بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء0%

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء مؤلف:
الناشر: مطبعة الإرشاد
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 197

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة
الناشر: مطبعة الإرشاد
تصنيف: الصفحات: 197
المشاهدات: 87374
تحميل: 7574

توضيحات:

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 197 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87374 / تحميل: 7574
الحجم الحجم الحجم
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء

مؤلف:
الناشر: مطبعة الإرشاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٨١

على الناس خمسون صلاة في كلّ يوم وليلة حتّى أفشى ذلك عنه بموضعه.

نهر العلقمي

ذكر المسعودي في التنبيه والإشراف(1) : وكاتب البريد ابن خرداذبة في المسالك(2) : إذا جاز عمود الفرات هيت والأنبار (يقابل الثاني الأوّل في الضفة الغربية)، فيتجاوزهما فينقسم قسمين، منها قسم يأخذ نحو المغرب قليلاً المسمّى (بالعلقمي) إلى أن يصير إلى الكوفة.

وآثار العلقمي الباقي منه اليوم - على ما وقفت عليه - إذا انتهى إلى شمال ضريح عون اتجه إلى الجنوب حتّى يروي الغاضرية لبني أسد - والغاضرية على ضفته الشرقية - وبمحاذاة الغاضرية شريعة الإمام جعفر بن محمّد (عليه السّلام) على الشاطئ الغربي من العلقمي، وقنطرة الغاضرية تصل بينه وبين الشريعة.

ثمّ ينحرف إلى الشمال الغربي فيقسم الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح العباس (عليه السّلام)؛ إذ استشهد ما يلي مسناته، فإذا جاوزه انعطف إلى الجنوب الشرقي من كربلاء ماراً بقرية نينوى، وهناك يتصل النهران (نينوى والعلقمي) فيرويان ما يليهما من ضياع وقرية شفيه، فيتمايلان بين الجنوب تارة والشرق اُخرى.

حتّى إذا بلغا خان الحماد - منتصف الطريق بين كربلاء والغري - اتجها إلى الشرق تماماً، وقطعا شط الهندية بجنوب برس أو حرقه - وأثرهما هناك مرئي ومشهود -

____________________

(1) ص 47 من ط القاهرة.

(2) المسالك والممالك / 233 ط ليدن، وجاء أيضاً في (نهاية الأرب في فنون الأدب - للنويري 1 / 267) ما نصه:... فإذا جاوزهما (يعني إذا جاوز الفرات الأنبار وهيت) قسم يأخذ نحو الجنوب قليلاً، وهو المسمّى بالعلقم، ينتهي إلى بلاد سورى، وقصر ابن هبيرة، والكوفة والحلّة.

٨٢

حتّى يسقيان شرقي الكوفة.

ذكر أنّ مجراه في العصور القديمة كان يتصل ببطائح البصرة، وأنّ سابور ذي الأكتاف اتخذ حافّتيه قاعدة للذب عن غزو العرب لتخوم المملكة، وشمل بعناية أخلافه من ملوك الساسانية لموقعه الدفاعي.

بلغ من ازدهار العمران الذي حفّ بجانبيه شأواً حتّى [أنهم] ذكروا: اُفلتت سفينة وانحدرت مع جري الماء يومين، فامتلأت بأنواع صنوف أثمار حافيته.

ذكر هارفي بوتر في التاريخ القديم أنّ بخت نصر الملك البابلي حفر نهراً من أعالي الفرات حتّى أوصله إلى البحر؛ لتقارب الوصف.

من الممكن أن يكون هذا النهر هو (العلقمي)(1) ، ولنفس الغاية لبعد أمد جريه اختار فوهته من أعالي الفرات لارتفاع مستوى الماء هناك - المتدفق وسرعة الجري - ولبعد عمود الفرات عن إرواء آخر حدود الريف في العصور القديمة من التاريخ في الدور البابلي أو الكلداني؛ إذ كان مجراه يشقّ عاصمتهم بابل، وكان بطبيعة الحال حفر مثل هذا النهر من الضروري، وممّا لا مناص منه؛ لنطاق مدى العمران.

والعلقم - بالفتح والسكون - يطلق على كلّ شجر مرّ (الحنظل)، وما عداه من غير فارق، والعلقمة المرارة.

يخال لي لشدّة ما كان العرب يكابدون من مرارة ماء آبار الجزيرة حتّى تخوم الجزيرة، ومياه عيون

____________________

(1) يعتقد الدكتور أحمد سوسه في مؤلفه (وادي الفرات 2 / 87) أنّ العلقمي قد أخذ مجرى نهر مارسس القديم الذي كان قد اضمحل فاُعيد إحياؤه زمن العرب. (عادل)

٨٣

الطفّ، ثمّ ينهلون عذب نمير هذا النهر؛ فلبعد شقة البين بالضد أطلقوا عليه اسم (العلقمي)(1) .

أُطلقت على جملة الضياع التي اتخذت على النهرين العلقمي ونهر نينوى في الدور الإسلامي من مبتدأ فوهة، أو صدر (العلقمي) ما يلي هيت بـ (الفلوجة العليا)، فإذا انحدر مجراه لحدود كربلاء (الفلوجة الوسطى)، ولحدود اتصاله بالكوفة بـ (الفلوجة السفلى)، وهذه الفلاليج الثلاثة كلّ واحد منها في الدور الكسروي متمماً لأستان بهقباذات الثلاثة، ففيما بين نهري دجلة والفرات أستان بهقباذ الأعلى، ثمّ الأوسط، ثمّ الأسفل.

