اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 253

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 253
المشاهدات: 116956
تحميل: 5894

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 253 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116956 / تحميل: 5894
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

اعلام الهداية - الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تسلّحه بالدعاء:

ومن مظاهر حياة الإمام الروحية تسلحه بالدعاء إلى الله والتجاؤه إليه في جميع أموره، وكان يجد فيه متعة روحية لا تعادلها أية متعة من متع الحياة.

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الأدعية الشريفة كان من بينها ما يلي:

1 - قالعليه‌السلام : (يا من دلّني على نفسه، وذلّل قلبي بتصديقه، أسألك الأمن والإيمان في الدنيا والآخرة..)(1) .

وحفل هذا الدعاء على إيجازه، بظاهرة من ظواهر التوحيد وهي أنّ الله تعالى دلّ على ذاته، وعرّف نفسه لخلقه، وذلك بما أودعه، وأبدعه في هذا الكون من العجائب والغرائب، وكلها تنادي بوجوده.

2 - وقالعليه‌السلام : (اللهم أعطني الهدى وثبّتني عليه، واحشرني عليه آمناً، أمن من لا خوف عليه، ولا حزن ولا جزع إنك أهل التقوى، وأهل المغفرة..)(2)

لقد دعا الإمامعليه‌السلام بطلب الهداية، والانقياد الكامل إلى الله الذي هو من أعلى درجات المقربين والمنيبين إلى الله تعالى.

____________________

(1) اُصول الكافي: 2 / 579.

(2) أعيان الشيعة: 4 / ق 2 / 197.

٤١

٤٢

الباب الثاني:

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الرضاعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الرضاعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الرضاعليه‌السلام في ظل أبيه الكاظمعليه‌السلام .

٤٣

٤٤

الفصل الأوّل: نشأة الإمام الرضاعليه‌السلام

انحدر الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام من سلالة طاهرة مطهرة، ارتقت سلّم المجد والكمال، وكان ابناؤها قمة في جميع مقومات الشخصية الإنسانية؛ في الفكر والعاطفة والسلوك، فهم نجوم متألّقة في المسيرة الإنسانية، والقدوة الشامخة في تاريخ الإسلام، استسلموا لله واقتدوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا عِدلاً للقرآن الكريم.

أبوه الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام الوارث لجميع الخصال والمآثر الحميدة كما وصفه ابن حجر الهيثمي قائلاً: ( وارث أبيه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم)(1) .

واُمّه أم ولد سمّيت بأسماء عديدة منها: نجمة، وأروى، وسكن، وسمان، وتكتم، وهو آخر أساميها(2) ، ولما ولدت الرضاعليه‌السلام سمّاها

____________________

(1) الصواعق المحرقة: 307.

٤٥

الإمام الكاظمعليه‌السلام بالطاهرة(1) .

ولدعليه‌السلام في مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة (148 هـ )(2) ، وقيل سنة (151 هـ ) وقيل: (153 هـ )(3) ، والقول الأول هو الأشهر(4) .

وحينما ولد هنّأ أبوه اُمَّه قائلاً لها: (هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك)، فناولته إياه في خرقة بيضاء، فأذَّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفرات فحنّكه به، ثم قال: (خذيه، فإنّه بقية الله تعالى في أرضه)(5) ، وسمّاه باسم جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وقد لقّب بألقاب كريمة أشهرها: الرضا، الصابر، الزكي، الوفي، سراج الله، قرة عين المؤمنين، مكيدة الملحدين، الصدّيق، والفاضل(6) .

وأشهر كناه: ابو الحسن. وللتمييز بين الإمام الكاظمعليه‌السلام والرضاعليه‌السلام يقال للأب: ابو الحسن الماضي، وللأبن: ابو الحسن الثاني(7) .

