الخصائص العباسية

الخصائص العباسية0%

الخصائص العباسية مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 378

الخصائص العباسية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد إبراهيم الكلباسي النجفي
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: الصفحات: 378
المشاهدات: 264366
تحميل: 8838

توضيحات:

الخصائص العباسية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264366 / تحميل: 8838
الحجم الحجم الحجم
الخصائص العباسية

الخصائص العباسية

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخاتمة

في خصائص حواريّ الإمام الحسينعليه‌السلام

ولـيسَ لـديه نـاصرٌ غـيرُ نيفٍ

وسـبعينَ لـيثاً مـا هـناكَ مزيدُ

سـطتْ وأنـابيبُ الـرماحِ كأنّها

أجـامٌ وهـم تـحتَ الرماحِ أسودُ

تـرى لـهمُ عـندَ الـقراعِ تباشراً

كـأنّ لـهم يـومَ الـكريهةِ عـيدُ

وما برحوا عن نصرةِ الدين والهدى

إلـى أن تـفانى جـمعُهمْ واُبيدوا

ولنذكر بتوفيق من الله تعالى في خاتمة كتابنا هذا (الخصائص العبّاسيّة) بعض خصائص حواريّ الإمام الحسينعليه‌السلام من أصحابه وأهل بيته، الذين استشهدوا معه في كربلاء، وشيئاً ممّا امتازوا به على سائر حواريّ الأنبياء، وأوصيائهم من موسى وعيسى وهارون ويوشع إلى نبيّنا الحبيب، خاتم الأنبياء والمرسلين، وأشرف خلق الله أجمعين محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصيّه الكريم، سيّد الأوصياء، وإمام المتّقين، الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

هذا، ولا يخفى أنّ أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام على ما سبق هو إمام حواريّ أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام وسيّدهم، وأفضلهم وأشرفهم، وإذا كان كذلك فإنّه إذا تكلّمنا عن خصائص حواريّ الإمام الحسينعليه‌السلام وامتيازاتهم، فقد تكلّمنا في الواقع عن خصائص أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام وامتيازاته أيضاً، علماً بأنّ أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام ليس هو إمام حواريّ أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام فحسب، بل هو إمام كلّ

٣٤١

الحواريّين؛ وذلك لأنّهعليه‌السلام هو إمام حواريّ أخيه الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحواريّو الإمام الحسينعليه‌السلام هم أفضل كلّ الحواريّين من الأوّلين والآخرين، فيكون أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام إذن هو إمام كلّ الحواريّين وأفضلهم من الأوّلين والآخرين، ويكون الحديث عنهم هو حديث عنه أيضاً.

وحيث اتّضح ذلك، فلنبدأ الآن بما تيسّر لنا ذكره من تلك الخصائص والامتيازات الواردة في حقّهم بإذن الله تعالى وتأييده:

الامتياز الأوّل:

1 - إنّهم كانوا بعد المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام في مقدّمة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه؛ وذلك على ما جاء في ثواب الأعمال عن الإمام الصادقعليه‌السلام من أنّه أوصى بقراءة سورة (الفجر) في الصلوات الفريضة والنافلة، وقال: ((إنّها سورة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، مَنْ قرأها كان مع الإمام الحسينعليه‌السلام يوم القيامة في درجته في الجنّة)).

وفي شرح الآيات الباهرة، مسندا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في حديث جاء فيه:( يَا أَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ ...) ، ((إنّما يعني بها الحسين بن عليعليه‌السلام ؛ فهو ذو النفس المطمئنة، الراضية المرضيّة، وأصحابه من آل محمّدعليهم‌السلام الراضون عن الله يوم القيامة وهو راضٍ عنهم. وهذه السورة نزلت في الحسين بن عليعليه‌السلام وشيعته، وشيعة آل محمّد خاصّة...)).

الامتياز الثاني:

2 - إنّهم كانوا أبرّ وأوفى جميع مَنْ صحب الأنبياء والأوصياء قاطبة؛ وذلك لأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام برواية الإرشاد للمفيد، مسندا عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام

٣٤٢

جمعهم غروب يوم التاسع من المحرّم، أي في أوّل الليل من ليلة عاشوراء، ورفع عنهم بيعته، وأذن لهم بالانصراف فلم يرضوا إلاّ ببذل أرواحهم دونه، وكان أوّل مَنْ بدأهم هو أبو الفضل العبّاسعليه‌السلام ، عندها قال لهم الإمام الحسينعليه‌السلام : ((أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله خيراً)).

