اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 116959
تحميل: 5894

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116959 / تحميل: 5894
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

(الإمام الرضا يكنى أبا الحسن ولم يكن في الطالبيّين في عصره مثله، بايع له المأمون بولاية العهد، وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، وخطب له على المنابر)(1) .

وقال جمال الدين، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي: (الإمام أبو الحسن الهاشمي العلوي، الحسيني، كان إماماً عالماً. وكان سيد بني هاشم في زمانه، وأجلّهم، وكان المأمون يعظّمه ويبجّله ويخضع له، ويتغالى فيه، حتى جعله وليّ عهده..)(2) .

وقال ابن ماجة: (كان - أي الإمام الرضا - سيد بني هاشم، وكان المأمون يعظّمه، ويبجّله، وعهد له بالخلافة، وأخذ له العهد..)(3)

قال ابن حجر: (كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب..)(4) .

قال اليافعي: (الإمام الجليل المعظَّم، سلالة السادة الأكارم: علي بن موسى الرضا، أحد الأئمة الإثني عشر، أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم، وقصروا بناء مذهبهم عليهم..)(5) .

والذهبي الذي عرف بالبغض والعداء لأهل البيتعليهم‌السلام لم يسعه إلاّ الاعتراف بفضل الإمام الرضاعليه‌السلام ، بقوله:

(الإمام أبو الحسن بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي.. وكان

____________________

(1) عمدة الطالب: 198.

(2) مسند الإمام الرضا: 1/136.

(3) أعيان الشيعة: 4 / ق 2 / 85.

(4) تهذيب التهذيب: 7 / 389.

(5) مرآة الجنان: 2 / 11.

٢١

سيد بني هاشم في زمانه، وأحلمهم، وأنبلهم، وكان المأمون يعظّمه، ويخضع له ويتغالى فيه، حتى انه جعله ولي عهده..)(1) .

قال الشبراوي: (كان رضي الله عنه كريماً جليلاً، مهاباً موقّراً وكان أبوه موسى الكاظمعليه‌السلام يحبّه حبّاً شديداً)(2) .

مدحه أبو نؤاس - الشاعر المشهور - الذي ترك مدحه إعظاماً له، وقد أجاد فيما قال، حين عوتب على عدم مدحه الإمام الرضاعليه‌السلام بعد توليته لولاية العهد(3) فقال مجيباً:

قيل لي أنت أوحد الناس طرّاً

في فنون من المقال النبيه

لك من جوهر الكلام نظام

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فلماذا تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمّعن فيه

قلت: لا اهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه

وخرج الإمام الرضاعليه‌السلام يوماً على بغلة فارهة، فدنا منه أبو نؤاس، وسلّم عليه وقال له: (يا ابن رسول الله! قلت فيك أبياتاً أحب أن تسمعها مني)، فقال له: (قل). فانبرى أبو نؤاس قائلاً:

مطهّرون نقيّات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا

من لم يكن علويّاً حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

أولئك القوم أهل البيت عندهم

علم الكتاب وما جاءت به السور(4)

____________________

(1) تاريخ الإسلام: 8 / 34.

(2) الإتحاف بحب الأشراف: ص 88.

(3) الأئمة الاثني عشر، لابن طولون: 98 - 99.

(4) خلاصة الذهب المسبوك: 200.

٢٢

وأعجب الإمامعليه‌السلام بهذه الأبيات فقال لأبي نؤاس: (قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد..). ثم التفت إلى غلامه فقال له: ما معك من فاضل نفقتنا؟ فقال: ثلاثمئة دينار، قال: ادفعها له. فلما ذهب إلى بيته، قال لغلامه: لعلّه استقلّها، سق إليه البغلة(1) .

وهام دعبل الخزاعي في الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان مما قاله فيه:

لقد رحل ابن موسى بالمعالي

وسار بيسره العلم الشريف

وتابعه الهدى والدين طرّاً

كما يتتبع الألف الأليف(2)

____________________

(1) الإتحاف بحب الأشراف: 60، نزهة الجليس: 2 / 105، كشف الغمة: 3/107.

