علوم القرآن

علوم القرآن11%

علوم القرآن مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 531

علوم القرآن
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 219975 / تحميل: 19586
الحجم الحجم الحجم
علوم القرآن

علوم القرآن

مؤلف:
الناشر: مجمع الفكر الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

بنجاسة الإناء أو المائع الذي هو طرف العلم الإجمالي الأوّل، ولا تتنجّز نجاسة الإناء الملاقَى - بالفتح - بالعلم الإجمالي الثاني ؛ لأنّ أحد طرفيه - وهو المائع - قد تنجّز بمنجِّزٍ سابق، فتجري أصالة الطهارة في الإناء بلا معارض، ولا تجري في الثوب ؛ لسقوطه بالمعارضة مع الأصل في المائع بلحاظ العلم الإجمالي الأوّل.

والتحقيق في النظر القاصر : هو عدم صحة التفكيك المزبور، فإنّنا إن لم نقل في صورة تأخّر العلم بنجاسة الملاقِي - بالكسر - أو الطرف عن العلم بنجاسة الملاقَى - بالفتح - أو الطرف بانحلال المتأخّر وعدم تنجيزه - كما عرفت - ففي المقام لا نقول أيضاً بانحلال العلم الإجمالي المتأخّر بنجاسة الملاقَى - بالفتح - أو الطرف، بل تتنجّز به نجاسة الملاقَى -بالفتح-.

وإن قلنا بانحلال العلم الإجمالي المتأخّر فمقتضاه في الصورة المذكورة جريان أصالة الطهارة في الملاقَى - بالفتح -، ويترتّب عليها جميع آثارها التي منها طهارة الملاقِي - بالكسر -، أي الثوب في المثال، فلا يجب الاجتناب عن كلٍّ منهما مع قطع النظر عن محذور علّية العلم الإجمالي، وإلاّ فعلى علّية العلم الإجمالي الأوّل المتعلّق بنجاسة الملاقِي - بالكسر - أو الطرف لا مجال لثبوت طهارة الملاقِي - بالكسر - من ناحية أصالة الطهارة في الملاقَى - بالفتح - بعد تنجيز العلم الإجمالي الأوّل بنحو العلِّية وبقائه على شرائط تنجيزه.

فنحن نتكلّم بناءً على أنّ المحذور في جريان الأصل هو المعارضة، وأنّ كلَّ طرفٍ يتنجّز بالاحتمال بعد سقوط الأصل فيه بالمعارضة، فإنّه على هذا إنّما كان الملاقي - بالكسر - منجّزاً بسبب سقوط الأصل المؤمِّن فيه بالمعارضة، فلو حدث أصل آخر بقاءً يؤمِّن من ناحيته ولا يكون مبتلىً بالمعارضة أثَّر أثره قهراً، وهو أصالة الطهارة في الملاقَى - بالفتح - في المقام، فإنّها تؤمِّن من ناحية الملاقي - بالكسر - أيضاً.

وأمّا دعوى أنّ مقتضى التعبّد بطهارة الملاقَى - بالفتح - بعد تنجّز التكليف

٣٨١

في الملاقي - بالكسر - وطرفه، ليس إلاّ ترتيب أثر الطاهر بما هو طاهر على الملاقِي - بالكسر -، لا رفع وجوب الاجتناب العقلي التابع للعلم الإجمالي الأوّل الذي لا مانع عن تأثيره، فمدفوعة : بأنّه بعد فرض أنّ تنجّز الملاقي - بالكسر - ووجوب الاجتناب عنه الناشئ من العلم الإجمالي الأوّل إنّما هو بملاك سقوط الأصل فيه بالمعارضة، وعدم وجود مؤمّنٍ فيه، وحيث فرضنا بقاءً أنّه حصل هناك مؤمِّن فيه ببركة أصالة الطهارة في الملاقَى - بالفتح - فيرتفع وجوب الاجتناب.

فإن قلت : إنّ الأصل الجاري في طرف الملاقي - بالكسر - أي المائع في المثال - كما يعارض أصالة الطهارة الجارية في نفس الملاقي - بالكسر - كذلك يعارض أصالة الطهارة في الملاقَى - بالفتح - الجارية حين حدوث العلم الثاني من حيث إثباتها لطهارة الملاقي - بالكسر -، فيسقط إطلاقها المقتضي لطهارة الملاقي - بالكسر -.

قلت : إنّه حين حدوث العلم الإجمالي الأوّل بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو المائع لم يكن هناك معارض للأصل في المائع إلاّ الأصل في الملاقي - بالكسر -، دون الأصل في الملاقَى - بالفتح - ولو من حيث إطلاقه، فيسقط بالمعارضة مع الأصل في الملاقي - بالكسر - خاصة.

وبتعبيرٍ واضح : أنّ المعارضة بين أصلين فرع إحراز تمامية اقتضاء دليل الأصل لكلٍّ منهما، ولو بأن يكون أحد الاقتضاءين محرزاً لثبوت في زمانٍ متأخّرٍ مع العلم باستحالة فعليتهما معاً، فالمكلَّف إذا أحرز اقتضاءين لدليل الأصل ولو كانا تدريجيّين، كما في أطراف العلم الإجمالي التدريجي بوجوب شيءٍ فعلاً، أو وجوب شيءٍ مشروطاً بالزوال المتحقّق متأخّراً، فإنّه هنا يعلم بأنّ دليل الأصل له اقتضاء فعلاً لنفي الوجوب الفعلي، واقتضاء حين الزوال لنفي الوجوب المشروط بالزوال، مع عدم إمكان فعلية كلا الاقتضاءين لمكان العلم الإجمالي، فتحصل

٣٨٢

المعارضة بين الأصلين.

وهذا بخلافه في المقام، فإنّه حين حصول العلم الإجمالي الأوّل بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو المائع لم يكن المكلّف يعلم بأنّه سوف يحصل في ما بعد اقتضاء لدليل الأصل للتأمين من ناحية نجاسة الملاقي - بالكسر - بسبب أصالة الطهارة في الملاقى - بالفتح - حتى يسقط هذا الاقتضاء للتأمين بالمعارضة مع الأصل في الطرف، بل لم يكن المكلّف يعلم إلاّ باقتضاءين لدليل الأصل : أحدهما اقتضاؤه لجريان أصالة الطهارة في المائع، والآخر اقتضاؤه لجريان أصالة الطهارة في الملاقي ( بالكسر )، وحيث يعلم بعدم إمكان فعليتهما معاً فيسقطان بالمعارضة، وأمّا الاقتضاء للتأمين في جانب الملاقي - بالكسر - من ناحية شمول دليل الأصل للملاقَى - بالفتح - فلم يكن طرفاً للعلم الإجمالي بالسقوط أصلاً ؛ لعدم العلم بتحقّقه أصلاً، ففي ظرف تمامية الاقتضاء المزبور لا مانع من تأثيره.

الصورة الثانية(١) : ما إذا علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالي بنجاسة الطرف أو الملاقَى - بالفتح - والملاقِي - بالكسر - من جهة ملاقاته، إلاّ أنّ الملاقى - بالفتح - كان خارجاً عن مورد الابتلاء حين حدوث هذا العلم فلا يكون مجرىً للأصل في نفسه، بل يتعارض الأصل في الطرف مع الأصل في الملاقي - بالكسر - ويتنجّز هذان الطرفان، وبعد ذلك إذا دخل الملاقَى - بالفتح - في محلّ الابتلاء لا يتنجّز ؛ لأنّ العلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة الطرف الآخر منحلّ بتنجّز طرفه الآخر سابقاً، بل يجري الأصل في الملاقَى - بالفتح - بلا معارض.

وقد أورد المحقّق العراقيقدس‌سره (٢) على ما ذكر من وجوب الاجتناب عن

____________________

(١) ممّا ذكره المحقّق الخراسانيقدس‌سره في الكفاية : ٤١١ - ٤١٢.

(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٣٦٣.

٣٨٣

الملاقي - بالكسر - في هذه الصورة بأنّه غير مناسبٍ للقول بالاقتضاء، ببيان : أنّ الملاقى - بالفتح - وإن لم يكن داخلاً في محلّ الابتلاء حال حصول العلم الإجمالي إلاّ أنّ هذا لا يوجب عدم جريان الأصل فيه إذا كان مورداً لسنخ من الأصل بحيث يترتّب عليه طهارة ملاقيه، فإنّه يكون لجريان الأصل فيه حينئذٍ أثر باعتبار ترتّب طهارة ملاقيه عليه الذي هو داخل في محلّ الابتلاء، فيتعارض الأصل فيه مع الأصل في الطرف الآخر، وتنتهي النوبة إلى الأصل في جانب الملاقي - بالكسر - بلا معارض.

