الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم0%

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 289

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ جعفر التستري
تصنيف: الصفحات: 289
المشاهدات: 37356
تحميل: 6461

توضيحات:

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 289 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37356 / تحميل: 6461
الحجم الحجم الحجم
الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلاّ مَنْ كان إعزاز الحسينعليه‌السلام عنده كإعزازه عند إبراهيمعليه‌السلام .

والوجه في هذا القيد أنّ في تلك الرواية: (( يا إبراهيم مَنْ أحبّ خلقي إليك ؟ قال: يا ربّ، ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك محمّد (صلواتك عليه وآله) فأوحى الله تعالى إليه: يا إبراهيم هو أحبّ إليك أم نفسك ؟ قال: بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال تعالى: فولده أحبّ إليك أم ولدك ؟ قال: بل ولده قال الله سبحانه: فذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال: ذبح ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبي فأوحى الله تعالى إليه عند ذلك بواقعة الطفّ فجزع لها، فأوحى الله تعالى إليه: قد فديت بمقدار إعزازك إيّاه )).

فافهموا يا أيّها الذين يجدون في أنفسهم أنّ الحسينعليه‌السلام أعزّ من ولدهم، وأنّ ذبحه على ما حكاه الله لخليله من أنّه يُذبح كما يُذبح الكبش ظلماً أوجع لقلوبهم من ذبح أعز أولادهم قرباناً لله تعالى فابشروا لأنّكم إذا جزعتم على الحسينعليه‌السلام فلكلّ جزع ثواب ذبح ولد قرباناً لله تعالى.

الثالث: أنّه لا حدّ له من حيث القلّة، ولكلّ عمل أقل مسمّى لا يتحقّق بدونه، ولا حدّ لثوابه من حيث الكثرة.

الرابع: وهو من العجائب، إنّه إذا لم يتحقّق في الخارج، ولكنّ تشبّه به حصل ثوابه، يعني إذا لم يتحقّق البكاء عنده فليتباك: أي يشبّه نفسه بمَنْ يبكي.

فلينكّس رأسه مثلاً، ويظهر صوت البكاء، وعلامات الرقّة والتأثّر فيحصل له الثواب، وذلك حين يتحقّق التباكي لله تعالى، لا أن يفعل ذلك ليرائي به الناس، فالتباكي هو عمل يشترط فيه الخلوص أيضاً.

الخامس: أنّه فائق على جميع أقسام الإيمان والأعمال الصالحات من جهات عديدة، قد ذكرنا بعضها وسنبيّن بعضها في العناوين الآتية إن شاء الله تعالى.

المقصد التاسع: في خواص البكاء لنيل الأجر والثواب

وهي على أنواع :

١٤١

النوع الأوّل: ما يتعلّق بالنجاة من العقاب والأهوال

وتفصيله في أمور :

الأمر الأوّل: خروج الروح عقبة عظيمة وهول شديد وعذاب أليم

قال الإمام عليعليه‌السلام : (( وإنّ للموت لغمرات هي أفظع من أن تُستغرق بصفة، أو تعتدل على عقول أهل الدنيا )) والبكاء على الحسينعليه‌السلام يُنجي منه ؛ فإنّ الصادقعليه‌السلام قال لمسمع بن عبد الملك: (( يا مسمع، أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسينعليه‌السلام ؟ )) قلت: لا ؛ لأنّ أعدائي النواصب كثيرون، فأخاف أن يرفعوا حالي عند الوالي فيمثّلون بي.

قالعليه‌السلام : (( أفما تذكر ما صُنع بالحسينعليه‌السلام ؟ )) قلت: نعم قالعليه‌السلام : (( أفتجزع ؟ )) قلت: أي والله وأستعبر، ويرى أهلي أثر ذلك عليّ، وامتنع من الطعام قالعليه‌السلام : (( أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيّتهم ملك الموت بك ما تقرّ به عينك )).

آه ! يا الله، فارزقنا ذلك، وهنّئنا يا الله ربّنا.

الأمر الثاني: مشاهدة ملك الموت هول شديد، وعقبة عظيمة مخوفة موحشة، خصوصاً لأهل المعصية.

والبكاء على الحسينعليه‌السلام يُنجي من هذا ؛ فإنّ الصادقعليه‌السلام قال، بعد ذلك القول لمسمع،: (( فملك الموت أرق عليك [ وأشدّ رحمة لك ] من الأُمّ الشفيقة على ولدها )) فهل تكون رؤية الأُمّ الشفيقة موحشة ؟

الأمر الثالث: النزول في القبر عذاب أليم، ومصيبة عظيمة، وعقبة مهولة ؛ ولذا يستحبّ أن ينقل الميت بثلاث دفعات ليأخذ اُهبته.

والبكاء على الحسينعليه‌السلام يُنجي من ذلك ؛ لأنّه قد ورد في الروايات الكثيرة أنّ السرور الذي تدخله في قلب المؤمن يخلق الله تعالى منه مثالاً حسناً ليتقدم على الشخص في القبر ويتلقاه، فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله تعالى ورضوان ويؤمنه ويؤنسه حتّى ينقضي الحساب.

فإذا أدخلنا السرور على قلب نبي المؤمنين (صلوات الله تعالى عليه وآله)، وعلى قلب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعلى قلب الزهراء فاطمةعليها‌السلام ، وعلى قلب المجتبى الحسنعليه‌السلام ، وعلى قلب سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام ببكائنا، وسررناهم بذلك فإنّهم قد قالوا: إنّ ذلك صلّة منكم

١٤٢

لنا وإحسان وإسعاد، فكيف يكون حسن صورة المعاد الذي يُخلق من سرورهم ؟! وكيف يكون جمال صورة خُلقت من صفاتهم تلقانا عند دخول قبرنا وتؤنسنا ؟!

الأمر الرابع: البقاء في القبر والبرزخ عذاب أليم، ومصيبة عظيمة، وعقبة مهولة، أوَ ما سمعت ما نقله أمير المؤمنينعليه‌السلام عن لسان حال أهل القبور، كلّ آن: (( وَتَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ، وَتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ، وَتَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ، فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا، وَتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا، وَطَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا، وَلَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً، وَلا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً )) إلخ ؟

والبكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام يُفرح الباكي عند الموت فرحة تبقى في قلبه إلى يوم القيامة.

الأمر الخامس: الخروج من القبر مصيبة عظيمة، وهول عظيم، وعقبة مهولة، قد أبكى سيّد الساجدينعليه‌السلام .

فكان يبكيعليه‌السلام ويقول: (( أبكي لخروجي من قبري عريانَ ذليلاً، حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرّة عن يميني، وأُخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني، وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة، ووجوه يومئذ عليها غَبَرة، ترهقها قَتَرة وذلّة )).

