اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 116878
تحميل: 5889

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116878 / تحميل: 5889
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مخذول، والمستتر بها مغفور له)(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إن الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق)(2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عدة المؤمن نذر لا كفارة لها)(3) .

وكانعليه‌السلام يدعو للاندكاك بقيم الإسلام والسنن الصادرة من الله تعالى ومن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن أولياء الله فيقول: (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربّه، وسنة من نبيّه، وسنة من وليّه، فأمّا سنة من ربّه فكتمان أمره... وأما السنة من نبيّه فمداراة الناس... وأما السنة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء)(4) .

وحدّدعليه‌السلام المفهوم الحقيقي للتواضع والذي هو حركة سلوكية شاملة، تبتدأ بالنفس وتنتهي بالمجتمع، فقال: (التواضع درجات، منها: إن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، ولا يحبّ أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عاف عن الناس، والله يحب المحسنين)(5) .

وكان يضرب الأمثال في خطوات الإصلاح ويقصّ قصص الصالحين لتبقى شاخصة في العقول والنفوس، ومما جاء في ذلك قولهعليه‌السلام : (إنّ رجلاً كان في بني إسرائيل عَبَدَ الله تبارك وتعالى أربعين سنة، فلم يقبل الله منه، فقال لنفسه: ما أتيت إلا منك، ولا الذنب إلا لك، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: ذمك نفسك أفضل من عبادة أربعين سنة)(6) .

وكان ينشد الشعر لتأثيره السريع على الإسماع والممارسات،

____________________

(1) الكافي: 2 / 428.

(2) الكافي: 2 / 159.

(3) كشف الغمة: 3/58 عن الجنابذي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(4) الكافي: 2 / 242.

(5) الكافي: 2 / 124.

(6) قرب الإسناد: 392.

١٠١

ويستخدمه كوسيلة لإصلاح الأخلاق، ومما انشدهعليه‌السلام في العلاقات الاجتماعية:

اعذر أخاك على ذنوبه

واستر وغطّ على عيوبه

واصبر على بهت السفيه

وللزمان على خطوبه

ودع الجواب تفضلاً

وكِلِ الظلوم إلى حسيبه (1)

وانشد شعراً لربط المسلمين باليوم الآخر وعدم الانخداع بالأماني، ولاستحضار اليوم الآخر في الأذهان باعتبار تأثيره الكبير في إصلاح الأخلاق قالعليه‌السلام :

كلنا يأمل مداً في الأجل

والمنايا هنّ آفات الأمل

لا تغرنّك أباطيل المنى

والزم القصد ودع عنك العلل

إنّما الدنيا كظل زائل

حل فيه راكب ثم ارتحل (2)

وكانعليه‌السلام يدعو المسلمين إلى إقامة العلاقات الاجتماعية الصالحة ويدعو إلى الإخاء والتآلف والتآزر، ويدعو إلى نبذ الأخلاق الطالحة التي تؤدّي إلى التقاطع والتدابر، أو تؤدّي إلى إرباك العلاقات، كالكذب والغيبة والنميمة والبهتان، والاعتداء على أموال الناس وأرواحهم وأعراضهم، وينهى عن جميع الانحرافات الأخلاقية، لكي تكون الأخلاق مطابقة للمنهج الإسلامي السليم، الذي أرسى دعائمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام .

رابعاً: بناء الجماعة الصالحة

كان الإمامعليه‌السلام يقوم بأداء دوره التربوي على مستويين:

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2/176 ح 4 وكشف الغمة: 3/59 و: 119 عن إعلام الورى: 2/69.

(2) البداية والنهاية: 10 / 250.

١٠٢

الأوّل: مجموع الأُمة الاسلامية.

الثاني: الجماعة الصالحة.