الامتياز الثالث:

3 - إنّهم كانوا خير مَنْ نصر الله، ونصر دين الله، ونصر أنبياءه وأوصياءهم من الأوّلين والآخرين، وذلك كما في الزيارة الصادرة عن الناحية المقدّسة، حيث جاء فيها: ((السّلام عليكم يا خير أنصار، السّلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)).

ولعلّ تفوّق هؤلاء على الجميع يكون لأجل شدّة إيمانهم وإخلاصهم لإمامهم الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولأجل أنّ نسبتهم إلى نسبة العدوّ كانت حسب بعض الروايات التاريخية نسبة الواحد إلى الألف، بل أكثر، ومعه قد حصل لهم العلم بأنّهم سوف يُقتلون عن آخرهم، ويُقتل معهم الإمام الحسينعليه‌السلام أيضاً، وعلموا أيضاً أنّه لا ظفر ظاهري لهم على العدوّ.

كما إنّهم أيقنوا بأنّهم لو تركوا نصرة إمامهم، وانسحبوا عن ساحة القتال، وغادروا كربلاء لم يُقتلوا، ومع ذلك نصروه وأرخصوا دماءهم، وبذلوا أرواحهم في نصرته. بينما لم تجتمع هذه الاُمور في غيرهم، لا من حيث شدّة الإخلاص، ولا من حيث قلّة العدد وكثرة العدوّ، ولا من حيث اليقين بالقتل؛ فإنّ غيرهم كانوا على الأقل يأملون بقاء مَنْ ينصرونه.

٣٤٣

الامتياز الرابع:

4 - إنّهم كانوا قد أُثبتوا بأسمائهم وأشخاصهم، وعددهم وعدّتهم في اللوح المحفوظ، بحيث إنّهم لم ينقصوا ولم يزدادوا، ولم يتغيّروا ولم يتبدّلوا، ولذلك لمّا عُنّف ابن عبّاس على عدم نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام أجاب كما عن مناقب ابن شهر آشوب: إنّ أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم.

وقال المحدّث القمّي في مقتله المعروف بـ (نَفَس المهموم)، نقلاً عن محمّد بن الحنفيّة، أنّه قال: وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم.

الامتياز الخامس:

5 - إنّهم كانوا هم السباقون إلى الخير والجنّة، بحيث إنّه لم يستطع أحد من الأوّلين والآخرين اللحوق بهم وبدرجاتهم، فكيف بالسبق عليهم؟! وذلك لأنّ في تهذيب الشيخ رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام يقول فيها: مرّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في طريقه بكربلاء فاستعبر عندها، وقال - ما مضمونه: ها هنا مناخ ركابهم، ومصارع رجالهم، شهداء لا يسبقهم مَنْ كان قبلهم، ولا يلحقهم مَنْ كان بعدهم.

وروي في البحار عن خرائج الراوندي، عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال ما معناه: ها هنا مناخ ركابهم، ومصارع عشّاقهم، شهداء لا يسبقهم مَنْ كان قبلهم، ولا يلحقهم مَنْ كان بعدهم.

ولا يخفى إنّ التعبير بكلمة العشق لم يأت في الروايات المعتبرة سوى في هذه الرواية، وفي رواية وروايتين فقط غير هذه الرواية.

٣٤٤

الامتياز السادس:

6 - إنّهم كانوا أرفع الشهداء درجة عند الله تعالى؛ وذلك على ما جاء في البحار عن الأمالي، عن جبلّة المكيّة أنّها قالت: قال لي ميثم التمّار: يا جبلّة، اعلمي أنّ الحسين بن عليعليه‌السلام سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة.

ومعناه: إنّ حواريّ الإمام الحسينعليه‌السلام في أسمى درجة من الدرجات التي أعدّها الله تعالى للشهداء في الجنّة؛ لأنّهم يفوقونهم جميعاً بدرجة.

الامتياز السابع:

7 - إنّهم كانوا أعبد أهل زمانهم، فقد روى السيّد ابن طاووس في لهوفه، وهو يصف حال أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ليلة عاشوراء، قائلاً: وبات الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً.

وكذا كانت سجية الإمام الحسينعليه‌السلام حتّى قال في العقد الفريد: قيل لعليّ بن الحسينعليه‌السلام : ما أقلّ ولد أبيك؟!

فقالعليه‌السلام : ((العجب كيف ولدت له! فإنّهعليه‌السلام كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرّغ للنساء؟!)).

وقال المفيد في إرشاده وهو يذكر حوادث ليلة عاشوراء: فقام الإمام الحسينعليه‌السلام الليل كلّه يصلّي ويستغفر، ويدعو ويتضرّع، وقام أصحابه كذلك يصلّون ويدعون، ويستغفرون ويتضرّعون.