والبكاء على الإمام الحسين الشهيد (صلوات الله تعالى عليه)، يوجب الستر والعفّة، وخفّة الظهر من الثقل، فإذا كان الخوف من كون الوجه عليه غَبَرة، ترهقه قَترة وذلّة فقد ورد في الباكي على الحسينعليه‌السلام أنّه يخرج من قبره والسرور على وجهه، والملائكة تتلقّاه بالبشارة لِما أعدّ الله تعالى له.

الأمر السادس:( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) ، وهي الداهية العظمى، ولها مواطن ومواقف وحالات وشدائد، ولها أسماء عدّة على حسب الحالات التي فيها.

فهي القيامة في حالة، والغاشية في أُخرى، والساعة في حالة، والزلزلة في أُخرى، والحاقّة في صفة، والقارعة في أُخرى، وهي يوم الفصل في حالة، ويوم الدين في أُخرى، ويوم العرض الأكبر، ويوم الحساب، وهي الطامة الكبرى، وهي الصاخة، وهي الواقعة، وهي يوم

١٤٣

الفرار، وهي يوم البكاء، ويوم التناد، ويوم التغابن، وهي يوم الآزفة، وهي يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، ولا يسأل حميم حميماً.

والخلاص من كلّ هذه العقبات والمواقف يحتاج إلى أعمال وصفات، وأحوال وأخلاق ومجاهدات صعبة، وبذل للنفوس والأموال، وتهجّدات وعبادات، وترك للراحة، وزهد في الدنيا.

والبكاء على الحسينعليه‌السلام يجيء بكلّ هذا، فإنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة الزهراءعليها‌السلام لمّا سألته عمّن يبكي على ولدها الإمام الحسينعليه‌السلام ومَنْ يُقيم عزاء له فأخبرهاصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لها: (( إنّه إذا كان يوم القيامة فكلّ مَنْ بكى على مصائب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة )).

فمَنْ أخذ بيد رسول الله المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تقرعه القارعة، ولا تطّمه الطامة، ولا تجري عليه تلك الصفات، فهو ضاحك ولا تكون القيامة يوم بكائه.

وهو مستبشر بنعيم الجنّة ليست القيامة يوم حزنه أو خوفه، وهو آمن في يوم الفزع الأكبر، وهو مرتاح في يوم التغابن، وهو في مجمع الحسينعليه‌السلام فلا يكون كالفراش المبثوث.

والحسينعليه‌السلام يتفقّد حاله فهو ذلك الحامي الحميم يسأل عن الباكي عليه والموالي، والمتّبع له والمحبّ والصادق معه، والمتعب نفسه لأجله قربة لله تعالى، والخادم لهعليه‌السلام إلخ فهوعليه‌السلام يسأل عليه وعن أحواله ؛ رحمة من ربّ العالمين.

الأمر السابع: قراءة الكتب عند الحساب هول عظيم ؛ فإنّ إمام المتقين وسيد الصدّيقين علياًعليه‌السلام كان يخرج إلى البراري في نصف الليل فينوح ويبكي عند تصوّر هذه الحالة، ويقول: (( آه ! إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنت محصيها وأنا ناسيها، فتقول: خذوه فيا له من مأخوذ لا تُنجيه عشيرته ! )) فيبكي ويتململ تململ السليم(١) حتّى يقع مغشياً عليه (صلوات الله تعالى عليه) كالخشبة اليابسة.

والبكاء على الحسينعليه‌السلام ينفع عند قراءة الصحف، ونداء اقرأ كتابك ؛ فإنّ الباكين عليهعليه‌السلام يكونون في ظلّ العرش مشغولين بحديث إمامهم الحسينعليه‌السلام ، والناس في الحساب.

الأمر الثامن: العبور على الصراط هول عظيم، ولا بدّ من المرور عليه ؛ فإنّه( كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ) ، والناس يمرّون عليه مختلفين فمنهم كالبرق، ومنهم حبواً سالماً، ومنهم الواقع في النار عند العبور عليه، والناس يتهافتون

____________________

(١) أي الملدوغ.

١٤٤

فيه كتهافت الفراش(١) ، مع أنّ النبي المصطفى (صلوات الله تعالى عليه وآله) واقف يستغيث بالله (عزّ وجلّ): (( يا ربّ سلّم سلّم )) لكن الباكي على الحسينعليه‌السلام يأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده فيعبره وينجيه من عقباته كما في الروايات المعتبرة

الأمر التاسع: الأخذ إلى جهنم أعظم الأهوال، وأشدّ أفراد العقبات، وهو الفزع الأكبر والبكاء على الحسينعليه‌السلام يدفعه، كما في الروايات المعتبرة.

الأمر العاشر: الوقوع في النار أعظم البليات، وأفظع العقوبات، وهو ممّا لا تقوم له السماوات والأرض لكن البكاء على الإمام الحسين الشهيدعليه‌السلام يُنجي منه، والقطرة منه مطفئة لحرّها، كما في الرواية وهو كناية عن خروج الباكي المستحق للنار منها.

النوع الثاني: ما يتعلّق بتكفير الخطيئات.

وفي الروايات الكثيرة: أنّ القطرة تكفّر ما كان بقدر زبد البحر وعدد النجوم.

النوع الثالث: ما يتعلق بحسن الحالات.

ولا حالة أحسن من أن يُنال دعاء النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والوصي المرتضى علي، والزهراء البتول، والحسن والحسين (عليهم‌السلام أجمعين)، وهذه حالة تحصل بالبكاء على الحسين الغريب الشهيدعليه‌السلام .

النوع الرابع: ما يتعلّق بحصول أجر الجنّات.

وقد ورد في الروايات أنّ أجر كلّ قطرة أن يبوئه الله تعالى بها الجنّة حقباً، كناية عن الدوام والخلود.

النوع الخامس: ما يتعلّق برفع الدرجات.

ولا درجة أعلى من درجة أفضل المخلوقات، وأهل بيته الأئمّة الهداة (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين).

وقد ورد في الباكي على الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه يكون معهم في درجتهم، وإلى مثل ذلك فليرغب الراغبون، وليتنافس المتنافسون، ولنستبق إلى الخيرات هذه الواضحة الطريق.

ولنختم المقصد بالأمور التي تُنال به ؛ فإنّه لا مقصد أعلى منه، وهو غاية المسؤول، ونهاية المأمول.

المقصد العاشر: في خواص العين الباكية التي جرى منها الدمع

وهي أمور تظهر من الروايات :

____________________

(١) الفَرَاش (بالفتح): جمع فراشة، وهو صغار البق يتهافت على النار.

