علوم القرآن

علوم القرآن7%

علوم القرآن مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 531

علوم القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219575 / تحميل: 19578
الحجم الحجم الحجم
علوم القرآن

علوم القرآن

مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

أدلّ على بطلان هذه المسلك من التمسّك به على صحّته... ) (١) .

كما لاحظ عليه السيّد رشيد رضا بمثل هذه الملاحظة حيث قال:

(إنّ أضعف ما قيل في هذه الحروف وأسخفه أنّ المراد بها الإشارة بأعداها في حساب الجمل إلى مدّة هذه الأُمّة أو ما يشابه ذلك) (٢) .

التاسع:

إنّ ذكر هذه الحروف في القرآن الكريم يدل على ناحيةٍ اعجازيّة تشبه دلالة بقيّة الآيات القرآنية؛ وذلك لأنّ النطق بهذه الحروف وإن كان متيسّراً بالنسبة إلى كلّ من يتكلّم العربية، ولكنّ أسماءها لم تكن تتيسّر إلاّ للمتعلِّم من العرب، ولمّا كان النبي (صلّى الله عليه وآله) أُمّيّاً - كما يعرفه بذلك معاصروه - فقدرته على معرفة أسمائها قرينة على تلقّيه ذلك من قِبَل الغيب، ويكون ذلك من قبيل ذكر القصص القرآني الذي لم يكن للنبي (صلّى الله عليه وآله) طريقٌ للاطّلاع عليه غير الوحي الإلهي، لعدم اطّلاع قريش عليه قبل هذا، وأيضاً هو بمنزلة من يتكلّم باللُّغة الأجنبيّة من دون أن يسمعها أو يتعلّمها من أحد، ولعلّ هذا هو السبب في تقديم ذكرها على السورة كلّها.

وقد أوضح الزمخشري هذه الفكرة بإبداء ملاحظةٍ أُخرى هي: أنّ ظاهرة غريبة تُلاحظ حين نريد أن ندرس هذه الحروف بدقّة، تدعونا إلى الحكم بأنّ هذه الحروف قد أُختيرت بعنايةٍ فائقةٍ لا تتوفّر إلاّ لدى المتخصّصين من علماء العربية، ذلك أنّ هذه الحروف تمثّل نصف أسامي الحروف العربية، حيث إنّ عددها أربعة عشر، كما أنّها جاءت في تسع وعشرين سورة هي عدد حروف المعجم كلّها بإضافة الهمزة، ثمّ إذا نظرت في هذه الحروف الأربعة عشر وجدتها مشتملةً على أنصاف أجناس الحروف من المهموسة والمجهورة، والشديدة والرخوة، والمطبقة

________________________

(١) تفسير القرآن العظيم ١: ٦٨.

(٢) المنار ١: ١٣٢.

٤٤١

والمنفتحة، والمستعلية والمنخفضة.

وقد أضاف أحمد بن المنير في شرحه للكشّاف إضافاتٍ أُخرى عديدة (١) .

وهذه الملاحظة يمكن أن تكون مؤكّدةً هذه الفكرة، كما يمكن أن تؤيّد - أيضاً - القول السادس الذي أشار إليه الزمخشري أيضاً، في ذيل هذه الملاحظة وكأنّه حاول أن يوائم بين القول: السادس والتاسع (٢) .

العاشر:

ما ذكره ابن كثير وأوضحه السيّد رشيد رضا وحاصله:

أنّ من الملاحظ أنّه قد جاء بعد هذه الحروف ذكر الكتاب الكريم ونبأ تنزيله، ولم تتخلّف عن ذلك إلاّ سور أربع هي: مريم والعنكبوت والروم والقلم، وفي كلّ واحدةٍ منها أمراً مهمّاً يشبه مسألة الكتاب وإنزاله.

فإنّنا نجد في فاتحة سورة مريم خلق يحيى من امرأة عاقر كبيرة، ومن شيخٍ عجوز، وهو أمرٌ يخالف القوانين التجريبيّة السائدة، وفي فاتحة العنكبوت والروم نجد أمرين مهمّين يرتبطان بالدعوة ومصيرها، حيث جاء في فاتحة العنكبوت بيان قانون اجتماعي وضعه الله لاختبار الناس وتمييز الصالح منهم عن غيره، ولهذا القانون تأثيرٌ كبيرٌعلى سير الدعوة، حيث يوضّح أنّ الفتنة والعذاب لا يمكن أن يكونا دليلاً على خذلان الله لأحبائه وإنّما هما اختبارٌ لصدق إيمانهم ورسوخه.

وفي فاتحة الروم قضيّة الإخبار بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين.

وفي فاتحة القلم وخاتمتها تبرئة الرسول من تهمة الجنون التي كانت من أوّل ما رُمي به النبي (صلّى الله عليه وآله) من تهم، كما أنّ السورة كانت من أوّل ما نزل من القرآن.

ومن الواضح أنّ هذه القضايا ترتبط جميعاً بالوحي الإلهي أو الرسالة بصورةٍ مباشرة، وهذا الارتباط بين الحروف المقطّعة وبين تأكيد الكتاب وإنزاله من

________________________

(١) الزمخشري، الكشّاف ١: ٢٣ - ٢٤، واقرأ تعليق أحمد بن المنير الإسكندري أيضاً.

(٢) المصدر السابق: ٢٩ - ٣٠.

٤٤٢

السماء والرسالة وعلاقتها بالسماء يدعونا للقول: إنّه إنّما جيء بها لغاية قرع الأسماع وهز القلوب ودفع الناس إلى استماع القرآن الكريم والإنصات إليه (١) .

وهذا المذهب يكاد ينطلق من المذهب السابع - كما اعترف بذلك السيّد رشيد رضا - كما أنّ السيّد رشيد رضا يخطئ حين يتصوّر أنّه انفرد به حيث سبقه للإشارة إليه ابن كثير، وإن كان قد اختار تضعيفه.

موقفنا من هذه المذاهب:

وموقفنا من هذه المذاهب يتحدّد في ضوء بعض الظواهر العامّة التي عاشتها مسألة (فواتح السور) وهي:

١ - عدم ورود تفسير واضح للفواتح عن الرسول.

٢ - سكوت الصحابة بشكلٍ عام عن سؤال الرسول بصدد هذا الموضوع.

٣ - عدم تعارف استعمال العرب لهذا الأُسلوب في كلامهم.

وهذه الظواهر الثلاث تجعلنا نؤمن بأنّ الموقف تجاه هذه الحروف من قِبَل معاصري الوحي والنبوّة كان واضحاً وجليّاً، الأمر الذي أدّى إلى سكوت النبي عن بيانه والصحابة عن سؤاله، وحينئذٍ فإمّا أن يكون هذا الوضوح نتيجة توضيح النبي بأنّها من المتشابِهات التي يحسن السكوت عنها والتسليم بها.

أو أنّه كان نتيجة أنّ الغاية من استعمالها كانت جاريةً على نهج المذهب السادس أو السابع؛ فإنّهما المذهبان الوحيدان اللذان يفسِّران هذه الظاهرة بشكلٍ ينسجم مع هذه الظواهر المسلّمة بدون الحاجة إلى السؤال والاستفسار.

________________________

(١) تفسير القرآن العظيم ١: ٦٨، والمنار ٨: ٢٥٦ - ٢٨٩، ولكنّ ابن كثير يذكر هذه الملاحظات بصدد التنبيه على ارتباط الحروف بالإعجاز كما ذكره في الوجه السادس حيث اختاره.

٤٤٣

أمّا المذهب السادس فباعتبار أن هذه الألفاظ هي أسماءٌ للحروف، ومن الطبيعي أن نفترض أنّ العرب كانوا يفهمون منها مسمّياتها، وكانوا يفسِّرون ذكرها في أوائل السور على أساس هذا الترابط بين هذه الحروف وقضيّة التحدّي في القرآن.

وأمّا المذهب السابع فباعتبار أنّ هذا الأُسلوب كان يمثّل عمليّةً خارجيّةً يمارسها النبي (صلّى الله عليه وآله) لإسكاتهم وإلفات أنظارهم وكانت بوجودها الخارجي والقرائن الحاليّة تدل على مضمونها وهدفها من دون حاجةٍ إلى تفسير، نظير بعض الإشارات باليد أو العين أو الأفعال التي كان يقوم بها النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان يفهمها المشاهدون مباشرةً دون حاجةٍ إلى سؤالٍ أو استفسارٍ أو شرح.

ويكون هذا الأُسلوب في الإلفات من الأساليب التي برع القرآن في استعمالها.

٤٤٤

استخلاف آدم (الإنسان)

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ* وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ* وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١) .

هذه الآيات العشر تتحدّث عن قضيّة استخلاف الله سبحانه لآدم على الأرض، وقضيّة الاستخلاف تشتمل على جانبين وفصلين:

الفصل الأوّل منهما يتناول: معنى الاستخلاف والحكمة والعلّة فيه، وهذا الجانب

________________________

(١) البقرة: ٣٠ - ٣٩.

٤٤٥

من قصّة آدم يكاد ينحصر ذكره والحديث عنه في القرآن الكريم بهذا المقطع القرآني فقط (١) ، وإن كان من الممكن أن تكون جميع آيات الاستخلاف مؤكّدةً هذا المقطع وإن لم تكن بهذا الوضوح.

