بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء0%

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء مؤلف:
الناشر: مطبعة الإرشاد
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 197

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة
الناشر: مطبعة الإرشاد
تصنيف: الصفحات: 197
المشاهدات: 87391
تحميل: 7574

توضيحات:

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 197 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87391 / تحميل: 7574
الحجم الحجم الحجم
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

مؤلف:
الناشر: مطبعة الإرشاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الصحن الشريف، وعندما حلّق بالروضة الطاهرة - الأروقة الثلاثة الشرقي والغربي والقسم الشمالي - أصبح عندئذ ضريحه في الرواق الغربي، حيث الشمال كما هو عليه اليوم.

وذكر ابن شدقم في الجزء الثالث من مبسوطه تحفة الأزهار في نسب السادة الأطهار: (قال السيد في الشجرة: فأبو إبراهيم محمّد (العابد) خلّف ابنين؛ تاج الدين أبا محمّد إبراهيم الضرير يُعرف بالمجاب، وأبا جعفر أحمد الزاهد).

أقول الشجرة لتاج الدين محمّد بن معية الحسني النسّابة.

وورد في أصل المشجر المؤلّف للشاه طهماسب الصفوي، وكان من محتويات مكتبة المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني في كربلاء عند ذكر المجاب: (المكفوف وهو المجاب، وقبره مشهور بمشهد الحسين (عليه السّلام) في تربة العلويِّين معروف، وعليه قبّة).

وقال السيد تاج الدين بن محمّد بن حمزة بن زهير الحسيني نقيب حلب في (غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار، طبع مصر سنة 1310): وبنو المجاب إبراهيم، قالوا: سمّي المجاب بردّ السّلام؛ وذلك إنّه دخل إلى حضرة أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السّلام) فقال: السّلام عليك يا أبي.

فسمع صوت: «وعليك السّلام يا ولدي»، والله أعلم.

انتزع الرشيد هارون الخليفة العباسي الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليهما) من معتكفه ومحراب عبادته بجوار جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) طيبة من غير أيّ جرم أتاه؛ ليذيقه صنوف العذاب، ويدفنه في غيابات السجون إلى

____________________

(1) ذكره ابن مهنا الداودي في عمدة الطالب / 149.

١٢١

البصرة، ثمّ إلى بغداد، من ظُلَمٍ مطمورة إلى ظلم مطمورة حتّى أزهق نفسه وقضى عليه بالسمّ في رجب سنة 183 في حبس السندي بن شاهك، ودفن بوصية منه مع الأغلال التي صفد بها آماد حبسه في مقابر قريش في القسم الشمالي من مدينة المنصور ما يلي السور، حذاء قطيعة أمّ جعفر ببغداد.

قصد محمّد العابد مع شقيقه الأمير أحمد - الذي اشتهر عندما وقفوا على ضريحه بشاه جراغ - أخاهما علي بن موسى الرضا (عليهما السّلام) على أثر بيعة المأمون العباسي له بولاية عهد الخلافة؛ ليتصلا به في مرو من بلاد خراسان، وقد قضى المأمون على الرضا بالسمّ في صفر سنة 203 في طوس، وأمر باستئصال شأفة الطالبيِّين.

ذكروا أنّه حرّج على هذين السيدين عن الخروج من شيراز أمداً، ثمّ نفّذوا فيهما ما أمروا له، فاُرمسوا فيها، ولهما اليوم مزار مشهور له من الشأن قيمة لا يُستهان بها، وسدنة وقوام.

كان إبراهيم تاج الدين كما سلف ينقل المبسوطات والمشجرات ممتحناً في نفسه، ضريراً مكفوف البصر، أحاطت به الخطوب والأرزاء بصفوف ضروبه، ومُزّق هو والأدنون من أهله شرّ ممزّق؛ لا يقرّ لهم قرار ولا يقلّهم سقف آر، وانتشروا كأيدي سبأ؛ إذ أصبح القتل والتشريد لهم عادة، إلاّ أنّ الذي دهم الطالبيِّين يومئذ لم يقتصر فقط على إزهاق نفوس الأحياء منهم أن شمل التعرّض حتّى لحفر أجداث الماضين من الأسلاف، وعقد مجالس الخلاعة واللهو للسخرية والاستخفاف بهم.

أورد الطبري(1) في حوادث سنة 236 هـ أنّ المتوكّل أمر بهدم قبر الحسين بن علي (عليه السّلام)، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر ويسقي موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فذكر أنّ عامل الشرطة نادى في الناحية:

____________________

(1) جـ 11 / 44.

١٢٢

مَنْ وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق. فهرب الناس وأقلعوا من المسير إليه، وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه.

وذكر أبو الفرج الإصبهاني في المقاتل(1) أنّ المتوكّل بعث بالديزج - وهو يهودي النحلة، وأسلم - إلى قبر الحسين (عليه السّلام)، وأمره بكراب قبره ومحوه، وإخراب كلّ ما حوله، فمضى وهدم البناء، وكرب نحو مئتي جريب، فلمّا بلغ قبره لم يتقدّم إليه أحد، فأحضر قوم من اليهود وأجرى الماء حوله.

وأورد الطوسي في أماليه(2) عن الديزج هذا، فقال: بعثني المتوكّل وكتب معي إلى جعفر بن محمّد بن عمّار القاضي: أُعلمك أنّي بعثت بالديزج إبراهيم إلى نبش قبر الحسين، فقف على الأمر حتّى تعرف فَعَل أو لم يفعل.

فقلت: ما أمرت به، وأخبرت ابن عمّار أنّي ما وجدت شيئاً، فقال لي: أفلا عمّقته؟ قلت: وما رأيت.

وقال أبو علي العماري: سألت الديزج عن صورة الأمر، فقال لي: أتيت في خاصة غلماني ونبشت، فوجدت بارية جديدة وعليها بدن الحسين، ووجدت منه رايحة المسك، تركت البارية على حالها وأمرت بطرح الشراب، وأطلقت الماء والبقر لتمخره وتحرثه، فلم تطأه، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه.

