بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء0%

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء مؤلف:
الناشر: مطبعة الإرشاد
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 197

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة
الناشر: مطبعة الإرشاد
تصنيف: الصفحات: 197
المشاهدات: 87423
تحميل: 7575

توضيحات:

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 197 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87423 / تحميل: 7575
الحجم الحجم الحجم
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

مؤلف:
الناشر: مطبعة الإرشاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الطفّ

الطف (بالفتح والفاء المشدّدة): ما أشرف من الجزيرة على ريف العراق.

يحدّث الأصمعي: يطف لك، أي ما دنا وأمكن، وطفّ الفرات: الشاطئ منه(1) ، مع شمول لفظة لكلّ ساحل ماء، وجمعه طفوف(2) . اُطلق على سبيل العلمية على الساحل الغربي من عمود الفرات حتّى آخر حدود الريف ما يُتاخم الجزيرة عرضاً من الأنبار حتّى بطائح البصرة طولاً، ويضاف إليه في بعض مواقعه طفّ كربلاء، ونينوى، وشقران(3) ، وسفوان(4) .

وعلى أثر تعاقب مَنْ حكموا العراق من ملوك مختلفين في اللغة كالكلدانية الأولى والثانية، وملوك الفرس الأعاجم، والعرب في الدور الجاهلي ثمّ الإسلامي، حسب لغتهم أطلقوا على المدن والقرى والضياع والأنهار في كلّ دور وطبقة أسماء، أو تحوير لأسمائها الأصلية بحسب

____________________

(1) معجم البلدان - لياقوت الحمودي 6 / 51، ومراصد الاطلاع - لعبد الحق البغدادي.

(2) لسان العرب - لابن منظور 11 / 125.

(3) شعراء النصرانية جـ 2 - للويس شيخو اليسوعي، ط بيروت سنة 1890.

(4) العقد الفريد - لابن عبد ربّه الأندلسي 3 / 114.

١٠١

اللهجة واللغة.

وإبّان حكم المسلمين للعراق كانت الأسماء الدراجة على موقعها خليط من قبطية وكلدانية وآرمية فارسية وعربية، كباروسيما بانقيا، بورسيبا، بابل، نينوى: (كلداني).

استان، بهقباذ الأعلى، الأوسط، الأسفل. صراط جاماسب ضيزن آباد نيرس، (آري فارسي). طف، حيرة، غري، قادسية، عذيب خفان، سنداد، قطقطانة، قصر بني مقاتل، أنبار، عين التمر، عربي لدور التنوخيين آل نصر المناذرة ملوك الحيرة.

والمسلمون بدورهم أطلقوا أقساس مالك، كوفة، بصرة، سوق حكمة، سواد، جرف، حاير، غاضرية، حزن غاضرة، حصاصة، طسوج النهرين على المواقع التي اشتهرت به. وعلى بعض الأسماء الدراجة بتعريب، أو تخفيف كبرس لبورسيبا (قصر اللغات)، ومن الممكن لكربلاء من كور بابل.

وقد اقتصر ابن النديم في فهرسته على اللغة البابلية أو الكلدانية(1) : (النبطي أفصح من السرياني، والذي يتكلّم به أهل القرى سرياني مكسور وغير مستقيم اللفظ، وقيل: الذي يستعمل في الكتب أو القراءة هو الفصيح) من غير أن يلمّ بصور مفردات حروفه.

ومن الممكن أنّ رسم خط الأسفيني البابلي والهيرغلوفي المصري اُهملا وانقرضا على أثر سقوط بابل ومصر على أيد داريوس من ملوك الطبقة الثانية الكلدانية.

وعند تحرّي الجغرافيين لتدوين أسماء المواقع اقتصروا على وجوه الاشتقاقات على اللغة العربية دون العطف على المعاني للغات الأدوار الغابرة،

____________________

(1) ص 18 ط القاهرة.

١٠٢

كما ذهبوا إلى تحليل لفظ العراق من اشتقاقه من عراق القربة، ولفظ بغداد من تعريب باغ داد (أي حديقة العدل)، أو العطية، مع اختلاف في ضبط لفظته بسبعة وجوه.

ومع قناعة لسترانج في اشتقاقه من بغ (الله) و (داد) تأسيس(1) يشير إلى وجود مدينة في العهود الغابرة في موقع بغداد يُقارب هذا الاسم. ومن الممكن لوجود حرف الباء في أوّل لفظ بغداد أن يكون بابليا، أو آشوريا لديهم في الاستهلال به في الأسماء المطلقة لأدوارهم بالنبطية، كبانقيا، وباروسيما، وبابنورا، وبريسما، ونور سيبا.

ذكر اللغويون أنّ عدد المئة في اللغة النبطية يعبّر عنه بحرف الباء.

