• البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10676 / تحميل: 4066
الحجم الحجم الحجم
عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني

مؤلف:
العربية

٨١

الفصل الأوّل:

يزيد (لعنه الله)

الآمر بقتل الإمام والراضي به

٨٢

٨٣

أتباع السفياني يبرؤون يزيد (لعنه الله)

ثمّ إنّ هذا المنشور قد زعم أنّ يزيد بن معاوية (لعنه الله) لم يأمر ابن زياد (لعنه الله) بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ..

وهذه الدعوى قد سبقه إليها أناس سعوا إلى تبرئة يزيد (لعنه الله) من هذه الجريمة النكراء، فأنكروا أن يكون (لعنه الله) قد رضي بقتلهعليه‌السلام ، أو أنه أمر به. ومن هؤلاء ابن حجر الهيثمي(1) ، ومحمّد كرد علي، وتقي الدين ابن الصلاح، والغزالي، وابن العربي، وابن تيمية وأضرابهم(2) .

بل إن بعضهم كابن خلدون وابن العربي قالوا: إنّ الحسين قُتل

____________________

(1) راجع الفتاوى الحديثية / 193.

(2) راجع رسالة ابن تيمية، سؤال في يزيد بن معاوية (لعنه الله) / 14، 15، 17، والعواصم من القواصم / 232، 233، وإحياء علوم الدين 3 / 125، والإتحاف بحب الأشراف / 67، 68، والصواعق المحرقة / 221، وخطط الشام 1 / 145، وقيد الشريد / 57، 59.

٨٤

بسيف جده(1) !

بل صرّح محمّد أبو اليسر عابدين، مفتي الشام، بقوله: «بيعة يزيد شرعيّة، ومَن خرج عليه كان باغياً»(2) !

واعتبره أبو الخير الشافعي القزويني إماماً مجتهداً(3) !

وقال محمّد الخضري: الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جرّ على الاُمّة وبال الفرقة، وزعزع اُلفتها إلى يومنا هذا. إلى غير ذلك من أقواله التي تنضح باللؤم والتجنّي على الإمام الحسينعليه‌السلام ، فراجع كلامه(4) .

بل ادّعى بعضهم أن يزيد (لعنه الله) من الصحابة، أو من الخلفاء الراشدين المهديِّين، أو من الأنبياء(5) !

____________________

(1) الضوء اللامع 4 / 147 دار الجيل، وفيض القدير بشرح الجامع الصغير 1 / 265، وج5 / 213، ولكنهم قالوا: إنّ ذلك لم يوجد في تاريخ ابن خلدون، فلعله كان في النسخة الأولى لذلك الكتاب، ثمّ حذفها منه في النسخة الثانية. وكلام ابن العربي نقله عنه أيضاً ابن خلدون في المقدمة / 181 ط سنة 1391 هـ، مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان.

(2) أغاليط المؤرّخين / 120.

(3) تراجم رجال القرنين السادس والسابع / 6.

(4) محاضرات في تاريخ الاُمم الإسلاميّة 2 / 129.

(5) راجع منهاج السنة - لابن تيمية 4 / 549 فما بعدها.

٨٥

ونقول لهؤلاء:

قُتل بسيف جدّه!!:

وبعد، فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لم يُقتل بسيف جده، بل قُتل بسيف يزيد (لعنه الله) الباغي على إمامه، والظالم لنفسه، وللاُمّة، ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ..

لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد قرّر إمامة الحسنينعليهما‌السلام في كثير من النصوص العامة والخاصة ..

ولأن يزيد (لعنه الله) كان فاقد الشرعيّة بنص واعتراف من أبيه معاوية.

ولأنه قد أمر بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام بمجرد موت أبيه، وقبل أن يبايعه الناس، خصوصاً في العراق والحجاز واليمن، و و ..

ولأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام وآخرون من كبار صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم أهل الحل والعقد، قد رفضوا تأمّره عليهم بالقوة، وهو المعروف بفسقه وجوره، إلى غير ذلك ممّا ألمحنا إليه في هذه الدراسة، وألمح إليه علماء الاُمّة في مؤلفاتهم وبحوثهم.

