأثيم كلّما وجدوا السّبيل إليه.

على أنّها - بعد كلّ هذا - حرب بين الكرم واللؤم، وبين الضمير والمعدة، وبين النور والظلام فشأنها - على أيّة حال - أن تصبح مجالاً من

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210