٣٤٥

الامتياز الثامن:

8 - إنّهم كانوا أتقى الناس، وأقوى شاهد على تقواهم هو استئذانهم من الإمام الحسينعليه‌السلام في القتال بين يديه، مع أنّ أنفسهم كانت تائقة للشهادة بين يديه.

والعقل يحكم بوجوب نصرة مَنْ أوجب الله تعالى على الإنسان نصرته، حيث جعله أولى بالإنسان من نفسه، ولكن مع ذلك لم يبرزوا إلاّ بإذن منه (سلام الله عليه)، فكان إذا أذنعليه‌السلام لهم تقدّموا للشهادة.

الامتياز التاسع:

9 - إنّهم كانوا القمّة في قوّة القلب، ورباطة الجأش، بحيث إنّهم في ليلة عاشوراء مع إنّهم كانوا قد أيقنوا بأنّهم في الليلة الأخيرة من أعمارهم، وأنّهم سوف يقتلون غداً بأجمعهم، لم يقلقوا ولم يضطربوا، بل كانوا قد اشتغلوا بفارغ البال، وسلامة الفكر، واطمئنان القلب، بالصلاة لربّهم والعبادة لخالقهم، وقراءة القرآن، وترديد الأذكار، والتضرّع والاستغفار، وبالمزاح بعضهم مع بعض أحياناً.

ولنعلم ما قيل في حقّهم:

اُسـودُ الوغى غاباتُهم أجمُ القنا

لـهم في متونِ الصافناتِ مقيلُ

ليوثٌ لهم بيضُ الصفاحِ مخالبٌ

غـيوثٌ لهم صبُّ الدماءِ مسيلُ

الامتياز العاشر:

10 - إنّهم كانوا بعد المعصومينعليه‌السلام أعلى الناس همّة؛ فقد عمدوا في ليلة عاشوراء وهم يعلمون أنّها آخر ليلة من حياتهم بعد أن تفرّغوا فيها للعبادة

٣٤٦

والصلاة، والقرآن والدعاء، إلى القيام بحفر شبه خندق حول معسكرهم، ومخيّم النساء بتعليم من الإمام الحسينعليه‌السلام ، وملؤوه بالحطب والقصب حتّى يشعلوه بالنار في الصباح؛ لئلاّ يستطيع العدوّ من محاصرتهم، وإحاطتهم من كلّ الأطراف، بل يكون القتال من جهة واحدة فقط، وكذلك كان؛ فإنّ العدوّ لمّا بدأ القتال دار خلف المعسكر ليحاصرهم ويأتي عن آخرهم في أوّل جولة من الحرب، ولكنّه فوجئ بالخندق المملوء بالنار، فتراجع خائباً خاسراً.

الامتياز الحادي عشر:

11 - إنّهم كانوا طلايع الذين نصر الله تعالى دينه بهم؛ لأنّهم كانوا نخبتهم وزبدتهم جميعاً.

ففي مروج الذهب إنّ الله تعالى نصر دينه بألف رجل؛ ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً منهم أصحاب طالوت، وثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً منهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حرب بدر الكبرى، وثلاثمئة وثلاثة عشرة رجلاً منهم أصحاب المهدي (عجّل الله تعالى فرجه)، والباقون هم واحد وستون رجلاً وهم أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام الذين قتلوا معه في كربلاء.

وقد عرفت أنّهم في مقدّمة الكلّ وطلايع الجميع، وأمّا عدّتهم فقد قال ثقة الإسلام النوري: إنّ ما ذكره في مروج الذهب من عدّهم هو خلاف المشهور بين أصحاب السيَر والتواريخ؛ فإنّ المشهور بينهم اثنان وسبعون، وليس أقلّ إلاّ أن يُقال: إنّ مراد مروج الذهب الأصحاب من غير بني هاشم.

الامتياز الثاني عشر:

12 - إنّهم كانوا أخلص الناس في حبّهم وولائهم لله ورسوله وأهل بيته،

٣٤٧

وخاصّة الإمام الحسينعليه‌السلام ، حتّى عدّهم الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هم المحبّين الواقعيّين، والموالين الحقيقيّين، وذلك في كلام له عند مروره بكربلاء.

ففي التهذيب عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: مرّ عليعليه‌السلام في كربلاء في اثنين من أصحابه، فقال وقد اغرورقت عيناه بالدموع، وهو يشير إلى الإمام الحسينعليه‌السلام وحواريّه: ((ها هنا مهراق دمائهم)).

ثمّ خاطب أرض كربلاء بقوله: ((طوبى لك من أرض يراق فيها دماء الأحبّة!)).

