الخصائص العباسية

الخصائص العباسية0%

الخصائص العباسية مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 378

الخصائص العباسية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد إبراهيم الكلباسي النجفي
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الصفحات: 378
المشاهدات: 264408
تحميل: 8838

توضيحات:

الخصائص العباسية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264408 / تحميل: 8838
الحجم الحجم الحجم
الخصائص العباسية

الخصائص العباسية

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقتل منهم كلّ مَنْ اعترضه حتّى قتل مئة فارس من فرسانهم، وأوصل الماء بسلامة إلى المخيّم، ففرح الأطفال بوصول الماء إليهم وتواسوا به ولم يرووا.

وكانت هذه السِّقاية - على ما روي - هي السِّقاية الثالثة لأبي الفضل العبّاسعليه‌السلام ، وقد وقعت في يوم عاشوراء.

وهناك لأبي الفضل العبّاسعليه‌السلام سقاية رابعة انجرّت إلى مصرعه، وأدّت إلى شهادته، وهي السِّقاية المعروفة في يوم عاشوراء.

١٢١

الخصّيصة الرابعة عشرة

في أنّهعليه‌السلام ساقي كلّ عطشان

لقد ثبتت فضيلة السِّقاية وإرواء العطاشى لأبي الفضل العبّاسعليه‌السلام حتّى عُرف بالسّقّاء، واشتهر أنّه ساقي عطاشى كربلاء، بل أنّه روي أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان قد عطش يوماً وهو في مسجد جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة المنورة، فأحسّ بعطشهعليه‌السلام أخوه أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام ، وكان إذ ذاك صغيراً.

فقام من مجلسه وهو ينوي سقي أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ماءً، فخرج من المسجد ولم يقُل لأحد ما يريده، ولم يطلع أحداً على ما نواه أبداً، وإنّما جاء مسرعاً حتّى دخل المنزل وأخذ كأساً نظيفاً وملأه ماءً، ثمّ أقبل نحو المسجد بالماء، فقدّمه - وبكلِّ احترام - إلى أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، فشكره الإمام على ذلك ودعا له بخير، ولعلّ منها لُقّب العبّاسعليه‌السلام بالسّقّاء، وكُنّي بأبي القربة كما قيل.

دور الماء في الحياة

هذا ولا يخفى ما للماء من دور كبير في الحياة، وأثر بالغ في استمرارها وبقائها، وطراوتها ونظارتها، حتّى قال تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه:( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كلّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في جواب مَنْ سأله عن طعم الماء: ((إنّه طعم الحياة)).

كما إن ابن عبّاس الذي استقى علمه من

١٢٢

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وتعلّم تفسير كتاب الله تعالى منه، استند إلى الآية الكريمة في حلّ لغز ملك الروم الذي أرسل إلى معاوية قارورة وطلب منه أن يضع فيها من كلّ شيء، فتحيّر معاوية واستعان بابن عبّاس في ذلك، فقال له ابن عبّاس: لتملأ له ماء؛ فإنّ الله تعالى يقول:( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كلّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .

فتعجّب ملك الروم واستحسنه قائلاً: لله أبوه ما أدهاه!

الماء من أجل الإمام الحسين عليه‌السلام

ثمّ إنّ الله تعالى خلق ماءً موّاجاً متلاطماً، وذلك قبل أن يخلق سماءً وأرضاً، وشمساً وقمراً. قال تعالى:( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ، ثمّ خلق من ذلك الماء ما خلق من سماوات وأرضين، وبثّ فيهما ما بثّ من شيء كما جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

فالماء هو أساس الخلقة، والخلقة لأجل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعليه فالعالم طفيليّ وجود الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ وذلك إن لم يكن بالمباشرة فبالواسطة. ألا تسمع قول جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: ((حسين منّي وأنا من حسين))؟

وقد قال تعالى من قبل كما في الحديث القدسي مخاطباً رسوله الكريم محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ((لولاك لما خلقت الأفلاك)). فيكون الإمام الحسينعليه‌السلام لقول جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه مشمولاً لهذا الحديث الشريف.