كان قسط هذا النهر من التفقّد والعناية قد بلغ نصاب الكفاية، يتمايل بنشوة نظارة العمران، وساكني حافتيه في هناء ورغد عيش حتّى أن انتكست الخلافة العباسيّة وحلّ بكيانها الضعف والوهن؛ لشغب الأتراك وتلاعبهم بنصب وخلع وقتل ثلاثة من الخلفاء، وهم المستعين والمعتز والمهتدي.

وانحل نظام الأمن وسادت الفوضى أنحاء البلاد؛ لقيام الفتن والثورات وتعاقبها واحدة تلو الاُخرى دون أيّما انفكاك، وقد بلغ الضعف بالدولة إلى درجة أن أصبح من المستحيل إمكان قضائها على ثورة الزنج، ولم تتمكّن من إخماد ثورتهم إلاّ بعد خطوب، وتكبد خسائر فادحة ما يقارب الثلاث

____________________

(1) جاء في قمر بني هاشم - للسيد عبد الرزاق المقرّم / 121 ما نصه: (... نعم، لم يعرف السبب في التسمية به - أي العلقمي - وما قيل في وجهها إنّ الحافر للنهر رجل اسمه علقمة، بطن من تميم، ثمّ من دارم جدّهم علقمة بن زرارة بن عدس لا يعتمد عليه؛ لعدم الشاهد الواضح.

ومثله في ذكر السبب: كثرة العلقم حول حافتي النهر، وهو كالقول بأنّ عضد الدولة أمر بحفر النهر ووكله إلى رجل اسمه علقمة؛ فإنّها دعاوى لا تعضدها قرينة، على أنّك عرفت أنّ التسمية كانت قبل عضد الدولة). (عادل)

٨٤

آقا محمّد شاه القاجاري (راجع ص 76)

عشرة سنة(1) استنزفت من الضحايا والأموال ما يفوت الحصر إحصاؤه،

____________________

(1) استمر القتال مع الزنج من حين تولّي المعتمد الخلافة سنة ست وخمسين وثلاثمئة إلى سنة سبعين. وذكر الصولي أنّه قُتل من المسلمين =

٨٥

إلاّ أنّ سياسة الخليفة المعتضد الحازمة وولده المكتفي قد أعادا للخلافة بعض ما فقدته من هيبة ورفعة شأن، إلاّ أنّه كان آخر وميض نور من حياة عزّ الدولة العباسيّة؛ إذ تلتها النكسة التي لا قيام بعدها من جرّاء سيرة المقتدر؛ لضعف نفسه، وركونه إلى حياة اللهو والمجون استهلك في سبيل رغائبه - على ما يحدث به الأستاذ ابن مسكوية في تجاربه(1) - بسرد مفردات نيف وسبعين مليون ديناراً من العين، فضلاً عمّا تلاعبته الأيدي بما تحويه الخزائن من النفائس النادرة والأحجار القيّمة.

وقد قلّده الجند في أساليب الدعة حتّى أضاع قيمته، وأصبح ضعيف النفس، منخوب القلب، بلغ الضعف به درجة أنّه عجز مع كامل عدّته وعديده عن صدّ حملة عدّة ضئيلة من قرامطة هدّدوا بغداد من ناحية الأنبار، ولو لم يبادروا لهدم قنطرة زبارا على نهر عيسى للحيلولة دون عبورهم لأصبحت العاصمة عرضة لخطر ويلات وثبور.

والقرامطة يحصدون بالسيف رقاب الوافدين أثناء سيرهم إلى الحج، وفي نفس الحرم والكعبة ارتكبوا من فضائع القتل والنهب والاستهانة بقدسية البيت ما بلغ صداه عالم الأكوان(2) ؛ فأبانت هذه الحوادث عن مدى ضعف الدولة، وعن أقصى مراتب عجزها؛ وذلك لدوران محور سياستها على رأي النساء والحاشية خدم دار الخلافة، فكان أن تمزّقت وحدة الإمبراطورية الشاسعة المترامية

____________________

= ألف ألف وخمسمئة ألف آدمي، وقُتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمئة ألف (من تاريخ الخلفاء - للسيوطي / 243 ط القاهرة).

(1) انظر تجارب الأمم - لابن مسكوية 5 / 238 - 239، وذلك عام 320 هـ.

(2) راجع بشأن هذه الحادثة المروعة تاريخ الخلفاء - للسيوطي / 376.

٨٦

الأطراف(1) ، ولم يقتصر الحال على ذلك بل حتّى أصبح شخص الخليفة وعاصمته محكومين لأمير الأمراء الذي اتخذ قاعدة حكمه في مقابل دار الخلافة في دار المملكة.

كان الإسلام منذ رفع مناره وأخذ بالتوسّع والفتوح على عهد الراشدين والأمويِّين والعباسيِّين شامخ الذرى، منيع الجانب عزيزاً... يجيب الرشيد قيصر على ظهر كتابه: الجواب ما تراه(2) .

وعندما طرق سمع المعتصم تهكّم العلج على المتأوّهة بنا معتصماه في حصن عمورية، فيخرج لفوره دون أيّ توان على رأس حملة بينها سبعون ألف فارس على خيل بلق، ويدك دكاً بسنابكها برّ الأناضول، ويهدّد منيع أركان حصن عمورية لإغاثتها(3) .

والواثق يعمل السيف في سكّان الجزيرة وأحيائها، وينقل أسراهم

____________________

(1) جاء في تجارب الأمم - لابن مسكوية 5 / 366 ط مصر: فصارت الدنيا في أيدي المتغلّبين، وصاروا ملوك طوائف، وكل مَنْ حصل في يده بلد ملكه، ومُنح ماله؛ فواسط والبصرة والأهواز بأيدي البريديين، وفارس في يد علي بن بويه، وكرمان في يد أبي علي بن أياس، وأصفهان والري والجبل في يد أبي علي الحسن بن بويه، وبدر شمكير يتنازعوها بينهما.

