اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 116888
تحميل: 5889

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116888 / تحميل: 5889
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الرضاعليه‌السلام وبابنه الجوادعليه‌السلام وبأتباعه وأنصاره، وبسبب اختلاف أصحابه في الوعي ودرجة التلقي، وكتمان السر، وقربهم وبعدهم عن الإمامعليه‌السلام من حيث الولاء السياسي والعاطفي.

5 - عن جعفر بن محمد النوفلي قال: (أتيت الرضاعليه‌السلام فسلمت عليه، ثم جلست، وقلت: جعلت فداك إن أناساً يزعمون أنّ أباك حيٌّ، فقال: كذبوا لعنهم الله... فقلت له: ما تأمرني؟ قال: عليك بابني محمّد من بعدي، وأما أنا فإني ذاهب في وجه الأرض لا أرجع منه...)(1) .

وجاء في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر نفسه:(2) .

6 - وعن البزنطي قال: قال لي ابن النجاشي: (من الإمام بعد صاحبك؟ فأحب أن تسأله حتى أعلم. فدخلت على الرضاعليه‌السلام فأخبرته، فقال لي: الإمام ابني)(3) .

7 - واجتمع جماعة عند الإمام الرضاعليه‌السلام فلما نهضوا قال لهم: (القوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهداً، ثم قال: يرحم الله المفضل إنه لكان ليقنع بدون ذلك)(4) .

وفسّر العلامة المجلسي قولهعليه‌السلام : (ليقنع بدون ذلك، أي: بأقلّ مما قلت لكم في العلم بأنه إمام بعدي، ونبّههم إلى أن غرضه النصّ عليه، ولم يصرّح به تقية واتقاء)(5) .

____________________

(1) بحار الأنوار: 48/260، و 49/285.

(2) بحار الأنوار: 50 / 18.

(3) الكافي: 1/ 320.

(4) الكافي: 1/ 320.

(5) بحار الأنوار: 50 / 25.

١٦١

وقد نصّعليه‌السلام على إمامة الإمام الجوادعليه‌السلام بالشكل الذي تثبت إمامته عند المقربين من الإمامعليه‌السلام وأتباعه المخلصين، والكوادر الرسالية التي أعدها للمستقبل، ووكلائه الثقاة.

وقد أعدّ الإمامعليه‌السلام طليعة من الكوادر لإسناد منهج أهل البيتعليهم‌السلام وإسناد إمامة الإمام الجوادعليه‌السلام ومنهم: عمّه علي بن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر.

وانقاد أتباع الإمام الرضاعليه‌السلام للإمام الجوادعليه‌السلام وانقادت القاعدة الشعبية لإمامته إلا من شذّ منهم، واستقرت الإمامة على الإمام الجوادعليه‌السلام طبقاً للنصوص المتظافرة عليه من قبل أبيه وجده وأجداده، ولم تخف إمامته حتى عند الحكومة العباسية وولاتها وقوّادها.

الإعداد لدولة المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه)

إنّ إمامة الإمام المهديعليه‌السلام من الحقائق الثابتة عند المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وهو المصلح الأكبر والمنقذ الأعظم للبشرية من شتّى أنواع الانحراف، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد امتلائها ظلماً وجوراً.

وقام الإمام الرضاعليه‌السلام بدوره ومسؤوليته في توجيه الأنظار إلى حقيقة هذا المبدأ الإسلامي المتمثّل في قضية الإمام المهديعليه‌السلام ، لقرب العهد بولادته وغيبته، وقد جاءت رواياته وإخباراته مطابقة لما صدر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من روايات وأحاديث:

فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً)(1) .

____________________

(1) سنن ابي داود: 4 / 107.

١٦٢

كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)(1) ، وقال: (المهدي من ولد الحسين)(2) .

ووردت روايات عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصرّح بغيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبنّ القائم من ولدي بعهد معهود إليه منّي، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكّه...)(3) .