إذاً فالحياة كلّها والعالم كلّه خلق من ماء، والماء خلق من أجل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقد جعله جبرائيل بأمر من الله تعالى صداقاً لفاطمة الزهراءعليها‌السلام على ما جاء في الخبر، كما وأباحه الله تعالى لكل الناس؛ فقد جعل الله الماء من المباحات العامة، وجعل الناس فيه شرعاً سواء، وجعل أوّل ما يثيب عليه من

١٢٣

الأعمال الصالحة في يوم القيامة هو ثواب عمل السِّقاية وأجر السِّقاية، وهذا كلّه يدلّ على خصوصية في الماء ليس في غيره من الأشياء، ويشير إلى امتياز في سقايته لم يكن في عملٍ سواه.

مكانة أبي الفضل عليه‌السلام

من هذا وغيره يعلم مكانة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام عند الله تبارك وتعالى؛ حيث إنّهعليه‌السلام وقف نفسه لسقاية أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام وأطفاله ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونسائه حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وجدّ واجتهد في ما أوقف نفسه له حتّى استشهد في هذا الطريق صابراً محتسباً، فحباه الله تقديراً له وإكراماً به وسام السِّقاية؛ سقاية كلّ شيء وليس سقاية الماء فحسب، بل منحه الله تعالى أن يسقي بإذنه تعالى كلّ عطشان، سواء كان عطشان ماء، وعطشان علم، وعطشان مال وولد، وعطشان حجّ وعمرة، وعطشان زيارة وتشرّف إلى تربته وروضتهعليه‌السلام ، وزيارة أحد الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام وغير ذلك؛ فإنّه ما توسّل به إلى الله متعطّش إلى شيء من الاُمور الماديّة والمعنوية إلاّ وسقاه الله ممّا أراد، ورواه بما شاء ببركة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام .

الاقتداء بالعباس عليه‌السلام في سقايته

وجاء في كتاب (طروس الإنشاء) للعلاّمة السّيد محمّد نجل آية الله السّيد مهدي القزويني (طاب ثراه) ما مضمونه: أنّ نهر الحسينيّة المعروف الذي كان يسقي كربلاء المقدّسة وضواحيها بعد انقطاع نهر العلقمي وجفافه انقطع سنة

١٢٤

(1306) هجرية قمرية، وأصبح أهل كربلاء يعانون على أثره من قلّة الماء وشحّه، ويقاسون العطش والظمأ؛ فأمرت الحكومة العثمانية آنذاك بحفر نهر جديد في أراضي السّيد النقيب السّيد سلمان، فامتنع السّيد النقيب من الموافقة على ذلك ولم يسمح بحفر النهر الجديد في أراضيه.

قال السّيد محمّد القزويني: فاتّفق أن تشرّفت بزيارة أعتاب كربلاء المقدّسة والتبرّك بتربتهم وروضتهم، فاجتمع إليّ أهالي كربلاء وطلبوا منّي أن أكتب إلى السّيد النقيب في خصوص الماء وما يعانونه من العطش والظمأ، وأن استحثّه في سقيهم الماء بالسماح لهم في حفر نهر جديد في أراضيه يسقي كربلاء وأهلها.

فكتبت إليه استحثّه أن يقتدي بأبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ساقي الكوثر، وبعمّه العبّاسعليه‌السلام ساقي العطاشى، واستعطفه بذكر ما يعانونه أهل كربلاء من قلّة الماء وما يقاسونه من عطشٍ وظمأ، البيتين التاليين:

في كربلا لكَ عصبةٌ تشكو الظّما

مـن فـيضِ كفّكَ تستمدُ رواءَها

وأراكَ يـا ساقي عطاشى كربلا

وأبوكَ ساقي الحوض تمنع ماءَها

فلمّا وصل كتابي إلى السّيد النقيب تأثّر بما فيه، وأجاز حفر النهر الجديد في أراضيه، مفتخراً بوسام السِّقاية ولقب السقّاء، وارتوى أهل كربلاء من الماء، وانتفعوا بالنهر الجديد ببركة هذا الوسام الكبير ولقب (السقّاء) الشريف.

من آداب السِّقاية وشرب الماء

وجاء في كتاب كامل الزيارات مسنداً عن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه

١٢٥

بدموعه، ثمّ قال لي: ((يا داود، لعن الله قاتل الحسين! فما من عبدٍ شرب الماء فذكر الحسينعليه‌السلام ولعن قاتله إلاّ كتب الله له مئة ألف حسنة، وحطّ عنه مئة ألف سيّئة، ورفع له مئة ألف درجة، وكأنّما أعتق مئة ألف نسمة، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد)).