والموصل وديار ربيعة وديار بكر في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد محمّد بن طغج، والمغرب وأفريقية في يد أبي تميم، والأندلس في يد الاُموي، وخراسان في يد نصر بن أحمد، واليمامة والبحرين وهجر في يد أبي طاهر بن أبي سعيد الجنابي، وطبرستان وجرجان في يد الديلم، ولم يبقَ في يد السلطان وابن رائق (أمير الأمراء) غير السواد والعراق.

وجاء في ص 237 منه... وانخرقت الهيبة وضعف أمر الخلافة.

(2) راجع مآثر الأنافة - للقلقشندي 1 / 196، وفي صبح الأعشى 5 / 399، راجع أيضاً تأريخ الخلفاء - للسيوطي / 191.

(3) راجع المصدر نفسه السابقة 1 / 211، و3 / 267.

٨٧

إلى عاصمته سامراء، بينما استحال على أيّ فاتح وطئ أدنى حدود الجزيرة فضلاً عن التوغّل في متاهاتها منذ أقدم عصور التاريخ؛ فبسقوط عظمة الدولة العباسيّة وتمزّق أمبراطوريتها قُضي على حياة عزّ الإسلام أبدياً.

وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أبي داود في كتاب السنن(1) : «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش»، ختم بقطع النيابة الخاصة بالسفير الرابع علي بن محمّد السمري عن الإمام الثاني عشر المهدي محمّد بن الحسن العسكري (عليه السّلام)(2) .

____________________

(1) سنن أبي داود / ك 35 ج 1، وقد أخرج هذا الحديث كلّ من البخاري / ك 35 ب 51، وصحيح مسلم / ك 33 ج 5 - 10، الترمذي / ك 21 ب 46، مسند ابن حنبل / ك ص 298 - 406 خامس ص 86 و ص 87 و ص 88.

(2) إنّ السفراء الأربعة للإمام المهدي (صلوات الله عليه) في زمن الغيبة الصغرى (... - 334 هـ) أوّلهم نصّبه الإمامان الهادي والعسكري (عليهما السّلام)، وهو الشيخ الموثّق أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (السمّان).

قال عنه الإمام الحادي عشر الحسن العسكري (عليه السّلام) في جوابه لأحد يسأل عمّن يمتثلون لأوامره في حالة غيابهم عنه، يجيبهم: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي، وثقتي في الحياة والممات، فما قاله فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه». (الغيبة - للشيخ الطوسي / 229. ط تبريز، البحار 51 / 344)، وتوفي ببغداد، وموضع قبره بالجانب الغربي من مدينة السّلام في شارع الميدان بدرب جبلة.

فلمّا مضى عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان بنصّ أبيه عليه بأمر القائم (عليه السّلام)، وكان كأبيه ثقة وأمانة، وكانت وفاته سنة 305 هـ (الكامل - لابن الأثير 8 / 41)، وقبره في شارع باب الكوفة من مدينة السّلام (الغيبة / 228)، وأوصى من بعده لأبي القاسم الحسين بن روح (قدّ سرّه)، وكان لأبي القاسم مقام عظيم عند الشيعة والسنة على السواء؛ لفضله وعلمه، وله أنصار في بلاط المقتدر، وله مكانة عظيمة عند الخليفة المقتدر، وعند السيدة اُمّ المقتدر. (البحار 51 / 356).

وقد جرت بينه وبين الوزير حامد بن =

٨٨

كان هذا النهر لِما يحاذي صحراء الجزيرة عرضة لمشاغبة خوارج العرب والقرامطة، ومسرحاً لحركاتهم العسكرية مع الدولة، فضلاً عمّا أصابه من الإهمال؛ فعلى أثر نضوب المال، وعدم كفايته لسدّ عوز أرزاق الجند أخذ الأمراء يحيلونهم على استغلال الضياع.

يقول ابن الأثير في الكامل: إنّ الذي أخذوه ازداد خراباً فردّوه، وطلبوا العوض فعوّضوا، وترك الأجناد الاهتمام بمشارب القرى وتسوية طرقها فهلكت، وبطل الكثير منها فقط على ما يرويه أحمد بن سهل في صور الأقاليم(1) كما هو مبيّن ممّا اُصبن من عبث الكوارث المبيرة ولم يصبه العطب.

____________________

= العباس خطوب، وقبض عليه وسُجن خمسة أعوام، وأُطلق لمّا خلع المقتدر من السجن (ذيل تجارب الأمم 5 / 299، نقلاً عن تاريخ الإسلام - للذهبي، وفي صلة عريب / 141 ط ليدن).

وقد توفي سنة 329 هـ، وموضع قبره في النوبختية النافذ إلى التل وإلى درب الآجر وإلى قنطرة الشوك. (الغيبة / 252).

ووصّى من بعده إلى السفير الرابع علي بن محمّد السمري، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكّل بعده، ولمَنْ يقوم مقامه، فقال: لله أمر هو بالغه. فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضي السمري.

وكانت وفاته سنة 329 هـ، وقبره في شارع البلخي من ربع باب المحول، قريب من شاطئ نهر أبي عتاب (الغيبة / 358).

وللعلاّمة المؤلف تعقيب على مواضع قبور السفراء الأربعة وجدناه على جلد كتاب الغيبة، ما نصه: فقبور هؤلاء السادة (سلام الله عليهم) اليوم في الصحراء من غرب دجلة تقريباً، على أوّل المعلومة، وعلى يد مَنْ، وفي أيّ تاريخ كان ذلك على فرض تقدير قيمة لمحال قبورهم المعلومة اليوم.

