الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم0%

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 289

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ جعفر التستري
تصنيف: الصفحات: 289
المشاهدات: 37353
تحميل: 6458

توضيحات:

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 289 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37353 / تحميل: 6458
الحجم الحجم الحجم
الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

الخصائص الحسينية خصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لعلّ الزمــانُ بهم [قد] يعود

ويأتـــي بدولتهم ثانيه

ألا لعنَ اللهُ أهلَ الفســاد

ومَنْ يأمــنُ الدنيا الفانيه !

* * *

ثمّ إنّ زيداً كتب هذه الأبيات في ورقة وسلّمها لبعض حجّاب المتوكّل.

قال: فلمّا قرأها اشتدّ غيظه، وأمر بإحضاره فأُحضر، وجرى بينه وبينه من الوعظ والتوبيخ ما أغاظه حتّى أمر بقتله (صلوات الله عليه)، فلمّا مثل بين يديه سأله عن أبي ترابعليه‌السلام مَنْ هو ؟ استحقاراً له.

فقال زيد: والله، إنّك عارف به وبفضله، وشرفه وحسبه ونسبه، فوالله ما يجحد فضله إلاّ كافر مرتاب، ولا يبغضه إلاّ منافق كذاب. وشرع بعرض فضائله ومناقبه حتّى ذكر منها ما أغاظ المتوكّل (لعنة الله تعالى عليه)، فأمر بحبسه فحبس، فلمّا أسدل الظلام وهجع جاء إلى المتوكّل هاتف رفسه برجله، وقال له: قم واخرج زيداً من حبسه، وإلاّ أهلكك الله تعالى عاجلاً. فقام هو بنفسه (لعنة الله عليه) وأخرج زيداً (صلوات الله عليه) من حبسه، وخلع عليه خلعة سنية، وقال له: اطلب ما تريد. قال: أريد عمارة قبر الإمام إمامنا الحسينعليه‌السلام ، وأن لا يتعرض أحد لزوّراهعليه‌السلام فأمر له بذلك، فخرج من عنده فرحاً مسروراً، وجعل يدور في البلدان وهو يقول: مَن أراد زيارة الحسين (صلوات الله تعالى عليه) فله الأمان طول الأزمان.

انتهى العنوان السابع

العنوان الثامن

في خصائصه المتعلقة بالقرآن المجيد والكلام العزيز

وفيه مقاصد :

الأوّل: في أنّه كلام الله تعالى.

الثاني: في أنّه شريك القرآن الكريم، وقد أعطاه الله تعالى لأجل ذلك خصائص القرآن وصفاته.

الثالث: فيما نزل من مرثيته بالخصوص في القرآن المجيد.

الرابع: فيما أعطاه لذلك من خصائص فاتحة القرآن، وهي السبع المثاني المعادلة للقرآن الكريم وصفاته، وما أعطاه من خصائص البسملة التي هي عنوان سور القرآن.

الخامس: مقصد لطيف شريف جامع لما يتعلّق به جميع القرآن الكريم.

السادس: مقصد طريف، نذكر فيه السور من أوّلها إلى آخرها مع بيان ما يتعلّق منها بالإمام الحسينعليه‌السلام .

المقصد الأوّل: في أنّه القرآن

وأنّه كلام الله حقيقة ؛ فإنّه متكلّم ناطق حقيقي ،

٢٠١

وجوده على نحو وجود الكلام لله تعالى، ومبّين لكلام الله الصامت، وإنّهما لن يفترقا، وإنّهما الثقلان اللذان خلّفهما رسول الله المصطفى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد خصّ الحسينعليه‌السلام باستيداعه للاُمّة باُمور خاصة، فأخذه معه على المنبر وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( أيّها الناس، هذا الحسين بن عليعليه‌السلام فاعرفوه وفضّلوه )).

وقال (صلوات الله عليه وآله): (( اللّهمّ إنّي استودعه إيّاك، وصالح المؤمنين )) فهو وديعة نبويّة عند أُمّته.

حتى بالنسبة لِمَنْ لم يكن في ذلك الزمان، فهو وديعة عندنا أيضاً، فانظروا كيف حفظكم لها يا أُمّة محمّد المصطفى (صلوات الله تعالى عليه وآله) ؟

المقصد الثاني: في بيان شراكته للقرآن من جميع الصفات والخصائص والفضائل

فاستمع أوّلاً لبيان كلّ واحدة، ثمّ للتطبيق بنحو أنيق فنقول :

القرآن المجيد: هدى للناس إلى الإسلام، وبيّنات من الهدى والفرقان والحسينعليه‌السلام : هدى للناس إلى الإيمان ـ كما بيّناه مفصّلاً في محلّه ـ وبيّنات من الهدى والفرقان بين أهل الحقّ والباطل عند عزمه على محاربة خلفاء الجور، ويوم شهادته.

القرآن المجيد: ليلة نزوله ليلة القدر المباركة والحسينعليه‌السلام : ليلة ولادته المباركة تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم لهذا الأمر، سلام هي من الله تعالى بلسان الملك جبرئيلعليه‌السلام بالتهنئة له حتّى مطلع الفجر.

القرآن المجيد: شافع لِمَنْ يتلوه ويداوم عليه الحسينعليه‌السلام : شافع لِمَنْ يزوره ويبكي عليه.

القرآن المجيد: معجزة باُسلوبه، وبمعانيه العميقة الواسعة والحسينعليه‌السلام : معجزة برأسه وبدنه، ونوره وترابه، ومقتله وذاته وخصائصه، كما يظهر من الكرامات الظاهرة لكلّ واحد في قضايا عديدة.

القرآن المجيد: جديد لا يبلى، ولا يُملّ بكثرة التكرار مدى الأزمان والحسينعليه‌السلام : مصابه جديد في كلّ سنة، ولا يُملّ بكثرة الذكر والتكرار والالتجاء إليه والتمسك به.

القرآن المجيد: قراءته عبادة، واستماعه عبادة، والنظر إليه عبادة والحسينعليه‌السلام : رثاؤه عبادة، واستماع رثائه عبادة، والجلوس في مجلسه عبادة، والهمّ له عبادة، والبكاء له عبادة، والإبكاء عليه عبادة، والتشبه بالباكي عبادة، وزيارته عبادة، والسّلام عليه من بعيد عبادة، وزيارة زائره عبادة، وتمنّي الشهادة معه عبادة، وحبّه مؤداه إلى محبّة الله تعالى لمحبّه ومتّبعهعليه‌السلام .

القرآن المجيد: له أحكام في احترامه بأن لا يهجر، ولا يترك عليه الغبار، وأن لا يمسّه إلاّ المطهرون، وأن لا يكون كالأمتعة الدنيوية تقع عليه المعاملات العوضية والحسينعليه‌السلام : له أحكام في احترامه

٢٠٢

كذلك، لكن قد سفت عليه السوافي ( سفت الريح التراب: إذا ذرته )، وأحاطت بجسده، ومسّته الأرجاس، وباعوا دينهم بقتلهعليه‌السلام بثمن بخس، دراهم معدودة، وولاية مفقودة، كما إنّ هجر زيارته لها آثار وضعية بالدنيا، وآثار سيئة بالآخرة، وتفصيله قد تقدّم فيما سبق من هذا الكتاب.