فعلى المستوى الأول كان الإمامعليه‌السلام يوجه الأُمة للالتزام بالأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، ويبعدها عن مزالق الانحراف والرذيلة، تنفيذاً لمسؤوليته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجموع الأُمة يشمل الحكّام والمحكومين وهم جميع المسلمين بما فيهم أتباع أهل البيتعليهم‌السلام . وعلى المستوى الثاني فإنّ الإمامعليه‌السلام مسؤول عن بناء الجماعة الصالحة التي تتبنى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام منهاجاً في الحياة، لكي يربّي كوادر ونماذج رسالية تقوم بدورها في إصلاح الأخلاق وتغيير الانحراف السائد في المجتمع، وهو في هذا المستوى يقوم بأداء دوره بصورة أكثف، ويبدي عناية إضافية ووقتاً إضافياً ليربي عدداً اكبر من المصلحين القادرين على إنجاح مهمات الإصلاح والتغيير، لذا نجدهعليه‌السلام يعمل ليل نهار، ويلتقي بالإفراد فرداً فرداً أو جماعة جماعة من أنصاره، ويراسل وكلاءه وأتباعه في الأمصار ليقوّم سلوكهم ويهذّب أخلاقهم.

وكان يرسم لأتباعه المنهج السلوكي القويم، فعن الحسن بن الحسين أنه قال: استحل أحمد بن حمّاد منّي مالاً له خطر، فكتبت رقعة إلى أبي الحسنعليه‌السلام وشكوت فيها أحمد بن حماد، فوقّع فيها: خوِّفه بالله!، ففعلت ولم ينفع، فعاودته برقعة أخرى أعلمته أنّي قد فعلت ما أمرتني به فلم انتفع، فوقع: إذا لم يحلّ فيه التخويف بالله، فيكف تخوفه بأنفسنا(1) .

وكانعليه‌السلام يشتري العبيد ثم يعتقهم بعد أن يعدّهم إعداداً تربوياً في

____________________

(1) رجال الكشي: 561 ح 1059.

١٠٣

داره فقد أعتق ألف مملوك(1) طول سني حياته، وهذا العدد الكبير له تأثير في سير الأخلاق، حيث يصبح هؤلاء بعد التربية والإعداد الخلقي تياراً من المخلصين الواعين يعمل في وسط الأُمة، ويقوم بأداء دور الإصلاح مبتدءاً بنفسه وأسرته ثم المجتمع الكبير.

وقد تخرج من هذا الإعداد مئات المربين والمصلحين، وازداد أتباع الإمامعليه‌السلام في عصره وتوسعت قاعدته الشعبية في مساحة واسعة من الدولة الإسلامية.

الإصلاح السياسي

1 - الإمام الرضاعليه‌السلام وقيادة الحركة الرسالية

للتعرف على أسلوب الإمام الرضاعليه‌السلام في قيادة الحركة الرسالية ينبغي إلقاء صورة مختصرة واضحة عن أساليب الأئمةعليهم‌السلام في قيادتهم للحركة الرسالية، لنتعرف من خلالها على أساليب قيادة الإمامعليه‌السلام للحركة الرسالية في عصره.

إن من مسؤولية الإمام القائد هي بناء الإنسان والمجتمع بناءً عقائدياً، وخلقياً، واجتماعياً، وسياسياً، ويتم البناء عن طريق بناء قاعدة شعبية تقتدي بنهج أهل البيتعليهم‌السلام ونظرتهم الإسلامية إلى الكون والحياة والمجتمع، ولذلك لم يقتصر العمل على التحرك السياسي أو الوصول إلى قمة السلطة والحكومة، وإنما كان العمل السياسي جزءاً من كل، والسلطة وسيلة من وسائل تحقيق الأهداف وليست هدفاً بحد

____________________

(1) الإتحاف بحب الأشراف: 155.

١٠٤

ذاتها. ومن هذا المنطلق كان عمل الأئمةعليهم‌السلام .

وإذا سمحت الظروف للائمة الثلاث الإمام علي والحسن والحسينعليهم‌السلام بقيادة الحركة الرسالية بجميع مجالاتها قيادة مباشرة، فإنها قد تغيّرت في عهد الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام وبقية الأئمةعليهم‌السلام ، لذا نجدهم قد التجئوا إلى الإشراف غير المباشر على سير الأحداث وخصوصاً الأوضاع السياسية والعسكرية منها، فكانوا يقودون جميع خطوط الحركة الرسالية في آن واحد، دون أن تصل الحكومة إلى معرفة خطوط الحركة ونشاطاتها التنظيمية ومدى قربها وبعدها من الإمامعليه‌السلام ومدى إشرافه عليها.