بينما يذكر المؤلف (ص 239) - ويعني بذلك الشيخ الطوسي - الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه، وهو الآن في وسط الصحراء لسنة سبع وأربعين وأربعمئة في أواسط عمر الدولة العباسيّة، فضلاً عمّا دهى بغداد من الدمار والخراب على يد التتر. (عادل)

(1) ص 52 وجه، (مخطوط في مكتبة المؤلف).

٨٩

المنطقة(*) فيما بين بغداد والكوفة، الجزيرة بين الرافدين.

وبقيت محافظة على عمرانها إلى القرن السادس على غرار وصف أبي زيد البلخي بأنّه سواد مشبك، وشهود ابن جبير له كما أورده في رحلته إلى المشرق، حتّى دمرّتها عواصف حملة التتر سنة ستة وخمسين وستمئة.

فبطبيعة الحال لتوالي الفتن والمحن، وتخلّي القرى الآهلة من قاطنيها على حافتي هذا النهر والفروع المتشعبة منه، أنّ العناية بهذا النهر، وتفقده(**) ما كان ينتابه من عوارض متتالية حتّى أصبح العامر من ضياعه في حكم الموات كما أعرب عن وصفه الوصّاف بعد قرنين في (تاريخ الحضرة).

ولمّا كان العلقمي يروي كربلاء، وساكنيه وجوه الأشراف من العلويِّين والمنقطعين في جوار الحسين (عليه السّلام)، ولم تبقَ وسيلة للاهتمام بشأنه غير تبرّع أهل الفضل بالبذل، ولا بدّ من أنّ بني بويه في القرن الرابع لتشيّعهم وعنايتهم بشؤون المشاهد المشرفة كانوا السبب الوحيد لبقاء حياة هذا النهر حتّى منتصف القرن الخامس؛ إذ إنّ الإمام ابن الجوزي يحدّثنا في (المنتظم)(1) ، في حوادث سنة 451 فيقول: خرج البساسيري إلى زيارة المشهد بالكوفة على أن ينحدر من هناك إلى واسط، واستصحب معه غلّ في زورق العمال في حفر النهر المعروف بالعلقمي، ويجريه إلى المشهد بالحائر وفاء بنذر كان عليه.

ويقول مؤلف تاريخ آل سلجوق في حوادث سنة 479 هـ: وصل عماد الدولة سرهنك ساوتكين إلى واسط، ومنها إلى النيل في شهر رمضان، وزار المشهدين الشريفين، وأطلق بهما للأشراف مالاً جزيلاً، وأسقط

____________________

(*) هكذا ابتدأت الصفحة بهذه العبارة المربكة والتي تنبئ عن وجود حلقة مفقودة بينها وبين ما سبقها وبين ما تلاها؛ لذا اضطررنا إلى تركها على حالها، ونكتفي بمجرد الإشارة إليها.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

(**) لا يخفى السقط المخل في ابتداء هذه العبارة؛ بل حتّى في ما يليها.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

(1) ج 8 / 202.

٩٠

خفارة الحاج، وحفر العلقمي وكان خراباً من دهر، وقدم بغداد(1) .

ويحدّثنا السيد الطقطقي في الآداب السلطانية ص 301، عند ذكر مؤيد الدين ابن العلقمي وزير الخليفة المصتعصم بالله: وقيل لجدّه: العلقمي؛ لأنّه حفر النهر المسمّى بالعلقمي، وهو النهر الذي برز الأمر الشريف السلطاني لحفره، وسمّي الغازاني؛ فعليه قاوم العلقمي كوارث الأعفاء والدروس حتّى آخر القرن السابع، ثمّ أصبح أثراً بعد عين.

وفي خبر كان يحدّثنا العلاّمة الحسن بن يوسف في الخلاصة ص 58 عند ذكر عبد الغفار يقول: (هو من أهل الجازية(2) ، قرية من قرى النهرين). وقفت بنفسي على دارس رسوم هذه القرية قبيل الحرب العالمية لسنة 1914 م، وموقعه يقع في الشمال الشرقي من مدينة كربلاء على آخر حدود ضيعة الوند.

يشاهد بظهر طلولها خزف، وبعض زجاج مبعثر، وفيما يليه آثار حصن على التقريب ينوف أبعاد أعلامه المئة متر في مثله منسوب لبني أسد، وبلغني أنّ آجر هذا الحصن ذراع بغدادي مربع، وبين طلول الجازية والحصن أثر مجرى نهر دارس، لم أبحث هل هو نفس العلقمي أو أحد شعبه.

ويخال لي أنّ [الكارثة] التي وقعت لقاضي القضاة على ما بسطه التنوخي في الفرج بعد الشدّة، كانت بجوار هذا الحصن.

يقول أبو السائب: فلمّا انصرفت من الزيارة اُريد قصر ابن هبيرة قيل: إنّ الأرض مسبعة، واُشير عليّ أن ألحق قرية فيها حصن سمّيت لي كي آوي إليها قبل المساء، وكنت ماشياً فأسرعت، وأتعبت نفسي إلى أن لحقت القرية، فوجدت باب

____________________

(1) ص 71.

(2) ورد في مقاتل الطالبيِّين ط القاهرة / 542: مضى أبو السرايا نحو القصر، فلمّا صار بالرحب صار هرثمة إليه، فلحقه هناك، فقاتله قتالاً شديداً؛ فهُزم أبو السرايا وقُتل أخوه. ومضى لوجهه حتّى نزل (الجازية)، وأتبعه هرثمة، واجتمع رأيه على سدّ الفرات عليه ومنعهم الماء، وصبّه في الأجان والمفايض التي في شرق الكوفة، وانقطع الماء من الفرات.

