منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث0%

منع تدوين الحديث مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 586

منع تدوين الحديث

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

الصفحات: 586
المشاهدات: 93246
تحميل: 6493

توضيحات:

منع تدوين الحديث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 586 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93246 / تحميل: 6493
الحجم الحجم الحجم
منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

الزبير بن العوام، فإن غاب أو اعتذر كتب جهم بن الصلت وحذيفة بن اليمان(١) ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله هو الذي استكتبه(٢) .

٥ - عبد الله بن مسعود الهذليّ (ت ٣٢هـ).

روى جويبر، عن الضحّاك، عن عبد الله بن مسعود قال: ما كنّا نكتب في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله شيئاً من الأحاديث إلاّ التشهّد والاستخارة(٣) .

وعن معن، قال: أخرج لي عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود كتاب، وحلف لي أنّه خطّ أبيه بيده(٤) .

وجاء عن ابن مسعود أنّه منع من التدوين، لكنَّ هذا إنَّما يكذّبه الخبران الآنفان، وحبس عمر له وغيره، وبهذا يحتمل أن يكون محوه للصحف - على فرض صحّته - إنّما كان لما تضمّنته تلك الصحف من قصص أهل الكتاب، كما قدّمنا الأدلّة على ذلك فيما مضى(٥) ، وقد جاء عن ابن مسعود أنّه خالف عمر في أكثر من مسألة، فذكر ابن القيّم أنّه خالفه في نحو مائة مسألة(٦) . وهذا القول يخالف ما نُقِل عنه: (لو أنّ الناس سلكوا وادياً وشِعباً، وسلك عمر وادياً وشِعباً، لسلكت وادي عمر وشِعبه)(٧) ، كل ذلك يؤيّد كونه من نهج التعبّد والتدوين.

____________________

(١) مكاتيب الرسول ١: ١٧٧ عن كتاب جوامع السير لابن حزم.

(٢) سبل الهدى والرشاد ١١: ٣٨١. ومن التركيبة الإدارية لرسول الله صلّى الله عليه وآله نعلم أنّ أوّل مَن دوّن الدواوين هو رسول الله صلّى الله عليه وآله لا عمر بن الخطاب.

(٣) مصنف بن أبي شيبة ١: ٢٦٢، ح ٣٠٠٦، العلل لأحمد ٢: ٢٥٩، ح ٢١٨٤، واللفظ له.

(٤) جامع بيان العلم وفضله ١: ٧٢.

(٥) وأمّا الصحيفة اليمنية فيبدو أنّه محاها تقيةً ولأنّ الخلاف بنظره شرٌّ، وذلك عين ما صنعه في الصلاة بمنى.

(٦) أعلام الموقّعين ٢: ٢٣٧.

(٧) مصنف ابن أبي شيبة ٢: ١٠٣، ح ٦٩٨٤، إعلام الموقعين ١: ٢٠.

٢٠١

٦ - عبد الرحمان بن عوف (ت ٣١هـ).

ستقف لاحقاً على دوره في رسم سيرة الشيخين ومكانته من عمر، ولم يَرِد عنه في الكتابة والتدوين شيء.

٧ - أبو عبيده بن الجرّاح (ت ١٨هـ).

توفّي قبل خلافة عمر، ولم يُنصّ على أنّ له كتاباً أو مدوّنة أو نسخة.

٨ - زيد بن ثابت (ت ٤٥هـ).

قيل: إنّه أوّل مَن صنّف كتاباً في الفرائض، قال جعفر بن برقان: سمعت الزهريّ يقول: لولا أنّ زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنّها ستذهب من الناس(١) . وقد خالف عمر في إرث الجدّة، وقتل المسلم بالذميّ وغيرهما.

٩ - عبد الله بن عباس (ت ٦٨هـ).

قالت سلمى: رأيت عبد الله بن عبّاس ومعه ألواح يكتب عليها من أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله(٢) ، وكان يحملها معه، واشتهر عنه أنّه ترك حين وفاته حِمْلَ بعيرٍ من كتبه(٣) .

وجاءت عنه نصوص تؤكّد لزوم تقييد العلم بالكتاب(٤) ، أمّا ما جاء عن طاووس، عنه: من أنّه كان يكره كتابة العلم فهو ممّا ينبغي التوقّف عنده؛ لتخالفه مع روايات أُخرى عنه. وقد وقفت على تخالفه مع عمر في المرأة التي وضعت لستّة أشهر وغيرها.

____________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢١، باب ترجيح قول زيد بن ثابت، ح ١١٩٦٦، تاريخ دمشق ١٩: ٣٢٢، سير أعلام النبلاء ٢: ٤٣٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٢: ٣٧١، كما في الدراسات للاعظمي: ١١٦.

(٣) الطبقات الكبرى ٥: ٢٩٣، تقييد العلم: ١٣٦، المدخل إلى السنن الكبرى ١: ٤٢١، ح ٧٧٣.

(٤) كتاب العلم لأبي خثيمة: ٣٤، العلل لأحمد ١: ٢١٣، ح ٢٣٢، تقييد العلم: ٩٢.

٢٠٢

١٠ - الضحّاك بن سفيان الكلابيّ

كتب إليه رسول الله‏ صلّى الله عليه وآله ‏أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دِيّة زوجها(١) . وقد كتب الضحّاك كتاباً إلى عمر بن الخطّاب جاء فيه: أنّ النبيّ ورّث امرأة أشيم الضبابيّ من دية زوجها(٢) .