وهذا الكلام متين، ولا يتوهّم أنّ مقتضاه حينئذٍ هو وجوب الاجتناب عن الملاقَى -بالفتح- بعد دخوله في محلّ الابتلاء، باعتبار سقوط الأصل فيه بالمعارضة ؛ وذلك لأنّ أصالة الطهارة إنّما تسقط بالمعارضة بلحاظ آثارها التكليفية، فالمحذور أوّلاً إنّما يقتضي عدم ثبوت تلك الآثار، وسقوط أصالة الطهارة بعد ذلك بملاك اللغوية حيث لا يبقى لها أثر، وحينئذٍ فإذا كان لها أثر تكليفي وسقطت بلحاظه المعارضة، ثمّ حدث بعد ذلك لها أثر تكليفي آخر لا مانع من جريانها ؛ لأنّ سقوطها في نفسها لم يكن لأجل المعارضة حتى يقال : إنّ الساقط بالمعارضة لا يعود، بل لِلَغوية المرتفعة بتجدّد أثرٍ لها بقاءً، كما نبّه على ذلك بعض مشايخنا المحقّقين(١) .

حكم الملاقي عند الشكّ في الطوليّة :

الأمر الثاني : ذكر المحقّق العراقيقدس‌سره (٢) : أنّه إذا كان العلم الإجمالي علماً إجمالياً بنجاسة طرفين أو طرف إلاّ أنّه شكّ في طولية ذينك الطرفين، بأن احتمل

____________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) نهاية الأفكار ٣ : ٣٦٥.

٣٨٤

كون نجاسة أحدهما المعيَّن في طول نجاسة الآخر، واحتمل كونها في عرضها، كما إذا احتمل كون نجاسة ذلك المعيَّن بسبب الملاقاة للآخر، أو علم أنّها بهذا السبب، إلاّ أنّه شكّ في أنّ نجاسة الملاقي - بالكسر - هل هي في طول نجاسة الملاقى - بالفتح - أو في عرضها بنحو السراية ؟ فلا بدّ من الاحتياط على القول بالاقتضاء والعلّية معاً.

أمّا على الأوّل فلأنّ جريان الأصل النافي في بعض الأطراف على هذا المسلك إنّما هو بمناط السببية والمسبّبية الموجبة لحكومة أحد الأصلين على الآخر، ومن الواضح أنّ ذلك إنّما يكون في فرض إحراز وجود الحاكم بعينه المتوقّف على العلم بالطولية بين الأثرين، وإلاّ فلا يكفي مجرّد احتمال وجود الحاكم واقعاً في رفع اليد عن أصل المحكوم.

وأمّا علىمسلك العلّية فواضح.

والتحقيق : أنّ الحكومة المحتمل ثبوتها لأحد الأصلين على الآخر : إمّا أن تكون حكومةً بملاك رفع الحاكم لموضوع المحكوم، كما فيما إذا علم بنجاسة الإناء الأصفر أو الأبيض والأسود، واحتمل كون نجاسة الأسود وطهارته من الآثار المترتّبة شرعاً على نجاسة الأبيض وطهارته فقهراً يحتمل كون استصحاب الطهارة في الأبيض حاكماً على الأصل في جانب الأسود، بمعنى كونه رافعاً لموضوعه ؛ لاقتضائه التعبّد بإحراز سائر آثار طهارة الأبيض التي يحتمل كون طهارة الأسود منها.

وإمّا أن تكون الحكومة المحتملة لا بهذا المعنى الراجع إلى تصرّف الحاكم في موضوع المحكوم ثبوتاً وواقعاً، بل بمعنىً يرجع واقعه إلى التخصيص، بمعنى أنّه لا يكون متكفّلاً لرفع موضوع المحكوم في عالم الاعتبار حقيقةً، بل يكون لسانه لسان رفع الموضوع، وواقعه هو التخصيص، إلاّ أنّه يقدَّم على المحكوم ،

٣٨٥

ولا تلحظ النسبة بينهما ؛ لأنّه بحسب لسانه ومقام إثباته رافع للموضوع وإن لم يكن الموضوع مرتفعاً أصلاً، لا خارجاً ولا اعتباراً.

فإن كانت الحكومة المحتملة للأصل في الأبيض في الأصل في الأسود في المثال من القسم الأوّل فلا محالة إنّما يحرز اقتضاء الدليل لجريان الأصل في الأسود بعد سقوط جريان الأصل في الأبيض، حيث إنّ اقتضاءه لذلك فرع تحقّق موضوعه المحتمل توقّفه على عدم إجراء الأصل في الأبيض، وحينئذٍ فلا يحرز موضوع الأصل الجاري في الأسود المحقّق لشمول الدليل له إلاّ بعد سقوط الأصل في الأبيض بالمعارضة.

فإذا قلنا بجريان الأصل الطولي في أمثال المقام فيكفي احتمال الطولية في المقام للجريان، وعدم وقوع الأصل المحتمل الطولية طرفاً للمعارضة ابتداءً، إذ طرفية أصل للمعارضة متوقّفة على إحراز اقتضائه ووجود موضوعه، وإلاّ فمع الشكّ في موضوع الأصل لا يكون معارضاً، وإنّما يحرز موضوعه في المقام بعد سقوط الأصل في الإناء الأبيض بالمعارضة، وفي هذه المرتبة لا معارض له.

فإن قلت : إنّ لازم ذلك عدم الأخذ بكلّ محكومٍ عند الشكّ في الحاكم، فمثلاً لا يتمسّك بالاستصحاب بعد الفحص لاحتمال وجود خبرٍ واقعاً يكون حاكماً ورافعاً لموضوعه، ولا يمكن الالتزام بذلك، فلا بدّ من الالتزام بأنّ الحاكم إنّما يكون حاكماً بوجوده المحرز، لا بوجوده الواقعي.

قلت : بل الحاكم بالحكومة المتكلّم عنها في المقام - أي الرافع للموضوع - يكون حاكماً بوجوده الواقعي، فالخبر بوجوده الواقعي حاكم على الاستصحاب ؛ لأنّ الاستصحاب أخذ في موضوعه عدم وجود العلم بالانتقاض واقعاً، لا عدم إحراز العلم بالانتقاض، وحيث يشكّ في وجود الخبر فيشكّ في أنّه هل اعتبر المكلف عالماً بالانتقاض ؟ وهل هو داخل في موضوع الاستصحاب، أوْ لاَ ؟ إلاّ

٣٨٦

أنّه في سائر موارد احتمال الحاكم، نتمسّك باستصحاب عدم الحاكم، وعدم التعبّد بالإحراز، ونحو ذلك ممّا يثبت به موضوع الأصل المحكوم.

فإن قلت : فليتمسّك في المقام أيضاً باستصحاب عدم وجود حاكمٍ على الأصل في الإناء الأسود، فيثبت موضوعه، ويكون معارضاً حينئذٍ للأصل في الإناء الأصفر في عرض الأصل الجاري في الإناء الأبيض في المثال المزبور.

قلت : إذا كان هناك حكم واقعي أو ظاهري مترتّب على موضوع وجرى استصحاب ذلك الموضوع فذاك الحكم الواقعي أو الظاهري إنّما يثبت بنفس دليل الاستصحاب، لا بدليله المثبت له، وهذا من خواصّ كون حكومة الاستصحاب على الأدلة حكومةً ظاهريةً لا واقعية.

فمثلاً : إذا استصحبنا اجتهاد زيدٍ فجواز تقليده يثبت بنفس الاستصحاب، لا بدليل جواز تقليد المجتهد، كما هو واضح.