ولدعليه‌السلام بعد ستة عشر عاماً من سقوط الدولة الاُموية وتأسيس الدولة العباسية، في ظروف اتّسع فيها الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام وتجذرت مفاهيمهم في عقول الاغلبية العظمى من المسلمين، وكان التعاطف معهم قائماً على قدم وساق، وذلك واضح من حوار هارون العباسي مع الإمام الكاظمعليه‌السلام حيث قال له: أنت الذي تبايعك الناس سرّاً؟، فأجابعليه‌السلام : (أنا إمام

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 15.

(2) الوافي بالوفيات: 22 / 248.

(3) شذرات الذهب: 2 / 6.

(4) الحياة السياسية للإمام الرضا: 140.

(5) عيون أخبار الرضا: 1 / 20.

(6) حياة الإمام علي بن موسى الرضا: 1 / 23 - 25.

(7) حياة الإمام علي بن موسى الرضا: 1 / 125.

٤٦

القلوب وأنت إمام الجسوم)(1) .

وكانت الأنظار متوجهة إلى الوليد الجديد الذي سيكون له شأن في المسيرة الإسلامية؛ لترعرعه في أحضان العلم والفضائل والمكارم.

وكان الرضاعليه‌السلام كثير الرضاع، تام الخَلق، فقالت اُمّه: أعينوني بمرضع، فقيل لها: أنقص الدرّ؟! فقالت: ما أكذب، والله ما نقص الدرّ، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ ولدت(2) .

وفي ظلّ المكارم والمآثر ترعرع الإمام الرضاعليه‌السلام ، وتجسّدت فيه جميع القيم الصالحة بعد أن نهلها من المعين الزاخر بالتقوى والاخلاص والسيرة الصالحة مقتدياً بأبيه الكاظم للغيظ وأجداده العظام، وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يحيطه برعاية فائقة وعناية خاصّة.

فعن المفضّل بن عمر قال: (دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، وعلي ابنه في حجره، وهو يقبّله ويمصّ لسانه ويضعه على عاتقه ويضمه اليه، ويقول: بأبي أنت وأُمي ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! قلت: جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحد إلاّ لك، فقالعليه‌السلام : يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ذريةٌ بعضها من بعض والله سميع عليم، قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال:نعم)(3) .

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يحيط ابنه الرضاعليه‌السلام بالمحبة والتقدير والتكريم ويخاطبه بلقبه وكنيته، فعن سليمان بن حفص المروزي قال: (كان موسى بن جعفر بن محمد... يسمّي ولده علياًعليه‌السلام : الرضا، وكان يقول: (اُدعوا

____________________

(1) الصواعق المحرقة: 309.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 24.

(3) عيون أخبار الرضا: 1 / 32.

٤٧

اليَّ ولدي الرضا، وقلت لولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال له: يا أبا الحسن)(1) .

وكان يلهج بذكره ويثني عليه ويذكر فضله ليوجّه الأنظار إلى دوره الرائد في المستقبل القريب وكان يبتدئ بالثناء على ابنه علي ويطريه، ويذكر من فضله وبرّه ما لا يذكر من غيره، كأنه يريد أن يدلّ عليه(2) .

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 14.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 30.

٤٨

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الرضاعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام الرضاعليه‌السلام إلى قسمين رئيسين كحياة سائر الأئمة الأطهارعليهم‌السلام .

القسم الأوّل: مرحلة ما قبل التّصدي للإمامة واستلام زمام القيادة الربّانيّة.

القسم الثاني: مرحلة التّصدي للقيادة الشرعيّة حتى الشهادة.

وينقسم كل قسم منهما إلى مراحل متعددة حسب طبيعة الظروف التي تكتنف حياة كل واحد منهم.

والإمام الرضاعليه‌السلام قد عاش في كنف أبيه حوالي ثلاثين سنة على أقل التقادير، وستّةً وثلاثين سنة على أكبر التقادير. وهي مرحلة ما قبل التصدي للإمامة.

