عقيلة بني هاشم

عقيلة بني هاشم0%

عقيلة بني هاشم مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 78

  • البداية
  • السابق
  • 78 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22748 / تحميل: 5981
الحجم الحجم الحجم
عقيلة بني هاشم

عقيلة بني هاشم

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

عقيلة بني هاشم

المؤلِّف: علي بن الحسين الهاشمي الخطيب

١

هوية الكتاب

الشابك: isrn 964 - 6390 - 24 - 2

الكتاب: عقيلة بني هاشم عليها‌السلام

المؤلِّف: السيد علي الهاشمي الخطيب

الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة

عدد الصفحات والقطع: 80 صفحة وزيري

عدد المطبوع: 1000 نسخة

سنة الطبع: 1377

الطبعة: الاُولى

المطبعة: أمير - قم

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يكن له ندٌّ ولا ولد، ثمَّ الصلاة على نبيه المصطفى، وآله الميامين الشرفا، الذين خصّهم الله بآية التطهير. يقول تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

عقيلة بني هاشم

زينب الكبرى

ولادتها

ولدت زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخامس من جمادى الأولى في السنة الخامسة من الهجرة، وذكر جلال الدين السيوطي في رسالته (الزينبية) قال: ولدت زينب في حياة جدِّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

تسميتها وكنيتها

سماها جدّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زينب. اسم اختاره لها جدّها سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتكنى اُمّ كلثوم، واُمّ الحسن. ويقال لها: زينب الكبرى؛ للفرق بينها وبين مَن سُمّيت باسمها من أخواتها.

وتلقّب بالصدّيقة الصغرى؛ للفرق بينها وبين اُمّها الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين. وتلقّب أيضاً بالعقيلة (1) ، وعقيلة بني هاشم، وعقيلة

____________________

(1) العقيلة: هي المرأة الكريمة على قومها، العزيزة في بيتها.

٥

الطالبيِّين، وتلقب بالموثّقة، والعارفة، والعالمة غير المعلمة، والفاضلة، والكاملة، وعابدة آل علي عليه‌السلام .

زينب اُولى بنات أمير المؤمنين عليه‌السلام ولدتها فاطمة الزهراء بعد الحسنين السبطين عليهما‌السلام ، ومما يؤكّد ذلك أن الرواة في أيام الاضطهاد كانوا إذا رووا رواية عن علي عليه‌السلام يقول الرجل: هذه الرواية عن أبي زينب، كما ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وإنّما كنّوا أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذه الكنية؛ لأنّ زينب كانت الأكبر من ولده بعد الحسنين عليهما‌السلام ، ولم يُعرف بهذه الكنية عند أعدائه.

أبوها

أبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، القرشي الهاشمي، أبو السبطين الحسن والحسين عليهما‌السلام . ولد في بيت الله الحرام في الثالث عشر من شهر رجب قبل المبعث بعشرة سنين. كان أوّل الناس إسلاماً، وأعظمهم إقداماً، وأقواهم شكيمة، وأشدّهم عزيمة.

كيف لا يكون كذلك وقد تربّى في حجر الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآزره وحامى عنه وهو ابن عشر سنين، وأخذ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلَّ العلوم، واقتبس من قبس النبوة حتّى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( خير أعمامي أبو طالب عليه‌السلام ، وخير اُخواني علي عليه‌السلام )) .

وفداه بنفسه ليلة مبيته على الفراش، وشهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مشاهده كلَّها، وقد زوّجه من ابنته فاطمة الزهراء عليها‌السلام ؛ إذ

٦

ما كان لها كفواً إلاَّ ابن عمها علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فولدت له الحسن والحسين، ومحسن السقط، وزينب الكبرى، وزينب الصغرى اُمّ كلثوم عليهم‌السلام .

وكان علي عليه‌السلام أشجع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعلمهم بالفرائض والسنن، وما أشكلت على المسلمين قضية إلاّ وجدوا عند عليٍّ عليه‌السلام حلّها، حتّى قال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر .

