كربلاء الثورة والمأساة

كربلاء الثورة والمأساة0%

كربلاء الثورة والمأساة مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 346

كربلاء الثورة والمأساة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد حسين يعقوب
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 346
المشاهدات: 22984
تحميل: 5068

توضيحات:

كربلاء الثورة والمأساة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 346 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22984 / تحميل: 5068
الحجم الحجم الحجم
كربلاء الثورة والمأساة

كربلاء الثورة والمأساة

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الباب الثالث

بواعث رحلة الشهادة ومحطّاتها الاُولى

الفصل الأوّل: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعيّة

الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين

الفصل الثالث: الإمام الحسينعليه‌السلام يشخّص أمراض الاُمّة المزمنة

الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسينعليه‌السلام للشهادة في سبيل الله

الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكّة إلى كربلاء

١٤١

١٤٢

الفصل الأوّل

التناقض الصارخ بين الواقع والشرعيّة

لمّا هلك معاوية آلت خلافته لابنه بحكم الكيد والمكر والوراثة. كان الخليفة الجديد على يقين بأن أخطر خصومه هو الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ؛ لذلك انصبَّ اهتمامه على أخذ البيعة من الحسينعليه‌السلام .

وكان أول مراسيمه الملكية أن كتب كتاباً إلى واليه على المدينة جاء فيه: « خذ البيعة على أهل المدينة عامة، وخاصة على الحسين، فإن أبى عليك فاضرب عنقه ».

وجاء في تاريخ الطبري: « أما بعد، فخذ حسيناً، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا. والسّلام »(2) . فالخليفة الجديد مصمم على أخذ البيعة من الحسينعليه‌السلام ، ومصمم على قتل الحسين إن أبى بيعته.

ولما شعر يزيد بن معاوية أن الحسين ممتنع عن البيعة صمم نهائياً على قتل الإمام الحسينعليه‌السلام أشنع قتلة؛ ليجعله عبرة لغيره، وليتخلص نهائياً من وجوده ومن خطره المحتمل على الملك الاُموي. وحجته العلنية ووسيلته إلى ذلك منحصرة بامتناع الحسين عن البيعة.

تواصل لتاريخ أسود

ليس جديداً إصرار يزيد بن معاوية على تجاهل حق أهل بيت النبوةعليهم‌السلام ، وعلى إرغام أنف الحسينعليه‌السلام وأخذ البيعة منه راغماً أو قتله أشنع قتلة؛ فهذا الموقف الاعتباطي الأرعن امتداد لموقف أبيه وعمّه وجده، والبطن الأموي وبطون قريش الـ 23 التي تشكّل بمجموعها حلقات تاريخيّة متّصلة، وأدواراً متّفقاً عليها تماماً.

فأبو سفيان ومعاوية يقودان جبهة الشرك 23 عاماً، ثمَّ ينخرطان في مؤامرة

____________________

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 10، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 180 - 185، ومثير الأحزان / 14 - 15، واللهوف / 9 - 10.

(2) راجع تاريخ الطبري 6 / 188 باب بيعة يزيد بن معاوية.

١٤٣

بطون قريش الـ 23 ويحصلان على ولاية الشام، ثمَّ يترك معاوية بهذه الولاية 20 عاماً، ثمَّ يستولي بالقوة على منصب الخلافة، ثمَّ يجعل الخلافة ملكاً، ويحصر هذا الملك في بيت أبي سفيان، ويكون ابنه يزيد بن معاوية أول ملك أموي يرث أباه.

ولا يترك معاوية الاُمور تجري على مسارها الطبيعي، بل يمهد لابنه ويعيّنه ولياً لعهده، وخليفة من بعده، ويأخذ بيعة الرعية، ويحاصر - وبغير رحمة - أهل بيت النبوة، أصحاب الحق الشرعيين بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فيوجب على الرعية لعنهم، ويحرم محبتهم، ويعتبر موالاتهم من جرائم الخيانة العظمى.

ثمَّ يتوّج معاوية سلسة أعماله « البطولية » بقتل الإمام الحسنعليه‌السلام عن طريق السم؛ ولمواجهة امتناع الحسينعليه‌السلام عن البيعة عهد معاوية بولاية العراق إلى عبيد الله بن زياد، واتفق على اُسلوب التعامل مع الحسين إن امتنع عن البيعة، وكلّف معاوية ابنه يزيد أن يرسل مسلم بن عقبة إلى أهل المدينة إن أثاروا عليه، واتفق معاوية على اُسلوب التعامل مع أهل المينة.

وبعد هذه الإنجازات الرائعة هلك معاوية، وجاء ابنه يزيد ليسير سيرة سلفه ووالده، وليحافظ على الملك الذي ورثه منه بالأساليب والأنماط نفسها التي استعملها أبوه من قبله؛ فأعمال يزيد بن معاوية سلسلة من حلقات متكاملة ومتّفق عليها بين الابن وأبيه؛ ومن هنا نعرف سر إصرار يزيد بن معاوية على أن يعطي الحسينعليه‌السلام بيعته أو يُقتل أشنع قتلة، والبيعة ما هي إلاّ ستار كقميص عثمان الذي استعمله أبوه.

لقد صالح الإمام الحسنعليه‌السلام معاوية بن أبي سفيان حقناً للدماء، وبقياً منه على مَن تبقّى من المؤمنين، فهل حال هذا الصلح دون إصرار معاوية على قتله؟ ولو بايع الإمام الحسينعليه‌السلام يزيد بن معاوية وصالحه وصفى له، فالبيعة والصلح لن يحولا دون قتل الحسين؛ لأن وجه الخلافة لن يصفو لمعاوية مع وجود الإمام الحسنعليه‌السلام ، ولن يصفو وجهها ليزيد مع وجود الإمام الحسينعليه‌السلام .

ثمَّ إنّ معاوية موتور، ويزيد موتور، فقتل الإمام الحسن والإمام الحسين « سيدي شباب أهل الجنة »(1) ، و « ريحانتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) راجع على سبيل المثال صحيح الترمذي 2 / 306 و 307، وصحيح ابن ماجة 3 / 167، والمستدرك على الصحيحين 4 / 139.