١٤٥

الأوّل: أنّها أحبُ العيون إلى الله تبارك وتعالى.

الثاني: أنّ كلّ عين باكية يوم القيامة لشدّة من الشدائد إلاّ عين بكت على الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة.

الثالث: أنّ تلك العين لا بدّ أن تنعم بالنظر إلى الكوثر، لا أن تنظر فحسب وإلاّ فكلّ شخص ينظر إلى الكوثر.

الرابع: أنّ العين تصير محلّ مسّ الملائكة ؛ فإنّهم يأخذون الدمع منها كما جاء في الأحاديث.

المقصد الحادي عشر: في خواص الدمع الجاري في عزاء الحسين الشهيدعليه‌السلام

وهي خمس، مجموعة من الروايات :

الأولى: أنّها أحبّ القطرات إلى الله تعالى كما في الرواية.

الثانية: أنّ قطرة منها لو سقطت في جهنم لأطفأت حرّها.

الثالثة: أنّ الملائكة لتلقى تلك الدموع وتجمعها في قارورة.

الرابعة: أنّها تُدفع إلى خزنة الجنان فيمزجونها بماء الحيوان الذي هو من الجنّة في عذوبته ألف ضعف.

الخامسة: أنّه لا تقدير لثوابها، فكلّ شيء له تقدير خاصّ إلاّ أجر الدمعة.

المقصد الثاني عشر: في خاتمة المقاصد

و‘ذا سمعت هذه الكيفيات والخواص العجيبة مع العلاوة التي وردت في الرواية: من أنّ لكلّ شيء ثواباً إلاّ الدمعة فينا.

أي لم يُبيّن بعد ثوابها إذ لا حدّ يذكر لها، فلا تتعجّب ولا تستكثر هذا المقدار الكثير من الثواب والخواصّ والفضائل على هذا العمل القليل ؛ فإنّ هذا في الحقيقة ليس عطاءً لهذا الباكي على هذه القطرة من حيث هي هي، بل عطاء للحسينعليه‌السلام على ما بذله.

ولا تستكثر منه ذلكعليه‌السلام ؛ فإنّك قد سمعت في أخبار أسخياء الملوك أنّهم بذلوا على خدمة جزئية، أو على مدحهم بقصيدة ما بقي أعجوبة الدهر.

فقد أعطى معن بن زائدة مئة ألف درهم لِمَنْ مدحه ببيت واحد، وهو قوله :

أيا جودُ معنٍ ناج معناً بحاجتي

فمالي إلى معنٍ سواك شفيعُ(*)

____________________

(*) ورد البيت هنا بغير هذا النحو، وفيه خلل عروضي، وما أثبتناه من ثمرات الأوراق في المحاضرات ـ لابن حجة الحموي (موقع معهد الإمامين الحسنين).

١٤٦

ثمّ ضعّفه في اليوم الثاني، ثمّ ضعّفه في اليوم الثالث، ثمّ أرسل إليه في اليوم الرابع، فقالوا: إنّه فرّ خوفاً من أن تستردّ عطيتك.

فقال: لو بقي لصرفت جميع خزائني في عطائه، فإذا أعطى معن بن زائدة خزائنه كلّها التي لا يملك سواها، وهو فقير إليها لِمَنْ مدحه ببيت شعر لساناً لا قلباً، فكيف لا يُعطي مَنْ لا تنفذ خزائنه، ولا تزيده كثرة العطاء إلاّ كرماً وجوداً مثل ذلك لِمَنْ بذل فيه روحه وجسده، ويده ورأسه وجميع جوارحه، وأوصاله وأعضاءه، وأولاده وراحته وحياته ؟ وهو مع ذلك مكروب عطشان، ومتحيّر في أمور عياله وأطفاله ونسائه، والجروح متواترة عليه من السنان واللسان، والسهام والشتم والسيوف، والسبّ والأحجار، والرضّ والطعن، والغدر والضرب، وانتهاك حرمه وحرق خيامه.

وحكي أيضاً أنّ معشوقة هشام واسمها خالصة أعطت جميع حليّها والجواهر المتزيّنة بها لشاعر بدّل حرفاً من حروف الهجاء، فبدّل هجائها بمدحها في قوله: كما ضاع درّ على خالصة

فقال قلت: كما ضاء درّ على خالصة

فإذا أعطت خالصة جميع ما تملك وأعز أموالها لتبديل حرف، فكيف عطاء خالق الخلق والسماوات والأرض ؟! وهو الأجود من كلّ جواد لِمَنْ بذل جميع وجوده في سبيله تبارك وتعالى ؟

فإذا أعطى الله تعالى الحسينعليه‌السلام خاصّة كلّ ما يُتصور، وكلّ ما يمكن أن يُعطيه لأحد، فلا غلوّ ولا عجب ولا تنكر شيئاً مثل ذلك من عطاء الله (عزّ وجلّ) ؛ فإنّ في ذلك تبخيلاً للجواد، وكسراً لقلب الزهراء البتولعليها‌السلام كما يظهر من الرؤيا التي رآها السيد علي الحسيني ورواها المجلسي وغيره(١) .

وفي ذلك تنقيص لقدر الحسينعليه‌السلام ، وتقليل لأجر الحسين (صلوات الله تعالى عليه)، فكلّ ذلك من أجر الحسين الشهيد الغريبعليه‌السلام ؛ فإنّك إذا تأثر قلبك، وجرت دمعة من عينك لأنّ الحسين إمامك قد اُزعج من وطنه، فالأجر الذي يُعطى لك على ما وصفناه ليس أجراً لدمعتك حتّى تستكثر، إنّما هو أجر لكيفية إزعاجه التي اختصّ بهاعليه‌السلام حيث اُزعج وشُرّد من كلّ مكان في الدنيا، حتّى إنّهم لم يدعوا رأسه المقطوع ولا جسده المطروح أن يستقرّا.

____________________

(١) في منتخب الطريحي / ٣٦٦، وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٩٣.