وعليه فنقول في المقام : إنّ الأصل المؤمِّن في الإناء الأسود إذا أثبتنا موضوعه - وهو عدم وجود الحاكم بالاستصحاب - لم يكن مقتضى ذلك ثبوت الأصل المزبور في الإناء الأسود بدليله، بل إنّما يثبت بنفس دليل الاستصحاب تعبّداً، كما هو الحال في جواز التقليد عند استصحاب الاجتهاد، وحينئذٍ فلا يكون استصحاب عدم الحاكم محقّقاً لاقتضاء الأصل في الإناء الأسود وموضوعه حقيقةً حتى تقع المعارضة بينه وبين الأصل في الإناء الأصفر في عرض الأصل في الإناء الأبيض، بل الاستصحاب المذكور بنفسه يكون متكفِّلاً للتعبّد بجريان الأصل في الإناء الأسود، فيقع بنفسه طرفاً للمعارضة مع الأصل في الإناء الأصفر.

وأمّا دليل الأصل الجاري في الإناء الأسود فوقوعه طرفاً للمعارضة فرع اقتضائه، واقتضاؤه إنّما يثبت جزماً بعد سقوط الأصل في الأبيض بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، وفي هذه المرتبة لا معارض لاقتضائه، فيجري، فتدبّره فإنّه دقيق.

٣٨٧

وأمّا إذا كانت الحكومة المحتملة في المقام للأصل في الأبيض على الأصل في الأسود من السنخ الثاني فيكون حال المحاكم بحسب الحقيقة حال الدليل المخصِّص، بمعنى أنّه في المورد الذي يرجع فيه إلى العامّ عند الشكّ في التخصيص يرجع هنا إلى المحكوم عند الشكّ في الحاكم، وفي المورد الذي لا يجوز التمسّك فيه بالعامّ من موارد الشكّ لا يجوز فيه التمسّك بالدليل المحكوم في المقام أيضاً.

والحاصل : أنّه يفصّل بين الشبهات الحكمية للحاكم والشبهات المصداقية له.ففي الأوّل يرجع إلى الدليل المحكوم دونه في الثاني، على تفصيلٍ محقّقٍ في مباحث العموم والخصوص.

وحينئذٍ : فإن كان الشكّ في المقام في حكومة الأصل في الإناء الأبيض ناشئاً عن الشكّ في مقدار المجعول فيه بنحو الشبهة الحكمية، كما إذا شكّ كلّيّةً في أنّ نجاسة الملاقي - بالكسر - هل هي من الآثار الشرعية لنجاسة الملاقى - بالفتح - أو لاَ ؟ فيرجع إلى الدليل المحكوم، ويكون اقتضاء الأصل في الإناء الأسود تامّاً، فيسقط بالمعارضة مع الأصل في الإناء الأصفر في عرض سقوط الأصل في الإناء الأبيض.

وإن كان الشكّ في حكومة الحاكم ناشئاً عن الشبهة الموضوعية، بمعنى أنّه يعلم بأنّ المجعول فيه هو طهارة الملاقي - بالكسر - وخروج ملاقيه عن مقتضى الدليل المحكوم، إلاّ أنّه يشكّ في أنّ الإناء الأسود هل هو ملاقٍ للإناء الأبيض، أوْ لاَ ؟ فلا مجال للتمسّك حينئذٍ بدليل المحكوم إلاّ بعد سقوط الحاكم فتأمّل جيّداً.

والحمد لله أوّلاً وآخراً

٣٨٨

الفهرس

المعالم الجديدة للأصول غاية الفكر تأليف: آية العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس‌سره ١

كلمة المؤتمر : ٧

كلمة المؤلِّف : ١٥

المدخل إلى علم الأُصول تعريف علم الأصول. جواز عمليّة الاستنباط الوسائل الرئيسيّة للإثبات في علم الأصول تأريخ علم الأصول مصادر الإلهام للفكر الأصولي الحكم الشرعي وتقسيمه ١٧

تعريف علم الأصول ١٩

جواز عمليّة الاستنباط ٣٧

الوسائل الرئيسة للإثبات في علم الأصول ٤٥

تأريخ علم الأُصول ٦٣

مصادر الإلهام للفكر الأصولي ١١٣

الحكم الشرعي وتقسميه ١٢٣

بحوث علم الأصول تنويع البحث النوع الأوّل : العناصر المشتركة في الاستنباط القائم على أساس الدليل النوع الثاني : العناصر المشتركة في الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي ١٢٧

تنويع البحث ١٢٩

العناصر المشتركة في الاستنباط القائم على أساس الدليل تمهيد ١ - الدليل اللفظي ٢ - الدليل البرهاني ٣ - الدليل الاستقرائي ٤ - التعارض بين الأدلّة ١٣٣

تمهيد : ١٣٥

٣٨٩

تقسيم البحث : ١٣٦

الدليل اللفظي تمهيد الفصل الأوّل في تحديد ظهور الدليل اللفظي الفصل الثاني في حجّية الظهور ١٣٩

تمهيد ١٤١

الفصل الأوّل في تحديد ظهور الدليل اللفظي ١٥٩

الفصل الثاني في حجّية الظهور ١٧١

الدليل البرهاني تمهيد العلاقات القائمة بين نفس الأحكام العلاقات القائمة بين الحكم وموضوعه العلاقات القائمة بين الحكم ومتعلّقه العلاقات القائمة بين الحكم والمقدّمات العلاقات القائمة في داخل الحكم الواحد ١٧٩

تمهيد : ١٨١

الفصل الأوّل في العلاقات القائمة بين نفس الأحكام ١٨٥

الفصل الثاني في العلاقات القائمة بين الحكم وموضوعه ١٨٩

الفصل الثالث العلاقات القائمة بين الحكم ومتعلّقه ١٩٢

الفصل الرابع العلاقات القائمة بين الحكم والمقدِّمات ١٩٤

الفصل الخامس في العلاقات القائمة في داخل الحكم الواحد ١٩٧

الدليل الاستقرائي تمهيد الاستقراء في الأحكام الدليل الاستقرائي غير المباشر ١٩٩

تمهيد ٢٠١

الفصل الأوّل الاستقراء في الأحكام ٢٠٣

الفصل الثاني الدليل الاستقرائي غير المباشر ٢٠٧

التعارض بين الأدلّة التعارض بين دليلين لفظيّين التعارض بين الدليل اللفظي ودليل آخر ٢١٣

الفصل الأوّل [ في التعارض بين دليلين لفظيّين ] ٢١٦

الفصل الثاني في التعارض بين الدليل اللفظي ودليل آخر ٢١٩

٣٩٠

العناصر المشتركة في الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي ١ - القاعدة العمليّة الأساسيّة ٢ - القاعدة العمليّة الثانويّة ٣ - قاعدة منجّزيّة العلم الإجمالي ٤ - الاستصحاب التعارض بين الأصول أحكام تعارض النوعين ٢٢١

تمهيد : ٢٢٣

١ - القاعدة العملية الأساسية ٢٢٤

٢ - القاعدة العملية الثانوية ٢٢٧

٣ - قاعدة منجِّزية العلم الإجمالي ٢٢٩

٤ - الاستصحاب ٢٣٦

التعارض بين الأصول ٢٤١

أحكام تعارض النوعين ٢٤٣

كلمة الختام : ٢٤٤

فهرس المصادر ٢٤٥

غاية الفكر ٢٤٩

غاية الفكر تأليف سماحة آية الله العظمى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس‌سره ٢٥١

مقدّمة المؤلّف : ٢٥٥

مباحث الاشتغال مقدار منجّزية العلم الإجمالي مدى جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي تنبيهات العلم الإجمالي ٢٥٧

مقدار منجّزيّة العلم الإجمالي ٢٥٩

الناحية الأولى الرأي المختار في حقيقة العلم الإجمالي ٢٦٣

المباني المطروحة في حقيقة العلم الإجمالي ٢٦٩

منجّزية العلم الإجمالي وما يتنجّز به ٢٨٢

مباحث الاشتغال ٢ مدى جريان الأُصول في أطراف العلم الإجمالي جريان الأصول النافية في جميع الأطراف جريان الأصول النافية في بعض الأطراف جريان الأصول المثبتة مع العلم بالترخيص ٢٩٥

٣٩١

الناحية الثانية جريان الأصول النافية في جميع الأطراف ٢٩٧

جريان الأصول النافية في بعض الأطراف ٣١٠

جريان الأصول المثبتة مع العلم بالترخيص ٣٢٤

تنبيهات العلم الإجمالي جريان الأصول الطوليّة بعد تساقط العرضيّة فرضيّة الترتّب بين طرفي العلم الإجمالي تعلّق العلم الإجمالي بجزء الموضوع ٣٢٥

جريان الأصول الطوليّة بعد تساقط العرضيّة ٣٢٧

فرضيّة الترتّب بين طرفي العلم الإجمالي ٣٤٤

تعلّق العلم الإجمالي بجزء الموضوع ٣٥٢

الفهرس ٣٨٩

٣٩٢

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

أدلّ على بطلان هذه المسلك من التمسّك به على صحّته... ) (١) .