وفي الخبر أيضاً ما مضمونه: إنّ مَنْ كان في يوم عاشوراء عند مرقد الإمام الحسينعليه‌السلام وسقى الناس العطاشى ماءً كان كمَنْ سقى أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء، وكان كمَنْ حضر كربلاء لنصرة الإمام الحسينعليه‌السلام في ذلك اليوم.

١٢٦

الخصّيصة الخامسة عشرة

في أنّهعليه‌السلام قمر بني هاشم

يا هـاشماً إنّ الإله حباكمُ

ما ليسَ يبلغهُ اللسانُ المفصلُ

قومٌ لأصـلهمُ السيادةُ كلّها

قـدماً وفرعهمُ النبيُّ المرسلُ

بيضُ الوجوهِ ترى بطونَ أكفهم

تندى إذا اغبرّ الزمانُ الممحلُ

هذا ما قاله كعب الأنصاري شاعر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بني هاشم عامة، وقد قال الإمام الحسينعليه‌السلام في أخيه أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام خاصة، وذلك عندما وقف عليه يوم عاشوراء ورآه مضرّجاً بدمه:

أيابن أبي نصحتَ أخاك حتّى

سـقاكَ اللهُ كـأساً من رحيقِ

ويـا قمراً منيراً كنتَ عوني

على كلّ النوائبِ في المضيقِ

وقال السّيد جعفر الحلي في العبّاسعليه‌السلام خاصة وهو يحكي لسان حال الإمام الحسينعليه‌السلام عندما مشى إلى مصرعه قائلاً:

فمشى إلى مصرعهِ الحسينُ وطرفُه

بـيـن الـنـساءِ وبـينه مـتقسّمُ

ألـفاه مـحجوبَ الـجمالِ كـأنّه

بدرٌ بـمنحطمِ الـوشيحِ مـلثّمُ

هاشم وبنوه سادة البطحاء

نعم، لقد كان هاشم بن عبد مناف وبنوه سادة البطحاء وقادتها؛ وذلك لِما

١٢٧

منحهم الله تعالى من حسن الخلق والسيرة، وجمال الوجه والصورة؛ فلقد كان هاشم في حسن الخلق والسيرة، وكرم الأصل والأعراق بمكانة ساد بها في كلّ العرب، فأصبح هو الأصل للسّيادة، والسيادة فرع عليه؛ ومنه اُطلق اسم (السّيد) على أولاده وبنيه، وكُنّي السّادة بأبناء هاشم، أو كما في عُرف الناس قد عرفوا بأبي هاشم، كلّ ذلك نسبةً إلى هاشم جدّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا كان من حيث الخلق والسيرة؛ وأمّا من حيث الوجه والصورة، فلقد كان هاشم وكذلك أبوه عبد مناف وكذلك أجداده صِباح الوجوه، حِسان الغرر، يحملون في وجوههم إضافة إلى جمالهم وحسنهم نور النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان في أصلابهم يتوارثونه خلفاً من سلف، ويورّثونه سلفاً لخلف، حتّى قيل لعبد مناف قمر مكّة، وإنه البدر، وقيل لهاشم وإخوته أقداح النضار - والنضار: جمع النضر، وهو الذهب - وقيل لعبد المطلب إنّه البدر، وقيل لعبد الله والد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه بدر الحرم، وقيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه أضوء من القمر.

النبي وأهل بيته أنوار الأرض

ولقد جاء في وصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً كما في رواية عن الإمامين الهمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، عن خالهما هند بن أبي هالة التميمي، وكان وصّافاً أنّه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر.

وكما عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: ((إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رُئي في الليلة الظلماء رُئي له نورٌ كأنّه شقّة قمر)).

وكما عن لسان عمّه أبي طالبعليه‌السلام أنّه قال:

وأبيضَ يستسقى الغمامَ بوجههِ

ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

١٢٨

وكما عن لسان شاعره حسان بن ثابت:

وأحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني

وأجـملُ منكَ لم تلدِ النساءُ

خُـلقتَ مبرّأً من كلّ عيبٍ

كـأنّكَ قـد خُلقتَ كما تشاءُ

وقيل في صفة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام : أزجّ العينين، أدمج العينين، أنجل يميل إلى الشّهلة، كان وجهه القمر ليلة البدر حسناً.