والعوامل التي كانت تحدد أسلوب التحرك لديهم تتمثل بما يلي:

أولاً: المصلحة الإسلامية العامة.

ثانياً: المصلحة الإسلامية الخاصة بحركة أهل البيتعليهم‌السلام باعتبارهم مسؤولين عن إصلاح الأوضاع.

ثالثاً: الظروف العامة والخاصة من حيث قوة الحركة وقوة القاعدة الشعبية.

وبذلك فإن الأئمةعليهم‌السلام قد قادوا جميع النشاطات في آن واحد بما فيها الحركات المسلحة ولكن بأسلوب غير مباشر تحيطه السرّية والكتمان، من أجل أن لا يتعرض الإمامعليه‌السلام إلى القتل في بداية إمامته، لأنّ إصلاح الأُمة وتربيتها مقدّم على كل شيء، فلو قاد الإمامعليه‌السلام حركة عسكرية أو ثورية فإنه سيقتل وتبقى الأُمة بحاجة إلى من يرفدها بالفكر السليم بإعداد الفقهاء والعلماء، ومن يرفدها ببناء طليعة من العبّاد والزهاد والسياسيين وقادة الحركات الثورية.

وبتعبير آخر: إنّ الإمامعليه‌السلام كان يقود خطين من خطوط

١٠٥

العمل الرسالي:

الخط الفكري: ومهمّته طلب العلم ونشره، وأداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأسلوب هادئ سلميّ.

خط المواجهة: ومهمّته إعلان التمرد على الحكومات الجائرة، واستخدام القوة لإيقاف انحرافها عن النهج الإسلامي الأصيل.

وهذا الأسلوب يتّضح من خلال سيرة الأئمةعليهم‌السلام ، فالإمام زين العابدينعليه‌السلام بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام وسبي نسائه اتّبع هذا الأسلوب، لأنّ الظروف السياسية قد تغيّرت، إضافة إلى توسّع القاعدة الشعبية لأهل البيتعليهم‌السلام واختلاف أتباعه وأنصاره في قدراتهم وطاقاتهم. فالتوّابون ثاروا في عهده، ولكن لم تحصل الحكومة الأموية على دليل واحد تثبت فيه علاقة الإمامعليه‌السلام بهم، وثار المختار في عهده، وفاتحه عمّه محمد بن الحنفية حول تأييده للثورة، فقالعليه‌السلام : (يا عم لو أنَّ عبداً زنجياً تعصّب لنا أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد ولّيتك هذا الأمر، فاصنع ما شئت)(1) . وقد كان هذا التخطيط سرّياً للغاية ولم يتسرّب إلاّ إلى بعض أتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

وحينما جاء البعض إلى محمد بن الحنفية حثّهم على الاشتراك مع المختار، وأرسل كتاباً إلى إبراهيم الأشتر يحثّه على ذلك(2) .

وحينما حاصر عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية وتوعّده بالقتل

____________________

(1) رسالة ذوب النُضّار في شرح الثار لجعفر بن نما الحلي رواية عن والده محمد بن نما، وعنه في بحار الأنوار: 45 / 363 - 364.

(2) الكامل في التاريخ: 4 / 214 - 215.

١٠٦

والإحراق كتب إلى المختار طالباً نجدته فأرسل له المختار جيشاً فأنقذه ممّا هو فيه(1) .

وتدلّنا هذه الوقائع على أن الإمام زين العابدينعليه‌السلام قد عيّن ابن الحنفية قائداً للخط والجناح العسكري، وكانت الأوامر تصدر منه مباشرة وليست من الإمامعليه‌السلام .

وحينما سيطر المختار على الكوفة وانتهت سيطرة الأمويين على العراق والحجاز وبعض الأمصار أعلن الإمامعليه‌السلام عن ثنائه على المختار لبعض المقرّبين إليه فقال: (الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى المختار خيراً)(2) .

وفي الوقت نفسه كان الإمامعليه‌السلام قد أرفد الأُمة بعدد من العلماء والفقهاء والرواة، كعبد الله بن الحسن، والزهري، وعمرو بن دينار، وعلي بن زيد بن جدعان، ويحيى بن أم الطويل(3) .