فـأظـلّتهم جـنـودٌ كـالـجرادِ الـمنتشرْ

مـعَ شـمرٍ وابـن سـعدٍ كـلّ كذّابٍ أشرْ

فاصطلى الجمعان نارَ الحربِ في يومٍ عسرْ

واستدارت في رحى الهيجاءِ أنصارُ الحسينْ

الامتياز الثالث عشر:

13 - إنّهم كانوا هم الصفوة الذين اختار الله لهم أرض كربلاء المقدّسة مثوى ومضجعاً؛ وذلك إكراماً منه لأرض كربلاء المشرّفة، بسبب تواضعها لله تعالى.

ففي كامل الزيارة عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال: ((لمّا تفاخرت قطع الأرض بعضها على بعض، قالت أرض كربلاء بتواضع: أنا أرض الله المباركة المقدّسة، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر، بل أنا خاضعة وذليلة لمَنْ فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني، بل شكراً لله. فأكرمها الله وزادها بتواضعها شكراً لله بالحسينعليه‌السلام وأصحابه)).

ولنعم ما قيل في حقّها:

هي الطفوفُ فطفْ سبعاً بمغناها

فـما لـمكّة مـغنى مثلَ مغناها

أرضٌ ولـكنّما السبعُ الشدادُ لها

دانتْ وطـأطأ أعـلاها(1)

____________________

(1) لا يخفى ما في المصراع الثاني من سقوط تفعيلة أخلّت بعروضه.(موقع معهد الإمامين الحَسنَين)

٣٤٨

وكيفَ لا وهي أرضٌ ضمّنت جثّة(1)

ما كـانَ ذلـك لا والله لـولاها

فـيها الـحسينُ وفـتيانٌ لـهُ بـذلوا

فـي اللهِ أيّ نـفوسٍ كـانَ زكّـاها

الامتياز الرابع عشر:

14 - إنّهم هم الذين دعاهم سلمان الفارسي بكونهم إخوانه.

ففي كتاب (نفس الرحمان) عن رجال الكشي، عن المسيّب بن نجيّة الفزاري روى قائلاً: إنّه لمّا أتانا سلمان الفارسي قادماً تلقّيناه فيمَنْ تلقّاه فسار بنا إلى كربلاء، فلمّا وصلنا قال: هذه مصارع إخواني، هذا موضع رحالهم، وهذا مناخ ركابهم، وهذا مهراق دمائهم، يُقتل بها ابن خير النبيِّين، ويقيل بها خير الآخرين.

الامتياز الخامس عشر:

15 - إنّهم هم سادة الشهداء يوم القيامة، كما إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام هو سيّد الشهداء من الأوّلين والآخرين، وذلك على ما جاء في (نفس المهموم) عن الشيخ ابن نما، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ((وذكرت ما يصنع بولدي الحسينعليه‌السلام ، كأنّي به قد استجار بحرمي وقبري فلا يُجار، ويرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه، أرض كرب وبلاء، فتنصره عصابة من المسلمين، اُولئك سادات شهداء اُمّتي يوم القيامة)).

الامتياز السادس عشر:

16 - إنّهم السادات والسابقون والأنصار والمهاجرون، وذلك على ما جاء في (تحفة الزائر) في فقرات زيارة الشهداء المأثورة من قولهعليه‌السلام : ((أنتم سادات

____________________

(1) في المصراع خلل عروضي واضح.(موقع معهد الإمامين الحَسنَين)

٣٤٩

الشهداء في الدنيا والآخرة، وأنتم السابقون والمهاجرون والأنصار)).

نعم، إنّهم سادات الشهداء بعد المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام ، فلا أحد من الشهداء في درجتهم، لا من الأوّلين ولا من الآخرين. كما إنّهم بعد المعصومين الأربعة عشرعليهم‌السلام هم أوّل السابقون إلى رضوان الله، وأوّل الفائزين بأرفع الدرجات التي أعدّها الله تعالى للمهاجرين في سبيل الله، والأنصار لدين الله من الأوّلين والآخرين.

كيف لا وقد سبقوا الناس أجمعين إلى إجابة إمامهم الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهجروا أوطانهم ودنياهم ونصروا ابن بنت نبيّهم (صلوات الله وسلامه عليه)؟!

الامتياز السابع عشر:

17 - إنّهم كانوا قد ضاهوا في شهادتهم شهادة النبيِّين وآل النبيِّين، فكانوا أشبه الناس بهم في الشهادة، وذلك لِما جاء في (غيبة النعماني) من أنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان يحمل قتلاه إلى المخيّم حيث فسطاط الشهداء، فكان يضع بعضهم فوق بعض وهو يقول: ((قتلة مثل قتلة النبيِّين وآل النبيِّين)).