١١ - شيبة بن عثمان العَبْدَريّ (ت٥٧ هـ، أو ٥٩ هـ).

كان النبي‏ صلّى الله عليه وآله قد أعطاه حجابة الكعبة، وقد مرّ حديثه مع عمر في منعه من أخذ مال الكعبة وتقسيمه، ولم يُذكر له كتاب أو صحيفة أو نسخة.

١٢ - امرأة خطّأت الخليفة

ومن المحتمل أن تكون هذه المرأة: فاطمة بنت قيس - أُخت الضحّاك وكانت أكبر منه بعشر سنين - وقد كتب بعض أحاديثها أبو سلمة بإخبار منه، قال محمّد بن عمرو: حدّثنا أبو سلمة عن فاطمة بنت قيس قال: كتبت ذلك من فيها كتاب، قالت: كنت عند رجل من بني مخزوم فطلقني(٣) .

وجاء عن عمر انّه قال فيما روته في حديث السكنى: لا ندع كتاب ربنا وسنّة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت(٤) .

____________________

(١) الرسالة للشافعي: ٤٢٦، مسند أحمد ٣: ٤٥٢، واللفظ له، سنن الدارقطني ٤: ٧٦، كتاب الفرائض والسير، ح ٢٧، التمهيد لابن عبد البر ١٢: ١٢٠.

(٢) سنن ابن ماجة ٢: ٨٨٣، باب الميراث من الدية، ح ٢٦٤٢، واللفظ له، سنن أبي داود ٣: ١٢٩، باب المرأة ترث من دية زوجه، ح ٢٩٢٧، سنن الترمذي ٤: ٢٧، باب ما جاء في المرأة هل ترث زوجه، ح ١٤١٥.

(٣) صحيح مسلم ٢: ١١١٦، من باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة له، مسند أحمد ٦: ٤١٣، ح ٢٧٣٧٤، الطبقات الكبرى ٨: ٢٧٤.

(٤) صحيح مسلم ٢: ١١١٨، من باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة له، سنن أبي داود ٢: ٢٨٨، باب مَن أنكر ذلك على فاطمة، ح ٢٢٩١، سنن الترمذي ٣: ٤٨٤، باب ما جاء في المطلقة ثلاثاً لا سكنى لها ولا نفقة، ح ١١٨٠، نصب الراية ٣: ٢٧٣، الحديث الرابع من باب النفقة، واللفظ له.

٢٠٣

١٣ - عمّار بن ياسر، استشهد يوم صفّين.

صحابيّ جليل، من أتباع الإمام عليّ، استشهد في واقعة صفّين، وقد أخبر رسولُ الله بمقتله وأنّ الفئة الباغية ستقتله.

لم نقف على مدوّنة له، لكنّه من مدرسة التدوين؛ لأنّ فقهه هو فقه التعبّد المحض؛ ولمواقفه المخطّئة لنهج الخلفاء، ولاتّباعه عليّ بن أبي طالب في فقهه ونهجه.

١٤ - عبد الله بن قيس، أبو موسى الأشعريّ (ت ٤٢ هـ).

جاء في مسند أحمد أنّ أبا موسى الأشعريّ كتب لابن عبّاس مجيباً على رسالته: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يمشي...(١) .

وقال بكر بن عبد الله أبو زيد: (له صحيفة مخطوطة في مكتبة شهيد علي بتركيا)(٢) ، وجاء عنه أنّه قد دافع عن تدوين السنّة الشريفة، و إنّا بدراستنا اللاحقة لفقه الصحابة سنشير إلى مسلكه الفقهيّ، وهل هو يوافق التعبّد أم الاجتهاد.

١٥ - سعد بن مالك، أبو سعيد الخدريّ (ت ٧٤ هـ).

جاء عنه أنّه قال: ما كنّا نكتب غير القرآن والتشهّد(٣) .

واحتمل الأعظميّ أنّه كتب بعض الأحاديث النبويّة إلى عبد الله بن عبّاس. وهذه النصوص تخالف ما اشتهر عنه من أنّه روى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا تكتبوا عنّي، ومَن كتب غير القرآن فليمْحُه(٤) .

____________________

(١) مسند أحمد ٤: ٣٩٦، سنن أبي داود ١: ١، باب الرجل يتبوّأ لبوله، ح ٣، السنن الكبرى للبيهقي ١: ٩٣، باب الارتياد للبول، ح ٤٥٠، جامع الأصول ٨: ٤٧.

(٢) معرفة النسخ: ١٨٢.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ١: ٢٦٠، ح ٢٩٩١، تقييد العلم ١: ٩٣، كنز العمّال ٨: ١٥٢، ح ٢٢٣٤٣، عن (ش).

(٤) انظر الدراسات للأعظمي، والرواية في صحيح مسلم ٤: ٢٢٩٨، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة

٢٠٤

١٦ - زيد بن أرقم (ت ٦٦ هـ).

كتب بعض الأحاديث النبويّة، وأرسلها إلى أنس بن مالك، منها: ما كتبه إليه زمن الحَرّة، يعزّيه فيمن قُتل من ولده وقومه، فيها: أُبشّرك ببشرى من الله، سمعت رسول الله يقول: اللّهمّ اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار(١) ، وقد خَطَّأ زيدٌ عمرَ في بعض فتاواه، وروى في فضائل عليّ الكثير.

١٧ - البَراء بن عازب (ت ٧٢ هـ).

