المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم75%

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 63

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم
  • البداية
  • السابق
  • 63 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52694 / تحميل: 7168
الحجم الحجم الحجم
المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

المواكب الحسينية وتوحيد المسيرات العزائية في العالم

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المواكب الحسينيّة

وتوحيد المسيرات العزائيّة في العالم

تأليف: الشيخ مكّي فاضل حسن

١

الإهداء

إلى مَنْ تحمّل العناء في تربيتنا ونشأتنا وعشنا في ظله، والذي كان برغم عوزه وقلّة يده ما كان يردّ لنا طلباً نطلبه يوم كنّا صغاراً؛ فبذل الكثير من أجلنا، وتحنّن علينا بعطفه ونحن كباراً، وما لاقاه من الظلم والإهانات من أجلنا ونحن في بلاد الغربة والمهجر. إلى روح المرحوم الوالد الغالي أهدي هذا الكُتيب والمجهود الطيب؛ خدمة لسيد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام .

وأسأل الله أن تشملنا وإيّاه شفاعته، ويجعلنا من المرحومين بهم في الدنيا والآخرة.

٢

مقدّمة المؤلّف

« السّلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، ورحمة الله وبركاته »

منذ أن فتحت عيني على الحياة وأنا أنظر إلى مواكب عزاء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، والناس في هذه المسيرات العزائيّة الولائيّة الخالدة قد تجلببوا بالسواد، وأراهم ما بين لاطم على صدره بيده، وما بين مَنْ يضرب على ظهره بالزنجيل، وما بين مَنْ يطبر جبهته ويدميها. هذه الأصناف من المشاهد انطبعت في ذهني وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتي.

وبعد أن اشتد عودي ووقفت على رجلي أخذت أعزّي مع المعزّين، وألطم مع اللاطمين بشكل تلقائي وعفوي وفطري. هذا الاندفاع العاطفي الحماسي الوديع ولو كان على غير دراية إلاّ أنّه منحني عشق الحسينعليه‌السلام ، ورضعت حبّه وولاءه منذ نعومة أظافري، فأصبحت المسيرات العزائيّة المقدّسة لها قدسية خاصة في نفسي، ولا أسمح لأيّ مخلوق كائن مَنْ كان أن يمسّ بالإضرار بها وبقدسيتها.

مكّي فاضل حسن الدمستاني

البحرين - الدمستان

٢٠ / ٧ / ٢٠٠٧ م

٣

هدف المواكب الحسينيّة

الموكب الحسيني هو عبارة عن التحرّك الجماهيري للأمّة بقيادة الإمام المعصوم أو نائبه في عصر الغيبة الكبرى من أجل تحقيق أهداف ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام . ولا زالت تراودني في الذاكرة هذه الحقيقة الذهبية من الذكريات، حيث إنّي مع التدرّج في مدارج الحياة، والتقدّم في العمر، وحضوري إلى مجالس العزاء التي تُقام في مآتم منطقتنا أدركت ثلاثة أهداف لاستمرارية وبقاء هذه المواكب الخالدة:

أوّلاً: الهيبة المميّزة في النفوس

إنّ العزاء على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام له هيبته المميّزة في النفوس، وهذه الهيبة جعلٌ خاص من الله تعالى خصها لاستمرارية العزاء الحسيني إلى يوم الدين، لا تفقد هذه المواكب هيبتها ولو حاول البعض من أصحاب النفوس الدنيئة والساقطة والحاقدة على المعزّين أن توقف المسيرات الحسينيّة عن طريق التشويه والعنف والإرهاب.

ولقد استمد شيعة أهل البيتعليهم‌السلام هيبتهم من هيبة عزاء الموكب الحسيني؛ لأنّ في هذه المواكب المقدّسة حشود ولائيّة وهي غاضبة على الظلم، وترفض الظالمين في كلّ زمان ومكان، وفي كلّ جيل من الأجيال، وترفع باستمرار هذا الشعار(يا مظلوم يا حسين)، (يا لثارات الحسين) .

ثانياً: العزاء الحسيني يذوّب الكبرياء من النفوس

في أثناء السير على الأقدام في المسيرات العزائيّة تجد المشاركة الفعلية بين القوي والضعيف، وبين الغني والفقير، لا فرق بينهما في هذا المشهد الذي ليس له نظير إلاّ في حج بيت الله الحرام، وبعد الانتهاء من العزاء الكل يجلس على مائدة الإمام الحسينعليه‌السلام لأخذ البركة من ذلك الطعام الذي يعدّ في الواقع والحقيقة دواء لكلّ داء. وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على عظمة نفوس المعزّين الذين ذوّبوا الكبرياء والطغيان من النفوس، وذابت بينهم الفوارق المادية.

٤

ثالثاً: مظلوميّة الإمام الحسينعليه‌السلام وتأثيرها العاطفي على النفوس

إنّ تصوّر مأساة واقعة الطفّ وما جرى على الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه وأهل بيته من بعده تشعل جمر اللوعة والحرارة في قلوب الموالين والمعزّين؛ ممّا تدفعهم وبقوّة لإحياء المسيرات الرثائيّة العزائيّة بكلّ صمود وتحدي، ومهما كلّف الثمن من تضحيات، كل ذلك يعد رخيصاً لما قدّمه سيد الشهداءعليه‌السلام .