وقيل في وصف الإمام الحسن المجتبى سبط رسول الله الأكبر: كان شبيه جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خَلقاً وخُلقاً، وسمتاً ومنطقاً.

أشبه الخلق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وقيل في صفة الإمام الحسين الشهيد سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الأصغر: كان له جمال عظيم، ونور يتلألأ في جبينه، وخدّه يضيء حواليه في الليلة الظلماء، وكان أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقيل في وصفه أيضاً كما كان عن لسان الغلام الذي قُتل أبوه في المعركة، واستشهد مع مَنْ استشهد من أصحاب الحسينعليه‌السلام ، حيث إنّه برز إلى الأعداء وهو يرتجز ويقول:

أمـيري حسينٌ ونعمَ الأميرْ

سرورُ فؤادِ البشيرِ النذيرْ

عـلـيٌّ وفـاطـمةٌ والداه

فهل تعرفونَ لهُ من نظيرْ

لهُ طلعةٌ مثلُ شمسِ الضّحى

لـهُ غـرّةٌ مثلُ بدرٍ مُنيرْ

وقال هلال بن نافع وهو يصف الإمام الحسينعليه‌السلام في لحظاته الأخيرة: كنت واقفاً نحو الحسينعليه‌السلام وهو يجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاً قطّ مضمّخاً بدمه أحسن منه وجهاً ولا أنور، ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله.

١٢٩

وعن مسلم الجصّاص وهو يصف رأس الإمام الحسينعليه‌السلام محمولاً على القنا في سوق الكوفة بقوله: إذا بضجّة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسينعليه‌السلام وهو رأس زهري قمري، أشبه الخلق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولحيته كسواد السّبَج قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والريح تلعب بها يميناً وشمالاً.

ورثاه الكعبي بقوله:

ومُـجرّحٍ مـا غـيّرت منهُ القنا

حُـسناً ومـا أخـلقنَ مـنهُ جديدا

قد كانَ بدراً فاغتدى شمس الضحى

مـذ ألـبستهُ يـدُ الـدماءِ لـبودا

وقال في صفته أعداؤه -والفضل ما شهدت به الأعداء - كما عن لسان يزيد العدو اللدود للإمام الحسينعليه‌السلام ؛ وذلك عندما جيء بالرؤوس إليه في الشام، فأخذ يقلّب رأس أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ويقول متشمّتاً:

يا حبذا بردكَ في اليدينِ

ولونكَ الأحمرُ في الخدّينِ

كـأنّما حـفَّ بـوردتينِ

شفيت نفسي بدمِ الحسينِ(1)

وبرواية اُخرى قال:

يـا حُـسنهُ يـلمعُ بـاليدينْ

يـلمعُ في طشتٍ من اللجينْ

كـأنّـما حُفَّ بـوردتينْ

كيفَ رأيتَ الضربَ يا حسينْ

شـفيتُ غلّي من دمِ الحسينْ

وقال أيضاً وكان جالساً في منظرة على جيرون لمّا رأى السبايا والرؤوس على أطراف الرماح تُهدى إلى الشام، وقد أشرفوا على ثنيّة جيرون:

لـمّا بـدتْ تلكَ الرؤوسُ وأشرقتْ

تـلكَ الـشموسُ على رُبى جيرونِ

نَعِبَ الغرابُ فقلتُ صحْ أو لا تصِح

فـقد اقـتضيتُ من الرسولِ ديوني

____________________

(1) يبدو أن هناك خطأً وقع فيه المؤلِّف أو مَن أخذ عنه في نسبة الرجز إلى يزيد بن معاوية؛ حيث إن المشهور بين المؤرّخين نسبته إلى مروان بن الحكم.(موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

١٣٠

وضاءة العبّاس عليه‌السلام وصباحته

وجاء في وصف أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام ، كما عن أبي الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيِّين: وكان العبّاس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض، وكان يقال له قمر بني هاشم.