الامتياز الثامن عشر:

18 - إنّهم كانوا قد ساووا مَنْ استشهد من الأنبياء، ومَنْ قُتل بين أيديهم، وفي نصرتهم.

ففي الخبر إنّ الله تبارك وتعالى هو أوّل مَنْ لعن قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، ثمّ لعنته الملائكة، ثمّ الأنبياء واحداً بعد واحد، وكانوا يوصون به أولادهم وذويهم، ويأخذون منهم الميثاق والعهد عليه، ثمّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك، ثمّ لعنه عيسى وأكثر، فقال: ((يا بني إسرائيل، العنوا قاتليه، وإن

٣٥٠

أدركتم أيّامه فلا تجلسوا عن نصرته؛ فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر)).

الامتياز التاسع عشر:

19 - إنّهم يرجعون مع الإمام الحسينعليه‌السلام في زمان الرجعة، ويؤدّون عنه، ويعرّفونه للناس؛ وذلك على ما ورد في (نفثة الصدور) عند قوله تعالى:( ثمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ ) ، من خروج الإمام الحسين في سبعين من أصحابه، عليهم البيض المذهبة لكلّ بيضة وجهان، المؤدّون إلى الناس إنّ هذا الإمام الحسينعليه‌السلام قد خرج حتّى لا يشك المؤمنون فيه.

الامتياز العشرون:

20 - إنّهم الموصوفون بالأولياء والأصفياء، والأودّاء والأحبّاء، وإنّهم الطيّبون الفائزون كما جاء في (تحفة الزائر) عن الإمام الصادقعليه‌السلام في رواية أنّه قال لصفوان الجمال، وهو يعلّمه كيف يزور الشهداء السعداء: ((ثمّ توجّه إلى الشهداء وقل: السّلام عليكم يا أوصياء الله وأحباءه، السّلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه، السّلام عليكم يا أنصار دين الله، بأبي أنتم واُمّي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم! وفزتم والله فوزاً عظيماً، فياليتني كنت معكم فأفوز معكم)).

الامتياز الواحد والعشرون:

21 - إنّهم المعروفون بشيعة الله ورسوله والأئمة الطاهرين، والأبرار المتّقون، وذلك على ما جاء في زيارة الأربعين المرويّة عن

٣٥١

جابر بن عبد الله الأنصاري؛ حيث إنّه توجّه نوح الشهداء، وقال في زيارتهم: السّلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله، السّلام عليكم يا شيعة الله وشيعة رسوله، وشيعة أمير المؤمنين والحسن والحسين، السّلام عليكم يا طاهرون، السّلام عليكم يا مهديّون، السّلام عليكم يا أبرار...

الامتياز الثاني والعشرون:

22 - إنّهم هم الذين من شدّة نورهم وتلألئهم شبّههم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنجوم السماء.

ففي البحار نقلاً عن تفسير فرات، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: ((كان الحسينعليه‌السلام مع اُمّه تحمله، فأخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وضمّه إلى صدره، وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، ولعن الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين مَنْ أعان عليك.

فقالت فاطمة الزهراءعليها‌السلام مستفسرة: يا أبتاه يا رسول الله، ما الخبر؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله في جوابها: يا بنتاه يا فاطمة، لقد رأيت ابني هذا فذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم، والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء، فيتهادون إلى القتل، وإنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى مواضع رحالهم وتربتهم)).

ولنعم ما قيل:

قـومٌ إذا اقتحمَ العجاجُ رأيتهمْ

شـمساً وخلتَ وجوهَهُمْ أقمارا

وإذا الـصريخُ دعـاهمُ لملمّةٍ

بذلوا النفوسَ وفارقوا الأعمارا

الامتياز الثالث والعشرون:

23 - إنّهم هم المقرّبون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّه لو أدركهم لأكرمهم، فقد جاء في البحار نقلاً عن تفسير الثعلبي: أنّ الربيع بن خيثم قال لمّا وصله خبر

٣٥٢

شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام ومَنْ معه من أهل بيته وأصحابه: جئتم بها؟! فوالله، لقد قتلتم صفوةً لو أدركهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعزّهم وأكرمهم، ولأشفق عليهم وتلطّف بهم.

الامتياز الرابع والعشرين:

24 - إنّهم كانوا لشدّة اشتياقهم للشهادة لا يجدون ألم مس السلاح والحرب، وذلك لِما قد روي في (خرائج الراوندي) عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، عن الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه قال لأصحابه: ((إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي: يا بُني، إنّك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيِّين، وهي أرض تدعى عمّورا، وإنّك تستشهد بها، ويستشهد جماعة من أصحابك، لا يجدون ألم مس الحديد.