قال محمّد عجاج الخطيب: كان البراء بن عازب صاحب رسول الله يحدّث ويكتب مَن حوله(٢) .

قال وكيع: حدّثنا أبي، عن عبد الله بن حنش، قال: رأيتهم يكتبون على أكفّهم بالقصب عند البراء(٣) ، وقد جاءت عنه روايات كثيرة في فضائل عليّ بن أبي طالب. وقد عرفتَ موقفه في البيعة.

١٨ - عبد الله بن عمر بن الخطّاب (ت ٧٤ هـ).

روي عنه أنّه كان يكتب الأحاديث النبويّة، وقد نقل إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر: كانت له كتب ينظر فيها يعني العلم(٤) ، وإِنّك ستقف لاحقاً على موقفه من أبيه وانتصاره لنهج التعبّد المحض، و إن كان يتخطّى هذا النهج في بعض الأوقات.

____________________

=

العلم، ح ٣٠٠٤، مسند أحمد ٣: ١٢، ح ١١١٠٠، المستدرك على الصحيحين ١: ٢١٦، ح ٤٣٧، وفي غيرها من المصادر.

(١) مسند أحمد ٤: ٣٧٠، سنن الترمذي ٥: ٧١٣، ح ٣٩٠٣، فتح الباري ٨: ٦٥١.

(٢) السنّة قبل التدوين: ٣٢٠.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٥: ٣١٤، ح ٢٦٤٣٨، العلل لأحمد ١: ٢١٣، كتاب العلم لأبي خثيمة: ٣٤، تقييد العلم: ١٠٥.

(٤) التعديل والتجريح للباجي ٢: ٨٠٣، الترجمة ٧٧٧ لعبد الله بن عمر، سير أعلام النبلاء ٣: ٢٣٨، كما في الدراسات: ١٢٠.

٢٠٥

١٩ - سلمان الفارسيّ (ت ٣٢ هـ).

قال ابن شهرآشوب: الصحيح وقيل المشهور أن أوّل من صنّف: أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ سلمان الفارسيّ(١) .

وقال السيّد حسن الصدر عن سلمان: إنّه صنّف حديث الجاثليق الروميّ الذي بعثه ملك الروم بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله، ذكره الطوسيّ في الفهرست(٢) .

وقال الأعظميّ: يبدو أنّه كتب إلى أبي الدرداء بعض الأحاديث النبويّة(٣) . ولسلمان عدّة أحاديث في مسند أحمد تدلّل على أنّه كان من أتباع نهج التعبّد المحض. بل إنّ المطلع على سيرته العامة يجزم بأنّه من أعيان هذا النهج المقدس ولا غرو، فهو من أهل البيت كما نصّ على ذلك الرسول‏ صلّى الله عليه وآله تشريفاً لا حقيقة.

٢٠ - أبو هريرة الدوسيّ (ت ٥٩ هـ).

روى الفضل بن حسن بن عمر بن أُميّة الضميريّ عن أبيه، قال: تحدّثت عند أبي هريرة بحديث فأنكره، فقلت: إنّي قد سمعته منك! فقال: إن كنت سمعته منّي فهو مكتوب عندي(٤) ، وفي حديثه ما يؤيّد نهج التعبّد وفيه ما يخالف ذلك.

٢١ - تميم الداريّ (عاش بعد مقتل عثمان).

وقد مرّ عليك اعتراضه على الخليفة حينما منعه من الصلاة بعد العصر.

____________________

(١) معالم العلماء: ٣٨، وعنه ‏في المراجعات: ٤١٢ المراجعة رقم ١١٠.

(٢) الفهرست للطوسي: ١٤٢، ح ٣٣٨، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: ٢٨٠.

(٣) مسند البزار ٦: ٥٠٦، ح ٢٥٤٦، المعجم الكبير ٦: ٢٥٤، ح ٦١٤٣، التاريخ الصغير للبخاري ٢: ١٣٩، ح ٢٠٧٨، ح ٢٠٧٩، جامع بيان العلم وفضله ١: ٧٤. وانظر الدراسات ١: ٩٦.

(٤) العلل لأحمد ٢: ٥٩١، ح ٣٨٠٧، المستدرك على الصحيحين ٣: ٥٨٤، ح ٦١٦٩، واللفظ له، فتح الباري ١: ٢١٥.

٢٠٦

٢٢ - المقداد بن الأسود (ت ٣٣ هـ).

لم يرد أنّه من المصنّفين أو المدوّنين، لكنَّ له مزيّة متابعة عليّ بن أبي طالب وترسّم خطاه، فهو من مدرسة التعبّد المحض، لكن لم يدوّن أو لم تصل إلينا مدوّنته.

٢٣ - أبو ذرّ الغفاريّ (ت ٣٢ هـ).

أضاف ابن شهرآشوب اسم أبي ذرّ الغفاريّ بعد ذكره لسلمان ضمن أسماء من صنّف في الإسلام(١) ، وتخالف نهج وفقه ومتبنّيات أبي ذرّ مع أتباع الاجتهاد والرأي، والحكومات عموماً، وعثمان خصوصاً، أشهر من أن يخفى، مضافاً إلى اختصاصه بإمام التعبّد المحض عليّ بن أبي طالب.