(2) ديوان دعبل: 108.

٢٣

٢٤

الفصل الثالث: مظاهر من شخصيّة الإمام الرضاعليه‌السلام

لقد كانت شخصيّة الإمام الرضاعليه‌السلام ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلاّ وهي من نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام وزيّنه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علماً لأمة جده، يهتدي به الحائر، ويسترشد به الضال، وتستنير به العقول.

إنّ مكارم أخلاق الإمام الرضاعليه‌السلام نفحة من مكارم أخلاق جده الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي امتاز على سائر النبيين بهذه الكمالات، فقد استطاعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسمو أخلاقه أن يطور حياة الإنسان، وينقذه من أحلام الجاهلية الرعناء، وقد حمل الإمام الرضاعليه‌السلام أخلاق جده، وهذا إبراهيم بن العباس يقول عن مكارم أخلاقه:

(ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ؛ ما جفا أحداً قط، ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردَّ أحداً عن حاجة، وما مدَّ رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه. قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من

٢٥

أوَّلها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة)(1) .

ومن معالي أخلاقه أنه كما تقلد ولاية العهد التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلاميّة لم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وإنّما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، حتى قيل: إنه احتاج إلى الحمّام فكَرِه أن يأمر أحداً بتهيئته له، ومضى إلى حمّام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمّام في السوق فيغسل فيه، وإنما حمامات الملوك في قصورهم.

ولما دخل الإمام الحمّام كان فيه جندي، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن يصب الماء على رأسه، ففعل الإمام ذلك، ودخل الحمّام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! فذعر الجندي، ووقع على الإمام يقبل أقدامه، ويقول له متضرّعاً: (ياابن رسول الله! هلاّ عصيتني إذ أمرتك؟). فتبسّم الإمام في وجهه وقال له، برفق ولطف: (إنّها لمثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه)(2) .

ومن سموّ أخلاقه أنه إذا جلس على مائدة أجلس عليها مماليكه حتى السائس والبوّاب وقد أعطى بذلك درساً لهم، لقاء التمايز بين الناس، وأنهم جميعاً على صعيد واحد، ويقول إبراهيم بن العباس: سمعت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام يقول: (حلفت بالعتق، ولا أحلف بالعتق إلاّ أعتقت رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما أملك، إن كان يرى أنه خير من هذا، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه، إذا كان ذلك

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1/184 وعنه في بحار الأنوار: 49/90، 91، وعنه في حياة الإمام محمد الجوادعليه‌السلام للقرشي: 35.

(2) نور الأبصار: 138، عيون التواريخ: 3 / 227 مصور.

٢٦

بقرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أن يكون له عمل صالح فأكون أفضل به منه)(1) .

وقال له رجل: والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً. فقالعليه‌السلام : (التقوى شرّفتهم، وطاعة الله أحفظتهم).

وقال له شخص آخر: أنت والله خير الناس... فردّ عليه قائلاً: (لا تحلف يا هذا! خير مني من كان أتقى لله عَزَّ وجَلَّ، وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية:( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (2) .

زهده:

ومن صفات الإمام الرضاعليه‌السلام الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حيث قال: كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح(3) في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيَّا(4) .

والتقى به سفيان الثوري - وكان الإمام قد لبس ثوباً من خز - فأنكر عليه ذلك وقال له: لو لبست ثوباً أدنى من هذا. فأخذ الإمامعليه‌السلام يده برفق، وأدخلها في كُمّه فإذا تحت ذلك الثوب مسح، ثم قال له: (يا سفيان! الخزّ للخلق، والمسح للحق...)(5) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2/95، 96 وعنه في بحار الأنوار: 49 / 95 - 96.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/236 وعنه في بحار الأنوار: 49 / 95.

(3) المسح: الكساء من الشعر.

(4) عيون أخبار الرضا: 2 / 178، المناقب: 4 / 389.

(5) المناقب: 4/389 - 390.