وكان من الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة هارون من موسى، قال الحميري:

سـائل قريشاً به إذ كنت ذا عمهٍ

مَـن كان أثبتها في الدين أوتادا

مَـن كـان أقدم إسلاماً وأكثرها

عـلماً وأطـهرها أهلاً وأولادا

مَـن وحّـد الله إذ كانت مكذبةً

تـدعو مـع الله أوثاناً وأندادا

مَن كان يقدم في الهيجاء إذ نكلوا

عـنها وإن بخلوا في أزمةٍ جادا

مَـن كان أعدلها حكماً وأبسطها

كـفّاً وأصـدقها وعـداً وإيعادا

إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسنٍ

إن أنـت لم تلق للأبرار حسادا

٧

إن أنت لم تلق أقواماً ذوي صلفٍ

وذا عـنـادٍ لـحقِّ الله جـحّادا

ضُرِبَ عليه‌السلام على قرنه، ضربه عبد الرحمان بن ملجم المرادي الخارجي بسيفه وهو يؤدّي الفرض لله تعالى ليلة تسعة عشر من شهر رمضان، في أفضل الأماكن من القطر العراقي (مسجد الكوفة)، وفي أفضل الشهور (شهر رمضان المبارك)، وفي أفضل الأوقات (بين الطلوعين)؛ طلوع الفجر وطلوع الشمس، وفي أفضل الأمكنة (محرابه).

ضربه وهو مشغول بالصلاة لله في أول ركعة من صلاة الفجر بين السجدتين، قال المغفور له السيد حيدر الحلي:

قـتلتم الـصلاةَ فـي محرابِها

يا قاتليه وهـو فـي مـحرابهِ

وشقّ رأسَ العدل سيفُ جورِكمْ

مُـذ شقّ منه الرأس في إهابهِ

فليبكِ جـبريلُ لـه ولينتحبْ

فـي الملأ الأعلى على مصابه

اُمّها

اُمّها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانت تلقّب بالزهراء، واُمّ أبيها، والبتول، والصدّيقة، والطاهرة، والزكية، والمحدّثة، وهي أصغر بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمّها خديجة بنت خويلد (رضوان الله عليها).

٨

ولدت فاطمة عليها‌السلام في جمادى الآخرة وعمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله آنذاك خمس وثلاثين سنة.

نشأت في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتربّت في كنفه، وزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً عليه‌السلام . ويروى أنها بكت يوم زواجها، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (( ما لكِ تبكين يا فاطمة، فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً؟! )) . فولدت له الحسن والحسين وزينب الكبرى واُمّ كلثوم ومحسن السقط عليهم‌السلام .

وقد انقطع نسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من فاطمة، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ينوّه على المنبر بفضلها وشرفها وحبّه لها، وكان يقول: (( فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما يؤذيها، ويريبني ما يريبها. يرضى الله لرضا فاطمة، ويغضب لغضبها )) .

توفّيت سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام بعد أبيها بخمسة وتسعين يوماً، واُلحدت ليلاً بوصية منها، ودفنها عند قبر أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واليوم يقال لموضع قبرها: بيت فاطمة، فقال علي عليه‌السلام يرثيها:

[ها] قد قبرتُك وانصرفتُ مودّعاً

بأبي ونفسي جسمكِ المقبورُ

أَمّا القُبورُ فَإِنَّهُنَّ أَوانِسٌ

بِجُوارِ قَبرِكَ وَالدِيارُ قُبورُ

نشأتها

نشأت هذه الكريمة في حضن النبوة، ودرجت في بيت الرسالة، ورضعت لبان الوحي من ثدي بضعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الزهراء البتول عليها‌السلام ، وغذيت بغذاء الكرامة من كفِّ والدها ابن عمِّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛

٩

فنشأت نشأة قدسية، وربيت تربية روحانية، متجلببة جلباب الجلال والعظمة، مرتدية رداء العفاف والحشمة؛ فالخمسة أصحاب العبا عليهم‌السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها، وكفاك بهم مؤدّبين ومعلمين.

ذكر العلامة محمد علي أحمد المصري في رسالته، قال: السيدة زينب نشأت نشأة حسنة، كاملة فاضلة عالمة، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وكانت على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الأخلاق، ذات فصاحة وبلاغة، تفيض من يدها عيون الجود والكرم.