كما لاحظ عليه السيّد رشيد رضا بمثل هذه الملاحظة حيث قال:

(إنّ أضعف ما قيل في هذه الحروف وأسخفه أنّ المراد بها الإشارة بأعداها في حساب الجمل إلى مدّة هذه الأُمّة أو ما يشابه ذلك) (٢) .

التاسع:

إنّ ذكر هذه الحروف في القرآن الكريم يدل على ناحيةٍ اعجازيّة تشبه دلالة بقيّة الآيات القرآنية؛ وذلك لأنّ النطق بهذه الحروف وإن كان متيسّراً بالنسبة إلى كلّ من يتكلّم العربية، ولكنّ أسماءها لم تكن تتيسّر إلاّ للمتعلِّم من العرب، ولمّا كان النبي (صلّى الله عليه وآله) أُمّيّاً - كما يعرفه بذلك معاصروه - فقدرته على معرفة أسمائها قرينة على تلقّيه ذلك من قِبَل الغيب، ويكون ذلك من قبيل ذكر القصص القرآني الذي لم يكن للنبي (صلّى الله عليه وآله) طريقٌ للاطّلاع عليه غير الوحي الإلهي، لعدم اطّلاع قريش عليه قبل هذا، وأيضاً هو بمنزلة من يتكلّم باللُّغة الأجنبيّة من دون أن يسمعها أو يتعلّمها من أحد، ولعلّ هذا هو السبب في تقديم ذكرها على السورة كلّها.

وقد أوضح الزمخشري هذه الفكرة بإبداء ملاحظةٍ أُخرى هي: أنّ ظاهرة غريبة تُلاحظ حين نريد أن ندرس هذه الحروف بدقّة، تدعونا إلى الحكم بأنّ هذه الحروف قد أُختيرت بعنايةٍ فائقةٍ لا تتوفّر إلاّ لدى المتخصّصين من علماء العربية، ذلك أنّ هذه الحروف تمثّل نصف أسامي الحروف العربية، حيث إنّ عددها أربعة عشر، كما أنّها جاءت في تسع وعشرين سورة هي عدد حروف المعجم كلّها بإضافة الهمزة، ثمّ إذا نظرت في هذه الحروف الأربعة عشر وجدتها مشتملةً على أنصاف أجناس الحروف من المهموسة والمجهورة، والشديدة والرخوة، والمطبقة

________________________

(١) تفسير القرآن العظيم ١: ٦٨.

(٢) المنار ١: ١٣٢.

٤٤١

والمنفتحة، والمستعلية والمنخفضة.

وقد أضاف أحمد بن المنير في شرحه للكشّاف إضافاتٍ أُخرى عديدة (١) .

وهذه الملاحظة يمكن أن تكون مؤكّدةً هذه الفكرة، كما يمكن أن تؤيّد - أيضاً - القول السادس الذي أشار إليه الزمخشري أيضاً، في ذيل هذه الملاحظة وكأنّه حاول أن يوائم بين القول: السادس والتاسع (٢) .

العاشر:

ما ذكره ابن كثير وأوضحه السيّد رشيد رضا وحاصله:

أنّ من الملاحظ أنّه قد جاء بعد هذه الحروف ذكر الكتاب الكريم ونبأ تنزيله، ولم تتخلّف عن ذلك إلاّ سور أربع هي: مريم والعنكبوت والروم والقلم، وفي كلّ واحدةٍ منها أمراً مهمّاً يشبه مسألة الكتاب وإنزاله.

فإنّنا نجد في فاتحة سورة مريم خلق يحيى من امرأة عاقر كبيرة، ومن شيخٍ عجوز، وهو أمرٌ يخالف القوانين التجريبيّة السائدة، وفي فاتحة العنكبوت والروم نجد أمرين مهمّين يرتبطان بالدعوة ومصيرها، حيث جاء في فاتحة العنكبوت بيان قانون اجتماعي وضعه الله لاختبار الناس وتمييز الصالح منهم عن غيره، ولهذا القانون تأثيرٌ كبيرٌعلى سير الدعوة، حيث يوضّح أنّ الفتنة والعذاب لا يمكن أن يكونا دليلاً على خذلان الله لأحبائه وإنّما هما اختبارٌ لصدق إيمانهم ورسوخه.

وفي فاتحة الروم قضيّة الإخبار بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين.

وفي فاتحة القلم وخاتمتها تبرئة الرسول من تهمة الجنون التي كانت من أوّل ما رُمي به النبي (صلّى الله عليه وآله) من تهم، كما أنّ السورة كانت من أوّل ما نزل من القرآن.

ومن الواضح أنّ هذه القضايا ترتبط جميعاً بالوحي الإلهي أو الرسالة بصورةٍ مباشرة، وهذا الارتباط بين الحروف المقطّعة وبين تأكيد الكتاب وإنزاله من

________________________

(١) الزمخشري، الكشّاف ١: ٢٣ - ٢٤، واقرأ تعليق أحمد بن المنير الإسكندري أيضاً.

(٢) المصدر السابق: ٢٩ - ٣٠.

٤٤٢

السماء والرسالة وعلاقتها بالسماء يدعونا للقول: إنّه إنّما جيء بها لغاية قرع الأسماع وهز القلوب ودفع الناس إلى استماع القرآن الكريم والإنصات إليه (١) .

وهذا المذهب يكاد ينطلق من المذهب السابع - كما اعترف بذلك السيّد رشيد رضا - كما أنّ السيّد رشيد رضا يخطئ حين يتصوّر أنّه انفرد به حيث سبقه للإشارة إليه ابن كثير، وإن كان قد اختار تضعيفه.

موقفنا من هذه المذاهب:

وموقفنا من هذه المذاهب يتحدّد في ضوء بعض الظواهر العامّة التي عاشتها مسألة (فواتح السور) وهي:

١ - عدم ورود تفسير واضح للفواتح عن الرسول.

٢ - سكوت الصحابة بشكلٍ عام عن سؤال الرسول بصدد هذا الموضوع.

٣ - عدم تعارف استعمال العرب لهذا الأُسلوب في كلامهم.

وهذه الظواهر الثلاث تجعلنا نؤمن بأنّ الموقف تجاه هذه الحروف من قِبَل معاصري الوحي والنبوّة كان واضحاً وجليّاً، الأمر الذي أدّى إلى سكوت النبي عن بيانه والصحابة عن سؤاله، وحينئذٍ فإمّا أن يكون هذا الوضوح نتيجة توضيح النبي بأنّها من المتشابِهات التي يحسن السكوت عنها والتسليم بها.

أو أنّه كان نتيجة أنّ الغاية من استعمالها كانت جاريةً على نهج المذهب السادس أو السابع؛ فإنّهما المذهبان الوحيدان اللذان يفسِّران هذه الظاهرة بشكلٍ ينسجم مع هذه الظواهر المسلّمة بدون الحاجة إلى السؤال والاستفسار.

________________________

(١) تفسير القرآن العظيم ١: ٦٨، والمنار ٨: ٢٥٦ - ٢٨٩، ولكنّ ابن كثير يذكر هذه الملاحظات بصدد التنبيه على ارتباط الحروف بالإعجاز كما ذكره في الوجه السادس حيث اختاره.

٤٤٣

أمّا المذهب السادس فباعتبار أن هذه الألفاظ هي أسماءٌ للحروف، ومن الطبيعي أن نفترض أنّ العرب كانوا يفهمون منها مسمّياتها، وكانوا يفسِّرون ذكرها في أوائل السور على أساس هذا الترابط بين هذه الحروف وقضيّة التحدّي في القرآن.

وأمّا المذهب السابع فباعتبار أنّ هذا الأُسلوب كان يمثّل عمليّةً خارجيّةً يمارسها النبي (صلّى الله عليه وآله) لإسكاتهم وإلفات أنظارهم وكانت بوجودها الخارجي والقرائن الحاليّة تدل على مضمونها وهدفها من دون حاجةٍ إلى تفسير، نظير بعض الإشارات باليد أو العين أو الأفعال التي كان يقوم بها النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان يفهمها المشاهدون مباشرةً دون حاجةٍ إلى سؤالٍ أو استفسارٍ أو شرح.