قال أبو الفرج الأصفهاني(3) : حدّثني الأشناني محمّد بن الحسين قال: بعُدَ عهدي بالزيارة خوفاً، ثمّ عملت على المخاطرة بنفسي، وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتّى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل، فسرنا بين مسلحتين وقد قاموا حتّى أتينا القبر، فخفي علينا، فجعلنا نتنسّمه(4) ونتحرّى جهته حتّى

____________________

(1) ص 380.

(2) ص 307.

(3) مقاتل الطالبيِّين / 386، ط النجف سنة 1353 هـ.

(4) في طبعة القاهرة المحقّقة (نشمّه) / 598.

١٢٣

أتيناه وقد قُلع الصندوق الذي كان حواليه واُحرق، واُجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قطّ من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟

فقال: لا والله ما شممت مثلها بشيء من العطر. فودّعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع، فلمّا قُتل المتوكّل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيِّين والشيعة حتّى صرنا إلى القبر، فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه.

وأورد الطوسي في الأمالي(1) عن عبد الله بن دانية الطوري قال: حججت سنة 247 سبع وأربعين ومئتين، فلمّا صدرت من الحج وصرت إلى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) على حال خيفة من السلطان، ثمّ توجهت إلى زيارة الحسين (عليه السّلام) فإذا هو قد حُرث أرضه، وفُجّر فيها الماء، وأُرسلت الثيران والعوامل في الأرض.

فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تُساق في الأرض فتنساق لهم، حتّى إذا حاذت القبر حادت عنه يميناً وشمالاً، فتضرب بالعصي الضرب الشديد فلا ينفع ذلك، ولا تطأ القبر بوجه، فما أمكنني الزيارة، فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول:

تا اللهِ إن كانت اُمية قد أتتْ

قتلَ ابن بنتِ نبيِّها مظلوما

فـلقد أتـاهُ بنو أبيهِ بمثلِهِ

هـذا لـعمرك قبرهُ مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتلهِ فتتبّعوهُ رميما

ذكر ابن الأثير في الكامل(2) : كان المتوكّل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته، يقصد مَنْ يبلغه عنه أنّه يتولّى علياً وأهله بأخذ المال والدم، ومن ندمائه عبادة المخنّث، [كان] يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة، يكشف

____________________

(1) ص 209.

(2) ج 7 ص 21.

١٢٤

رأسه وهو أصلع، يرقصه بين يديه، والمغنّون يغنّون: أقبل الأصلع البطين، خليفة المسلمين.

يحكي بذلك علياً، والمتوكّل يشرب ويضحك، ففعل ذلك يوماً والمنتصر حاضراً، فأومأ إلى عبادة يتهدّده فأمسك من صنيعه، فتنبّه المتوكّل لذلك، فقال له المنتصر: يا أمير المؤمنين، الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمّك، وشيخ أهل بيتك، وبه فخرك، فكل أنت لحمه، ولا تُطعم هذا وأمثاله.

فأمر المتوكّل المغنين أن يغنّوا جميعاً:

غارَ الفتى لابن عمّه

رأس الفتى في حر امّه

ومن ندمائه علي بن الهجم الشامي الشاعر، وعمر بن فرج الرخجي، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني اُميّة، وعبد الله بن محمّد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجه.

قال أبو الفرج الإصبهاني: كان الفتح بن خاقان يحسن له القبيح في معاملته (للطالبيّين). استعمل على المدينة ومكة عمر بن فرج فمنعهم من التعرّض لمسألة الناس، [وكان لا يبلغه أن أحداً أبرّ أحداً منهم بشيء] وإن قلّ إلاّ أنهكه عقوبة، وأثقله غرماً، حتّى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلّين فيه واحدة بعد واحدة، ثمّ يرفعنه ويجلسن على مغازلهنَّ عوارى حواسر.

كان لمجرى هذه الكوارث الجافة الخشنة في سلسلة متصلة الحلقات من غير انقطاع ما يقارب الأحد عشر سنة، يقرع خبر وقعه المتتالي مسامع تاج الدين إبراهيم أعظم من الصواعق المحرقة المبيدة، وهو في مخبئه رهين بيت المحبسين في أحد زوايا الكوفة، فكأنّه أصبح شأن كلّ ما حلّ ببيته وأحاط بالأدنين من أهله، وما به من شكوى لضرّ ونأي الدار لا قيمة له إزاء ما داهمه.

والسلوى الوحيدة لتخفيف تلك الفجائع القاصمة بطبيعة الحال الوصول إلى الحفرة الطاهرة، وأنّى ذلك له؛ لضخامة السياج المحيط بجهات ساحة الرمس الأقدس بالجند المسلّح المزوّد بكامل العدّة والعتاد

١٢٥

لمنع وصول الوافدين إليه، وإن تسنّى للأشناني كان على سبيل الصدف، فضلاً عن أنّه كان في غنى لا يحتاج إلى مَنْ يقوده، ولا هو علوي تحيطه الرقابة أثر كلّ خطوة.

مع ما كان من بعد أمد للخلف وشقة البين محمّد المنتصر لِما هو مجبول عليه بما ينطوي بين جوانحه من التعلّق بعلي والطالبيِّين، مع المهيمن الحاكم بأمره أبوه المتوكّل جعفر، والحاشية المحيطة بسدّة الخلافة من ندماء ومغنين، وأرباب مجون وخلاعة على صورة ملائمة دون توتر، حتّى يوم تهديد عبادة في تقليده لعلي.

وأمر المتوكّل بالقيان في فصول الغناء كما سلف، قلب الحاشية للمنتصر ظهر المجن، وأعرضوا من احتشامه؛ لِما يجمعهم مع الخليفة من النصب والشنآن لعلي (عليه السّلام)، فصاروا يتوسّلون بكلّ ما يخصّ ولاة العهود من الاستخلاف في إمامة صلوات الأعياد، يحبّذون تقديم المعتزّ ويطرونه بالثناء البالغ حتّى يودعه ولاية العهد.