وقد قام الإمام الرضاعليه‌السلام بالترويج لهذا المبدأ الإسلامي عند المقرّبين لديه. وقد بلغت النصوص الخاصة بالإمام الرضاعليه‌السلام عن هذه القضية الإسلامية كما أحصاها مسند الإمام الرضاعليه‌السلام ستّة وثلاثين نصّاً. وإليك نماذج منها:

1 - عن أيوب بن نوح قال: قلت للرضاعليه‌السلام : إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يردّه الله عَزَّ وجَلَّ إليك من غير سيف، فقد بويع لك، وضربت الدراهم باسمك. فقالعليه‌السلام : (ما منا أحد اختلفت إليه الكتب، وسئل عن المسائل، وأشارت إليه الأصابع، وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله عَزَّ وجَلَّ لهذا الأمر رجلاً خفيّ المولد والمنشأ غير خفيّ في نسبه)(4) .

2 - عن محمد بن أبي يعقوب البلخي قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول: (إنّه سيبتلون بما هو أشدّ وأكبر، يبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع، حتى يقال:

____________________

(1) سنن ابي داود: 4 / 107، سنن ابن ماجة: 2 / 1368، عقد الدرر: 42.

(2) عقد الدرر: 46، كفاية الطالب: 503.

(3) كمال الدين وتمام النعمة: 1 / 51.

(4) الكافي: 1 / 341، كمال الدين وتمام النعمة: 2 / 370.

١٦٣

غاب ومات، ويقولون: لا إمام...)(1) .

3 - وصرّحعليه‌السلام بخصوصية الإمام المهدي - عجّل الله فرجه - بأنه الثالث من ولده فقال: (كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه، فقال له علي بن الحسن بن فضّال: ولم ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم... لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف)(2) .

4 - ثم صرّح بأكثر من ذلك فحدّد اسمه فقالعليه‌السلام : (لابد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض وحرّى وحرّان، وكل حزين لهفان، بأبي أنت وأمي سميّ جدّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران...)(3) .

وكان العباسيون يدركون أن قضيّة الإمام المهديعليه‌السلام حقيقة إسلامية لابدّ منها، ويتخّوفون من زوال حكمهم على يديه، لذا كانت الروايات في شأنه في غاية السرّية والكتمان. ولعلّ إشخاصهم للائمةعليهم‌السلام إلى مركز حكمهم وعاصمتهم كان قائماً على أساس ترقب ولادة المهديعليه‌السلام والقضاء عليه في مهده إن لم يمكنهم الحيلولة دون ولادته.

فالمأمون أشخص الإمام الرضاعليه‌السلام إلى خراسان، وأشخص ابنه الإمام الجوادعليه‌السلام أيضاً إلى بغداد بعد انتقال مركز خلافته إليها. ولعلّ تزويجه للإمامعليه‌السلام من ابنته كان باعتبار هذا الهدف، إضافة إلى محاولة اختلاط النسب بين العباسيين وأئمة أهل البيتعليهم‌السلام فضلاً عن الحضور داخل حياتهم الشخصية ليكونوا على معرفة بما يستجدّ في حياة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________________

(1) بحار الأنوار: 51 / 155، عن الغيبة للنعماني.

(2) بحار الأنوار: 51 / 152.

(3) كمال الدين وتمام النعمة: 2 / 372، الفصول المهمة: 251.

١٦٤

وقد أشخص الحكّام من بعد المأمون الأئمة الباقين إلى مركز حكمهم كالإمام الجوادعليه‌السلام والإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام (1) .

ولعلّ سمّ الأئمة منهم واغتيالهم من قبل الحكّام وعمّالهم واقع في هذا الطريق، فالإمام الجوادعليه‌السلام مات مسموماً وعمره خمس وعشرون سنة، والإمام الهادي سُمّ وهو في الثانية والأربعين من عمره والإمام الحسن العسكريعليه‌السلام مات مسموماً وعمره ثمان وعشرون سنة(2) .

ويؤيّد هذا التحليل النصّ المروي عن الإمام أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام إذ قال: قد وضع بنو أُمية وبنو العبّاس سيوفهم علينا لعلّتين: أحداهما أنهم كانوا يعلمون ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إياها، وتستقرّ في مركزها. وثانيها أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائمعليه‌السلام أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلاّ أن يتم نوره، ولو كره المشركون.