١٤٧

وإذا تأثر قلبك لأنّه عطشان وجرت دمعة من عينك فالأجر الذي يُعطى لك ليس أجر جريان دمعة، ولا أجر عطشه وإنّما هو أجر تفتت كبده، وجرح لسانه من اللوك، وذبول شفتين طالما قبّلهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وللحيلولة بينه وبين الماء فكانت السماء كالدخان من العطش. مضافاً إلى نار أحرقت قلبه حين قالوا: لا نسقيك حتّى ترد الحامية وتشرب من حميمها. وهذا هو حال ما روي من أنّ الدمعة لو سقطت في جهنم لأطفأت حرّها، فإنّ الأجر إنّما هو على احتراقه لا على دمعتك. كذا إذا تأثر قلبك على كثرة الجروح في أعضائه فدارت دمعة في عينك، فإنّ الأجر الذي يحصل لك إنّما أجر الجروح الواردة على جروح سابقة. بل الجرح على الجرح والطعنة على الطعنة، والضربة على الضربة، والرضّ بعد الرضّ إلخ، فإنّ بدناً طوله سبعة أشبار إذا صار صدره هدفاً لأربعة آلاف سهم وبضعة وسبعين رمحاً، لا يكون إلاّ كذلك، فلتجرِ الدماء بدل الدموع، ولتُقرح العيون حرى على الحسين الشهيدعليه‌السلام . كما إنّ أجر تأثر قلبك على قتله صبراً، وأجر فيض الدموع من عينك، إنّما هو أجر له لا لمجرد قتله ولا لأجل أنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، بل لأنّهعليه‌السلام ذُبح بالضرب بالسيف كما يُذبح الكبش بالجر على نحره، فيا لها من مصيبة ما أعظمها في السماوات والأرضين، يا الله. وأخيراً هناك ملاحظة من اللازم تبيانها وهو أنّه قد مرّ أنّ أعداء الإمامعليه‌السلام بكوا عليه وجرت منهم الدموع، ولكن ليس هذا بنافعهم في شيء، أو منجيهم من عذاب محتوم، وليس مجال كلامي الآن ما هو منشأ تلك الدموع وهم القساة الطغاة. ولكن أقول: إنّ القران الكريم وهو الثقل الأكبر يخبرنا أنّه لا يزيد الظالمين أو المكذّبين أو ما شابه إلاّ خسارة وبعداً عن الله تعالى وضلالاً، وهكذا أيضاً الحال مع دموع وبكاء هؤلاء المنافقين العتاة، والحمد لله ربّ العالمين.

انتهى العنوان السادس

العنوان السابع

في خصوصيات زيارته التي هي أعظم الوسائل الحسينيّة

وهي تُذكر في أبواب: الباب الأوّل: في فضائلها الخاصة، وهي من جهات عديدة.

الباب الثاني: في فضيلة خاصة تُذكر وحدها مستقلة لامتيازها.

الباب الثالث: في الصفات الخاصة الحاصلة للزائرين.

الباب الرابع: في صفة خاصة للزائرين، تُذكر وحدها لامتيازه.

الباب الخامس: في أحكامها الشرعية. الباب السادس: في شروطها وآدابها الشرعية.

الباب السابع: في الآثار المترتّبة على تركها.

الباب الثامن: في زياراته المخصوصة بالأوقات.

الباب التاسع: في الأبدال المجعولة بالأوقات.

١٤٨

الباب التاسع: في الأبدال المجعولة لزيارته لطفاً من الله.

الباب العاشر: في الخطابات المخصوصة به في الزيارات.

الباب الحادي عشر: في بيان زوّاره قبل شهادته.

الباب الثاني عشر: في بيان زوّاره بعد شهادته.

الباب الأوّل: في فضل الزيارة الخاصة

وهي من إحدى عشرة جهة :

الجهة الأولى: الجامعية

اعلم أنّ الله سبحانه قد اقتضت حكمته البالغة أن يكلّف عباده بأعمال خاصة ؛ واجبات، ومندوبات، لها في حصول التقرب إليه آثار خاصة، نحو الأغذية للأبدان بالنسبة إلى طعومها وخواصها فلا يغني أحدها عن الآخر ؛ ولذا ذكر بعض المحقّقين أنّه لا ينبغي أن يطلب الإنسان الأفضل من العبادات المندوبة ويقتصر عليها ؛ لفوات الخصوصيات.

وقد خصّ هذه الطاعة بأن جمع لها خواص كلّ عبادة واجبة ومندوبة، قولية وفعلية، بدنية وقلبية وإن لم يسقط التكليف بواجباتها فإنّ ذلك أمراً آخر.

أمّا الصلاة التي هي أفضل الأعمال وعمود الدين فحصولها بطريقين :

الأوّل: ما يتحصّل من الصلوات عند قبره إذا زرته، وتضاعفها بلا نهاية.

الثاني: ما يحصل بصلوات سبعين ألفاً من الملائكة، الذين تعدل صلاة كلّ واحد منهم صلاة ألف من الآدميين، كما في الروايات ؛ فإنّهم يصلّون عند قبره، وثواب صلاتهم للزائرين له.

وأمّا الزكاة: فإنّه يحصل له بكلّ زيارة ثواب ألف زكاة متقبلة، كما في الرواية.

وأمّا الحج: الذي هو أفضل الأعمال حتّى من الصلاة، فإنّ فيه صلاة أيضاً، وقد ورد إنّها حجّة واحدة واثنتان، وعشر وعشرون، واثنتان وعشرون، وثمانون ومئة، ومئة وألف، وكلّ خطوة بحجّة، وكلّ رفع قدم بعمرة.

وفي رواية بشير الدهان في زيارة عرفة: ( إنّ الرجل منكم ليغتسل على شاطئ الفرات ثمّ يأتي قبر الحسينعليه‌السلام عارفاً بحقّه فيعطيه الله تعالى بكلّ قدم يرفعها ويضعها مئة حجّة مقبولة، ومئة عمرة مبرورة ).

وقد زادت هذه المعادلة في بعض الروايات بكون الحجّة مع رسول الله المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي بعضها حجّة مع

١٤٩

الرسول مقبولة زاكية وفي بعضها اثنتان كذلك، وبعضها عشر، وفي بعضها ثلاثون مع الرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله متقبّلة زاكية، وفي بعضها خمسون معه، وفي بعضها مئة معهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قد زادت المعادلة زيادة أعجبت العقول، وهي أنّها تبلغ حجّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه، لا الحجّ معه، لا واحدة من حججهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقط بل أزيد، وذلك في رواية عائشة وقد ذُكرت سابقاً، وفي آخرها قال المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( مَنْ زاره كتب الله له تسعين حجّة من حججي بأعمارها )).

وهذا الاختلاف محمول على اختلاف مراتب الزائرين بحسب قوّة إيمانهم، ودرجات معرفتهم بالله (عزّ وجلّ) وبحقّ النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليه‌السلام ، وبحقّ الحسينعليه‌السلام بالخصوص، ومقدار اليقين بفضيلته وخصائصه التي من جملها خصوصية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( وأنا من حسين )).

فيتفرّع على ذلك ببعض الوجوه أنّ زيارته تعادل حجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولعلّ من جملة الوجوه أنّ زيارته تعادل حجّ النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولعلّ من جملة الوجوه للمعادلة بحجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الزائر إذا توجّه إليه شوقاً وحبّاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد حجّ البيت الحقيقي لله تعالى بقلب يناسب قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حبّه، ويرتبط به لذلك.