وقيل في صفتهعليه‌السلام أيضاً: ويقال له قمر بني هاشم لوضاءته وجمال هيئته، وإنّ أسرّة وجهه تبرق كالبدر المنير، فكان لا يحتاج في الليلة الظلماء إلى ضياء

وجاء في فرسان الهيجاء: أنّ أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام إنّما دُعي قمر بني هاشم؛ لأن نور مُحيّاه كان يُضيء كلّ ظلمة، وجمال هيئته كان يبهر كلّ ناظر؛ فإنّ نور وجه أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام وجمال مُحيّاه كان بدرجة من العظمة والبهاء، بحيث أنّه لو اتّفق أن رافق في الطريق ابن أخيه علي الأكبر الذي كان أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً بجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اصطفّ أهل المدينة في طريقهما ليتفرّجوا على جمالهما، ويزوروا مُحيّاهما، ويتزوّدوا من نور إيمانهما ومعنوياتهما العالية.

نعم، ورث أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام من آبائه وأجداده حسن السيرة وجمال الصورة، واجتمع فيه بعد أخويه الإمامين الهمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام كلّ آيات الحسن والجمال، وعلامة الشرف والجلال، حتّى عُرف عند الجميع بـ (قمر بني هاشم).

١٣١

الخصّيصة السادسة عشرة

في أنّهعليه‌السلام قمر العشيرة

العشيرة هي القبيلة، وقبيلة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام من طرف الأب لبّ قريش ومخّها، وأشرف العرب وأكرمها، أعني قبيلة بني هاشم والهاشميِّين.

كما إنّ قبيلة أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام من طرف الاُمّ هي قبيلة بني كلاب من آل الوحيد، وكانوا من أبرز القبائل العربية شرفاً وأظهرهم مناقب، وأجمعهم بالمآثر الكريمة والأخلاق النبيلة؛ ولذلك جاء اختيار عقيل بن أبي طالبعليه‌السلام عندما استشاره الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في الزواج من أكرم بيوتات العرب وأشجعها على هذه القبيلة، فاختار له منها كريمة قومها وعقيلة أسرتها فاطمة الوحيديّة الكلابيّة اُمّ البنينعليها‌السلام .

العبّاس مفخرة بني هاشم

ومن الطبيعي لكل عشيرة وقبيلة أن تنتخب نوادر شخصياتها ونوابغ رجالها؛ لتجعلهم قدوة تقتدي بهم، وأُسوة حسنة لغيرهم، وعلماً تفتخر على الآخرين بهم، ونبراساً تستلهم من نورهم.

والعباس ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام هو مَنْ تفوّق بين القبيلتين في كلّ معاني الخير والجمال، والشجاعة والشهامة، والفصاحة والنباهة. لقد كان في حسن السيرة والأخلاق قمّة، وفي جمال الوجه والمُحيّا روعة.

١٣٢

كان وجهه كالقمر ليلة البدر، حيث إنّه ورث الجمال من آبائه وأجداده، وفعاله كالشمس في ضاحية النهار، حيث إنّه قد تأدّب على يدي أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخويه الإمامين الهمامين الحسن والحسينعليها‌السلام ؛ ولذلك أسرع بنو هاشم عشيرته من ناحية الأب إلى الافتخار به والاعتزاز بشخصيته، فأطلقوا عليه وبكلِّ كفاءة لقب (قمر بني هاشم)، فاشتهر العبّاسعليه‌السلام بهذا اللقب بين الهاشميين، ثمّ فشا لقبه هذا وبكلِّ سرعة بين الناس.

آل الوحيد ومفخرتهم

وهنا لمّا رأى بنو كلاب من آل الوحيد ابن اُختهم العبّاس ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام متفوّقاً على كلّ أفراد عشيرتهم في الجمال والجلال، متميّزاً على كلّ قبيلتهم في المكارم والكمال، وهو بنبوغه هذا فخر لعشيرتهم وعزّ لقبيلتهم، ولا بدّ أن يعتزّوا به ويفتخروا بانتسابه إليهم؛ ليزدادوا بين العشائر وجهةً، ويكتسبوا عن طريقه في الناس رفعةً ومكانة، ولئلاّ ينفرد بالافتخار به بنو هاشم وحدهم ويعتزّوا به دونهم؛ جاؤوا وأطلقوا على ابن اُختهم العبّاس ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام لقب (قمر العشيرة)، فعُرفعليه‌السلام بعد ذلك به.