القرآن المجيد: كلام الله سبحانه الصامت والحسينعليه‌السلام : كلام الله تعالى الناطق.

القرآن المجيد: كريم شريف، مجيد حكيم عزيز ...…، إلى آخره والحسينعليه‌السلام : كريم شريف مجيد (شهيد)، بل هو القرآن، والقرآن هو، إنّه الحسين (صلوات الله عليه).

القرآن المجيد: فيه قصص الأنبياءعليهم‌السلام وحالاتهم، وما أصابهم بالبيان والحسينعليه‌السلام : في حالته وموقفه تكمن قصّة كلّ نبيعليه‌السلام ، وحالته بالعيان، بل قد زاد على كلّ حالة بخصائص اختص بها وامتاز بها.

القرآن المجيد: آياته الظاهرة ستة آلاف وست مئة وست وستون والحسينعليه‌السلام : آياته الظاهرة في بدنه ألف وتسعمئة، وقيل أربعة آلاف، وإذا عددت الجرح على الجرح، والضربة على الضربة، والطعنة على الطعنة، وما أصابه من الرضّ بلغت إلى ستة آلاف وستمئة وست وستين.

القرآن المجيد: فيه البسملة في مئة وأربعة عشر مكاناً والحسينعليه‌السلام : في بدنه السيف مثل البسملة مئة وأربعة عشر.

القرآن المجيد: له أجزاء وسور، وسطور وحروف، ونقط وإعراب، ومعاني وإعجاز والحسينعليه‌السلام : لبدنه المبارك أجزاء، وله سور، وله سطور، وفيه كلمات، وحروف ونقط، وإعراب ومعاني، وإعجاز ظاهري وملكوتي، وله جاه ومقام عند ربّ العالمين لا ينقص عن جلالة القرآن وهيبته.

القرآن المجيد: أربعة أقسام: طول، ومئين، ومثاني، ومفصل والحسينعليه‌السلام : أربعة أقسام: رأس على الرماح مسافر، وجسد في كربلاء مطروح، ودم زاكٍ على أجنحة الطيور، وفي القارورة الخضراء عند الملك القهّار، ومفصل من صغار أعضاء أطراف الجسد الشريف، ومتفرّق في الصحراء على رمضاء كربلاء ثلاثاً.

القرآن المجيد: ثلاثون جزءاً، وقد جعل كلّ نصف جزءاً جزءاً على حدة والحسينعليه‌السلام : لا أدري ما أقول بالنسبة إلى هذا التطبيق.

ثمّ إنّ القرآن المجيد قد سمّاه الله تعالى بأسماء تبلغ اثنين وثلاثين، وكذلك تلك الأسماء تصدق على الإمام الحسينعليه‌السلام .

فنقول بعون الله تبارك وتعالى :

القرآن المجيد: سمّاه الله تعالى مباركاً:( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ ) ، وقد سمّى الله تعالى أيضاً موضع تكليم موسىعليه‌السلام ، بالبقعة المباركة، وشجرة الزيتونة في آية النور، مباركة.

وعيسىعليه‌السلام مباركاً كما قال:( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ) ، وماء

٢٠٣

المطر مباركاً قال تعالى:( وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً ) ، وليلة القدر مباركة قال تعالى:( فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) .

وقد سمّى الله تعالى حبيبه الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركاً، بوحي إلى نبيّه المصطفى (صلوات الله عليه وآله) بلا واسطة في رواية عجيبة تُنبئ عن فضيلة غريبة، من جملة ألفاظها: (( بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي )) وقد ذكرناها في عنوان الألطاف. القرآن المجيد: شفاء ورحمة للمؤمنين والحسينعليه‌السلام : ذكره وحبّه، والتمسّك به وولايته شفاء للأمراض الباطنة المهلكة، وتربته شفاء للأمراض الظاهرة، وهو رحمة للمؤمنين فأكثر فوزهم يكون بهعليه‌السلام . القرآن الكريم: نور عظيم لا ينفذ والحسينعليه‌السلام : نور حين تضمّخ جسده بالتراب والدم، ونور في السماوات والأرض، ونوره وإعجازه لا ينفذ. والقرآن المجيد: روح للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وللناس، كما في الآية الشريفة:( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) والحسينعليه‌السلام : ريحانة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وراحة للناس كما في الحديث، بل الأحاديث والروايات. القرآن المجيد: حكيم يعالج القلوب، ويهديهم إلى الطاعة والحسينعليه‌السلام : حكيم عالج قوماً بهدايتهم إلى الطاعة، وعالج العاصين بالشفاعة، بل لولا نهضته المباركة لما بقي هناك مسلم، وقد جاء في الروايات والأحاديث أنّ الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء. القرآن المجيد: بشير ونذير والحسينعليه‌السلام : بشير ونذير.

القرآن المجيد: كتاب مبين والحسينعليه‌السلام : إمام مبين حقّ، أبان أهل الحقّ عن الباطل، قديماً وحديثاً وإلى قيام يوم الدين. القرآن المجيد: ذكر لكلّ مؤمن ومؤمنة والحسينعليه‌السلام : ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الأكرم، وورده طول عمره. القرآن المجيد: فيه آية الكرسي، وآية النور والحسينعليه‌السلام : فيه الكرسي الذي هو معدن العلم الإلهي، وفيه آية النور فلم يطفأ بظلمات الليل، ولا بالتراب والدم وما جرى عليه من الكروب والبلايا الجسام.

القرآن المجيد: فيه آيات الشفاء، وآيات الرجاء العظيمة، وآيات الرحمة، وآيات للهداية الأبدية لِمَنْ كان له قلب سليم والحسينعليه‌السلام : فيه آيات وصفات للشفاء، وأسباب للرجاء عظيمة، وعلل تامّة للرحمة والبركات الجليلة. القرآن المجيد: له أربعة عشر منزلاً من أوّل حدوثه ـ كما هو الحقّ ـ إلى استقراره في الجنّة ؛ فإنّه شخص مخلوق جليل، له كلام ومنازل ونزول، وشفاعة وخصومة وهي :

الأوّل: منزل حدوثه وإيجاده في اللوح، الذي هو جسم خاص أو ملك.

الثاني: قلب إسرافيل الملكعليه‌السلام الناظر إلى اللوح. الثالث: قلب ميكائيل الملكعليه‌السلام إذا قرأه عليه إسرافيلعليه‌السلام . الرابع: قلب الملك جبرئيلعليه‌السلام إذا قرأه عليه إسرافيلعليه‌السلام .

الخامس: نزوله في البيت المعمور في ليلة القدر المباركة.

السادس: نزوله جملة على قلب النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليعلمه هو، لا ليتلوه على الناس، وذلك في أوّل شهر رمضان المبارك. السابع: نزوله عليه

٢٠٤

لتلاوته في أوّل المبعث النبوي المبارك.

الثامن: نزوله في كلّ ليلة للقدر على إمام زمانه (عجّل فرجه وصلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه المعصومين)،( سَلامٌ هِيَ حتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) ، في سورة القدر.

التاسع: منزله في الأسماع.

العاشر: منزله في اللسان وهو القراءة.