فإذا حضر عند قبره، أو وجّه قلبه إليه من بُعد البلاد، وزاره بكربة قلبه لِما جرى عليه فكأنّه قد قصده بقلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا كان قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يرقّ عليه حين يركب على ظهره وهو ساجد، وينزل من على ظهره برفق إلى الأرض ؛ فليتصوّره زائره حين يقع الحسينعليه‌السلام على الأرض بضربة رمح من صالح بن وهب المزني، وليجبر قلبه بسلامه عليه، ويتحفه بذلك، فيكون كقصد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه كذلك.

وحيث إنّ الحسينعليه‌السلام أعظم وأكرم على الله تعالى من البيت بفضيلة تصل إلى التسعين، وبتفاوت درجات الإيمان، والوقوف على التسعين من الأسرار التي خُصّت بالنبي (صلوات الله تعالى وسلامه عليه).

وأمّا الصدقة، فإنّ في زيارته ثواب ألف صدقة مقبولة، كما في الرواية الصحيحة.

وأمّا الصوم، فإنّ في زيارته ثواب ألف صائم، كما في الحديث الصحيح.

وأمّا الإعانة في سبيل الله تعالى فإنّ مَنْ زاره يكون كمَنْ حمل على

١٥٠

ألف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة.

وأمّا الجهاد والغزو، فإنّ في زيارته أجر ألف شهيد من شهداء بدر، بل ويحصل منها التشحط بدمه في سبيل الله.

وأمّا العتق، فإنّ في ثواب زيارته عتق ألف نسمة اُريد بها وجه الله، وقد ورد أنّ مَنْ زار قبر الحسينعليه‌السلام ماشياً كتب الله بكلّ قدم يرفعها وكلّ قدم يضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل.

وأمّا الذكر والتسبيح، فقد ورد أنّ الله يخلق من عرق زوّار الحسينعليه‌السلام كلّ عرقة سبعين ألف ملك يُسبحون الله ويُقدّسونه، ومنها التسبيح والتهليل والذكر بغير ذلك، وفي زيارة الحسينعليه‌السلام إدراك ثواب الذاكرين لله تعالى من الملائكة المقرّبين.

ومنها: الصلّة للرحم والإحسان إلى أهل الإيمان، وزيارته صلّة لرحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو الوالد الحقيقي، وإحسان إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من وُلد الحسينعليه‌السلام ، وإحسان إلى الحسينعليه‌السلام الذي هو الإحسان.

ومنها: الإطعام في يوم ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة إذا زرته بقولك: السّلام على المطروح بالعراء.

ومنها: الزيارة للمؤمن، والسّلام عليه وإكرامه ولو بمتكأ، أو مجلس، أو تعظيم، وهذا سيد المؤمنين وزيارته إتحاف له بتحفة المحبة والتعظيم.

ومنها: القرض له قرضاً حسناً وقد سمّى الله تعالى القرض للمؤمن المضطر قرضاً لله، فإذا أقرضت إمام المؤمنين المضطر الغريب عن الوطن، والذي هجره الناس كلّهم عن كلّ شيء، حتّى بقي جسده لا يقربه أحد، بقصدك إليه، وإلى قربه وزيارته، فهذا أعظم قرض لله، وما أدري كيف يُضاعفه الله وماذا يبلغ الأجر الكريم الذي وعده لقرضه قرضاً حسناً.

ومنها: عيادة المريض وقد جعل الله عتاب تركها أن يقول لتاركها: عبدي قد مرضت ما عدتني، وزيارة الحسينعليه‌السلام إذا تأمّلت في حقيقتها فهي عبادة، وليست عيادة مريض أُصيب بحمّى أو بصداع لتتفقد حاله، وإنّما هي عيادة لجريح عطشان، لا بل عيادة لمكروب لهفان، لا بل عيادة للمرضضة أعضاؤه ،

١٥١

وقد ذكرت الزهراء (عليها السّلام هذا المضمون في زيارتها له وهي على قبره في الرؤيا الصحيحة :

أيّها العينان فيضا

واستهلاّ لا تغيضا

وابكيا بالطفّ ميتاً

ترك الصدرَ رضيضا

لم أمرّضهُ قتيلاً

لا ولا كانَ مريضا

فإذا قصدته عند قبره فاقصد عيادته فكأنّك مرّضته قتيلاً، وعدته مطروحاً، وإذا دخلت روضته ترى ذلك في تأثيرات النظر إلى قبره الشريف.

ومنها: التجهيز للمؤمن خصوصاً الغريب: وفضله لا يُحصى، وزيارة قبر الحسينعليه‌السلام تشييع للجنازة المطروحة، وغسل وتكفين للبدن العاري، ودفن في القلب، فتُحصّل له قبراً باطناً إذا توجهت إليه عند قبرهعليه‌السلام .

ومنها: إدخال السرور في قلب المؤمن: الذي هو أفضل الأعمال وهو المثال عند جميع الأهوال، وقد ورد في زيارته عن الصادقعليه‌السلام : (( لو يعلم زائر الحسين ما يدخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما يصل إليه من الفرح، وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة وإلى الأئمّةعليهم‌السلام والشهداء منّا أهل البيت، وما يُصيب من دعائهم له في ذلك من الثواب في العاجل والآجل، والمذخور له عند الله تعالى، لأحبّ أن يكون ما ثمّ داره )).

بيان: قوله: ما ثمّ داره (بالثاء المثلثة أو بالتاء المثناة)، ومعناه على الأخير ما تمّ في داره، يعني ما استقر في داره.

ومنها: زيارة الحسينعليه‌السلام .

١٥٢

ومن العجائب أنّه تحصل بزيارة الحسينعليه‌السلام زيارة الحسينعليه‌السلام ، بل بزيارته مرّة زياراته إلى يوم القيامة، وذلك في رواية صحيحة عن صفوان سنذكرها بعد ذلك.

الجهة الثانية: انقسام الخواصّ والفضائل على حالات الزائر ؛ فإنّ زائره ينال في كلّ حالة من حالاته فضيلة تفوق الفضائل، وقد جمعت من الأحاديث الصحيحة المعتبرة وهو ست عشرة فضيلة :

في ست عشرة حالة :

الأوّلى: إذا همّ بزيارته: قال الصادقعليه‌السلام : (( إنّ لله ملائكة موكّلين بقبر الحسينعليه‌السلام ، فإذا همّ الرجل بزيارته أعطاهم الله ذنوبه، فإذا خطا محوها، ثمّ إذا خطا ضاعفوا له حسناته، فلم تزل حسناته تضاعف حتّى توجب له الجنّة، وإذا اغتسل حين همّ بزيارته ناداه محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا وافدا لله تعالى أبشر بمرافقتي في الجنّة، وناداه علي المرتضىعليه‌السلام أنا ضامن لقضاء حوائجكم، واكتنفا عن يمينه وشماله حتّى ينصرف )) هذا لفظ الرواية عن الصادقعليه‌السلام .