٢٧

وحينما تقلّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن، ولم يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمة التي كان يقيمها الناس لملوكهم.

سخاؤه:

ولم يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضاعليه‌السلام من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء. وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، وكان منها ما يلي:

1 - أنفق جميع ما عنده على الفقراء، حينما كان في خراسان، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له: إنّ هذا لمغرم... فأجابه الإمامعليه‌السلام : (بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً)(1) . إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإنّما المغرم هو الإنفاق بغير وجه مشروع كإنفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنّين والعابثين.

2 - وفد عليه رجل فسلّم عليه، وقال له: (أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادكعليهم‌السلام ، ومصدري من الحج، وقد نفدت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك، فقال له: اجلس رحمك الله. وأقبل على الناس يحدّثهم حتى تفرّقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري، وخيثمة، فاستأذن الإمام منهم ودخل الدار ثم خرج وردّ الباب وأخرج من أعلى الباب صرّة، وقال: أين الخراساني؟ فقام إليه

____________________

(1) المناقب: 4 / 390.

٢٨

فقالعليه‌السلام له: خذ هذه المئتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك، ولا تتصدّق بها عني. وانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام. والتفت إليه سليمان فقال له: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟

فأجابه الإمامعليه‌السلام : إنما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أمَا سمعت حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول... أما سمعت قول الشاعر:

متى آته يوماً لأطلب حاجتي

رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه)(1)

3 - وكان إذا أتي بصحفة طعام عمد إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو قوله تعالى:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) ثم يقول: (علم الله عزَّ وجلَّ أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة)(2) .

4 - وروي: (أن فقيراً قال له: أعطني على قدر مروّتك. فأجابه الإمامعليه‌السلام : (لا يسعني ذلك). والتفت الفقير إلى خطأ كلامه فقال ثانياً: أعطني على قدر مروّتي. وهنا قابله الإمامعليه‌السلام ببسمات فيّاضة بالبشر قائلاً له: إذن، نعم. ثم قال: يا غلام! أعطه مائتي دينار)(3) .

5 - ومن معالي كرمه ما رواه أحمد بن عبيد الله عن الغفاري، قائلاً: كان لرجل من آل أبي رافع - مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عليَّ حق فتقاضاني، وألحَّ

____________________

(1) الكافي: 4/23 و 24 و مناقب آل أبي طالب: 4/390، وعن الكافي في بحار الأنوار: 49/101، ح 19.

(2) المحاسن للبرقي: 2/146، ح 20 وعنه في بحار الأنوار: 49/97، ح 11.

(3) مناقب آل أبي طالب: 4/390.

٢٩

عليَّ، فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم توجهت نحو الإمام الرضاعليه‌السلام وكان في العُريض، فلما قربت من بابه خرج وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه، استحييت منه، ووقف لما رآني فسلمت عليه وكان ذلك في شهر رمضان، فقلت له: جعلت فداك لمولاك - فلان - عليَّ حق، شهرني. فأمرني بالجلوس حتى يرجع فلم أزل في ذلك المكان حتى صليت المغرب، وأنا صائم وقد مضى بعض الوقت فهممت بالانصراف، فإذا الإمام قد طلع وقد أحاط به الناس، وهو يتصدّق على الفقراء والمحوجين، ومضيت معه حتى دخل بيته، ثم خرج فدعاني فقمت إليه، وأمرني بالدخول إلى منزله فدخلت، وأخذت أحدثه عن أمير المدينة فلما فرغت من حديثي قال لي: ما أظنّك أفطرت بعد، قلت: لا، فدعا لي بطعام، وأمر غلامه أن يتناول معي الطعام. ولمّا فرغت من الإفطار أمرني أن أرفع الوسادة، وآخذ ما تحتها، فرفعتها، فإذا دنانير فوضعتها في كُمّي، وأمر بعض غلمانه أن يبلغوني إلى منزلي، فمضوا معي، ولمّا صرت إلى منزلي دعوت السراج ونظرت إلى الدنانير، فإذا هي ثمانية وأربعون ديناراً، وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين ديناراً، وقد كتب على دينار منها: إنّ حقّ الرجل عليك ثمانية وعشرون ديناراً وما بقي فهو لك(1) .