استنتاجات

وبهذا نكون قد تعرّفنا عبر هذا الجَرْد الإحصائيّ البسيط على أنّ الصحابيّ المخالف فقهيّاً لنهج الخليفة غالباً ما يكون أحد اثنين:

١ - كونه من أصحاب المدوّنات، بمعنى أن المتعبدين لم يرد عنهم النهي عن التدوين، بل هم موافقون له، بخلاف المجتهدين الذين كانوا في مسيرهم العام مانعين للتحديث والكتابة والتدوين أي هناك ملازمة بين التدوين والتعبّد، وبين منع التدوين والاجتهاد، فعمّار بن ياسر - مثلاً - فهو من نهج التعبّد المحض، حسبما سنوضحه في دراساتنا اللاحقة، وإن لم تكن له مدوّنة، وكذا عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وغيرهما فهم من نهج الاجتهاد والرأي وإن كانت لهم مدونات؛ إذ بالاستقراء سيتضح لك أنّ مدوناتهم لا تعدو آرائهم الشخصية، وتصب مروياتهم في هذا المصب لا محالة، فالمعني بأصحاب المدونات المتعبدون. وهولاء كانوا على رأس المخالفين لنهج الاجتهاد والرأي.

____________________

(١) معالم العلماء: ٣٨.

٢٠٧

٢ - كونه من أصحاب عليّ بن أبي طالب، ومن الذين شهدوا حروبه(١) .

واستبانت لنا من خلال ذلك أيضاً حقائق أُخرى مهمّة في هذا السياق، هي:

١ - سقم مَن يقول بوجود نهي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في تدوين حديثه.

٢ - أنّ تدوين العلم كان على عهده صلّى الله عليه وآله وبأمر منه، ثمّ امتدّ ذلك بعده عند الصحابة المتعبّدين بالنصوص.

٣ - وجود مدوَّنات عند الصحابة على عهد عمر، وتلك هي التي دَعَته أن يأمر بإحضارها إليه.

٤ - أنَّ النهي عن تدوين السنّة كان متأخّراً وبأمر الشيخين، ولم يكسب شرعيّته من النصّ النبويّ.

قال المعلّميّ: لو كان النبيّ نهى عن كتابة الأحاديث مطلقاً لَما كتب أبو بكر، ولما هَمّ بها عمر(٢) .

وعليه نقول: إذا كانت نصوص السنّة مدوّنة وموجودة، فَلِمَ لا يرتضي الخليفة نشرها؟! وكيف يقول حسبنا كتاب الله؟!

ولو صحّ ما قلناه، فَلِمَ يستبعد ابن حزم وغيره صدور أمر من عمر بحبس الصحابة؟!

نعم، إنَّ التحديث والتدوين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله كان هو المانع الأساسيّ أمام اجتهادات الشيخين، وإنّ إرشاد عمر وأبي بكر الناس إلى العمل بالقرآن والإقلال من التحديث ومنع التدوين كان الخطوة الأولى في هذا الطريق، وهكذا بعدت الفاصلة بين عامّة الناس والحديث، ممّا مَهّد الأرضيّة المناسبة لاحتضان البديل، وهو اجتهاد الصحابيّ. فكان البديل هو الخطوة التالية لخطوة منع التحديث والتدوين.

وقد أنبأ رسول الله صلّى الله عليه وآله بوقوع هذا الأمر في القريب العاجل، بقوله صلّى الله عليه وآله (يوشك)، وهو من أفعال المقاربة، مع تأكيده على أنّ ما يقع هو ممّا لا يرتضيه صلّى الله عليه وآله؛ لقوله (لا

____________________

(١) وإن كنّا سنضيف إلى هذين فقه الأنصار لاحقاً، كي نقف على دعاة التعبّد المحض من الصحابة، وأ نّه يدور غالباً في هذه المحاور الثلاثة.

(٢) انظر تدوين السنّة الشريفة: ٢٦٤ و ٢٧٣ عن الأنوار الكاشفة: ٣٨.

٢٠٨

أعرفنّ) و (لا ألفَينّ) مؤكّداً على أنّ كلامه من كلام الله ولا تنافي بينهما لقوله:(ألا وإنّ كلامي كلام الله) .

إنّ المنع من التحديث - بالنسبة للخليفة - كان ضرورة اجتماعيّة فرضتها ظروفه عليه، وهو بمثابة المردود السلبيِّ وردّة الفعل إزاء ما لا يعرفه من كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله، بل لما عرفه من نهي النبيّ - عندما كتب شيئاً من التوراة - فالخليفة بنهيه عن التدوين كان يريد أن يجتهد، فراح يستغل نهي الرسول عن التأثّر بمدوّنات أهل الكتاب فعمَّمه إلى المنع عن التحديث والتدوين لسنّة النبي صلّى الله عليه وآله، مع علمنا بالفارق بينهما.

فنهي رسول الله من كتابة صحف أهل الكتاب جاء لكونها محرّفة، وهذا يختلف عن نهي عمر الناس عن كتابة سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

حبس المحدِّثين

ولتوضيح الأمر إليك نصّاً في ذلك:

أخرج الذهبيّ، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أنّ عمر حبس ثلاثة:

ابن مسعود، وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاريّ، فقال: لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله!(١) .

وفي (شرف أصحاب الحديث) للخطيب:

بعث عمر بن الخطاّب إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود، فقال لهم: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله؟! فحبسهم بالمدينة.

وأخرج الحاكم، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه:

أنّ عمر بن الخطّاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذرّ: ما هذا الحديث عن رسول الله؟! أحسبه حبسهم بالمدينة حتّى أُصيب(٢) .