الحادي عشر: منزله في القرطاس.

الثاني عشر: منزله في القلوب الطاهرة المؤمنة المصدّقة به العاملة بما جاء فيه.

الثالث عشر: منزله يوم المحشر بهيئة عجيبة نورانية جليلة.

الرابع عشر: منزله في الجنّة، وله درجات يُقال لقارئه: اقرأ وارقَه فيقرأ ويرقى حتّى يبلغ كلّ رجل منهم منزلته التي هي له فينزلها ارق: اصعد، والهاء في وارقه للوقف.

كلّ ذلك من الروايات المجتمعة، ولكيفية هذه المنازل تفصيل في مقام آخر، ويحتاج إلى زيادة تحقيق لها.

وقد ذكرت في روضات الجنات، أسأل الله التوفيق لإتمامها، إنّما المقصود الآن هو أنّ الحسينعليه‌السلام أيضاً له أربعة عشر منزلاً في فضائله، وله أيضاً أربعة عشر منزلاً في مصائبه.

ولنفصّل الأربعة عشر الأولى، ثمّ الأربعة عشر الثانية بتوفيق الملك الأكبر، فنقول :

في بيان منازل مراتبه

المنزل الأوّل: منزل خلقه نوراً قبل خلق الخلق.

المنزل الثاني: منزله المتعلّق بالعرش، وله منه حالات: محدقاً به، وعن يمينه، وفوقه، وحامله، وقدّامه، وظلّه، ومجلسه، وقرطه، وشنفه، وزينته، ومجموع ذلك في الروايات جاء في كشف الغمّة، ومعاجز آل البيت، وبحار الأنوار. المنزل الثالث: منزله المتعلّق بالجنّة، وله فيها كيفيات، من كونه شجرة فيها، وثمرة الجنّة، وقرطاً لاُدن الزهراءعليهما‌السلام ، وزينة للجنّة، وقرطيها وزينة لأركانها، وأنّ الجنة تشتاق إليه، وله فيها حورية مخصوصة، وأنّ الجنّة خُلقت من نورهعليه‌السلام كما مرّ في الرواية. المنزل الرابع: منزل كونه نوراً في الأصلاب الشامخة.

المنزل الخامس: منزل كونه نوراً في الأرحام المطهرة، خصوصاً عند الحمل به من الطاهرة الزهراءعليها‌السلام ؛ فإنّها قالت: (( لمّا حملت به ما كنت احتاج إلى المصباح في الليالي المظلمة )). المنزل السادس: على يدي لعياء الحورية التي أُرسلت قابلة له مع الحور العين.

المنزل السابع: منزله في جسد النبي الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وله في هذا المنزل مجالس: عاتقه الشريف، وكتفه المكرّم، وحجره المحترم، وصدره المعظّم، وظهره المفخّم، ويديه المباركتين، ولكلّ كيفية خاصّة ذكرناها في محلّها، وكذلك لأعضاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على جسد الحسينعليه‌السلام منازل خاصّة، فمنزل لسانه فم الحسين يرضعه، ومنزل إبهامه حلقه ليغذيه، وأمّا شفتاه فإنّ لهما على جسده منازل.

٢٠٥

أحدها: جبينه.

ثانيها: نحره، وكان أكثر نزولهما فيه.

ثالثها: ما فوق سرّته ؛ فإنّه كان يخصّه بالتقبيل.

المنزل الثامن: صدر الزهراء البتول (صلوات الله تعالى عليه).

المنزل التاسع: يدا عليعليه‌السلام حين كان يحمله على يديه، فيقبّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ أعضائه ويبكي ويقول له: (( يا أبتِ، لم تبكي ؟ )) فيقول: (( اُقبّل مواضع السيوف وأبكي )).

المنزل العاشر: كتف الملك جبرئيلعليه‌السلام وعاتقه لمرّات عديدة حينما كان يأخذه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ننسى أنّ جبرئيلعليه‌السلام قد كان يهزّ مهد الحسين (صلوات الله تعالى عليه) ويتبرّك بقربه.

المنزل الحادي عشر: منبر رسول الله الاعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه لم يصعد معه على المنبر أحد قط إلاّ عليعليه‌السلام حين رفعه يوم الغدير، وقال: (( مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه )).

ولكنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ الحسينعليه‌السلام معه وأجلسه وهو على المنبر قدامه، أو في حجره المبارك، فقال: (( أيّها الناس، هذا الحسين بن علي فاعرفوه، وفضّلوه كما فضّله الله تبارك وتعالى )).

ثمّ أخبر بقتله، ثمّ دعا على قاتله وخاذله، ثمّ استودعه عند كلّ مؤمن، حتّى إنّه قد استودعكموه أيضاً ؛ فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّمَ في قوله: (( اللّهمّ إنّي استودعك وصالح المؤمنين )) فبكى الناس، فقال: (( أتبكون ولا تنصرونه ؟! )).

أقول: فإنّكم تسمعوا هذا الحديث وأنتم صامدون.

المنزل الثاني عشر: قلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ له فيه منزلاً خاصاً، وموقعاً خاصاً، قد وصفه هو بأنّه لم يقع موقعه أحد فيه.

المنزل الثالث عشر: صدر النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله في زمن خاص، وهو حين كان يجود بنفسه الشريفة، فقد كان الحسينعليه‌السلام على صدره المبارك، وهو يبكيه، ويذكر مصابه في تلك الساعة.

المنزل الرابع عشر: قلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتحسّر في تلك الحالة عليهعليه‌السلام ، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في حال الاحتضار يتذكّر حالات الإمامعليه‌السلام حتّى قال في ذلك الوقت: (( ما لي وليزيد ! لا بارك الله في يزيد )).

ثمّ رحل إلى الرفيق الأعلى، وفارقت الروح الشريفة الجسد المطهّر وفجعت الأُمّة بفقده، وعزّ علينا فقده في كلّ آن وحين، وخاصة ونحن في هذا الزمان العسير الذي طغى فيه كلّ طاغٍ وباغٍ وفاجر.

المنزل الخامس عشر: قلوب المؤمنين فإنّ له فيها محبّة قد عبّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عنها بأنّها: (( مكنونة في بواطنهم)) فلاحظ نفسك لتقول: صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ نقول :

في بيان منازله في مصائبه أو مصائبه في منازله

٢٠٦

الأوّل: المنزل الأصلي ـ أعني المدينة ـ حين اُزعج عنها، فصعُب عليه ودعا ربّه (عزّ وجلّ) تارة، فقال: (( اللّهمّ إنّا عترة نبيّك قد أُزعجونا )) وشكا إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( أنا الحسين بن فاطمة، قد خذلوني وضيّعوني )).

الثاني: منزله في المأمن لكلّ شيء: من الإنسان، والحيوان، والطير، والوحش، والشجر، والنبات، أعني الحرم الشريف، حرم مكّة المكرّمة، فصار المأمن مخافة له أرادوا قتله فيه فارتحل عنه.

الثالث: ما بين مكة والكوفة، نزل مراحلها بتخويف له من كلّ مَنْ يلقاه، وخذلانٍ له من كلّ مَنْ يراه، فكانوا يتحاشونه لئلاّ يكلّفهم نصرته (سلام الله تعالى عليه).