٩١

الحصن مغلقاً، فدفعته فلم يفتح لي، وتوسلت للقائمين بحراسته بمَنْ قصدت زيارته، فقالوا: قد أتانا منذ أيام مَنْ ذكر مثل ما تذكر، فأدخلناه وآويناه فكان عيناً علينا لللصوص، وفتح الباب ليلاً وأدخلهم فسلبونا، ولكن الحق بذلك المسجد وكن فيه؛ لئلاّ تُمسي فيأتيك السبع.

فصرت إلى المسجد، فدخلت بيتاً كان فيه، فلم يكن بأسرع من أن جاء رجل على حمار منصرفاً من الحائر فدخل المسجد، وشدّ حماره في حلق الباب، ودخل إليّ ومعه كرز فيه خرج، فأخرج سراجاً فأصلحه، وقدحاً فأوقدها، وأخرج خبزه وأخرجت خبزي واجتمعنا على الأكل، فلم نشعر إلاّ والسبع قد دخل في المسجد، فلمّا رآه الحمار دخل إلى البيت الذي كان فيه، فدخل السبع وراءه، فخرج الحمار وجذب باب البيت بالرسن فأغلقه علينا وعلى السبع، وصرنا محبوسين فيه.

وقدّرنا أنّ السبع لا يفترسنا بسبب السراج، وأنّه إذا انطفأ أخذنا وأكلنا، وما طال الأمر أن فني ما كان في السراج من الدهن وطفئ، وصرنا في الظلمة والسبع معنا، فما كان عندنا من حاله شيء إلاّ إذا تنفس فكنا نسمع نفسه، وراث الحمار من فزعه فملأ المسجد روثاً.

مضى الليل ونحن على حالنا، وقد كدنا أن نتلف فزعاً، ثمّ سمعنا صوت الآذان من داخل الحصن، وجاء المؤذن ودخل المسجد، فلمّا رأى ما فعله الحمار لعن وشتم وحلّ رسن الحمار، فمرّ يطير في الصحراء، وفتح المؤذن باب البيت لينظر مَنْ فيه، فوثب السبع إليه فدقّه وحمله إلى الأجمة، وقمنا نحن وانصرفنا سالمين.

وقاضي القضاة أبو السائب هذا هو عتبة بن عبيد الله بن موسى بن عبيد الله الهمداني، كان أبوه تاجراً يؤم بمسجد همدان، فاشتغل هو بالعلم، وغلب عليه في الابتداء التصوّف والزهد، وسافر فلقي الجُنيد والعلماء، وعني بفهم القرآن، وكتب الحديث وتفقّه للشافعي، ثمّ دخل مراغة واتصل بأبي القاسم بن أبي الساج، وتولّى قضاء مراغة، ثمّ تقلد قضاء آذربايجان كلّها، ثمّ تقلد قضاء همدان، ثمّ سكن بغداد واتصل بالدولة، وعظم شأنه إلى أن ولي قضاء القضاة بالعراق سنة 338 هـ على عهد

٩٢

معزّ الدولة أحد ملوك الديلم، وتوفي سنة 355 هـ في بغداد، وله ستة وثمانون سنة، وهو أوّل مَنْ ولي قضاء القضاة في العراق من الشافعيّة(1) .

نهر نينوى

نهر نينوى كان يتفرّع من عمود الفرات ما يقارب الحصاصة وعقر بابل، وموقعه اليوم - على التقريب - بين شمال سدّة الهندية وجنوب قضاء المسيّب من نهر سورى، ثمّ يشقّ ضيعة اُمّ العروق، ويجري جنوب كرود أبو حنطة (أبو صمانة)، وتقاطع مجراه باقياً ليومنا هذا، ويُعرف بـ (عرقوب نينوى).

ومن المحتمل أنّ البابليِّين هم الذين حفروا نهر نينوى مع تشكيل قرية نينوى باسم عاصمة الآشوريين في أدوار حضارتهم، ولعدم ورود ذكر هذا النهر حتّى عرضاً يخال لي توغّل دثوره في مستهل أيام الشغب.

النهر الغازاني

غازان خان هو من آل جنكيز، والخامس من ملوك التتر الذين حكموا العراق بعد أن أسقطوا الخلافة العباسيّة.

قطع عليه الأمير نوروز عهداً - أحد الأمراء الكبار ووالي إقليم خراسان - قبيل تسنّمه العرش بأن يشدّ أزره ويعضده لارتقاء سدّة الخلافة، ولكن بشرط أن يعتنق الدين الإسلامي، فأعلن غازان اعتناقه للدين الإسلامي بعد أن تمهّد له الأمر مع مَنْ اتبعوه من المغول لسنة أربع وتسعين وستمئة للهجرة، وعلى أثر (رؤياه) بعد إسلامه الذي آخا

____________________

(1) نقلاً عن تاريخ الإسلام - للذهبي.

٩٣

النبي (صلّى الله عليه وآله) بينه وبين ابن عمّه علي (عليه السّلام) أخذ يعطف على العلويِّين ويتفقّدهم، ويبالغ في إكرامهم، وأمر لهم في كافة أنحاء المملكة ببناء دور لإيوائهم على غرار أربطة المجاهدين وخانقاه الصوفية، أطلق عليها اسم (دار السيادة) فضلاً عمّا أبداه من الاهتمام بشؤون المشاهد المشرّفة وتعاهد زيارتها.

يقول مؤلّف (الحوادث الجامعة)(1) : في سنة ثمان وتسعون وستمئة توجه السلطان غازان إلى الحلّة، وقصد زيارة المشاهد الشريفة، وأمر للعلويين والمقيمين بمال كثير، ثمّ أمر بحفر نهر من أعلى الحلّة، فحفر وسمّي الغازاني، وتولّى ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي وغرس الدولة.