____________________

(١) المحدث الفاصل ١: ٥٥٣، تذكرة الحفّاظ ١: ٧، حجّيّة السنّة: ٣٩٥.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٥: ٢٩٤، ح ٢٦٢٢٩، المستدرك على الصحيحين ١: ١١٠، وكذا في تلخيص الذهبيّ، سير أعلام النبلاء ٢: ٣٤٥.

٢٠٩

وفي (مختصر تاريخ دمشق): أنّ عبد الرحمان بن عوف قال: ما مات عمر بن الخطّاب حتّى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق: عبد الله، وحذيفة، وأبو الدرداء، وأبو ذرّ، وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟!

قالوا: تنهانا؟

قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عِشت؛ فنحن أعلم، نأخذ منكم ونردّ عليكم. فما فارقوه حتّى مات(١) .

إنّ جملة: (أكثرتم عن رسول الله) وكذا: (أفشيتم عن رسول الله في الآفاق) لتؤكّد على أنّ في نقل الأحاديث عن الرسول توعية للمسلمين، و إحراجاً للخليفة في ظروفه الخاصّة؛ لأنّه قد حدّد ما أخذه عليهم بأنّه (الإكثار) و (الإفشاء) لا الكذب والبهتان، فالإفشاء يساوق تخطئة الخليفة، خصوصاً إذا كان الكلام الصادر عن رسول الله ظاهراً صريحاً، وتتّضح هذه الحقيقة أكثر لو أمعنّا النظر في جواب عمر بن الخطّاب لأُبيّ بن كعب:

فقال أُبيّ: يا عمر! أتتّهمني على حديث رسول الله؟!

فقال عمر: يا أبا المنذر، لا والله ما أتّهمك عليه، ولكنّي كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله ظاهراً(٢) .

وقولُهُ للصحابة: (أقِلُّوا الرواية عن رسول الله إلاّ فيما يُعمل به)(٣) ، وسِرّ المنع في النصّ الأوّل واضح كوضوح الشمس في أنّ الخليفة كان لا يريد أن يكون الحديث (ظاهراً)؛ لئلاّ يظهر الخلل والعوز الفقهيّ في دولته أو فيه.

وكذا تقييده بـ (ما يُعمل به) يعني جواز نقل الأحاديث المشهورة المعمول بها بين المسلمين في الأحكام وغيرها، ممّا هو شائع يعرفه الخليفة كما يعرفه غيره من المسلمين.

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ١٧: ١٠١، كنز العمّال ١٠: ٢٩٣، ح ٢٩٤٧٩.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ٤: ٢١ - ٢٢.

(٣) الجامع لمعمر بن راشد ١١: ٢٦٢، البداية والنهاية ٨: ١٠٧.

٢١٠

وأمّا نقل الأحاديث التي لا يعرفها الناس أو ربّما لا يعرفها الخليفة، فلا يجيز تناقله، لإِمكان حدوث التخالف بينها وبين اجتهاده، ممّا سيؤول إلى إيجاد مشكلة في جهاز الحكم الذي يُفترض فيه أن يكون مقوّماً ومرجعاً فقهيّاً للأمّة الإسلاميّة.

ولأجل كلّ هذا قال للصحابة:)أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت؛ نحن أعلم، نأخذ منكم ونردّ عليكم).

بهذا اتّضح أنّ الخليفة كان لا يرتضي التحديث بالرواية، كما أنّ الصحابة أو الكثير منهم كانوا لا يرتضون ما ذهب إليه، وهذا - كما ترى - مغاير لِما عمد البعض إلى إشاعته من أنّ الخليفة قد نهى عن التدوين حسب.

ومن ثمَّ يضاف إلى قائمة الأسماء، أسماء آخرين قد خالفوا الخليفة في رأيه، هم:

٢٥ - أبو الدرداء.

٢٦ - أبو مسعود الأنصاريّ.

٢٧ - عقبة بن عامر.

ولا نريد هنا التفصيل في هذه الأسماء، مكتفين بالإشارة إلى أنّ هناك صحابة كثّر يتحد فقههم مع فقه أهل البيت، وهؤلاء لا ينحصر عددهم بثلاثة عشر، كما زعم ذلك ابن حجر، أو سبعة كما زعم موسى جار الله.

* * *

آراء متضاربة

سُئل ابن عبّاس: عن رجل توفّي وترك بنته وأُخته لأبيه وأُمّه.

فقال: لابنته النصف وليس لأخته شيء.

فقال السائل: فإنّ عمر قضى بغير ذلك.

فقال ابن عبّاس: أأنتم أعلم أم الله؟!

قال السائل: ما أدري ما وجه هذا حتّى سألت ابن طاووس [ اليماني ]، فذكرت له

٢١١

قول ابن عبّاس، فقال: أخبَرَني أبي أنّه سمع ابن عبّاس يقول: قال الله عزّ وجلّ:( إنِ امْرؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَرَكَ ) (١) فقال ابن عباس: فقلتم أنتم: لها نصف ما ترك وإن كان له ولد(٢) .

إنّ عمر كان قد ساوى في الميراث بين بنت الميت وأُخته لأبيه وأُمّه؛ لأنّ البنت حسب نظره لا يصدق عليها حقيقة الولد، كما هو المعروف عند العرب من قبل. والمعلوم أنّ هذه الرؤية تخالف صريح القرآن العزيز لقوله عزّ وجلّ:( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أوْلأدِكُم للذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيين ) (٣) .