وخلالها عاصر كلاً من المنصور والمهدي والهادي والرشيد. وتبدء هذه المرحلة بولادته سنة (148 هـ ) حتى استشهاد أبيه في سنة (183 هـ ).

وبعد التصدي للإمامة بعد استشهاد أبيه عاصر كلاً من هارون الرشيد

٤٩

ومحمّد الأمين وعبد الله المأمون.

وكانت ولاية عهده في عهد المأمون.

ومن هنا أمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين متميّزتين:

1 - مرحلة التصدي للإمامة الإلهية حتى ولاية العهد.

2 - مرحلة قبول ولاية العهد قسراً حتى الشهادة في سبيل الله.

وبهذا تصبح حياة الإمام الرضاعليه‌السلام ذات مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: من الولادة حتى استشهاد والده الإمام الكاظمعليه‌السلام سنة (183 هـ ).

المرحلة الثانية: تبدأ باستشهاد والده سنة (183 هـ ) وتنتهي بولاية العهد سنة (200 هـ ).

المرحلة الثالثة: تبدأ بفرض ولاية العهد عليه سنة (200 هـ ) وتنتهي بقتله على يد المأمون العباسي سنة (203 هـ ).

٥٠

الفصل الثالث: الإمام الرضا في ظلّ أبيه الكاظمعليهما‌السلام

في المرحلة التاريخيّة التي عاشها الإمام الرضا مع أبيهعليهما‌السلام برزت عدّة ظواهر كانت ذات تأثير على نشاط ومواقف الإمام الرضاعليه‌السلام أثناء تصدّيه للإمامة. ونشير إلى أهمها كما يلي:

1 - الانحراف الفكري والديني:

لقد تعدّدت التيارات المنحرفة في تلك الفترة مثل تيّار المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة، وتيّار القياس والاستحسان والرأي، وحابى بعض الفقهاء الحكام الطغاة فكانت هذه الفترة خطيرة جدّاً إذ كانت الأجواء مليئة بالاختلافات الفقهيّة والتوتر السياسي الخانق.

2 - الفساد الأخلاقي والمالي:

وعاصر الإمام الرضاعليه‌السلام وهو في ظلّ أبيه حكّاماً يتلاعبون بأموال المسلمين ويرونها ملكاً لهم، لا يردعهم أيّ تشريع أو نقد وإنما كان الإنفاق قائماً على أساس هوى الحاكم العبّاسي ورغباته الشخصية أو رغبات زوجاته وإمائه(1) .

وقد خلّف المنصور عند وفاته ستمائة ألف ألف درهم وأربعة عشر ألف

____________________

(1) مروج الذهب: 3 / 308.

٥١

ألف دينار(1) .

ودخل مروان بن أبي حفصة على المهدي العبّاسي فأنشده شعراً مدح فيه بني العبّاس وذمّ أهل البيتعليهم‌السلام فأجازه سبعين ألف درهم(2) .

وأرسل عبد الله بن مالك إلى المهدي جارية مغنّية فأرسل إليه أربعين ألفاً(3) .

وكان الرشيد مولعاً بالشراب مع جعفر البرمكي ومع اُخته العبّاسة بنت المهدي، وكان يحضرها إذا جلس للشرب، ثمّ يقوم من مجلسه ويتركهما يثملان من الشراب(4) .

3 - الفساد السياسي:

وشاهد الإمام كيفية تعامل العباسيين مع الخلافة حيث كانوا يفهمونها على أنها موروثة لهم من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق عمّه العباس، واتّبعوا اُسلوب الاستخلاف دون النظر إلى آراء المسلمين ولم يرجعوها إلى أهلها الشرعيين الذين نصبهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى. وأخضع العباسيّون القضاء لسياستهم فاستخدموا الدين ستاراً يموّهون به على الناس إذ أشاعوا أنّهم الولاة من قبل الله تعالى فلا يجوز للناس نقدهم أو محاسبتهم.