إنّ يزيد (لعنه الله) هو القاتل

ليس من الضروري أن يكون يزيد هو الذي مارس قتل الإمام الحسينعليه‌السلام بيده إذ إنّ الملوك يُنسب إليهم الانتصار والهزيمة في الحروب، ويُنسب إليهم أيضاً قتل أعدائهم مع أنهم لا يباشرون قتل أعدائهم بأنفسهم إلاّ بعض الشذاذ منهم، يقدمون على ذلك بهدف

٨٦

التشفي والانتقام.

وإنّ ممّا لا شك فيه ولا شبهة تعتريه هو أن يزيد بن معاوية (لعنه الله) هو قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام بسيف ابن زياد والشمر وعمر بن سعد.

ولبيان ذلك نقول:

إنّ هناك ثلاثة أنواع من النصوص:

الأوّل: ما دلّ على أن يزيد (لعنه الله) قد أمر ابن زياد وغيره بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويدخل في ذلك ما ورد فيه التصريح بأنه هو القاتل.

الثاني: ما صرّح برضاه بقتلهعليه‌السلام .

الثالث: أفعاله الدالّة على فرحه بما جرى عليه وعلى أهل بيته وصحبه (سلام الله عليهم).

ونحن نتكلم حول هذه الاُمور الثلاثة، كل على حدة، فنقول:

ألف: أوامر يزيد (لعنه الله) بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام

إنّ ممّا دل على أن يزيد بن معاوية (لعنه الله) قد أمر بقتل سيد الشهداءعليه‌السلام وصحبه:

1 - قال ابن زياد لمسافر بن شريح اليشكري: أمّا قتلي الحسين فإنه أشار عليَّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله(1) .

____________________

(1) الكامل في التاريخ 3 / 324.

٨٧

2 - كتب ابن زياد (لعنه الله) إلى الإمام الحسينعليه‌السلام : قد بلغني نزولك كربلاء، وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسّد الوثير، ولا أشبع من الخمير أو اُلحقك باللطيف الخبير، أو تنزل على حكمي وحكم يزيد. والسلام(1) .

قال اليعقوبي: إنّ يزيد قد كتب إلى ابن زياد: قد بلغني أنّ أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكّة متوجّهاً نحوهم، وقد بُلي به بلدك من بين البلدان، وأيامك من بين الأيام، فإن قتلته وإلاّ رجعت إلى نسبك وأبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك(2) .

3 - إنّ يزيد (لعنه الله) قد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر على الحاج، وولاّه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالإمام الحسينعليه‌السلام أينما وُجد(3) .

4 - إنّ يزيد (لعنه الله) كتب إلى الوليد بن عتبة: «خذ الحسين، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمان بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومَن أبى فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه(4) .

____________________

(1) البحار 24 / 383، ومقتل العوالم / 243، الفتوح - لابن الأعثم - المجلد الثالث 5 / 85.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 242 ط صادر.

(3) المتنخب / 304.

(4) مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي 1 / 178 - 180، ومناقب آل أبي طالب 4 / 88 ط مكتبة مصطفوي - قم - إيران، والفتوح - لابن أعثم 5 / 10.

٨٨

وحسب نص اليعقوبي: «إذا أتاك كتابي فاحضر الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليَّ برأسيهما، وخذ الناس بالبيعة، فمَن امتنع فانفذ فيه الحكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير. والسّلام»(1) .

5 - كتب إلى عامله على المدينة بكتاب قال له فيه: «وعجّل عليَّ بجوابه، وبيّن لي في كتابك كلّ مَن في طاعتي أو خرج عنها، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي»(2) .

6 - وفي نص آخر أنّ الوليد بن عتبة أخبر يزيد (لعنه الله) بما جرى له مع الإمام الحسينعليه‌السلام وابن الزبير، فغضب يزيد (لعنه الله) وكتب إليه:

إذا ورد عليك كتابي هذا فخذ بالبيعة ثانياً على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم، وذر عبد الله بن الزبير، فإنه لن يفوتنا، ولن ينجو منّا أبداً ما دام حيّاً. وليكن مع جوابك إليَّ رأس الحسين بن علي، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنة الخيل، ولك عندي الجائزة والحظ الأوفر إلخ(3) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 241.

(2) الأمالي للصدوق / 134، 135 ط سنة 1389 - النجف الأشرف - العراق، والبحار 44 / 312.