فدلّت هذه الآية على أنّ البنت (ولد) بالمفهوم القرآنيّ والعُرفيّ والحقيقيّ، ومع وجود الولد لا تأتي رتبة الإخوة والأخوات في الإرث، لقوله تعالى:( وَهُو يَرِثُها إنْ لَم يَكُنْ لَها وَلَد، فإن كانَتا اثْنَتَين فَلَهُما الثُّلُثان ممّا تَرَكَ وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالاً ونِسَاءً فَللِذّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين يُبيّن اللهُ لكَمْ أن تَضِلّوا واللهُ بكلِّ شَيٍّ عَلِيم ) (٤) .

وهو يعني كذلك أنّ الإخوة والأخوات لا حقّ لهم في الإرث مع وجود الولد.

وللخليفة رأي آخر في عول الفرائض خالفه فيه ابن عبّاس:

قال عمر: والله ما أدري أيّكم قدّم الله ولا أيّكم أخّر، وما أجد في هذا المال شيئاً أحسن من أنّ أقسمه عليكم بالحصص.

فقال ابن عبّاس: وأيم الله، لو قدّم مَن قدّم الله وأخّر مَن أخّر الله ما عالت فريضة(٥) .

وحَكَمَ في امرأة ماتت عن زوج وأُمّ وأخَوَين لأُمّها دون أبيها، وأخَوَين لأمّها وأبيها معاً بحكمين مختلفين:

____________________

(١) النساء: ١٧٦.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٤: ٣٧٦، ح ٧٩٧٩، السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢٣٣، ح ١٢١١٣، كنز العمّال ١١: ٤٤، ح ٣٠٥٥٨.

(٣) النساء: ١١.

(٤) النساء: ١٧٦.

(٥) السنن الكبرى للبيهقيّ ٦: ٢٥٣، ح ١٢٢٣٧، وانظر المستدرك على الصحيحين ٤: ٣٧٨، ح ٧٩٨٥.

٢١٢

قضى في المرّة الأولى بإعطاء زوجها فرضه - وهو النصف - وإعطاء أُمّها فرضها - وهو السدس - وإعطاء أخويها لأمّها خاصّة الثلث الباقي، فتمّ المال وأُسقط أخواها الشقيقان.

وفي المرّة الثانية أراد الخليفة أن يحكم كما حكم سابقاً، فاحتج الإخوة من الأب والأم فقالوا: يا أمير المؤمنين! لنا أب وليس لهم أب، ولنا أُمّ كما لهم، فإن كنتم حرمتمونا بأبينا فوِّرثونا بأُمّنا كما ورّثتم هؤلاء بأُمّهم، واحسبوا أنّ أبانا كان حماراً، أوَ ليس قد تراكضنا في رحم واحد؟

فقال عمر عند ذلك: صدقتم، فأشرك بينهم وبين الإخوة من الأُمّ في الثلث(١) ، وفي رواية أُخرى: هب أنّ أبانا كان حجراً مُلْقىً في اليمّ، فأشركنا في قرابة أُمّنا، فأشرك بينهم بتوزيع الثلث على الإخوة الأربعة بالسواء.

فقال له الرجل: إنّك لم تشركهما عامَ كذا.

قال عمر: تلك على ما قضينا يومئذٍ، وهذه على ما قضينا الآن!(٢) .

أخرج الشافعيّ في (المسند)، وأبو داود والبيهقيّ عن طاووس: أنّ عمر رضي الله عنه قال: أسَمِعَ امرؤ عن رسول الله في الجنين شيئاً؟

فقام حمل بن مالك بن النابغة، فقال: كنت بين جاريتين لي [ يعني ضرّتين ] فضربتْ إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميّتاً، فقضى فيه رسول الله بُغرّة.

فقال عمر: لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا، إن كِدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا(٣) .

قال عبيدة السلمانيّ: لقد حفظتُ لعمر بن الخطّاب في الجدّ مائة قضيّة مختلفة(٤) .

____________________

(١) أحكام القرآن للجصّاص ٣: ٢٤، باب المشركة.

(٢) سنن الدارمي ١: ١٦٢، باب الرجل يفتي بالشيء ثم غيره، ح ٦٤٥، سنن الدارقطني ٤: ٨٨، كتاب الفرائض والسير، ح ٦٦، واللفظ له، السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢٥٥، باب المشركة، ح ١٢٢٤٧، و ١٠: ١٢٠، باب من اجتهد من الحكام وغير اجتهاده.

(٣) مسند الشافعي ١: ٢٤١، السنن الكبرى للبيهقي ٨: ١١٤، باب الدية، الإحكام للامدي ٢: ٧٦.

(٤) مصنّف عبد الرزّاق ١٠: ٢٦١، باب فرض الجد، السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢٤٥، واللفظ له، فتح الباري ١٢: ٢١، تغليق التعليق ٥: ٢١٩، شرح الزرقاني ٣: ١٤٢، موسوعة فقه عمر بن الخطاب: ٥٣.