الرابع: كربلاء لها بقصد الإقامة، ونيّة التوطّن، فقال للجمّالين الذين معه :

حطّوا الرحالَ بها يا قوم وانصرفوا

عنّي فما ليَ عنها قطّ ترحالُ

الخامس: مركز له في ميدان الحرب، كان يرجع إليه كلّما أراد الاستراحة من الطعن والضرب ويقول حين نزوله فيه كثيراً: (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم )).

السادس: مصرع له قال فيه: (( خُيّر لي مصرع أنا لاقيه )) نزل على ظهره، أي على وجه الأرض ثلاثة أيام أو أربعة، ثمّ ارتحل إلى بطنها، وهو القبر الشريف المعظم.

السابع: منزل رأسه، نزله ليلة الحادي عشر في دار خولي بن يزيد، وفي الحديث نزل تحت إجانة، ولكن المشهور على الألسنة أنّ ذلك النور نزل على التنور.

الثامن: منزل رأسهعليه‌السلام في مجلس ابن زياد (لعنه الله)، فكان في طبق موضوع قدامه، وهو فرح من نزول هذا الرأس المبارك ذلك المنزل، والأعظم مصيبة أنّه لمّا رآه نازلاً عنده كذلك تبسّم، ولعلّ هذا التبسّم منه أعظم من قرعه بالخيزران، والضرب على أنفه وعينيه.

التاسع: منزله في الكوفة، وهو مصلوب على شجرة.

العاشر: نزوله في الطريق ما بين الكوفة والشام، على الرمح تارة، وفي الصندوق أُخرى، فيا لها من منازل كثيرة في بلدان عديدة.

وفي كلّ منزل نزلهعليه‌السلام من كلّ بلدة علامة شاخصة إلى الآن (صلوات الله تعالى عليه).

الحادي عشر: نزوله دير الراهب وهو منزل إكرام وتحنيط، وفرش للفراش اللطيف ،

٢٠٧

وتطييب للضيف بالمسك والكافور، وتحيّة له بالسّلام، وجواب منهعليه‌السلام وتفصيله في محلّه إنّ شاء الله تعالى.

الثاني عشر: نزوله برأسه ـ في طشت من ذهب في مجلس يزيد (لعنه الله) ـ بالشام، وقد اجتمعت عليه المصائب وهو في هذا المنزل تزيد على العشرين، منها حادثة في ذلك المجلس، ومنها عائدة فقد عادت المصائب كلّها، وتجددت وتفصيلها في محلها.

الثالث عشر: نزولهعليه‌السلام مصلوباً على باب دار يزيد (لعنة الله عليه)، ولم تتحمّل ذلك زوجة يزيد حتّى خرجت حاسرة مكشوفة الرأس وصاحت بيزيد: أرأس الحسين بن فاطمة مصلوب على فناء بابي ؟! فقام يزيد وغطّاها وأرجعها إلى حرمه، وأمر بأن ينزل الرأس، وقال لها: اذهبي يا هند واعولي على ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصريخة قريش.

الرابع عشر: نزوله مصلوباً ـ أيضاً ـ على باب مدينة دمشق وهي التي لم يُطقها صبر الإمام السجّاد (صلوات الله تعالى عليه) حتّى نفذ صبره فعلى الرغم من أنّهعليه‌السلام لم يتكلّم عند رؤيته لنكث الرأس الشريف بالخيزران إلاّ أنّهعليه‌السلام لمّا علم بأنّ الرأس قد صُلب على باب البلد صاح، وقالعليه‌السلام : (( يا يزيد، أما تستحي أن يكون رأس ابن فاطمة مصلوباً على باب مدينتكم وهو وديعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! )).

ولهعليه‌السلام بعد هذه المنازل ـ كالقرآن الحكيم ـ منازل خاصة في مدفنه، محشره بهيئة خاصة، وانتهاء منازله إلى محلّه الخاص في الجنان في الدرجات التي قال عنها جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( وإنّ لك لدرجات لن تنالها إلاّ بالشهادة )) وأعلاها ما في الحديث من إلحاق الله تعالى إيّاه بنبيّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله في منزلته ودرجته.

وتفصيل كلّ ذلك في محلّه إنّ شاء الله تعالى.

المقصد الثالث: في الآيات القرآنية النازلة في رثائهعليه‌السلام

وهي آيات :

الآية الأوّلى: في بيان الحمل به وولادته، وهي قوله تعالى:( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حتّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .

٢٠٨

ففي كامل الزيارات، والبحار بأسانيد معتبرة، أنّه لمّا حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسينعليه‌السلام ، نزل جبرئل فقال: يا محمّد، إنّ الله يقول: ( السّلام عليك )، ويبشّرك بمولود يولد من فاطمةعليها‌السلام تقتله أٌمّتك من بعدك فقال: (( وعلى ربّي السّلام، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أُمّتي من بعدي )).

فعرج ثمّ نزل وقال كما قال، فأجاب كما أجاب ثمّ عرج ثمّ نزل أيضاً، وقال: إنّ الله يُبشرك أنّه جاعل في ذرّيته الإمامة والولاية والوصية فقال النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : (( قد رضيت )) ثمّ أرسل إلى فاطمة بما جاء به جبرئيل أوّلاً، فقالت: (( لا حاجة لي في مولود تقلته أُمّتك من بعدك )) فبشّرها بما بُشّر، فقالت: (( قد رضيت )).

فحملته كرهاً ؛ لأنّه مقتول، ووضعته كرهاً ؛ بأنّه مقتول( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حتّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) فلو أنّه قال: وأصلح لي ذريتي، لكانت ذريته كلّهم أئمّة.

ولم يرضع الحسينعليه‌السلام من فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولا من أنثى، ولكنّه كان يؤتى به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منه لبناً ما يكفيه اليومين والثلاثة، فنبت لحم الحسين من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودمه من دمه، ولم يولد مولود لستة أشهر إلاّ يحيى بن زكريا والحسين بن عليعليهم‌السلام .

اعلم أنّ معنى قوله كرهاً: هو الحزن والأسف عليه في حمله، ووضعه، وحضانته، وإرضاعه، وتربيته، واللعب معه في طفولته، وفي إدخال السرور عليه من قبل جّده أو أبيه أو أُمّه.

وقد مات جدّه وهو حزين آسف عليه، وماتت أُمّه ومات أبوه وأخوه كذلك، كما نطقوا به عند موتهم، وقد خلته أُخته في المقتل وذهبت عنه كرهاً، وأيّ كره هو، وأيّ حزن ! وأيّ أسف ! وأيّ صراخ ! وأيّ عويل ! وأيّ صبر جميل، وأيّ حكمة تلك حكمة زينب الكبرى (صلوات الله تعالى عليها وعلى أخيها).

الآية الثانية: في بيان خروجه من المدينة، وهي قوله تعالى:( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ

٢٠٩

دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) ، فعن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّها نزلت في علي وجعفر وحمزة وجرت في الحسينعليهم‌السلام .

بيان ذلك: أنّ علياً وجعفراً وحمزة قد أُخرجوا من ديارهم، وقتلوا ولا ذنب لهم، ولا حقّ لأحد عليهم إلاّ أنّهم قالوا: ربّنا الله (عزّوجلّ)، واستقاموا على ذلك.