(3) الفتوح - لابن أعثم - المجلد الثالث 5 / 18.

٨٩

7 - وقد كتب يزيد (لعنه الله) إلى ابن عباس، وإلى مَن بمكة والمدينة من قريش أبياتاً منها:

أبلغ قريشاً على نأي المزار بها

بيني وبين حسين اللهُ والرحمُ

إلى أن قال:

إني لأعلم أو ظنّاً كعالمه

والظنُّ يصدق أحياناً فينتظمُ

أن سوف يترككم ما تدَّعون بها

قتلى تهاداكم العقبانُ والرخمُ(1)

8 - قال ابن عساكر: بلغ يزيد خروجه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد، وهو عامله على العراق، يأمره بمحاربته وحمله إليه إن ظفر به(2) .

وحسب نص ابن أعثم أن ابن زياد قال لأهل الكوفة: «كتب إليَّ يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، ومئتي ألف درهم» أفرقها عليكم، وأخرجكم لحرب عدوه الحسين بن علي، فاسمعوا له وأطيعوا(3) .

ونحو ذلك ما في نص آخر عنه: «وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة»(4) .

____________________

(1) تاريخ دمشق 14 / 206، وفي هامشه عن بغية الطالب 6 / 210، وراجع البداية والنهاية 8 / 177 ط دار إحياء التراث، والفتوح - لابن أعثم 5 / 68، 69، وتذكرة الخواص / 238.

(2) تاريخ دمشق 14 / 208، وفي هامشه عن بغية الطالب 6 / 14، 26.

(3) الفتوح - لابن أعثم - المجلد الثالث 5 / 89.

(4) الأخبار الطوال / 253.

٩٠

وقال السيوطي: «فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله»(1) .

والأمر بالحرب هل يعني إلاّ السعي لقتل الطرف الآخر وبذل الجهد لإزهاق نفسه أو أسره؟!

9 - ولما وضع رأس الإمام الحسينعليه‌السلام بين يدي يزيد (لعنه الله)، صار (لعنه الله) ينكت ثناياه بقضيب، ويقول:

أبى قومُنا أن ينصفونا فأنصفتْ

قواضبُ في إيماننا تقطر الدما

نفلّقُ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما(2)

فهو يعترف بالبيت الثاني بأنه هو فاعل ذلك.

10 - وقد نقل الآلوسي عن تاريخ ابن الوردي، وكتاب الوافي بالوفيات:

أنّه لما ورد على يزيد نساء الحسينعليه‌السلام وأطفاله، والرؤوس على الرماح، وقد أشرف على ثنية جيرون، ونعب الغراب، قال:

____________________

(1) تاريخ الخلفاء / 193 ط دار الفكر سنة 1394 هجري - بيروت.

(2) راجع مروج الذهب 3 / 61، والأخبار الطوال / 261، والفتوح - المجلد الثالث 5 / 128، والنجوم الزاهرة 1 / 203 ط دار الكتب العلمية، والفصول المهمة - لابن الصباغ / 205، ومرآة الجنان - لليافعي 1 / 135، ومقاتل الطالبيِّين / 119، والإرشاد - للمفيد 2 / 119، ومناقب آل أبي طالب 4 / 114 ط مكتبة مصطفوي - قم - إيران، وسير أعلام النبلاء 3 / 39.

٩١

لما بدت تلك الحمولُ وأشرفت

تلك الرؤوسُ على رُبى جيرونِ

نعب الغرابُ فقلت نح أو لا

تنح فلقد قضيتُ من النبيِّ ديوني(1)

إلى أن قال:

وهذا كفر صريح، فإذا صحّ فقد كفر به. ومثله تمثّله بقول ابن الزبعرى قبل إسلامه:

(ليت أشياخي ) الأبيات انتهى(2) .

11 - كما أنّ الغزالي قد ذكر أن يزيد قد كاتب ابن زياد وحثّه على قتل الحسينعليه‌السلام (3) .

12 - وتمثّل وهو ينكت ثنايا الإمام الحسينعليه‌السلام بقضيب، بهذه الأبيات

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرجِ من وقع الأسلْ

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا لي هنيئاً لا تشلْ

حين حكّت بفناءٍ بركها

واستحرّ القتلُ في عبد الأسلْ

قد قتلنا الضعفَ من أشرافكمْ

وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدلْ

لعبت هاشمُ بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزلْ

____________________

(1) روح المعاني 26 / 72، وتذكرة الخواص / 261، 262، ومنهاج السنة 4 / 549 فما بعدها.