ويقول مؤلّف (تاريخ المغول)(2) في الوصاف: اهتزّ اللواء الملكي المؤيد بالنصر يوم الخميس، وانتهز اجتياز طفّ الفرات على الطريق الذي هو من مستحدثات أيام الدولة الغازانية.

وضياعه الموات فيما مضى كان يطلق عليه بالعلقمي؛ ولاستحداثه وجريان الفرات فيه لنضارة خضرته (طغى نطاق الفكر في التقدير، جرى الوادي فطم على القرى)(*) ، وحاز اللواء الملكي زيارة حائر الحسين المقدّس، ثمّ اتجه على طريق الفرات إلى الأنبار وهيت.

اجتاح ملوك المغول الوثنيون (أسلاف غازان) العراق فحلّوا بها الخراب والدمار، وأحالوا نضارة مروجها الخضراء إلى فيافي قاحلة جرداء، وأخليت معالمها من المتعاهدين الذين أبادتهم بربرية المغول، وأصبح العمران أثراً بعد عين، وتُركت منظومة الري، واُهملت المجاري لعدم وجود مَنْ يبذل الجهود ويهمّه استمرار بقائها لإرواء المدن العطشى، وعلى الأخص لمثل نهر العلقمي لطول مجراه؛ لذلك أمر غازان بتجديد نهر

____________________

(1) الحوادث الجامعة - لابن الفوطي / 497.

(2) تاريخ وصاف الحضرة - لعبد الله بن فضل الله / 401.

(*) هكذا وردت هذه العبارة التي اضطررنا إلى وضعها بين قوسين، وهي بيّنة الإرباك.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

٩٤

العلقمي، وتقريب مأخذه من الفرات، فتبروا أعالي مجرى النهر وأوصلوا القسم الآخر بالنهر الذي حفره غازان من فرات الحلّة، ولم يستسيغوا بقاء اسم العلقمي على هذا النهر، لا سيما وقد طرأ عليه الكثير من التغيير والتبديل؛ فأطلقوا عليه اسم (الغازاني)؛ تخليداً لذكرى حافره غازان(1) .

وكان العمود المنحصر بالفرع للفرات على أثر اضمحلال الفروع التي كانت تأخذ منه وتصب في دجلة، كنهر عيسى، وفوهته من الصقلا، وبه تقريباً مع نهر السراط الذي كان يتفرّع منه، فبعد أن كانا يرويان دار السلام أو مدينة المنصور والأراضي المحيطة بهما يصبان في دجلة داخل بغداد.

ثمّ نهر صرر ينصب إزاء المدائن، ونهر الملك ويصب فيما بين النعمانية والمدائن، ثمّ نهر سورى الذي انحصر به المجرى وأصبح المندفع الأعظم لمائه، وكان موقع جسره نفس قضاء المسيّب الحالي.

وفي الشرقي منه على بعد ميلين كان موقع قصر ابن هبيرة - على ما رواه ابن واضح في البلدان(2) - على فرع يأخذ مائه من الفرات سمّي بنهر النيل أو صراط، وآثار هذا القصر باقية إلى يومنا هذا في الجزيرة، في نفس القضاء بمقربة من ضريح ابن القاسم، يطلق عليه بتل هبيرة.

ويتفرّع من نهر سورى أو شط الحلّة، نهر النيل الذي حفره

____________________

(1) قد أسدى المغول - على اختلاف طوائفهم - خدمات عظيمة للمشاهد المشرفة كما تقدم، ويجدر بنا في هذا المقام أن نذكر ما قام به تيمور منهم من مساعي حميدة؛ فقد أورد في (تزوكه / 115 ط لندن) الذي كتبه بيده ما ترجمته: إنّ أوّل ما أوقفت على روضة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب محال الحلّة والنجف، وللروضة المنوّرة الحسينيّة، وسائر المشايخ والأكابر من رؤساء الدين الذين هم ببغداد، كلّ على قدر مرتبته محال كربلاء وبغداد، وللروضة الجوادية والكاظمية، وروضة سلمان الفارسي المحال من مزارع والجزائر الواردة من المدائن. (عادل)

(2) ص 72 من ط النجف.

٩٥

الحجاج بن يوسف الثقفي أبان عهد الدولة الاُمويّة، وفوهته اليوم تقريباً تحاذي موقع الحجمة من شط الحلّة. وكان نهري سورى والنيل يحدثان عند افتراق مجراهما واتصالهما شبه جزيرة بيضوية الشكل، ثمّ يصبّان في بطائح أو أهوار الكوفة.

ولم يزل عمود الفرات على جريانه صوب شط الحلّة حتّى بعد الألف ومئتين وثمانية الهجرية؛ إذ حفر نهر الهندية بتبرّع المتغمد بالرحمة آصف الدولة، ملك أود الهندي، بقصد إرواء ساحة الغري الأقدس، وقد صادف الماء مستوى أخفض من مجراه الطبيعي(1) ،

____________________

(1) راجع حول نهر الهندية مسير طالبي - لأبي طالب الأصفهاني، وتحفة العالم - لمير عبد اللطيف الشوشتري / 32 ط الهند، وراجع (ماضي النجف وحاضرها - للشيخ جعفر محبوبة / 131).

ولم تكن هذه أولى المحاولات لجلب الماء إلى الغري الأقدس، فقد سبقتها محاولات كثيرة، فكان ممّن حظي بشرف ذلك ملكشاه السلجوقي عند زيارته للمشاهد المقدّسة سنة 479 هـ، إذ أمر باستخراج نهر من الفرات يطرح الماء إلى النجف فبدأ فيه. (المنتظم 9 / 29).