ثمّ قرأ:( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ ) . ثمّ أضاف: يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم)).

الامتياز الخامس والعشرون:

25 - إنّهم كانوا الشجعان في دينهم فلا تستهويهم المغريات، والأبطال في دنياهم فلا يهابون الموت.

ففي (رجال الكشي) روي في وصف حبيب بن مظاهر قائلاً: كان حبيب من الرجال الذين نصروا الإمام الحسينعليه‌السلام ، وتلقّوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم، وهم يعرضون عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون: لا عذر لنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن قُتل الإمام الحسينعليه‌السلام وفينا عين تطرف، حتّى قُتلوا حوله واستشهدوا بين يديه.

كـأنّي بـهِ في ثلّةٍ من رجالهِ

كما حفَّ بالليثِ الاُسودُ اللوابدُ

يخوضُ بهم بحرَ الوغى فكأنّه

لـواردِهمْ عذبُ المجاجةِ باردُ

٣٥٣

الامتياز السادس والعشرون:

26 - إنّهم هم الأُباة الحماة الذين فضّلوا الموت تحت ظلال السيوف على الحياة بذلّة.

فقد جاء في (شرح النهج) لابن أبي الحديد: أنّ سيّد أهل الإباء الذي علّم الناس الحميّة، والموت تحت ظلال السيوف اختياراً عن الدنيّة، هو أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام ؛ عُرض عليه الأمان ويستسلم، فأنف من الذلّ، وذلك كما قال:

الموتُ خيرٌ من ركوبِ العارِ

والعارُ أولى من دخولِ النارِ

وحواريّو سيّد أهل الإباء تعلّموا منه الإباء والحميّة، واختاروا الموت تحت ظِلال السيوف على الذلّة والدنيّة.

ولنعم ما قيل فيهم:

بـنفسي وآبـائي نـفوسٌ أبـيّةٌ

يـجرّعها كـأسُ الـمنيّةِ مترفُ

وهم خيرُ مَنْ تحتَ السماءِ بأسرِهم

وأكـرمُ مَنْ فوقَ السماءِ وأشرفُ

أي أكرم على الله من الملائكة المقرّبين عنده، وأشرف منهم لديه.

الامتياز السابع والعشرون:

27 - إنّهم هم المخصوصون بعد شهادتهم بتجهيز السماء لهم، والصلاة عليهم؛ وذلك لِما روي في البحار عن كامل الزيارات، مسنداً عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، عن عمّته الكبرى السيّدة زينبعليها‌السلام ، عن اُمّ أيمن، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن جبرائيل أنّه قال: ((فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولّى الله (عزّ وجلّ) قبض أرواحهم بيده، وأهبط إلى الأرض ملائكة من السماء السابعة، معهم آنية من الياقوت والزمرّد مملوءة من ماء الحياة، وحلل من الجنّة، وطيب من طيب الجنّة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء، وألبسوها الحلل، وحنّطوها بذلك الطيب، وصلّى الملائكة صفاً صفاً عليهم)).

٣٥٤

الامتياز الثامن والعشرون:

28 - إنّهم المتأهلون لأن يتولّى موارتهم ودفنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك على ما جاء في البحار نقلاً عن أمالي الشيخ الطوسي، عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: ((أصبحت اُمّ سلمة يوماً باكية حزينة، فسألوها عن سبب حزنها وبكائها، فقالت: لقد قُتل ولدي الحسينعليه‌السلام ؛ وذلك أنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام الليلة الماضية، مع أنّي لم أره في منامي منذ ارتحاله من الدنيا، فرأيته البارحة وهو أشعث مغبر، وعلى رأسه التراب، فقلت له: يا رسول الله، ما لي أراك أشعثاً مغبراً؟!

فقال بحزن وكآبة: قُتل ولدي الحسينعليه‌السلام ، وما زلت أحفر القبور له ولأصحابه)).

وقد جاء في المناقب لابن شهر آشوب عن ابن عبّاس، أنّه قال: كنت نائماً في منزلي وإذا بي أسمع صرخة عظيمة، وضجّة عالية من بيت اُمّ سلمة، فأصغيت لها فإذا هي تنادي وتقول: يا بنات عبد المطلب، أعنّني على النياحة، وساعدنني على البكاء؛ فإنّ سيّدكم ومولاكم الإمام الحسينعليه‌السلام قد قُتل.

فقيل لها: من أين علمت ذلك؟!

فقالت: رأيت الساعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام، وهو أشعث أغبر، فقلت له: يا رسول الله، ما لي أراك أشعثَ أغبرَ؟!

فقال بحرقة ولوعة: ((قُتل ولدي الحسينعليه‌السلام ، وما زلت أحفر القبور له ولأصحابه)).