ولكن قد جرت جرياناً خاصاً في الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه أُخرج من دياره، وأُخرج من كلّ مقرّ، ولم يبقَ له مقرّ ولا مفرّ، حتّى إنّه قال: (( لو دخلت في حجر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني حتّى يقتلوني )).

ثمّ قُتل قتلاً خاصاً، وظلموه هو وأبناءه ونساءه وأطفاله، وأصحابه وأنصاره ظلماً خاصاً، بل وجرى ذلك على شيعته من بعده إلى يومنا هذا، وهو الذي ظهرت فيه قدرة الله تعالى لنصره.

الآية الثالثة: في قلّة أنصاره (صلوات الله عليهم)، وهي قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) .

فعن الحسن بن زياد العطار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله (عزّوجلّ) ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ )، قال: (( نزلت في الحسن المجتبىعليه‌السلام أمره الله تعالى بالكف )).

قال قلت:( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ) ؟

قال: (( نزلت في الحسين بن عليعليهما‌السلام ، كتب الله عليه وعلى أهل الأرض أن يُقاتلوا معه )).

قال علي بن سباط، ورواه بعض أصحابنا عن أبي جعفرعليه‌السلام ، وقال: (( لو قاتل معه أهل الأرض كّلهم لقُتلوا كلّهم )).

تفسير العياشي، عن إدريس مولى لعبد الله بن جعفر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في تفسير هذه الآية( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) مع الحسنعليه‌السلام ،( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ) ، مع الحسينعليه‌السلام ،

٢١٠

( وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) إلى خروج القائم (عجّل الله فرجه) ؛ فإنّ معه النصر والظفر، قال الله تعالى( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى ) .

الآية الرابعة: في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاته، وهي قوله تعالى ( كهيعص )، كما ورد في حكاية زكرياعليه‌السلام لمّا اُوحي إليه بقضية كربلاء، وإهلاك يزيد للعترة الطاهرة، وعطشهم وصبرهم وقد ذكرنا الرواية في عنوان مجالس الرثاء.

الآية الخامسة: فيما نادى الله تعالى به عند قتله، وهي قوله (عزّوجلّ):( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) .

فعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (( يعني الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية )).

أقول: بيان ذلك أنّ مَنْ عرف الله وعظّمه، أحبّه ورضي بكلّ ما يكون من جانبه تبارك وتعالى، فلا تصيبه كراهة وتزلزل، بل كلّما ترد عليه الشدائد من قبل ربّه تعالى تحصل له طمأنينة شديدة ورضا، وقد ظهر مصداق ذلك فعلاً في الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما بيّن تفصيله في العنوان السابق وسيأتي.

الآية السادسة: في طلب ثأره في الرجعة، وهي قوله تعالى:( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً ) ، فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (( هو الحسين بن عليعليهما‌السلام ؛ قُتل مظلوماً( فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً ) ، قال: وليه القائم (عجّل الله فرجه وصلوات الله تعالى عليه)،( فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) ، يعني لا يسرف قاتله،( إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ) ، يعني إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان منصوراً ))(*) هكذا في بعض الروايات.

وفي بعضها أنّ ضمير يسرف راجع إلى الولي، وكذا ضمير أنّه، والمراد لا يسرف بقتل غير قاتله، ولا يُراد النهي عن قتل أعدائه الكثيرين، وفي بعضها يُسرف بالرّفع.

أقول: أوّلاً أنّ المعنى الظاهري للآية المباركة حكم عام لجميع الناس، وهو أنَ مَنْ قُتل مظلوماً فلوليه قصاص القاتل، ولا يُسرف في قتل غيره.

فنقول بناء على هذا المعنى: إنّ لولي الحسين القصاص من قاتله، وإذا أردنا تعيين قاتله.

____________________

(*) الظاهر أنّه جمع بين الروايات ومضامينها، فراجع الموسوعات الروائية (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٢١١

فنقول: هل قاتله يزيد، أو ابن زياد، أو ابن سعد، أو شمر، أو سنان، أو غيرهم كصالح بن وهب الذي طعنه فانقلب عن الفرس، أو صاحب السهم المثلث الذي وقع على قلبه وقال: (( بسم الله وبالله ))، أو غيرهم ؟

الحقّ أنّ هذا المقتول له مئة ألف قاتل، لا بمعنى الاشتراك، بل بمعنى أنّ كلّ واحد هو قاتله حقيقة لو انفرد، فله مئة ألف قاتل مستقل، فهو قتيل يزيد ؛ ولذا ورد في أخبار الأنبياء أنّ قاتله يزيد وهو قتيل ابن زياد ؛ ولذا قال يزيد: قتله ابن مرجانة وهو قتيل ابن سعد ؛ ولذا كان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين يرونه وهو صغير يقولون: هذا قاتل الحسينعليه‌السلام وهو قتيل الشمر، وهو قتيل سنان، وهو قتيل خولي، وهو قتيل رامي السهم المثلث.

وما يتمم الكلام هو قتيل الظمأ، وقتيل الغيرة، وقتيل العبرة.

لكن حقيقة الأمر ما قاله هو: (( قُتلت مكروباً ))، يعني قتلني كربة قلبي ؛ ولذا سُمّي بصاحب كربلاء، فلفظ كربلا إشارة إلى سبب قتله.

ثمّ أقول: إنّ لقوله ( قُتل مظلوماً ) معاني اُخر، وكلّها منطبقة على الحسينعليه‌السلام وهو حقيقتها فلنذكر موضعها، فنقول :

المعنى الأوّل: قُتل مظلوماً أي في حالة قد تعدّى عليه فيها، واُخذ منه كلّ شيء، الولاية والمال والأصحاب، والإخوان والأولاد والجارحة الظاهرية والباطنية، فقد غيّر الطعن منه كلّ جارحة حتّى نحره الشريف، واستولوا على ماله وعياله وأطفاله، وهو طريد غريب فريد، فقتلوه بهذه الحالة.

فمَنْ قُتل مظلوماً ـ بلحاظ كلّ شيء ـ هو الحسينعليه‌السلام وحده، لانحصار هذا الكلّي فيه ؛ ولذا سُمّي المظلوم، وجُعل علماً للحسينعليه‌السلام بعد ما كان صفة.

ولذا ورد في الدعاء: اُنشدك بدم المظلوم.

وفي الحديث: لا تدع زيارة المظلوم فقال الراوي: مَنْ المظلوم ؟ فقال: أوَ ما تدري ؟! هو الحسين صاحب كربلاء.

المعنى الثاني: ومَنْ قُتل مظلوماً في أصل قتله وبلا جرم، بأن لم يكن مستحقّاً له لقصاص، أو حدّ، أو فساد.

٢١٢

وأظهر أفراده الحسينعليه‌السلام ؛ ولذا قال: (( ويحكم ! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال استملكته، أو بقصاص من جراحة، أو شريعة بدّلتها ؟ )).