4 - تعاطف المسلمين مع أهل البيتعليهم‌السلام :

وعاش الإمام الرضاعليه‌السلام روح المودّة والتآلف والموالاة مع أهل البيتعليهم‌السلام وهي ثمرة جهود آبائه السابقينعليهم‌السلام (5) .

____________________

(1) مروج الذهب: 3 / 308.

(2) تاريخ الطبري: 8 / 182.

(3) تاريخ الطبري: 8 / 185.

(4) تاريخ الطبري: 8/294.

(5) تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل: 200.

٥٢

واعترف بهذا هارون الرشيد نفسه حيث قال للإمام الكاظمعليه‌السلام : أنت الذي تبايعك الناس سرّاً(1) .

كما عاش الإمام الرضاعليه‌السلام أساليب الرشيد الماكرة واستدعاءاته المتكررة لأبيه الكاظمعليه‌السلام وسجنه الطويل الذي أدّى إلى اغتياله.

5 - الحركات المسلّحة:

ومن الظواهر المهمّة البارزة في حياة الإمام الرضا مع أبيه كثرة الثورات المسلّحة التي استمرت طول الفترة التي نشأ فيها في كنف أبيهعليه‌السلام ، فمن الثورات المهمة ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الإمام الحسنعليه‌السلام المعروف بصاحب فخ الذي قاد ثورة مسلّحة ضد الوالي العبّاسي في المدينة والتي انتهت بمقتل الحسين وأهل بيته رضوان الله تعالى عليهم.

واستمرت المعارضة المسلّحة ضد الحكم العبّاسي ففي سنة (176 هـ ) خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن، فبعث هارون آلاف الجنود لقتاله ثم أعطاه الأمان وحبسه فمات في الحبس(2) .

لقد كانت هذه الثورات انعكاساً طبيعياً للسياسة العباسية الظالمة.

هذا ملخّص لأهمّ الأحداث التي برزت في حياة الإمام الرضاعليه‌السلام وهو في ظلّ أبيه الكاظمعليه‌السلام لنرى كيف واجهها الإمامعليه‌السلام فيما بعد وكيف مارس مسؤولياته وقت تصدّيه للإمامة في بحوث قادمة إن شاء الله تعالى.

الإمام الكاظم والتمهيد لإمامة الرضاعليهما‌السلام

حدّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إحدى مسؤوليات الإمام بقوله: (في كل خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين،

____________________

(1) الصواعق المحرقة: 309.

(2) الصواعق المحرقة: 309.

٥٣

وتأويل الجاهلين... ((1) .

والإمام الرضاعليه‌السلام باعتباره أحد ائمة أهل البيت المعصومينعليه‌السلام مكلّف بهذه المسؤولية، وتتأكد هذه المسؤولية حينما يتصدّى بالفعل لإمامة المسلمين، أمّا في ظل إمامة والده الإمام الكاظمعليه‌السلام فان مسؤوليته تكون تبعاً لمسؤولية الإمام المتصدّي، والمتصدّي هو الاولى بتحمّل الأعباء والتكاليف، ويبقى غيره صامتاً الاّ في حدود خاصة، وفي هذا الصدد أجاب الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن سؤال حول تعدد الائمة في وقت واحد، فقال: (لا، الاّ وأحدهما صامت)(2) .

ففي عهد الإمام الكاظمعليه‌السلام كان الإمام الرضاعليه‌السلام صامتاً بمعنى عدم تصدّيه للامامة، وعدم اتخاذ المواقف بشكل مستقل واتباع مواقف الإمام المتصدّي بالفعل لمنصب الامامة، والصمت لا يعني التوقف عن العمل الاصلاحي والتغييري داخل الامة، فقد كانعليه‌السلام يعمل ويتحرك داخل الامة تبعاً لمسؤوليته المحددّة له، فكانعليه‌السلام ينشر المفاهيم والقيم الاسلامية، ويردّ على الاسئلة العقائدية والفقهية وكان يفتي في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة(3) .