وهكذا حصل أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام على لقب قمر بني هاشم، ولقب قمر العشيرة، فهو بكل جدارة قمر العشائر والقبائل كلّها، بل هو قمر متلألئ في سماء الإنسانية وآفاق البشرية جميعها؛ يضيء لهم الدرب ويهديهم إلى الصراط المستقيم، صراط علي أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة المعصومين من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويحذّرهم ظلام السّبل المعوجّة والملتوية، سبل بني اُميّة وآل أبي سفيان ومعاوية ويزيد، وكلّ مَنْ سار على طريقهم وسلك في سبيلهم.

١٣٣

الجمال وحسن الفعال

نعم، إنّ صباحة الوجه ووضاءته من النعم الإلهية على الإنسان، وقد جاء في تفسير قوله تعالى:( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) هو الوجه الحسن، والصوت الحسن، والشعر الحسن.

وبرواية اُخرى: ((إنّ الله جميل ويحبّ الجمال)).

وقيل: ما أحسن لو يجمع الجمال مع حسن الفعال. يعني بأن يجمع إنسان جمال السيرة وجمال الصورة.

هذا وقد كان أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام من اُولئك القلائل المتميّزين، بل المنفردين في عالم الجمال وحسن الفعال معاً، فقد حازعليه‌السلام جمال السيرة في أعلى مراتبه، كما أنّه قد فاز بجمال الصورة في أرفع مراقيه أيضاً، حتّى اشتهر في الناس بقمر بني هاشم وبقمر العشيرة.

وإلى هذا المعنى أشار المرحوم العلاّمة الشيخ محمّد حسين الأصبهاني في قصيدته المعروفة في العبّاسعليه‌السلام حيث يقول فيها:

وقـد تجلّى بالجمالِ الباهرِ

حتّى بدا سرّ الوجودِ الزاهرِ

غـرّتُهُ الغرّاءُ في الظهورِ

تكادُ أن تغلبَ نورَ الطورِ

رقـى سماءَ المجدِ والفخارِ

بـالحقِّ يُدعى قمرَ الأقمارِ

بـل في سماءِ عالمِ الأسماءِ

كـالقمرِ البازغِ في السماءِ

بل عالمُ التكوينِ من شعاعهِ

جـلّ جلالُ اللهِ في إبداعهِ

١٣٤

الخصّيصة السابعة عشرة

في أنّهعليه‌السلام حامل اللواء

لقد عقد الإمام الحسينعليه‌السلام لأخيه أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام لواءً ودفعه إليه منذ خروجه من الحجاز متوجّهاً إلى العراق، وكان اللواء الأعظم يوم عاشوراء بيدهعليه‌السلام ؛ ولذلك كلّما استأذن للبراز قال له الإمام الحسينعليه‌السلام : ((أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري)).

وقال بعض الشعراء عن لسان حال الإمام الحسينعليه‌السلام حين وقف على أخيه العبّاسعليه‌السلام :

لمَنْ اللوا أعطي ومَنْ هو جامعٌ

شملي وفي ضنكِ الزحامِ يقيني

أمـنازلُ الأقرانِ حاملُ رايتي

ورواقُ أخبيتي وبابُ شؤوني

لـكَ موقفٌ بالطفِّ أنسى أهلهُ

حـربُ العراقِ بملتقى صفّينِ

وجاء في المناقب لابن شهر آشوب ما مضمونه: كان العبّاس السقّاء قمر بني هاشم صاحب لواء الإمام الحسينعليه‌السلام وأكبر إخوته.

من مواصفات حملة الألوية

ومن المعلوم أنّ اللواء لا يعقد إلاّ لمَنْ عُرف بالشجاعة والشهامة، والنبل والشرف؛ لأنّ حامل اللواء هو مَنْ يريد ضمّ كلّ أفراد الجيش تحت لوائه، ودرجهم في سلكه وظلاله، فلا بدّ أن يكون ممّنْ يقبله الجميع، ويرتضيه الكل من

١٣٥

حيث الشرف والشجاعة حتّى ينتظموا في سلكه وينضووا تحت لواءه.

هذا مع أنّ اللواء في نفسه مفخرة كبيرة، ومكرمة عظيمة، ووسام شريف، وله منزلة في نفوس الناس ولدى جميع الأمم والشعوب، وعلى مرّ الأزمنة والعصور، كما إنّ لحامل اللواء مكانة راقية، ودرجة رفيعة، ومرتبة سامية، لا من حيث شجاعة حامل اللواء وشهامته فحسب، بل من حيث انتظام الجيش واستماتته مقابل العدو.