فكلّما نقدّمه ونبذله من عاطفة جياشة ودموع مالحة غزيرة إنّما تعني عن تعبير لتلك العاطفة الحارة التي عبر عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث قال:“ إنّ لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً “ . أسأل المولى جلّ ثناؤه أن يجعل هذه الحرارة ووهج هذه العاطفة في قلوبنا؛ لكي تشملنا ألطاف الحسينعليه‌السلام ورحمته وشفاعته.

المنشأ التأريخي للمواكب العزائيّة

منذ استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أُصيب الشيعة بجرح عاصف لم يندمل؛ فحقّ لهم التعبير عن تألمهم. ولو أنّهم وجدوا الحرية الكاملة في عهود الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام لأقاموا هذه الشعائر القائمة اليوم أكثر، ولكن أنّى لهم ذلك وسيوف حكّام الجور مشرعة في وجوههم. وبالرغم من هذا كلّه تمرّدوا على المحن، وأبوا إلاّ انتزاع حرياتهم رغماً عن الزمن؛ بالقوّة تارة، وبالتضحيات اُخرى.

٥

والمواكب الحسينيّة واحدة من مفردات هذه الشعائر الحسينيّة التي تأخّر خروجها عن مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام حتّى سجّل التاريخ صفحات ناجعة لأمراء البويهيِّين؛ حيث إنّهم احتضنوا هذه الشعائر فأخرجوا المآتم من الدور والبيوت إلى الأسواق والشوارع حتّى حوّلوها مواكب مشهودة ومهرجانات مفجعة في مهدها الأوّل العراق وإيران؛ حيث مركز حكومتهم وسلطانهم الذي ابتدأ سنة ٣٣٤ هـ وانتهى ٤٦٧ في أواسط الحكم العباسي، بالرغم من معارضات ومخالفات معظم الخلفاء العباسيِّين لهم على هذه المواكب.

ولم يأبه البويهيّون لهذه المعارضات؛ لأنّ الحكم الحقيقي والسلطة الفعلية سقطت من أيدي الخلفاء العباسيِّين، ولم يبقَ لهم غير الاسم المجرّد؛ إذ صارت بأيدي البويهيِّين.

وقد نصّ أكثر من مؤرّخ أنّه في سنة ٣٥٢ هـ أمر معزّ الدولة أحمد بن بويه في العشر الأُوَل من المحرّم ببغداد بإغلاق جميع أسواق بغداد، وإبطال البيع والشراء، وأن يلبس الناس السواد، وأن يُقيموا مراسم العزاء، وأن يُظهروا النياحة، وأن يخرج الرجال والنساء لاطمين الصدور والوجوه.

وكان معزّ الدولة البويهي يرتدي رداء الحِداد والحزن، ويتقدّم عسكره المشترِك في هذه المواكبِ، وقد جعل يوم عاشوراء عطلة رسمية في الدوائر الحكومية إلى أن تطوّرت تلك المواكب والمآتم بتطوّر ساسة الحكومات التي كانت تتولّى السلطة في إيران أو العراق.

٦

وكان بعض أكابر الطائفة الإماميّة يشارك في هذه المواكب، كأمثال العلاّمة السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفّى سنة ١٢١٢ هـ، فقد كان يتقدّم أمام هذه المواكب، ولمّا سُئل عن سبب اشتراكه في هذا العزاء أجاب: أنّه رأى في المنام الإمام الثاني عشر صاحب الزمان (‏عجّل الله تعالى فرجه) مشتركاً في هذا العزاء.

ناهيك عن كبار الشعراء الذين كانوا يشتركون به أمثال الكعبي وعظماء المجتهدين والفقهاء الشيعة كالشيخ زين العابدين المازندراني وغيره.

لو رجعنا بالذاكرة إلى الوراء لتبيّن لنا في تلك الفترة والحقبة الزمنية التي مرّت في عهد الأجداد (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين) كان العزاء الحسيني يختصر على الردادية فقط، بحيث ينتهي الخطيب الحسيني من القراءة فيبدأ الرادود يردّد القصيدة على المستمعين وهم جلوس في المأتم، ويلطمون على رؤوسهم وصدورهم.

هذا الحال كما حدّثنا أحد الأجداد (رحمه الله تعالى) قال: هذا من قبل قرابة مئة وخمسين سنة، يقول: ثمّ بعد ذلك تطوّر الأمر إلى أن الخطيب نفسه هو الذي يأتي بالقصيدة بعد مجلس العزاء، ويقف المعزّون بجانب المنبر ويلطمون لمقدار ساعة أو ساعة ونصف، ثمّ ينهون العزاء بلطميات عزائيّة، فاستمر هذا الحال إلى ما قبل الأربعينيات.

من بعد هذا العهد بدأت المواكب العزائيّة تكبر، والأجيال تتنامى إلى أن تطوّر العزاء الحسيني وانتقل من المأتم إلى الخارج, ولكن في حدود ساحات المآتم فقط لا يتعدى أكثر من هذه المسافة، وبدون مكبّرات للصوت؛ لأنّ هذه وسائل أتت في العصور المتقدّمة الحديثة.