وقال الذهبي: أفتى وهو شاب في أيّام مالك(4) .

وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في عهد إمامة والدهعليه‌السلام ، كما كان يروي عن والده وعن أجداده، وينشر أحاديث أهل البيتعليه‌السلام وسنّة

____________________

(1) الصواعق المحرقة: 231.

(2) الكافي: 1 / 178.

(3) تهذيب التهذيب: 7 / 339.

(4) سير أعلام النبلاء: 9 / 388.

٥٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى عنه جماعة من الرواة منهم: أبو بكر أحمد بن الحباب الحميري، وداود بن سليمان بن يوسف الغازي، وسليمان بن جعفر وآخرون(1) .

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يوجّه الأنظار اليه ويُرجع أصحابه إليه، ومما قاله بحقّه:

(هذا ابني كتابه كتابي، وكلامه كلامي، وقوله قولي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله)(2) .

وكان يقول لبنيه: (هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم)(3) .

وكانعليه‌السلام يهيّء الأجواء للامام الرضاعليه‌السلام ليقوم بالأمر من بعده، وممّا قاله لعلي بن يقطين: (يا علي بن يقطين هذا عليّ سيّد ولدي أما إنّه قد نحلته كنيتي)(4) .

الوصيّة بالإمامة

الإمامة مسؤولية إلهية كبيرة ولذا فهي لا تكون إلاّ بتعيين ونصب من الله ونص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا اختيار للمسلمين فيها لعدم قدرتهم على تشخيص الإمام المعصوم الذي أكّد الله عصمته بقوله تعالى: (لا ينال عهدي

____________________

(1) تهذيب الكمال: 21 / 148.

(2) اُصول الكافي: 1/312، وعيون أخبار الرضا: 1/31، والارشاد: 2/250 والغيبة للطوسي: 37. وروضة الواعظين: 1 / 222، الفصول المهمة: 244

(3) اعلام الورى: 2/64 وعنه في كشف الغمة: 3/107 وعنهما في بحار الأنوار: 49/100.

(4) الارشاد: 2/249 وعنه في اعلام الورى: 2/43 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3/60 وعن العيون في بحار الأنوار: 49/13.

٥٥

الظالمين)(1) ، وقد أكّدت الروايات النبويّة على هذه الحقيقة، ومنها ما صرّح به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بداية الدعوة بقوله: (انّ الأمر لله يضعه حيث يشاء)(2) .

وصرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير مرّة بأنّ الائمة اثنى عشر وأنّ جميعهم من قريش، وقد ورد النص على ذلك بألفاظ عديدة(3) .

ووردت روايات تؤكد أن الائمة من بني هاشم ومن تلك النصوص قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (بعدي اثنى عشر خليفة... كلهم من بني هاشم)(4) .

ووردت روايات عديدة لتفسّر بني هاشم بعلي بن ابي طالبعليه‌السلام وأولاده، ثم تحصرها بالحسينعليه‌السلام وذريته(5) .

ووردت روايات عديدة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر فيها اسماء الائمة الاثني عشر، بعضه عام وبعضها خاص، ومن هذه الروايات قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الائمة من بعدي اثناعشر، أولهم علي ورابعهم عليّ وثامنهم علي...)(6) .

وعلى ضوء ذلك فإن الإمامة تعيّن بالوصية، فكل امام يوصي إلى الإمام من بعده بعهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتناقله كل امام عن الإمام قبله.

قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : (أترون الأمر الينا نضعه حيث نشاء؟! كلاّ والله إنّه لعهد معهود من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجل فرجل، حتى ينتهي إلى صاحبه)(7) .

وفي خصوص تعيين الإمام الرضاعليه‌السلام إماماً للمسلمين، فإنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام قد نصَّ عليه تلميحاً وتصريحاً لخاصة أصحابه ليقوموا بدورهم

____________________

(1) البقرة (2): 124.