والفصل الثاني، يتناول: العملية التي تمّ بها إنجاز هذا الاستخلاف، وهذا الجانب تحدّث عنه القرآن في مواضع متعدّدة لا بُدّ من دراستها بشكلٍ عام.

الفصل الأوّل: الحكمة في استخلاف آدم:

وما يعنينا من دراسته في هذا الفصل من هذا المقطع القرآني الشريف، هو: الآيات الأربع الأُولى، والبحث فيها - وما تضمّنته من معلومات ومفاهيم - له جانبان:

الجانب الأوّل:

تحديد الموقف العام تجاه دراسة هذا المقطع القرآني وتصوير ما يعنيه القرآن الكريم منه.

الجانب الثاني:

تحديد الموقف القرآني والإسلامي تجاه بعض المفاهيم التي جاءت في المقطع بالشكل الذي ينسجم مع المسلّمات القرآنية والظهور اللّفظي لهذا المقطع بالخصوص.

وفيما يتعلّق بالجانب الأوّل نجد الشيخ محمد عبده، تبعاً لبعض الدارسين المتقدّمين يذكر رأيين مختلفين بحسب الشكل وإن كانا يتّفقان في النهاية، حسب ما يقول:

الرأي الأوّل:

هو الذي سار عليه السلف واختاره الشيخ محمد عبده نفسه

________________________

(١) بالإضافة إلى بعض الإشارات الأُخرى مثل قوله تعالى:

( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب: ٧٢، وقوله تعالى:

( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الأنعام: ١٦٥، وفاطر: ٣٩، والزخرف: ٦٠، وغيرها.

٤٤٦

أيضاً، حيث يقول:

(وأمّا ذلك الحوار في الآيات فهو شأن من شؤون الله مع ملائكته، صوّره لنا في هذه الفصول بالقول والمراجعة والسؤال والجواب، ونحن لا نعرف حقيقة ذلك القول، ولكنّنا نعلم أنّه ليس كما يكون منّا، وأنّ هناك معاني قصدت إفادتها بهذه العبارات، وهي عبارة عن شأنٍ من شؤونه تعالى قبل خلق آدم، وأنّه كان يعد له الكون، وشأن مع الملائكة يتعلّق بخلق نوع الإنسان، وشأن آخر في بيان كرامة هذا النوع وفضله) (١) .

والرأي الثاني:

الرأي الذي سار عليه الخلف من المحقّقين وعلماء الإسلام الذين بذلوا جهدهم في دراسة القرآن والتعرّف على مقاصده، حيث يرون أنّ هذه القصّة بمواقفها المختلفة إنّما جاءت على شكل التمثيل ومحاولة تقريب النشأة الآدميّة الإنسانية وأهمّيّتها وفضيلتها، وأنّ جميع المواقف والمفاهيم التي جاءت فيها لا يمكن تحديد المعاني والأهداف التي قُصدت منها.

فالرأي الأوّل والثاني وإن كانا يلتقيان في حقيقة تنزيه الله سبحانه وتعالى وعالم الغيب عن مشابهة المخلوقات المادّيّة المحسوسة في هذه المواقف المختلفة، وكادا يتّفقان - أيضاً - في الأهداف والغايات العامّة المقصودة من هذه المقطع القرآني ولكنّهما مع ذلك يختلفان في إمكانية تحديد بعض المفاهيم التي وردت في المقطع، كما سوف يتضح ذلك عند معالجتنا للمقطع القرآني من جانبه الآخر.

وفيما يتعلّق بالجانب الثاني نجد السلف - انسجاماً مع موقفهم في الجانب الأوّل - يقفون من دراسة المقطع موقفاً سلبيّاً، ويكتفون - في بعض حالات الانفتاح - بذكر الفوائد الدينيّة التي تترتّب على ذكر القرآن لهذا المقطع القرآني (المتشابِه).

وقد أشار الشيخ محمد عبده إلى بعض هذه الفوائد، ونكتفي بذكر فائدتين منها:

الأُولى:

أنّ الله سبحانه وتعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده أن يسألوه عن

________________________

(١) المنار ١: ٢٥٤.

٤٤٧

حكمته في صنعه وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه.

الثانية:

إنّ الله سبحانه لطيف بعباده رحيم بهم، يعمل على معالجتهم بوجوه اللطف والرحمة، فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ويجيبهم عن سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجّة، بعد أن يرشدهم إلى واجبهم من الخضوع والتسليم:

( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ ) (١) .

وأمّا الخلف فقد حاولوا إيضاح المفاهيم التي وردت في هذا المقطع القرآني ليتجلّى بذلك معنى استخلاف الله سبحانه وتعالى لآدم، وسوف نعرض هنا أهم هذه المفاهيم المرتبطة بقضيّة الاستخلاف، مع ذكر الآراء المختلفة فيها ثمّ نتحدّث عن المعنى العام للمقطع القرآني:

مفاهيم حول الاستخلاف:

١ - الخلافة:

الخليفة بحسب اللُّغة: من خلف من كان قبله وقام مقامه وسدّ مسدّه، وتُستعمل - أيضاً - بمعنى النيابة (٢) ، ومن هذا المنطلق يُطرح هذا السؤال : لماذا سُمّي آدم خليفة؟

توجد هنا عدّة آراء:

الأوّل:

إنّ آدم سُمّي خليفة؛ لأنّه خلف مخلوقات الله سبحانه في الأرض، وهذه المخلوقات إمّا أن تكون ملائكة، أو يكونوا الجنّ الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء، كما رُوي عن ابن عبّاس، أو يكونوا آدميّين آخرين قبل آدم هذا.

الثاني:

إنّه سُمّي خليفة؛ لأنّه وأبناءه يخلف بعضهم بعضاً، فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها بعضها الآخر، وقد نُسب هذا الرأي إلى الحسن البصري.

الثالث:

إنّه سُمّي خليفة؛ لأنّه يخلف الله سبحانه في الأرض؛ وفي تفسير هذه

________________________

(١) البقرة: ٣٠ - ٣١.

(٢) مفردات الراغب: مادّة (خلف).

٤٤٨

الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللُّغوي تعدّدت الآراء واختلفت:

أ - أنّه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق.

ب - يخلف الله سبحانه في عمارة الأرض واستثمارها، من إنبات الزرع وإخراج الثمار وشق الأنهار وغير ذلك (١) .

ج - يخلف الله سبحانه في العلم بالأسماء كما ذهب إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي (٢) .

د - يخلف الله سبحانه في الأرض بما نفخ الله فيه من روحه ووهبه من قوّةٍ غير محدودة، سواء في قابليتها أم شهواتها أم علومها؛ كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد عبده (٣) .

ولعلّ المذهب الثالث هو الصحيح من هذه المذاهب الثلاثة، خصوصاً إذا أخذنا في مدلوله معنىً واسعاً لخلافة الله في الأرض، بحيث يشمل مجمل الآراء الأربعة التي أشرنا إليها في تفسيره؛ لأنّ دور الإنسان في خلافة الله في الأرض يمكن أن يشمل جميع الأبعاد والصور التي ذكرتها هذه الآراء، فهو يخلف الله في الحكم والفصل بين العباد بما منح الله هذا الإنسان من صلاحية الحكم بين الناس بالحق:

( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ... ) (٤) .

وكذلك يخلفه في عمارة الأرض واستثمارها من إنبات الزرع وإخراج الثمار والمعادن وتفجير المياه وشقّ الأنهار وغير ذلك:

( ... فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٥) .

ولعلّ أكثر موارد استعمال (خلائف وخلفاء واستخلاف)

________________________

(١) هذا الرأي وما قبله ذكره الطوسي في التبيان ١: ١٣١.

(٢) الميزان ١: ١١٨.

(٣) المنار ١: ٢٦٠.

(٤) ص: ٢٦.

(٥) الملك: ١٥.

٤٤٩

أُريد منه هذا النوع من الاستخلاف:

( وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (١) .

وكذلك يخلف الإنسان الله في الأرض بعلمه بالأسماء والمعارف والكمالات التي يتكامل من خلالها ويسير بها نحو الله تعالى.

ولعلّ ما ذكره الشيخ محمد عبده إنّما يُمثّل السر في منح الإنسان هذه الخلافة؛ لأنّه يتميّز بهذه المواهب والقوى والقابليّات:.

٢ - كيف عرف الملائكة أنّ الخليفة يُفسِد في الأرض؟:

لقد ذكر المقطع القرآني أنّ جواب الملائكة عن إخبارهم بجعل آدم خليفةً في الأرض أنّهم تساءلوا عن سبب انتقاء هذا الخليفة الذي يُفسِد في الأرض، فكيف عرف الملائكة هذه الخصّيصة في هذا الخليفة، وهنا عدّة آراء:

الأوّل:

إنّ الله سبحانه وتعالى أعلمهم بذلك؛ لأنّ الملائكة لا يمكن أن يقولوا هذا القول رجماً بالغيب وعملاً بالظن (٢) .

الثاني:

إنّهم قاسوا ذلك على المخلوقات التي سبقت هذا الخليفة الذي سوف يقوم مقامها، كما يُشير إلى ذلك بعض الروايات والتفاسير (٣) .

الثالث:

إنّ طبيعة الخلافة تكشف عن ذلك بناءً على الرأي الأوّل من المذهب الثالث في معنى الخلافة، حيث يُفترض الاختلاف والنزاع، ولازمه الفساد في الأرض وسفك الدماء، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

الرابع:

إنّ طبيعة الخليفة نفسه تقتضي ذلك، وهنا رأيان:

أ - إنّ المزاج المادّي والروحي لهذا المخلوق الذي يريد أن يجعله الله خليفة.