وبوجود الأئمةعليهم‌السلام في البلاط كان يسهل على الحكّام متابعة نشاطهم وحركتهم والتدخل في شؤونهم الخاصة؛ لذا فإن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام والد الإمام المهديعليه‌السلام لم يتزوّج زواجاً عادياً ورسمياً، وحينما ولد له الإمام المهديعليه‌السلام أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدة طلب السلطان له، واجتهاده في البحث عن أمره، لما كان قد شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه وعرف ذلك من انتظارهم له(3) .

____________________

(1) والملفت للنظر لدى الباحث التاريخي أن الأئمة من بعد الرضاعليه‌السلام لم يولد لهم مثل ما ولد لآبائهم من قبل، وهو شاهد على مدى تحديدهم وإحكام الرقابة عليهم، وكما أنه مؤشّر إلى تخوّف الحكّام منهم خشية من ظهور المهدي الموعود من بين أبنائهمعليهم‌السلام .

(2) راجع منتخب الأثر: الباب 34 من أبواب الفصل الثاني عن أربعين الخاتون آبادي.

(3) الإرشاد: 2/337 وعنه في بحار الأنوار: 50 / 334.

١٦٥

وهذه المواقف التي كانت تبدر من السلطة والتحفّظات الكثيرة هي التي جعلت الإمام المهديعليه‌السلام يختفي دون أن تقوم السلطات باعتقاله، وهي نتيجة للتخطيط الدقيق الذي كان قد بدأه الإمام الرضاعليه‌السلام وتلميحاته وتصريحاته السرية في خصوص الإيمان بالمهديعليه‌السلام وولادته واسمه. وقد تابع الأئمة من بعده نفس التخطيط، دون أن تشعر بهم السلطات القائمة.

وخلاصة القول: إن الإمام الرضاعليه‌السلام قد رسم مستقبل الرسالة بالتمهيد لها من خلال الوصية بإمامة ابنه الجوادعليه‌السلام ، ثمّ عليّ الهادي ثمّ الحسن العسكري ثم ابنه الإمام المهدي المنتظر؛ لتواصل الأمة ولاءها وتستمر في انتمائها الفكري والعاطفي والسلوكي.

اغتيال الإمام الرضاعليه‌السلام

لقد كان الإمام الرضاعليه‌السلام يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي. ولا غرابة في ذلك، فقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة أن بعض الأتقياء يحدّدون أيام وفاتهم أو سنة وفاتهم، لرؤيا رأوها أو لإلهام إلهي غير منظور. فما المانع أن يعلم الإمام الرضاعليه‌السلام بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً.

وقد أخبر الإمامعليه‌السلام جماعة من الناس بأنّه سيدفن قرب هارون، بقولهعليه‌السلام : (أنا وهارون كهاتين)، وضم إصبعيه السبابة والوسطى(1) .

وكان هارون يخطب في مسجد المدينة والإمام حاضر، فقالعليه‌السلام :

____________________

(1) الكافي: 1/491، عيون أخبار الرضا: 2/225 - 226، والإرشاد: 2/258 وعنه في إعلام الورى: 2/60 والإتحاف بحب الأشراف: 158.

١٦٦

(تروني وإياه ندفن في بيت واحد)(1) .

وفي ذات مرّة، خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج الإمام من باب آخر فقالعليه‌السلام : (يا بعد الدار وقرب الملتقى إن طوس ستجمعني وإياه)(2) .

وقال ابن حجر: أخبر بأنه يموت قبل المأمون، وأنّه يدفن قرب الرشيد فكان كما أخبر(3) .

وحينما أراد المأمون أشخاصه إلى خراسان، جمع عياله وكانعليه‌السلام يقول: (إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى اسمع، ثم فرقت فيهم اثنى عشر إلف دينار، ثم قلت: أما أني لا أرجع إلى عيالي أبداً)(4) .

وحينما أنشده دعبل الخزاعي قصيدته - بعد ولاية العهد - وانتهى إلى قوله:

(وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمّنها الرحمن في الغرفات

قال له الإمامعليه‌السلام : (أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقالعليه‌السلام :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

توقد في الأحشاء بالحرقات

فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الإمامعليه‌السلام : قبري، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري...)(5) .