فاستمر العزاء على هذا الحال إلى أن شيئاً فشيئاً أخذ الناس يقطعون مسافات أكبر وأكبر إلى أن وصل اتساع المواكب العزائيّة بهذا الانتشار الواسع الذي نلحظه الآن. وهذه شذرات مثمرة من تلك الشجرة المشرقة الوضّاءة التي غرسها الأجداد والآباء، وحافظوا على نموّها حتّى وصلتنا على هذه الهيئة.

٧

أقول: كما إنّ أجدادنا وآباءنا عملوا واجتهدوا وأسسوا لنا هذا الأساس الرائد نحن يجب علينا أن نجتهد ونجاهد حتّى نوصل رسالة الموكب الحسيني للأجيال الولائيّة القادمة التي ستأتي من بعدنا.

وحول مسيرة المواكب الحسينيّة المقدّسة أُثيرت خمسة أسئلة اُحاول في هذا الكُتيّب الإجابة عليها بحسب خلفيّتي البسيطة، وأسأل الله أن تعمّ لي ولكم الفائدة والله ولي التوفيق.

أبرز مظاهر العزاء الحسيني

س١: ما هي أبرز مظاهر عادات الشعائر الحسينيّة؟

هناك مجموعة ممارسات لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام يبدون التقيّد بها في أيام المواسم العزائيّة، ونراها ظاهرة وجليّة في المواكب العزائيّة:

أوّلاً: استحباب الحداد

التفرّغ من أجل إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام هو أمر استحبابي؛ ولأجل التعبير عن الحزن والأسى لما جرى عليهم من ضيم نعلن مواساتنا للنبي الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولباقي الخيرة المعصومين إلى آخرهم القائم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه وأرواحنا لتراب مقدمه الفداء).

ففي تاسوعاء وعاشوراء نتقيّد بالحداد العام، ونعطّل عن الأعمال من أجل المشاركة في مراسيم العزاء، وإحياء هذه الشعيرة المقدّسة، وهذا أقلّ ما نستطيع أن نقوم به كموالين لأهل البيتعليهم‌السلام .

٨

ثانياً: لبس السواد ونزع الزينة

بلا شك أنّ السواد هو شعار الحداد، وهو يرمز إلى الجزع والكآبة والحزن على مصاب ذرّيّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ جزع مكروه إلاّ الجزع والحزن على الإمام الشهيدعليه‌السلام ، فهل يُعقل من المعزي أن يتظاهر بأفخر الثياب والزينة وحجّة الله مولاه الحسينعليه‌السلام في يوم عاشوراء جرّدوه الأعداء اللئام من ثيابه، وتركوه عارياً حيث بقي على رمضاء كربلاء ثلاثة أيام بلا غسل ولا دفن؟!

ولو لم يكن لنا من مصيبته إلاّ هذه المصيبة الأليمة لكفتنا أن نملأ الأرض كلّها بالسواد، ونتجلبب بالسواد لتخليد ذكراه.

ثالثاً: اللطم على الصدور والرؤوس

جميع الفقهاء، سواء القائلون بالحرمة وغيرهم، اتفقوا على جواز اللطم والجزع على سيد الشهداءعليه‌السلام :( كلّ جزع مكروه إلاّ على الحسين عليه‌السلام ) .‏

ورد من جملة وقائع كربلاء أنّ أهل البيتعليهم‌السلام بعد عودتهم من السبي التقوا مع جابر الأنصاري وجمع من بني هاشم. يقول ابن طاووس في تصوير المشهد: فوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم.‏

٩

هذا اللقاء العفوي والطبيعي رافقه ردّ فعل شعبي عام تمثّل باللطم، وهذا الأمر كان متعارفاً في العصور المختلفة، وقد كان على مرأى ومسمع من الأئمّةعليهم‌السلام الذين لم يردعوا عنه كما ردعوا عن الجزع واللطم والتفجّع على الأخ والأب والقريب.‏ فاللطم مظهر مقدّس في سبيل إحياء ذكريات المعصومين المظلومينعليهم‌السلام ، وتتفرّع منه عناوين كثيرة من جملتها:

١ - الترويج لأهل البيتعليهم‌السلام ‏.

٢ - إحياء ذكرى عاشوراء وإبقاؤها حيّة في النفوس.‏

٣ - إظهار الجزع على الحسينعليه‌السلام كما ورد في المعتبرة.‏

٤ - إظهار مظلومية آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .‏

وهذه العناوين معترف بها فقهياً، وتوجب رجحان متعلّقاتها ومنها اللطم على الصدور، وهو من أبرز مظاهر الشعائر الحسينيّة في المواكب العزائيّة.‏

اللطم جائز بل مستحب؛ للحديث الشريف:« على مثل الحسين فلتلطم الخدود، ولتُخمش الوجوه » . ولقد لطمنَ الفاطميات (عليهنَّ السّلام)(١) .

كلّنا ندرك أنّه تعظيماً لشعائر الله نحن نلطم على صدورنا؛ ولأنّ الصدر هو موقع ما داس الشمر اللعين على أمامنا الحسينعليه‌السلام .

____________________

(١) راجع مقتل عبد الرزاق المقرّم.