وقد جمعت بين جمال الطلعة وجمال الطوية حتّى أنها اشتهرت في بيت النبوة. ولقّبت بصاحبة الشورى، وكفاها فخراً أنها فرع من شجرة أهل بيت النبوة الذين مدحهم الله في كتابه العزيز... إلى آخر ما كتب عنها.

شرف نسبها وفضلها

جدّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين، ووالدها علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، واُمّها فاطمة سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، وجدتها خديجة الكبرى اُمّ المؤمنين عليها‌السلام ، وأخواها الحسن والحسين عليهما‌السلام سبطا رسول ربِّ العالمين، وأعمامها طالب وعقيل وجعفر فخر الهاشميين، والعمّة اُمّ هاني بنت عبد مناف شيخ الأباطح، وخالاتها أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

نسبٌ كأنّ عليه من شمسِ الضحى

نـوراً ومـن فلقِ الصباح عمودا

١٠

وقال آخر:

أبوها عليٌّ أثبت الناس في اللقا

وأشجعُ ممّن جاء من صلب آدمِ

فماذا يكون هذا الشرف، وإلى أين ينتهي شأوه ويبلغ مداه؟!

وإذا أضفنا إلى شرف نسبها علمَها وفضلَها، وتقواها وكمالَها، وزهدَها وورعها، وكثرة عبادتها ومعرفتها بالله تعالى كان هناك الشرف الذي لا يجاريه شرف.

ذكر النيسابوري في رسالته العلوية قال: كانت زينب بنت علي عليهما‌السلام في فصاحتها وبلاغتها، وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى واُمّها الزهراء عليهما‌السلام .

واقرأ ما دبّجته يراعة البحاثة الكبير (فريد وجدي)، يقول: السيدة زينب بنت علي رضي‌الله‌عنهما ، كانت من فضليات النساء، وشريفات العقائل، ذات تقى وطهر وعبادة.

وحسب القارئ ما أملاه الاُستاذ حسن قاسم في كتابه (السيدة زينب) قال: السيدة الطاهرة الزكية بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ابن عمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشقيقة ريحانتيه، لها أشرف نسب، وأجلّ حسب، وأكمل نفس، وأطهر قلب، فكأنّها صيغت في قالب ضمّخ بعطر الفضائل.

فالمستجلي آثارها يتمثّل أمام عينيه رمز الحق، رمز الفضيلة، رمز الشجاعة، رمز المروءة، فصاحة اللسان، قوة الجنان، مثال الزهد والورع، مثال العفاف والشهامة، إنّ في ذلك لعبرة... إلخ.

١١

وذكر العلامة محمّد علي أحمد المصري في رسالته السيدة زينب رضي‌الله‌عنها : هي بنت سيدي الإِمام علي (كرّم الله وجهه)، وبنت فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي من أجلّ أهل البيت حسباً، وأعلاهم نسباً، خيرة السيدات الطاهرات، ومن فضليات النساء، وجليلات العقائل، التي فاقت الفوارس في الشجاعة، واتّخذت طول حياتها تقوى الله بضاعة.

وكان لسانها الرطب بذكر الله على الظالمين عضباً، ولأهل الحق عيناً معيناً، كريمة الدارين، وشقيقة الحسنين، بنت الزهراء التي فضّلها الله على النساء، وجعلها عند أهل العزم اُمّ العزائم، وعند أهل الجود والكرم اُمّ هاشم.

وإليك ما ذكره عمر أبو النصر في كتابه (فاطمة بنت محمّد) قال: وأمّا زينب بنت فاطمة فقد أظهرت أنها من أكثر أهل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة، وقد استطارت شهرتها بما أظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة، وجرأة وبلاغة حتّى ضُرب بها المثل، وشهد لها المؤرّخون والكتَّاب.

ومن فضلها وشرفها أنّ الخمسة أهل العبا (عليهم سلام الله) كانوا يحبّونها حبّاً جمّاً، حتّى ورد في بعض الأخبار أنّ الحسين عليه‌السلام كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها بمكانه.