٢١٣

وعلّق الدكتور محمّد سلام مدكور على أمر عمر في الجدّة بقوله: (... ولكنّ عمر كان يأبى إلاّ أن يكون الجدّ أولى من الإخوة، ويقول: لو أنّي قضيت به اليوم لقضيت به للجدّ كلّه، ولكنّه اتّجه إلى العدول عن رأيه وقال: لعلّي لا أخيّب منهم أحد، ولعلّهم أن يكونوا كلّهم ذوي حقّ. ثمّ عَدَل مرّة أُخرى إلى المقاسمة بشرط ألاّ تقلّ عن السدس. ثمّ عدل إلى المقاسمة بشرط ألاّ تقلّ عن الثلث على ما ذكرنا. وما كان هذا الاختلاف وعدم الاستقرار في الرأي إلاّ لأنّ المسألة اجتهاديّة صرفة، لم يِرد فيها نصّ يبيّن الحكم بوضوح.

ونستطيع أن نتبيّن من هذا الحوار الذي تمّ بين زيد بن ثابت وعمر بن الخطّاب، هو استعمال زيد أُسلوباً في التشبيه البليغ يقرب رأيه إلى العقل والامتناع)(١) .

وقال الدكتور محمّد روّاس قلعه چي بعد أن أتى بكلام عبيدة السلمانيّ والآية الكريمة:( ولأبوَيْهِ لكلّ واحدٍ منهما السُّدس ممّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ وَلَد ) (٢) وقوله:( فإن لمْ يَكُن لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبوَاهُ فَلأمّهِ الثُّلُث ) (٣) . قال: يفهم منه أنّ الباقي للجدّ(٤) . (وكان عمر يلاحظ اضطرابه في قضيّة ميراث الجدّ مع الإخوة، فاستشار الصحابة في شأنه أكثر من مرّة، ولكنّه لم يصل فيه إلى قرار حاسم. وقبيل وفاته أحبّ أن تستقرّ الأمور في الجدّ على شكل ما، حتّى لا يترك الأمر فوضى، فكتب في الجدّ والكلالة كتاباً، ومكث يستخير الله ويقول: اللّهمّ إن علمت فيه خيراً فأمضه، حتّى إذا طعن دعا بالكتاب فمحاه، فلم يدرِ أحد ما كان فيه فقال: إنّي كنت كتبت في الجدّ والكلالة كتاباً وكنت أستخير الله فيه فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه)(٥) .

وعلّق السيوطيّ في (الأشباه والنظائر) على اجتهادات عمر في الجدّة بقوله: وعلّته أنّه ليس الاجتهاد الثاني بأقوى من الأوّل، فإنّه يؤدّي إلى أنّه لا يستقرّ حكم، وفي ذلك

____________________

(١) مناهج الاجتهاد في الإسلام: ١٧٢.

(٢) النساء: ١١.

(٣) النساء: ١١.

(٤) موسوعة فقه عمر بن الخطّاب: ٥٣.

(٥) موسوعة فقه عمر بن الخطّاب: ٥٤، والخبر في مصنف عبد الرزاق ٦: ٤٣، باب الكلالة، وتفسير الطبري ٦: ٤٣، الإحكام لابن حزم ٦: ٢٧٩.

٢١٤

مشقّة شديدة، فإنّه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض وهلمّ جرّاً(١) .

والذي يدل دلالة قطعية على أنّ عمر كان يجتهد في قبال الكتاب والسنّة، هو أنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان أخبره بأنّه لا ولن يعلم حكم الجدّ حتى وفاته، لكنّه مع ذلك تخطّى ذلك وأعمل آراءه فيه، فعن سعيد بن المسيب قال: إنّ عمر سأل النبي صلّى الله عليه وآله كيف قسم الجد؟ قال صلّى الله عليه وآله: ما سؤالك عن ذلك يا عمر، إنّي أظنّك تموت قبل أن تعلم ذلك، فمات قبل أن يعلم ذلك(٢) .

وقال الصالحي الدمشقي في سبل الهدى والرشاد: وروى ابن راهويه وابن مردويه قال الشيخ - وهو صحيح عن ابن المسيب - إنّ عمر سأل رسول الله كيف تورث الكلالة؟

قال: أوليس قد بين الله تعالى ذلك ثم قال: و إن كان رجل يورث كلالة [ النساء ١٢ ] إلى آخره، فكأن عمر لم يفهم.

فأنزل الله تعالى:( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ) [ النساء ١٧٦ ] إلى آخر الآية، فكأن عمر لم يفهم.

فقال لحفصة: إذا رأيت رسول الله طيب نفس فاسأليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال صلّى الله عليه وآله: أبوك ذكر لك هذا، ما أرى أباكِ يعلمها أبداً فكان يقول: ما أراني أعلمها أبداً، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ما قال(٣) .

وبعد هذا قد يكون ما جاء في حديث الإمام علي(مَن سرهُ أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة) (٤) أي يرمي بنفسه في معاظم عذابها(٥) .

____________________

(١) الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة: ٤٥٢ عن الأشباه والنظائر: ١٠١.

(٢) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. انظر المعجم الأوسط ٤: ٢٩٥، ح ٤٢٤٥، واللفظ له، وطبقات المحدثين بأصبهان ٣: ٥٦٤، ومجمع الزوائد ٤: ٢٢٧، باب ما جاء في الجد، وكنزل العمّال ١١: ٥٨، ح ٣٠٦١١، عن (عب، هق، وأبو الشيخ في الفرائض).

(٣) سبل الهدى والرشاد ٩: ٢٨٧، وهو في أحكام القرآن للجصاص ٣: ١٨، تفسير ابن كثير ١: ٥٩٥، الدر المنثور ٢: ٧٥٤.