ثمّ قالت: فانتبهت فزعة، ونظرت إلى القارورة التي فيها تراب كربلاء، وكان قد دفعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليها، وأمرها أن تحتفظ به، قائلاً: ((إذا انقلب دماً فقد قُتل ولدي الحسينعليه‌السلام )). فرأيته قد انقلب دماً.

٣٥٥

الامتياز التاسع والعشرون:

29 - إنّهم كانوا قد رأوا منازلهم في الجنّة بأمّ أعينهم وهم في الدنيا أحياء، وذلك قبل قتلهم وشهادتهم.

فقد جاء في علل الشرايع مسنداً عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّ واحداً من أصحابه قال له متسائلاً: أخبرني يابن رسول الله عن تسابق أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام إلى القتل والشهادة.

فقالعليه‌السلام : ((إنّهم قد كُشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة؛ فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى الحور فيعانقها، وإلى مكانه من الجنّة فينعم به)).

لـهفي لركْبٍ صُرّعوا في كربلا

كـانت بـها آجـالُهم مـتدانيهْ

نصروا ابنَ بنتِ نبيِّهم طوبى لهمْ

نـالوا بـنصرتِهمْ مراتبَ ساميهْ

الامتياز الثلاثون:

30 - إنهم كانوا قد تأهّلوا لكي يخبرهم المعصوم بنهاية أمرهم وخاتمة عمرهم، ولأن يريهم منزلتهم عند الله ودرجتهم لديه؛ وذلك على ما جاء في كتاب (نفس المهموم) نقلاً عن القطب الراوندي، عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال: ((جمع أبيعليه‌السلام أصحابه مساء يوم تاسوعاء وقام فيهم خطيباً، وقال: هذا الليل فاتّخذوه جملاً؛ فإنّ القوم إنّما يريدوني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حلٍّ وسعة.

فقالوا: والله لا يكون هذا أبداً.

فقال: إنّكم تقتلون غداً كلّكم، ولا يبقى منكم رجل.

فقالوا: الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك.

ثمّ رفع يديه بالدعاء وقال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا. فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة)).

٣٥٦

وجاء في زيارة الناحية المقدّسة: ((وكشف الله لهم الغطاء)).

ولنعم ما قيل:

قومٌ إذا نـودُوا لـدفعِ مـلمّةٍ

والـخيلُ بـين مدعّسٍ ومكردسِ

لبسوا القلوبَ على الدروعِ وأقبلوا

يـتهافتونَ إلـى ذهـابِ الأنفسِ

الامتياز الواحد والثلاثون:

31 - إنّهم فور استشهادهم دخلوا الجنّة وعانقوا الحور العين، فقد جاء في كتاب الأمالي عن سالم أنّه روى قائلاً: سمعت كعب الأحبار يقول: إنّ في كتابنا أنّ رجلاً من ولد محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقتل، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتّى يدخلون الجنّة فيعانقون الحور العين.

قال: فمرّ بنا الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقلنا له، وقد أشرنا إليه: هو هذا؟ فقال: نعم.

الامتياز الثاني والثلاثون:

32 - إنّهم يوم القيامة في طليعة مَنْ يدخل الجنّة بغير حساب، فقد روي في الأمالي عن هرثمة بن أبي مسلم أنّه قال: غزونا مع الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام صفين، فلمّا انصرفنا نزل بكربلاء، وصلّى بها الغداة، ثمّ رفع إليه شيئاً من تربها وشمّها، ثمّ قال: ((واهاً لك أيّتها التربة! ليحشرنّ منك أقوام يدخلون الجنّة بغير حساب)).

ومن المعلوم إنّ حواريّ الإمام الحسينعليه‌السلام مع إمامهم الإمام الحسينعليه‌السلام هم في مقدّمة اُولئك الذين يحشرون من أرض كربلاء إلى المحشر، ويدخلون الجنّة من غير وقوف ولا حساب.

هي كربلاءُ فقف على عَرصاتِها

ودعِ الـجفونَ تسحُّ في عبراتِها

٣٥٧

سلها بأيّ قرىً تعاجلتِ الاُلى

نزلُوا ضيوفاً عند قفرِ فلاتِها

مـا بالُها لمْ تروِهم من مائِها

حتّى تروّتْ من دِما رَقباتِها

الامتياز الثالث والثلاثون:

33 - إنّهم قد ارتووا من الماء على يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصيّة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في يوم عاشوراء حين الشهادة، وذلك على ما جاء في كتاب (دار السّلام)، نقلاً عن أمالي الشيخ الطوسي، عن السدي أنّه روى قائلاً: قلت لرجل يشمّ منه رائحة القطران، هل أنت تبيع القطران؟

فقال: لا والله، إنّي لا أعرف القطران ولا أراه، غير أنّي دهّان، وكنت أبيع الدهن في كربلاء لجيش ابن سعد ومعسكره، وبعد واقعة كربلاء رأيت في المنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وهما يسقيان الشهداء السعداء ماءً، فأقبلت من شدّة العطش إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وطلبت منه أن يسقيني فلم يسقيني، فتوجّهت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأردت منه أن يسقيني، فالتفت إليّ وقال لي: ((ألست أنت الذي أعنت في كربلاء الأعداء على ولدي؟)).