(2) روح المعاني 26 / 73.

(3) تذكرة الخواص / 63، وراجع الصواعق المحرقة 2 / 631.

٩٢

وفي نص آخر:

فجزيناهم ببدرٍ مثلَها

وأقمنا ميلَ بدرٍ فاعتدلْ

لستُ من عتبةَ إن لم أنتقم

من بني أحمدَ ما كان فعل(1)

وفي هذه الأبيات اعتراف صريح بأنه هو فاعل ذلك.

13 - ويذكرون أيضاً أن يزيد (لعنه الله) قد عهد إلى عمرو بن سعيد الأشدق أن يناجز الإمام الحرب، وإن عجز عن ذلك اغتاله. وقدم الأشدق في جند كثيف إلى مكّة، فلمّا علم الإمام خرج منها(2) .

مواجهة يزيد (لعنه الله) بجريمته

وهناك نصوص كثيرة تجد فيها مواجهة يزيد (لعنه الله) بأنه هو قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، من دون أن ينكر هو ذلك أو أن ينحي باللائمة على غيره. فمن ذلك:

1 - ما كتب به ابن عباس إلى يزيد (لعنه الله) في رسالة جاء فيها:

«وسألتني أن أحثّ الناس عليك، واُخذّلهم عن ابن الزبير، فلا ولا

____________________

(1) راجع البداية والنهاية 8 / 187 ط دار إحياء التراث، ومناقب آل أبي طالب 4 / 114 ط مكتبة مصطفوي - قم - إيران، والفتوح - المجلد الثالث 5 / 129، والمنتظم 5 / 343، وتذكرة الخواص / 261، 262، وآثار الجاحظ / 130، وسؤال في يزيد / 14 فما بعدها، ومصادر ذلك لا تكاد تحصى.

(2) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام - للقرشي 3 / 46 عن مرآة الزمان / 67 نسخة مصورة في مكتبة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام - النجف الأشرف - العراق.

٩٣

سروراً ولا حبوراً، وأنت قتلت الحسين بن علي، بفيك الكِثكِث»(1) .

إلى أن قال:

«لا تحسبني - لا أباً لك! - نسيت قتلك حسيناً وفتيان بني عبد المطلب».

إلى أن قال أيضاً:

«وما أنس من الأشياء فلست بناسٍ إطرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسّك إليه الرجال تغتاله».

إلى أن قال:

«قد سقت إليه الرجال فيها ليقاتل».

إلى أن قال:

«ثمّ إنك الكاتب إلى ابن مرجانة أن يستقبل حسيناً بالرجال، وأمرته بمعالجته وترك مطاولته، والإلحاح عليه حتّى يقتله ومن معه من بني عبد الملطب».

إلى أن قال:

«فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودّي ونصري وقد قتلت بني أبي، وسيفك يقطر من دمي ...» إلخ.

إلى أن قال أيضاً:

«ولا يستقرّ بك الجدل، ولا علم(2) يمهلك الله بعد قتلك عترة

____________________

(1) الكِثِكث (بكسر الكاف المكررة): التراب أو فتات الحجارة.

(2) لعل الصحيح «ولا أعلم».

٩٤

رسول الله إلاّ قليلاً»(1) .

2 - إنّ ولده معاوية بن يزيد قد أكّد في خطبة توليه الخلافة بعهد من أبيه يزيد (لعنه الله)، أكَّد على أن أباه هو القاتل، فقد جاء في تلك الخطبة:

«... إنّ من أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وبئيس منقلبه، وقد قتل عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأباح الحرم، وخرّب الكعبة ...» إلخ(2) .

3 - وقال يزيد (لعنه الله) للإمام السجادعليه‌السلام حينما اُدخل عليه: أنت ابن الذي قتله الله؟

فقالعليه‌السلام : «أنا علي، ابنُ مَن قتلته أنت».

ثم قرأ:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا (3) ) (4) .

4 - وقالت له [زينب بنت عليعليهما‌السلام ]: يا يزيد، حسبك من دمائنا(5) .