واستمر الإمام بأعداد القادة للمرحلة القادمة، فقد أعدّ ابنه محمداً الباقرعليه‌السلام للإمامة والقيادة العامة، وأعدّ ابنه زيداً لقيادة الثورة والحركة المسلحة.

وحينما أراد زيد الخروج أتى إلى الإمام محمد الباقرعليه‌السلام للقيام بالثورة أجابهعليه‌السلام : (لا تفعل يا زيد فإني أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة)(4) ، ولم يخرج زيد في عهده.

____________________

(1) الكامل في التاريخ: 4/250 - 251.

(2) رجال الكشي: 127 ح 203.

(3) سير أعلام النبلاء: 4 / 391.

(4) الخرائج والجرائح: 1 / 281.

١٠٧

وزيد معترف بإمامة الباقرعليه‌السلام ومن بعده الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام كما يظهر ذلك في شعره التالي:

ثوى باقر العلم في ملحد

إمام الورى طيّب المولد

فمن لي سوى جعفر بعده

إمام الورى الأوحد الأمجد (1)

وتصريح الإمام الباقرعليه‌السلام حول نصرة زيد شاهد على أن الأئمةعليهم‌السلام كانوا يقودون الخط العسكري بصورة غير مباشرة. قالعليه‌السلام : (إن أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق، فالويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن يقتله)(2) .

وفي عهد الإمام الصادقعليه‌السلام جاءته جماعة قبل خروج زيد فأخبرته ببيعة زيد، فقالعليه‌السلام : (بايعوه)(3) .

وكانعليه‌السلام يقول: (أشركني الله في تلك الدماء مضى والله عمّي زيد وأصحابه شهداء مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه)(4) .

وكان الثوّار لا يحدّدون اسم الإمام القائد وإنّما يكتفون بالدعوة إلى الرضى من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن الظروف كانت تستوجب عدم التصريح، وكان الإمامعليه‌السلام يحذّر أصحابه من الخروج مع غير المرتبطين به وكان يقول: (إذا أتاكم آت منّا فانظروا على أيّ شيء تخرجون؟ ولا تقولوا: خرج زيد، فإنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرّضى من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه...)(5) .

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب: 4/213 وعنه في بحار الأنوار: 46 / 296.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 113.

(3) الكامل في التاريخ: 5 / 243.

(4) عيون أخبار الرضا: 1 / 253.

(5) فروع الكافي: 8 / 264.

١٠٨

والخط العسكري هو درع الأئمة من جهتين:

الأولى: الاحتفاظ بالحالة الثورية للمجتمع كي تبقى مستعدة للقيام والتضحية.

الثانية: انه من خلاله يمكن الاستمرار في العمل الإصلاحي. وبانشغال الحاكم بمطاردة أتباع هذا الخط يكون المجال مفتوحاً لجميع الأعمال غير العسكرية، ويضمن وجوده سلامة أهل البيتعليهم‌السلام وأتباعهم، لأن الحاكم يخشى من تشديد الملاحقة والإرهاب الذي قد يؤدي إلى انخراط الجميع في الخط العسكري، فكان يعطي قدراً من الحرية لمن لا يحمل السلاح ويتظاهر بطلب العلم أو التجارة أو غير ذلك.

وقد عبّر الإمام الصادقعليه‌السلام عن هذه الظاهرة بقوله: (كفّوا ألسنتكم والزموا بيوتكم، فإنّه لا يصيبكم أمر تخصّون به أبداً، ولا تزال الزيدية لكم وقاءً أبداً)(1) .

ويبقى الإشراف على الخط العسكري من قبل الإمامعليه‌السلام في طي الكتمان، وفي أقصى غايات السرّية، ولا يطّلع عليه إلا من له دور مؤثر في العمل الرسالي، ولم تستطع السلطة كشف العلاقة بين الثوار والإمام من حيث التخطيط والتنسيق والتنفيذ إلاّ إنها كانت تتهم الإمام المعصومعليه‌السلام بإسناد الثورات أو تحريكها ولكن لا دليل لها عليه، وكان أبو جعفر المنصور يقول: من يعذرني من جعفر هذا؟ قدّم رِجلاً وأخّر أخرى، ويقول: اتنحّى عن محمد ابن عبد الله بن الحسن فإن ظفر فإنّما الأمر لي، وإن تكن الأخرى فكنت قد أحرزت نفسي(2) .