ويكون هذا الأُسلوب في الإلفات من الأساليب التي برع القرآن في استعمالها.

٤٤٤

استخلاف آدم (الإنسان)

( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ* وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ* وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١) .

هذه الآيات العشر تتحدّث عن قضيّة استخلاف الله سبحانه لآدم على الأرض، وقضيّة الاستخلاف تشتمل على جانبين وفصلين:

الفصل الأوّل منهما يتناول: معنى الاستخلاف والحكمة والعلّة فيه، وهذا الجانب

________________________

(١) البقرة: ٣٠ - ٣٩.

٤٤٥

من قصّة آدم يكاد ينحصر ذكره والحديث عنه في القرآن الكريم بهذا المقطع القرآني فقط (١) ، وإن كان من الممكن أن تكون جميع آيات الاستخلاف مؤكّدةً هذا المقطع وإن لم تكن بهذا الوضوح.

والفصل الثاني، يتناول: العملية التي تمّ بها إنجاز هذا الاستخلاف، وهذا الجانب تحدّث عنه القرآن في مواضع متعدّدة لا بُدّ من دراستها بشكلٍ عام.

الفصل الأوّل: الحكمة في استخلاف آدم:

وما يعنينا من دراسته في هذا الفصل من هذا المقطع القرآني الشريف، هو: الآيات الأربع الأُولى، والبحث فيها - وما تضمّنته من معلومات ومفاهيم - له جانبان:

الجانب الأوّل:

تحديد الموقف العام تجاه دراسة هذا المقطع القرآني وتصوير ما يعنيه القرآن الكريم منه.

الجانب الثاني:

تحديد الموقف القرآني والإسلامي تجاه بعض المفاهيم التي جاءت في المقطع بالشكل الذي ينسجم مع المسلّمات القرآنية والظهور اللّفظي لهذا المقطع بالخصوص.

وفيما يتعلّق بالجانب الأوّل نجد الشيخ محمد عبده، تبعاً لبعض الدارسين المتقدّمين يذكر رأيين مختلفين بحسب الشكل وإن كانا يتّفقان في النهاية، حسب ما يقول:

الرأي الأوّل:

هو الذي سار عليه السلف واختاره الشيخ محمد عبده نفسه

________________________

(١) بالإضافة إلى بعض الإشارات الأُخرى مثل قوله تعالى:

( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) الأحزاب: ٧٢، وقوله تعالى:

( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الأنعام: ١٦٥، وفاطر: ٣٩، والزخرف: ٦٠، وغيرها.

٤٤٦

أيضاً، حيث يقول:

(وأمّا ذلك الحوار في الآيات فهو شأن من شؤون الله مع ملائكته، صوّره لنا في هذه الفصول بالقول والمراجعة والسؤال والجواب، ونحن لا نعرف حقيقة ذلك القول، ولكنّنا نعلم أنّه ليس كما يكون منّا، وأنّ هناك معاني قصدت إفادتها بهذه العبارات، وهي عبارة عن شأنٍ من شؤونه تعالى قبل خلق آدم، وأنّه كان يعد له الكون، وشأن مع الملائكة يتعلّق بخلق نوع الإنسان، وشأن آخر في بيان كرامة هذا النوع وفضله) (١) .

والرأي الثاني:

الرأي الذي سار عليه الخلف من المحقّقين وعلماء الإسلام الذين بذلوا جهدهم في دراسة القرآن والتعرّف على مقاصده، حيث يرون أنّ هذه القصّة بمواقفها المختلفة إنّما جاءت على شكل التمثيل ومحاولة تقريب النشأة الآدميّة الإنسانية وأهمّيّتها وفضيلتها، وأنّ جميع المواقف والمفاهيم التي جاءت فيها لا يمكن تحديد المعاني والأهداف التي قُصدت منها.

فالرأي الأوّل والثاني وإن كانا يلتقيان في حقيقة تنزيه الله سبحانه وتعالى وعالم الغيب عن مشابهة المخلوقات المادّيّة المحسوسة في هذه المواقف المختلفة، وكادا يتّفقان - أيضاً - في الأهداف والغايات العامّة المقصودة من هذه المقطع القرآني ولكنّهما مع ذلك يختلفان في إمكانية تحديد بعض المفاهيم التي وردت في المقطع، كما سوف يتضح ذلك عند معالجتنا للمقطع القرآني من جانبه الآخر.

وفيما يتعلّق بالجانب الثاني نجد السلف - انسجاماً مع موقفهم في الجانب الأوّل - يقفون من دراسة المقطع موقفاً سلبيّاً، ويكتفون - في بعض حالات الانفتاح - بذكر الفوائد الدينيّة التي تترتّب على ذكر القرآن لهذا المقطع القرآني (المتشابِه).

وقد أشار الشيخ محمد عبده إلى بعض هذه الفوائد، ونكتفي بذكر فائدتين منها:

الأُولى:

أنّ الله سبحانه وتعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده أن يسألوه عن

________________________

(١) المنار ١: ٢٥٤.

٤٤٧

حكمته في صنعه وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه.

الثانية:

إنّ الله سبحانه لطيف بعباده رحيم بهم، يعمل على معالجتهم بوجوه اللطف والرحمة، فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ويجيبهم عن سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجّة، بعد أن يرشدهم إلى واجبهم من الخضوع والتسليم:

( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ ) (١) .

وأمّا الخلف فقد حاولوا إيضاح المفاهيم التي وردت في هذا المقطع القرآني ليتجلّى بذلك معنى استخلاف الله سبحانه وتعالى لآدم، وسوف نعرض هنا أهم هذه المفاهيم المرتبطة بقضيّة الاستخلاف، مع ذكر الآراء المختلفة فيها ثمّ نتحدّث عن المعنى العام للمقطع القرآني:

مفاهيم حول الاستخلاف:

١ - الخلافة:

الخليفة بحسب اللُّغة: من خلف من كان قبله وقام مقامه وسدّ مسدّه، وتُستعمل - أيضاً - بمعنى النيابة (٢) ، ومن هذا المنطلق يُطرح هذا السؤال : لماذا سُمّي آدم خليفة؟

توجد هنا عدّة آراء:

الأوّل:

إنّ آدم سُمّي خليفة؛ لأنّه خلف مخلوقات الله سبحانه في الأرض، وهذه المخلوقات إمّا أن تكون ملائكة، أو يكونوا الجنّ الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء، كما رُوي عن ابن عبّاس، أو يكونوا آدميّين آخرين قبل آدم هذا.

الثاني:

إنّه سُمّي خليفة؛ لأنّه وأبناءه يخلف بعضهم بعضاً، فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها بعضها الآخر، وقد نُسب هذا الرأي إلى الحسن البصري.

الثالث:

إنّه سُمّي خليفة؛ لأنّه يخلف الله سبحانه في الأرض؛ وفي تفسير هذه

________________________

(١) البقرة: ٣٠ - ٣١.

(٢) مفردات الراغب: مادّة (خلف).

٤٤٨

الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللُّغوي تعدّدت الآراء واختلفت:

أ - أنّه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق.

ب - يخلف الله سبحانه في عمارة الأرض واستثمارها، من إنبات الزرع وإخراج الثمار وشق الأنهار وغير ذلك (١) .

ج - يخلف الله سبحانه في العلم بالأسماء كما ذهب إلى ذلك العلاّمة الطباطبائي (٢) .

د - يخلف الله سبحانه في الأرض بما نفخ الله فيه من روحه ووهبه من قوّةٍ غير محدودة، سواء في قابليتها أم شهواتها أم علومها؛ كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد عبده (٣) .

ولعلّ المذهب الثالث هو الصحيح من هذه المذاهب الثلاثة، خصوصاً إذا أخذنا في مدلوله معنىً واسعاً لخلافة الله في الأرض، بحيث يشمل مجمل الآراء الأربعة التي أشرنا إليها في تفسيره؛ لأنّ دور الإنسان في خلافة الله في الأرض يمكن أن يشمل جميع الأبعاد والصور التي ذكرتها هذه الآراء، فهو يخلف الله في الحكم والفصل بين العباد بما منح الله هذا الإنسان من صلاحية الحكم بين الناس بالحق:

( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ... ) (٤) .