كذلك ولده سنجر أراد القيام بنفس العمل ولكنّه لم يوفّق إلى ذلك كما جاء في كامل ابن الأثير، حتّى إن وفّق الحظ الصاحب عطا ملك بن محمّد الجويني صاحب ديوان الدولة الإيلخانية، وأجرى الماء إليها سنة ستة وسبعين وستمئة. (فرحة الغري / 60).

وعند زيارة الشاه إسماعيل الأوّل الصفوي للنجف سنة 914 لم يغفل من تجديد وكري النهر الذي كان مشرفاً على الاضمحلال، وقد كلّفه ذلك حوالي 200000 تومان - من نقود تلك الأيام - وأطلق عليه اسم (النهر الشريف). (فارسنامه ناصري 1 / 13).

وفي سنة 1022 هـ جدّد وعمّر مجرى النهر (الشريف) الشاه عباس الأوّل الصفوي، وكان يروم إلى حفر قنوات تحت الأرض من مسجد الكوفة إلى النجف، ثمّ يوصلها إلى بحر النجف، وكان ذلك سنة 1033 هـ. (فارسنامه ناصرى 1 / 141).

وفي سنة 1041 هـ بسعي =

٩٦

فعندها غيّر مجراه إلى هذا المستوى المنخفض حتّى كاد أن يقضي أبدياً على فرات الحلّة لولا تدارك وعناية المغفور له السلطان عبد الحميد الثاني العثماني؛ إذ كلّف شركة جاكسن الإنكليزية بتدارك ذلك فشيّدت الشركة المذكورة السدّة القائمة اليوم، وكان قد عجز قبل ذلك ولاة بغداد - وكبّدهم الكثير من الخسائر - من تشييد السدود لنفس الغاية؛ فعلى أثر تشييد السدّة الموجودة اليوم ارتوت أراضي الحلّة وكربلاء، واستمر بها جري الماء طول أيام السنة.

النهر السليماني (الحسينيّة)

حتّى ورد العراق سليمان القانوني العثماني فاتحاً إبّان حكم الشاه طهماسب الصفوي الأوّل سنة إحدى وأربعين وتسعمئة.

قال نظمي زادة في (كلشن خلفاء)(1) : في 28 جمادي الأوّل سنة 941 هـ قصد الملك المحمود الصفات لزيارة العتبات العاليات، واتجه نحو كربلاء والنجف، وزار مرقد سيد الشهداء المنوّر، ونال قصب سبق مرامه،

____________________

= الشاه صفي الصفوي شقّ نهراً من فرات الحلّة إلى مسجد الكوفة، وأمرره قرب قصر الخورنق، ثمّ أوصل الماء إلى بحر النجف؛ ولغرض خزن مياه هذا النهر شيّد خزان كبير في وسط البحر، ثمّ بواسطة قناة تحت الأرض أوصلوا الماء إلى داخل سور النجف. (روضة الصفاى ناصرى المجلد الثامن).

وقد أرّخ هذا العمل المجيد بعض شعراء الفرس بقصيدة مطلعها:

شاه اقبال قرين خسرودين شاه صفي

انكه خاك قد مش زبور أفسر امد

(عادل)

فارس نامه ناصري 1 / 145.

(1) باللغة التركية، مخطوطة في مكتبة المؤلّف (ص 97 وجه)، وقد ترجم المؤلّف هذا النص من التركية.

٩٧

وأمر بحفر نهر كبير من عمود الفرات لإرواء ساحة كربلاء، فأصبحت نمونة من سلسبيل الفردوس الأعلى، ووهب مجموع حاصلات ضياعه للمجاورين والخَدَمة الساكنين.

كان على مرّ العواصف تملأ النهر من ما تراكم في قعره من الصخور يزاحم تطهيره السادات الكرام(*) ، ويكبّدهم زحمات كثيرة، وعلى أثر جريه أحاطت بالحرم - الذي الملائكة أمناؤه - حدائق وبساتين حتّى حاكى الجنان، وأجلى عن قلوب ساكنيه التكليف؛ لِما اجتمع لهم من أسباب الراحة ورغد العيش.

على أثر تحقيق أرباب التاريخ في الماضي، [فإنّ] بعض المهندسين البارزين، [وبحسب] أقيستهم(1) الهندسية، [قد أظهر] انخفاض مستوى الفرات وارتفاع قصبة كربلاء، وكان من المستحيل جريان الماء فيه؛ فمن كرامة الإمام ويمن إقبال الملك العالي المقام جرى الماء بسهولة، ممّا سبب إقحام المهندسين واستوجب تحسين الملأ الأعلى.

أُطلق على هذا النهر حسب منطوق الوثائق القديمة لبعض الحدائق

____________________

(1) وقد جاء في أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث - تأليف لونكريك، وترجمة الأستاذ جعفر الخياط / 24 - عن زيارة سليمان القانوني لكربلاء ما يلي:

كانت عنايته الثانية أن يزور العتبات المقدّسة في الفرات الأوسط، وأن يفعل هناك أكثر ممّا فعله الزائر الصفوي في العهد الأخير، فوجد كربلاء المقدّسة حائرة في حائرها بين المحل والطغيان؛ إذ كان الفرات الفائض في الربيع يغمر الوهاد التي حول البلدة بأجمعها من دون أن تسلم منه العتبات نفسها.

وعند هبوط النهر كانت عشرات الاُلوف من الزوار يعتمدون على الري من آبار قذرة شحيحة لرفع مستوى (روف السليمانية)، وهي سدّة لا تزال نافعة لوقاية البلدة من الفيضان، ثمّ وسع الترعة المعروفة بالحسينيّة، وزاد في عمقها لكي تأتي بالماء باستمرار الخالية المغبرة حولها بساتين وحقول قمح.