وكان قادة الخط العسكري لا يصرّحون بذكر اسم الإمامعليه‌السلام وإنما

____________________

(1) أصول الكافي: 2 / 225.

(2) مهج الدعوات: 188 وعنه في بحار الأنوار: 47 / 192.

١٠٩

يلمّحون بذلك أمام أتباعهم، فعن الحسين بن علي صاحب فخّ ويحيى بن عبد الله بن الحسن قالا: ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا، وشاورنا موسى بن جعفر فأمرنا بالخروج(1) .

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يقول للحسين بن علي: (إنّك مقتول فأحدّ الضراب... فانّا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله عَزَّ وجَلَّ احتسبكم من عصبة)(2) .

وكان الحاكم العباسي موسى الهادي يهدّد بقتل الإمام الكاظمعليه‌السلام ويقول: والله ما خرج حسين إلا عن أمره، ولا اتّبع إلاّ محبته؛ لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، فقتلني الله إن أبقيت عليه، فأقنعه أبو يوسف القاضي بعدم صحة ذلك، فسكن غضبه(3) .

واتّبع الإمام الرضاعليه‌السلام نفس الأسلوب في التحرك الرسالي فكان يقود جميع الخطوط في آن واحد دون أن تعلم السلطة بخفايا التحرك العسكري حيث كان محاطاً بسريّة تامة يصعب التعرف على خصوصياته.

إنّ تأكيد المأمون فيما بعد على أن ينزل الإمام الرضاعليه‌السلام عند رغبة المأمون في قضية ولاية العهد تعتبر شاهداً على مخاوف المأمون من تحرّكات العلويين ويكون قبول الإمام لولاية العهد خطوة لاستيعاب هذه الحركات التي ترى في الإمام قدوة لها وبذلك سوف يفقد العلويون مبرّرات المعارضة للحكم الذي يكون الإمام فيه وليّاً للعهد.

____________________

(1) مقاتل الطالبيين: 383.

(2) مقاتل الطالبيين: 376.

(3) مهج الدعوات: 217 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 151.

١١٠

2 - الدور السياسي للإمامعليه‌السلام في عهد هارون ومحمد

استثمر الإمامعليه‌السلام أجواء وظروف الانفراج السياسي النسبي لبناء وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل البيتعليهم‌السلام ، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم تنفجر أي ثورة علوية في هذين العهدين لعدم اكتمال العدة والعدد.

وكان الإمامعليه‌السلام يقدّم للأمة المفاهيم والأفكار السياسية بأسلوب حذر لكي لا يعطي للحكّام مبرراً لمنعه أو سجنه أو قتله، فقد أكّدعليه‌السلام على ضرورة الإمامة في كل زمن ونقل عن آبائه وأجداده الروايات التي تتعلق بهذا المفهوم السياسي الذي هو جزء من عقيدة أهل البيتعليهم‌السلام ، فنقل عبر السلسلة الذهبية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: (يدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيّهم)(1) .

وحدّدعليه‌السلام علامات الإمام لكي تتمكن الأُمة من تشخيص الإمام الحق في ظرف كثر فيه التدليس وقلب الحقائق فقالعليه‌السلام : (للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس...)(2) .

ويؤكّد الإمام الرضاعليه‌السلام على وحدة الإمامة فلابد من نصب إمام واحد غير متعدد(3) ، ويذكر العلّة من ذلك وهي توحيد جيمع الأعمال والمواقف والحيلولة دون حدوث الاضطراب في الدولة والأمة. وهذا يعني أن تعدد الأئمة مخالف لأسس العقيدة الإسلامية في السياسة والحكم، وفي هذه الحالة

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب: 3 / 80.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 213.

(3) عيون أخبار الرضا: 2 / 101.

١١١

لا بد وأن يكون أحد الأئمة إمام حق والبقية أئمة ضلالة لا تجب طاعتهم وإن كانوا في قمة السلطة الزمنية.

وقام الإمامعليه‌السلام بنشر الأحاديث المتعلقة بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام ودورهم في الحياة الإسلامية، فقد روى عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار)(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي)(2) .