________________________

(١) الأعراف: ٧٤.

(٢) التبيان ١: ١٣٢.

(٣) المصدر السابق: ١٣٣.

٤٥٠

والأساس الاجتماعي للعلاقات الأرضيّة التي سوف تحصل بين أبناء هذه المخلوقات هي التي جعلت الملائكة يعرفون ذلك، يقول العلاّمة الطباطبائي:

(إنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى الغضبيّة والشهويّة، والدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركّباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها وإصلاحاتهامظنّة الفساد ومصب البطلان، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعيّة ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء) (١) .

ب - إنّ الإرادة الإنسانية بما أُعطيت من اختيار يتحكّم في توجيهه العقل بمعلوماته الناقصة هي التي تؤدّي بالإنسان إلى أن يُفسد في الأرض ويسفك الدماء، قال محمد عبده:

(أخبر الله الملائكة بأنّه جاعلٌ في الأرض خليفة، نفهم من ذلك أنّ الله يودع في فطرة هذا النوع الذي يجعله خليفة، أن يكون ذا إرادةٍ مطلقة واختيارٍ في عمله غير محدود، وأنّ الترجيح بين ما يتعارض من الأعمال التي تعنّ له تكون بحسب علمه، وأنّ العلم إذا لم يكن محيطاً بوجوه المصالح والمنافع فقد يوجّه الإرادة إلى خلاف المصلحة والحكمة، وذلك هو الفساد وهو معيّن لازم الوقوع؛ لأنّ العلم المحيط لا يكون إلاّ لله تعالى) (٢) .

ويبدو أنّ الرأي الأوّل هو الصحيح، حيث إنّه تعالى لا بُدّ وأنّه قد أعلم الملائكة بحال وطبيعة هذا المخلوق الذي ينتهي به الحال إلى هذه النتائج.

وأمّا ما بُيّن من هذه الطبيعة فلعلّ الصحيح هو بيان أمرين:

أحدهما: الخصوصيّة المادّيّة التي أشار إليها العلاّمة الطباطبائي، والهوى في طبيعة هذا الخليفة.

والآخر: هو أنّ هذا الإنسان مريدٌ ومختارٌ يعمل بإرادته، كما ذكر الشيخ محمد عبده، ويمكن أن نفهم ذلك من قرينة تعقيب الملائكة أنفسهم، الأمر الذي

________________________

(١) الميزان ١: ١١٥، والتفسير الكبير ١: ١٢١، والميزان ١: ١١٩.

(٢) المنار ١: ٢٥٦.

٤٥١

استدعى التوضيح الإلهي الذي يشتمل على بيان الخصوصيّة التي تجعل هذا الموجود مستحقّاً لهذه الخلافة وهو العلم.

٣ - الأسماء:

والأسماء من المفاهيم التي وقع الخلاف فيها بين علماء التفسير حول حقيقتها والمراد منها، والآراء فيها تسير في الاتجاهين التاليين:

الأوّل:

أنّ المراد من الأسماء الألفاظ التي سمّى الله سبحانه بها ما خلقه من أجناس وأنواع المحدثات وفي جميع اللُّغات، وهذا الرأي هو المذهب السائد عند علماء التفسير ونُسب إلى ابن عبّاس وبعض التابعين (١) .

وينطلق أصحاب هذا المذهب في تفكيرهم إلى أنّ الله سبحانه كان قد علَّم آدم جميع اللّغات الرئيسة.

وقد كان ولده على هذه المعرفة، ثمّ تشعّبت بعد ذلك واختصّ كلّ جماعةٍ منهم بلغةٍ غير لغة الجماعة الأُخرى.

الثاني:

إنّ المراد من الأسماء: المسمّيات، أو صفاتها وخصائصها، لا الألفاظ وحينئذٍ فنحن بحاجةٍ إلى القرينة القرآنية أو العقليّة التي تصرف اللّفظ إلى هذا المعنى الذي قد يبدو أنّه يخالف ظاهر الإطلاق القرآني لكلمة (الأسماء) الدالّة على الألفاظ، ويمكن أن نتصوّر هذه القرينة في الأُمور التالية:

أ - كلمة (علّم) التي تدل على أنّ الله سبحانه منح آدم (العلم) وبما (أنّ العلم الحقيقي إنّما هو إدراك المعلومات أنفسها والألفاظ الدالّة عليها تختلف باختلاف اللّغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح، فهي تتغيّر وتختلف، والمعنى لا تغيير فيه ولا اختلاف) (٢) .

فلا بُدّ أن يكون هو المسمّيات التي هي المعلومات الحقيقية.

ب - قضيّة التحدّي المطروحة في الآيات الكريمة؛ ذلك أنّ الأسماء حين يُقصد

________________________

(١) التبيان ١: ١٣٨، والتفسير الكبير ٢: ١٧٦.

(٢) المنار ١: ٢٦٢.

٤٥٢

منها الألفاظ واللُّغات فهي إذاً من الأشياء التي لا يمكن تحصيلها إلاّ بالتعليم والاكتساب، فلا يحسن تحدّي الملائكة بها، إذ لا دلالة في تعليمها آدم على وجود موهبةٍ خاصّةٍ فيه يتمكّن بها من معرفة الأسماء، وهذا على خلاف ما إذا قلنا: إنّ المقصود منها المسمّيات، فإنّها ممّا يمكن إدراكه ولو جزئيّاً - عن طريق إعمال العقل الذي يُعدّ موهبةً خاصّةً؛ فيكون لمعرفة آدم بها دلالة على موهبةٍ خاصّةٍ منحه الله إيّاها.

قال الطوسي:

(إنّ الأسماء بلا معانٍ لا فائدة فيها ولا وجه لإيثاره الفضيلة بها) (١) .

وقال الرازي:

(وذلك لأنّ العقل لا طريق له إلى معرفة اللُّغات البتّة، بل ذلك لا يحصل إلاّ بالتعليم، فإن حصل التعليم حصل العلم به وإلاّ فلا، أمّا العلم بحقائق الأشياء فالعقل متمكّنٌ من تحصيله، فصحّ وقوع التحدّي فيه) (٢) .

ج - عجز الملائكة عن مواجهة التحدّي؛ لأنّ هذه الأسماء لو كانت ألفاظاً لتوصّل الملائكة إلى معرفتها بإنباء آدم لهم بها، وهم بذلك يتساوون مع آدم فلا تبقى له مزيّة وفضيلة عليهم، فلا بُدّ لنا من أن نلتزم بأنّها أشياء تختلف مراتب العلم بها، الأمر الذي أدّى إلى أن يعرفها آدم معرفةً خاصّةً تختلف عن معرفة الملائكة لها حين إخباره لهم بها، وهذا يدعونا لأن نقول إنّها عبارة عن المسمّيات لا الألفاظ؛ قال العلاّمة الطباطبائي بصدد شرح هذه الفكرة:

(إن قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ... ) يُشعر بأن هذه الأسماء أو أنّ مسمّياتها كانت موجودات أحياء عقلاء محجوبين تحت حجاب الغيب، وأنّ العلم بأسمائهم كان غير العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء وإلاّ كانت بإنباء آدم إيّاهم بها عالمين بها وصائرين مثل آدم مساوين معه) (٣) .

________________________

(١) التبيان ١: ١٣٨.

(٢) التفسير الكبير ٢: ١٧٦.

(٣) الميزان ١: ١١٧.

٤٥٣

وحين يصل أصحاب هذا الاتجاه إلى هذه النقطة نجدهم يحاولون أنْ يتعرّفوا على العلاقة التي صحّحت استعمال لفظ (الأسماء) محل لفظ (المسمّيات) ويذكرون لذلك قرائن متعدّدة:

١ - فالرازي يرى هذه المناسبة والعلاقة في مصدر اشتقاق الاسم، فإنّه إمّا أن يكون من السمة أو السمو (فإن كان من السمة كان الاسم هو العلامة، وصفات الأشياء ونعوتها وخواصّها دالّة على ماهيّاتها، فصحّ أن يكون المراد من الأسماء: (الصفات) وإن كان من السمو فكذلك؛ لأنّ دليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء فإنّ العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول) (١) والصفات تدل على الموصوف وهي كالظاهر المرتفع بالنسبة إلى الشيء.

٢ - والشيخ محمد عبده يرى هذه العلاقة في: (شدّة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له وسرعة الانتقال من أحدهما إلى الآخر).

٣ - كما أنّه يرى في ذلك وجهاً آخر يكاد يغنيه عن هذه العلاقة؛ حيث إنّ الاسم قد يُطلق إطلاقاً صحيحاً على صورة المعلوم الذهنية (أي ما به يعلم الشيء عند العلم) فاسم الله - مثلاً - هو ما به عرفناه في أذهاننا لا نفس اللفظ بحيث يُقال: إنّنا نؤمن بوجوده ونسند إليه صفاته، فالأسماء هي ما يُعلم بها الأشياء في الصور الذهنية وهي العلوم المطابقة للحقائق الخارجية الموضوعيّة، والاسم بهذا المعنى هو الذي جرى الخلاف بين الفلاسفة في أنّه عين المسمّى أو غيره، الأمر الذي يدعونا لأن نقول: إنّ للاسم معنىً آخر غير اللفظ إذ لا شكّ بأنّ اللفظ غير المعنى.