تكريمه للضيوف: كانعليه‌السلام يكرم الضيوف، ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان الإمام يحدثه في بعض الليل فتغيّر السراج فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام،

____________________

(1) أصول الكافي: 1/486، ح 4، وعنه في الإرشاد: 2/255 وعنه في بحار الأنوار: 49/97، ح 12.

٣٠

وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: (إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا)(1) .

عتقه للعبيد:

ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضاعليه‌السلام عتقه للعبيد، وتحريرهم من العبودية، ويقول الرواة: أنه أعتق ألف مملوك(2) .

إحسانه إلى العبيد:

وكان الإمامعليه‌السلام كثير البر والإحسان إلى العبيد، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل (بلخ)، قال: كنت مع الإمام الرضاعليه‌السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة فجمع عليها مواليه، من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة، فأنكر عليه ذلك وقال له: (مه، إن الربّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد والجزاء بالأعمال...)(3) .

إن سيرة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام كانت تهدف إلى إلغاء التمايز العرقي بين الناس، وإنهم جميعاً في معبد واحد لا يفضل بعضهم على بعض إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.

علمه:

والشيء البارز في شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فقد كان بإجماع المؤرخين والرواة أعلم أهل زمانه،

____________________

(1) الكافي: 6/283 وعنه في بحار الأنوار: 49/102، ح 20.

(2) الإتحاف بحب الأشراف: 58.

(3) الكافي: 4/23 وعنه في بحار الأنوار: 49/101، ح 18.

٣١

وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم، وقد تحدّث عبد السلام الهروي عن سعة علومه، وكان مرافقاً له، يقول: (ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ما رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، واقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في (الروضة) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم، وبعثوا إليّ المسألة فأجيب عنها.. )(1) .

لقد كان الإمام أعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة، والفروع الفقهيّة.

قال إبراهيم بن العباس: (ما رأيت الرضا يسأل عن شيء قط إلاّ علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول، إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه الجواب الشافي)(2) .

قال المأمون: (ما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل - يعني الإمام الرضا - على وجه الأرض...)(3)

____________________

(1) إعلام الورى: 2/64 وعنه في كشف الغمة: 3/106 - 107 وعنهما في بحار الأنوار: 49/100.

(2) عيون أخبار الرضا: 2 / 180، الفصول المهمّة: 251.

(3) الإرشاد: 2/261.

٣٢

معرفته بجميع اللغات:

وظاهرة أخرى من علومه هي: معرفته التامة وإحاطته الشاملة بجميع اللغات، قال أبو إسماعيل السندي: (سمعت بالهند أن لله في العرب حجة، فخرجت في طلبه، فدُلِلت على الرضاعليه‌السلام فقصدته وأنا لا أحسن العربية، فسلّمت عليه بالسندية، فرد عليَّ بلغتي، فجعلت أكلمه بالسندية، وهو يرد عليّ بها، وقلت له: إني سمعت أن لله حجة في العرب، فخرجت في طلبه، فقالعليه‌السلام : أنا هو، ثم قال لي: سل عما أردته، فسألته عن مسائل فأجابني عنها بلغتي)(1) .

وقد أكد هذه الظاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالإمام، يقول أبو الصلت الهروي: كان الرضاعليه‌السلام يكلِّم الناس بلغاتهم، فقلت له: في ذلك فقال: يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه، وما كان الله ليتخذ حجة على قوم، وهو لا يعرف لغاتهم. أوَما بلغك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (أوتينا فصل الخطاب) وهل هو إلاّ معرفته اللغات؟!(2) .

وروى ياسر الخادم فقال: كان لأبي الحسنعليه‌السلام في البيت صقالبة، وروم، وكان أبو الحسن قريباً منهم فسمعهم يتكلمون بالصقلبية والرومية، ويقولون: إنا كنا نفصد كل سنة في بلادنا، ولا نفصد ها هنا، ولمّا كان من الغد بعث إليهم من يفصدهم(3) .