الثانية: إذا أخذ في جهازه تباشر به أهل السماء.

الثالثة: إذا أنفق في جهازه يعطيه الله تعالى بكلّ درهم أنفقه مثل أُحد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفق، ويصرف عنه من البلاء ممّا قد نزل ليصيبه.

وفي رواية ابن سنان يجبّ لهم بالدرهم ألف وألف وألف حتّى عدّ عشرة، ثمّ قال: ورضا الله خير له، ودعاء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين ودعاء الأئمّةعليهم‌السلام خير له.

الرابعة: إذا خرج من منزله شيّعه ستمئة ملك في جهاته الست.

الخامسة: إذا مشى لا يقع قدماه على شيء إلاّ دعا له، فإذا خطا كان له بكلّ خطوة خطاها ألف حسنة، وإذا كان في سفينة وانكفأت بهم نودوا ألا طبتم وطابت لكم الجنّة، وإذا رفعت دابته يدها كان له

١٥٣

بكلّ يد رفعتها ألف حسنة.

السادسة: إذا أصابته الشمس أكلت ذنوبه كما تأكل النار الحطب، كما عن الصادقعليه‌السلام .

السابعة: إذا عرق من الحرّ أو التعب، فقد روي في المزار الكبير: أنّه يخلق من عرق زوّار الحسينعليه‌السلام في كلّ عرقة سبعون ألف ملك يسبّحون الله ويستغفرون لزوّار الحسينعليه‌السلام إلى أن تقوم الساعة.

الثامنة: إذا اغتسلوا بماء الفرات للزيارة تساقطت ذنوبهم، ثمّ ناداهم محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( يا وافداً لله تعالى، أبشر بمرافقتي في الجنّة )) ثمّ ناداهم علي أمير المؤمنينعليه‌السلام : (( أنا ضامن لقضاء حوائجكم ورفع البلاء عنكم في الدنيا والآخرة )).

التاسعة: إذا مشى بعد الغسل كتب الله تعالى له بكلّ قدم يرفعها أو يضعها مئة حجّة مقبولة، ومئة عمرة مقبولة، ومئة عزوة مع نبي مرسل إلى أعدى عدوّ له.

العاشرة: إذا دنا من كربلاء استقبلته أصناف الملائكة، منهم الأربعة آلاف جاؤوا لنصرته يوم عاشوراء، ثمّ اُمروا بمجاورة قبره، ومنهم سبعون ألفاً، ومنهم أعداد اُخر، قد ذكرنا تفصيلها في عنوان ما يتعلّق بالملائكة.

الحادية عشرة: إذا زار القبر نظر إليه الإمام الحسينعليه‌السلام ثمّ دعا له، ثمّ يسأل أباه وجدّه أن يستغفروا له، ثمّ تدعوا له الملائكة، ثمّ يدعو له جميع الأنبياء والرسل، ثمّ يكتب له جميع ما ذكرنا من ثواب مجموع العبادات، ثمّ تصافحه الملائكة، ثمّ يوسم بوجهه من نور العرش، هذا زائر ابن خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيد الشهداءعليه‌السلام .

الثانية عشرة: إذا رجع إلى أهله شيّعته أصناف من الملائكة، فيشيّعه بالخصوص جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ويشيّعه الأربع آلاف، ويشيّعه السبعون ألفاً، ويشيّعه بالخصوص ملكان، فإذا انصرف ودعّاه وقالا له: يا ولي الله مغفور لك، أنت من حزب الله، وحزب رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحزب أهل بيتهعليه‌السلام والله، لا ترى النار بعينك أبداً، ولا تراك ولا تطعمك أبداً، ثمّ ناداه منادٍ: طوبى لك، طبت وطابت لك الجنّة.

الثالثة عشرة: إذا مات بعد ذلك بسنة أو سنتين شهدوا جنازته، واستغفروا له بعد موته، ثمّ يزوره الحسينعليه‌السلام ،

١٥٤

وزيارته يمكن أن تكون أوّل الموت، أو عند وضعه في القبر ليلة الوحشة.

فيا غرباء القبور، يا أهل الوحدة فيه، يا أهل الوحشة فيه، يا مَنْ يعلم أنّه إذا خرجت روحه فلا يزوره أحد زيارة مواجهة، بل لو زارك شخص يقف عليك بفاصلة ذراعين من الطين بينك وبينه، يا مَنْ تنقطع الصلة بينه وبين الناس جميعاً فلا يراهم ولا يرونه.

إذا زرت الحسينعليه‌السلام فإنّه يجيء إليك في ذلك الوقت، مجيء مواجهة تراه ويراك، فهل تحتمل أن تبقى في قلبك ـ بعد زيارته لك وقوله لك: السّلام عليك ـ وحشة أو خوف أو كربة ؟!

وبمقدار زيارتك له وتكرارها، وشوقك إليه وتعلّقك به، وإدخال السرور على قلبه، وموالاته بصدق قولاً وعملاً، سوف يزورك ويؤنسك في وحشتك.

اللّهمّ يسّر لنا سُبل رضوانك وحبّك ومعرفتك يا كريم.

الرابعة عشر: إذا مات في طريق الزيارة، فقد ورد عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (( تشيّعه الملائكة وتأتيه بالحنوط، والكسوة من الجنّة، وتصلّي عليه إذا كُفّن، وتكفّنه فوق أكفانه، وتفرش له الريحان تحته، وتدفع الأرض حتّى تصوّر من بين يديه مسيرة ثلاثة أميال، ومن خلفه مثل ذلك، وعند رجليه مثل ذلك، وعند رأسه مثل ذلك، ويُفتح له باب من الجنّة إلى قبره، ويدخل عليه روحها وريحانها حتّى تقوم الساعة )).

الخامسة عشرة: إذا حُبس وهو في طريقه أو ضُرب، فقد ورد في ذلك عن الصادقعليه‌السلام : (( أنّ له بكلّ يوم يحبس ويغتم فرحة إلى يوم القيامة )) قلت له: فإن ضُرب بعد الحبس في إتيانه ؟ قالعليه‌السلام : (( له بكلّ ضربة حوراء، وبكلّ وجع يدخل عليه ألف ألف حسنة، ويُمحى بها عنه ألف ألف سيئة، ويُرفع له بها ألف ألف درجة، ويكون من محدّثي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يفرغ من الحساب، ويُصافحه حملة العرش، ويُقال له: سل ما أحببت.