١٢

ولقد حدّث يحيى المازني عن خفارتها وصونها، قال: كنت مجاوراً لأمير المؤمنين عليه‌السلام في المدينة مدة مديدة، وكنت بالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت أن تزور قبر جدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تخرج ليلاً؛ الحسن عليه‌السلام عن يمينها، والحسين عليه‌السلام عن شمالها، وأبوها أمير المؤمنين عليه‌السلام أمامها، فإذا قربت من الروضة النبوية سبقها أبوها أمير المؤمنين فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن عليه‌السلام عن ذلك مرة، أجابه عليه‌السلام : (( أي بني، إنّي أخشى أنّ هناك أحداً ينظر شخص اُختك زينب )) .

هذا هو الشرف، وهذا هو الصون الذي حفظه التاريخ لهذه السيدة العقيلة.

عبادتها

قلنا: إنّ السيدة زينب بنت الإمام علي عليهما‌السلام كانت تشبه أباها عليّاً واُمها الزهراء عليهما‌السلام بالعبادة، كانت تؤدي النوافل كاملة في كلِّ أوقاتها، حتّى إنّ الحسين عليه‌السلام عندما أوصاها ليلة العاشرة من المحرم، فمن جملة وصاياه أن قال لها: (( اُختاه يا زينب، واُوصيك أن لا تنسيني في نافلة الليل )) ، كما ذكر ذلك الفاضل البيرجندي، وهو مدوّن في كتب السير والمقاتل.

ولم تغفل عن نافلة الليل قطّ حتّى ليلة العاشرة من

١٣

المحرم؛ فلقد جاءت الرواية عن فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام قالت: أمّا عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة - أي ليلة عاشوراء - في محرابها، تستغيث إلى ربها، والنساء ما هدأت لهنّ عين ولا سكنت لهنّ رنّة.

كانت (سلام الله عليها) من القانتات العابدات اللواتي وقفن حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى، وبذلك حصلن على المنازل الرفيعة، والدرجات العالية التي حكت برفعتها منازل المرسلين ودرجات الأوصياء (عليهم الصلاة والسّلام) (1) .

تهجّدها وأدعيتها

كانت عقيلة بني هاشم كثيرة العبادة والتهجّد، تصلّي النوافل، ولا زالت تتلو القرآن الكريم، وملازمة له، ولن يفتر لسانها عن ذكر الله قط، تدعو الله بعد كلِّ صلاة وتسبّحهُ.

فمن أدعيتها التي كانت تقرأها بعد صلاتها وحال القنوت، وقد أخذت هذه الأدعية عن جدِّها المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيها المرتضى عليه‌السلام ، واُمّها الزهراء عليها‌السلام ، من الأدعية التي كانت زينب تدعو بها (2) :

____________________

(1) هذه الجملة نقلناها من كتاب (زينب الكبرى) لاُستاذنا الشيخ جعفر نقدي (رحمه الله).

(2) ورد في بعض الأخبار: (( مَن واظب على قراءة هذا الدعاء كفاه الله هموم دنياه، وكان له نوراً في اُخراه )).

١٤

(( يا عمادَ مَن لا عماد له، ويا ذُخر مَن لا ذُخر له، ويا سند مَن لا سند له، ويا حرز الضعفاء، ويا كنز الفقراء، ويا سميع الدعاء، ويا مجيب دعوة المضطرّين، ويا كاشف السوء، ويا عظيم الرجاء، ويا منجي الغرقى، ويا منقذ الهلكى، يا مُحسن يا مجمل، يا منعم يا مفضل، أنت الذي سجد لك سوادُ الليل، وضوءُ النهار، وشعاعُ الشمس، وحفيفُ الشجر، ودوي الماء .

يا الله يا الله الذي لم يكن قبله ولا بعده، ولا نهاية ولا حدّ، ولا كفؤ ولا ندّ، بحرمة اسمك الذي في الآدميين معناه، المرتدي بالكبرياء والنور والعظمة، محقق الحقائق، ومطلّ الشرك والبوائق، وبالاسم الذي تدوم به الحياة الدائمة الأزلية التي لا موت معها ولا فناء، وبالروح المقدّسة الكريمة، وبالسمع الحاضر النافذ، وتاج الوقار، وخاتم النبوة، وتوثيق العهد، ودار الحيوان، وقصور الجمال، يا الله لا شريك له )) .