وروى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: (يا علي، أنت قسيم الجنة والنار...)(3) .

ووجّهعليه‌السلام الأنظار إلى أهل البيتعليهم‌السلام وإلى موقعهم القيادي في الأُمة، ثم وجّه الأنظار إلى فضائل أنصار أهل البيتعليهم‌السلام كعمّار وأبي ذر والمقداد وسلمان؛ ليتم تشخيص أهل الحق وأهل الباطل على طول الأجيال، فقد روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال، لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام : (الجنّة تشتاق إليك وإلى عمّار وسلمان وأبي ذر والمقداد)(4) .

وحدّث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: (تقتل عماراً الفئة الباغية)(5) .

كما أكّد على أهميّة ولاية أهل البيتعليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم بقولهعليه‌السلام : (كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا)(6) .

وحثّ الأُمة على تكريم ذريّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما حدّث به عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال:

____________________

(1) كنز العمال: 12 / 98 ح 34170.

(2) كنز العمال: ج12، ح 34155.

(3) عوالم العلوم: 22/295، باب فضل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

(4) سنن الترمذي: 5/594، مناقب الإمام عليعليه‌السلام ح 3718.

(5) كنز العمال: ج11، ح 33555.

(6) أُنس العالم للصفواني في مستطرفات السرائر: 3/640 وعنه في بحار الأنوار: 27 / 58.

١١٢

(أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذرّيتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه)(1) .

وفي خضم الأحداث الصاخبة وما طرأ من تشويه وتدليس في الحقائق والمعتقدات، بيّن الإمامعليه‌السلام للأمة المفهوم الحقيقي للتشيّع، وشخص النماذج المجسدة له في الواقع فقال في شيعة عليعليه‌السلام : (إنما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد ومحمد بن أبي بكر، الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره، ولم يركبوا شيئاً من فنون زواجره...)(2) .

وقالعليه‌السلام : (شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت ويتبرّؤن من أعدائهم، أولئك أهل الإيمان والتقى وأهل الورع والتقوى)(3) .

واستثمر الإمامعليه‌السلام ذكرى استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام فحثّ على إحيائها إحياءً حقيقياً ينسجم مع عمق الأهداف التي ضحّى من أجلها الحسينعليه‌السلام ، ليتعمق الولاء العاطفي والسياسي لنهج الإمام الحسين الثوري، وإحياء الذكرى عامل من عوامل إثارة الحس الثوري المعارض للانحراف.

قالعليه‌السلام : (إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا... فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام)(4) .

وحثّعليه‌السلام على تمنّي الكون مع أصحاب الحسينعليه‌السلام وهو حثّ على تصعيد روح الثورة والتمرد على الواقع الفاسد، قالعليه‌السلام : (إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسينعليه‌السلام فقل متى

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 253.

(2) بحار الأنوار: 65 / 158.

(3) صفات الشيعة للصدوق: 4.

(4) مناقب آل أبي طالب: 4 / 93.

١١٣

ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً)(1) .

وحثّعليه‌السلام على زيارة قبر الحسينعليه‌السلام للتزود من مواقفه الشجاعة ولتجديد العهد معه على رفض الانحراف والظلم والطغيان، قالعليه‌السلام : (زيارة قبر الحسين صلوات الله عليه تعدل عمرة مبرورة متقبلة)(2) .

وإقامة مراسيم العزاء وزيارة القبر الشريف هو بمثابة معارضة ولكنها سلميّة، إضافة إلى ذلك فإنه وسيلة لجمع الأنصار والموالين بأسرع الأوقات دون أن تقوم السلطة بملاحقتهم لأنّ مبرر اجتماعهم هو الحزن على الحسينعليه‌السلام . وفعلاً أثمر الموقف هذا، فإن الذين ثاروا فيما بعد على المأمون، انطلقوا من قبر الحسين وأعلنوا الثورة(3) .

واستطاع الإمامعليه‌السلام بهذا الأسلوب أن يوسع القاعدة الموالية لأهل البيتعليهم‌السلام دون أن تلاحقه السلطات القائمة أو تمنع نشاطه السياسي، واستطاععليه‌السلام كسب عناصر جديدة مقربة للحكام من وزراء وقادة جيش وفقهاء، وكانت تصل إليه الأخبار - كما تقدم - من داخل البلاط الحاكم.