والاسم بهذا الإطلاق - أيضاً - هو الذي يتبارك ويتقدّس: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) (٢) إذ لا معنى لأن يكون اللفظ هو الذي يتبارك ويتقدّس (٣) .

________________________

(١) المصدر السابق: الموضوع نفسه.

(٢) الأعلى: ١.

(٣) المنار ١: ٢٦٢.

٤٥٤

ما هي هذه الأسماء؟

وبعد هذا كلّه نجدهم يختلفون في حقيقة هذه المسمّيات والمراد منها في الآية الكريمة:

فالعلاّمة الطباطبائي يراها - كما في النص السابق - موجودات أحياء عقلاء، ولعلّه يفهم هذه الحياة لها والعقل من قوله تعالى: ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ ) حيث استعمل ضمير الجماعة المختص بمن يعقل، وهذا الاتجاه نجده في بعض الآراء المتقدّمة على العلاّمة الطباطبائي نفسه، كما في حكاية الطبري عن الربيع بن زيد أنهما قالا: علّمه الله أسماء ذرّيّته وأسماء الملائكة (١) .

ولكن الشيخ الطوسي يناقش فكرة الاعتماد على الضمير بقوله:

(وهذا غلط لما بينّاه من التغليب وحسنه، كما قال تعالى:

( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ... ) (٢) ).

والشيخ محمد عبده يرى أنّها تعني:

جميع الأشياء وجميع ما يتعلّق بعمارة الدين والدنيا من غير تحديد ولا تعيين (٣) ولعلّ هذا الاتجاه هو الذي يظهر من كلام الشيخ الطوسي والرازي في تفسيرهما (٤) ، وحكاه الطبرسي عن ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وعليه أكثر المتأخّرين.

وهذا الرأي هو الصحيح الذي ينسجم مع واقع الإنسان من ناحية، وصحّة التمييز به والفضل على الملائكة؛ لأنّه يعبّر عن خط التكامل الذي يمكن أن يسير به الإنسان ويمتاز به على جميع المخلوقات.

________________________

(١) التبيان ١: ١٣٨.

(٢) النور: ٤٥.

(٣) المنار ١: ٢٦٢.

(٤) التبيان ١: ١٣٨، والتفسير الكبير ٣: ١٧٦.

٤٥٥

نظرية الاستخلاف:

بعد أن تعرّفنا آراء العلماء المختلفة تجاه المفاهيم البارزة التي جاءت في هذا المقطع القرآني، لا بُدّ لنا من معرفة الصورة الكاملة للمقطع القرآني لنستخلص نظريّة استخلاف آدم منها.

صورتان لهذه النظرية:

وهنا صورتان لهذه النظرية بينهما كثيرٌ من وجوه الشبه:

الأُولى:

الصورة التي ذكرها السيّد رشيد رضا في تفسيره عن أُستاذه الشيخ محمد عبده: حيث يرى أنّ القصّة وردت مورد التمثيل لغرض تقريبها من تناول أفهام الخلق لها؛ لتحصل لهم الفائدة من معرفة حال النشأة الأُولى.

وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم كثيراً من جوانب هذه المحاورة والألفاظ التي استُعملت فيها دون أن نتقيّد بالمعنى اللُّغوي العرفي لها:

١ - فالله سبحانه أخبر الملائكة بأنّه بصدد أن يجعل في الأرض خليفة عنه، يودع في فطرته الإرادة المطلقة التي تجعله قادراً على التصرّف حسب قدرته ومعلوماته التي لا يمكن أن تصل إلى مرتبة الكمال.

وعلى أساس هذه الإرادة المطلقة وهذا العلم الناقص عرف الملائكة أنّ هذا الخليفة سوف يسفك الدماء ويفسد في الأرض؛ لأنّ ذلك نتيجة طبيعيّة لما يتمتّع به من إرادة مطلقة، يسير بها حسب علمه الذي لا يحيط بجميع جوانب المصالح والمنافع، الأمر الذي قد يوجّه الإرادة إلى خلاف الحكمة والمصلحة فيقع في الفساد.

وحين عرف الملائكة ذلك تعجّبوا من خلق الله لهذا النوع من الخلق الذي يسفك الدماء ويفسد في الأرض فسألوا الله سبحانه (عن طريق النطق، أو الحال، أو غير ذلك) أن يتفضّل عليهم بإعلامهم عن ذلك وبيان الحكمة لهم.

وكان الجواب لهم عن ذلك هو بيان وجوب الخضوع والتسليم لمن هو بكلِّ

٤٥٦

شيءٍ عليم؛ لأنّ هذا هو موقف جميع المخلوقات تجاهه؛ لأنّه العالم المحيط بكلِّ المصالح والحكم.

٢ - على أنّ هذا النوع من الخضوع والتسليم الذي ينشأ من معرفة الملائكة باحاطة الله بكلّ شيءٍ قد لا يُذهب الحيرة ولا يزيل الاضطراب، وإنّما تسكن النفس بإظهار الحكمة والسر الذي يختفي وراء الفعل الذي حصل منه تعجّب الملائكة.

ولذلك تفضّل الله سبحانه على الملائكة بأن أوضح لهم السر، وأكمل علمهم ببيان الحكمة في هذا الخلق، فأودع في نفس آدم وفطرته علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين، الأمر الذي جعل لآدم امتيازاً خاصّاً استحق به الخلافة عن الله في الأرض.

ويظهر هذا الامتياز حين نقارن بين الإنسان وبين المخلوقات لله سبحانه، فقد نطق الوحي ودلّ العيان والاختبار على أنّ الله تعالى خلق العالم أنواعاً مختلفة وخصّ كلَّ نوعٍ منها بقدرات ومواهب، ولكنّ الإنسان مع ذلك يختلف عنها في أنّه لما منحه الله من قدرات ومواهب ليست لها حدود معيّنة لا يتعدّاها على خلاف بقيّة المخلوقات.

فالملائكة - الذين لا نتمكّن من معرفة حقيقتهم إلاّ عن طريق الوحي - لهم وظائف محدودة - كما دلّت الآيات والأحاديث - فهم يسبّحون الله ليلاً ونهاراً وهم صافون ويفعلون ما يُؤمرون إلى غير ذلك من الأعمال المحدودة.

٣ - وما نعرفه بالنظر والاختبار عن حال الحيوان والنبات والجماد، فإنّها بين ما يكون لا علم له ولا عمل كالجماد، أو يكون له عمل معيّن يختصّ به نفسه دون أن يكون له علم وإرادة، ولو فُرض أنّ له علماً أو إرادةً فهما لا أثر لهما في جعل عملهما مبيّناً لحكم الله وسنّته في الخلق ولا وسيلة لبيان أحكامه وتنفيذها.

٤٥٧

فكل حيٍّ من الأحياء المحسوسة والغيبيّة - عدا الإنسان - له استعداد محدود وعلم إلهامي محدود، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون خليفةً عن الذي لا حدّ لعلمه وإرادته.

وأمّا الإنسان فقد خلقه الله ضعيفاً وجاهلاً ولكنّه على ضعفه وجهله فهو يتصرّف في الموجودات القويّة، ويعلم جميع الأسماء بما وهبه الله من قدرة على النمو والتطوّر التدريجي في إحساسه ومشاعره وإدراكه، فتكون له السلطة على هذه الكائنات يسخّرها ثمّ يذلّلها بعد ذلك كما تشاء قوّته الغريبة التي يسمّونها العقل ولا يعرفون حقيقتها ولا يدركون كنهها؛ فهذه القوّة نجدها تغني الإنسان عن كلِّ ما وهب الله للحيوان في أصل الفطرة والإلهام من الكساء والغذاء والأعضاء والقوّة.

فالإنسان بهذه القوّة غير محدود الاستعداد ولا محدود الرغائب ولا محدود العلم ولا محدود العمل.

وكما أعطاه الله تعالى هذه المواهب أعطاه أحكاماً وشرائع حدد فيها أعماله وأخلاقه، وهي في الوقت نفسه تساعده على بلوغ كماله لأنّها مرشد للعقل الذي كان له كل تلك المزايا.

وبهذا كلِّه استحقّ الإنسان خلافة الله في الأرض وهو خلق المخلوقات بها، ونحن نشاهد في عصرنا آثار هذه الخلافة بما فعله الإنسان من تطوير وسيطرة وتصرّف في الكون.

وحين أودع الله في فطرة آدم علم الأشياء من غير تحديد، عرض الأشياء على الملائكة وأطلعهم عليها إطلاعاً إجماليّاً، ثمّ طالبهم بمعرفتها والإنباء بها، وإذا بهم يُظهرون التسليم والخضوع والعجز والاعتراف.

وعند ذلك أمر الله آدم أن ينبئهم بالأشياء ففعل، وذلك لتتكشف لهم الحقيقة

٤٥٨

بأوضح صورها وأشكالها.

وأمّا الصورة الثانية:

فهي التي عرضها العلاّمة الطباطبائي، وهي تختلف عن الصورة السابقة في بعض الجوانب، ونحن نقتصر على ذكر جوانب الخلاف التي سبق أن أشرنا إلى بعضها:

١ - إنّ خليفة الله موجود مادّي مركّب من القوى الغضبية والشهوية، والدار دار تزاحم محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، لا يمكن أن تتمّ فيها الحياة، إلاّ بايجاد العلاقات الاجتماعية وما يستتبعها من تصادم وتضاد في المصالح والرغبات، الأمر الذي يؤدّي إلى الفساد وسفك الدماء.