١٠

رابعاً: ضرب الظهر بالزنجيل

هذا اللون من العزاء يعبّر عن مدى تفاعل المعزّين في الموكب العزائي، ويعبّر عن مدى الأشجان التي تختلج في الصدور الملتهبة وهي تحمل في داخلها ثقل المأساة الكربلائيّة؛ فليس اللطم وحده هو الذي يعبّر عن حجم ثقل مصائب المعصومينعليهم‌السلام ، وإنّما في عقيدة الموالين إشراك جميع أبدانهم بما فيها الظهر يفدون بذلك سبط النبي المذبوح.

والزنجيل يُضفي على المسيرة العزائيّة الحماس الجماهيري والتفاعل العاطفي، كذلك لا يختصر على سن معين من المعزّين، بل يشترك فيه مختلف الأعمار في إطار دائرة الموكب الحسيني، حيث يشترك فيه الشيخ المسن، والشاب اليافع، والأطفال الصغار بمختلف أعمارهم.

أيضاً عزاء الزنجيل يُعطي للموكب العزائي خصوصية خاصة في تلحين القصائد الرثائيّة التي ينشدها ويردّدها الرواديد بأصوات حزينة ومؤثّرة.

وهذا اللون من العزاء قد يتعجّب منه سائر الناس من أصحاب الفرق والأديان والمذاهب المتعددة دون المذهب الإمامي، أمّا نحن الإماميّة فقد تعوّدنا على هذه المشاهد منذ طفولتنا، وسنحيي هذه الشعيرة بقوة وبحماس وبدون تردد، وسيبقى عزاء الزنجيل شعيرة دينية يواسي بها عشاق الولاية مصاب أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ زمان ومكان.

١١

خامساً: التطبير وضرب القامة بالسيف

هذا الشكل من العزاء المهيب والمثير والرهيب جعل العالم بأسره يهتزّ من أعماقه؛ منهم مَنْ وقف موقف من الشيعة وقال فيهم: مجانين، ومنهم مَنْ وقف من الشيعة وقال: هؤلاء الذين يدمون رؤوسهم أصحاب بدع وخرافات، ومنهم مَنْ وقف من الشيعة موقف المحايد ولم يبتّ برأي في التطبير؛ حفاظاً على العلاقة والصداقة.

ومن الناس مَنْ وقف موقف المعادي والحاقد على الشيعة ومذهبهم كالنواصب والوهابيِّين، والآخر من جماهير الاُمّة مَنْ وقف موقف المتعاطف ويقول: شيعة أهل البيتعليهم‌السلام لا يلامون، وإمامهم الذي يقتدون به هو ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد مثّل به الاُمويّون شرّ تمثيل، وأراقوا دمه الطاهر، فهم يجرحون رؤوسهم؛ وفاء للتضحية الجسيمة التي قدّمها لأمّة جدّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعة أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولِما قدّمه لإحياء الدين.

هذه المواقف المتعدّدة والمغايرة في عزاء التطبير، المعادية منها والمتعاطفة والمؤيدة، كلّها تصبّ في مشروعية هذا النوع من العزاء الدامي من حيث مشروعيته وعدم مشروعيته.

إنّي في هذا المقام ليس في صدد تناول فتاوى الفقهاء العظام؛ مَنْ أفتى بالحرمة، ومَنْ أفتى بالجواز، أعتقد أنّ مسألة التطبير مسألة خلافية واضحة بين فقهائنا (رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين)، ففي هذا الشأن كلّ منّا يتبع مقلّده ويلتزم بفتواه، ونعزّي الحسينعليه‌السلام بنيّة خالصة.

وفي هذا الصدد أضمّ صوتي مع صوت اُستاذي سماحة الشيخ فوزي آل سيف (حفظه الله تعالى) حيث ردّ على سؤال السائل وقال: التطبير (جرح الرأس بالسيف)، والضرب بالسلاسل، وإدماء الظهر ما وقع فيه الاختلاف (مشروعية أو استحباباً)؛ سواء كان ذلك بالعنوان الأولي أو العناوين الثانوية الطارئة.

١٢

ثمّ تابع القول سماحة الشيخ وقال: إنّ شعائر الحسينعليه‌السلام على اختلاف طرقها وأساليبها يوجد بينها قاسم مشترك، والقاسم المشترك بينها كما يفترض هو أن تساهم في إحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام وإن اختلف البعض في أنّ هذا يساهم أو لا يساهم في إحياء أمرهم، لكن غرضها الأقصى والقاسم المشترك بينها هو الإحياء، فلا يصح أن يحوّلها أتباع أهل البيتعليهم‌السلام إلى ساحة معارك داخليّة تنتهي إلى إضعاف أمر أهل البيتعليهم‌السلام (١) .

نعم يا أحباب أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، إنّ هذا الطرح الوسطي المعتدل يجعلنا نحيي الشعيرة الحسينيّة المقدّسة بما فيها مسيرة الموكب العزائي، ونحن بتمام الثقة والاطمئنان إنّ لطمنا وعزاءنا، وكلّ شيء نقدّمه لأهل البيتعليهم‌السلام فهو مقبول لديهم إنشاء الله تعالى.