حتّى ظهر بجميع معنى الكلمة ما غرسوه نامياً في نفس المتوكّل، فأخذ مرّة يشتم المنتصر، ومرّة يسقيه فوق طاقته، ومرّة يأمر بصفعه، وتارة يهدّده بالقتل، ويقول بمشهد من رجال الدولة والحاشية: اشهدوا أنّي قد خلعت المستعجل، سمّيتك المنتصر فسمّاك الناس المنتظر، ثمّ صرت الآن المستعجل. ويأمر الفتح بن خاقان بلطمه والمنتصر يتذلّل ولا يجديه.

وبلغ أن عزم المتوكّل على قتل ولده المنتصر، فاتفق مع الفتح بن خاقان أن يصيّرا غداءهما لخمس خلون من شوال عند عبد الله بن محمّد البازيار، وهناك يقضي على حياة المنتصر مع وصيف وبغا وعدّة من قواد الأتراك؛ لأجل إحالة إقطاعتهم إلى الفتح.

والقواد الأتراك هم القوّة التي كانت ترتكز عليها حياة الإمبراطورية بشايع حدودها المترامية الأطراف، مهيمنة على شؤون الدولة، حتّى أنفاس الخليفة كانت منوطة برعاية حياتهم.

١٢٦

فلمّا أصبحت حياتهم مع المنتصر على شفا جرف الانهيار بين عشية أو ضحاها أجمعوا لدرء ما يهدّدهم بسنة تنازع البقاء معاجلة المتوكّل ليلاً قبل أن يباكرهم نهاراً.

وكان المتوكّل أصبح لثلاث خلون من شوال نشيطاً مسروراً فرحاً، دعا الندماء لمجلسه، وأخذ في الشراب واللهو، ولم يزل في قصفه حتّى مضى من الليل شطراً، وأمسى ثملاً، حيث بلغ ما احتساه وتجرّعه من الخمرة أربعة عشر رطلاً.

دخل عليه بغا الصغير وأمر الندماء بالانصراف، فلم يبقَ سوى الفتح وعثعث وبعض الخدم، وأبواب دار الخلافة موصدة إلاّ مدخل الشط، فأقبل بغلون وباقر وموسى بن بغا وهارون بن صوارتكين وبغا الشرابي بأيديهم السيوف المسلولة فابتدره بغلون بضربة على كتفه واُذنه، فأراد المتوكّل الوثوب، واستقبل السيف بيده فأبانها، وشركه باقر، فرمى الفتح بن خاقان بنفسه على المتوكّل ليقيه بعجة هارون بسيفه، واعتوره هارون وموسى بن بغا بأسيافهما وقطّعاه.

قضى المتوكّل دور شبابه قبل أن يلي الخلافة كأقرانه من أعضاء البيت المالك على حياة ترف، بجانب من قصف وولع بخلاعة بالغة أن نقم أخوه الواثق عليه وأطرحه، ورفع إليه أنّه يتظاهر بزي المخنّثين، فأمر بأخذ شعر قفاه ويُرمى بوجهه لتطرّفه المشين.

والسبب الذي ساق إليه الخلافة إنكار وصيف على حداثة ابن محمّد بن الواثق؛ لعدم جواز الاقتداء به للصلاة، والمتوكّل آنئذ في سروال وقميص جالس بين أبناء الأتراك غير مكترث به.

قرأ عليه علي بن يحيى المنجم بين يديه في كتب الملاحم قبل قتله بأيام أنّ العاشر يُقتل في مجلسه بحذف لفظ الخليفة، فقال المتوكّل: ليت شعري! مَنْ هذا الشقي المقتول؟!

ولم يقتصر لخلاعته واستهتاره ما جناه على نفسه أن قضت عليه بسبيل انتحار فقط أن هوى بعظمة حياة الخلافة، وما كان لها من شموخ

١٢٧

ورفعة من خالق إلى أحط دركات الحفيض بما تمهّد للأتراك بعد قتله من التلاعب بمصير مَنْ تعاقبوه من الخلفاء من العزل والنصب والقتل ما شاؤوا وأرادوا، دون أيّ مانع ورادع. وأخذت وحدة المملكة إلى الانحلال والتجزؤ، مستهلاً بآل الصفار، وتمخّض بظهور صاحب الزنج، وبه قارن انهيار كيان الدولة أبدياً وسقوطها على قاب قوسين.

ذكر ابن الأثير(1) في حوادث سنة 248: كان المنتصر عظيم الخلق، راجح العقل، عزيز المعروف، راغباً في الخير، جواداً كثير الإنصاف، حسن العشرة، أمر الناس بزيارة قبر علي والحسين، وأمّن العلويِّين وكانوا خائفين أيام أبيه، وأطلق وقوفهم، وردّ فدكاً على ولد الحسين، وعزل صالح عن المدينة واستعمل علياً، فلمّا دخل عليه ليودّعه قال له: يا علي، اُوجّهك إلى لحمي ودمي - ومدّ ساعده إلى هذا - اُوجّهك فانظر كيف تكون للقوم وتعاملهم؟ يعني آل أبي طالب.

قال: أرجو أن أمتثل أمر أمير المؤمنين إن شاء الله.

قال له: إذن، تسعد عندي.

وورد أنّه أمر بالبناء على قبر الحسين (عليه السّلام)، ويُقام على البناء علماً كالميل عالياً ليستدلّ به على موضعه لوافديه.

بوغت تاج الدين إبراهيم بخبر إلغاء المنع، وانهيار قواعد السياج، وإطلاق حرية كلّ مَنْ يشاء زيارة الحسين، وقصد حائره دون أيّ تعرّض، فكان في طليعة الرعيل الأوّل ممّن قصدوا كربلاء من الكوفة(2) ، ولما نال

____________________

(1) الكامل 7 / 44.