١٤٤

من هذه الاُمّة »(1) يحقق لمعاوية وابنه يزيد والبيت الاُموي مطلبين معاً:

أولهما: يصفى لهم وجه الخلافة.

وثانيهما: يشفي ما في صدورهم من غلِّ وحقد على آل محمّد.

ويؤكّد هذا أنه لمّا وُضع رأس الإمام الحسينعليه‌السلام بين يدي يزيد بن معاوية شعر أنه قد ثأر لشيوخه الذين قتلوا في بدر؛ لذلك تمثّل بأبيات من قصيدة ابن الزبعرى:ليت أشياخي ببدر شهدوا... (2) ، الشعور نفسه الذي راود والده معاوية عندما سمع بموت الحسنعليه‌السلام (3) .

كان الإمام الحسنعليه‌السلام آمناً مطمئناً يوم جاءته رسل الموت التي أرسلها معاوية لسمّه وقتله، وكان الإمام الحسينعليه‌السلام آمناً مطمئناً يوم أبلغه والي يزيد بن معاوية على المدينة بكتاب يزيد الذي يطلب منه فيه أخذ البيعة من الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويأمره بضرب عنقه إن أبى(4) . فيزيد بن معاوية يضع الإمام الحسينعليه‌السلام أمام خيارات محدودة وصعبة ومرّة، أحلاها أمرّ من العلقم.

كان الإمام الحسينعليه‌السلام على يقين بأن يزيد بن معاوية يخطّط لقتله عاجلاً أم آجلاً، بايع أو لم يبايع، ولكن يزيد يريد أن يستفيد من الحسين ما أمكن قبل الإقدام على قتله، تماماً كما فعل أبوه مع الإمام الحسنعليه‌السلام ؛ فمعاوية ويزيد والبيت الاُموي خاصة، والأكثريّة الساحقة من أبناء بطون قريش الـ 23 لا يدعون لأحد من أهل بيت النبوة إلاً ولا ذمّة؛ لأن الحقد أتلف أي مظهر من مظاهر الإنسانيّة لديهم. لقد نزع الله الرحمة من قلوبهم.

____________________

(1) راجع صحيح ابن ماجة 3 / 167، ومسند أحمد 3 / 62 و82، وصحيح الترمذي 2 / 306 وما بعد.

(2) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 241، ومقتل الحسين للخوارزمي 2 / 58، ومثير الأحزان / 80، ومقاتل الطالبيِّين لأبي الفرج الأصفهاني / 120، وتذكرة الخواصّ لابن الجوزي / 148، والأمالي لأبي علي القالي 1 / 142.

(3) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 / 144: إنّ معاوية لمّا أتاه خبر موت الحسن أظهر فرحاً وسروراً حتّى سجد وسجد مَن كان معه. وجاء في العقد الفريد لابن عبد ربه 2 / 298: لما بلغ معاوية موت الحسن خرّ ساجداً...

(4) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 10، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 180 - 185، ومثير الأحزان / 14 - 15، واللهوف / 9 - 10.

١٤٥

الإمام الحسينعليه‌السلام والخيارات المتاحة

خيار البيعة ليزيد

كان الإمام الحسينعليه‌السلام على يقين من ربّه بأن القيادة من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت حقاً خالصاً لأبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ فقد اختاره الله تعالى لهذا المنصب، وأهّله، وأعده لذلك، وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعلن هذا الاختيار للاُمّة فأعلنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكلِّ وسائل الإعلان المعروفة حتّى اُحيطت الاُمّة كلها علما بهذا الاختيار.

وحتّى معاوية وهو الطليق ابن الطليق، ومن المؤلفة قلوبهم، والذي أعلن إسلامه متأخراً كان يعلم ذلك علم اليقين؛ فقد قال برسالة وجهها إلى محمّد بن أبي بكر: « كنّا وأبوك معاً في حياة من نبيّنا نرى حقَّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيّه ما عنده... فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزّه وخالفه، على ذلك اتفقا واتّسقا... »(1) . وحتّى الذين غصبوه هذا الحق يعلمون ذلك علم اليقين.

لقد صرح عمر بن الخطاب ذات يوم قائلاً بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب، فزحزحوه عنه لحداثة سنه، وللدماء التي كانت عليه(2) . وكيف ينسى عمر والخلفاء ذلك وهم الذين قدموا التهاني لأمير المؤمنينعليه‌السلام في غدير خمٍّ (3) ؟

وحسب يقين الإمام الحسينعليه‌السلام فإنه هو الإمام والقائد والخليفة الشرعي، وليس يزيد بن معاوية؛ فيزيد بن معاوية غاصب لحق الحسينعليه‌السلام تماماً كما كان أبوه غاصباً لحق الإمام الحسنعليه‌السلام ، وباغياً على الإمام عليعليه‌السلام ، وبالتالي فالأولى بيزيد بن معاوية أن يبايع للإمام الحسين وليس العكس.

لكن ابن معاوية لا يكتفي بغصب

____________________

(1) راجع نص رسالة معاوية لمحمد بن أبي بكر في مروج الذهب للمسعودي 3 / 11، وفي وقعة صفّين لنصر بن مزاحم / 118 - 119.

(2) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد 3 / 130، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 20، وكتابنا المواجهة مع رسول الله وآله / 472 وما بعد.

(3) راجع ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي 2 / 548 و 449 و 550، والمناقب للخوارزمي الحنفي / 94، ومسند أحمد بن حنبل 4 / 281، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي / 24، وتاريخ الإسلام للذهبي 2 / 197، وتذكرة الخواصّ لابن الجوزي / 29.

١٤٦

حق الإمام الحسينعليه‌السلام ، بل يريد من الإمام الحسينعليه‌السلام أن يشهد بالزور بأن يزيد هو صاحب الحق الشرعي، ويريد من الحسين أيضاً أن يقرّ ضمناً بأنه لا حق له بالخلافة، وهذا منتهى الظلم الذي ينفر الإمام الحسينعليه‌السلام بطبيعته وتكوين نسيجه النفسي.