٢ - إنّ الملائكة حين تعجّبوا كانوا يرون أنّ الغاية من جعل الخلافة هي أن يحكم الخليفة مستخلِفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده، والأرضية أي الانتماء إلى الأرض وشهواتها لا تدعه يفعل ذلك بل تجره إلى الفساد والشر والغاية من هذا الجعل يمكن أن تتحق بتسبيحهم بحمد الله وتقديسهم له.

٣ - إنّ آدم استحقّ الخلافة لقدرته على تحمّل السر الذي هو عبارة عن تعلّم الأسماء التي هي أشياء حيّة عاقلة محجوبة تحت حجاب الغيب محفوظة عند الله.

وقد أنزل الله كلّ اسمٍ في العالم بخيرها وبركتها واشتقّ كلّ ما في السماوات والأرض من نورها وبهائها، وأنّهم على كثرتهم وتعدّدهم لا يتعدّدون تعدّد الأفراد وإنّما يتكاثرون بالمراتب والدرجات.

الموازنة بين الصورتين:

ويحسن بنا أن نوازن بين هاتين الصورتين لنخرج بالصورة الكاملة التي نراها صحيحةً لتصوير هذا المقطع القرآني، ولنأخذ النقاط الثلاث التي خالف فيها العلاّمة الطباطبائي الشيخ محمد عبده.

ففي النقطة الأُولى: قد نجد العلاّمة الطباطبائي على جانب من الحق كما نجد

٤٥٩

الشيخ محمد عبده على جانبٍ آخر منه؛ ذلك لأنّ العلاّمة الطباطبائي أكّد ما فُطر عليه الإنسان من غرائز وعواطف مختلفة، وهذا شيءٌ صحيح لما لهذه الغرائز من تأثيرٍ كبيرٍ في حصول التزاحم والتنافس في المجتمع الإنساني، الأمر الذي يؤدّي إلى الفساد وسفك الدماء، وأساس هذه الغرائز غريزة حب الذات التي جاءت الأديان السماوية ومنها الإسلام من أجل توجيهها توجيهاً صالحاً يدفعها إلى تجنّب الفساد والسفك للدماء، ولذلك نجد القرآن الكريم يؤكّد دور الهوى في الفساد وسفك الدماء.

والشيخ محمد عبده حين يغفل هذا الجانب - في مسألة معرفة الملائكة للفساد وسفك الدماء - يؤكّد جانباً آخر له دور كبير أيضاً في الفساد وسفك الدماء، وهو الإرادة المطلقة والمعرفة الناقصة فلولا هذه الإرادة ولولا هذا النقص في العلم لما كان السفك والفساد.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نعتبر كلا الجانبين مؤثراً في معرفة الملائكة لنتيجة هذا الخليفة.

وفي النقطة الثانية: نجد الشيخ محمد عبده يحاول أن يذكر أنّ الشيء الذي أثار السؤال لدى الملائكة هو: قضيّة أنّ هذا المخلوق المريد ذا العلم الناقص لا بُدّ أن يكون مفسداً في الأرض وسافكاً للدماء، ومن ثمّ فلا مبرر لجعله خليفة مع ترتّب هذه الآثار على وجوده.

وأمّا العلاّمة الطباطبائي فهو يحاول أن يذكر في أنّ الشيء الذي أثار السؤال هو أنّ الخليفة لا بُدّ أن يكون حاكياً للمستخلف (الله) بخلاف الملائكة، حيث يمكن أن يحكوا المستخلف من خلال تسبيحهم وحمدهم.

وفي هذه النقطة قد يكون الحق إلى جانب العلاّمة الطباطبائي؛ ذلك لأنّ التفسير الإلهي لهذه الخلافة كان من خلال بيان امتياز هذا الخليفة بالعلم، كما قد

٤٦٠

يُفهم من الآية، وأشار إليه الشيخ محمد عبده، مع أنّ هذا التفسير لا ينسجم مع النقطة التي ذكرها الشيخ عبدة؛ لأنّه افترض في أصل إثارة السؤال وجود العلم الناقص إلى جانب الإدارة؛ فكيف يكون هذا العلم - بالشكل الذي ذكره الشيخ محمد عبده، وهو علم ناقص على أيِّ حال - جواباً لهذا السؤال؟

نعم لو افترضنا أنّ العلم الذي علّمه الله تعالى لآدم هو الرسالات الإلهيّة الهادية للصلاح والرشاد والحق والكمال - كما أشار الشيخ محمد عبده إلى ذلك في النقطة الثالثة - فقد يكون جواباً لسؤال الملائكة؛ لأنّ مثل هذا العلم يمكن أن يصلح شأن الإرادة والاختيار الذي أثار المخاوف، ولكن هذا خلاف الظاهر، حيث يُفهم من ذيل هذا المقطع الشريف:

( ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (1) أنّ هذا الهدى الذي هو الرسالات الإلهيّة الهادية جاء بعد هذا التعليم لآدم.

وأمّا لو افترضنا أنّ الذي أثار السؤال لدى الملائكة هو الإرادة والاختيار فقط - كما اختاره أُستاذنا الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه) - أصبح بيان الامتياز بالعلم والمعرفة جواباً للسؤال وتهدئةً للمخاوف التي انثارت لدى الملائكة؛ لأنّ هذا العلم يهدي إلى الله تعالى ويتمكّن هذا الإنسان بفطرته من أن يسير في طريق التكامل.

وأمّا العلاّمة الطباطبائي فقد اعتبر الانتماء إلى الأرض والتزاحم بين المصالح فيها هو الذي يؤدّي إلى الفساد، ويكون العلم بالأسماء طريقاً وعلاجاً لتجنّب هذه الأخطار؛ لأنّ الأسماء بنظره موجودات عاقلة حيّة.

وفي النقطة الثالثة يفترض الشيخ محمد عبده أنّ العلم هو الذي جعل الإنسان مستحقّاً للخلافة، وهذا العلم ذو بُعدين:

أحدهما: العلوم الطبيعية التي يمكن للإنسان أن يحصل عليها من خلال

________________________

(1) البقرة: 38.

٤٦١

التجارب والبحث، والتي يتمكّن الإنسان بواسطتها من الهيمنة على العالم المادّي الذي يعيش فيه، كما نشاهد ذلك في التاريخ وفي عصرنا الحاضر بشكلٍ خاص.

والآخر: العلم الإلهي المنزل من خلال الشريعة، والذي يمكن للإنسان من خلاله أن يعرف طريقه إلى الكمالات الإلهيّة ويُشخّص المصالح والمفاسد والخير والشر.

وهذا التصور ينسجم مع إطلاق كلمة العلم في الآية الكريمة، ومع فرضيّة أنّ الجواب الإلهي للملائكة إنّما هو تفسير لجعل الإنسان خليفة؛ لأنّ الجواب ذكر خصوصيّة (العلم) كامتيازٍ لآدم على الملائكة.

كما ينسجم هذا التصوّر مع ما أكّده القرآن الكريم في مواضع متعدّدة من دور العقل ومدركاته في حياة الإنسان ومسيرته وتسخير الطبيعة له، وكذلك دور الشريعة في تكامل الإنسان ووصوله إلى أهدافه.

ولكنّ هذا التصوّر نلاحظ عليه - ما ذكرنا - من أنّ الشريعة قد افترض نزولها في هذا المقطع الشريف بعد هذا الحوار:

( ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

كما أنّ الظاهر أنّ الإرادة والاختيار يمثّلان ميزةً أُخرى لآدم والإنسان بشكلٍ عام على الملائكة، وأنّ هذه الخصوصية هي التي أثارت مخاوف الملائكة وسؤالهم، كما نبّهنا عليه وأشار إليه الشيخ محمد عبده.

وبذلك يكون استحقاق آدم للخلافة وجود هاتين الخصوصيتين فيه.

وأما العلاّمة الطباطبائي فهو افترض أنّ هذا الاستحقاق إنّما كان باعتبار العلم بالأسماء، ولكنّه فسّر الأسماء بأنّها موجودات عاقلة لها مراتب من الوجود، حيث يمكن من خلال العلم بها أن يسير الإنسان في طريق التكامل.

ولكن هذا التفسير فيه شيءٌ من الغموض ولعلّه يعتمد على بعض المذاهب

٤٦٢

الفلسفية التي تؤمن بوجود العقول التي هي واسطة في العلم والخلق والتكامل بين الله تعالى والوجود، ومنه الإنسان.

نعم هناك فرضيّة تُشير إليها بعض الروايات المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) وهي أنّ الأسماء عبارة عن أسماء العناصر والذوات الإنسانية الموجودة في سلسلة امتداد الجنس البشري من الأنبياء والربّانيّين والأحبار الذين جعلهم الله تعالى شهوداً على البشريّة والإنسانية، واستحفظهم الله تعالى على كتبه ورسالاته (1) .

ويكون وجود هذا الخط الإنساني الإلهي الكامل هو الضمان الذي أعدّه الله تعالى لهداية البشرية والسيطرة على الهوى، وتوجيه الإرادة نحو الخير والصلاح والكمال.

ويكون العلم بهذه الأسماء معناه تحقّق وجودها في الخارج باعتبار مطابقة العلم للمعوم، وتعليم آدم الأسماء إنّما هو إخباره بوجودها.