وقد تقدم أنه أخبر عن عدم إتمام ولاية العهد.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2/216 وكشف الغمة: 3/93 وإعلام الورى: 2/59 والإتحاف بحبّ الأشراف: 158.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/216 وفي إعلام الورى: 2/59 وعنه في كشف الغمة: 3/105، وفي الإتحاف بحبّ الأشراف: 158.

(3) الصواعق المحرقة: 309.

(4) عيون أخبار الرضا: 2 / 218، إعلام الورى: 2/59 - 60.

(5) عيون أخبار الرضا: 2/263 - 264.

١٦٧

الأدلة على شهادته مسموماً

اختلفت الروايات في سبب موت الإمامعليه‌السلام بين الموت الطبيعي وبين السمّ، وقال الأكثر إنّه مات مسموماً، وفيما يلي نستعرض بعض الروايات - الدالة على ذلك - باختصار.

قال صلاح الدين الصفدي: وآل أمره مع المأمون إلى أن سمّه في رمّانة... مداراة لبني العباس(1) .

وقال اليعقوبي: فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمّاناً فيه سمّ(2) .

وقال ابن حبّان: ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته(3) .

وقال شهاب الدين النويري:... وقيل إن المأمون سمّه في عنب، واستبعد ذلك جماعة وأنكروه(4) .

وقال القلقشندي: يقال إنه سمّ في رمّان أكله(5) .

وكان أهل طوس يرون أن المأمون سمّه، وقد اعترف المأمون بتهمة الناس له فقد دخل على الإمامعليه‌السلام قبيل موته فقال: (يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي؟ فقدي لك، وفراقي إياك؟ أو تهمة الناس لي أني اغتلتك وقتلتك...)(6) .

____________________

(1) الوافي بالوفيات: 22/251.

(2) تاريخ الطبري: 5/148، أحداث سنة 203 هـ.

(3) الثقات: 8 / 457.

(4) نهاية الإرب: 22 / 210.

(5) مآثر الإنافة في معالم الخلافة: 1 / 211.

(6) عيون أخبار الرضا: 2 / 241.

١٦٨

ولما كان اليوم الثاني اجتمع الناس وقالوا: إن هذا قتله واغتاله، يعنون المأمون(1) .

ومن الشواهد على أن المأمون قتله مسموماً، أنه كان يخطط للتخلص منه.

قال المأمون لبني العباس:... فليس يجوز التهاون في أمره، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً، حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه(2) .

ويأتي موت الإمامعليه‌السلام بعد قرار المأمون بالتوجه إلى العراق ونقل عاصمة حكمه إليه، فقد وجد أنّ العباسيين في العراق سيبقون معارضين له ما دام الإمامعليه‌السلام ولياً لعهده، لذا نجده قد كتب لهم ليستميلهم: إنكم نقمتم عليّ بسبب توليتي العهد من بعدي لعلي بن موسى الرضا، وها هو قد مات، فارجعوا إلى السمع والطاعة.

ولا يستبعد من المأمون أن يقدم على قتله، وقد قتل من أجل الملك والسلطة أخاه وآلاف المسلمين من جنوده وجنود أخيه، فالملك عقيم كما أخبره أبوه من قبل.

أسباب إقدام المأمون على سمّ الإمامعليه‌السلام واغتياله

من الأسباب التي دعت المأمون إلى سمّ الإمام انّه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه، ومحاولتهم القضاء عليه.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 241.

(2) فرائد السمطين: 2/214، 215.

١٦٩

ومن الأسباب التي وردت عن أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي في قوله: (... وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا؛ فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة.

وكان الناس يقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده ).

وكان الرضا لا يُحابي المأمون في حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله؛ فيغيظه ذلك، ويحقد عليه، ولا يظهره له، فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم(1) .

وقد نصحه الإمامعليه‌السلام - كما تقدم - بأن يبعده عن ولاية العهد لبغض البعض لذلك، وقد علّق إبراهيم الصولي على ذلك بالقول: كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه(2) .

إضافة إلى ذلك أن بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمامعليه‌السلام ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمامعليه‌السلام ، فأقدم المأمون

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2 / 239 - 240.

(2) نثر الدر: 1 / 363.