لكن الشيء الذي يؤسفني ويؤسف كلّ محبّ لأهل البيتعليهم‌السلام هو لماذا يقف البعض موقف المتشنّج والمتعصّب، وكأنّه يريد أن يلغي عزاء التطبير من قائمة الوجود، وفي مصلحة مَنْ إبداء هذه المعارضة؟

أقول: أنت مرجعك الذي تقلّده لا يجوّز التطبير، ابقى يا أخي على تقليدك، واحتفظ بإخوّتك وصداقتك مع إخوانك الذين مرجعهم يجوّز التطبير، وهذا هو المطلوب. ولو راجعنا أنفسنا قليلاً لوجدنا بأننا كلّنا نسير على هدف واحد، وتحت راية واحدة، وهي راية المراجع العظام، وتحت قيادة الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

وفكّروا أيّها الأحبّة في أسرار هذا الكون بعد استشهاد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ستلاحظون أنّ الكون بما فيه من أفلاك بكى عليهعليه‌السلام ، بل السماء لأجله أمطرت دماً، ولم تجد في ذلك اليوم حجراً إلاّ وتحته دماً عبيطاً، هذا ما ورد في النصوص التاريخيّة.

____________________

(١) راجع الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦، تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٩، تذكرة الخواصّ / ١٥٥، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢ / ٨٩.

١٣

ورد في مقتل الحسين لأبي مخنف قال: لمّا قُتل الحسينعليه‌السلام أمطرت السماء دماً، فأصبحت الحباب والجرار وكلّ شيء ملآن دماً، ولم يُرفع حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط. ولما دخل الرأس المقدّس إلى قصر الإمارة سالت الحيطان ومطرت السماء دماً.

أيّها الأحبّة، ينبغي لنا أن نقف عند هذا النص ونتأمّل كيف أنّ السماوات والأرضين بكت الحسينعليه‌السلام دماً، فنحن لماذا نستكثر على أبيّ الضيم ذلك ولا نُعطي اليسير البسيط من دمائنا ونحن نعبّر عن عواطفنا تجاه مظلوميته؟ فدعوا الذي يستاء من مشهد عزاء التطبير، يستاء ولو أنفقنا ما في الأرض ذهباً لم ولن يغيّروا مواقفهم الشاذة والمتصلّبة ضدّنا وضدّ مذهبنا.

دعك عن الفتاوى المتعدّدة الأوجه التي يثيروها بين الحين والآخر في تكفيرنا وإباحة دمائنا. إذاً لماذا المحاباة وهشاشة الموقف أمام هذه الفئات الضالّة المضلّة التي ما عرفت من الدين إلاّ التكفير والبدع، والشرك والتعنيف؟!

ثمّ هل من المعقول أن نضرب بفتاوى فقهائنا ونتخلّى عن مبدئنا ومعتقدنا من أجل خاطر فلان من الناس وهو حاقد وناقم على عزائنا من أساسه، ويقول: إنّ عزاء الشيعة على الحسينعليه‌السلام كلّه بدعة من بدع الضلال؟!

وأيّ وحدة تقوم بيننا وبينهم وكبار علمائهم يجوّزون ويباركون تفخيخ السيارات، ويترصّدون لأتباع أهل البيتعليهم‌السلام في كلّ مكان، ويفجّرونها في أوساطهم، ويهلكون الحرث والنسل، ويذبحون العلماء، والكبار والصغار، والنساء، ويهدمون بيوت الله ومقدّساتنا ويخربوها؟!

١٤

دماء الشيعة رخيصة للحسينعليه‌السلام

السؤال الذي يفرض نفسه هنا ولا بدّ من تبيان الإجابة عليه هو: لماذا بعض المعزّين من الشيعة يجرحون جباههم وتسيل دماؤهم على وجوههم؟ ولماذا يطبّرون وهم يرتدون الألبسة البيضاء كهيئة الأكفان؟

لا بدّ أن يعرف كلّ مَنْ يهمّه هذا التساؤل مجموعة من الحقائق المعنوية الروحية التي تربط بين الإنسان ومعتقده.

أولاً: من المألوف أنّ مشاهد الدماء مقزّزة للنفس، وهي من الأشياء الغير محبّبة لمشاهدتها، فكيف يقدم الموالي المعزّي عليها ويستحسنها ويدمي نفسه؟! فالأمر هنا لا يخلو من سرّ خفي، وهو يكمن في مدى معرفة هذا الإنسان للبذل والفداء والتضحية ( والمعروف على قدر المعرفة ).

فهؤلاء عرفوا إمامهم الحسينعليه‌السلام تمام المعرفة إلى درجة اليقين؛ حيث إنّهم أيقنوا بأنّ دماءهم ليس أغلى من دم إمامهم؛ لذلك هم يرخصون كلّ شيء في سبيله كما هو أرخص كلّ شيء لهم، وقدّم حتّى طفله الرضيع المذبوح من الوريد إلى الوريد؛ فداء للحفاظ على الدين، وشرف وكرامة الاُمّة.