(2) أتذكر أنّي وقفت في النجف الأشرف بين كتب النسب الخطية عند ذكر إبراهيم المجاب، قال: هو أوّل مَنْ خرج من الكوفة وسكن الحائر.

أقول: لعل هذا الكتاب هو (النفخات العنبرية في أنساب آل خير البرية) لمؤلّفه السيد أبي فضل محمّد الكاظم بن أبي الفتوح الحسيني، المخطوط سنة 891؛ إذ جاء في تاريخ كربلاء (1 / 37 المخطوط) - للمتغمد بالرحمة السيد عبد الرزاق الوهاب، نقلاً عن (النفحات): السيد إبراهيم المجاب أوّل مَنْ هاجر من الكوفة إلى كربلاء بعد حادثة المتوكّل، فسكن فيها حتّى توفي ودُفن فيها. (عادل).

١٢٨

من صنوف الإنكار، وما أوتيه من إطلاق حرية الإرادة أخذ يبثّ لجدّه الحسين لمّا بلغ ساحة كربلاء ما تكابد من محن وأرزاء مع أدائه لوجائب التحية والسّلام؛ فلتسليته والترحيب به أجابه السبط بردّ السّلام، فاختار تمضية بقيّة أيامه في جواره، واتخذه لنفسه ولأعقابه من ولده محمّد الثاني - الذي اشتهر بالحائري - وطناً ودار إقامة وسكناً من منذ بقيته الباقية من سنة 247 ليومنا هذا سنة 1369 هـ.

فلسلالته ألف ومئة واثنان وعشرون سنة لم يزالوا حائزين لشرف الجوار على أثر قصد جدّهم المجاب تاج الدين إبراهيم.

(3) أبو الفائز محمّد الخامس(1)

ذكر ابن بطوطة في رحلته(2) قال: (ثمّ سافرنا منها - الحلّة - إلى مدينة كربلاء مشهد الحسين بن علي (عليهما السّلام) وهي مدينة صغيرة تحفّها حدائق النخيل، ويسقيها ماء الفرات، والروضة المقدّسة داخلها، وعليها مدرسة عظيمة، وزاوية كريمة، فيها الطعام للوارد والصادر، وعلى أبواب

____________________

(1) جاء في مناهل الضرب - للأعرجي (المخطوط) عن ترجمة أبي الفائز: كان أبو الفائز محمّد في الحائر سيداً وجيهاً، جليل القدر، شهماً غيوراً عفيفاً، ورعاً تقياً، نقي السريرة، يمتاز على سائر العلويِّين الساكنين في الحائر، ويتبعه أكثر من نصف سكّانه.

كان بينه وبين الوجيه المعاصر له السيد محمّد من ذرية محمّد بن الحنفيّة - يعتقد السيد حسن الكليدار أنّه محمّد بن يحيى زحيك - خصومات ومناوشات قبلية من أجل زعامة الحائر ونقابتها، ويقول بعد ذلك: اصطفى مع خصمه العنيد، وزجر نقيب الحائر شهاب الدين أحمد الحسيني وعزله، ونصب نفسه نقيباً للحائر خلفاً للنقيب المعزول. (عادل).

(2) ص 139.

١٢٩

الروضة الحجّاب والقومة، لا يدخل أحد إلاّ عن إذنهم؛ فيقبّل العتبة الشريفة، وهي من الفضة، وعلى الضريح المقدّس قناديل الذهب والفضة، وعلى الأبواب أستار الحرير.

وأهل هذه المدينة طائفتان؛ أولاد زحيك، وأولاد فائز، وبينهما القتال أبداً(1) ، وهم جميعاً إمامية يرجعون إلى أب واحد؛ ولأجل فتنتهم تخرّبت هذه المدينة...).

ومن الغريب أنّه لم يتكتّل لأبي الفائز من أعقاب كثيرة عندئذ؛ إذ كان أبو الفائز من رجال القرن السابع وابن بطوطة زار كربلاء في أوّل القرن الثامن، إلاّ أنّنا نقول: لشخصيته البارزة كان ينضمّ ويلتحق لآله بنو عمومتهم من آل المجاب، وعددهم لا يُستهان به على ما أورد أسماءهم ابن شدقم في مبسوطه نقلاً عن مشجر ابن معية الحسني النسّابة.

(4) السيد أحمد الثاني

(يُقال عنه: إنّه كان ناظر رأس العين).

قال ابن عتبة الداودي في العمدة / 308: (كان السيد شمس الدين حسين ابن السيد تاج الدين هو المتولّي لنقابة العراق، وفيه ظلم وتغلّب؛ فأحقد

____________________

(1) في منتصف القرن الثامن الهجري وقعت في كربلاء حوادث جسام كادت أن تؤدّي بها وبساكنيها؛ وذلك من جرّاء نشوب القتال بين آل فائز وآل زحيك، فاستغلّت الحال قبيلة بني مهنا العلوية فأغارت على كربلاء وحجّتها أن تتدخل في حلّ النزاع، فتدخلت بشؤون كربلاء، ونصبت شمس الدين محمّد الحائري سادناً.

وقد أخطأ السيد حسن الكليدار (في مدينة الحسين 2 / 140) بقوله معقّباً على النصّ المتقدّم: وتولّى عميد آل فائز محمّد نقابة الحائر ثانية، وتولّى عميد آل زحيك السدانة، فأمنت كربلاء غائلة الفتن سنة 756 هـ انتهى.

ووجه الخطأ هنا هو إنّ السيد محمّد أبا الفائز الآنف الذكر بالقطع لم يكن من رجال القرن الثامن، بل كان محمّد أبو الفائز من رجال القرن السابع (راجع ترجمة أبي الفائز في النص). (عادل).