١٧٠

على سمّه(1) .

وبدأت علامات الموت تظهر على الإمامعليه‌السلام بعد أن أكل الرمان أو العنب الذي أطعمه المأمون، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحية تدهوراً، وكان آخر ما تكلم به:( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (2) ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (3) .

ودخل عليه المأمون باكياً، ثم مشى خلف جنازته حافياً حاسراً يقول: (يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك) وشق لحد هارون ودفنه بجنبه(4) .

وقد رثاه دعبل الخزاعي قائلاً:

أرى أمية معذورين إن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من عذر

أربع بطوس على قبر الزكي به

إن كنت تربع من دين على خطر

قبران في طوس خير الناس كلّهم

وقبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب الرجس من ضرر(5)

وكانت شهادة الإمام الرضاعليه‌السلام في آخر صفر سنة (203 هـ) كما ذكر على ذلك أغلب الرواة والمؤرخين.

____________________

(1) النصوص التوضيحية في كيفية استشهاده راجعها في العوالم ص 488 - 498.

(2) آل عمران (3): 154.

(3) الأحزاب (33): 38.

(4) عيون أخبار الرضا: 2 / 241.

(5) عيون أخبار الرضا: 2 / 251.

١٧١

كرامة زيارته

قال ابن حبّان: قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا، صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراً، فوجدته كذلك(1) .

وقد اشتهرت هذه الكرامات على مدى القرون ولا سيّما في عصرنا الراهن حتى إن القائمين بشؤون الحرم الرضوي قد أسّسوا قسماً خاصاً بتسجيل هذه الكرامات وتدوينها مع شواهدها وذاع صيتها واشتهر أمرها وأصبحت من الواضحات لدى عامة المؤمنين بل جملة من الأطباء الذين كانوا يشرفون على تطبيب بعض المرضى الذين لا علاج لهم.

____________________

(1) الثقات: 8 / 457.

١٧٢

الفصل الثالث: مدرسة الإمام الرضاعليه‌السلام احتجاجاته وتراثه

عاش الإمام الرضاعليه‌السلام في عصر انفتاح الأمة الإسلامية على تراث الأمم الأخرى التي أخذت تدخل في حاضرة المسلمين وتساهم معهم في بناء صرح حضارتهم الإسلامية.

وقد بلغ هذا الانفتاح مبلغاً عظيماً في عصر الإمام الرضاعليه‌السلام بشكل واضح حتى كان يهدّد الثقافة الإسلامية إن لم يتصدّ له المعنيّون بحفظ أصالة الثقافة الإسلامية من الذوبان في الثقافات الدخيلة عليها بشكل أو آخر.

وقد اعتنى الإمام الرضاعليه‌السلام بهذا الجانب الخطير فقام بإعداد وتربية أجيال من العلماء ليحرصوا على صيانة التراث الإسلامي من الذوبان والانهيار، ويقوموا بمهمة نشر الفكر الإسلامي الصائب في أرجاء العالم الإسلامي ويهتمّوا بتربية أجيال تحمل هذه الرسالة إلى العالم أجمع.

من هنا كانت للإمام الرضاعليه‌السلام مدرسة حيّة تتقوّم بعناصر عالمة ومتعلّمة وذات ثقافة رسالية فريدة.

وهذه المدرسة تعتبر جزءً من التراث الحي للإمام الرضاعليه‌السلام . وهي بعدٌ متميّز من تراثه الثرّ.

وتأتي احتجاجات الإمام الطويلة والمتنوّعة مع أرباب شتى المذاهب

١٧٣

والأديان لتشكّل علامة فارقة أخرى في حياة الإمام الرضاعليه‌السلام وهي الجزء الآخر من تراثه المعطاء.

كما يعتبر كل ما دوّن وروي عن الإمام الرضاعليه‌السلام من أحاديث ورسائل وكتب في شتى ميادين المعرفة الإسلامية الجزء الثالث من تراثه الخالد للأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء.

من هنا سوف نتكلّم عن هذه الحقول والأجزاء الثلاثة ضمن ثلاثة بحوث تأتي تباعاً.