وكانعليه‌السلام يقود جميع خطط التحرك بسرّية تامة - كما تقدم - ولم تقم في عهد هارون وابنه محمد أيّ ثورة مسلحة، لأن أنصار أهل البيتعليهم‌السلام كانوا منشغلين بإعادة بناء قواتهم المسلحة بعد إخفاق الثورات السابقة كثورة صاحب فخ وغيره.

____________________

(1) بحار الأنوار: 44 / 299 عن الصدوق في أماليه وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(2) بحار الأنوار: 98 / 29 وفي ط 2 ج: 101/29 عن ابن قولويه في كامل الزيارات: 154 والصدوق في ثواب الأعمال: 111 - 115.

(3) بحار الأنوار: 10 / 351.

١١٤

الباب الرابع:

فيه فصول:

الفصل الأول: الإمام الرضاعليه‌السلام وظاهرة ولاية العهد.

الفصل الثاني: نشاطات الإمام الرضاعليه‌السلام بعد البيعة بولاية العهد.

الفصل الثالث: مدرسة الإمام الرضاعليه‌السلام ، احتجاجاته وتراثه.

١١٥

١١٦

الفصل الأول: الإمام الرضاعليه‌السلام وظاهرة ولاية العهد

وقائع وأحداث سياسية قبل ولاية العهد

استلم المأمون زمام الحكم بعد حرب دامية استمرت خمس سنين قتل فيها آلاف القادة والجنود، وحدث تفتت في التحالف العباسي وانقسم إلى قسمين، مؤيدين ومعارضين لحكم المأمون الذي قد حدث فيه انفراج سياسي للإمام الرضاعليه‌السلام ولأهل بيته بعد أربع سنين، فكان الإمامعليه‌السلام يتحدث بحرية تامة ويتحرك في دائرة أوسع من قبل وهي دائرة البلاط الحاكم لاتصاله بالوزراء والقادة مباشرة.

والمأمون كوارث لأبيه وأجداده لم يستطع أن يخرج عن النهج السياسي السابق إلاّ في حدود ضيّقة، وكان كسابقيه يؤطّر حكمه بإطار شرعي مقدس وهذا يظهر من الكتب والمخاطبات التي وجهت إليه، ومنها ما كتبه إليه طاهر بن الحسين قائد الجيش الذي قتل أخاه الأمين حيث جاء فيه:

قد قتل الله المخلوع، وأسلمه بغدره ونكثه، وأحصد لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له ما كان ينتظره من سابق وعده، والحمد لله الراجع إلى أمير المؤمنين حقّه، الكائد له فيمن خان عهده، ونقض عقده، حتى ردّ به الألفة بعد

١١٧

فرقتها، وجمع له الأُمة بعد شتاتها، فأحيا به أعلام الدين بعد دثور سرائرها(1) .

وعلى الرغم من إضفاء الشرعية على حكمه ومساندة بعض الفقهاء والقضاة له، إلا أن كثيراً من المسلمين كانوا يرونه مغتصباً للخلافة، ونتيجة للظلم المتراكم على طول عهود الحكّام العباسيين، وانحرافهم عن النهج الإسلامي، تفاعلت روح الثورة والتمرد في نفوس المسلمين، من قبل الثوار ومن قبل الموالين لأخيه الأمين.

ففي أول سنة من حكمه وهي سنة (198 هـ) أظهر نصر بن شيث العقيلي الخلاف في حلب وتغلّب على ما جاورها من البلدان، ولم ينته خلافه إلا في سنة (199 هـ) بعد القضاء عليه(2) .

وفي السنة نفسها حدثت فتنة في الموصل بين اليمانية والنزارية قتل فيها من النزارية نحو ستة آلاف.

وفي سنة (199 هـ) انفجرت المعارك بين بني ثعلبة وبني أسامة(3) .

وكانت سنة (199 هـ) فاتحة لثورة عظيمة قادها العلويون، حيث خرج أبو السرايا السري بن منصور الشيباني بالعراق ومعه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل الحسني، وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة وسيّر جيوشه إلى البصرة وواسط ونواحيها.