وكذلك يخلفه في عمارة الأرض واستثمارها من إنبات الزرع وإخراج الثمار والمعادن وتفجير المياه وشقّ الأنهار وغير ذلك:

( ... فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٥) .

ولعلّ أكثر موارد استعمال (خلائف وخلفاء واستخلاف)

________________________

(١) هذا الرأي وما قبله ذكره الطوسي في التبيان ١: ١٣١.

(٢) الميزان ١: ١١٨.

(٣) المنار ١: ٢٦٠.

(٤) ص: ٢٦.

(٥) الملك: ١٥.

٤٤٩

أُريد منه هذا النوع من الاستخلاف:

( وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (١) .

وكذلك يخلف الإنسان الله في الأرض بعلمه بالأسماء والمعارف والكمالات التي يتكامل من خلالها ويسير بها نحو الله تعالى.

ولعلّ ما ذكره الشيخ محمد عبده إنّما يُمثّل السر في منح الإنسان هذه الخلافة؛ لأنّه يتميّز بهذه المواهب والقوى والقابليّات:.

٢ - كيف عرف الملائكة أنّ الخليفة يُفسِد في الأرض؟:

لقد ذكر المقطع القرآني أنّ جواب الملائكة عن إخبارهم بجعل آدم خليفةً في الأرض أنّهم تساءلوا عن سبب انتقاء هذا الخليفة الذي يُفسِد في الأرض، فكيف عرف الملائكة هذه الخصّيصة في هذا الخليفة، وهنا عدّة آراء:

الأوّل:

إنّ الله سبحانه وتعالى أعلمهم بذلك؛ لأنّ الملائكة لا يمكن أن يقولوا هذا القول رجماً بالغيب وعملاً بالظن (٢) .

الثاني:

إنّهم قاسوا ذلك على المخلوقات التي سبقت هذا الخليفة الذي سوف يقوم مقامها، كما يُشير إلى ذلك بعض الروايات والتفاسير (٣) .

الثالث:

إنّ طبيعة الخلافة تكشف عن ذلك بناءً على الرأي الأوّل من المذهب الثالث في معنى الخلافة، حيث يُفترض الاختلاف والنزاع، ولازمه الفساد في الأرض وسفك الدماء، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

الرابع:

إنّ طبيعة الخليفة نفسه تقتضي ذلك، وهنا رأيان:

أ - إنّ المزاج المادّي والروحي لهذا المخلوق الذي يريد أن يجعله الله خليفة.

________________________

(١) الأعراف: ٧٤.

(٢) التبيان ١: ١٣٢.

(٣) المصدر السابق: ١٣٣.

٤٥٠

والأساس الاجتماعي للعلاقات الأرضيّة التي سوف تحصل بين أبناء هذه المخلوقات هي التي جعلت الملائكة يعرفون ذلك، يقول العلاّمة الطباطبائي:

(إنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى الغضبيّة والشهويّة، والدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركّباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها وإصلاحاتهامظنّة الفساد ومصب البطلان، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعيّة ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء) (١) .

ب - إنّ الإرادة الإنسانية بما أُعطيت من اختيار يتحكّم في توجيهه العقل بمعلوماته الناقصة هي التي تؤدّي بالإنسان إلى أن يُفسد في الأرض ويسفك الدماء، قال محمد عبده:

(أخبر الله الملائكة بأنّه جاعلٌ في الأرض خليفة، نفهم من ذلك أنّ الله يودع في فطرة هذا النوع الذي يجعله خليفة، أن يكون ذا إرادةٍ مطلقة واختيارٍ في عمله غير محدود، وأنّ الترجيح بين ما يتعارض من الأعمال التي تعنّ له تكون بحسب علمه، وأنّ العلم إذا لم يكن محيطاً بوجوه المصالح والمنافع فقد يوجّه الإرادة إلى خلاف المصلحة والحكمة، وذلك هو الفساد وهو معيّن لازم الوقوع؛ لأنّ العلم المحيط لا يكون إلاّ لله تعالى) (٢) .

ويبدو أنّ الرأي الأوّل هو الصحيح، حيث إنّه تعالى لا بُدّ وأنّه قد أعلم الملائكة بحال وطبيعة هذا المخلوق الذي ينتهي به الحال إلى هذه النتائج.

وأمّا ما بُيّن من هذه الطبيعة فلعلّ الصحيح هو بيان أمرين:

أحدهما: الخصوصيّة المادّيّة التي أشار إليها العلاّمة الطباطبائي، والهوى في طبيعة هذا الخليفة.

والآخر: هو أنّ هذا الإنسان مريدٌ ومختارٌ يعمل بإرادته، كما ذكر الشيخ محمد عبده، ويمكن أن نفهم ذلك من قرينة تعقيب الملائكة أنفسهم، الأمر الذي

________________________

(١) الميزان ١: ١١٥، والتفسير الكبير ١: ١٢١، والميزان ١: ١١٩.

(٢) المنار ١: ٢٥٦.

٤٥١

استدعى التوضيح الإلهي الذي يشتمل على بيان الخصوصيّة التي تجعل هذا الموجود مستحقّاً لهذه الخلافة وهو العلم.

٣ - الأسماء:

والأسماء من المفاهيم التي وقع الخلاف فيها بين علماء التفسير حول حقيقتها والمراد منها، والآراء فيها تسير في الاتجاهين التاليين:

الأوّل:

أنّ المراد من الأسماء الألفاظ التي سمّى الله سبحانه بها ما خلقه من أجناس وأنواع المحدثات وفي جميع اللُّغات، وهذا الرأي هو المذهب السائد عند علماء التفسير ونُسب إلى ابن عبّاس وبعض التابعين (١) .

وينطلق أصحاب هذا المذهب في تفكيرهم إلى أنّ الله سبحانه كان قد علَّم آدم جميع اللّغات الرئيسة.

وقد كان ولده على هذه المعرفة، ثمّ تشعّبت بعد ذلك واختصّ كلّ جماعةٍ منهم بلغةٍ غير لغة الجماعة الأُخرى.

الثاني:

إنّ المراد من الأسماء: المسمّيات، أو صفاتها وخصائصها، لا الألفاظ وحينئذٍ فنحن بحاجةٍ إلى القرينة القرآنية أو العقليّة التي تصرف اللّفظ إلى هذا المعنى الذي قد يبدو أنّه يخالف ظاهر الإطلاق القرآني لكلمة (الأسماء) الدالّة على الألفاظ، ويمكن أن نتصوّر هذه القرينة في الأُمور التالية:

أ - كلمة (علّم) التي تدل على أنّ الله سبحانه منح آدم (العلم) وبما (أنّ العلم الحقيقي إنّما هو إدراك المعلومات أنفسها والألفاظ الدالّة عليها تختلف باختلاف اللّغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح، فهي تتغيّر وتختلف، والمعنى لا تغيير فيه ولا اختلاف) (٢) .

فلا بُدّ أن يكون هو المسمّيات التي هي المعلومات الحقيقية.

ب - قضيّة التحدّي المطروحة في الآيات الكريمة؛ ذلك أنّ الأسماء حين يُقصد

________________________

(١) التبيان ١: ١٣٨، والتفسير الكبير ٢: ١٧٦.

(٢) المنار ١: ٢٦٢.

٤٥٢

منها الألفاظ واللُّغات فهي إذاً من الأشياء التي لا يمكن تحصيلها إلاّ بالتعليم والاكتساب، فلا يحسن تحدّي الملائكة بها، إذ لا دلالة في تعليمها آدم على وجود موهبةٍ خاصّةٍ فيه يتمكّن بها من معرفة الأسماء، وهذا على خلاف ما إذا قلنا: إنّ المقصود منها المسمّيات، فإنّها ممّا يمكن إدراكه ولو جزئيّاً - عن طريق إعمال العقل الذي يُعدّ موهبةً خاصّةً؛ فيكون لمعرفة آدم بها دلالة على موهبةٍ خاصّةٍ منحه الله إيّاها.

قال الطوسي:

(إنّ الأسماء بلا معانٍ لا فائدة فيها ولا وجه لإيثاره الفضيلة بها) (١) .

وقال الرازي:

(وذلك لأنّ العقل لا طريق له إلى معرفة اللُّغات البتّة، بل ذلك لا يحصل إلاّ بالتعليم، فإن حصل التعليم حصل العلم به وإلاّ فلا، أمّا العلم بحقائق الأشياء فالعقل متمكّنٌ من تحصيله، فصحّ وقوع التحدّي فيه) (٢) .