١٧٤

البحث الأول: مدرسة الإمام الرضاعليه‌السلام

يتراوح عدد الرواة عن الإمام الرضاعليه‌السلام كما جاء في المصادر الموجودة بأيدينا بين (313) إلى (367) راوياً. وهؤلاء يعتبرون طلاّب مدرسته والمتخرجين على يديه. وقد أحصى عددهم صاحب مسند الإمام الرضا وترجم لِـ 313 راوياً منهم بشكل موجز جدّاً استناداً إلى ما جاء لهم من ذكر في أسناد روايات المسند.

على أن الشيخ الطوسي (رضي الله عنه) قد ذكر ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، بينما أنهاهم الشيخ باقر شريف القرشي إلى (367) راوياً(1) .

ونظرة سريعة إلى مسند الإمام الرضاعليه‌السلام تعطينا صورة إجمالية عن اتجاهات مدرسة الإمام الرضاعليه‌السلام وملامح عصره في مجالات التربية العلمية والأخلاقية كما كانت تتطلّبها الظروف التي عاشها الإمامعليه‌السلام هذا فضلاً عن الإعداد الخاص للمستقبل القريب والبعيد الذي كان قد خطط له الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام كما هو واضح لمن يتدبّر مجموع ما صدر عنهم من نصوص وما تضمّنتها من التوجيه إلى آفاق المستقبل المشرق الذي ينتظر أتباع أهل البيتعليهم‌السلام وهم الجماعة الصالحة التي التزمت خطّهم الفكري والسياسي وأصرّت على التضحية في سبيل العقيدة الصحيحة والمبدأ الحق.

وقد ازداد النشاط العلمي لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام في هذا العصر وتمثّل

____________________

(1) انظر مسند الإمام الرضا، وحياة الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام (دراسة وتحليل).

١٧٥

في كثرة التأليف والتدوين، والتدريس والرواية وشمل جميع الحقول المعرفية المعروفة آنذاك.

كما ازداد عدد الأفراد المنتمين لمدرسة الفقهاء الرواة من أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ازدياداً ملحوظاً، ونلمس ذلك بوضوح من خلال عدد رواة الإمام الرضاعليه‌السلام حيث تكشف قائمة الرواة عن مدى الاهتمام منهم بانتهال العلم من مدرسة الإمام الرضاعليه‌السلام الرسالية في عصره، لا سيّما إذا لاحظنا تنوّع مستوياتهم وتنوّع اتجاهاتهم وتنوع بلدانهم واهتماماتهم العلمية من خلال تنوع الأسئلة والمجالات التي رووا فيها الأحاديث عن الإمام الرضاعليه‌السلام .

ونشير فيما يلي إلى بعض أصحاب الإمام وإلى جملة من مؤلفاتهم.

لقد ذكرت كتب التراجم ليونس بن عبد الرحمن(1) الكتب التالية:

1 - كتاب الشرايع، 2 - جوامع الآثار، 3 - الجامع الكبير في الفقه، 4 - الصلاة، 5 - الوضوء، 6 - يوم وليلة، 7 - السهو، 8 - الزكاة، 9 - اختلاف الحج، 10 - العلل الكبير، 11 - علل الحديث، 12 - الفرائض، 13 - الفرائض الصغير، 14 - الاحتجاج في الطلاق، 15 - التجارات، 16 - المزارعات، 17 - الآداب والدلالة على الخير، 18 - علل النكاح وتحليل المتعة، 19 - البيوع، 20 - الديات، 21 - الحدود.

____________________

(1) يونس بن عبد الرحمن هو أبو محمد مولى آل يقطين ثقة من أصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام ، كان وجهاً في أصحابنا متقدماً عظيم المنزلة قال ابن النديم: (يونس بن عبد الرحمن من أصحاب موسى بن جعفرعليهما‌السلام من موالي آل يقطين علاّمة زمانه كثير التصنيف والتأليف على مذاهب الشيعة) ثم عد كتبه. وكان يونس من أصحاب الإجماع، ولد في أيام هشام بن عبد الملك ورأى جعفر بن محمدعليهما‌السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه، وروى عن الكاظم والرضاعليهما‌السلام ، وكان الرضاعليه‌السلام يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممن بذل على الوقف مالاً جزيلاً فما قبل، مات (رحمه الله) سنة 208.