هذا على صعيد الشرعيّة الإلهية، أمّا على صعيد العقل والمنطق فإن الإمام الحسينعليه‌السلام هو ابن فاطمة الزهراء ( عليها السّلام) بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ابن عم النبي، والاُمّة هي اُمّة النبي، والملك هو ملك النبي الذي بناه حجراً فوق حجر، والإمام الحسينعليه‌السلام أولى بقيادة جده، وبملك جدّه من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، هذا هو أبسط مظاهر العدل الذي يفهمه الإنسان بالفطرة والضرورة.

أمّا على صعيد التاريخ، فعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ابن عم النبي عاش في كنفه طوال حياته، وكان أول من صدّقه وآمن به، وكان عضده وفارسه الأعظم طوال فترة الصراع المسلح الذي نشب بين الرسول وبين بطون قريش؛ فهو بطل بدر بلا منازع، وهو بطل أحد بلا منازع، وهو بطل الخندق بلا منازع، وهو حامل راية الرسول في كل زحف(1) ، وجده أبو طالب كان حامي النبي ودينه طوال حياته(2) ، وهو الذي كفل النبي وربّاه يتيماً، ونصره كبيراً، وكانت زوجته بمثابة الاُم الحقيقية للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (3) .

أما أبو سفيان جد يزيد، ومعاوية والد يزيد بن أبي سفيان فهما الّذان وحّدا بطون قريش الـ 23 ومن والاهم ضد النبي ودينه، وهما الّذان قادوا جبهة الشرك التي قاومت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحاربته طوال 23 عاماً، ورموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكل سهم في كناناتهما حتّى أحاط النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما، فاضطروا للاستسلام واُكرهوا على إعلان الإسلام.

____________________

(1) راجع على سبيل المثال شرح نهج البلاغة 1 / 15، وخصائص النسائي / 3، والحاكم في مستدركه 3 / 136، وتاريخ بغداد 2 / 81، والصواعق المحرقة لابن حجر / 72، وتاريخ دمشق لابن عساكر 1 / 76، واُسد الغابة لابن الأثير 5 / 287، وميزان الاعتدال للذهبي 2 / 417، والطبقات لابن سعد 2 / 23، وكنز العمال 3 / 154، وتاريخ الطبري 2 / 197، وفضائل الخمسة / 357 - 360.

(2) راجع تاريخ اليعقوبي 2 / 35.

(3) راجع تاريخ اليعقوبي 2 / 14.

١٤٧

وأمّا على الصعيد الشخصي، فالإمام الحسينعليه‌السلام ابن النبي وحفيده، وسيد شباب أهل الجنة، وسبط النبي وريحانته من الاُمّة، وهو الإمام الذي اختاره الله لقيادة الاُمّة من بعد أخيه الحسنعليه‌السلام ، وهو التقي، النقي، الطاهر، المؤهل للإمامة(1) .

أمّا يزيد فهو ابن معاوية بن أبي سفيان، وهو الأشد عداوة لله ولرسوله، وقد لعنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يولد(2) . فأيهما الأولى بخلافة النبي؟ ابنه الحسين التقي، النقي، المؤهل للإمامة، أم يزيد بن معاوية شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، والمشكوك حتّى بدينه؟

القرار

بعد أن قلّب الإمام الحسينعليه‌السلام الاُمور على مختلف الوجوه، وزانها بميزان الشرع الحنيف، رأى بيقين أنه الإمام الشرعي، وأن معاوية مغتصب للخلافة؛ لذلك نراه يقول: « إنما كان الأمر لي من بعد أخي الحسن، فصنع معاوية ما صنع، وحلف لأخي الحسن أنه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده، وأن يردها للحسين إن كان حيّاً. فطالما أنّ معاوية لم يفِ لي ولا لأخي الحسن بما كان ضمن لنا، فقد والله أتانا ما لا قوام لنا به... »(3) .

لهذا كله فإن الحسينعليه‌السلام كان يعتقد أنه الأولى بالبيعة من يزيد، وأن من واجب يزيد بن معاوية، وواجب الاُمّة الإسلاميّة أن يبايعوا الحسينعليه‌السلام وليس العكس.

وطالما يزيد هو المالك الفعلي للخلافة، ومن بيده مفاتيح القوة والمال والنفوذ، فلا يملك الإمام الحسينعليه‌السلام من حيث المبدأ إلاّ الامتناع عن البيعة، وقرر عدم مبايعة يزيد مهما كلّف الثمن، وبعد ذلك أعلن قراره.

قال عبد الله بن الزبير لما علم بهلاك معاوية:... فما ترى أن تصنع إن

____________________

(1) مع أنّ كلَّ ما ذكرناه معلوم بالضرورة إلاّ أننا وثّقناه أكثر من مرة في الفصول السابقة.

(2) راجع كنز العمال 6 / 39، وقال: أخرجه الطبراني، ومجمع الزوائد للهيثمي 9 / 189، وقال: رواه الطبراني. وذكره المناوي في فيض القدير، وقال: أخرجه ابن عساكر. ورواه أبو نعيم والديلمي، وراجع كنز العمال 6 / 223، وقال: أخرجه ابن عساكر.

(3) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 11، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 182.

١٤٨

دُعيت إلى بيعة يزيد يا أبا عبد الله؟

فقال له الحسينعليه‌السلام : « أصنع، أني لا اُبايع له أبداً... »(1) .

ولما دُعي الإمام الحسينعليه‌السلام لمقابلة والي المدينة بعد موت معاوية، وطلب منه أن يبايع ليزيد بن معاوية، قال الإمام الحسينعليه‌السلام : « أيها الأمير، إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة؛ بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننتظر وتنتظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة »(2) .

وجد الإمام الحسينعليه‌السلام مروان بن الحكم في طريقه ذات يوم، فقال له مروان: يا أبا عبد الله، إني لك ناصح، فاطعني ترشد وتسدد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : « وما ذلك حتّى أسمع؟ ».

فقال له مروان: أقول: إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد؛ فإنّه خير لك في دينك ودنياك.

فاسترجع الإمام الحسينعليه‌السلام وقال: « إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد ابتُليت الاُمّة براع مثل يزيد! ». ثمَّ أقبل الإمام الحسينعليه‌السلام على مروان وقال له: « ويحك! أتأمرني في بيعة يزيد وهو رجل فاسق؟! لقد قلتَ شططاً من القول يا عظيم الزلل. لا ألومك على قولك؛ لأنك اللعين الذي لعنك رسول الله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص، فإن من لعنه رسولُ الله لا يمكن له ولا منه إلاّ أن يدعو إلى بيعة يزيد ».