المعنى الثالث: ومَنْ قُتل مظلوماً، في كيفية قتله، فإنّ الله تعالى قد وضع الإحسان في كلّ شيء، فحدّ الشفرة في الأضحية إحسان، وعدم نظرها إلى قتيل من جنسها إحسان، وعدم تكتيفها وإرسالها للنزع إحسان، وعدم أراءتها الشفرة إحسان، وعدم المُثلة بها إحسان، وسقيها عند قتلها إحسان.

وقد يُقتل القتيل المظلوم بإحسان إليه في كيفية قتله وحاله، أو يُقتل مظلوماً في هذه أيضاً، والحسينعليه‌السلام قُتل بنحو ظالم لم يكن فيه إحسان.

المعنى الرابع: ومَنْ قُتل مظلوماً حين قتله، قد تعدّى عليه بإحدى وجوه التعدّي، أو ببعضها، أو بكلّها، وذلك منحصر في مقتول واحد، وهو الشهيد المظلوم (صلوات الله تعالى عليه).

المعنى الخامس: ومَنْ قُتل مظلوماً بعد قتله بسلبه، أو قطع أعضائه، أو رضّ جسده، أو طرحه بلا دفن وكفن ثلاثاً، وهذا المعنى أيضاً له فرد واحد وهو الحسينعليه‌السلام المظلوم بعد قتله حتّى إنّه سُلب ثوباً عتيقاً ممزّقاً لا يُنتفع به.

الآية السابعة: في الانتقام له يوم القيامة، وهي قوله تعالى:( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : (( إنّها نزلت في الحسين بن عليعليهما‌السلام )).

أقول: حيث إنّ الآية الشريفة في تلو الوقائع العظيمة من تكوير الشمس، وانكدار النجوم، وتسيير الجبال، فلا بدّ أن يكون السؤال الذي يذكر في تلو هذه الوقائع العظيمة ذا خصوصية في عظم السؤال عنه، وتقلب أحوال أهل المحشر فيه، بحيث يعمّ جميع الناس حتّى يخوّف كلّ الناس به، كمعطوفاته.

والقتل بهذه الكيفية من الدفن أحياء وإن كان أمراً عظيماً، ولكن السؤال: مَن المأخوذ المضيق عليه، المخنوق

٢١٣

المأخوذ بنفسه وهو حي ـ أعني الحسينعليه‌السلام ، وأولاده وعياله ونساءه ومَنْ معه، وإنّهم بأيّ ذنب قُتلوا كذلك ؟ ـ أعظم، فلعلّ ذلك هو الوجه في قولهعليه‌السلام : إنّها نزلت في الحسين بن عليعليهما‌السلام .

وتحقيق ذلك: إنّ الموءودة قد حصلت في الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا ؛ فإنّه قد حصل خنقهم والأخذ بأنفاسهم يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا، كمَنْ يُدّس في التراب وهو حي من العطش، والمحاصرة، والتضييق، وتوارد المصيبة، وأعظم منه أنّه يؤخذ بنفسه.

وقد دام الوأد من الصبح إلى العصر، بلا راحة بالموت، فهم الموءودة، وهذه الموءودة ممّن يُسأل منها بأيّ ذنب قُتلت ؟ بأيّ ذنب هكذا قُتلت ؟ بأيّ ذنب قُتلت صغارها هكذا ؟

الآية الثامنة:( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) فقد ورد أنّ الذبح العظيم هو الحسينعليه‌السلام ، ولا يلزم منه كون مرتبة المفدّى أعظم، بل المعنى وفديناه بسبب الذبح العظيم الذي يخرج من صلبه، أو المعنى أنّه تبدّل فداؤه لربّه بفداء آخر أعظم.

وحصلت هذه المرتبة العظمى ـ من جعل النفس فداء في سبيل الله ـ للحسينعليه‌السلام .

المقصد الرابع: في ثبوت خصائص سورة الحمد والبسملة بالخصوص لهعليه‌السلام

فنقول :

سورة الحمد: فاتحة الكتاب والحسينعليه‌السلام فاتح مصحف الشهادة.

سورة الحمد: أُمّ الكتاب والحسينعليه‌السلام أبو الأئمّة الأطايب.

سورة الحمد: كنز للإطاعة والحسينعليه‌السلام كنز لأسباب الشفاعة.

سورة الحمد: وافية والحسينعليه‌السلام وافٍ بأسباب المغفرة والفلاح.

سورة الحمد: شافية والحسينعليه‌السلام تربته شافية، ودمه شفاء كما في قضية ابنة اليهودي.

والدمع الذي يُسكب عليه شفاء يُطفئ النيران الباطنة، والنيران الظاهرة ؛ فإنّ قطرة منه لو سقطت في جهنم لأطفأت حرّها كما في الحديث، وذكره ومولاته شفاء لما في القلوب، وأيّ شفاء.

سورة الحمد: كافية والحسينعليه‌السلام محبته كافية.

سورة الحمد: عدل القرآن والحسينعليه‌السلام شريك القرآن وعدله في استيداع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه.

سورة الحمد: سبع مثانٍ ؛ لأنّها نزلت مرّتين.

٢١٤

والحسينعليه‌السلام له خصوصية وهي أنّه اُنزل من السماء مرّتين، واُصعد مرّتين، فنزل بروحه عند ولادته، ووفاته كسائر الأئمّة والأنبياءعليه‌السلام ، واُصعد بجسده، ثمّ اُهبط، وهذا من خصائصه.

ففي الرواية: أنّه لمّا قُتل الحسينعليه‌السلام ، ورفعوا رأسه، هبطت الملائكة، وأخذت بجسده إلى السماء الخامسة بتلك الحالة، وأوقفته مع صورة عليعليه‌السلام في السماء الخامسة، ونظروا إليه متشحّطاً بدمه الزكي، ولعنوا قاتله، ثمّ نزلت به إلى محلّه في كربلاء، وهي هذه الأمور حكمة مخفية لا نصل إلى كنهها، والله تعالى العالم بها.

سورة الحمد: مَنْ قرأها مؤمناً بظاهرها وباطنها أعطاه الله بكلّ حرف حسنة أفضل من الدنيا بما فيها كما في الحديث والحسينعليه‌السلام مَنْ ذكره وبكى عليه أعطاه الله تعالى بكلّ دمعة حسنة أفضل من الدنيا وما فيها، ومَنْ زاره أعطاه الله تعالى بكلّ حرف حسنة أفضل من الدنيا وما فيها، كما مرّ تفصيل ذلك.

البسملة: عنوان السور وصدرها والحسينعليه‌السلام عنوان الشهداء وسيّدهم.

البسملة: وردت في مئة وأربعة عشر، منها أجزاء القرآن والحسينعليه‌السلام مئة وأربعة عشر تسبيباً موجباً للغفران.

البسملة: تذكر عند الذبح والنحر تكليفاً والحسينعليه‌السلام : يتذكّره المؤمن عند كلّ ذبح ونحر وقتل من حيث شدّة قتله ونحره من كلّ قتل ونحر، كما في الحديث النبوي، بل يتذكّره المؤمنون الصادقون عند كلّ ألم ومصاب فتهون بذلك كلّ مصيبة، ويتذكّره شيعته كلّما سمعوا بمظلوم أو علموا بغريب وحيد فريد مظلوم، بل وكلّما سمعوا الأذان فهو سبب استمرار هذا الإسلام.