ويؤتى بضاربه للحساب فلا يُسأل عن شيء، ولا يُحتسب بشيء، ويؤخذ بضبعيه أي بعضديه حتّى ينتهي به إلى ملك يحبوه أي يعطيه ويتحفه بشربة من الحميم

١٥٥

وشربة من الغسلين، ويوضع على جبال في النار، ويُقال: ذق ما قدّمت يداك فيما أتيت إلى هذا الذي ضربته، والمتضرر من سبيل الحسينعليه‌السلام هو وفد الله تعالى ووفد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويؤتى به إلى باب جهنم ويُقال انظر إلى ضاربك وما قد لقي، فهل شفيت صدرك ؟ وما قد اقتُص لك منه ؟ فيقول: الحمد لله الذي انتصر لي ولولد رسوله منه )).

السادسة عشر: إذا قُتل في سبيله، فقد ورد في الحديث عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: (( أوّل قطرة من دمه يُغفر له بها كلّ خطيئة، وتُغسل طينته التي منها خلق الملائكة حتّى تخلص كما خلصت الأنبياء والمخلصين، ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر، ويُغسل قلبه ويُشرح صدره ويُملأ إيماناً، فيلقى الله تعالى وهو مخلص من كلّ ما تُخالطه الأبدان والقلوب، وتُكتب له الشفاعة في أهل بيته، ولألف من إخوانه، وتُولّى الصلاة عليه الملائكة مع جبرئيل وملك الموت، ويؤتى بكفنه وحنوطه من الجنّة، ويوسّع قبره عليه، وتُوضع له مصابيح في قبره، ويُفتح له باب من الجنّة، وتأتيه الملائكة بالتحف من الجنّة، ويُرفع ثمانية عشر يوماً إلى حظيرة القدس.

فلا يزال فيها مع أولياء الله تعالى حتّى تُصيبه النفخة التي لا تُبقي شيئاً، فإذا نُفخت النفخة الثانية، وخرج من قبره كان أوّل مَنْ يصافحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام والأوصياء (صلوات الله تعالى عليهم)، ويبشّرونه ويقولون له: الزمنا، ويُقيمونه على الحوض، فيشرب منه، ويسقي مَنْ أحبّ )).

الجهة الثالثة: إنّها تخلص من الذنوب تخليصاً خاصّاً، قد عبّر عنه فيما يقرب إلى أربعين حديثاً من الصحاح المعتبرة، بأنّه يغفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وفي أحاديث اُخرى إنّه يصير كيوم ولدته أُمّه، وفي بعضها يُمحّص من الذنوب كما يُمحّص الثوب الوسخ في الماء.

ومن عجائب ذلك أنّه قد ورد في رواية أُخرى أنّ ذلك كلّه بأوّل خطوة، ثمّ يُقدّس بكلّ خطوة بعدها، ثمّ تبلغ مرتبته بأن يُناجيه الله بقوله: (( عبدي، سلني أُعطك )).

١٥٦

وفي رواية أنّه يجيئه ملك بعد صلاة الزيارة فيقول له: إنّ رسول الله (صلوات الله عليه وآله) يقرئك السّلام ويقول: (( قد غُفر لك ما مضى فاستأنف العمل )).

الجهة الرابعة: إنّه يصير مع ذلك سبباً لخلاص غيره أيضاً، ففي الرواية، عن سيف التمار، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (( زائر الحسينعليه‌السلام مشفّع يوم القيامة لمئة رجل كلّهم قد وجبت لهم النار )).

الجهة الخامسة: إنّ كلّ عمل ينقطع وإن بقي ثوابه، وزيارة الحسينعليه‌السلام بحسب الوقوع أيضاً متّصلة إلى يوم القيامة لا تنقطع عن الزائر.

بيان ذلك: إنّه روى صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : (( إنّ الرجل إذا خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسينعليه‌السلام شيّعه سبعمئة ملك من فوق رأسه ومن تحته، وعن يمينه وعن شماله ومن خلفه حتّى يبلغوا به مأمنه، فإذا زار الحسينعليه‌السلام ناداه منادٍ: قد غُفر لك، فاستأنف العمل ثمّ يرجعون معه مشيّعين إلى منزله، فإذا صاروا إلى منزله قالوا: استودعك الله تعالى فلا يزالون يزورونه إلى يوم مماته، ثمّ يزورون قبر الحسينعليه‌السلام في كلّ يوم، وثواب ذلك للرجل )).

الجهة السادسة: إنّه يُدرك بها ما يستحيل وقوعه، وهو ثواب الحجّ مع المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك في روايات عديدة، ألطفها ما رواه موسى بن القاسم الخضرمي، قال: قدم أبو عبد اللهعليه‌السلام في أوّل ولاية أبي جعفر، وهو المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي، فنزل النجف، فقال: (( يا موسى، اذهب إلى الطريق الأعظم فقف على الطريق وانظر، فإنّه سيجيئك رجل من ناحية القادسية، فإذا دنا منك فقل له: ها هنا رجل من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوك فسيجيء معك )).

قال: فذهبت حتّى أقمت على الطريق، والحرّ شديد، فلم أزل مقيماً حتّى كدت أعصي وأنصرف وأدعه، إذ نظرت إلى شيء مقبل شبه رجل على بعير، قال: فلم أزل أنظر إليه حتّى دنا منّي، فقلت له: يا هذا، ها هنا رجل من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوك ،

١٥٧

وقد وصفك لي قال: اذهب بنا إليه فجئت به حتّى أناخ بعيره ناحية قريباً من الخيمة، قال: فدعا به، فدخل الأعرابي إليه، فدنوت أنا فصرت إلى باب الخيمة اسمع الكلام ولا أراهما، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (( من أين قدمت ؟ )).

قال: من أقصى اليمن.

قال: (( أنت من موضع كذا وكذا ؟ )).

قال: نعم، أنا من موضع كذا وكذا.

قال: (( فبما جئت ها هنا ؟ )).

قال: جئت زائراً للحسينعليه‌السلام .

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (( فجئت من غير حاجة ليس إلاّ الزيارة ؟ )).

قال: جئت من غير حاجة ليس إلاّ أن أُصلّي عنده وأزوره وأسلّم عليه وأرجع إلى أهلي.

قال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : (( وما ترون في زيارته ؟ )).

قال: نرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهلينا، وأولادنا وأموالنا، ومعائشنا وقضاء حوائجنا.

قال له أبو عبد الله: (( أفلا أُزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن ؟ )).