الحائر

الحاير - بعد الألف ياء مكسورة وراء - هو في الأصل حوض طبيعي لانخفاضه يجتمع فيه مياه الأمطار فيركد فيه لمّا لا يرى مخرجاً أخفض من مستواه، وعند هبوب الرياح يتحرّك الماء بطبيعة الحال، إذ يرجع أقصاه إلى أدناه، ينتهي إلى المحلّ الذي ابتدأ منه أوّلاً فيتحيّر فيه، أو بالهبوب يتحرّك بحركة دورية على نفسه مطمئن الوسط مرتفع الجوانب.

وذكروا في جمعه حوران، ونفى أبو القاسم برواية الحموي في المعجم من أن يكون له جمع، على أنّه اسم علم لموضع قبر الحسين (عليه السّلام)(3) . وليومنا لم يطرأ على وضعه الطبيعي الذي وضعوه أيّ تغيير سوى ارتفاع مستواه وقاعدته عمّا كان عليه يوم ضمّت تربتها أجداث الجثث

____________________

(1) بغداد في عهد الخلافة العباسيّة - لليسترنج، راجع معجم البلدان 2 / 230 ط القاهرة.

(2) راجع لسان العرب - لابن منظور 4 / 223، وتاج العروس - للزبيدي 3 / 164، والصحاح 2 / 640.

(3) معجم البلدان 3 / 203.

١٠٣

الطاهرة، فإذا قصد الوارد إلى الروضة الزاكية ينحدر إلى الصحن الشريف من كافة جهاته مع اختلاف في الارتفاع الذي كان الجرف لنفس الحوض.

ومن الممكن أن يكون سبيل مصبّ المياه فيه كان من قسمه الشرقي؛ لِما ورد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) في ترتيب آداب الزيارة منه الدخول إلى مستوى هذا الحوض، أي الحائر، ولتوالي الأبنية التي كانت تُقام للروضة الطاهرة بحكم الضرورة، والتجديد في أدوار متعاقبة تكون بالتدرّج ارتفاع مستواه(1) .

بلغني عند تبليط الصحن الأقدس وبناء أسرابه في العقد العاشر من خاتمة القرن الثالث عشر الهجري، شوهد في القسم الجنوبي قطعة من حصن قائم لأحد أدوار تطوّر البناء يُقارب شرفاته مستوى التبليط تقريباً.

____________________

(1) جاء في مجلد المزار من بحار الأنوار، ط تبريز سنة 1301 هـ ص 76 ما نصه: اختلف الأصحاب في حدّ الحاير، فقيل: إنّه القبّة الشريفة فحسب، وقيل: هي مع ما اتصل بها من العمارات كالمسجد والمقتل والخزانة وغيرها، والأوّل أظهر؛ لاشتهاره بهذا الوصف بين أهل المشهد آخذين عن أسلافهم، ولظاهر كلمات أكثر الأصحاب.

قال ابن إدريس في (السرائر): المراد بالحائر ما دار عليه سور المشهد والمسجد عليه. قال: لأنّ ذلك هو الحاير حقيقة، لأنّ الحاير في لسان العرب الموضع المطمأن. لسان العرب 4 / 223 الذي يُحار فيه الماء.

وذكر الشهيد في (الذكرى) أنّ في هذا الموضع حار [ الماء ] لمّا اُمر بإطلاقه على قبر الحسين (عليه السّلام) ليعفيه، فكان لا يبلغه.

وذكر السيد الفاضل أمير شرف الدين علي الشولستاني المجاور بالمشهد الغروي (قدّس الله روحه)، وكان من مشايخنا: أنّي سمعت من كبار الشاميين من البلدة المشرّفة أنّ الحاير هو السعة التي عليها الحصار الرفيع من القبلة واليمين واليسار، وأمّا الخلف ما ندري له حدّ. وقالوا: هذا الذي سمعناه من جماعة من قبلنا. انتهى.

وفي شموله لحجرات الصحن إشكال لا يبعد أن يكون ما انخفض من هذا الصحن الشريف يكون داخلاً في الحاير دون ما ارتفع منها، وعليه أيضاً شواهد من كلمات الأصحاب.

١٠٤

شاهدت بنفسي عند أخذ أساس الضلع الغربي من الصحن بأمر المغفور له عبد الحميد الثاني العثماني لتجديد البهو الكبير وغرفه الشمالية في مستهلّ القرن الرابع عشر، والطابق الأوّل من دور ما لا يقلّ انخفاضه عن مستوى التبليط بأقل من خمسة أمتار تقريباً.

لم يغب عن ذاكرة الحسين (عليه السّلام) مع حراجة موقفه وتكابده لأهوال غير مستطاعة من عطف النظر حتّى إلى ما بعد مصرعه؛ لئلاّ يدع سبيلاً لغرض الأشلاء إلى الضياع والتلف. اختار مركزاً في وسط مستوى هذا الحوض وعلّمه بفسطاط يُقاتلوا أمامه، ولنقل الأشلاء من مصارعهم في ساحة المعركة إليه أمر فتيانه بحمل ولده (علي) من مصرعه حتّى وضعوه بين هذا الفسطاط، وحمل بنفسه الزكية جسد ابن أخيه القاسم وألقاه مع ولده وحوله القتلى من أهل بيته الهاشميِّين بجانب دون جانب أنصاره.