ولولا ثورته لما بقي من الإسلام باقية، فاعرفوا ما أنتم فيه من العزّ والكرامة عند الله تعالى أيّها الشيعة المتعاهدون مجالس إمامكم الحسينعليه‌السلام ، وما هذا إلاّ أن كنّا صادقين مع الله تعالى في خدمة الحسين، بل بشرف خدمة محمّد المصطفى وآله المعصومين (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين).

المقصد الخامس: مقصد لطيف فيه جامع لما يتعلّق به من القرآن

منها ما ينطبق عليه عموماً من الآيات والكلمات التي وردت فيه أيضاً بالإشارة، ومنها ما لم يرد بالخصوص.

ولكن استنبطناه من الصفات الواردة في القرآن المكتوب الثابتة فيه، فنقول :

القرآن الكريم: فيه آيات، لها أسماء وصفات وخواص خاصة، كآية النور، وآية التطهير، وآية الكرسي، وآيات لخواص مخصوصة، وآيات الشفاء، وآيات السجدة.

والحسينعليه‌السلام فيه الكرسي الرفيع الذي عمّ السماوات والأرض علمه، والحسينعليه‌السلام فيه آيتا نور فآية لرأسه وآية لجسده.

فالآية الأولى: ظهرت لكثير ممّن كانوا في طريق الشام ،

٢١٥

وظهرت لزيد بن أرقم حين مرّوا بالرأس على غرفته، فرأى الشعاع الداخل من شباك غرفته في الطريق، فتعجّب فنظر فإذا النور من الرأس المرفوع، وسمع منه قراءة سورة الكهف المباركة من رأسه المبارك المعجز.

والآية الثانية: رآها الزارع الأسدي، الذي جاء في الليل ليلاحظ القتلى، فقال: رأيت فيها جسداً يُضيء في الليل كالشمس إذا طلعت، ورأيت أسداً يجيء فيجلس عنده.

والحسينعليه‌السلام في محبّته آيات الشفاء من الأمراض المعنوية، وفي تربته آيات الشفاء من الأمراض الظاهرية.

والحسينعليه‌السلام في جسده آيات أربع، هي العزائم الأربع، يحقّ لمحبّيه لدى ملاحظتها الوقوع على الأرض، والكبوة على الوجه كما يلزم السجود عند قراءة العزائم.

فآية منها: أثر سهم على قلبه الطاهر قد نفد فخرج من ظهره.

وآية منها: أثر سيف مالك بن اليسر على رأسه الشريف الذي قطع العمامة والبرنس والرأس ؛ ولذا كشف رأسه وألقى العمامة والبرنس.

وآية منها: أثر رمح على خاصرته من صالح بن وهب المزني فانقلب عن فرسه إلى الأرض.

وآية منها: أثر السيف على النحر المنحور من القفا وقد انفصل الرأس منه.

فهذه آيات أربع، هي آيات العزائم الثابتة على الجسد الشريف، تعزم على محبّيه عند تصوّرها أو سماعها، تضعضع الأركان، وتهدّ القوى، وتقوّس القامة، وتوجب السقوط على الأرض، والتعفير في التراب، ووضع التراب على الرأس أسىً وحزناً وتألّماً وبكاءً شديداً على المقتول بكربلا.

وأمّا الآيات المخصوصة للخواص المخصوصين: فإنّ في الحسينعليه‌السلام آيات وتسبيبات، ووسائل إلى كلّ مطلوب من مطالب الدنيا والآخرة بأقسامها.

المقصد السادس: [السور]

مقصد طريف لطيف جديد نذكره في عنوان السور، من أوّلها إلى آخرها، من الفاتحة إلى المعوذتين، مع بيان ما يتعلّق منها بالحسينعليه‌السلام بالإشارة أو المناسبة أو الباطن فنقول :

سورة الفاتحة قد ذكرناها مستقلة في المقصد السابق.

سورة البقرة: فيها أوّل رثاء للحسينعليه‌السلام ، وهو قوله تعالى:( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) ؟

٢١٦

ففي الحديث أنّهم لاحظوا مقتل الحسينعليه‌السلام وأصحابه في كربلاء، وقد علموا بذلك لأدلّة دلّتهم على ذلك.

سورة آل عمران: قد تلاعليه‌السلام منها حين توجّه ولده عليعليه‌السلام إلى القتال:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .

سورة النساء: فيها الآية الثانية من آيات رثائه وهي:( إِلاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) ، فإنّ أظهر أفرادهم الذين كانوا معه، فما لكم لا تُقاتلون في سبيلهم ؟

سورة المائدة: لهعليه‌السلام مائدة تنطبق على مائدة الطعام، وهي مائدة من شراب الكوثر نازلة له ولأصحابه لرفع عطشهم، ولم يقل أصحابه:( أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً ) ، وإنّما رضوا بكلّ عطش وكلّ جوع، وكلّ جرح وكلّ قتل، وكان أهنأ عليهم من كلّ طعام وشراب.

سورة الأعراف: هوعليه‌السلام من الأعراف على بعض المعاني الواردة في معانيها، وهو من الرجال: ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ )، وللحسينعليه‌السلام معرفة خاصة بسيماء زائره ؛ فإنّه له سيماء بخصوصه يوم القيامة، كما ذكرناه في خواص الزيارة.

سورة الأنفال: الأنفال حقّه، وحقّ التسعة من ذريته:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ، وقد مُنع منه، ومُنعوا منه، وغُصب منه ومنهمعليهم‌السلام .

لكنّه قد اختص بمنع المشترك بين جميع ذوات الأرواح، وهو الماء الذي هو ليس من الأنفال، بل فيه حقّ شرب لكلّ مَنْ فيه روح حتّى الكفّار والحيوانات.

سورة براءة: تنطبق كلّ آيات الجهاد فيها على جهاد أصحابه حقيقة، وفيها آية الاشتراء من الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

وقد عامل في سوق هذه المعاملة جميع عباد الله تعالى بأصنافهم.

وللحسينعليه‌السلام بالنسبة إلى ذلك معاملة خاصة، وتسليم ثمن بنحو مخصوص ،

٢١٧

ونقل متاع وكَيله ووزنه وحفظه وبذله بنحو مخصوص، كما يظهر من جميع خصائصه عند التدبّر.

سورة يونسعليه‌السلام : للحسينعليه‌السلام من يونس صورة وصفة وسيرة حين نُبذ( بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ) .

أسفي لعارٍ مثل يونس بالعراء

يقطينه فيها جناح الأنسر

وإن شئت فقل: يقطينه فيها سيوف تُشهر، أو قل: رماح تُشرع.

سورة هودعليه‌السلام : قد تلا منها آيات خاصة حين وقف في الميدان قبالة القوم وخطبهم، فقرأ في خطبته:( قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

سورة يوسفعليه‌السلام : في روايات العامّة إنّها نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تسلية له بما جرى على ولده الحسينعليه‌السلام وفيها تطبيقات اُخر أيضاً.

سورة الرعد: قال تعالى:( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) ، وفي الحديث: (( ما من سحابة تمرّ وترعد وتبرق إلاّ ولعنت قاتل الإمام الحسين (صلوات الله تعالى عليه) )).