١٣٠

سادات العراق بأفعاله، فتوصّل الرشيد الطبيب(1) واستمال جماعة من السادات، وأوقعوا في خاطر السلطان من السيد تاج الدين وأولاده حكايات ردية، فلمّا كثر على السلطان استشار الرشيد الطبيب في أمره، وكان به حفيّاً، فأشار عليه أن يدفعه إلى العلويِّين، وأوهمه أنّه إذا سلّمه إليهم لم يبقَ لهم طريق في الشكاية والتشنيع، وليس على السيد تاج الدين من ذلك كثير ضرر.

فطلب الرشيد الطاهر جلال الدين الفقيه، وكان سفّاكاً جريّاً على الدماء، وقرّر معه أن يقتل السيد تاج الدين وولديه، ويكون له حكم العراق نقابة وقضاء وصدارة؛ فامتنع السيد جلال الدين من ذلك، وقال: إنّي لا أقتل علويّاً قطّ.

ثمّ توجه من ليلته إلى الحلّة، فطلب الرشيد (السيد ابن أبي الفائز الموسوي الحائري) وأطمعه في نقابة العراق على أن يقتل السيد تاج الدين وولديه، فامتنع من ذلك، وهرب إلى الحائر من ليلته.

أقول: اقتصر بالتعبير عنه بلفظ السيد مشدّداً دون التسمية يعرب

____________________

(1) هو فضل الله رشيد الدين وزير الجياتوخان المغولي، ولد في همدان سنة 638 هـ، وتوفي سنة 718 هـ. وقد اشتغل رشيد الدين في بادئ أمره بالطبّ واشتهر به، وهو مؤلّف كتاب (جامع التواريخ) بالفارسية.

أمّا بشأن هذه الواقعة التي يرويها صاحب العمدة فقد شكّك بها (كاترمير)، بل اعتبرها مختلقة وملفّقة، وذلك في مقدّمته القيمة لكتاب رشيد الدين - جامع التواريخ 2 / 34 من الترجمة العربية - ويدعم رأيه هذا بحجج غاية في القوّة والإقناع.

ولكن مع تقديرنا لهذا الرأي نرى أنّنا مدفوعون بعدم التسليم بصحة تسليمنا كليّاً؛ لأنّ كاترمير ليس لديه دليل مادي يدعم به رأيه سوى ما يمليه عليه التحقيق العلمي الذي لا يسلّم بالنصوص التاريخية المخالفة للعقل والمنطق السليم، ومن المعلوم أنّ هذا وحده لا يكفي لتكذيب واقعة تاريخية وتنفيذها.

ثمّ إنّنا لا نرى سبباً معقولاً يدفع مؤلّف كابن مهنا الداودي إلى إدانة رشيد الدين وزجّه في هذه الحادثة ما لم تكن صحيحة؛ فرشيد الدين كان معروفاً بتشيّعه وإخلاصه لآل علي، فلذلك ولِما تقدّم لا نستطيع أن نفنّد كلّ ما جاء في العمدة ونسلّم برأي كاترمير. (عادل)

١٣١

عن بعد صيت قيّم وشهرة فائقة لابن أبي الفائز، يضاف إلى جملة اسمه في المشجرات والمبسوطات التذكارية التي عند آله وسلالته (ناظر رأس العين)، ويزعمون أنّ الضريح المشيد المشهور بأحمد بن هاشم في الشمال الغربي من شفاثا بمقربة من الرحالية قبره، وابن هاشم عزوة لعمرو العلا هاشم بن عبد المناف جدّ الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وليس باسم لأبيه.

ويعنون برأس العين ماء شفاثا، ولفظ رأس العين على سبيل العلمية لم يطلق على هذا العين كما تحكيه المعاجم الجغرافية العربية(1) ، وإن ذكروا رأس العين أرادوا به عين الوردة الواقع بين جسر منبج وبلد خلف الموصل.

في أواخر العقد الخامس من القرن الرابع عشر الهجري قصدت زيارة أحمد بن هاشم - وله مكانة عظيمة في نفوس البدو، يقدّمون له النذور - وبحثت جهد المستطاع على درك أيّ أثر أتوصل به إلى كشف هويته، مع شديد الأسف لم أقم على أيّ طائل رغماً عن شدّة التحرّي الذي بذلته، فقط أرشدوني على بعض أمتار على قبّة مبنية على رمس أخبروني قوامه أنّه قبر أخيه.

وانتهى الداودي عند ذكره لهذه السلالة من آل المجاب إلى جملة (آل أبي الفائز محمّد بالحائر)، ولم يذكر له أخاً أو إخوة ليتسنّى على ضوئه طريقاً للاستدلال - ما يشفي الغليل - على أثر هذا الضريح الذي على مقربة منه.

أمّا ناظر رأس العين إن اعتمدناه فلا بدّ أنّه ولي النظر بشؤون ولاية عين الخابور في الدولة المغولية، ولأوانئذ كان لهذا

____________________

(1) راجع معجم البلدان - للحموي، ومختصر كتاب البلدان - لابن الفقيه الهمداني / 134 ط ليدن، وأحسن التقاسيم - للمقدسي / 137، وصور الأقاليم - للبلخي / 93 (مخطوط)، ورحلة ابن جبير / 221 ط سنة 1908 القاهرة.

١٣٢

العين وتوابعه من العمران شأن من قيمة وتقدير ما لا يُستهان به.

وعندما هوت الخلافة العباسيّة من شاهق عزّها، وأصبح الحكم لملوك بني بويه في القرن الرابع الهجري، أخذ الطالبيون يشغلون جانباً من وظائف الدولة، فضلاً عن النقابة على آلهم وإمارة الحج، والنظر في المظالم والقضاء.

وفي القرن الخامس أُحيل لأبي تميم معد الموسوي مع النظر في نقابة الطالبيِّين الأشراف على المخزن - وزير المالية - مع ما كان له من مكانة رفيعة عند أبي العباس أحمد الناصر لدين الله، ولداره(1) الذي كان يقيم فيه ببغداد في المقتدرية قيمة أن اتخذه الخلفاء بعده محلاً للوافدين من الملوك إلى سدّة الخلافة.