ثمَّ قال: « إليك عنّي يا عدو الله، فإنّا أهل بيت رسول الله، والحق فينا، وبالحق تنطق ألسنتنا، وقد سمعت رسول الله يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري، فابقروا بطنه. فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما اُمروا به، فابتلاهم الله بابنه يزيد، زاده الله في النار عذاباً »(3) .

فغضب مروان من كلام الحسينعليه‌السلام ، ثمَّ قال: والله، لا تفارقني أو تبايع ليزيد بن

____________________

(1) راجع النص الكامل لجواب الإمام الحسينعليه‌السلام بالمرجعين السابقين، الفتوح والمقتل بنفس الصفحتين.

(2) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 14، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 184، ومثير الأحزان / 24، وبحار الأنوار 44 / 325، والموسوعة / 283.

(3) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم 5 / 17، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 184، والموسوعة / 285.

١٤٩

معاوية صاغراً؛ فإنكم آل أبي تراب قد مُلئتم كلاماً، واُشربتم بغض آل بني سفيان.

فقال له الحسين: « ويلك يا مروان! فإنك رجس، وإنّا أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله على نبيّه محمّد( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) »(سورة الأحزاب/33 ).

فنكس مروان رأسه لا ينطق بشيء، فقال له الحسينعليه‌السلام : « أبشر يابن الزرقاء بكلِّ ما تكره من رسول الله، يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقّي وحق يزيد ». فمضى مروان مغضباً حتّى دخل على الوليد بن عتبة، فأخبره بما سمعه من الحسين بن عليعليه‌السلام (1) .

والتحق الحسينعليه‌السلام بقبر جدّه يبكي، تماماً كما فعل أبوه علي بن أبي طالبعليه‌السلام عندما هدّدته زعامة بطون قريش بالقتل إن لم يبايع، فالتحق بقبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي ويتلو الآية الكريمة:( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (2) .

وبكى الإمام الحسينعليه‌السلام أمام قبر جدّه بكاءً مراً، ونام بعد ذلك، فرأى جدّه في المنام يضمّه إلى صدره، ويقبّله ويقول له: « يا بُني يا حسين، كأنك عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كرب وبلاء، من عصابة من اُمّتي، وأنت في ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله من خلاق. حبيبي يا حسين، إنّ أباك واُمّك وأخاك قد قدموا علي، وهم إليك مشتاقون، وإنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة... »(3) .

وانتبه الإمام الحسينعليه‌السلام من نومه، وودّع قبر جده وقال: « بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، لقد خرجت من جوارك كرهاً، وفُرّق بيني وبينك، حيث إني لم اُبايع ليزيد بن معاوية شارب الخمور، وراكب الفجور، وها أنا خارج من جوارك على الكراهية، فعليك مني السّلام »(4) .

وقال له عبد الله بن عمر بن الخطاب: وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس، واصبر كما صبرتَ لمعاوية؛ فلعلّ الله يحكم بينك وبين

____________________

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 18، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 185.

(2) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 13.

(3) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 20، ومقتل الخوارزمي 1 / 186، وبحار الأنوار 44 / 328، والعوالم 17 / 177، والموسوعة / 287.

(4) راجع المنتخب للطريحي / 410، وناسخ التواريخ 2 / 14، وينابيع المودة / 401، والموسوعة / 289.

١٥٠

القوم الظالمين.

فقال له الإمام الحسينعليه‌السلام : « أبا عبد الرحمن، أنا اُبايع يزيد وأدخل في صلحه وقد قال النبي فيه وفي أبيه ما قال؟! ».

وبعد حوار بين الإمام الحسينعليه‌السلام وابن عباس وابن عمر، قال الإمام الحسينعليه‌السلام لابن عمر: « أسألك بالله، أنا عندك على خطأ من أمري هذا؟ فإن كنت عندي على خطأ فردّني؛ فإني أخضع وأسمع واُطيع ».

فقال ابن عمر: اللّهمَّ لا، ولم يكن الله تعالى يجعل ابن بنت رسوله على خطأ، وليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول على مثل يزيد بن معاوية لعنه الله باسم الخلافة، ولكني أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف، وترى من هذه الاُمّة ما لا تحب، فارجع معنا إلى المدينة، وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبداً(1) .

فقال الحسينعليه‌السلام : « هيهات يابن عمر، إنّ القوم لا يتركوني وإن أصابوني، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتّى اُبايع وأنا كاره أو يقتلوني... اتّقِ الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي... »(2) .

والخلاصة: إنّه كان على الحسين أن يتّخذ قراره، وأن يختار أحد خيارين لا ثالث لهما؛ فإمّا أن يبايع ليزيد بن معاوية ليكون « خليفة لرسول الله، وأميراً للمؤمنين، ومرجعاً لهم »، وإمّا أن يمتنع عن البيعة فيُقتل في النهاية.

لقد اتّخذ الإمام الحسينعليه‌السلام قراره النهائي بالامتناع عن بيعة يزيد، وأعلن هذا القرار بكلِّ وسائل الإعلان المعروفة في زمانه، وهذا القرار لم يكن اعتباطياً، إنما بُني على قناعات دينية يقينية، وحقائق تاريخيّة وعقلية وفطرية معلومة بالضرورة، وقد أشرنا إليها في هذا البيان.

الحسينعليه‌السلام ومغادرة المدينة المنورة

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يمثّل قمة الوعي الديني والسياسي؛ فهو إمام. ومصطلح الإمام شرعاً يعني الأفهم، والأقرب إلى الله، وأفضل الموجودين. فالإمام

____________________

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 26، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 19، ومثير الأحزان / 41.

(2) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 26، ومقتل الخوارزمي 1 / 19، ومثير الأحزان / 41 والموسوعة / 307 - 309.

١٥١

الحسينعليه‌السلام يعلم بالضرورة أنّ الامتناع عن مبايعة الخليفة الطاغية يعني المواجهة؛ لأنّ عدم البيعة بمفاهيم الخلفاء الطغاة تعني الخروج على الطاعة وإعلان الحرب.