ج - عجز الملائكة عن مواجهة التحدّي؛ لأنّ هذه الأسماء لو كانت ألفاظاً لتوصّل الملائكة إلى معرفتها بإنباء آدم لهم بها، وهم بذلك يتساوون مع آدم فلا تبقى له مزيّة وفضيلة عليهم، فلا بُدّ لنا من أن نلتزم بأنّها أشياء تختلف مراتب العلم بها، الأمر الذي أدّى إلى أن يعرفها آدم معرفةً خاصّةً تختلف عن معرفة الملائكة لها حين إخباره لهم بها، وهذا يدعونا لأن نقول إنّها عبارة عن المسمّيات لا الألفاظ؛ قال العلاّمة الطباطبائي بصدد شرح هذه الفكرة:

(إن قوله تعالى: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ... ) يُشعر بأن هذه الأسماء أو أنّ مسمّياتها كانت موجودات أحياء عقلاء محجوبين تحت حجاب الغيب، وأنّ العلم بأسمائهم كان غير العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء وإلاّ كانت بإنباء آدم إيّاهم بها عالمين بها وصائرين مثل آدم مساوين معه) (٣) .

________________________

(١) التبيان ١: ١٣٨.

(٢) التفسير الكبير ٢: ١٧٦.

(٣) الميزان ١: ١١٧.

٤٥٣

وحين يصل أصحاب هذا الاتجاه إلى هذه النقطة نجدهم يحاولون أنْ يتعرّفوا على العلاقة التي صحّحت استعمال لفظ (الأسماء) محل لفظ (المسمّيات) ويذكرون لذلك قرائن متعدّدة:

١ - فالرازي يرى هذه المناسبة والعلاقة في مصدر اشتقاق الاسم، فإنّه إمّا أن يكون من السمة أو السمو (فإن كان من السمة كان الاسم هو العلامة، وصفات الأشياء ونعوتها وخواصّها دالّة على ماهيّاتها، فصحّ أن يكون المراد من الأسماء: (الصفات) وإن كان من السمو فكذلك؛ لأنّ دليل الشيء كالمرتفع على ذلك الشيء فإنّ العلم بالدليل حاصل قبل العلم بالمدلول) (١) والصفات تدل على الموصوف وهي كالظاهر المرتفع بالنسبة إلى الشيء.

٢ - والشيخ محمد عبده يرى هذه العلاقة في: (شدّة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له وسرعة الانتقال من أحدهما إلى الآخر).

٣ - كما أنّه يرى في ذلك وجهاً آخر يكاد يغنيه عن هذه العلاقة؛ حيث إنّ الاسم قد يُطلق إطلاقاً صحيحاً على صورة المعلوم الذهنية (أي ما به يعلم الشيء عند العلم) فاسم الله - مثلاً - هو ما به عرفناه في أذهاننا لا نفس اللفظ بحيث يُقال: إنّنا نؤمن بوجوده ونسند إليه صفاته، فالأسماء هي ما يُعلم بها الأشياء في الصور الذهنية وهي العلوم المطابقة للحقائق الخارجية الموضوعيّة، والاسم بهذا المعنى هو الذي جرى الخلاف بين الفلاسفة في أنّه عين المسمّى أو غيره، الأمر الذي يدعونا لأن نقول: إنّ للاسم معنىً آخر غير اللفظ إذ لا شكّ بأنّ اللفظ غير المعنى.

والاسم بهذا الإطلاق - أيضاً - هو الذي يتبارك ويتقدّس: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) (٢) إذ لا معنى لأن يكون اللفظ هو الذي يتبارك ويتقدّس (٣) .

________________________

(١) المصدر السابق: الموضوع نفسه.

(٢) الأعلى: ١.

(٣) المنار ١: ٢٦٢.

٤٥٤

ما هي هذه الأسماء؟

وبعد هذا كلّه نجدهم يختلفون في حقيقة هذه المسمّيات والمراد منها في الآية الكريمة:

فالعلاّمة الطباطبائي يراها - كما في النص السابق - موجودات أحياء عقلاء، ولعلّه يفهم هذه الحياة لها والعقل من قوله تعالى: ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ ) حيث استعمل ضمير الجماعة المختص بمن يعقل، وهذا الاتجاه نجده في بعض الآراء المتقدّمة على العلاّمة الطباطبائي نفسه، كما في حكاية الطبري عن الربيع بن زيد أنهما قالا: علّمه الله أسماء ذرّيّته وأسماء الملائكة (١) .

ولكن الشيخ الطوسي يناقش فكرة الاعتماد على الضمير بقوله:

(وهذا غلط لما بينّاه من التغليب وحسنه، كما قال تعالى:

( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ... ) (٢) ).

والشيخ محمد عبده يرى أنّها تعني:

جميع الأشياء وجميع ما يتعلّق بعمارة الدين والدنيا من غير تحديد ولا تعيين (٣) ولعلّ هذا الاتجاه هو الذي يظهر من كلام الشيخ الطوسي والرازي في تفسيرهما (٤) ، وحكاه الطبرسي عن ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وعليه أكثر المتأخّرين.

وهذا الرأي هو الصحيح الذي ينسجم مع واقع الإنسان من ناحية، وصحّة التمييز به والفضل على الملائكة؛ لأنّه يعبّر عن خط التكامل الذي يمكن أن يسير به الإنسان ويمتاز به على جميع المخلوقات.

________________________

(١) التبيان ١: ١٣٨.

(٢) النور: ٤٥.

(٣) المنار ١: ٢٦٢.

(٤) التبيان ١: ١٣٨، والتفسير الكبير ٣: ١٧٦.

٤٥٥

نظرية الاستخلاف:

بعد أن تعرّفنا آراء العلماء المختلفة تجاه المفاهيم البارزة التي جاءت في هذا المقطع القرآني، لا بُدّ لنا من معرفة الصورة الكاملة للمقطع القرآني لنستخلص نظريّة استخلاف آدم منها.

صورتان لهذه النظرية:

وهنا صورتان لهذه النظرية بينهما كثيرٌ من وجوه الشبه:

الأُولى:

الصورة التي ذكرها السيّد رشيد رضا في تفسيره عن أُستاذه الشيخ محمد عبده: حيث يرى أنّ القصّة وردت مورد التمثيل لغرض تقريبها من تناول أفهام الخلق لها؛ لتحصل لهم الفائدة من معرفة حال النشأة الأُولى.

وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم كثيراً من جوانب هذه المحاورة والألفاظ التي استُعملت فيها دون أن نتقيّد بالمعنى اللُّغوي العرفي لها:

١ - فالله سبحانه أخبر الملائكة بأنّه بصدد أن يجعل في الأرض خليفة عنه، يودع في فطرته الإرادة المطلقة التي تجعله قادراً على التصرّف حسب قدرته ومعلوماته التي لا يمكن أن تصل إلى مرتبة الكمال.

وعلى أساس هذه الإرادة المطلقة وهذا العلم الناقص عرف الملائكة أنّ هذا الخليفة سوف يسفك الدماء ويفسد في الأرض؛ لأنّ ذلك نتيجة طبيعيّة لما يتمتّع به من إرادة مطلقة، يسير بها حسب علمه الذي لا يحيط بجميع جوانب المصالح والمنافع، الأمر الذي قد يوجّه الإرادة إلى خلاف الحكمة والمصلحة فيقع في الفساد.

وحين عرف الملائكة ذلك تعجّبوا من خلق الله لهذا النوع من الخلق الذي يسفك الدماء ويفسد في الأرض فسألوا الله سبحانه (عن طريق النطق، أو الحال، أو غير ذلك) أن يتفضّل عليهم بإعلامهم عن ذلك وبيان الحكمة لهم.

وكان الجواب لهم عن ذلك هو بيان وجوب الخضوع والتسليم لمن هو بكلِّ

٤٥٦

شيءٍ عليم؛ لأنّ هذا هو موقف جميع المخلوقات تجاهه؛ لأنّه العالم المحيط بكلِّ المصالح والحكم.

٢ - على أنّ هذا النوع من الخضوع والتسليم الذي ينشأ من معرفة الملائكة باحاطة الله بكلّ شيءٍ قد لا يُذهب الحيرة ولا يزيل الاضطراب، وإنّما تسكن النفس بإظهار الحكمة والسر الذي يختفي وراء الفعل الذي حصل منه تعجّب الملائكة.