5 - وروى ابن أعثم أنّ الإمام السجادعليه‌السلام قال ليزيد (لعنه الله): «إنّك لو تدري ما صنعت، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي،

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 248، 249، وراجع الكامل في التاريخ 4 / 128.

(2) الصواعق المحرقة 2 / 641.

(3) الآية 93 من سورة النساء.

(4) تذكرة الخواص / 63 عن الغزالي.

(5) مقاتل الطالبيِّين / 120.

٩٥

وأخي وعمومتي، إذاً لهربت في الجبال، وفرشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور. أن يكون رأس الحسين بن فاطمة وعليرضي‌الله‌عنهما منصوباً على باب المدينة وهو وديعة الله فيكم!»(1) .

6 - وقالعليه‌السلام مخاطباً يزيد (لعنه الله) في خطبته الشهيرة بدمشق: «محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدّي فلِمَ قتلت عترته؟»(2) .

7 - وقالت له السيدة زينبعليها‌السلام في خطبتها المعروفة: «... وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرّيّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ...»(3) .

ب: رضا يزيد (لعنه الله) بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام

وحول رضا يزيد (لعنه الله) بقتل الإمام الحسين عليه‌السلام نقول: إنّ من المستحسن أن نشير أولاً إلى موقف علماء أهل السنة من هذا الأمر، ثمّ نتكلم حول ما يرتبط برضاه (لعنه الله) بقتل سيد الشهداءعليه‌السلام ، فلاحظ ما يلي:

____________________

(1) الفتوح - لابن أعثم - المجلد الثالث 5 / 132.

(2) الفتوح - لابن أعثم - المجلد الثالث 5 / 133، ومقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي 2 / 242.

(3) الخطبة في بلاغات النساء / 21، ومقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي 2 / 64، وأعلام النساء 2 / 504، واللهوف / 79 - 80، والحدائق الوردية 1 / 129 - 131.

٩٦

إدانة علماء أهل السنة ليزيد (لعنه الله)

لقد ردَّ هذا الأمر علماء أهل السنة أنفسهم فضلاً عن غيرهم، وكلماتهم كثيرة حول هذا الأمر:

فالجاحظ مثلاً قد قال عن لعن يزيد (لعنه الله) بعد أن ذكر قتله الإمام الحسينعليه‌السلام وغير ذلك: «فالفاسق ملعون، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون»(1) .

ويقول: «على أنهم مجمعون على أنه ملعون من قتل مؤمناً متعمداً أو متأوّلاً، فإذا كان القاتل سلطاناً جائراً، أو أميراً عاصياً، لم يستحلوا سبّه ولا خلعه، ولا نفيه ولا عيبه ...» إلخ(2) .

ويقول: «على أنه ليس مَن استحقّ اسم الكفر بالقتل كمن استحقّه بردّ السنة وهدم الكعبة»(3) .

وراجع ما قاله البرهان الحلبي، وعلي بن محمّد الكياهراسي، والذهبي، والشيخ محمّد عبده(4) ، وابن جرير وغيرهم.

____________________

(1) آثار الجاحظ / 129، الرسالة الحادية عشرة في بني اُميّة.

(2) آثار الجاحظ / 30.

(3) آثار الجاحظ / 129، 130.

(4) السيرة الحلبية 1 / 267، وتاريخ ابن خلكان 1 / 355 ط إيران - ترجمة الكياهراسي علي بن محمد، وعن سير أعلام النبلاء - للذهبي، وعن الروض الباسم 2 / 36، وعن تفسير المنار 1 / 367، وج2 / 183، 185، وشذرات الذهب 1 / 69.

٩٧

وقد حكم أحمد بن حنبل بكفر يزيد (لعنه الله)(1) .

وضرب عمر بن عبد العزيز الذي وصف يزيد بـ «أمير المؤمنين » عشرين سوطاً(2) .

وقال السيوطي: «لعن الله قاتله، وابن زياد، ومعه يزيد»(3) .

وسُئل ابن الجوزي عن لعن يزيد (لعنه الله)، فقال: قد أجاز أحمد لعنه، ونحن نقول: لا نحبه لما فعل بابن بنت نبيّنا، وحمله آل رسول الله سبايا إلى الشام على أقتاب الجمال(4) .