____________________

(1) الخرائج والجرائح: 1/340، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 49 / 50، ح 51.

(2) المناقب: 4 / 362.

(3) المناقب: 4/362، والفَصد: ضرب العِرق للحجامة.

٣٣

الإمامعليه‌السلام والملاحم:

وأخبر الإمام الرضاعليه‌السلام عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر به، وهي تؤكد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيتعليهم‌السلام المزيد من الفضل والعلم، كما منح رسله، ومن بين ما أخبر به ما يلي:

1 - روى الحسن بن بشار فقال: (قال الرضاعليه‌السلام : إن عبد الله - يعني المأمون - يقتل محمداً - يعني الأمين -، فقلت له: عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون؟! قال: نعم، عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد.. وكان يتمثل بهذا البيت:

وإنّ الضغن بعد الضغن يفشو

عليك، ويخرج الداء الدفينا(1)

ولم تمض الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين.

2 - ومن بين الأحداث التي أخبر عنها: (أنّه لما خرج محمد بن الإمام الصادق بمكة، ودعا الناس إلى نفسه، وخلع بيعة المأمون، قصده الإمام الرضا، وقال له: يا عم لا تكذب أباك، ولا أخاك - يعني الإمام الكاظمعليه‌السلام - فإنّ هذا الأمر لا يتم. ثم خرج، ولم يلبث محمّد إلاّ قليلاً حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي، فانهزم محمد ومن معه، وطلب الأمان، فآمنه الجلودي، وصعد المنبر وخلع نفسه، وقال: إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق)(2) .

3 - روى الحسين نجل الإمام موسىعليه‌السلام قال: (كنّا حول أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، ونحن شبّان من بني هاشم إذ مرّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو

____________________

(1) المناقب: 4 / 363، جوهرة الكلام: 146.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/207 وفي بحار الأنوار: 47/247 باب 30، ح 5.

٣٤

رثّ الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته، فقال الرضا: لترونه عن قريب كثير المال، كثير التبع، فما مضى إلاّ شهر ونحوه، حتى ولي المدينة وحسنت حاله)(1) .

4 - روى محول السجستاني فقال: (لما جاء البريد بأشخاص الإمام الرضاعليه‌السلام إلى خراسان كنت أنا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فودعه مراراً كل ذلك يرجع إلى القبر، ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت إليه، وسلمت عليه، فيرد السلام، وهنأته، فقال: ذرني فإني أخرج من جوار جدي، فأموت في غربة، وأُدفن في جنب هارون، قال: فخرجت متبعاً طريقه، حتى وافى خراسان فأقام فيها وقتاً ثم دفن بجنب هارون)(2) .

وتحقق ما أخبر به فقد مضى إلى خراسان، ولم يعد منها وأغتاله المأمون العباسي، ودفن إلى جانب هارون.

5 - روى صفوان بن يحيى قال: لما مضى أبو إبراهيم - يعني الإمام الكاظمعليه‌السلام - وتكلم أبو الحسنعليه‌السلام خفنا عليه، فقيل له: إنك قد أظهرت أمراً عظيماً، وأنا نخاف عليك هذا الطاغية - يعني هارون - فقالعليه‌السلام : (ليجهد جهده فلا سبيل له عليّ)(3) .

وتحقق ذلك فإن هارون لم يتعرّض له بسوء، وقد أكد الإمام هذا المعنى لبعض أصحابه، فقد روى محمد بن سنان قال: قلت لأبي الحسن الرضا في أيام هارون: أنّك قد شهرت نفسك بهذا الأمر، وجلست مجلس أبيك، وسيف

____________________

(1) الفصول المهمة: 229، بحار الأنوار: 12 / 13.

(2) الإتحاف بحب الأشراف: 59، أخبار الدول: 114.

(3) عيون أخبار الرضا: 2/226.