وتوزعت الثورة على عدة جبهات:

جبهة البصرة بقيادة العباس بن محمد بن عيسى الجعفري.

وجبهة مكة بقيادة الحسين بن الحسن الأفطس.

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 442.

(2) الكامل في التاريخ: أحداث سنة (198 هـ).

(3) تاريخ الموصل: 332 - 336.

١١٨

وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن جعفرعليه‌السلام .

وجبهة فارس بقيادة إسماعيل بن موسى بن جعفرعليه‌السلام .

وجبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى بن جعفرعليه‌السلام .

وجبهة المدائن بقيادة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسنعليه‌السلام .

واستمرت هذه الثورة أكثر من سنة إلى أن قضي عليها(1) .

وفي سنة ( 200 هـ) خرج محمد بن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ولكنّه استسلم وأرسل إلى المأمون(2) .

وكان لثورات العلويين أثر كبير في تخلخل الأوضاع الداخلية وإرباك المواقف العسكرية والسياسية.

وفي سنة (201 هـ) أصاب أهل بغداد بلاء عظيم حتى كادت تتداعى بالخراب، وجلا كثير من ساكنيها بسبب النهب والسبي والغلاء وخراب الدور(3) .

وعلى الرغم من إعلان المأمون العفو عن قادة الثورة من العلويين إلاّ أن ذلك لا يعني أنه كان متجنباً للإرهاب، بل كان كسابقه يستخدم الإرهاب لإخماد أصوات المعارضين أو من يفكر بإزالة الحكم العباسي، حتى إنه أقدم على قتل هرثمة بن أعين على الرغم من إخلاصه له بدسيسة الحسن بن سهل المنافس له(4) .

ولم يسمح للمعارضة بإبداء وجهات نظرها أن كانت مخالفة لمواقفه، فقد أقدم على نفي أحد الشعراء إلى السند لأنه أنشد قصيدة يذمّ بها قاضياً

____________________

(1) الكامل في التاريخ: 6 / أحداث سنة (199 - 200 هـ).

(2) عيون أخبار الرضا: 2 / 207.

(3) العبر في خبر من غبر: 1 / 263.

(4) تاريخ ابن خلدون: 5 / 521.

١١٩

منحرفاً له علاقة مع المأمون(1) .

وفي مقابل الاضطراب في الوضع الداخلي كانت هنالك تحدّيات خطيرة تواجه الحكومة العباسية، فالدول الكافرة والمشركة تتحيّن الفرص للقضاء على الحكومة وعلى الوجود الإسلامي، وهي تعدّ العدّة لوقتها المناسب، ولهذا أعلن المأمون العفو العام عن قادة الثورات.

الموقف السياسي للإمام الرضاعليه‌السلام

استثمر الإمامعليه‌السلام الظروف المناسبة فاتخذ ما يناسبها من مواقف، وقد عاشعليه‌السلام الانفراج الحقيقي بالانطلاق بحرية في نشر الفكر السياسي والعقيدة السياسية لأهل البيتعليهم‌السلام لأن ظروف الاقتتال بين الأمين والمأمون وما أفرزته من اضطراب وخلل في الجبهة الداخلية وانقسام البيت العباسي، حالت دون ملاحقتهعليه‌السلام ومطاردته أو إيقاف تحركه، وقامعليه‌السلام بتوسيع قاعدته الشعبية في كل مصر من الأمصار الإسلامية.

وكانعليه‌السلام كآبائه وأجداده يشرف على جميع خطوط التحرك بما في ذلك خط المواجهة، وهو محاط بسرية وكتمان شديدين، وقد اسند قيادته المباشرة إلى إخوانه وأبناء عمومته لكي لا يكون في موقع المواجهة العلنية مع الحكم القائم، لأنّ القيادة المباشرة تؤدّي إلى قتله في معركة من المعارك أو إلى قتله على أيدي أعوان الحاكم، قبل أن يهيّء الأجواء لإمامة من يأتي بعده.

ومن معطيات القيادة غير المباشرة للمواجهة، أن جميع الأخطاء والممارسات التي ترتكب أثناء الثورة من قبل الثوار لا تحسب على

____________________

(1) مروج الذهب: 3 / 345.

١٢٠