ولولا عطفه كان من المستحيل تمايزهم خاصة بعد أن اقتطفت الرؤوس من الأجساد ورفعت على الرماح، وأمام هذا الفسطاط في نفس الحوض شاهده عبد الله بن عمّار البارقي بمفرده وهو راجل، فشدّ عليه رجّالة من يمينه وشماله، فحمل عليهم أن يذعروا، قال: ما رأيت مكسوراً - وقيل: مكثوراً - قط قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً، ولا أمضى جانباً، وأجرأ مقداماً قبله ولا بعده مثله! وكانت الرجّالة تنكشف عنه يميناً وشمالاً انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب.

وفي عين المحال برزت السيدة زينب تقول: (ليت السماء تطابقت)، وأشارت إلى ابن سعد: أيُقتل أبوعبد الله وأنت تنظر إليه؟! فسالت دموعه على خدّه ولحيته، وأدار طرفه وهو يتّقي الرمية، ويفترس العورة، ويشدّ على الخيل حتّى ضربه زرعة بن شريك على حبل عاتقه وكفّه اليسرى، وانفرجوا عنه فصار ينوء ويكبو أن بلغ مقتله من محلّ مصرعه.

١٠٥

القرى التي كانت تحف بكربلاء يوم ورود الحسين (عليه السّلام) لها

نينوى، والغاضرية

كان محلّ موقفه الذي انتهى إليه (سلام الله عليه) غداة الخميس الثاني من محرّم مستهلّ سنة إحدى وستين قارن ورود كتاب ابن زياد إلى الحرّ أن يجعجع به ويجبره بالنزول على غير ماء.

طلب (سلام الله عليه) أن يسمح له نزول نينوى، أو الغاضرية، أو شفيه، وهو مستقبل بوجهه الأقدس على بعد يُقارب الغلوة، وعن يمينه شفيه على ما يُقارب الثلاثة أميال، ويساره الغاضرية إزاء نينوى، وموقع نينوى والغاضرية من الحائر الأقدس يكاد أن يكون شكلاً مثلثاً متساوي الأضلاع تقريباً، وموقع نينوى على أغلب الظن كان في حديقة الشديدية يعود اليوم ملاكتها لآل السيد طالب السيد عاشور من خدمة الروضة الطاهرة.

بلغني فيما مضى من منذ قرن كان يستخرج من نفس ساحة الحديقة طابوق مفخور على غرار طابوق أطلال بابل، وطلول الغاضرية(1) اليوم قاربت على الاندثار لتحويله إلى حدائق، وموقعه في الشمال الشرقي من مقام أو شريعة الإمام جعفر بن محمّد (عليه السّلام) على ما روى عنه الثمالي أبو حمزة في آداب الزيارة أنّها تتخذ مأوى ومحلّ لوضع رحل الوافدين.

وذكر العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي في رجاله(2) عند ذكر حميد بن زياد أنّه من أهل نينوى قرية إلى جانب الحائر.

____________________

(1) قال في المعجم 6 / 261 (الغاضرية منسوبة إلى غاضرية من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء).

(2) رجال العلاّمة الحلّي / 59 ط النجف.

١٠٦

شفية

وشفية (بفتح أوّله وكسر ثانيه) منسوب إلى الشفا(1) .

من الممكن أن يكون اليوم موقعه على ضوء ما ذكره الطبري(2) عن الضحاك عبد الله المشرفي بعد أن استأذن الحسين للانصراف، قال: استويت على متن فرسي، وضربتها حتّى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القدوم، فخرجوا إليّ وأتبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتّى انتهيت إلى شفية قرية قريبة من شاطئ الفرات، كان الفرات يحول دون إفلاته منهم إن قصد الميمنة أو القلب؛ لجريه في ظهورهم، فلم يبقَ أمامه سبيل إلاّ الميسرة؛ وليبعد نفسه عن خطر الجيش مطارديه أوغل إلى أن انتهى إلى شفية.

من منذ سنين مضت عندما كنت أتحرّى عن موقع شفية وقفت على تلّ جنوب سدّة أراضي الفريحة، ما يُقارب الحصوة على محاذاة السليمانية، يُقارب القطع أن يكون شفية.

العقر

بفتح العين وسكون القاف، القصر الذي يكون معتمداً لأهل القرية. قال لبيد يصف ناقته:

كعقر الهاجريّ إذا ابتناه

بأشباهٍ حذين على مثالِ

____________________

(1) معجم البلدان 5 / 280.

(2) تاريخ الرسل والملوك - لابن جرير الطبري.

(3) مراصد الاطلاع - لعبد الحق الحنبلي، ولسان العرب - لابن منظور.

(4) تاريخ الطبري 6 / 232 ط مصر، ومعجم البلدان - لياقوت 6 / 149.

١٠٧

وعقر بابل قرية قريبة من البلدة المشرفة، ولا يُعرف موقعها بالضبط.