فإنّه ما دام اللواء قائماً والعلم مرفوعاً يكون الجيش منتظماً وشمله ملتئماً، وأفراده مقاومين ورجاله مستميتين؛ حيث إنّ اهتزاز اللواء ورفرفته بيد حامله يعطي الأمل للمقاتلين، ويبعث في نفوسهم القوّة والشجاعة، ويرفع فيهم المعنويات القتالية العالية، ويقرّبهم من الغلبة والنصر، بينما إذا سقط اللواء انكسر الجيش وانهزم، وتبدّد العسكر وتفرق، وآل أمرهم إلى الاندحار والموت، والأسر والسّبي.

ومن أجل ذلك كله يأتي انتخاب حملة اللواء، وانتخاب أصحاب الألوية من وسط الشجعان والأعيان، ومن خلال ذوي البيوتات والشرف، ومن بين المعروفين بالنبل والكرم، والدين والتقوى. كما إنّ ذلك كله كان هو الذي يدعو حامل اللواء إلى أن يبذل ما في وسعه للحفاظ على سلامة اللواء، والاستماتة من أجل بقاء اللواء مرفوعاً عالياً، خفّاقاً منشوراً على رؤوس أفراد الجيش ورجاله.

ومن أجل ذلك كلّه أيضاً نرى أنّ حملة اللواء وأصحاب الألوية في الإسلام كانوا غالباً ما يقون اللواء بأنفسهم، فلا يدعون اللواء يسقط من أيديهم ما دام في أجسادهم حياة، وفي أبدانهم رمق، وفي قلوبهم ضربان، وفي شرايينهم دم ينزف، فإذا قطعت يمناهم أخذوا اللواء بيسارهم، وإذا قطعت يسراهم أخذوا اللواء بركبتيهم، وهكذا كانوا يحمون اللواء بأنفسهم عن السقوط حتّى يسلّموه إلى كفؤ آخر غيرهم، كما اشتهر ذلك في حقّ جعفر بن أبي طالب في حرب مؤتة.

١٣٦

مع أصحاب الرايات

ولقد جاء في تعليمات الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما يخصّ آداب الحرب والقتال - كما في نهج البلاغة ـ، حيث يقولعليه‌السلام : ((... ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم؛ فإنّ الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفّون براياتهم، ويكتنفونها حفافَيها، ووراءها وأمامها؛ لا يتأخّرون عنها فيسلموها، ولا يتقدّمون عنها فيفردوها...)).

وما كان الإمام الحسينعليه‌السلام ليتخطّى تعليمات أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما يخصّ حامل اللواء؛ ولذلك اختار لحمل لوائه أخاه الأكبر أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام ، وكان كما اختاره الإمام الحسينعليه‌السلام كفؤاً بحمل اللواء، وأهلاً للقيام بحقّه.

حيث إنّهعليه‌السلام وحفاظاً على سلامة اللواء وبقائه مرفرفاً خفّاقاً بقي في آخر مَنْ بقي مع الإمام الحسينعليه‌السلام ، مع شدّة ضيق صدره وكثرة أسفه وهمّه من فَقْد إخوته وأبناء إخوته، وعظيم اشتياقه للقاء العدو ومنازلتهم، وكبير تلهّفه على الانتقام منهم ومقاتلتهم؛ فإنّهعليه‌السلام مع كلّ ذلك لم يشفِ قلبه من الأعداء بالبراز إليهم امتثالاً لأمر أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام الذي كان يقول له كلّما استأذنه للبراز: ((أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري)).

كما إنّه لمّا استسقى لأطفال أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام الذين أضرّ بهم العطش، وذلك في المرّة الأخيرة التي انجرّت إلى شهادته، لم يسمح لنفسه ما دام له رمق بترك اللواء وسقوطه، فإنّه لمّا قطعوا يديه يمينه وشماله احتفظ باللواء من السقوط بساعديه وعضديه، وألصقه بهما إلى صدره، وإنّما سقط اللواء بسقوطهعليه‌السلام من على جواده، وذلك بعد أن رشقوه بالنبل كالمطر، وخاصةً عندما خسفوا هامته بعمدٍ من حديد، فهوى إلى الأرض مع اللواء منادياً: يا أخي، أدرك أخاك.