وصارت هذه الترعة تنساب في أرض كان الجميع يظنونها أعلى من النهر الأصلي، فاستبشر الجميع للمعجزة، واقتسم الحسين الشهيد والسلطان التركي جميع الثناء والإعجاب.

(*) ما في العبارة من تخبط يغني القارئ اللبيب عن الإشارة إليه.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

٩٨

بالنهر (الشريف السليماني).

وفي سنة 1217 هـ عندما أراد أن يقيس أبو طالب في رحلته (مسير طالبي)(1) عرض شط الهندية، قال: هو على غرار نهر الحسينيّة، الاسم الذي يُعرف به اليوم مع ما طرأ على عدوتيه من تغيير وتبديل، هو اليوم عين النهر الموجود يروي ضياع كربلاء وبساتين ضواحيها باسم نهر الحسينيّة.

كان منفذه الرئيس ينتهي إلى هور السليمانية الواقع في القسم الشرقي من البلاد على مسافة بضع أميال، والفرع الذي اختص لإرواء السكنة والمجاورين كان يطوّق المدينة من ثلاث جهات؛ حيث الشمال والغرب ثمّ ينعطف نحو الجنوب ويتجه شرقاً حتّى يصل إلى منفذه الرئيس في هور السليمانية.

أنفق السيد كاظم الرشتي من فضله مصرف تجديد إنشاء المسجد الواقع في القسم الشرقي من الصحن الحسيني، وبتبرّع زوجة محمّد شاه القاجاري ملك إيران أنفذ (نهر الرشتية) إلى الرزازة وبطيحة، أو هور أبو دبس.

ولتبرّع أحد المحسنين من رجال حاشية الشاه عباس الأوّل الصفوي إبّان احتلال الدولة الصفوية للعراق (1033 - 1042 هـ) جدّد صدراً لهذا النهر.

____________________

(1) كتاب مسير طالبي هو من تأليف أبو طالب بن محمّد الأصفهاني، دوّن فيه مشاهداته وملاحظاته عن البلدان التي مرّ بها في رحلته؛ فقد بدأ رحلته من الهند وسافر إلى انكلترا ومنها إلى فرنسا، ثمّ عبر البحر الأبيض قاصداً إسلامبول، ومن إسلامبول شدّ رحاله إلى بغداد عن طريق برّ الأناضول، ومنها إلى سامراء ثمّ إلى كربلاء.

ثمّ سافر إلى الغري عن طريق الحلّة، ثمّ عاد بعد ذلك مقفلاً إلى بغداد، ثمّ رحل منها إلى البصرة، ومنها إلى بومبي، وفي بومبي لاقى السيد عبد اللطيف الشوشتري قريب المرحوم السيد نعمة الله الجزائري صاحب كتاب (تحفة العالم)، ثمّ ختم رحلته بعودته إلى كلكته.

٩٩

وقد قام حسن باشا والي بغداد(1) لسنة 1329 هـ على الخلل الذي طرأ على مجرى هذا النهر فحفر له صدراً آخر.

ويوجد اليوم في شمال قضاء المسيّب جانب البو حمدان في ضيعة هور حسين ترعة يُطلق عليها بصدر الحسينيّة العتيق، وكان لها قنطرة قائمة متينة على محاذاة خان الوقف الذي هُدم حديثاً؛ لغرض فتح الشارع المقابل للجسر الثابت الذي أنشأ لربط جانبي القضاء.

قد يكون هذا الصدر أحد تينك الصدرين اللذين مرّ ذكرهما، وعلى ما أتخطر هُدمت القنطرة السالفة الذكر؛ لاستعمال أنقاضها في بناء الناظم الذي أُقيم على صدر الحسينيّة، القائم ليومنا هذا، أي في سنة 1324 هـ.

وعلى أثر التغيير الذي طرأ على مجرى عمود الفرات بأحداث الهندية بأمر آصف الدولة الهندي(2) أُشكل علينا معرفة الفوهة الأصلية لنهر الحسينيّة، وكذلك موقعه الذي اختير له من الفرات عند حفره بأمر سليمان القانوني سنة 941 هـ، ومن المحتمل أن تكون فوهته بمقربة من مأخذ وفوهة نهر نينوى القديم على التقريب.

____________________

(1) كلشن خلفاء خط / 241 وجه.

(2) جاء في تحفة العالم - لمير عبد اللطيف الشوشتري. ط الهند / 348 عن آصف الدولة ما ترجمته: آصف الدولة بهادر يحيى خان من أحفاد سعادت مندخان برهان الملك الذي هو من أعاظم أمراء محمّد شاهي. وفي التاريخ النادري مجمل من أحواله مسطور فيه.

كان من أعاظم نيشابور، وآصف الدولة سواء في الرئاسة، أو ضبط المملكة وتنسيق الأمور لم يكن كما ينبغي، ولكنّه كان حاتم زمانه في السخاء والكرم الفطري، وكان قد بنى رباطاً كبيراً لجهة الزائرين وسكنة العتبات العاليات، وكان دائماً غاصاً بعدد كبير من الزائرين، وكان الزائرون من يوم ورودهم إلى هذا الخان حتّى خروجهم منه يصرف لهم مقداراً من المال كلّ على قدره ومرتبته.

ومن آثاره الخيرية هي جلبه الماء إلى أرض الغري الذي كان أُمنية السلاطين العظام، وقد عجزوا عن إقحامه... وقد شيّد قرب داره في الهند مسجداً وداراً لإقامة مجالس التعزية الحسينيّة فيها، وقد كلّفه ذلك الأموال الجزيلة، وقد توفي سنة 1310 هـ برواية الشيخ عبد العزيز الجواهري في كتابه آثار الشيعة الإمامية جـ 4. (عادل)

١٠٠