ولذلك تفضّل الله سبحانه على الملائكة بأن أوضح لهم السر، وأكمل علمهم ببيان الحكمة في هذا الخلق، فأودع في نفس آدم وفطرته علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين، الأمر الذي جعل لآدم امتيازاً خاصّاً استحق به الخلافة عن الله في الأرض.

ويظهر هذا الامتياز حين نقارن بين الإنسان وبين المخلوقات لله سبحانه، فقد نطق الوحي ودلّ العيان والاختبار على أنّ الله تعالى خلق العالم أنواعاً مختلفة وخصّ كلَّ نوعٍ منها بقدرات ومواهب، ولكنّ الإنسان مع ذلك يختلف عنها في أنّه لما منحه الله من قدرات ومواهب ليست لها حدود معيّنة لا يتعدّاها على خلاف بقيّة المخلوقات.

فالملائكة - الذين لا نتمكّن من معرفة حقيقتهم إلاّ عن طريق الوحي - لهم وظائف محدودة - كما دلّت الآيات والأحاديث - فهم يسبّحون الله ليلاً ونهاراً وهم صافون ويفعلون ما يُؤمرون إلى غير ذلك من الأعمال المحدودة.

٣ - وما نعرفه بالنظر والاختبار عن حال الحيوان والنبات والجماد، فإنّها بين ما يكون لا علم له ولا عمل كالجماد، أو يكون له عمل معيّن يختصّ به نفسه دون أن يكون له علم وإرادة، ولو فُرض أنّ له علماً أو إرادةً فهما لا أثر لهما في جعل عملهما مبيّناً لحكم الله وسنّته في الخلق ولا وسيلة لبيان أحكامه وتنفيذها.

٤٥٧

فكل حيٍّ من الأحياء المحسوسة والغيبيّة - عدا الإنسان - له استعداد محدود وعلم إلهامي محدود، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون خليفةً عن الذي لا حدّ لعلمه وإرادته.

وأمّا الإنسان فقد خلقه الله ضعيفاً وجاهلاً ولكنّه على ضعفه وجهله فهو يتصرّف في الموجودات القويّة، ويعلم جميع الأسماء بما وهبه الله من قدرة على النمو والتطوّر التدريجي في إحساسه ومشاعره وإدراكه، فتكون له السلطة على هذه الكائنات يسخّرها ثمّ يذلّلها بعد ذلك كما تشاء قوّته الغريبة التي يسمّونها العقل ولا يعرفون حقيقتها ولا يدركون كنهها؛ فهذه القوّة نجدها تغني الإنسان عن كلِّ ما وهب الله للحيوان في أصل الفطرة والإلهام من الكساء والغذاء والأعضاء والقوّة.

فالإنسان بهذه القوّة غير محدود الاستعداد ولا محدود الرغائب ولا محدود العلم ولا محدود العمل.

وكما أعطاه الله تعالى هذه المواهب أعطاه أحكاماً وشرائع حدد فيها أعماله وأخلاقه، وهي في الوقت نفسه تساعده على بلوغ كماله لأنّها مرشد للعقل الذي كان له كل تلك المزايا.

وبهذا كلِّه استحقّ الإنسان خلافة الله في الأرض وهو خلق المخلوقات بها، ونحن نشاهد في عصرنا آثار هذه الخلافة بما فعله الإنسان من تطوير وسيطرة وتصرّف في الكون.

وحين أودع الله في فطرة آدم علم الأشياء من غير تحديد، عرض الأشياء على الملائكة وأطلعهم عليها إطلاعاً إجماليّاً، ثمّ طالبهم بمعرفتها والإنباء بها، وإذا بهم يُظهرون التسليم والخضوع والعجز والاعتراف.

وعند ذلك أمر الله آدم أن ينبئهم بالأشياء ففعل، وذلك لتتكشف لهم الحقيقة

٤٥٨

بأوضح صورها وأشكالها.

وأمّا الصورة الثانية:

فهي التي عرضها العلاّمة الطباطبائي، وهي تختلف عن الصورة السابقة في بعض الجوانب، ونحن نقتصر على ذكر جوانب الخلاف التي سبق أن أشرنا إلى بعضها:

١ - إنّ خليفة الله موجود مادّي مركّب من القوى الغضبية والشهوية، والدار دار تزاحم محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، لا يمكن أن تتمّ فيها الحياة، إلاّ بايجاد العلاقات الاجتماعية وما يستتبعها من تصادم وتضاد في المصالح والرغبات، الأمر الذي يؤدّي إلى الفساد وسفك الدماء.

٢ - إنّ الملائكة حين تعجّبوا كانوا يرون أنّ الغاية من جعل الخلافة هي أن يحكم الخليفة مستخلِفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده، والأرضية أي الانتماء إلى الأرض وشهواتها لا تدعه يفعل ذلك بل تجره إلى الفساد والشر والغاية من هذا الجعل يمكن أن تتحق بتسبيحهم بحمد الله وتقديسهم له.

٣ - إنّ آدم استحقّ الخلافة لقدرته على تحمّل السر الذي هو عبارة عن تعلّم الأسماء التي هي أشياء حيّة عاقلة محجوبة تحت حجاب الغيب محفوظة عند الله.

وقد أنزل الله كلّ اسمٍ في العالم بخيرها وبركتها واشتقّ كلّ ما في السماوات والأرض من نورها وبهائها، وأنّهم على كثرتهم وتعدّدهم لا يتعدّدون تعدّد الأفراد وإنّما يتكاثرون بالمراتب والدرجات.

الموازنة بين الصورتين:

ويحسن بنا أن نوازن بين هاتين الصورتين لنخرج بالصورة الكاملة التي نراها صحيحةً لتصوير هذا المقطع القرآني، ولنأخذ النقاط الثلاث التي خالف فيها العلاّمة الطباطبائي الشيخ محمد عبده.

ففي النقطة الأُولى: قد نجد العلاّمة الطباطبائي على جانب من الحق كما نجد

٤٥٩

الشيخ محمد عبده على جانبٍ آخر منه؛ ذلك لأنّ العلاّمة الطباطبائي أكّد ما فُطر عليه الإنسان من غرائز وعواطف مختلفة، وهذا شيءٌ صحيح لما لهذه الغرائز من تأثيرٍ كبيرٍ في حصول التزاحم والتنافس في المجتمع الإنساني، الأمر الذي يؤدّي إلى الفساد وسفك الدماء، وأساس هذه الغرائز غريزة حب الذات التي جاءت الأديان السماوية ومنها الإسلام من أجل توجيهها توجيهاً صالحاً يدفعها إلى تجنّب الفساد والسفك للدماء، ولذلك نجد القرآن الكريم يؤكّد دور الهوى في الفساد وسفك الدماء.

والشيخ محمد عبده حين يغفل هذا الجانب - في مسألة معرفة الملائكة للفساد وسفك الدماء - يؤكّد جانباً آخر له دور كبير أيضاً في الفساد وسفك الدماء، وهو الإرادة المطلقة والمعرفة الناقصة فلولا هذه الإرادة ولولا هذا النقص في العلم لما كان السفك والفساد.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نعتبر كلا الجانبين مؤثراً في معرفة الملائكة لنتيجة هذا الخليفة.

وفي النقطة الثانية: نجد الشيخ محمد عبده يحاول أن يذكر أنّ الشيء الذي أثار السؤال لدى الملائكة هو: قضيّة أنّ هذا المخلوق المريد ذا العلم الناقص لا بُدّ أن يكون مفسداً في الأرض وسافكاً للدماء، ومن ثمّ فلا مبرر لجعله خليفة مع ترتّب هذه الآثار على وجوده.

وأمّا العلاّمة الطباطبائي فهو يحاول أن يذكر في أنّ الشيء الذي أثار السؤال هو أنّ الخليفة لا بُدّ أن يكون حاكياً للمستخلف (الله) بخلاف الملائكة، حيث يمكن أن يحكوا المستخلف من خلال تسبيحهم وحمدهم.

وفي هذه النقطة قد يكون الحق إلى جانب العلاّمة الطباطبائي؛ ذلك لأنّ التفسير الإلهي لهذه الخلافة كان من خلال بيان امتياز هذا الخليفة بالعلم، كما قد

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531