وأبو تميم معد بن الحسين بن معد الموسوي هو الذي قام بأمر الناصر إلى تجديد معالم سرداب سامراء، وعلى باب صفة السرداب أعلام مباشرته وإنجازه في سنة ست وستمئة.

ومن أشراف آل المختار نقباء الغري؛ منهم تاج الدين الحسن، كان عارض الجيش(2) في الدور المستنصري، وتاج الدين محمّد بن صلايا العلوي، صدر أربل(3) للدور المستعصمي حتّى أن اتصل بالدور المغولي.

ولم ينفكّوا من إشغال المناصب في الدولة المغولية، وأشغل عزّ الدين ابن الموسوي العلوي نيابة رئاسة الشرطة، وتاج الدين الطقطقي صدرية الحلّة(4) سنة 667 هـ.

وتقف عند اسم السيد أبو جعفر محمّد الثالث الملقّب بخير العمال،

____________________

(1) راجع الحوادث الجامعة / 165.

(2) انظر الحوادث الجامعة - لابن الفوطي / 133، وقد جاء في مجالس المؤمنين / 69 ما ترجمته: (سادات بني المختار كانت لهم في عهد بني العباس أمارة الحج، وتولية المشهدين المقدّسين في كربلاء والنجف كانت بعهدتهم، وبعد ذلك رحلوا إلى سبزوار، وكانوا هناك دائماً مرجعاً ومآباً لآهالي خراسان).

(3) الحوادث الجامعة / 337.

(4) الحوادث الجامعة / 362.

١٣٣

وفي التسلسل بين ناظر رأس العين وتاج الدين المجاب لفظ خير العمال، من الممكن إطلاق هذه اللفظة على أثر أشغاله لنظارة أو صدارة أو إشراف أو ما قاربها.

(5) السيد طعمة الأوّل

قال ضامن بن شدقم الحسيني المدني في المجلد الثالث من (تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمّة الأطهار) عند ذكر لعقب تاج الدين إبراهيم المجاب، عند ذكره لطعمة: (وفي نسخة اُخرى أنّ طعمة هو ابن أبي جعفر أحمد (أبو طراس) المذكور من غير واسطة، والله تعالى أعلم، ويقال لولده: آل طعمة، سادات أجلاء ذو أهل ورياسة ونقابة، وعظمة وجلالة بالحائر)(1) .

(6) السيد طعمة الثاني

راجع المنقول من وقفية بستان ضوي، لفظ الواقف، يقول: هو يحيى ابن السيد طعمة النقيب؛ فعليه ينبغي أن يكون طعمة الثاني هو نقيب الأشراف.

يقول في ورقة وقفية بستان ضوي، خارج باب بغداد الواقع للخارج من الباب في جانب اليمين: الواقف سيد يحيى ابن سيد طعمة النقيب على ولده السيد ضياء الدين وعلى أولاده ومن بعدهم لمصالح الحضرة الحسينيّة (عم) سنة 1214.

في المتن: مجموع البستان الواقعة قريباً

____________________

(1) عن نسخة خطية بيد المؤلّف (عبد الحسين).

١٣٤

من حواش القضية في محلّة آل فائز(1) من محلات قصبة كربلاء... والحدود... والحدّ الرابع طريق بغداد وفيه الباب.

(7) السيد طعمة الثالث

العالم الكامل كما في ورقة وقفية الفدان. [ خلاصة وقفية الفدان: يُستفاد من الورقة أنّه في ملكية سيد طعمة (الثالث) ابن سيد علم الدين مملكة إلى الشيخ أحمد ابن الشيخ علي النحوي حتّى يوقفه الشيخ أحمد النحوي على المولى العالم الكامل السيد طعمة ابن المرحوم المبرور السيد علم (دام فضله وأفضاله) (عين ما في الوقفية).

وتأريخ الوقفية 15 شهر رمضان سنة 1025 ألف وخمسة وعشرون، ومن فدان السادة فدان يختصّ بالسيد خليفة ابن السيد نعمة ابن السيد طعمة الواقف للفدان ].

(8) السيد نعمة الله

وقفت على فرمان - والفرمان عند السيد مجيد ابن المرحوم السيد سلمان، والسيد نعمة الله الحلقة السابعة منه - صادر من السلطان مصطفى

____________________

(1) كانت كربلاء قديماً تقسّم إلى ثلاثة أطراف؛ يُدعى الطرف الأوّل منها بمحلّة آل فائز، والطرف الثاني بمحلّة آل زحيك، والطرف الثالث بمحلّة آل عيسى نسبة إلى الأقوام العلويِّين الذين كانوا يسكنون هذه الأطراف. وعندما أتمّ صاحب الرياض بناء السور استبدل أسماء تلك الأطراف بأسماء أبواب السور. (انظر مدينة الحسين 1 / 15). (عادل).

١٣٥

الثالث العثماني في الخامس من شهر ربيع الآخر سنة 1187 سبعة وثمانين وألف من إسلامبول، يبحث عن شؤون مزرعة وعوائد خطيّة للسيد عباس ابن السيد نعمة الله، يعبّر عن نعمة الله وآله السيد عباس بهذه العبارة: (نقيب الأشراف نعمة الله، أو علي سيد عباس).

(9) السيد يحيى الثاني ضياء الدين (نقيب الأشراف)

وقفت في النجف الأشرف على نسخة من عمدة الطالب(1) بخطّ حسين بن مساعد بن حسن بن مخزوم بن أبي القسم بن عيسى الحسيني الحائري، فرغ من نسخه تاسع عشر ربيع الأوّل سنة 893 ثلاث وتسعين وثمانمئة.

ويظهر في الصفحة الأولى مدرج سواد شهادة بصحة نسب السادة الحجوج، من الشهود: (ضياء الدين يحيى طعمة الحسيني النقيب الحائري)، والتاريخ التحريري لعقد عشر وألف ومئة سنة 1109.