قال: زدني.

قال: (( إنّ زيارة أبي عبد اللهعليه‌السلام تعدل حجّة مقبولة زاكية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )) فتعجب من ذلك، فقال: (( أي والله، وحجّتين مبرورتين زاكيتين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )) فتعجب، فلم يزل أبو عبد الله يزيد حتّى قال: ثلاثين حجّة مقبولة مبرورة زاكية مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الجهة السابعة: إنّه يدرك بها ثواب ما يستحيل وقوعه في نفسه، وهو أن يكون حجّك حجّ الرسول نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد في رواية عن عائشة قد ذكرناها سابقاً.

الجهة الثامنة: إنّه قد حلف الله تعالى أن لا يُخيّب مَنْ زاره، وذلك في رواية ابن محبوب عن أبي جعفر الباقرعليهما‌السلام ، قال: (( إنّ الحسينعليه‌السلام صاحب كربلاء قُتل مظلوماً عطشان لهفان، فآلى الله (عزّ وجلّ) على نفسه أن لا يأتيه لهفان ولا مكروب، ولا مذنب ولا مغموم، ولا عطشان ولا به من عاهة ثمّ دعا عنده وتقرّب بالحسينعليه‌السلام إلى الله تعالى إلاّ نفّس الله كربته، وأعطاه مسألته، وغفر ذنوبه، ومدّ في

١٥٨

عمره، وبسط في رزقه، فاعتبروا يا أولي الألباب )).

الجهة التاسعة: خصوصية مخصوصة هي لها نهاية المأمول، وهي التي ورد في الرواية: أنّه إذا رآه الله ساهر الليل تعب النهار، نظر إليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى.

الجهة العاشرة: تأثيراتها الخاصّة :

فمنها: ما في الروايات الكثيرة من أنّها تزيد في الأعمار، وتزيد في الأرزاق، وورد في زيارة عرفة أنّها تورث الاطمئنان في العقائد الحقّة، ورفع الشبهات، وهذا الأثر أعلى من كلّ أثر ؛ فإنّ كلّ أثر يتوقّف عليه.

ومنها: إنّها تدفع مدافع السُوء وبعض ميتات السُوء.

ومنها: إنّه يدخل في مَنْ يضمنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في خمسة عشر حديثاً، مضمونها أنّه ضمن لِمَنْ زاره أو أباه أو أخاه أو أُمّه أن يزوره يوم القيامة ويخلّصه من أهوالها وشدائدها.

الجهة الحادية عشر: غرائب فضائلها :

فمنها: إنّها أفضل من زيارة الإمام إذا كان حيّاً، وزيارته في حياته، فإذا كان الصادقعليه‌السلام مثلاً حيّاً، وذهبت لخدمته وتكلّمت معه وتكلّم معك، فزيارة الحسينعليه‌السلام الآن أفضل من ذلك، كما إنّ ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام لمّا زرته: دعاني الشوق إليك أن تجشمت إليك على مشقّة فقال لي: (( لا تشكّ بربّك تعالى، فهلاّ أتيت مَنْ كان أعظم حقّاً عليك منّي ؟ )) فكان قوله: فهلاّ أتيت مَنْ كان أعظم حقّاً عليك منّي، أشدّ عليّ من قوله لا تشكّ بربّك، قلت: ومَنْ هو أعظم عليّ حقّاً منك ؟

قالعليه‌السلام : (( الحسين بن عليعليه‌السلام ، ألا أتيت الحسين فدعوت الله تعالى عنده وشكوت إليه حوائجك؟)).

ومنها: إنّ الباقرعليه‌السلام كان يزور مَنْ قدم من زيارة الحسينعليه‌السلام ، فروي عن حمران قال: زرت قبر الحسينعليه‌السلام ، فلمّا قدمت جاءني أبو جعفرعليه‌السلام ومعه عمرو بن علي بن عبد الله بن علي، فقال لي أبو جعفرعليه‌السلام : (( ابشر يا حمران، فمَنْ زار قبور شهداء آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد بذلك وجه الله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه)).

١٥٩

ومن عجائب فضلها إنّ لحظات الرحمة من الله تعالى لها خصوصية بالنسبة إلى زوّار الحسينعليه‌السلام ، ففي الحديث بعد ذكر لحظات الرحمة الإلهية كلّ يوم، قال: (( ويغفر لزائري قبر الحسينعليه‌السلام خاصّة، ولأهل بيته ولِمَنْ يشفع له يوم القيامة، كائناً مَنْ كان وإن كان مستوجباً للنار )).

ومن لطائف فضائلها أنّ لهم خصوصية في دخول الجنّة، لا بدّ أن يدخلوها قبل أهل الجنّة بأربعين عاماً، وأنّ كلّ شيء يتمسّح بزائره، ويرجو في النظر إلى زائره الخير لنظره إلى قبره المبارك.

ومن غرائب فضائلها أنّه يظهر من كثير من الأخبار أنّ فضيلتها ما بُيّنت تمام البيان للناس، ففي الرواية الصحيحة، لو يعلم الناس ما في زيارة الحسينعليه‌السلام من الفضل لماتوا وتقطّعت أنفسكم عليها مرّات.

وفي رواية أُخرى: لو علموا فضائلها لأتوه حبواً من أقصى البلاد.

الباب الثاني: في فضيلة خاصّة للزيارة تُذكر وحدها لامتيازها

وبيانها يحتاج إلى مقدّمة :

اعلم أنّ جميع ما يُذكر في ثواب الأعمال وخواصها فإنّما ذلك لبيان مقتضاها من حيث هي، كما في خواص الأدوية، ولكلّ منها موانع تدفع مقتضاها، وذلك لا ينافي ثبوت الخاصية، فالسكنجين مثلاً قاطع للصفراء، فإذا لم يقطع الصفراء لعروض المانع فيما يؤكل قبله أو بعده، أو لانقلاب في المزاج فلا ينافي كونه قاطعاً للصفراء.

فجميع ما يُذكر في فضائل الأعمال والأدعية ونحوها، قد تُقابلها موانع تدفع خاصيتها وترفعه، والمانع قد يدفع أثرها بالكلية، وقد يبقى منه شيء، وبذلك يختلف حال الناس في محشرهم فقد يكون لهم مقدار من الإيمان والأعمال تنجيهم من العقاب في أوّل احتضارهم، وقد تُنجي بعد عذاب الاحتضار، وقد تُنجي بعد عذاب مدّة في البرزخ، وقد تُنجي بعد البرزخ أوّل المحشر، وقد تُنجي في أثناء يوم القيامة وفي أحد مواطنها، وقد يغلب المانع فلا تحصل

١٦٠