وراجع كلام الآلوسي حول ما فعله يزيد (لعنه الله) بعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه كلام جيد، وقد نقل عن البرزنجي في الإشاعة، وأبي يعلى، وابن الجوزي، والتفتازاني، والسيوطي جواز لعن يزيد (لعنه الله)، فراجع(5) .

____________________

(1) الإتحاف بحب الأشراف / 68، 63، وراجع البداية والنهاية 8 / 245 ط دار إحياء التراث العربي.

(2) الصواعق المحرقة 2 / 633، 634، 642، وسير أعلام النبلاء 4 / 40، وتاريخ الخلفاء / 194 ط دار الفكر سنة 1394 هجري.

(3) تاريخ الخلفاء / 207.

(4) مرآة الزمان 8 / 496 - حوادث سنة 597، وراجع الصواعق المحرقة 2 / 634، 635، وراجع منهاج السنة 4 / 565 - 573.

(5) روح المعاني 26 / 72، 73، وراجع المنتظم - لابن الجوزي 5 / 342، 345، والصواعق المحرقة 2 / 580، 634، 635.

٩٨

وقال الذهبي: «كان ناصبياً غليظاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر، فتح دولته بقتل الحسين، وختمها بوقعة الحرة»(1) .

ويقول ابن خلدون عن قتل يزيد للإمام الحسين عليه‌السلام : «إنّ قتله من فعلاته المؤكدة لفسقه، والحسين فيها شهيد»(2) .

فهذا غيض من فيض، والحر تكفيه الإشارة.

سيرته (لعنه الله) تشهد عليه:

أمّا فيما يرتبط برضا يزيد (لعنه الله) بقتله عليه‌السلام ،وسروره بذلك، فنقول:

قد صرّح يزيد (لعنه الله) نفسه برضاه، وبسروره بهذا الأمر، فقد قال للنعمان بن بشير: «الحمد لله الذي قتل الحسين»(3) .

كما أن أفعاله (لعنه الله) تدل على هذا الرضا والسرور فقد قال السيوطي، وابن جرير: لمّا قُتل الحسينُ سُرَّ يزيد بمقتله، وحسنت حال ابن زياد عنده، وزاده ووصله، وسرّه ما فعل، ثمّ بعد ذلك ندم، فمقته المسلمون وأبغضه الناس(4) .

____________________

(1) شذرات الذهب 1 / 69.

(2) مقدمة ابن خلدون / 181 عند ذكره ولاية العهد.

(3) راجع مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي 2 / 59.

(4) راجع الكامل في التاريخ 4 / 87 ط دار صادر، وتاريخ الخلفاء / 195 ط دار الفكر، وراجع سير أعلام النبلاء 3 / 317.

٩٩

وقال الجاحظ ما ملخّصه: «المنكرات التي اقترفها يزيد، من قتل الحسين، وحمله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبايا، وقرعه ثنايا الحسين بالعود، وإخافته أهل المدينة، وهدم الكعبة، تدل على القسوة والغلظة، والنصب وسوء الرأي، والحقد والبغضاء، والنفاق والخروج عن الإيمان ...» إلخ(1) .

وقال التفتازاني: «الحق إن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه، وإن كان تفاصيله أحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه»(2) .

وقال سبط [ابن] الجوزي: إنّ الغزالي قال: وادّعوا أن قتله كان غلطاً.

قال: وكيف يكون هذا وحال الحسين لا يحتمل الغلط، لمّا جرى من قتاله، ومكاتبة يزيد إلى ابن زياد بسببه، وحثّه على قتله، ومنعه من الماء، وقتله عطشاً، وحمل رأسه وأهله سبايا عرايا على أقتاب الجمال إليه، وقرع ثناه بالقضيب ...؟!» إلخ(3) .

وقال ابن الجوزي عن بيعة يزيد (لعنه الله): «ظهرت منه اُمور كلّ منها يوجب فسخ ذلك العقد، من نهب المدينة، ورمي الكعبة بالمنجنيق،

____________________

(1) آثار الجاحظ / 128، 129.

(2) راجع شذرات الذهب 1 / 68، 69، وشرح العقائد النسفية - للتفتازاني / 188.

(3) تذكرة الخواص / 63، وراجع الصواعق المحرقة 2 / 631.

١٠٠