والدليل على قربها من كربلاء ما ذكره الطبري عند ورود الحسين (عليه السّلام) أرض الطفّ، وعندما جعجع الحرّ بن يزيد بالحسين (عليه السّلام) في النزول على غير ماء تقدم زهير بن القين قائلاً: سر بنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها؛ فإنّها حصينة، وهي على شاطئ الفرات - وأشار إلى العقر - فإن منعونا قاتلناهم؛ فقتالهم أهون علينا من قتال مَنْ يجيء بعدهم.

سأله الحسين (عليه السّلام): «وأيّة قرية هي؟».

قال: العقر.

فقال الحسين (عليه السّلام): «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العقر».

قُتل بها في مبدأ القرن الثاني الهجري يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة. قال الكلبي: نشأت والناس يقولون: ضحّى بنو اُميّة بالدين يوم الطفّ، وبالكرم يوم العقر.

والعقر: آخر أثر للبابليين، بقعة مصونة من تطاول يد الزمن لتروي لنا عن أخبار جبروت أهلها.

ولم تخلو العقر من السكان إلاّ بعد سقوط الدولة الفارسية وقيام الدولة الإسلاميّة؛ إذ أهمل المسلمون شأنها لمّا أمكنهم الله من الأسرة والتيجان، وصاروا يتكئون على أرائك، ويتراوحون على أبراج قصور عاصمة الفرس (المدائن).

وكان آخر أيام عزّها يوم أقبل عليها عظماء الدولة الفارسية لأخذ (شيري بن ابرويز) لكي يقيموه مقام والده المخلوع ابرويز الملك، وذلك عندما طغى وتجبّر. وكان شيري مع إخوته، وقد وكّل بهم مؤدّبون يؤدّبونهم، وأساورة يحولون بينهم وبين براحها(1) .

وبعد أن تركها شيري اُهملت، إلاّ أنّها لم تفقد ميزتها كقلعة حصينة تحمي مَنْ يلوذ برحابها، ويكون فيها أمنع من عقاب الجو على مَنْ يروم دخولها.

هذا ومع مرور الليالي والأيام وما فعلته عوادي الزمان

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 1043 طبعة ليدن.

١٠٨

في إخفاء موقعها عنّا بحيث لا يمكننا اليوم الوقوف بالقطع على بقايا هذا الأثر التاريخي النفيس، إلاّ أنّه بعد شدّة التحرّي والتنقيب - على ضوء ما ورد في تاريخ الطبري - أمكنني العثور على أثرين تاريخيين على مدّ أثر هذا النهر - أي العلقمي - فيهما أطلال وبقايا أنقاض؛ أحدهما في الحديقة المسمّاة بالشديدية، يخال لي أنّها نفس موقع العقر، والأثر الثاني في أراضي كربلة في (حكيمة) باصطلاح اللغة الدارجة (حجيمة)، وأغلب الظنّ أنّها موقع قرية شفية.

النواويس

مقابر، ومفردة: ناووس على وزن فاعول، هذا إن كانت اللفظة عربية.

موقع هذا القطعة على ما يُذكر في القسم الشرقي من كربلاء، ما يلي بطيحة، أو هور السليمانية، في براز - على وزن فعال - وتمتد حدوده حتّى النهر الكبير فرساتبق الفراشية والجنكنة، واليوسفية داخلة في حدوده.

يوجد بهذه القطعة بعض تلال، ويستخرج بعضاً من أماكن، منها أكواب خزف ضعيف الفم، يوجد في أسفله تراب أصفر اللون عندما تمسّه النار تفوح منه روائح نتنه.

من الممكن أنّ هذا التراب الأصفر اللون أن يكون من رمم أجداث السومريين؛ إذ كان هؤلاء يدفنون موتاهم في المدينة تحت دور منازلهم، أو تحت أرض الغرف، وكثيراً ما كانوا يضعون الميتة على التراب مباشرة بلا تابوت ولا شريح ولا جهاز للآخرة، إلاّ أنّهم كانوا أحياناً يضعون معه جرّتين كبيرتين من فخار فم الواحة منها يُقابل الأخر، فيقومان مقام التابوت.

وكانوا أحياناً يضعون الجثة في قعر رمس مستطيل الشكل، قائم

١٠٩

الزوايا، بطن بالطوب، شبيه بعقد أو قبر بسيط(1) .

____________________

(1) قد جاء في نفس الرحمن في فضائل سلمان - للعلاّمة ميرزا حسين النوري الطبرسي: (والنواويس: مقابر للنصارى كما في حواشي الكفعمي في عودة يوم الجمعة، وسمعنا أنّها في المكان الذي فيه مزار الحرّ بن يزيد الرياحي من شهداء الطفّ، وهو ما بين الغرب وشمال البلد).

ويقول المؤلّف في تعقيب له على هذا النص: إنّ النواويس ليس موقعها بما يلي قبر الحرّ بن يزيد الرياحي، بل الذي على بعد ميلين أو ثلاثة أميال من قبر الحرّ هو موضع (كربلاء)، وموضع النواويس براز الواقع في هور السليمانية (كما ذكر أعلاه).