أو يكون العلم بالأسماء معناه معرفة هذه الكمالات التي يتّصف بها هؤلاء المخلوقون، وهي صفات وكمالات تمثّل نفحةً من الصفات والكمالات الإلهيّة، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ كلمة الأسماء في القرآن تُطلق على الصفات الإلهيّة بنحو من الإطلاق.

والظاهر أنّ هذه الفرضيّة هي التي ذهب إليها أُستاذنا الشهيد الصدر (قُدِّس سرّه).

الفصل الثاني: مسيرة الاستخلاف:

وهي مسيرة تحقّق الخلافة في الأرض، فيقع الكلام فيه - أيضاً - في جانبين:

الأوّل:

تشخيص مجموعة من المفاهيم والتصوّرات التي وردت في القرآن

________________________

(1) ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء... ) المائدة: 44.

٤٦٣

الكريم حول هذه المسيرة.

الثاني:

بيان الصورة النظريّة الكاملة حول هذه المسيرة.

الجانب الأوّل: المفاهيم والتصوّرات:

السجود لآدم:

في البداية يواجهنا السؤال عن الأمر الإلهي للملائكة في السجود لآدم، حيث إنّه في الشريعة المقدّسة يحرم السجود لغير الله تعالى، فكيف صحّ أن يطلب من الملائكة السجود لآدم؟ وما هو المقصود من هذا السجود؟

وهذا السؤال ينطلق من فكرة وهي أنّ السجود بحدّ ذاته عبادة، والعبادة لغير الله شرك وحرام؛ حيث تُقسم الأفعال العباديّة إلى قسمين:

أحدهما: الأفعال التي تتقوّم عبادتها بالنيّة وقصد القربة كالإنفاق (الزكاة والخمس) أو الطواف بالبيت الحرام أو القتال، أو غير ذلك، فإنّ هذه الأفعال إذا توفرّت فيها نية القربة وقصد رضا الله تعالى تكون عبادة لله تعالى، وبدون ذلك لا تكون عبادة، ومن ثمَّ فهي تتبع نيّتها في تشخيص طبيعتها.

والآخر: الأفعال التي تكون بذاتها عبادة ويُذكر (السجود) منها، حيث إنّه عبادة بذاته، ولذا يحرم السجود لغير الله؛ لأنّه يكون بذاته عبادة لغير الله.

ولكن هذا التصوّر غير صحيح، فإنّ السجود شأنه شأن الأفعال الأُخرى التي تتقوّم عباديّتها بالقصد والنيّة، ولذا فقد يكون السجود سخريةً واستهزاءً، وقد يكون لمجرّد التعظيم، وقد يكون عبادةً إذا كان بنيّتها.

ولذا نجد في القرآن الكريم في بعض الموارد الصحيحة يستخدم السجود تعبيراً عن التعظيم، كما في قصّة أُخوة يوسف؛ قال تعالى:

( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً... ) (1) .

________________________

(1) يوسف: 100.

٤٦٤

وإنّما كان السجود لغير الله حراماً؛ لأنّه يستخدم عادة في العبادة، فأُريد للإنسان المسلم أن يتنزه عمّا يوهم العبادة لغير الله تعالى.

وأمّا إذا كان السجود للتعظيم وبأمرٍ من الله تعالى، فلا يكون حراماً، بل يكون واجباً.

ولكن يبقى السؤال: أنّ هذا السجود ماذا كان يعني؟

فقد ذكر بعض المفسِّرين - انطلاقاً من فكرة أنّ هذا الحديث لا يُراد منه إلاّ التربية والتمثيل وليس المصاديق المادّيّة لمفرداته ومعانيه - أنّ السجود المطلوب إنّما هو خضوع هذه القوى المتمثّلة بالملائكة للإنسان، بحيث إنّ الله تعالى أودع في شخصية هذا الإنسان وطبيعته من المواهب ما تخضع له هذه القوى الغيبيّة وتتأثر بفعله وإرادته:

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا... ) (1) .

كما أنّه يمكن أن يكون هذا السجود سجوداً حقيقيّاً بالشكل الذي تناسب مع الملائكة، ويكون طلب السجود منهم لآدم من أجل أن يعبِّروا بهذا السجود عن خضوعهم أو تقديسهم لهذا المخلوق الإلهي المتميّز، بما أودع الله فيه من روحه ووهبه العلم والإرادة والقدرة على التكامل والصعود إلى الدرجات الكماليّة العالية.

ولعلّ هذا المعنى الثاني هو الظاهر من مجموعة الصور والآيات القرآنية التي تحدّثت عن هذا الموضوع، حيث نلاحظ أنّ امتناع إبليس عن السجود إنّما كان بسبب الاستكبار لتفضيل هذا المخلوق، حيث كان يطرح في تفسير عدم السجود أنّه أفضل من آدم: ( ... قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (2) ، كما أنّ

________________________

(1) فصلت: 30.

(2) الأعراف: 12.

٤٦٥

القرآن الكريم يُشير إلى أنّ الإنسان الصالح المخلص يكون خارجاً عن قدرة إبليس ومكره، ومن ثمَّ فهو مهيمن على هذه القوّة الشيطانية:

( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (1) .

إبليس من الملائكة أم لا:

وهناك سؤالٌ آخر عن حقيقة إبليس وأنّه من الملائكة أو الجن، حيث ورد في القرآن الكريم وصفه بكلا هذين العنوانين:

فإذا كان من الملائكة فكيف يعصي الله تعالى، وقد وصف الله تعالى الملائكة بأنّهم ( ... عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) (2) لا يخالفون و ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ) (3) ، وهم بأمره يعلمون.

وإذا كان من الجن فلماذا وُضع إلى جانب الملائكة في هذه القصّة؟

وتُذكر عادةً للاستدلال على أنّ إبليس من الجن وليس من الملائكة ويختلف عن طبيعة الملائكة عدة شواهد، إضافةً إلى وصف القرآن الكريم له بذلك، ومن هذه الشواهد أنّ أوصاف الملائكة لا تنطبق على إبليس، حيث إنّهم وُصفوا بالطاعة وقد تمرّد إبليس، ووُصفوا بأنّهم رُسُل:

( ... جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ... ) (4) ، ومن هذه الشواهد أنّ الملائكة لا ذرّيّة لهم، إذ لا يتناسلون ولا شهوة لهم، وأمّا إبليس فله ذرّيّة كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك:

( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي... ) (5) .

________________________

(1) ص: 82 - 83.

(2) الأنبياء: 26.

(3) التحريم: 6.

(4) فاطر: 1.

(5) الكهف: 50.

٤٦٦

ولكنّ هذه الشواهد لا تكفي في عدّ إبليس من الجن في مقابل الملائكة؛ وذلك لأنّ وصف القرآن لإبليس بأنّه من الجن يمكن أن يكون من ناحية أنّ بعض الملائكة يوصف بأنّه جن، إن لم يكن هذا الوصف عامّاً لهم؛ لأنّ الجن مأخوذ من الخفاء والستر، والملائكة مستورون عن عوالمنا ومشاهدنا.

كما نُلاحظ هذا الوصف في نسبة الملائكة إلى الله تعالى عند المشركين، حيث افترضوا أنّ الملائكة هم بنات الله - على ما ورد في القرآن الكريم - وفي نفس الوقت يصف القرآن الكريم هؤلاء الملائكة بأنّهم جِنّة:

( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً... ) (1) .

كما أنّ الطاعة ليست صفةً لازمةً لعنوان الملائكة، بل نلاحظ في القرآن الكريم حصول التمرّد لدى بعض الملائكة كما في المَلَكين هاروت وماروت (2) .

وكذلك موضوع (الذرّيّة) فإنّها يمكن أن تكون من الخصوصيّات التي أُختصّ بها إبليس ليقوم بهذا الدور الخاص له في حياة الإنسان.

نعم يوجد في بعض الروايات ما يُشير إلى أنّ إبليس كان من الجن وليس من الملائكة، وإنّما كان يعاشرهم وأنّهم كانوا يظنون أنّه منهم، ولكن لا يمكن الاعتماد على مثل هذه الروايات.

هل خُلِق آدم للجَنَّة أم للأرض؟

وهناك سؤال آخر وهو آدم هل خُلِق للأرض كما يبدو ذلك في أوّل المقطع الشريف:

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً... ) (3) ، أو أنّه مخلوق للجنّة وبعد العصيان طُرد للأرض، كما يُفهم ذلك من القِسم الثاني من هذا

________________________

(1) الصافات: 158.

(2) البقرة: 102.

(3) البقرة: 30.

٤٦٧

المقطع الشريف:

( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ ) .

وقد حاول بعض الملحدين أن يُثير الشبهات حول هذا الموضوع بدعوى أنّ هذا المقطع القرآني يبدو وكأنّ إدخال آدم للجنّة والتوبة عن فعله إنّما هما عمليّة شكليّة وصوريّة لطرده منها وإنزاله إلى الأرض.

ولكنّ الجواب عن هذا السؤال واضح وهو:

أنّ آدم إنّما خُلق للأرض وخلافة الله فيها، وكان وجوده في الجنّة هو مرحلة متقدّمة (تأهيليّة) تؤهّله للقيام بدور الخلافة، حيث لم يكن من الممكن لآدم أن يقوم بهذا الدور بدون التأهيل والتجربة التي خاضها في الجنّة، على ما سوف نوضح هذا الأمر في بيان الجانب الآخر.