١٣٧

أوّل مَنْ عقد له اللواء

نعم، لقد كان أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام حامل لواء أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حامل لواء أخيه وابن عمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقد كان لواء الحقّ بيد أنبياء الله وأوليائه؛ حيث كان أوّل مَنْ عقد اللواء وحمله هو شيث بن آدمعليه‌السلام على ما قيل، ثمّ انتقل إلى خليل الرحمن النبي إبراهيمعليه‌السلام ، ومنه إلى ابنه إسماعيل الذبيحعليه‌السلام ، ومنه إلى ابنه نابت بن إسماعيلعليه‌السلام ، ومنه إلى أبنائه وأحفاده أجداد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وآبائه، حتّى انتقل إلى قصي بن كلاب، ومنه إلى عبد مناف.

ثمّ ورثه منه ابنه هاشم، ثمّ ابنه عبد المطلب، ثمّ ابنه أبو طالب، ثمّ صار اللواء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدفعها إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فأصبح هو حامل لواء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأصبح من بعده ابنه العبّاسعليه‌السلام حامل لواء الإمام الحسينعليه‌السلام وعُرف بذلك، أعني عُرف بأنّهعليه‌السلام حامل اللواء.

اللواء مع الغنائم في الشام

ولقد جاء في التاريخ: إنّ جيش بني اُميّة بقيادة ابن سعد لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسينعليه‌السلام بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم وبعثوا بها إلى الشام كان في جملتها اللواء الذي كان يحمله العبّاسعليه‌السلام ، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومَنْ كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلاّ محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: مَنْ كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟

١٣٨

قالوا: العبّاس بن عليعليه‌السلام .

فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العبّاسعليه‌السلام قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات؛ تعجّباً من شجاعة العبّاسعليه‌السلام ، واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى مَنْ حضره وقال: انظروا إلى هذا العلم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلاّ مقبض اليد التي تحمله! إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته، حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات بصبر وصمود دون أن يترك اللواء لينتكس ويدعه ليسقط.

ثمّ قال: أبَيت اللعن يا عبّاس! هكذا يكون وفاء الأخ لأخيه. وهذا اعتراف من العدو في حقّ العبّاسعليه‌السلام ،والفضل ما شهدت به الأعداء .

الألوية في الشعائر الحسينيّة

ثمّ إنّ هذا اللواء، أعني لواء الحقّ الذي كان بيد الأنبياء والأولياء، وحمله أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام في كربلاء، وهو اليوم في يد إمام العصر وبقية الله في أرضه الإمام المهدي الحجّة بن الحسن (عجّل الله تعالى فرجه)، قد أُرمز إليه بالألوية والأعلام التي تُرفع في الشعائر الحسينيّة، وتُنصب على الحسينيات، وتُقام بباب المجالس والمحافل الدينية، ويُطاف بها في المواكب والمآتم الحسينيّة؛ إحياءً لسنن الحقّ، وإبقاءً على معالم الإسلام ولوائه عالياً خفّاقاً على رؤوس المسلمين، حتّى يأتي يوم تتوحّد فيها الأعلام والألوية، وتذاب معها القوميّات والتعصّبات الجاهلية، ولا يبقى لواء إلاّ لواء الإسلام، ولا شعب غير شعوب المسلمين.

بل يدخلون الناس كلّهم في دين الله أفواجاً برغبة وطواعية؛ لِما يرونه في الإسلام من منطق وعدل، واحترام وسواسية، فإلى ذلك اليوم المأمول والأمل المنشود.

١٣٩

وهنا لا بأس بذكر هذه القضية التاريخية، فإنّه قد جاء في التاريخ: إنّ الفاطميين كانوا يهتمّون اهتماماً كبيراً بالألوية والرايات والدرق، حتّى أنهم خصّصوا مكاناً في مصر يُقال له: خزانة البنود، اختزنوا فيها الأعلام والرايات والأسلحة، والسروج، واللجم المذهّبة والمفضضة، وكانوا ينفقون عليها في كلّ سنة ثمانين ألف دينار، ولمّا احترق ذلك المكان بما فيه قدّرت الخسارة الناجمة عن هذا الحريق بثمانية ملايين دينار، وكان في جملة الألوية والرايات لواء يسمّونه (لواء الحمد).

١٤٠