(2) قد استوفى المؤلّف الكلام عن جميع المواقع التي وردت على خارطة كربلاء خلا موقع المخيّم؛ لعدم توفّر معلومات يمكن الوثوق إليها عن هذا المكان، سنكتفي بما أورده أبو طالب الأصفهاني في رحلته الشهيرة (مسير طالبي)، قال: وعلى بعد ربع ميل خارج المدينة قرية المخيّم ومقام زين العابدين (عليه السّلام)، شيّدت عليه بسبب وفاة آصف الدولة.

(وقد ورد في مدينة الحسين / 15 - حسب تحرّياته الخاصة - إلاّ أنّ السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض هو الذي شيّد بناء المخيّم عند تشييده لسور كربلاء بعد غارة الوهابيّين سنة 1216 هـ). (عادل).

١١٠

١١١

المصادر التي عول عليها المؤلّف في الشجرة

سرّ السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري، (مخطوط) في مكتبة العلاّمة الحاج شيخ علي الشيخ محمّد رضا بالنجف الأشرف.

وأمّا محمّد بن موسى الكاظم فعقبه ابن واحد اسمه إبراهيم الضرير الكوفي. ولإبراهيم الضرير أبناء أربعة: محمّد قسوة، وأبو الحسن علي، وموسى الأرجاني - أرجان قرية من فارس وخوزستان - وأحمد، كلّهم بالسيرجان...

وأحمد المجدور، وإبراهيم المجاب، والحسن أبو علي يُقال له: الحاير، مشهد الحسين بكربلاء. بما إنّ النسخة مستنسخة حديثاً كانت كثيرة الأغلاط، قليلة الفائدة.

المجلد الثالث من تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمّة الأطهار - لمؤلّفه السيد ضامن بن شدقم المدني(1) .

قال السيد في الشجرة: فأبو إبراهيم محمّد خلف ابنين؛ تاج الدين أبا محمّد إبراهيم الضرير يُعرف بالمجاب، وأبا جعفر محمّد الزاهد.

____________________

(1) عن نسخة خطية بيد المؤلّف (عبد الحسين)، يقول في آخرها: ينتهي ضامن بن شدقم الحسين المدني في المجلد الثالث من مجموعته في النسب (تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمّة الأطهار، في عقب وآل محمّد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه» بآل أبي عبد الله الحسين شبثي، ويقتصر على ذكرهم.

نقلت هذه الأوراق كما وجدتها من النسخة التي كتبها بخطّه المرحوم السيد حسن البراقي النجفي، وكان على تولّعه بالنسخ والتأليف اُمّياً. وفي هذه النسخة من الأغلاط ما فيها لمَنْ تدبّر، وكنت وقفت قبل سني الحرب العالمية الأولى في النجف على النسخة التي نقل عنها المرحوم السيد البراقي، إلاّ أنّي لا أستحضر أنّها كانت نسخة الأصل أم غيرها.

فالنتيجة لمَنْ تدبّر في نكانة المؤلّف ضامن بن شدقم لا يجد فيه استحقاق أهلية هذا العلم فقط، بل يقدّر له مرتبة الجمع والتدوين.

١١٢

فأبو محمّد إبراهيم المجاب خلف أربع بنين؛ أبا جعفر أحمد الزاهد، وأبا الحسين محمّد الحائري، وأبا الحسن عليّاً، وأبا الغنايم محمّد الحائري.

وعقبهم أربعة فنون:

الفن الأوّل: عقب أبي جعفر أحمد الزاهد بن أبي أحمد إبراهيم المجاب، أُمّه خديجة بنت... علي بن أحمد الورع ابن الإمام موسى، كان سيداً جليلاً، متيناً ديّناً خيّراً، جعله الله وجيهاً، له ولد منتشر بالحاير وغيره يُعرفون ببني أحمد، وقد صاهر بعضهم أبا القاسم بن نعيم رئيس سقي الفرات، ثمّ انتقل إلى عكبرا لحاله دون أهله.

الفن الثاني: عقب علي بن أحمد المذكور، فعلي خلف طعمة، وفي نسخة اُخرى أنّ طعمة هو ابن أبي جعفر أحمد طراس المذكور من غير واسطة، والله أعلم.

ويُقال لولده: آل طعمة، سادات أجلاء ذو أهل ورياسة ونقابة، وعظمة وجلالة بالحائر، فكعمّه خلف ثلاث بنين؛ شرف الدين، وعليّاً، وقاسم الأسود.

أمّا شرف الدين خلف أربعة بنين: ضياء الدين يحيى، وعلم الدين، وطعمة، ومساعد.

وعقبهم أربع عماير:

العمارة الأولى: عقب ضياء الدين يحيى بن شرف الدين المذكور، فضياء الدين خلف خمسة بنين؛ شرف الدين، ومحمد، وعليّاً، ومشعلاً، ومنديلاً. أمّا شرف الدين خلّف طعمة، ثمّ طعمة خلّف ابنين؛ جعفراً وعلم الدين.