على أنّ هذه الجنّة يمكن أن تكون جنّةً أرضية وليست جنة (الخُلْد)، إذ لا يوجد دليل على أنّها جنّة الخُلْد، وكان هبوطه وإخراجه منها يعني بداية دور تحمّل المسؤولية والتعب والجهد من أجل الحياة واستمرارها؛ فهو منذ البداية كان على الأرض ولكن في مكان منها لا تعب ولا عناء فيه، وقد تهيّأت له جميع أسباب العيش والراحة والاستقرار، وبعد المعصية بدأت حياةٌ جديدة تختلف عن الحياة السابقة في خصوصيّاتها ومواصفاتها وإن كانت على الأرض أيضاً.

وبذلك يمكن أن نجيب على سؤال آخر هو أنّه كيف تسنّى لإبليس أن يغوي آدم في الجنّة مع أنّ دخولها محرّم على إبليس؟

حيث يمكن أن تكون هذه الجنّة أرضيّةً ولم يُمنع من دخولها، ولعلّ ضمير الجمع في قوله تعالى:

( ... وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ... ) (1) يشير إلى ذلك.

على أنّ عملية الإغواء يمكن أن تكون من خلال وجوده في خارج الجنّة، لأنّ

________________________

(1) البقرة: 36.

٤٦٨

الخطاب بين أهل الجنّة وغيرهم ممّن هو في خارج الجنّة ميسور، كما دلّ على ذلك القرآن الكريم في خطاب أهل الجنّة وأهل النار:

( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) (1) .

وفي خطاب أصحاب الجنّة لأصحاب النار:

( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (2) .

خطيئة آدم:

والسؤال الآخر هو عن خطيئة آدم وغوايته وعصيانه: ( ... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (3) .

حيث دلّت بعض الروايات على أنّ آدم كان نبيّاً، وإن لم يُذكر ذلك في القرآن الكريم، والأنبياء معصومون من الذنب والزلل والغواية منذ بداية حياتهم.

ومع غض النظر عن الشك والمناقشة في صحّة هذه الفرضيات (فرضيّة أن يكون آدم نبيّاً) و(فرضيّة أن يكون الأنبياء معصومين من الذنب منذ بداية حياتهم)، يمكن أن نفسِّر جدّيّة هذه المخالفة والعصيان على أساس اتجاهين:

الاتجاه الأوّل:

أن يكون النهي الإلهي هنا هو نهي (إرشادي) (4) أُريد منه

________________________

(1)الأعراف: 50.

(2) الأعراف: 44.

(3) طه: 121.

(4) تُقسم الأوامر والنواهي في الشريعة إلى قسمين: مولوي وإرشادي؛ والمراد من (المولوي) ما يصدر من المولى، باعتباره مولىً له حق الطاعة، ويكون فيه إرادة جدّيّة للطلب والتحرّك نحو المطلوب أو الزجر عن المنهي عنه، كما في أوامر الصلاة والزكاة والجهاد والحج والنهي

٤٦٩

الإرشاد إلى المفاسد الموجودة في أكل الشجرة وليس نهياً (مولويّاً) يُراد منه التحريك والطلب الجدّي.

والمعصية المستحيلة على الأنبياء والتي تُوجب العقاب هي في الأوامر المولويّة وليست الإرشادية.

الاتجاه الثاني:

أن يكون النهي الإلهي هنا نهياً مولويّاً كما - هو الظاهر - وحينئذٍ فيُفترض بأنّ الأنبياء معصومون من الذنوب المتعلّقة بالأوامر والنواهي التي يشتركون فيها مع الناس، وأمّا الأوامر والنواهي الخاصّة بهم فلا يمتنع عليهم صدور الذنب بعصيانها وليسوا معصومين تجاهها، وهذا النهي الذي صدر لآدم إنّما هو خاصٌّ به، ولذا لم يحرم على ذرّيّته من بعده أكل الشجرة.

ومن هنا نجد القرآن الكريم ينسب الظلم والذنب أحياناً لبعض الأنبياء، باعتبار هذه الأوامر الخاصّة، كما حصل لموسى (عليه السلام):

( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1) .

مع أنّ قتل الفرعوني الظالم الكافر ليس ذنباً وحراماً على الناس بشكلٍ عام، وإنّما كان حراماً على موسى لخصوصيّةٍ في وضعه.

ومن هنا ورد أنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين باعتبار أنّ لهم تكاليف خاصّة بهم تتناسب مع مستوى الكمالات التي يتّصفون بها.

وهذا التفسير للعصمة أمر عرفي قائم في فهم العقلاء لمراتب الناس، فبعض

________________________

عن شرب الخمر والزنا والسرقة؛ و(الإرشادي) هو الذي يكون للإرشاد إلى المصلحة أو المفسدة، كما في الأوامر والنواهي في موارد المعاملات غالباً، حيث يكون إرشاداً لبطلان المعاملة أو صحّتها، أو كما في أوامر الأطباء والمهندسين والعلماء التجربيين فإنّهم لا يستحقون الطاعة بما هم سادة، وأُولوا الأمر والولاية؛ بل لأنّ متعلّقات أوامرهم ونواهيهم فيها مصالح ومفاسد، فعندما يُأمر بشرب الدواء فهذا يعني أنّ شرب الدواء فيه مصلحة، وكذا عندما يُنهى عن أكل شيءٍ فإنّه يعني أنّ أكله فيه ضرر ومفسدة.

(1) القصص: 16.

٤٧٠

الأُمور هي من العلماء والفضلاء ذنب يُؤاخذون عليه، ولكنّه ليس كذلك بالنسبة إلى العامّة من الناس، وبعض الإنفاقات القليلة ذنب من الأغنياء يُؤاخذون عليها وليست كذلك بالنسبة إلى الفقراء.

الجانب الثاني: التصوّر العام لمسيرة الخلافة:

وهنا نشير إلى تصورين:

التصوّر الأوّل:

ما ذكره العلاّمة الطباطبائي (قُدّس سرّه) في الميزان، حيث يُفترض أنّ هذه المسيرة بدأت من وضع آدم وزوجه في الجنّة من أجل أن ينتقل إلى الأرض بعد ذلك، وكان لا بُدّ له من التعرّض إلى المعصية من أجل أن يتحقّق هذا النزول إلى الأرض، إذ لا يمكن أن يحصل على التكامل الإنساني الذي يؤهّله لهذه الخلافة ما لم يتعرّض إلى المعصية والنزول إلى الأرض بعد ذلك.

وذلك لأنّ تكامل الإنسان إنّما يحصل من خلال توفّر عنصرين وعاملين أساسيّين:

أحدهما: شعور الإنسان بالفقر والحاجة والمسكنة والذلّة، أو بتعبيرٍ آخر: شعور الإنسان بالعبوديّة لله تعالى الذي يدفعه للحركة والتوجّه إلى الله تعالى والمصير إليه.

والآخر: هو عفو الله تعالى ورضوانه ورحمته وتوفيقه لهذا الإنسان، وإمداده بالعطاء والفضل الإلهي.

فشعور الإنسان بالحاجة يجعله يتحرّك لسدّ هذه الحاجة، والفضل والعطاء الإلهي هو الذي يحقّق الغنى النسبي للإنسان ويسد النقص والحاجات لدى هذا الإنسان فيتكامل.

وإذا لم يشعر الإنسان بالحاجة فلا يسعى إلى الكمال حتّى لو كان محتاجاً في واقع الحال، وإذا لم يتفضّل الله على هذا الإنسان بالعفو والرحمة والعطاء يبقى هذا

٤٧١

الإنسان ناقصاً ومتخلّفاً في حركته.

وما ذُكر في قصّة آدم إنّما يمثّل هذين الأمرين معاً.

فلو لم ينزل الإنسان إلى الأرض لا يشعر بالحاجة، حيث كان يعيش في الجنّة يأكل ويشرب وبدون تعب أو عناء، فطبيعة هذه الجنة:

( إِنَّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى ) (1) .

ولو لم تصدر من آدم المعصية فلا يمكن أن يحصل على تلك الدرجات العالية من الرحمة والمغفرة التي حصل عليها الإنسان في حالات الرجوع والتوبة، حيث يفترض العلاّمة الطباطبائي وجود درجات من الرحمة والمغفرة مرهونة بالتوبة والإنابة؛ قال:

(فللّه تعالى صفات من عفو ومغفرة وتوبة وستر وفضل ورأفة ورحمة لا ينالها إلاّ المذنبون... فهذه التوبة هي التي استدعت تشريع الطريق الذي يتوقع سلوكه وتنظيف المنزل الذي يرجى سكونه، فوراءها تشريع الدين وتقويم الملّة) (2) .

فالقصّة وراءها قضاءان قضاهما الله تعالى في آدم:

القضاء الأوّل:

الهبوط والخروج من الجنّة والاستقرار على الأرض وحياة الشقاء فيها، وهذا القضاء لازم حتّى لأكل الشجرة، حيث بدت سوآتهما، وظهور السوءة لا يناسب حياة الجنة، بل الحياة الأرضيّة، ومن هنا كان إخراجهما من الجنّة بعد العفو عنهما، ولولا ذلك لكان مقتضى العفو هو بقاؤهما في الجنّة.