وعند ذكر عقب وآل أحمد ابن الإمام موسى بن جعفر (سلام الله عليهم) في الهامش الأيسر يقول ما هذا لفظه: (وقد ذكر صاحب الشجرة القديمة التي هي الآن عند بعض سادات آل طعمة في مشهد كربلاء، التاريخ سنة 1164 أربعة وستين بعد المئة والألف، التي انتخب منها شيخنا أبو الحسن مدرس الغري (قدس الله رمسه) مشجره).

أقول: من الممكن على سياق التاريخ سنة 1109، وسنة وفاة المنتخب سنة 1138 أنّ أصل المشجر القديم كان في حيازة ضياء الدين يحيى الثاني النقيب، أو عند ولده الذي خلفه

____________________

(1) توجد هذه النسخة في مكتبة الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي (النجف)، وقد طبعه في النجف الأشرف سنة 1918.

١٣٦

في النقابة السيد نعمة الله(1) ، أو عند أعقابه الآخرين انتقل منه إليهم.

وقفت قبل أعوام مضت، وأظنّني في الغري الأقدس، على نسخة هذا المختصر: مشجر مجرّد من كلّ تعليق، بسيط للغاية، يكاد لا يُستفاد منه سوى تسلسل الأسماء المدرجة فيه، مع صغر حجم.

والظاهر هو للشيخ المتغمد بالرحمة محمّد مهدي(2) الفتوني المتوفّى سنة 1138، مؤلّف كتاب (ضياء العالمين) في أجزاء بقطع كبير، وهو من أوقاف مكتبة المرحوم

____________________

(1) أخبرني المرحوم السيد سلمان السيد محمّد علي السيد وهاب بأنّه جرى بينه وبين المرحوم السيد محسن ابن السيد عباس ابن السيد محسن من آل دراج نقباء الحائر كلام في النقابة، نفى السيد محسن تخصيصها في كربلاء لأحد غير سلالتهم.

قال السيد سلمان: (أنكرت عليه زعمه، ولإثبات صحة إنكاري أتيته بنفس الفرمان الصادر من ملوك آل عثمان في توديع النقابة لعهدة السيد يحيى ضياء الدين).

ولم أتقصَ عندئذ لرؤية هذا الفرمان؛ حيث لم يدر بخلدي تدوين شأن سلالة آل طعمة. وبعد وفاة المرحوم بالفرمان لأثبت صورته هنا بعد مراجعته(*) قال: إنّه لم يعثر عليه.

(2) لم يُنسب كتاب (ضياء العالمين) هذا إلى محمّد مهدي الفتوني العاملي المتوفّى سنة 1183 هـ بل يُنسب إلى عالم آخر يحمل نفس اللقب هو أبي الحسن بن محمّد طاهر الفتوني النباطي العاملي المتوفّى سنة 1138 هـ كما في مستدرك الوسائل - للعلاّمة الأجل النوري 3 / 385، والذريعة إلى تصانيف الشيعة - للعلاّمة المحقّق آقا بزرك الطهراني، المجلد الخامس، وما أكّده لي شفوياً صاحب الذريعة (مدّ الله في عمره).

والأغلب أنّ المؤلّف قد اشتبه في ذكر الاسم لتطابق اللّقبين، والذي يرجع هذا أنّه قد ذكر سنة وفاة أبي الحسن الفتوني؛ وعليه يكون مؤلّف المشجر المذكور هو أبي الحسن الفتوني، ولعل المشجر هو (حدائق الألباب في معرفة الأنساب)، رآه السيد حسن الصدر الكاظمي في كربلاء، وفيه مشجرات آقا بزرك الطهراني في الذريعة 2 / 371.

وذكر أنّ الوصول إلى المراد منه غير يسير، فطلب البعض من الشيخ أبي الحسن أن يؤلّف فيه كتاباً يسهل الوصول إليه؛ فألّف كتاب (الأنساب). (عادل).

(*) لا يخفى على القارئ ما في العبارة الأخيرة من إرباك مخلٍّ في المعنى، والذي يدل على السقط الحاصل إثناء النسخ.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

١٣٧

الشيخ عبد الحسين الطهراني.

اطلعت على صفحات جزء من هذا المؤلّف الجليل فبان لي ما يتمتّع به المؤلّف من منيع مكانة في النقد والتحليل باُسلوب غاية في المتانة، مؤيدة بحجج قوية دامغة، ويعوّل ويستند على مؤلّفات فريدة قيّمة تُفصح بما كان لمكتبة الروضة العلوية من النفائس والذخائر الأثرية النادرة.

كانت المكتبة آنذاك تضاهي خزانتها اليوم بما تحويه من الأعلاق النفسية والأحجار الثمينة، ما حدّث عنه ولا حرج.

(10) السيد درويش(1)

كان السيد درويش وإخوته: السيد مصطفى، والسيد محمّد، والسيد جواد(2) ، وابن عمّهم السيد محمّد علي الكليدار أحياء في سنة ألف ومئتين واثنين وأربعين أيام ولاية داود باشا لبغداد خلال سني محاصرة كربلاء بأمر داود باشا بزعامة المناخور التي ابتدأت من سنة ألف ومئتين وأربعين إلى سنة أربع وأربعين، والمحاصرة بينها فترات.

(11) السيد علي الثالث(3)

كان (رحمه الله) برّاً تقيّاً، عابداً زاهداً، قد سمعت منه (طاب ثراه)

____________________

(1) جاء في مناهل الضرب في أنساب العرب (مخطوط ص 565 في مكتبة العلاّمة آقا بزرك الطهراني) عن السيد درويش ما نصّه: وأمّا السيد درويش بن أحمد بن يحيى فكان سيداً جليلاً ديّناً، حج بيت الله الحرام ماشياً، وكان في أغلب أوقاته لا يُفارق الروضة المقدّسة؛ لا ليلاً ولا نهاراً، وكان لا يفتر عن العبادة. (عادل).

(2) أسماء هؤلاء الإخوة تطلق اليوم على أفخاذ آل طعمة خلا السيد محمّد؛ إذ يعرفون سلالته بـ (آل شروفي).