ثانياً: إنّ من الحقائق المبدئيّة الروحية التي ينصّ عليها العرفانيّون في كتبهم العرفانية شيء اسمه ( وله العشق )، والذين يهرقون دماءهم بهذه الصورة العفوية هؤلاء وصلوا إلى رتبة أنّهم عشقوا مولاهم الحسين (أرواحنا فداه)، وما هذه الدماء الشريفة التي تجري من رؤوس الموالين إلاّ تنمّ عن المستوى الراقي الذي وصلوا إليه في حبّ الحسين وتضحيته الدامية، جعلنا الله وإيّاكم أن نكون من عشّاق الحسينعليه‌السلام .

١٥

ثالثاً: حمرة الدم في المواكب العزائيّة الحسينيّة ترمز إلى حمرة دماء سيد الشهداءعليه‌السلام ، ودماء الصفوة البررة الذين استشهدوا معه من أهل بيته وأنصاره في ساحة الطفّ والفداء.

وأمّا هزّ السيف بتلك القبضات الحسينيّة فإنّها ترمز للقوّة، وأنّ الحسينعليه‌السلام يمثل القوّة في حياته وفي مماته؛ من هنا يتبيّن أنّ المنتصر الحقيقي في المعركة ليس يزيد بن معاوية، وإنّما المنتصر هو حسين الخلود، وحسين البقاء.

ظنّوا بأنّ قتل الحسينَ يزيدُهمْ

لكنّما قتل الحسينُ يزيدا

فإذا قبض المعزّون السيوف وهزّوها وقاموا قائمين على سيوفهم فإنّهم يتقلّدون الشجاعة والتضحية والفداء، ويرتقبون ذلك اليوم الذي يأذن الله لوليه صاحب العصر والزمان المهدي الموعود (عجّل الله تعالى فرجه، وأرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يقوم بالسيف، ويأخذ بثأر جدّه الحسينعليه‌السلام ، ويرفع شعار(يا لثارات الحسين).

فالمعزّون الشيعة عندما يلبسون اللباس الأبيض على هيئة الكفن ويتقلّدون بالسيوف، هو تعبير يرمز إلى أنّهم قد جنّدوا أنفسهم لذلك اليوم المعهود. لا سيما أنّ هناك رواية منصوصة تقول: إنّ الإمام الحجّةعليه‌السلام يخرج يوم العاشر من المحرّم الحرام في يوم الجمعة.

نعم أقول: إنّ الشيعة ليس بمجانين، ولا بخارجين عن الملّة، ولا بأصحاب بدع وضلال كما تقوّلت عليهم الأقاويل الشاذة والمغرضة، وإنّما الشيعة هم أمّة موحّدة تحمل رسالة مقدّسة، وهي رسالة الإسلام، وتعظيم شعائر الله تعالى تحت إطار القيم المبدئية والشرعية في الدين الحنيف.

١٦

سادساً: القصائد الرثائيّة الحسينيّة

من خلال تتبعنا وملاحظاتنا لمسيرة بعض المواكب التي تخرج يوم عاشوراء في المنامة وغيرها من المناطق في البحرين، نلاحظ أن أكبر شيء محرّك للعزاء هي القصيدة، فإذا كانت القصائد ذات كلمات مفهومة أدبية بلاغية قوية هادفة فإنّ الجماهير تتأثر بها، بل في غالب الأحيان تردّدها وتحفظها وتصبح اُنشودة على كلّ لسان.

فالقصيدة الرثائيّة هي قطب الرحى المحرّك للمواكب العزائيّة، فلنهتم يا أحباب الحسينعليه‌السلام بنظم القصائد الولائيّة الهادفة التي تمثّل عصب الرثاء، ونهتم بالموروث الأدبي الحسيني.

ولدينا من أدب الطفّ الكثير من المخزون التراثي من أدباء ماضين ولاحقين معاصرين، وهناك من دواوين حسينيّة فيها من القصائد الرائعة في التصوير والتشبيه ما هو مستفيض كالبحر المتلاطم.

أيضاً هناك من الرواديد المبدعين الذي هو يختار نمط القصيدة له من وزن وقافية؛ فيقولب المستهل، ويبحث عن أدباء وشعراء ويطلب منهم أن ينظموا له وزناً استعراضياً رائعاً بحسب ما هو يريد ويرغب ويتكيف معه أثناء الأداء.

وهذا الإبداع جميل ومستحسن، ويسهم إسهاماً كبيراً في انماء استقامة الموكب العزائي، ويضفي على العزاء روح الإقبال والمشاركة من الجميع ( ورحم الله مَنْ عمل عملاً فأتقنه ).

١٧

سابعاً: تمثيل الشبيه وتصوير الحدث

إنّ هذا اللون الاستعراضي الرائع يصوّر لنا قافلة الرسالة والاستشهاد، ويجسّد لنا حركة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام منذ أن خرج من وطن جدّه الحجاز مهاجراً إلى أرض العراق وحتّى أن استشهد وأحرقوا خيامه بالنار؛ حيث تشاهد في الشبيه مشاهد للخيول، ومشاهد اُخرى للجمال محمّلة عليها الهوادج، وتشاهد أمامك ساحة من الساحات خُصّصت لنصب الخيام، وبعد ظهيرة يوم العاشر تُحرق بالنار، وترى فيها أطفال ونساء وهنّ يصرخن ويتفاررن في البيداء.