وعقبهما بيتان:

البيت الأوّل: عقب جعفر بن طعمة المذكور، فجعفر خلف ستة بنين؛ شرف الدين، وموسى، ومنافاً، وحارثاً، وتماماً، وجميلاً.

البيت الثاني: عقب علم الدين بن طعمة المذكور، فعلم الدين خلف ثلاثة بنين؛ جميلاً، وحسناً، وطعمة.

وعقبهم ثلاثة أحزاب:

١١٣

الحزب الأوّل: عقب جميل بن علم المذكور، فجميل خلف موسى، ثمّ موسى خلف ابنين؛ ناصراً وحسيناً. أمّا ناصراً خلف منصوراً.

الحزب الثاني: عقب حسن بن علم الدين المذكور، فحسن خلف كاظماً، ثمّ كاظم خلف عليّاً.

الحزب الثالث: عقب طعمة بن علم الدين المذكور، فطعمة خلف أربع بنين؛ شرف الدين، ونعمة الله، وحيدراً، وطاهراً.

أمّا شرف الدين فخلّف مساعداً، ثمّ مساعد خلّف محمداً، ثم محمّد خلّف أربع بنين؛ منصوراً، وبدر الدين، وغياث الدين، ومساعد.

وعقبهم أربعة ثمرات:

الثمرة الأولى: عقب منصور.

أخذت هذه الصورة من خطّ جناب السيد محمّد حسن ابن السيد محمّد كاظم (الروضة خوان) عبد الحسين ابن السيد علي ابن السيد جواد ابن السيد حسن ابن السيد سليمان ابن السيد درويش ابن السيد طعمة ابن السيد علم الدين الموقوف عليه فدان السادة 1025 هت ابن السيد طعمة ابن السيد شرف الدين ابن السيد طعمة ابن السيد أبو جعفر أحمد ابن السيد يحيى ابن السيد جعفر محمّد ابن السيد أحمد، يُقال له: إنّه ناظر رأس العين.

إلى هنا فصاعداً من كتاب عدّة الطالب في أنساب آل أبي طالب. عمدة الطالب للداودي طبع بمبي سنة 1318 هـ، وص 192.

والعقب من محمّد العابد ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) في إبراهيم المجاب وحده، ومنه ثلاثة رجال؛ محمّد الحائري(1) ، وأحمد بقصر ابن هبيرة، وعلي بالسيرجان من كرمان، والبقية لمحمد الحائري ابن إبراهيم المجاب.

____________________

(1) أورد السيد محمّد حسن الكليدار في شجرة أنساب آل طعمة، مدينة الحسين (عليه السّلام)، من محمّد أبي الفائز إلى إبراهيم المجاب ثلاثة عشر أباً، وللمؤلّف (عبد الحسين) تعقيب على ذلك هذا نصه: (فمن محمّد أبي الفائز إلى المجاب بنصّ صاحب عمدة الطالب ثمانية آباء كما ذكره؛ فعليه هذا السرد المطبوع يحتاج إلى دقّة لمعرفة صحته بمدارك ثابتة).

١١٤

كذا قال الشيخ تاج الدين.

وأعقب محمّد الحائري من ثلاثة رجال، وهم: الحسين شبثي، وأحمد، وأبو علي الحسن بنو محمّد الحائري؛ فأعقب الحسين شبثي من رجلين؛ أبي الغنائم محمّد، وميمون السخي القصير.

فمن عقب أبي الغنائم محمّد بن الحسين الشبثي آل شبثة، وآل فخار، ومنهم الشيخ علم الدين المرتضى علي ابن الشيخ جلال الدين عبد الحميد ابن الشيخ شمس الدين فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمّد بن أبي الغنائم المذكور له عقب. وآل نزار وهم بنو نزار ابن علي بن فخار بن أحمد المذكور.

ومن عقب ميمون القصير بن الحسين شبثة آل وهب، وهم: بنو وهب بن باقي بن مسلم بن باقي بن ميمون المذكور، وآل باقي ومنهم بنو باقي بن محمود بن وهب المذكور وآل الصوال وهو علي بن مسلم بن وهب.

وأعقب أحمد بن محمّد الحائري - ويُقال لولده: بنو أحمد - من علي المجدور وحده؛ فأعقب علي المجدور من رجلين؛ هبة الله، وأبي جعفر محمّد الخير العمال.

فمن ولد الخير العمال ابن علي المجدور آل أبي الفائز بالحائر، وهو محمّد بن محمّد بن علي بن أبي جعفر محمّد المذكور ابن علي المجدور ابن أحمد بن محمّد الحائري بن إبراهيم المجاب.

١١٥

ترجمة الأعلام التي وردت أسماؤهم في الشجرة

(1) محمد العابد

محمد الأوّل الشهير بالعابد دفين شيراز بجوار روضة أخيه أحمد شاه جراغ.