١٧٦

وذكرت لصفوان بن يحيى(1) ما يلي:

1 - كتاب الوضوء، 2 - الصلاة، 3 - الصوم، 4 - الحج، 5 - الزكاة، 6 - النكاح، 7 - الطلاق، 8 - الفرائض، 9 - الوصايا، 10 - الشراء والبيع، 11 - العتق والتدبير، 12 - البشارات، 13 - النوادر.

وذكرت للحسن بن محبوب أيضاً: 1 - كتاب المشيخة، 2 - الحدود، 3 - الديات، 4 - الفرائض، 5 - النكاح، 6 - الطلاق، 7 - النوادر نحو ألف ورقة، 8 - التفسير، 9 - العتق.

كما ذكرت كتب أخرى لعثمان بن عيسى الرؤاسي ومحمد بن أبي عمير وعلي بن يقطين ومحمد بن عيسى اليقطيني حتى جاء عنه في مناقب ابن شهر آشوب أنه جمع من مسائل أبي الحسن الرضا مما سئل عنه وأجاب ثمانية عشر ألف مسألة أو خمسة عشر ألف مسألة(2) .

____________________

(1) هو أبو محمد صفوان بن يحيى البجلي الكوفي، بياع السابري من أصحاب الإمام السابع والثامنعليهما‌السلام وأقرّوا له بالفقه والعلم، ثقة من أصحاب الإجماع وكان وكيل الرضاعليه‌السلام وصنف كتباً كثيرة كان من الورع والعبادة ما لم يكن احد في طبقته. ونقل الشيخ: (إنه أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم كان يصلي كل يوم خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاث مرات وذاك أنه اشترك هو وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام فتعاقدوا جميعا إن مات واحد منهم يصلي من بقي بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكي عنه ما دام حياً فمات صاحباه وبقى صفوان بعدهما وكان يفي لهما بذلك وكان يصلي عنهما ويزكي عنهما ويصوم عنهما ويحج عنهما وكل شيء من البر والصلاح يفعل لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه - إلى أن قال -: وروى عن أربعين رجلاً من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام . وله كتب كثيرة مثل كتب الحسين بن سعيد وله مسائل عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام وروايات).

مات (رحمه الله) بالمدينة وبعث إليه أبو جعفر بحنوطه وكفنه وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه.

(2) راجع عبد الهادي الفضلي: تاريخ التشريع الإسلامي: 180.

١٧٧

البحث الثاني: احتجاجات الإمام الرضاعليه‌السلام

إن انفتاح الأمة الإسلامية على الأمم والثقافات الأخرى - بأيّ سبب كان(1) - كان يتطلّب من القيادة الرساليّة التي كانت مهمّتها الأولى صيانة الرسالة الإسلامية والأمة المسلمة من الانهيار والسقوط أن تقوم بتحصين الأمة والمجتمع الإسلامي تحصيناً علمياً وثقافياً يجعلها تصمد أمام الاختراق الثقافي المقصود أو غير المقصود.

وقد عرفنا أن عصر الإمام الرضاعليه‌السلام قد تميّز بانفتاح هذا الباب على مصراعيه، وأصبح الخطر محدقاً بالأمة، وكان المأمون يبدي رغبة جامحة وشديدة في الحوار بين الإمام الرضاعليه‌السلام وسائر أرباب الأديان والمذاهب والاتجاهات العاملة في المجتمع الإسلامي آنذاك.

وقد تحقق هذا الحوار المفتوح على أصعدة شتّى، وتحدّى فيه الإمام الرضاعليه‌السلام - باعتباره الشخصية العلمية الوحيدة اللامعة في العالم الإسلامي - كل أصحاب الأديان والمذاهب والفرق وفاقهم جميعاً، وسجّل بذلك للعالم الإسلامي تفوّقه وقيمومته العلمية بالنسبة لهم، وتلألأت بذلك شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام

____________________

(1) قد يكون هذا الانفتاح نتيجة طبيعية لدخول الأمم الأخرى في الحاضرة الإسلامية بعد اعتناق الإسلام أو معايشتها للمسلمين، وقد يكون السبب محاولة الاختراق منهم رغم الفتوحات الإسلامية التي أنتجت خضوعهم للدولة الإسلامية، كما يحتمل أن يكون للخلفاء دور في التشجيع على الترجمة للتراث الآخر رغبةً منهم في التوسع العلمي والاطلاع على سائر الثقافات أو رغبة منهم لانشغال طلاّب العلم بالثقافات الأخرى لئلا يتفرّغوا للتوجه إلى معين أهل البيتعليهم‌السلام الرسالي، لأنّ هذا التوجه سيؤدي إلى مرجعيتهم العلمية والتي تستتبعها مرجعيتهم السياسية ولو بعد فترة طويلة، وهذا مما لا يروق لهم بحال من الأحوال.

١٧٨

بشكل خاص(1) .

ولا ندري هل سجّلت كتب التراث كل ساحات الحوار ونصوصه التي دارت بين الإمام الرضاعليه‌السلام وسائر أرباب الأديان والمذاهب، غير أنّ ما وصل إلينا من حوارات غني في بابه وتنوّع مجالاته، بالرغم من وجود شواهد تأريخية على إصرار المأمون لحجب هذه الحوارات عن الانتشار.

وتكفّلت كُتب الاحتجاج بثبت جملة من هذه الحوارات وتجدها في كتاب الاحتجاج للطبرسي وبحار الأنوار للمجلسي فضلاً عن كتاب عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

وقد أنتجت هذه الحوارات المهمة ما يلي:

1 - تحدي أرباب الأديان والمذاهب، وإثبات التفوّق العلمي لمدرسة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية.

2 - فتح الباب لانتشار ثقافة أهل البيتعليهم‌السلام في أوساط المجتمع الإسلامي.

3 - توجيه المسلمين إلى خط أهل البيتعليهم‌السلام الرسالي ودعوتهم للانشداد بهم دون غيرهم دعوة صامتة.

4 - دعم الدولة الإسلامية لأنها قدّمت للإنسانية الرصيد العلمي الذي تمتلكه الحضارة الإسلامية.

5 - ولا نستبعد أن تكون هذه الفتوحات الكبيرة سبباً من أسباب

____________________

(1) ولعل هذا التفوّق كان أحد أسباب استعجال المأمون في القضاء على شخص الإمام الرضاعليه‌السلام بعد أن ثبت للعالم الإسلامي إشراق هذه الشخصية، وأن المأمون لا يستطيع استيعابها واحتوائها، فيكون وجود المأمون حينئذ وجوداً هامشياً - كما هو كذلك - ولكن الملك عقيم والخلافة منصب لا يزهد فيه أصحاب المطامع الدنيوية، من هنا تجرّأ المأمون بكل قساوة وخطّط للقضاء على هذه الشخصية المشرقة التي أصبحت تنافسه في أعين الناس بل أصبحت تفوقه بما لا يتحمّله من أنواع التفوّق.

١٧٩

الإسراع في القضاء على شخص الإمام الرضاعليه‌السلام ، لأن تفوقه واشراقه يعود بنتائج سلبية على شخص الخليفة، فيكون وجوده مزاحماً لمثل المأمون الذي يحمل أكبر الآمال في إحكام السيطرة على العالم الإسلامي.

وعلى كل حال فقد تنوّعت مجالات الحوار فشملت التوحيد، والنبوّة والأنبياءعليهم‌السلام والإمامة والأئمة، والمذاهب الإسلامية، والخلافة والصحابة، وغيرها من مسائل الخلاف بين المسلمين.

ونستعرض فيما يلي نماذج من هذه الاحتجاجات لنقف على جانب من عظمة الإمام العلمية ونشاطه الخاص في هذا المجال الخطير.

1 - حواره مع الثنوية

روى الصدوق عن الفضل بن شاذان: سأل رجلٌ من الثنوية أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام وأنا حاضر فقال له: إنّي أقول: إنّ صانع العالم اثنان فما الدّليل على أنّه واحد؟ فقال: (قولك: إنّه اثنان دليل على أنّه واحد لأنّك لم تدّع الثاني إلاّ بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه وأكثر من واحد مختلف فيه)(1) .

____________________

(1) التوحيد: 250.

١٨٠