٣٥

هارون يقطر الدم - أي من دماء أهل البيت وشيعتهم - فقالعليه‌السلام : (جرّأني على هذا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنْ أخذ أبو جهل من رأسي شعرة، فاشهدوا أني لست بنبي، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أني لست بإمام)(1) .

لقد أعلنعليه‌السلام غير مرّة أن هارون لا يعرض له بسوء، وأنه يدفن إلى جانب هارون، فقد روى حمزة بن جعفر الارجاني: خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج علي الرضا من باب فقالعليه‌السلام : (يا بعد الدار وقرب الملتقى؛ إنّ طوس ستجمعني وإيّاه)(2) .

وأكّد الإمام دفنه بالقرب من هارون في كثير من الاحاديث فقد روى موسى بن هارون قال: رأيت علياً الرضا في مسجد المدينة، وهارون الرشيد يخطب، قالعليه‌السلام : (تروني وإياه ندفن في بيت واحد)(3) .

6 - ومن الأحداث التي اخبر عنها نكبة البرامكة، فقد روى مسافر أنه كان مع ابي الحسن علي الرضا، فمرّ يحيى بن خالد البرمكي، وهو مغط وجهه بمنديل من الغبار، فقالعليه‌السلام : (مساكين هؤلاء ما يدرون ما يحل بهم في هذه السنة.

وأضاف الإمام قائلاً: وأعجب من هذا انا وهارون كهاتين، وضمَّ إصبعيه السبابة والوسطى).

قال مسافر: فوالله ما عرفت معنى حديثه في هارون إلاّ بعد موت الرضا، ودفنه بجانبه(4) .

7 - روى محمد بن عيسى عن ابي حبيب النباجي فقال: رأيت

____________________

(1) مناقب آل أبي طالب: 4/368 وعنه في بحار الأنوار: 45/59.

(2) الإتحاف بحب الأشراف: 59.

(3) الإتحاف بحب الأشراف: 59.

(4) الإتحاف بحب الأشراف: 59.

٣٦

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام، قد وافى النباج(1) ونزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة وكأني مضيت اليه، وسلّمت عليه، وكان بين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني، وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعدّدته فكان ثماني عشر تمرة، فتأولت الرؤيا بأني اعيش بعدد كل تمرة سنة فلمّا كان عشرين يوماً كنت في أرض تعمر لي بالزراعة، إذ جاءني من اخبرني بقدوم الرضاعليه‌السلام من المدينة ونزوله في ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه في المنام، وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني، فسلمت عليه، فرد عليّ السلام، واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعدّدته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: زدني يابن رسول الله، فقال: (لو زادك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لزدناك)(2) .

8 - روى جعفر بن صالح قال: (أتيت الرضاعليه‌السلام ، فقلت: امرأتي حامل فادع الله ان يجعله ذكراً، فقال: هما اثنان، فانصرفت وقلت: اُسمِّي احدهما محمداً، والآخر علياً، ثم اتيته فقال لي: سمِّ واحداً علياً والآخر اُمّ عمرو فلما قدمت الكوفة رأيتها ولدت غلاماً وبنتاً، فسمّيت الذكر علياً، والانثى اُمّ عمرو)(3) .

____________________

(1) النباج: منزل لحجاج البصرة.

(2) عيون أخبار الرضا: 2/210، ودلائل الإمامة: 189، واعلام الورى: 2/54 عن الحاكم الحسكاني، كشف الغمة: 3 / 103، جامع كرامات الأولياء: 2 / 156.

(3) جوهرة الكلام: 146.

٣٧

عبادته وتقواه:

ومن ابرز ذاتيات الإمام الرضاعليه‌السلام انقطاعه إلى الله تعالى، وتمسّكه به، وقد ظهر ذلك في عبادته، التي مثلت جانبا كبيراً من حياته الروحية التي هي نور، وتقوى وورع، يقول إبراهيم بن عباس في حديث: (... كانعليه‌السلام قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر...)(1) .