(2) تاريخ الطبري: 2 / 350، السيرة الحلبية: 2 / 3، السيرة النبوية لابن كثير: 2 / 159.

(3) مسند أحمد: 1 / 657، سنن ابي داود: 4 / 106، سنن الترمذي: 4 / 501، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 11، كنز العمّال: 12 / 32.

(4) ينابيع المودة: 1 / 308، مودة القربى: 445، احقاق الحق: 13 / 30.

(5) كفاية الاثر: 23، 29، 35.

(6) جامع الأخبار: 62.

(7) بحار الأنوار: 23 / 70 عن الصدوق في كمال الدين.

٥٦

في إثبات امامته في الاُمة، ولم يعلن عن إمامته أمام الملأ لأن ظروف الملاحقة والمطاردة من قبل السلطة العباسية كانت تحول دون ذلك.

وقد تظافرت النصوص على تعيين الإمام الكاظمعليه‌السلام لابنه الإمام الرضاعليه‌السلام اماماً وقائماً بالأمر من بعده.

فعن نعيم بن قابوس قال: قال لي ابو الحسنعليه‌السلام : (علي ابني اكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري، ينظر معي في كتاب الجفر والجامعة، وليس ينظر فيه الاّ نبي أو وصيّ نبي)(1) .

وقد صرّحعليه‌السلام بامامته منذ نشأته الأُولى، ففي رواية قال المفضل بن عمر للامام الكاظمعليه‌السلام : (جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك، فقال: يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبيعليه‌السلام ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم)(2) .

الوصية في المراحل الأُولى ( 150 - 178 هـ)

في المراحل الاولى من تصدّي الإمام الكاظمعليه‌السلام للامامة نجده يوصي بإمامة ولده علي الرضاعليه‌السلام لخاصة اصحابه وللثقات الذين يحفظون الاسرار ولا يبوحون بها في المحافل العامة، وكان يصرّح أحياناً ويلمح اُخرى.

فعن داود بن رزين قال: (حملت إلى ابي ابراهيم مالا فأخذ منّي بعضه، وردّ عليّ الباقي، فقلت له: جعلت فداك لِمَ رددت عليّ هذا، فقال: امسكه حتى يطلبه منك صاحبه بعدي، فلما مضى موسىعليه‌السلام بعث اليّ الرضاعليه‌السلام أن:

____________________

(1) اُصول الكافي: 1/311 ح 2 وعيون أخبار الرضا: 1 / 31 والارشاد: 2/249 عن الكليني، وعنه الطوسي في الغيبة: 36.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 32.

٥٧

هات المال الذي قبلك فوجّهت به إليه)(1) .

فالإمام في هذه الرواية لم يصرّح لداود باسم الإمام الموصى اليه وإنّما جعل الأمر لولده الرضاعليه‌السلام ليؤكد له إمامته فيما بعد.

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يجمع بين التلميح والتصريح على امامة الرضاعليه‌السلام في قول واحد لاختلاف المستويات الفكرية والعقلية في درجة التلقي والادراك.

فعن علي بن عبد الله الهاشمي قال: (كنّا عند القبر - أي قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - نحو ستين رجلاً منّا ومن موالينا، إذ أقبل أبو ابراهيم موسى ابن جعفرعليهما‌السلام ويد عليّ ابنه في يده، فقال: أتدرون من أنا؟ قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، فقال: سمّوني وانسبوني، فقلنا: انت موسى بن جعفر بن محمد، فقال: من هذا معي؟ قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي ووصيّي بعد موتي)(2) .

وهذا النص هو نص بالامامة وهو في نفس الوقت قابل للتفسير الظاهري وهو الوصية العادية للأب إلى الابن، جعله الإمامعليه‌السلام من الالفاظ المتشابهة بسبب سوء الاوضاع السياسية من إرهاب وملاحقة وكبت للحريّات.