سورة إبراهيمعليه‌السلام : في سورة إبراهيم قصة إسكان إبراهيم لذريته:( بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) ، وينطبق عليه كيفية إسكانهعليه‌السلام ذريته في كربلاء، وكيفية وداعه لهم.

ومن المفجعات العجيبة تطبيق مكالمة إبراهيم أهله ـ حين أسكنهم في ذلك الوادي ـ مع مكالمة الحسينعليه‌السلام حين حلّ بأهله في وادي كربلاء، حرّك أهله بوادي كربلاء.

سورة الإسراء: للحسينعليه‌السلام معراج خاص من أرض كربلاء، أثر في جعله معراجاً للملائكة، وإسراءً خاصاً لجدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله المصطفى، حيث قال: (( اُسري بي إلى موضع يُقال له: كربلاء، رأيت فيه مصرع ابني الحسين وأصحابه )).

سورة الكهف: كان رأسه المطهّر ـ وهو على الرمح ـ يتلو سورة الكهف المباركة، فسمع زيد بن أرقم في الكوفة آية:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَباً ) ، وسمع منه آخرون في الشام:( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) ولقراءة أصل السورة حكمة خاصة.

ولخصوص قراءة الأولى في الكوفة حكمة خاصة، ولقراءة الآية الثانية في الشام حكمة خاصة.

٢١٨

سورة مريمعليها‌السلام : في حديث زكرياعليه‌السلام أنّ( كهيعص ) إشارة إلى كربلاء، وهلاك العترة من يزيد في حال العطش مع الصبر.

وقد ذكرنا الحديث سابقاً عن التهذيب والبحار عن الإمام السجّادعليه‌السلام وفيه قوله: ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً )، قال: (( خرجت من دمشق حتّى أتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسينعليه‌السلام ثمّ رجعت من ليلتها )).

سورة طه: فيها مناسبات لهعليه‌السلام في حكاية موسىعليه‌السلام :( إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَاراً ) ، والحسينعليه‌السلام رأى من جانب كربلاء نوراً وهو في المدينة، فقال لأهله: تعالوا معي، وأجاب لمّا سُئل عن ذلك في مكة فقال: إنّ الله قد شاء أن يراهنّ اُسارى.

وفي السور بعد طه أيضاً مناسبات خاصة له، ولهذا قرأ بعض الآيات من سورة القصص عند خروجه من المدينة، وبعض الآيات عند دخوله مكة.

وسنذكر تفصيلها في عنوان الهجرة من خصائصه.

وقد قرأ بعض أصحابه آيات من سورة المؤمن عند مبارزته، كما سيجيء في عنوان الشهداء.

والمقصود بيان أُنموذج من التطبيقات، فلنكتف بذلك ولنذكر بعض المناسبات لعموم السور فنقول :

السور المصدّرة بالحروف المقطعة من: (الطواسين)، و (الحواميم)، و (يس)، و (ص) و (الم) و (ق) و (ن) لصورها في النقش تأثيرات وإشارات بالنسبة إلى عددها بحساب الحمل، وتأثير في حروفها، وإشارات إلى أسماء الله، ورموز لا يهتدي إليها إلاّ مَنْ خوطب بها.

والحسينعليه‌السلام في جسده حروف مقطعة من أثر السيوف، لها هيئات في آحادها، ومثانيها، وثلاثها، ورباعها، وخماسها، ولكلّ هيئة خاصة، وهي رموز في عالم التسليم والرضا.

وقد اهتدى إلى تلك الرموز مَنْ اهتدى ( النبي وآله ) (صلوات الله تعالى عليهم أجمعين) إلى رموز الحروف المقطعة في أوائل السور.

ولذا كان يُقبّل بالخصوص بعض المواضع من بدنه، يُقبّل جميع البدن، حين يقول لعليعليه‌السلام : أمسكه فيمسكه ويُقبّل جميع مواضع الحروف المقطّعة ويبكي (صلوات الله عليه وآله)، أوائل التسبيحات من مناسبات الصفات الإلهية التي قد منحه الله أُنموذجاً منها كما بيّناه في العناوين الاحترامات الإلهية.

٢١٩

سورة المدثّر: له من هذه السورة باطنها، كما إنّه لا يخرج من معناها الظاهر ؛ فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منه وهو منه.

سورة المزمّل: وهوعليه‌السلام المخاطب بها من حيث إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله المخاطب، وهوعليه‌السلام بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنه، وهو المزمّل بدمائه الذي قام ليلة الضلال فكشفها وجعلها ضياء، وأوضح نور الحقّ، وأصحابه المزمّلون كأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قال في حقّهم يوم أحد: (( وزمّلوهم بثيابهم ودمائهم، فأنا الشهيد عليهم ))(*) .

سور الأقسام العظيمة: لها بواطن تنطبق على الإمام الحسينعليه‌السلام وحالاته وشهادته، ووجهه وروحه، وجسده وقلبه، وأصحابه وحالاتهم، فاستمع لما يُتلى عليك منها :

( وَالصَّافَّاتِ صَفّاً * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً ) هي تنطبق على الحسينعليه‌السلام وعسكره ؛ لصفهم في القتال، وصفهم للحماية، وصفهم في الصلاة، وصفهم في الأجساد المطروحة، وصفهم في الرؤوس المقطوعة، وصفهم في الدفن فإنّهم دفنوا في حفيرة واحدة.

أيضاً:( وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ) ، الحسينعليه‌السلام هو الفجر بنور هدايته، ولياليه في مصائبه هي العشر، هو وأخوه: الشفع، وهو بقي وحيداً: الوتر، وأما الوتر الموتور والنفس المطمئنة في آخر هذه السورة: فهي روحه الشريفة حين رجوعها إلى ربّها كما ورد ذلك في الروايات.

أيضاً:( وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) ، فالطور محلّ شهادته بمعنيين، ظاهري كما في الحديث، ومعنوي والكتاب المسطور: بدنه الشريف والبيت المعمور: رأسه والبحر المسجور: ميدان كربلاء يوم وقع القتال.

أيضاً:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ) ، بيان لكيفية وقوعه.

أيضاً:( وَالضُّحَى ) ضحى نور وجهه المنير، أو نور إظهار الإيمان به ؛ فإنّه مجدّد ما انمحى من الإسلام، ولولا نهضته لما بقي مسلم قطّ على وجه هذه الأرض، وهذا من معاني الحديث النبوي المبارك: (( وأنا من حسين )).

وأيضاً:( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) هو الحسينعليه‌السلام حقيقة ؛ فإنّه سماء له تسعة بروج، بل له ثلاثة عشر برجاً.

أيضاً:( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) الذي يشع ضوؤه المنير من السماوات، والحسينعليه‌السلام نجم ثاقب، يثقب نوره الظلمات الأرضية أيضاً.

____________________

(*) الظاهر أنّه جمع بين الروايات وأعطى صورة عنها بهذا الشكل، وإلاّ فالروايات مختلفة الألفاظ متّحدة المضامين (راجع وسائل الشيعة، ومستدرك وسائل الشيعة، وبحار الأنوار، وكتاب الأم، والمدونة الكبرى، ومسند أحمد، سنن النسائي، والسنن الكبرى وغيرها الكثير ) (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٢٢٠