ثمّ أمر بأن يسقوني شربة من قطران فسقوني، فإذا بي انتبه من نومي وأنا أحترق من ريح القطران، وإلى اليوم ريح القطران تؤذيني ولم تفارقني بعد.

الامتياز الرابع والثلاثون:

34 - إنّهم تأهّلوا بسبب نصرتهم لابن بنت نبيّهم أن يهتمّ بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويجمع دماءهم في قارورة ليشتكي مظلوميّتهم إلى الله تعالى.

ففي الكامل لابن الأثير، والتذكرة لابن الجوزي، عن ابن عبّاس أنّه قال: رأيت رسول

٣٥٨

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام مساء اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسينعليه‌السلام كئيباً حزيناً، وفي يده قارورة مملوءة بالدم، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الكآبة والحزن؟! وما هذه القارورة والدم؟!

فأجابني قائلاً: ((يابن عبّاس، هذا دم ولدي الحسينعليه‌السلام وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم؛ ليكون سنداً لشكواي مظلوميّتهم إلى الله تعالى)).

فلمّا أصبح ابن عبّاس أخبر الناس بما رآه فأرّخوا ذلك اليوم وكان يوم عاشوراء، فلمّا جاء الخبر بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ومَنْ معه رأوه مطابقاً لما أرّخوه.

الامتياز الخامس والثلاثون:

35 - إنّهم كانوا متأهّلين لأن يبشّرهم الإمام الحسينعليه‌السلام بالجنان الواسعة والنعيم الدائم؛ شكراً منه على موقفهم، وتقديراً لهم على وفائهم.

فقد روي في البحار عن معاني الأخبار، عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال ما معناه: إنّه لمّا اشتدّ الأمر بالإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه في يوم عاشوراء، وأحدقت المنايا بهم، نظر الإمام الحسينعليه‌السلام إلى أصحابه نظرة إشفاق ورحمة، وقال لهم، مبشراً ومشجّعاً: صبراً يا بني الكرام، فما الموت إلاّ قنطرة يعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة، والنعيم الدائم، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟!

وما هو لأعدائكم إلاّ كمَنْ ينتقل بهم من قصر إلى سجن وعذاب.

ثمّ قالعليه‌السلام : ((إنّ أبي حدّثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبتُ ولا كُذّبت)).

٣٥٩

الامتياز السادس والثلاثون:

36 - إنّهم كانوا في قمّة الفضائل والمكارم، بحيث قد أذعن العدو لهم بذلك ولم يستطع إنكاره،والفضل ما شهدت به الأعداء ؛ فإنّه جاء في شرح الشافية لأبي فراس أنّه قيل لرجل كان قد شهد يوم الطفّ مع عمر بن سعد: ويحك! أقتلت ذريّة رسول الله؟!

فأجاب قائلاً: عضضت بالجندل، إنّك لو كنت شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا؛ فلقد ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها، كالاُسود الضاربة، تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي بأنفاسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة، والاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنهم رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيره، فماذا كنّا فاعلين لا اُمّ لكم؟!

الامتياز السابع والثلاثين:

37 - إنّهم كانوا الأحرار حقّاً؛ لأنّهم قد تحرّروا من هوى النفس، وعن مغريات الحياة، ومن تسويلات الشيطان، وقد قال تعالى:( وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنّ الجنّة هِيَ المَأوَى ) .

ونُقل أنّ ملكاً قال لواحد من رعيته، وكان فاضلاً: لو ما تأتينا فتنال من معروفنا فإنّك رعيّتنا.

فقال له الفاضل: كيف ذاك وأنت رعيّة لرعيّتي؟!

فقال له الملك بتعجب مشوب بغضب: كيف أكون أنا رعيّة رعيّتك؟!

فأجابه الفاضل قائلاً: إنّك أنت رعيّة الهوى، مع أنّ الهوى رعيّتي؛ فإنّي سيّد هواي، والهوى سيّدك ومولاك، فتكون أنت رعيّة للهوى الذي هو رعيّة لي.

٣٦٠