القضاء الثاني:

إكرام آدم بالتوبة حيث طيّب الله تعالى بها الحياة الأرضية التي هي شقاء وعناء، وبها ترتّبت الهداية إلى العبودية الحقيقية، فتآلفت الحياة من

________________________

(1) طه: 118 - 119.

(2) تفسير الميزان 1: 134، طبعة جماعة المدرّسين - قم.

٤٧٢

حياةٍ أرضيّة وحياةٍ سماويّة (1) .

فنزول آدم إلى الأرض وإن كان فيه ظلمٌ للنفس وشقاء، إلاّ أنّه هيّأ لنفسه بنزوله درجةً من السعادة، ومنزلةً من الكمال ما كان ينالها لو لم ينزل، وكذلك ما كان ينالها لو نزل من غير خطيئة.

التصوّر الثاني:

ما ذكره أُستاذنا الشهيد الصدر (قُدّس سرّه):

أنّ الله سبحانه قدّر لآدم الذي يمثّل أصل الجنس البشري أن يمرّ بدور الحضانة التي يمرّ بها كلُّ طفلٍ ليتعلّم الحياة وتجاربها، فكانت هذه الجنّة الأرضية التي وُجدت من أجل تربية الإحساس الخلقي لدى الإنسان والشعور بالمسؤولية وتعميقه من خلال امتحانه بما يوحيه إليه من تكاليف وأوامر.

وقد كان النهي عن تناول الشجرة هو أوّل تكليف يوجّه إلى هذا الخليفة ليتحكم في نزواته وشهواته، فيتكامل بذلك ولا ينساق مع غريزة الحرص وشهوة حب الدنيا التي كانت الأساس لكل ما يشهده مسرح التاريخ الإنساني من ألوان الاستغلال والصراع.

وقد كانت المعصية التي ارتكبها آدم هي العامل الذي يولّد في نفسه الإحساس بالمسؤوليّة من خلال مشاعر الندم فتكامل وعيه بهذا الإحساس، في الوقت الذي كانت قد نضجت لديه خبرات الحياة من خلال وجوده في الجنّة.

وكان الهدى الإلهي يتمثّل بخط الشهادة وهو الوحي الإلهي الذي يتحمّل مسؤوليّته الأنبياء لهداية البشرية.

وبذلك تتكامل المسيرة البشرية ويتطوّر الإنسان ويسمو على المخلوقات؛ من خلال التعليم الرباني والهدى الإلهي الذي يجسّده شهيدٌ ربّانيٌّ معصوم من الذنب يحمله إلى الناس من أجل تحصينهم من الضلال:

( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَن تَبِعَ

________________________

(1) المصدر نفسه.

٤٧٣

هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) (1) .

ويمكن أن نُشير في نهاية هذا العرض لهذين التصوّرين إلى عدّة ملاحظات:

الملاحظة الأولى:

إنه يمكن تكميل الصورة : بأنّ الإسكان في الجنّة في الوقت الذي يمثّل مرحلة الإعداد والتهيّؤ يُعبّر في نفس الوقت عن هدفٍ إلهيٍّ وهو: أنّ مقتضى الرحمة الإلهيّة بالإنسان هو أن يعيش حياة الاستقرار والسعادة بعيداً عن الشقاء، وأنّ مسيرة الشقاء إنّما هي اختيار الإنسان؛ ولذا بدأ الله تعالى حياة الإنسان بالجنّة وشمله برحمته الواسعة من خلال التوبة والسداد الإلهي بالهدى الذي أنزله على الأنبياء.

كما أنّ الخطيئة هي التي فجّرت في الإنسان - إضافةّ إلى إحساسه بالمسؤولية - إدراكه للحسن والقبح والخير والشر، ولعلّ هذا هو الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى:

( ... فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ... ) .

وكان هذا الإدراك ضروريّاً للإنسان من أجل أن يكون قادراً على مواجهة مشكلات الحياة وألوان الصراع فيها، وتمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والمصلحة من المضرّة، ويخلق فيه حالة التوازن الروحي والنفسي في مقابل ضغوط الشهوات والغرائز.

وقد كان من الممكن أن يحصل هذا الإدراك من خلال الحضانة الطويلة والتجربة الذاتية في حياته في الجنّة، ولعلّ هذا هو الهدف من وضعه في الجنّة ليمرّ بهذه الحضانة الطويلة، كما يحصل للإنسان في تجاربه في الطفولة، حيث تنمو فيه هذه المعرفة تدريجاً، ولكن كان هناك طريق أقصر محفوف بالمخاطر وبالخطيئة والذنب.

________________________

(1) البقرة: 38.

٤٧٤

ولم يكن الله سبحانه وتعالى ليختار للإنسان طريق الخطيئة بالرغم من قِصَره؛ لأنّه طريقٌ خطير، ولكن عندما اختار الإنسان ذلك وأصبح يدرك هذه الحقائق صار مؤهّلاً للبدء في الحياة الدنيا.

وقد فتح الله سبحانه وتعالى أمامه باب التوبة والرجوع إليه؛ ليتمكن الإنسان من مواصلة طريقه عندما يضعف ويقع في الخطيئة؛ وبذلك يتكامل عندما يكون قادراً على التغلّب على شهواته والسيطرة على رغباته.

الملاحظة الثانية:

إنّ العلاّمة الطباطبائي لم يوضّح دور الخطيئة في معرفة السوءات، كما لم يوضّح عدم انسجام السوءات مع حياة الجنّة، ولعلّه يريد من دور الخطيئة في معرفة السوءات ما أشرنا إليه من دورها في الإحساس الخلقي للإنسان في إدراكه للحسن والقبح؛ وكذلك لأنّ حياة الجنّة يراها حياةً طاهرةً ونظيفة لا تنسجم مع السوءات، وهو معنىً عرفاني حيث لم يُشر القرآن الكريم إلى أنّ آدم (عليه السلام) لم تكن لديه سوءة قبل الخطيئة، أو أنّها وُجدت بعد الخطيئة، وإنّما أشار إلى أنّ إدراكه للسوءة إنّما كان بعد الخطيئة والذنب.

الملاحظة الثالثة:

إنّ الشهد الصدر (قُدّس سرّه) لم يذكر في تكوّن مسار الخلافة على الأرض دور التوبة في هذا المسار، مع أنّ التوبة لها دور أساس يمكن من خلاله أن يستأنف الإنسان عمله وتجربته في هذه الحياة، ويصعد بسببها في مدارج الكمال.

الملاحظة الرابعة:

إنّ الكمالات الإنسانية يمكن أن نتصوّرها بدون خطيئة ويتكامل فيها الإنسان من خلال الطاعة والإحساس بالعبودية لله سبحانه وتعالى، إلاّ إذا كان مقصوده من الخطيئة ليس مجرّد المخالفة، وإنّما إحساس الإنسان بالحاجة والتقصير في حق الله تعالى وشكره لنعمه، الأمر الذي يدفعه إلى الاستزادة من الأعمال الصالحة والرجوع إلى الله تعالى والإنابة إليه.

٤٧٥

الملاحظة الخامسة:

إنّ العلاّمة الطباطبائي (قُدّس سرّه) تصوّر أنّ الجنّة سماويّة، والشهيد الصدر (قُدّس سرّه) تصوّرها أرضيّة، وهذا التصوّر الثاني في الوقت الذي ينسجم مع بعض الروايات، يتوافق - أيضاً - مع فرضيّة خلق الإنسان للأرض، والله سبحانه أعلم (1) .

________________________

(1) الإسلام يقود الحياة: 152 - 153.

٤٧٦

الفهارس الفنّيّة

٤٧٧

دليل الفهارس

1 - فهرس الآيات                                                                       485

2 - فهرس الأحاديث                                                                    509

3 - فهرس أسماء المعصومين (عليهم السلام)                                            517

4 - فهرس الأعلام                                                                       521

5 - فهرس المذاهب والفِرَق                                                              527

6 - فهرس الأُمم والقوميّات والجماعات                                                  529

7 - فهرس البلدان والأماكن                                                             533

8 - فهرس الموضوعات                                                                   535

٤٧٨

فهرس الآيات الكريمة

الفاتحة (1)

رقم الآية                                                                          رقم الصفحة

6، 7 ( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ )               54

البقرة (2)

2 ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ )                                             239، 17

6-18 ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ... لاَ يَرْجِعُونَ )                                   84

23-25 ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى... خَالِدُونَ )                                       34، 5

24 ( فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ... )                                                  82

30 ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً... )                                  471

30 - 31 ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء )                                        451

30 - 39 ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ... تَكْتُمُونَ )                                    449

34 ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ... )                                  299

36 ( ... وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ... )                                               472

38 ( ... فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ... )                               477، 465

40 ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ... )                                381

٤٧٩

رقم الآية                                                                          رقم الصفحة

49 - 51 ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ... ظَالِمُونَ )                               380

61 ( ... وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ... )                            84

74 ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ... )                               380

75 ( ... وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ... )                               234

75 - 122 ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ... الْعَالَمِينَ )                                 381

90 ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ... )                                                  85

98 ( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ... )                                          295

106 ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا... )                                258، 193

109 ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم... )                                             207

127 - 129 ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ... الحَكِيمُ )                                375

135 ( وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ... )                                    375

144 ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً... )                                  163

151 ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ... )                                       253

158 ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ... )                                39

159 ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى... )                                      85

170 ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ... )                                                     68

185 ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ... هُدًى لِّلنَّاسِ... )                              220، 27

187 ( ... وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ... )                                  250

189 ( ... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا... )                               271، 175

190 ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ... )                               208

191 ( ... وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ... )                                                        208

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531