ذكر علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمّة(1) عن إرشاد المفيد محمّد بن النعمان عند ذكر أولاد الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليه) قال: أحمد ومحمد وحمزة لأُمّ ولد. روى أنّ محمّد بن موسى صاحب وضوء وصلاة، وكان ليله كلّه يتوضأ ويصلّي، فيسمع سكب الماء والوضوء، ثمّ يصلّي ليلاً، ثمّ يرقد سويعة، ثمّ يقوم فيسمع سكب الوضوء، فلا يزال كذلك حتّى يصبح.

مزار محمّد العابد في شيراز

قال الراوي: وما رأيته قط إلاّ ذكرت قوله تعالى:( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) .

____________________

(1) كشف الغمة / 249 ط إيران سنة 1294 هـ، وفي الإرشاد / 303 ط النجف.

١١٦

ذكر صاحب شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوار المزار(1) عند ذكر أخيه أحمد بن موسى: السيد الأمير أحمد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي المرتضى (رضوان الله تعالى عليهم)، قدم شيراز فتوفي بها أيام المأمون بعد وفاة أخيه الرضا (عليه السّلام) بطوس، وكان أجودهم جوداً، وأرقّهم نفساً، قيل: أعتق ألف رقبة من العبيد والإماء في سبيل الله تعالى.

قيل: استشهد ولم يوقف على قبره حتّى ظهر على عهد الأمير مقرب الدين مسعود بن بدر فبنى عليه بناء. وقيل: وجد في قبره كما هو صحيحاً، طري اللون لم يتغيّر، وعليه قاضة سابغة، وفي يده خاتم نقش عليه: (العزّة لله، أحمد بن موسى) فعرفوه به.

ثمّ بنى عليه الأتابك أبو بكر بناء أرفع منه، ثمّ إنّ الخاتون تاشي - وكانت خيّرة ذات تسبيح وصلاة - بنت عليه قبّة رفيعة، وبنت بجنبها عمارة عالية، وجعلت مرقدها بجواره في سنة خمسين وسبعمئة (رحمة الله عليهم أجمعين).

ثمّ ذكر محمّد العابد فقال: السيد محمّد بن موسى، يُقال: إنّه أخوه، وهو مزار مبارك(2) ، يسكن فيه السادة الأخيار، والصلحاء الأبرار،

____________________

(1) ص 100 نسخة خطية تأليف معين الدين جنيد الشيرازي.

(2) جاء في كتاب جامع الأنساب - للروضاتي 1 / 109 نقلاً عن تحفة العالم 2 / 231 عن مزار محمّد العابد ما نصه: «... وكيف كان فمرقده في شيراز معروف بعد أن كان مختفياً إلى زمن أتابك بن سعد بن زنكي، فبنى له قبّة في محلّة باب قتلغ، وقد جُدّد بناؤه مرّات عديدة؛ منها في زمان السلطان نادر خان. وفي سنة 1296 هـ رمثة النواب آويس ميرزا ابن النواب الأعظم الفاضل الشاه زاده فرهاد ميرزا القاجاري.

ومزاره اليوم في محلّة بازار مرغ (أي سوق الدجاج) في مدينة شيراز معروف ومشهور، (وبين مزاره ومزار أخيه أحمد مسافة لا تقل عن مئة ذراع). راجع عن هذا المزار أيضاً شيرازنامه / 148 لأبي العباس أحمد بن أبي الخير، ونزهة القلوب - للمستوفي، وآثار العجم / 448، وتنقيح المقال - للمقاماتي 3 / 192، وروضات الجنات - للخوانساري تحقيق الروضاتي 1 / 100. (عادل)

١١٧

يعقد عليه النذور، وفيه لرجال الغيب حضور وحبور، وتاريخه يُعلم من تاريخ أخيه، مَنْ يتبعه ويبتغيه (رحمة الله عليهم).

أقول: بينما يتردد في خبر شهادتهم أو الوفاة يقول عن مشهد ابن أخيهم علي بن حمزة عند ذكر مقابر المصلّى ص 120: أتى السيد علي بن حمزة ابن الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليهم) ونفر من أقاربه في سنة عشرين ومئتين إلى شيراز متنكّرين، فأقاموا في كهف من جبالها، وهي المغارة التي اتخذها ابن كوية بعدهم لانزوائه وخلوته، وكانوا يجمعون الحطب في أيام ثمّ يبيعونه في يوم على درب اصطخر فيعيشون به.

أنفذ العباسيون في آثارهم جواسيس لاستطلاع أخبارهم، ولمّا قدر الله له الشهادة هبط يوماً من الجبل وعلى ظهره المباركة حزمة حطب، فامتد عين بعض أعوان الظلمة إليه فعرفه، وأنهى خبره إلى خصي كان [من] قِبلهم، فركب الخصي في فرسانه حتّى وقف على رأسه، وكان به شامة على جبينه، فلمّا رآه الخصي قوي ظنّه، فقال له: ما اسمك؟

فقال علي.

قال: ابن مَنْ؟

قال: حمزة.