وكان الإمام الكاظمعليه‌السلام يعلن إمامة الرضاعليه‌السلام أمام بعض الافراد أحياناً، وأمام تجمع من اصحابه وأهل بيته احياناً اخرى تبعاً لمتطلّبات الظروف.

____________________

(1) اُصول الكافي: 1/313، واختبار معرفة الرجال: 313، والارشاد: 1/251، 252، وعنه في اعلام الورى: 2/47 و كشف الغمة: 3/61، 62 والغيبة للطوسي: 93 ح18، وبحار الأنوار: 49/25.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 27.

٥٨

فعن داود بن كثير الرقي، قال: (قلت لموسى الكاظمعليه‌السلام جعلت فداك اني قد كبرت سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار، مَن صاحبنا بعدك؟ فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا، فقال: هذا صاحبكم بعدي)(1) .

وعن حيدر بن أيوب قال: كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه، فقلنا له: جعلنا الله فداك ما حبسك؟ قال: دعانا ابو ابراهيمعليه‌السلام اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فأشهدَنا لعليّ ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته، وأنّ أمره جايز عليه وله.

ثم وضّح محمد بن زيد مقصود الإمامعليه‌السلام فقال: والله يا حيدر لقد عقد له الامامة اليوم...)(2) .

وكان يستعمل لتثبيت إمامته ألفاظاً واضحة لا تحتاج إلى تأويل، فعن عبد الله بن الحارث وامّه من ولد جعفر بن أبي طالب انه قال: (بعث إلينا أبو ابراهيمعليه‌السلام فجمعنا ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قلنا: لا، قال: اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي... ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الاّ بكتابه)(3) .

هذا في اجتماعاته الخاصّة بينما كان لا يصرّح بذلك في التجمّعات العامة وانّما يأتي بالفاظ متشابهة ويترك للمجتمعين حرية التأويل والتفسير لكلامه.

____________________

(1) الفصول المهمة: 243 - 244.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 28.

(3) اُصول الكافي: 1/312، وفي عيون أخبار الرضا: 1/27 والارشاد: 2/250، 251 عن الكليني وعنه في اعلام الورى: 2/45 والطوسي في الغيبة: 37 وعنها جميعاً في بحار الأنوار: 49/16.

٥٩

قال حسين بن بشير: (أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ابنه علياًعليه‌السلام كما أقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياًعليه‌السلام يوم غدير خم، فقال: يا أهل المدينة أو يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي)(1) .

وفي رواية اُخرى قال عبدالرحمن بن الحجّاج: أوصى ابو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى ابنه عليّعليه‌السلام ، وكتب له كتاباً أشهد فيه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة(2) .

وفي سنة ( 178 هـ ) أخبر محمد بن سنان بوصيته بامامة ابنه علي الرضاعليه‌السلام (3) .

الوصية في مرحلة الاعتقال

لقد اعتقل الإمام الكاظمعليه‌السلام في سنة (179 هـ ) قبل التروية بيوم، أي في اليوم السابع من ذي الحجة سنة ( 179 هـ ) على رواية، وفي يوم (27) رجب سنة (179 هـ ) كما في رواية أخرى(4) .

وبعد خمسين يوماً من اعتقاله دخل اسحاق وعلي ابنا عبد الله بن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام على عبدالرحمن بن أسلم وهو في مكة ومعهما كتاب الإمام الكاظمعليه‌السلام بخطه فيه حوائج قد أمر بها، فقالا: إنه أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه، فاذا كان من أمره شيء فادفعه إلى ابنه

____________________

(1) عيون أخبار الرضا: 1 / 29.

(2) عيون أخبار الرضا: 1 / 28.

(3) عيون أخبار الرضا: 1 / 32.

(4) بحار الأنوار: 48 / 206 - 207.

٦٠