ثم إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام رجل منطق وعقل؛ فهو يعلم علم اليقين أن معاوية قبل أن يهلك سلّم ابنه يزيد مفاتيح بيوت الأموال، فصارت أموال الدولة بيده، ويعلم الإمام الحسينعليه‌السلام أن معاوية قبل أن يهلك أيضاً سلّم ابنه قيادة الجيوش المدربة على الطاعة، والتي تتقاضى رواتبها من بيوت الأموال التي يملك يزيد بن معاوية مفاتيحها.

ويعلم الإمام الحسينعليه‌السلام أن اُمراء الأقاليم لهم ضلع بالمؤامرة، وهم ليسوا أكثر من موظّفين يتقاضون رواتبهم من يزيد بن معاوية، ويعلم أن الناس مع من غلب، وأن الجيوش التي يقودها يزيد لا تعرف من الدين إلاّ قشوره؛ فهي مجهلة ومعدّة إعداداً كاملاً لتكون درعاً لدولة الخلافة وللخليفة، وعصا بيده يضرب بها مَن يشاء.

ويعلم الإمام الحسينعليه‌السلام أنه بنظر الناس مجرد ابن النبي المغضوب عليه هو وأهل بيته من قبل الخلفاء خاصة معاوية الذي فرض مسبّة أبيه على الرعية، واعتبر محبّة أهل بيت النبوة وموالاتهم من جرائم الخيانة العظمى.

وما زالت قوانين معاوية سارية المفعول؛ فقد هلك قبل أيام، ولم يقم أحد بإلغاء تلك القوانين، وليس مع الإمام الحسينعليه‌السلام عملياً إلاّ أهل بيت النبوة وبضعة عشر رجلاً من المؤمنين، ولا قدرة لأهله ولا للقلة المؤمنة على حمايته وحماية موقفه إذا حدثت أية مواجهة بينه وبين والي المدينة وجيش الخليفة في المدينة، وسيتمكن جيش الخليفة من القضاء عليه وعلى أهل بيته بصمت ودون أن يشعر به أحد من المسلمين خارج المدينة.

أين المهاجرون والأنصار؟

الأكثريّة الساحقة من المهاجرين - والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على فراش الموت - قد اتّحدت مع اُخوانها من أبناء بطون قريش الـ 23، أمّا الأقلّية المؤمنة منهم والتي لم تتّحد فقد ماتت، وهوى أبناء الأكثريّة من المهاجرين هوى بطون قريش، فلا أمل للإمام الحسينعليه‌السلام بنصرتهم له، ولا بدفاعهم عنه وعن موقفه.

ثمَّ [إنَّ] الإمام الحسينعليه‌السلام لن يكون

١٥٢

أعظم من أبيه عليعليه‌السلام ، ومع هذا هُدّد أبوه بالموت إن لم يبايع(1) أمام المهاجرين، ولم يحرّكوا ساكناً، وهمّ الخليفة الأوّل ونائبه بإحراق بيت فاطمة بنت محمّد (صلوات الله عليهما) على مَن فيه، وفيه علي والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وشرعوا بإحراق البيت بالفعل.

ولم يعترض أحد من المهاجرين على هذا العمل الفظيع، واكتفى المهاجرون بالتفرج على ما يحدث، أو شاركوا بما يحدث، وبالتالي لا ينبغي للإمام الحسينعليه‌السلام أن يتأمّل بسكان المدينة من المهاجرين أكثر مما أمّل أبوه وأكثر مما أمّلت اُمّه(2) .

أمّا بالنسبة لسكان المدينة من الأنصار، فالإمام الحسينعليه‌السلام يذكر تجربة أبيه معهم. صحيح أنّ الأنصار أو بعض الأنصار قد قالوا في سقيفة بني ساعدة: لا نبايع إلاّ علياً. وعلي غائب(3) ، وصحيح أيضاً أنّ المنذر بن الأرقم قد قال في سقيفة بني ساعدة: وإن فيهم رجلاً لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد. وهو يعني علي بن أبي طالب...(4) .

وإن نسي الحسين فلن ينسى يوم حَمَلَ أبوه علي اُمّه فاطمة الزهراءعليهما‌السلام على حمار، وقاد الحسن والحسينعليهما‌السلام وطاف على بيوت الأنصار بيتاً بيتاً يسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنتَ رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو كان ابنُ عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.

فكان عليعليه‌السلام يقول لهم: « أفكنتُ أترك رسول الله ميتاً في بيته لم اُجهّزه، وأخرج إلى الناس اُنازعهم في سلطانه؟! ». وكانت البتول الزهراءعليها‌السلام تقول: « ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه »(5) .

وقد أشار معاوية إلى هذه الواقعة قائلاً: وأعهدك أمس تحمل قعيدة

____________________

(1) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 13.

(2) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه 3 / 64، وأبو الفداء 1 / 156، وأنساب الأشراف 1 / 586، وكنز العمال 3 / 140، والرياض النضرة للطبري 1 / 167، والسقيفة للجوهري برواية ابن أبي الحديد 1 / 132 و ج6 / 2، وتاريخ الخميس 1 / 178، وتاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ح11، ومروج الذهب 2 / 100، وتاريخ اليعقوبي 2 / 105.

(3) راجع تاريخ الطبري 3 / 208، وتاريخ ابن الأثير 2 / 123 الذي قال: إنّ الأنصار قد قالت ذلك بعد أن بايع عمر لأبي بكر.

(4) راجع تاريخ اليعقوبي 2 / 103، والموفقيات للزبير بن بكار / 579.

(5) أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة برواية ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة 6 / 78، =

١٥٣

بيتك ليلاً على حمار، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع لأبي بكر...(1) .

فالأنصار لم تنصر أهل بيت النبوة بعد يوم واحد من وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل يعقل أن تستجيب الأنصار للحسينعليه‌السلام وحده؟! ثمَّ إنّ الأنصار قد سمعت بموقف الإمام الحسينعليه‌السلام وتجاهلت الأمر، وتظاهرت كأنها لم تسمع.