ومن الأدعية والتسبيحات التي كانت تواظب عليها‌السلام على قراءتها، هو: (( سبحان مَن لبس العزَّ وتردّى به، سبحان مَن تعطّف بالمجد والكرم، سبحان مَن لا ينبغي التسبيح إلاّ له (جلّ جلاله)، سبحان مَن أحصى كلَّ شيء عدداً بعلمه وخلقه وقدرته، سبحان ذي العزّة والنعم.

اللهمَّ إنّي أسألك بمعاقد العزِّ من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك،

١٥

وباسمك الأعظم، وجدّك الأعلى، وكلماتك التامات التي تمّت صدقاً وعدلاً أن تصلّي على محمّد وآل محمّد الطيبين الطاهرين، وأن تجمع لي خيرَ الدنيا والآخرة بعد عمر طويل. اللهمَّ أنت الحيّ القيوم، أنت هديتني، وأنت تطعمني وتسقيني، وأنت تميتني وتحييني برحمتك يا أرحم الراحمين )) .

ومن أدعية أبيها الذي كانت تدعو به بعد صلاة العشاء، وهو: (( اللهمَّ إنّي أسألك يا عالمَ الاُمور الخفيّة، ويا مَن الأرض بعزّته مدحيّة، ويا مَن الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة، ويا مقبلاً على كلِّ نفس مؤمنة زكيّة، يا مسكّن رعب الخائفين وأهل التقيّة، يا مَن حوائج الخلق عنده مقضيّة، يا مَن ليس له بوّاب يُنادي، ولا صاحب يُغشى، ولا وزير يُؤتى، ولا غير ربٍّ يُدعى، يا مَن لا يزداد على الإلحاح إلاّ كرماً وجوداً، صلِّ على محمّد وآلِ محمّد، وأعطني سؤلي إنّك على كلِّ شيء قدير )) .

وممّا كانت تناجي ربها به هذه الأبيات، وهي من مناجاة أبيها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