هذه المشاهد بلا شك تجعل المشاهدين الذين يشاهدون العزاء في صورة الحدث التأريخي المأساوي المحزن، ولما جرى على أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قتل وتمثيل وتنكيل، وسلب ونهب، وسبي وحرق للخيام، فدعونا لا نغفل عن القيام بتشبيه هذا الدور المؤثر الذي لا أعتقد أنّ هناك في الوجود إنسان ذو قلب رحيم يراه ولا يتأثر بمشاهدته له.

وحول التفصيل عن دور الشبيه المؤثر في العزاء الحسيني راجع كتابنا الآخر (الحسين سفينة نجاة العالمين).

١٨

ثامناً: الرايات والأعلام العزائيّة الملوّنة

كلّ فاتح وثائر في هذه الحياة تُعقد له راية باسمه، والحسينعليه‌السلام أبو الثوار وقائد الأحرار، وهو عظيم العظماء، ورايته الحسينيّة المظفّرة تفوق كلّ راية العظماء والفاتحين؛ إنّها راية العزّة والكرامة والحرية، وهي راية الحمد التي حملها جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزواته، وحملها أبوه أمير المؤمنينعليه‌السلام في حروبه، ولمّا دنت منه الوفاة سلّمها إلى الحسن المجتبىعليه‌السلام ، ثمّ لمّا دنت وفاته سلّمها لأخيه الحسينعليه‌السلام وهكذا.

هذه الراية المقدّسة تدرّجت في مدارج التناول من يد إمام معصوم ليد إمام آخر، إلى أن تسلّمها الإمام الثاني عشر الحجّة المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وسوف يأتي بها في ظهوره وينشرها، وقد كانت خضراء، لكنّهعليه‌السلام يستبدلها باللون الأحمر؛ لأنّ راية جدّه الحسينعليه‌السلام امتزجت بالألوان الثلاثة، باللون الأسود وهو لون الحداد والحزن والجزع.

وبهذا اللون الكاتم سخّر الله تعالى لوليه الحسينعليه‌السلام شيعة تحيي ذكرى مصابه بالتوارث جيل بعد جيل، وهم قابضون بأيديهم الأعلام السوداء، مكتوب عليها:(يا مظلوم يا حسين) ، ويلوّحونها في مسيرات المواكب العزائيّة.

واللون الثاني هو اللون الأحمر، وهو لون الدم والشهادة الدامية، وقد تراءت هذه الحمرة في كبد السماء حين قُتل الحسينعليه‌السلام في يوم العاشر من المحرّم سنة ٦١ هـ.

واللون الثالث هو اللون الأخضر، هذا اللون الذي جرح قلب العقيلة زينبعليه‌السلام حينما جاءت من بعد مصرع أخيها، فرأت جسد حجّة الله ملقى على الأرض وقد صهرته الشمس بحرارتها، وغيّرت لونه ومحاسنه وقلبته إلى الاخضرار.

وأمام هذا المشهد تحيّرت بطلة كربلاء، وأخذت تحلّق بنظراتها إلى جثث القتلى إلى أن وقع بصرها على جثة الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّه - بأبي هو واُمّي - قد تغيّر جسده الطاهر عليها. فنحن الشيعة عندما نحمل هذه الرايات الثلاث الملوّنة ونلوّح بها في مسيرات العزاء ليس اعتباطاً، إنّما هي ترمز لهدف مبدئي مقدّس.

١٩

تاسعاً: اللوحات الفنّية للرسّامين والخطّاطين

إنّ في هذا المظهر الحيوي الهام إبداعات جميلة يتعشّقها كلّ هواة الفن؛ لِما يشبع نهمهم ويروي ظمأهم من مناظر فنّية لا يتذوّقها إلاّ صاحب الذوق الرفيع، ومَنْ له اهتمام بالموروث الديني والثقافي، والاجتماعي والروحي والحضاري.

وهنا لا بدّ لنا من وقفة مع ريشة الفنان الرسّام الحسيني الذي يُبدع في تصوير حادثة الطفّ، ويرسم لنا تلك اللوحات المأساوية، ونحن لا نراها إلاّ جاهزة ومعلّقة على حيطان المآتم، وفي الطرقات، وأثناء انطلاقة المواكب العزائيّة.

وكذلك الأمر لذلك الجندي المجهول الذي يعمل دائماً من تحت الستار، وهو ذلك الخطّاط حينما يخطّ بقلمه الشعارات الحسينيّة وغيرها من أقوال المعصومينعليهم‌السلام في مختلف مناسباتهم، وهو يحاول إبراز دقّة فنّه؛ لكي يظهر بالمظهر الذي يتماشى مع حجم الحدث العاشورائي وغيره من المناسبات العظيمة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( إيهاب ـ مصر ـ ١٥ سنة ـ طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة »(١) .

____________

١ ـ السرائر ٣ / ٥٧٧.

٤١

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(١) .

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (٢) .

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

____________

٢ ـ أُنظر : فقه السنّة ٣ / ٥١٣.

١ ـ البقرة : ٢١٩.

٤٢

الشفاعة :

( أُمّ زهراء ـ السعودية ـ )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّدعليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

٤٣

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهمعليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي الله خصومه.

أمّا كيف يرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسينعليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمامعليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهمعليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال ـ قطر ـ )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من شذّ منهم.