وإن نسي الإمام الحسينعليه‌السلام فلن ينسى يوم حُرمت اُمّه من ميراث أبيها، وصودرت المنح التي اُعطيت لها حال حياة أبيها، ومُنعت الخمس المخصص لذوي القربى، وطالبت بحقها أمام المهاجرين والأنصار فلم يدعمها أحد ولو بكلمة واحدة. إنما وقف الجميع يتفرجون على صراع السيدة مع الخليفة وأركان دولته، وكان بوسعهم أن يأمروا على الأقل بالمعروف وينهوا عن المنكر باللسان، وهذا أبسط ما على الإنسان.

والخلاصة: إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان واثقاً ثقة مطلقة بأن أهل المدينة لن يحموه، ولن يحموا موقفه، ولن يحموا أهل بيت النبوة، وأن الخليفة يزيد بن معاوية لو كلّفهم بحرق بيت الحسينعليه‌السلام على مَن فيه لأطاعته الطائفة التي كلّفها بالحرق، ولبقيت الطائفة الاُخرى تتفرج؛ لهذه الأسباب مجتمعة ومنفردة قرر الإمام الحسينعليه‌السلام أن يترك المدينة وجوار جده العظيم وهو كاره.

انظر إلى قوله ومناجاته لجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « وأنا خارج من جوارك وعلى الكراهية، فعليك مني السلام »(2) .

كان الإمام الحسينعليه‌السلام يشعر أنه في قوم فرعون، وتحت حكم شبيه بحكمه. انظر إليه وهو يردد الآية نفسها التي ردّدها موسى عندما خرج من عاصمة فرعون، وخرج الإمام الحسينعليه‌السلام ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين ببنيه وإخوته وبني أخيه، وجُلِّ أهل بيته إلاّ محمّد بن الحنفيّة، وهو يتلو هذه الآية:( فخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (سورة القصص / 21 )(3) .

وتابع الحسينعليه‌السلام حالة التمثل بموسىعليه‌السلام ، فلمّا وصل إلى مكّة قرأ آية:( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ

____________________

= والإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري 1 / 12.

(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 / 67، ووقعة صفّين لنصر بن مزاحم / 182.

(2) راجع منتخب الطريحي / 410، وينابيع المودة / 401.

(3) أشار إلى قرائته للآية المفيد في الأرشاد، والطبري في تاريخه 3 / 272، والكامل لابن الأثير 2 / 531، والعوالم 17 / 181، وينابيع المودة / 402، وأعيان الشيعة 1 / 588.

١٥٤

عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل ) (سورة القصص / 22 )(1) .

فالحسينعليه‌السلام على يقين أن فرعون حقيقي يلاحقه، وأنه يتنقل ضمن مملكة فرعون بني اُميّة، وأنه وأهل بيته يمثلون الشرعيّة الإلهية والحق الذي كان يمثله موسى.

لا يعني امتناع سكان المدينة عن حماية الإمام الحسينعليه‌السلام وحماية أهله وموقفه أن اُولئك السكان خاصة الأنصار يكرهون الإمام الحسينعليه‌السلام ، فليس بالحسين ما يُكره، بل على العكس هم يحبون الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعندما سمعوا في ما بعد بقتله بكت القلة المؤمنة على الحسين دموعاً من دم.

ويكمن السر بامتناع الأنصار عن حماية الإمام الحسينعليه‌السلام ونصرته، والدفاع عن موقفه بأنهم لا يريدون مواجهة مع الخليفة، ولا مع أركان دولته؛ لأنه لا طاقة لهم بهذه المواجهة، ولا مصلحة لهم فيها.

فليس عند الإمام الحسينعليه‌السلام ما يطمعون به، وكل ما يريدونه موجود لدى الخليفة وأركان دولته: المال، النفوذ، الجاه، الدنيا كلها بيد الخليفة، فما هي مصلحة أكثريّة الأنصار ليتخلوا عن الدنيا من أجل الإمام الحسينعليه‌السلام ؟

ثمَّ إنّ الإحساس بالانتماء الاجتماعي، والانتماء لمثله العليا قد مات بالفعل، أو تحوّل إلى كلمات جامدة ليس أمامها أي فرصة للتطبيق والتفعيل، استقرت نهائياً روح التواكل في مجتمع المدينة وغيره من المجتمعات الإسلاميّة.

صحيح لقد كانت هنالك عناصر ثائرة على خلق التواكل الذي ساد المجتمعات الإسلاميّة، لكنها سرعان ما تغرق في محيط التواكل. قال الطبري يصف هذه الحالة: إن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها، فتقول: انصرف، الناس يكفونك. ويجيء الرجل إلى ابنه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام...»(2) .

فالأنصار يتمنون قلبياً أن ينتصر الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأن تنتصر مبادئه، ويتمنون أن يهزم يزيد وأتباعه، ويرجون أن ييسّر الله للإمام الحسينعليه‌السلام مَن ينصره ويحميه،

____________________

(1) راجع هذا التمثل بالإرشاد / 202، وبحار الأنوار 4 / 332، والعوالم 17 / 181، والكامل لابن الأثير 2 / 31، وتاريخ الطبري 3 / 274، والفتوح لابن أعثم 5 / 25، وأعيان الشيعة 1 / 88، ووقعة الطفِّ / 86، والموسوعة / 305.

(2) راجع تاريخ الطبري 2 / 371.

١٥٥

لكنهم ليسوا على استعداد إطلاقاً للمساهمة بأي شكل من الأشكال بنصرة الحسين أو حمايته.

لقد تعودوا أن يقفوا ساكنين أمام أي مواجهة بين فريقين، فإذا انتصر أحدهما وقفوا مع الغالب، وسلموا له تسليماً كاملاً، فإذا ظهر على المسرح فارس جديد يريد أن يغلب غالب الأمس فإنهم يتمسكون بغالب الأمس، لا حباً به، ولكن خوفاً منه، كأن إنسانيتهم قد اُصيبت بالشلل فعلاً.

لمّا قال أمير المدينة إن الخليفة في دمشق أمره أن يأخذ البيعة من الحسين، وإن أبى فعليه أن يضرب عنقه، يمكن لعقلاء الأنصار التدخل بهذه الحالة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاقتراح على الأمير أن يعطي الإمام الحسينعليه‌السلام فرصة لإعادة النظر في موقفه.