لك الحمدُ يا ذا الجود والمجد والعُلا

تـباركتَ تُـعطي مَن تشاءُ وتمنعُ

إلـهي وخـلاّقي وحرزي ومَوئلي

إلـيكَ لـدى الإعسار واليسرِ أفزعُ

١٦

إلـهي [لئن] جلّت وجمّت خـطيئتي

فـعوفك عـن ذنـبي أجلّ وأوسعُ

إلـهي لـئن اُعطيت نفسيَ سؤلها

فـها أنـا في روضِ الندامة أرتعُ

إلـهي تـرى حالي وفقري وفاقتي

وأنـت مـناجاتي الـخفية تـسمعُ

إلـهي فـلا تقطع رجائي ولا تزغْ

فـؤادي فلي في سيب جودك مطمعُ

إلـهي لئن خيّـبتني أو طردتـني

فمن ذا الذي أرجو ومن ذا أشـفعُ

إلـهي أجـرني مـن عذابك إنّني

أسـيرٌ ذلـيلٌ خـائف لك أخضعُ

إلـهي فـآنسني بـتلقينِ حـجّتي

إذا كان لي في القبر مثوىً ومضجعُ

إلـهي أذقـني طـعم عفوك يوم لا

بـنـونٌ ولا مـالٌ هـنالك يـنفعُ

إلـهي لـئن لم ترعني كنت ضائعاً

وإن كـنت تـرعاني فلست اُضيّعُ

إلـهي إذا لم تعفُ عن غير محسنٍ

فـمَـن لـمسيء بـالهوى يـتمتع

١٧

إلهي لئن فرّطت في طلب التقى

فـها أنـا أثـر العفو أقفو وأتبعُ

إلـهي لئن أخطأت جهلاً فطالما

رجـوتك حتّى قيل ما هو يجزعُ

إلهي ذنوبي بذّت الطودَ واعتلتْ

وصـفحك عن ذنبي أجلّ وأرفعُ

إلـهي ينحّي ذكر طولك لوعتي

وذكـر الخطايا العين منيَ يدمعُ

إلهي أقلني عثرتي وامحُ حوبتي

فـإنّي مُـقرٌّ خـائفٌ مـتضرعُ

إلـهي أنـلني منك روحاً وراحةً

فـلست سوى أبوابِ فضلك أقرعُ

إلهي لئن أقصيتني أو أهنتني

فما حيلتي يـا ربِّ أم كيف أصنعُ

إلهي حليفُ الحبِّ في الليل ساهرٌ

يـناجي ويـدعو والمغفّل يهجعُ

إلـهي وهـذا الخلقُ ما بين نائمٍ

ومـنـتبهٍ فـي لـيله يـتضرّعُ

وكـلهمُ يـرجو نـوالك راجـياً

لرحمتك العظمى وفي الخُلد يطمعُ

إلـهي يـمنّيني رجـائي سلامةً

وقـبحُ خـطيئاتي عـليَّ يشنّعُ

١٨

إلـهي فإن تعفو فعفوك منقذي

وإلاّ فـبالذنب الـمدمّر اُصرعُ

إلـهي بـحقِّ الـهاشميِّ محمّدٍ

وحـرمةِ أطهارٍ همُ لك خضّعُ

إلهي بحقِّ المصطفى وابنِ عمِّه

وحـرمةِ أبـرار همُ لك خشّعُ

إلـهي فأنشرني على دين أحمدٍ

مـنيباً تـقياً قـانتاً لك أخضعُ

ولاتـحرمنّي يـا إلهي وسيدي

شـفاعته الكبرى فذاك المشفّعُ

وصـلِّ عليهم ما دعاك موحّدٌ

ونـاجاك أخـيارٌ بـبابك ركّعُ

وكانت لم تزل تلهج بهذه الأبيات، وهي لأبيها عليه‌السلام :

وكـم لـله من لطفٍ خفيٍّ

يـدقّ خفاه عن فهمِ الذكيِّ

وكم يُسرٍ أتى من بعد عسرٍ

وفـرّج كربةَ القلبِ الشجيِّ

وكـم أمرٍ تساء به صباحاً

فـتأتيكَ الـمسرّة بـالعشيِّ

إذا ضاقت بك الأحوال يوماً

فـثق بـالواحدِ الفردِ العليِّ

تـوسّل بالنبيِّ فكلّ خطبٍ

يـهون إذا تـوسّل بالنبيِّ

ولا تـجزع إذا ما ناب أمرٌ

فـكم لـله مـن لطف خفيِّ

من غُررِ كلامها

ذكر أحمد بن أبي طاهر - طيفور - قال: كانت زينب

١٩

بنت علي عليهما‌السلام تقول: مَن أراد أن لا يكون الخلق شفعاؤه إلى الله فليحمده؛ ألم تسمع إلى قولهم: سمع الله لمن حمده؟ فخف الله لقدرته، واستحِ منه لقربه منك.

خطبتها في الكوفة

حدّث حذلم بن كثير قال: قدمتُ الكوفة في المحرم سنة إحدى وستّين عند منصرف علي بن الحسين عليه‌السلام والسبايا من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلمّا أقبل بهم على الجمال بغير وطاء، خرجن نسوة أهل الكوفة يبكين وينشدن.

وذكر الجاحظ في (البيان والتبيين) عن خزيمة الأسدي قال: ورأيت نساء أهل الكوفة يومئذ قياماً يندبن، متهتّكات الجيوب.

قال حذلم بن كثير: فسمعت علي بن الحسين عليه‌السلام يقول بصوت ضئيل ضعيف، وقد أنهكته العلة، والجامعة في عنقه، والغل في يديه، ويداه مغلولتان إلى عنقه: (( إنّ هؤلاء النسوة يبكين، إذاً فمن قتلنا؟! )) .

قال: ورأيت زينب بنت علي عليهما‌السلام ، ولم أرَ خفرة (1) أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه‌السلام .

____________________

(1) الخفر (بالتحريك): شدة الحياء، ومن قولهم: تخفّرت المرأة، اشتد حياؤها. (لسان العرب)

٢٠