(3) في الحقيقة إنّ هذه الترجمة لم تنسق هكذا، وإنّما قد جمعتها ممّا كتبه المؤلّف عن والده.

١٣٨

أنّه ولد سنة جلوس ناصر الدين شاه على العرش الفارسي، وذلك سنة 1264هجري.

وكان قد تقلّد مقام أبيه في سنة 1309 هـ، وقد طالت أيام سدانته للروضة الحسينيّة تسعة أعوام قضى معظمها داخل الحضرة الزاكية مشغولاً بالصلاة والدعاء.

وكان كثيراً ما يتصدّق على الفقراء والأيتام، وتوفي يوم الخميس ثالث محرّم الحرام سنة 1318 هجري، وكان يوم وفاته حسن الأحوال، وقد التفّ حوله أعمامه ينقلون له الأخبار، وكنت في الصحن الشريف وقتئذ، ولمّا خرج أعمامه أراد أن يدخل الحرم فوقع مغشياً عليه، فما قام بعد ذلك أبداً.

ودفن عند قدمي عمّه العباس (عليه السّلام) في حجرة من حجر الرواق؛ ولاستشهاره بالأعمال الخيرية، والإحسان للفقراء صار ملاذ الشعراء، ومدار البلغاء يذكرونه في كلّ مناسبة تدعو لذاك.

وللمرحوم الشيخ محمّد سعيد خلف الشيخ محمود سعيد نائب كليدار الروضة الحيدرية الأسبق (وكان من سكنة كربلاء وأحد شعرائها)، مهنّئاً المغفور له والدي السيد علي عند قدومه من حج بيت الله الحرام لسنة إحدى وثلاثمئة بعد الألف الهجرية 1301 هـ:

بـشراً فـقُمريّ الـتهاني غرّدا

وعـندليب الـبشرِ بـالشعر شدا

بـشّر فـي مـقدمِ مقدام وطأ

أقـدامُ عـلياهُ الـسهى والفرقدا

ذاك العليُّ ذو العلى مَنْ لم يزل

يـرقى من العليا إلى أعلى مدى

خـيرُ سـريٍّ قـد سرى بعزمِه

يـفري الأكـامَ حـدّها والفدفدا

نـودي من أمّ القرى إلى القرى

فـأمّـها مـلـبّياً ذاك الـنـدى

قـلّ ردى أحـرامَه أهـلُ ردى

أيّ فـتى أحـرم من ذاك الردى

أحـرم في ذاك الردى طود تقى

في التقى أحرم مَنْ بالنسك ارتدى(1)

وهـل درى الـبيت بأيّ ناسك

طـافَ بـهِ وساقَ للهدى الفدى

لـقد زهت مناسكُ البيتِ بمَنْ

بنسكهِ ذو النسكِ والتقوى اقتدى

سـليلُ مَـنْ قواعدُ البيتِ بهمْ

قـامت وفـيهم ركنهُ قد شُيّدا

____________________

(1) في المصراع الثاني خلل عروضي واضح.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

١٣٩

كـم وثـنٌ لـلشركِ فيه نكثوا

وقـوّموا لـلدين فـيهِ عـمدا

وبـيت ربّـي قسماً لولا هُمُ

مـا كان ربّ البيتِ يوماً عُبِدا

ومـذ أتـمّ الـحجَ فرضاً سنّه

أكّده بـما بـهِ قـد أكّـدا

فـطافَ مـن طيبة في مراقدٍ

فـي مـهدها سرّ الوجودِ اُلحدا

بأشرفِ الرسلِ استطالت شرفاً

وآلـهِ الأشـراف أعلامُ الهدى

عـليهمُ الصلاة تترى ما سرى

لـلبيتِ ركبٌ وبهِ الحادي حدا

فـلتهنأ الأشراف في أسنى هنا

بـخيرِ فـذٍ قـد تزكّى محتدا

لـلناسكِ الأوّاهِ عـبد الله كـم

رعـى زمـامَ عـهد ودٍ عقدا

بـبرّه الأبـرارُ راحت تقتني

إثْـراً لـهُ قـد اتخذ البرّ ردا(1)

وخـصّ مـنها بالنُّهى خيرَ آبٍ

لـقد أبـى إلاّ العُلا والسؤددا

ذاك الـجواد مَـنْ يـجودُ كفّه

صـيّر أجـواد الـبرايا أعبدا

سـادَ قـبيل مـجدهِ وقد غدى

فـيهم بـأقليد الـعلا مـقلّدا

طويلُ باعٍ في العلا قد قصرت

عـنهُ ذوو العليا وإن طالَ اليدا

لا غـرو أن ألـقت لهُ قيادها

فـالدهرُ قـد ألقى إليهِ المقودا

قـلّد فـي أقليد أسنى روضة

يـودّ رضـوانٌ بـهِ لـو قُلّدا

فـكان خـيرَ سـادنٍ مـؤتمنٍ

لـكعبةِ الـكعبةِ كـعبة الهدى

الـكعبة الـقدس التي تفضلها

قـدماً على الكعبةِ أرضاً وردا

كـعبة قـدس في ثرى أعتابها

ترى الملوكَ الصيدَ خرّوا سُجّدا

مـختلفُ الأملاك إنْ يهبط بها

فـوجٌ فـمنها مـثله قد صعدا

تضمّنت سبطَ النبيِّ المصطفى

مَـنْ قـد دُعـي للشهداءِ سيّدا

ريـحانة الهادي فكم قد روّحت

بـروحها لـلطهرِ طـه كـبدا

ولـيهن مـنه خـير عمّ علم!

عـمّ الورى فضلاً وذكراً وندا

أحـدهـم خـلائقاً فـحقّ أن

سـمّي بـاسم خـيرِ جدٍّ أحمدا

____________________

(1) لا يخفى الخلل العروضي البيّن في المصراع الثاني من البيت.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

١٤٠