يمكنهم أن يقولوا للأمير: رجاءً أن تبلغ الخليفة في دمشق أن الإمام الحسينعليه‌السلام هو ركن آل محمّد، وأهل بيته وذوي قرباه، وهو ابن رسول [الله]، وقتل هذا الرجل يسبب حرجاً للجميع. ولكن أهل المدينة ليسوا على استعداد حتّى لمثل هذه التضحية البسيطة؛ فقلوبهم مسكونة بالرعب.

فقد يظن الخليفة أو أميره على المدينة أنهم يوالون أهل بيت النبوة، وقد بيّنا أن موالاة أهل البيت كانت من جرائم الخيانة العظمى، وعقوبتها التنكيل وهدم الدار(1) . وقد يظن الخليفة أن أهل المدينة يحبون أهل البيت، وحب أهل بيت النبوة أيضاً من جرائم الخيانة العظمى، وعقوبتها شطب ومحو اسم ( المجرم ) من ديوان العطاء، وتجريده من الحقوق المدنية، بحيث لا تُقبل له شهادة(2) .

فمَن له بهذه الحالة مصلحة ليأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر؟ فتقدير أهل المدينة أن الإمام الحسينعليه‌السلام سيقدّر أوضاعهم، وسيلتمس لهم عذراً! إن الفراعنة أنفسهم لم يذلّوا رعاياهم لهذه الدرجة التي أذل فيها معاوية وابنه وخلفاء بني اُميّة رعاياهم، لقد كان حكمهم أكثر بشاعة وقبحاً وظلماً من حكم الفراعنة.

والخلاصة: وأمام هذه السلبيات القاتلة فإنه لا ينبغي للإمام الحسينعليه‌السلام أن يأمل بنصرة ومنعة أهل المدينة له ولموقفه، ولآل محمّد وذوي قرباه، فلو أمرهم الخليفة أن يصلبوا الإمام الحسينعليه‌السلام في جذوع النخل أو أن يحرقوه حياً لنفّذوا أمر الخليفة

____________________

(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة 3 / 595 - 596 تحقيق حسن تميم.

(2) المصدر نفسه.

١٥٦

بأيديهم، بالوقت الذي تكون فيه عيونهم تسيل دماً حزناً على الحسين، وقلوبهم تنفطر أسىً جزعاً لما فعلوا بالحسينعليه‌السلام .

لقد خالف الله ما في صدورهم عمّا في ألسنتهم، لقد جعل الله باطنهم شيئاً وظاهرهم شيئاً آخر، وهذا أحدثُ فنٍّ من فنون العذاب، ومسخ إنسانيّة الإنسان.

وأقصى ما فعله الأنصار للإمام الحسينعليه‌السلام أن خرج معه خمسة منهم رافقوه بكلِّ المراحل، ولم يتخلوا عنه، وقاتلوا برجولة نادرة بين يديه حتّى قتلوا(1) .

وعذر أنصار المدينة أنهم ضاعوا وسط الأكثريّة التي كانت على الشرك ثمَّ أسلمت، وصارت أكثريّة مسلمة، واستولت على الخلافة بالقوة، فصار حاكم الأنصار هو عدوها الذي حاربته بالأمس تحت قيادة الرسول وآله، فكانت عيون الأكثريّة الحاكمة مفتوحة على كل حركة وسكنة للأنصار.

وكان الأنصار بنظر الأكثريّة الحاكمة موضع شبهة بموالاة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قادوا الحرب ضد تلك الأكثريّة عندما كانت على الشرك، وكان الأنصار وأولادهم إذا ما أرادوا الحياة أن يثبتوا لبطون قريش الـ 23 أنهم ليسوا مع آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فضلاً عن ذلك فإنّ الأنصار صاروا قلة قليلة جداً وسط الكثرة التي كانت مشركة ثمَّ أسلمت، ووسط الكثرة الوافدة من البلاد المفتوحة، وبالتالي قلّت أهمية الأنصار، وتضاءلت فعاليتهم. لكل هذه الأسباب اضطّر الإمام الحسينعليه‌السلام ليخرج من المدينة كارهاً.

أهداف الإمامعليه‌السلام المرحلية

وفق التحليلات الدقيقة للإمام الحسينعليه‌السلام - والتي أشرنا [إليها] قبل قليل - رأى أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبرى، وبكل المعايير الدينية والتاريخيّة والمنطقية؛ لذلك امتنع عن بيعة يزيد بن معاوية، وأعلن هذا الامتناع بكل وسائل الإعلان.

الامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم يُعتبر خروجاً على طاعة الخليفة الغالب، وعدم القبول بخلافته. ووفق قوانين دولة الخلافة السائدة

____________________

(1) راجع المناقب لابن شهر آشوب 4 / 104، والخوارزمي 2 / 21، وتاريخ الطبري 5 / 423، وبحار الأنوار 4 / 28، وتاريخ الطبري 4 / 413، وقد وثّقناه تحت عنوان «جماعات وأفراد الفئة الأولى».

١٥٧

فإن هذا الامتناع بمثابة إعلان حرب، وهو من جرائم الخيانة العظمى التي يعاقب مرتكبها بالموت كائناً مَن كان.

ومن الطبيعي أنّ الخليفة وأركان دولته قد سمعوا بامتناع الإمام الحسينعليه‌السلام عن البيعة، وأنهم بوقت يطول أو يقصر سيرسلون قواتهم المسلحة لتجر الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيته بالقوة، وتجبرهم على البيعة وهم صاغرون، أو تقتلهم أشنع قتلة، ولن تأخذ الخليفة ولا أركان دولته بهم رحمة أبداً، ولن يرعوا فيهم إلاً ولا ذمة.

فالحسينعليه‌السلام موقن أنه أمام فرعون وجنوده، ولكن فرعون المسلمين مسلح بالدين؛ فهو يلبس قفازات بيض، ويتظاهر بالإسلام والطهارة والبراءة، ويده ملطخة بدماء الجريمة. والحسينعليه‌السلام بشر مزوّد فسيولوجياً بالطاقة على الهروب ممّا يؤذيه، وعلى البحث عما يأويه ويحميه.