ويقول الشبراوي عن عبادته: إنه كان صاحب وضوء وصلاة، وكان في ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي، ويرقد هكذا إلى الصباح(2) .

لقد كان الإمامعليه‌السلام أتقى أهل زمانه، وأكثرهم طاعة لله تعالى. لنقرأ ما يرويه رجاء بن أبي الضحاك عن عبادة الإمام، إذ كان المأمون قد بعثه إلى الإمام ليأتي به إلى خراسان، فكان معه في المدينة المنورة إلى مرو يقول:

والله ما رأيت رجلاً كان اتقى لله منه، ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ، كان إذا أصبح صلّى الغداة فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبح الله، ويحمده ويكبره، ويهلله، ويصلي على النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم يقبل على الناس يحدثهم، ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدد وضوءه، وعاد إلى مصلاه، فاذا زالت الشمس قام وصلَّى ست ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد، وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ويقرأ في

____________________

(1) بحار الأنوار: 49/91 عن عيون أخبار الرضا: 2/184.

(2) الاتحاف بحب الاشراف: 59.

٣٨

الأربع في كل ركعة الحمد لله، وقل هو الله أحد، ويسلّم، وفي كل ركعتين يقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذّن، ثم يصلّي ركعتين ثم يقيم، ويصلي الظهر، فاذا سلّم سبّح الله وحمّده، وكبّره، وهلّله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ويقول فيها مائة مرة شكراً لله، فاذا رفع رأسه قام فصلَّى ست ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد لله، وقل هو الله أحد، ويسلم في كل ركعتين، ويقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن، ثم يصلي ركعتين ويقنت في الثانية، فاذا سلم قام وصلَّى العصر، فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبّح الله، ويحمّده، ويكبّره، ويهلّله، ثم يسجد سجدة يقول فيها:

مائة مرة حمداً لله، فإذا غابت الشمس، توضأ وصلّى المغرب ثلاثاً بأذان واقامة، وقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فاذا سلّم جلس في مصلاّه يسبّح الله ويحمّده، ويكبّره، ويهلّله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ثم يرفع رأسه ولا يتكلم، حتى يقوم ويصلّي اربع ركعات بتسليمتين، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، وكان يقرأ في الاُولى من هذه الأربع الحمد وقل يا ايها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يمسي، ثم يفطر، ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث، ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة اربع ركعات، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة فإذا سلّم جلس في مصلاه يذكر الله عز وجل ويسبّحه ويحمّده ويكبّره ويهلّله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه.

واذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، فاستاك (استعمل السّواك) ثم توضّأ ثم قام إلى

٣٩

صلاة الليل، فصلّى ثمان ركعات ويسلّم في كل ركعتين، يقرأ في الأولين منها في كل ركعة الحمد وثلاثين مرة قل هو الله أحد.

ويصلّي صلاة جعفر بن أبي طالب اربع ركعات يسلّم في كل ركعتين، ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع، ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يصلي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الاُولى الحمد وسورة الملك، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الإنسان، ثم يقوم فيصلّي ركعتي الشفع، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ويقنت في الثانية، ثم يقوم فيصلّي الوتر ركعة يقرأ فيها الحمد، وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل اعوذ برب الفلق مرة واحدة، وقل اعوذ برب الناس مرة واحدة، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة، ويقول في قنوته:

(اللهم صلّ على محمد وآل محمد، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما اعطيت، وقنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك انه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت وتعاليت...).

ثم يقول: (استغفر الله وأسأله التوبة ( سبعين مرة، فاذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله، وإذا قرب الفجر قام فصلّى صلاة الفجر يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، فاذا طلع الفجر أذّن وأقام وصلّى الغداة ركعتين، فاذا سلّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم سجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار...(1) .

لقد سرى حب الله في قلب الإمام، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار من خصوصيات شخصيّته.

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 2/180 - 183 وعنه في بحار الأنوار: 49 / 93 وفي الحديث بقية إلى بيان بعض أذكاره وعباداته وقرائته لبعض السور في صلواته المندوبة.

٤٠