قال: يُقال: إنّ السيد قام وأخذ رأسه بيده ومشى إلى موضع تربته الطيبة، فسقط على جنبه، وبقى أياماً يسمعون منه: لا إله إلاّ الله، ثمّ دفنوه.

كان لمحمد الأوّل العابد وجاهة ومقام عند أبيه الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليهم)، يكاد لا ينفك منه أو يفارقه.

ذكر الخطيب أبو بكر(1) عن إدريس بن أبي رافع، عن محمّد بن موسى قال: خرجت مع أبي إلى ضياعه بساية - واد من حدود الحجاز، فيه مزارع برواية الحمودي - فأصبحنا في غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا

____________________

(1) تاريخ بغداد 13 / 27.

١١٨

على عين من عيون ساية، فخرج إلينا من تلك الضياع عبد زنجي مستذفر بخرقة، على رأسه قر فخار يفور، فوقف على الغلمان فقال: أين سيّدكم؟

قالوا: هو ذاك.

قال: أبو مَنْ يُكنّى؟

قالوا: أبو الحسن.

قال: فوقف عليه، فقال: يا سيدي يا أبا الحسن، هذه عصيدة أهديتها إليك.

قال: ضعها عند الغلمان. فأكلوا منها.

قال: ثمّ ذهب - فلم نقل: بلغ - حتّى خرج على رأسه حزمة حطب حتّى وقف، فقال له: يا سيدي، هذا حطب أهديه إليك.

قال: ضعه عند الغلمان، وهب لنا ناراً. فذهب فجاء بنار.

قال: وكتب أبو الحسن اسمه، فخرجنا حتّى وردنا مكة، فلمّا قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعداً، فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل، فإذا علمت بموضعه فأعلمني حتّى أمشي إليه؛ فإنّي أكره أن أدعوه والحاجة إليّ.

قال لي صاعد: فذهبت حتّى وقفت على الرجل، فلمّا رآني عرفني، وكنت أعرفه، وكان يتشيّع، فلمّا رآني سلّم عليّ وقال: أبو الحسن قدم؟

قلت: لا.

قال: فأيش أقدمك؟

قلت: حوائج. وقد كان علم بمكانه بساية فتبعني، وجعلت أتقصى منه ويلحقني بنفسه، فلمّا رأيت أنّي لا أنفلت منه مضيت إلى مولاي، ومضى معي حتّى أتيته، فقال: ألم أقل لك لا تعلمه؟

فقلت له: جعلت فداك! لم أعلمه. فسلّم عليه، فقال له أبو الحسن: غلامك فلان تبيعه؟

قال له: جعلت فداك! الغلام لك والضيعة وجميع ما أملك.

قال: أمّا الضيعة فلا أحبّ أن أسلكها، وقد حدّثني أبي يعرضها عليه مدلاً بها؛ فاشترى أبو الحسن الضيعة والرقيق منه بألف دينار، وأعتق العبد ووهب له الضيعة.

قال (الراوي) إدريس بن أبي رافع: فهو ذا ولده في الصرافين بمكة.

١١٩

(2) تاج الدين إبراهيم المجاب

وقفت في مكتبة جامع السبة سالار ميرزا حسين خان في طهران على مشجر في النسب، يقول مؤلّفه في الخاتمة: تمّ على يد الفقير المحتاج إلى رحمة الله الملك القوي محمّد هادي الحسين الحسيني الطباطبائي النسّابة (أصلح الله أحواله)، قال عند ذكر المجاب: إبراهيم الضرير الكوفي المجاب برد السلام.

يقول الشاعر من ولده:

من أين لـلـناسِ مـثـلُ جدّي

موسى أو ابنه المـجـابْ

إذ خاطبَ السبطَ وهو رمسٌ

جاوبهُ أكرم الجوابْ

ذكر الشيخ شرف العبيدلي النسّابة في مشجره الذي وقفت عليه في مكتبة حرم الرضا بخراسان البيتين: (من أينَ للناسِ مثلُ جدّي).

ووقفت عند كتابدار مكتبة حرم الرضا المرحوم الشيخ عماد فلي نسخة عمدة الطالب بخطّ النسّابة حسين الكتابدار لروضة مولانا أمير المؤمنين (سلام الله عليه) في الغري الأقدس سنة 1095، ألف وخمسة وتسعون، يُعلّق في الهامش عند ذكر بعض البطون من إملائه على الأصل يقول عند ذكر المجاب: (سيد جليل القدر، وسبب تسميته بالمجاب على ما قيل: إنّه سلّم على جدّه الحسين (عليه السّلام)، فخرج له الجواب من الضريح المقدس، وهو مدفون في الحائر، وله قبّة وصندوق ملصقة بحايط حرم جدّه الحسين، وقبره معروف يُزار).

أقول: كانت تربة المجاب حتّى سنة 1217 سبعة عشر وألف ومئتين - على ما ذكره أبو طالب بن محمّد الإصبهاني في رحلته مسير طالبي - في

١٢٠