فالحسينعليه‌السلام يريد فئة من الناس تحميه وتحمي أهل النبوة، وتنصرهم من فرعون وجنوده إذا ما جاؤوا يوماً - وهم قادمون لا محالة - لجرِّ الحسين وأهل بيت النبوةعليهم‌السلام إلى البيعة وهم صاغرون أو قتلهم، هذا بالضبط ما يريده الإمام الحسينعليه‌السلام .

إصلاح الاُمّة

خلال فترة امتناع الحسينعليه‌السلام عن البيعة، وخلال فترة المطاردة سيسمع كل المسلمين بواقعة امتناع الحسين عن المبايعة، وبواقعة مطارة الفرعون وجنوده، وسيسمعون بالأسباب التي دعت الإمام الحسينعليه‌السلام للامتناع عن البيعة.

فالحسينعليه‌السلام ليس رجلاً من عامة الناس؛ فالمسلمون يعرفونه على أنه عميد آل محمّد الذين يصلّون عليهم في صلاتهم، وعميد أهل بيت النبوة الذين طهّرهم الله، وعميد ذوي القربى الذين افترض الله مودتهم على العباد؛ لذلك فمن المعروف بالضرورة أن المسلمين سيتابعون مآل امتناع الإمام عن البيعة، وعاقبة هذا الامتناع، ويتابعون أيضاً أنباء المطاردة، ويتابعون بالضرورة تصريحات الإمام الحسينعليه‌السلام خلال فترة المطاردة، وهذا بالضبط ما أراده الإمام الحسينعليه‌السلام .

وسيعرف المسلمون في النتيجة أن خليفتهم ليس هو خليفة رسول الله كما يدّعي، إنما هو رجل غاصب للسلطة، استولى عليها بالقوة، وفرض نفسه على المسلمين بالقهر، وحكمهم بالطريقة التي يحكم بها أئمة الكفر رعاياهم، وخاصة وأن المسلمين جميعاً يعرفون

١٥٨

السيرة الشخصية النتنة لهذا الرجل الذي يزعم أنه خليفة رسول الله.

ولقد ركّز الإمام الحسينعليه‌السلام على هذه الناحية تركيزاً خاصاً خلال فترة المطاردة، فبيّن للمسلمين حقيقة هذه الاُمور. ففي كتابه لأهل البصرة ذكّر الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما فعل، ثمَّ قالعليه‌السلام : «... ثمَّ قبضه الله إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما اُرسل به، وكنّا أهله وأولياءه، وأوصياء ورثته، وأحقَّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا، وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحق المستحق علينا ممّن تولاّه... ».

ثم قالعليه‌السلام : « وقد بعثت إليكم رسولي بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإنّ السنة قد اُحييت، وأن البدعة قد اُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد »(1) .

ومثل ذلك كتابه إلى أهل الكوفة، فقد جاء فيه: « فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه، وانصروه ولا تخذلوه؛ فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحق، ولا يهدي ولا يهتدي »(2) . فالإمام الحسينعليه‌السلام يحثّهم على المقارنة، ويبيّن لهم الحقيقة الشرعيّة، ويُيئسهم من صلاح يزيد بن معاوية.

ومثل قوله في خطبة له أمام جند الحر الذي جاء ليستطلع أمر الإمام الحسينعليه‌السلام ، وليحبسه ريثما يكتمل جند الخليفة: «... يا أيها الناس، أنا ابن بنت رسول الله، ونحن أولى بولاية هذه الاُمور عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالظلم والعدوان؛ فإن تثقوا بالله وتعرفوا الحقّ لأهله فيكون ذلك لله رضا، وإن كرهتمونا وجهلتم حقّنا، وكان رأيكم على خلاف ما

____________________

(1) راجع تاريخ الطبري 3 / 280، ومثير الأحزان / 27، وبحار الأنوار 44 / 34 وأعيان الشيعة 1 / 590، ووقعة الطف / 107، والموسوعة / 315 - 316.

(2) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 35، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 195.

١٥٩

جاء في كتبكم، وقدمت به رسلكم، انصرفت عنكم »(1) .

ثمَّ انظر إلى مناجاته لأصحابه ذات مرة، حيث خطب فيها فقال: «... وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت، وأدبر معروفها، ولم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحقِّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقّاً حقّاً؛ فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً »(2) .

وانظر إلى قولهعليه‌السلام : «... ما أهون الموت على سبيل نيل البر وإحياء الحقِّ. ليس الموت في سبيل العز إلاّ حياة خالدة، وليست الحياة مع الذل إلاّ الموت الذي لا حياة معه... إنّ في نفسي لأكبر، وهمتي لأعلى من أحمل الضيم خوفاً من الموت... مرحباً بالقتل في سبيل الله... وهل تقدرون على أكثر من قتلي؟... ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزّي وشرفي »(3) .

ثمَّ انظر إلى وصية الإمام الحسينعليه‌السلام التي كتبها إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة، فابن الحنفيّة هو الوحيد من إخوان الإمام الحسينعليه‌السلام الذي لم يخرج معه، وبالضرورة ستأتي رسل الفرعون وتسأل محمّد بن الحنفيّة عن أخبار الحسينعليه‌السلام وأقواله، وبالضرورة سيأتي أهل المدينة ويسألونه أيضاً، وبالضرورة سيسأله كل المشفقين على مصير الحسينعليه‌السلام ؛ لذلك اختاره الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكتب له وصية بيّن فيها أسباب خروجه.

فقال بعد أن ركّز على فكرة الحق تركيزاً خاصاً: «... وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدي؛ اُريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحقِّ، ومَن رد عليّ هذا

____________________

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 5 / 87، وتاريخ الطبري 3 / 306، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 232، والعوالم 17 / 227، والموسوعة / 357.

(2) راجع تاريخ الطبري 3 / 307، وتاريخ ابن عساكر - وترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام / 214، ومثير الأحزان / 440، وبحار الأنوار 44 / 381 و78 و116، وينابيع المودة / 406، ومقتل الحسين للخوارزمي 1 / 237.

(3) راجع أعيان الشيعة 1 / 581، والموسوعة / 359 - 360، وإحقاق الحقِّ 11 / 601.

١٦٠