٤٤

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له »(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(٢) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(٣) .

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(٤) .

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي »(٥) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٢١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و ٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠ ، مسند الشاميين ٤ / ١٤٩.

٤ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و ٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و ٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ١ / ٢١١.

٤٥

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (١) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا قول الله عزّ وجلّ :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(٤) .

وعن جابر بن عبد الله قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(٥) .

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٨.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٨٥.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٤ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨.

٥ ـ المعجم الأوسط ١ / ٦١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٤٣٦ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٨٦.

٤٦

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة »(١) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٢) .

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم‌السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

١ ـ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادقعليه‌السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

____________

١ ـ التبيان ١ / ٢١٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٤.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٤٧

٢ ـ إنّ شفاعة أهل البيتعليهم‌السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادقعليه‌السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

٣ ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى :( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير ـ السعودية ـ )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

____________

١ ـ الأعراف : ١٥٦.

٤٨

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(١) .

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(٢) .

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(٣) .

( جعفر سلمان ـ البحرين ـ )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :

س : هل شفاعة المعصوم عليه‌السلام متأخّرة رتبة على إرادة الله؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٣ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، كنز العمّال ١٠ / ١٥١ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥٥١.

٤٩

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصومعليه‌السلام من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصومعليه‌السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصومعليه‌السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّهعليه‌السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصومعليه‌السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكونعليه‌السلام من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى.

( الحائر ـ السعودية ـ )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

٥٠

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(١) .

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٣) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٥١
٥٢

الشهادة الثالثة في الأذان :

( السيّد علي رضا ـ ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية ـ أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان ـ مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واسم الإمام عليعليه‌السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

١ ـ عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين »(١) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.

٥٣

٢ ـ عن أبي الحمراء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به »(١) .

٣ ـ عن عبد الله بن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

٤ ـ عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (٣) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(٤) .

ففي كُلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(٥) .

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٨.

٣ ـ الأعراف : ١٧٢.

٤ ـ فردوس الأخبار ٢ / ١٩٧.

٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥١ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠ ، كتاب السنّة : ٥٨٢ ، أمالي المحاملي : ٢٠٣ و ٣٦٧ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، نظم درر السمطين : ١١٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ و ١٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ ، المناقب : ١١٠ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٩.

٥٤

والخلاصة : إنّ الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية في الأذان ـ عند أكثر علمائنا ـ مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( طلال ـ الكويت ـ سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ الله علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة ـ بحسب الأحاديث التي وصلتهم ـ هو ما كان في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

١ ـ التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(١) .

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول الله علّمني سنّة

____________

١ ـ أُنظر : المجموع ٣ / ٩٠ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، مغني المحتاج ١ / ١٣٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ / ٨٨.

٥٥

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : الله أكبر »(١) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(٢) .

٢ ـ أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(٣) .

٣ ـ التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(٤) .

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خالٍ عن التثويب(٥) .

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(٦) .

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(٧) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٨) .

____________

١ ـ سنن أبي داود ١ / ١٢١ ، تحفة الأحوذي ١ / ٤٨٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٥٧٨ ، المعجم الكبير ٧ / ١٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٤.

٢ ـ أُنظر : الجامع الكبير ١ / ١٢٢ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٨٩ ، أُسد الغابة ٣ / ١٦٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤١ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ، سنن النسائي ٢ / ٣.

٤ ـ الأُم ١ / ١٠٤ ، المجموع ٣ / ٩٢ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بدائع الصنائع ١ / ١٤٨.

٥ ـ صحيح مسلم ٢ / ٣.

٦ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٧.

٧ ـ الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٥.

٨ ـ نيل الأوطار ٢ / ١٨.

٥٦

٤ ـ أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها ـ وهو على المنبر ـ إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(١) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(٢) .

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(٣) .

٥ ـ المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : «وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين اسم عليعليه‌السلام (٤) .

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(٥) .

____________

١ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤ ، مسند زيد بن علي : ٩٣.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٥٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٤٢.

٤ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٤ ، مسند أبي داود : ١١١ و ٣٦٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧٩ ، كتاب السنّة : ٥٥٠ ، السنن الكبرى للنسائي

٥٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(١) .

وأخيراً :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

( ـ لبنان ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين

____________

٥ / ٤٥ و ١٢٦ و ١٣٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ و ٩٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ و ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين : ٧٩ و ٩٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٧ و ١٣ / ١٤٢ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ و ١٩٨ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، المناقب : ١٢٧ و ١٥٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ٢ / ٧٨ و ٨٦ و ١٥٩ و ٢٣٦ و ٣٩٨ و ٤٩٠ و ٣ / ٣٦٤.

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٥٨

الشورى :

( علي ـ البحرين ـ )

معنى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(١) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم ـ مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد ـ على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(٢) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٤٢٨.

٥٩

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (١) .

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ الله ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(٢) .

( أحمد ـ السعودية ـ )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (٣) .

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى الله تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٩٠ ، فيض القدير ٥ / ٥٦٥ ، فتح القدير ١ / ٣٩٥.

٢ ـ الصحيح من سيرة النبيّ ٦ / ٩٠.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦٠

61

62

63