(٤) سنن الدارمي ٢: ٤٥٠، باب الجد، ح ٢٩٠٢، واللفظ له، السنن الكبرى للبيهقي ٦: ٢٤٥، باب التشديد في الكلام في مسألة الجد مع الأخوة، ح ١٢١٩٦وهو أيضاً في مصنف عبد الرزاق ١٠: ٢٦٢، ومصنف ابن أبي شيبة ٦: ٢٦٨.

(٥) لسان العرب ١٢: ٤٦٣ مادة (قحم).

٢١٥

ناظراً إلى اجتهادات الشيخين لما عرف عنهما من التضارب في فتاواهما في إرث الجد، وخصوصاً فتاوى عمر بن الخطاب. وتخالف ذلك مع الذكر الحكيم.

القول باجتهاد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)!!

فاتّضح إذاً - على ضوء النصوص السابقة - اضطرارهم إلى اتّخاذ الاجتهاد كمنطلق يمكن على ضوئه تبرير اختلاف وجهات النظر بين الصحابة، بل بين فتاوى الخليفة نفسه أو الصحابيّ الواحد نفسه، لأنّه الغطاء الذي يمكن أن يحتمي به الداعون إلى مدرسة الخلفاء، والاجتهاد، والعاملين به على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، لرفع التضادّ والتناقض الموجود بين فقه الصحابة.

لكنّنا نريد أن ندرس القضيّة من جذوره، ومن منطلق أكثر عقلانيّة وواقعيّة؛ لنرى: هل كان الرسول يجتهد في الأحكام حقّاً، أم أنّ ما نسبوه إليه‏ صلّى الله عليه وآله جاء لتصحيح اجتهادات الصحابة؟

وهل يعقل أن يتّخذ الرسول الاجتهاد وسيلة للوقوف على حكم السماء، وهو المأمور بتبيين الأحكام الصادرة من الله للناس، وهو رسول ربّ العالمين؟!

ولو سُمح له‏ صلّى الله عليه وآله بالاجتهاد، فلِمَ يتوقّف ‏صلّى الله عليه وآله في بيان حكم اللعان(١) ، وميراث العمّة والخالة حتّى ينزل عليه الوحي؟!(٢) .

أليس الاجتهاد ممّا يحتملُ الخط، ولا يفيد إلاّ الظنّ؟

وإذا كان الرسول بمقدوره الحصول على اليقين، فكيف يعمل بالظنّ الذي هو أقلّ درجة عن اليقين؟!.

____________________

(١) انظر تفسير الطبري ١٨: ٨٣، مسند أحمد ١: ٢٣٨، ح ٢١٣١، سنن أبي داود ٢: ٢٧٧، باب في اللعان، ح ٢٢٥٦، أسباب النزول للواحدي: ٢١٣، لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي: ١٥٣.

(٢) انظر سنن الدارقطني ٤: ٨٠، ح ٤٢ و ٤: ٩٨، ح ٩٠ و ٤: ٩٩، ح ٩٨، من كتاب الفرائض والسير، المستدرك على الصحيحين ٤: ٣٨١، ح ٧٩٩٧، تفسير القرطبي ٨: ٦٠، الدر المنثور ٢: ٤٥٠، المراسيل لأبي داود ١: ٢٦٣.

٢١٦

يضاف إلى ذلك: ماذا نفعل بالآيات الأخرى الآمرة بلزوم اتّباع كلام رسول الله، كقوله تعالى:( مَا آتاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوُه، وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) .

وقوله تعالى:( فلا وَرَبِّكَ لا يُؤمنونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُم... ) ؟!(٢) .

فنحن لو اعتبرنا الاجتهاد وعرفنا أنّه مبتنٍ على الظنّ، وممّا يُحتمل فيه الخطأ، فكيف يوجب سبحانه اتّباع الظنّ والخطأ في أحكامه؟! وقد نهى سبحانه عن اتّباع الظنّ بقوله:( إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ) ؟!(٣) .

يبدو أنَّ الإصرار على القول باجتهاد الرسول، إنّما صِير إليه لتصحيح اجتهادات الصحابة، ومنحها السمة المشروعة، وعلى الأخصّ فتاوى الشيخين. ومَن يقرأ التاريخ والحديث بروح مجرّدة يقف على ما نقول. وإنّك لو تمعّنت فيما استدلّ به علماء الأصول - من اتّباع مدرسة الرأي - على اجتهاد الرسول، وما ذكروه من أدلّة لعرفت أنّ السرّ فيه إنّما هو الإشارة إلى الأخطاء التي نسبها بعضهم إليه‏ صلّى الله عليه وآله في مقام التشريع! فأرادوا حلّ هذه العويصة بمخرج الاجتهاد والرأي.

ثمّ لو كانت أقواله‏ صلّى الله عليه وآله وأفعاله، نابعة من اجتهاداته ‏صلّى الله عليه وآله المسموح بها حسب فرضهم، فلماذا نرى غالب تصريحاتهم وتلويحاتهم توحي بأنّ النبيّ تخلّف عن أوامر الله - كما في صلاته على المنافق - وتخلّف عن الضوابط الإنسانيّة كما نرى عبوسه عند مجي الأعمى عبد الله بن مكتوم... وغيرها ممّا نسبوه إلى النبيّ الأكرم ‏صلّى الله عليه وآله، حتّى اجترأ الزمخشريّ أن يقول في تفسير قوله تعالى:( عَفا اللهُ عَنْكَ ) (٤) إنّها كناية عن الجناية؛ لأنّ العفو رادف له، ومعناه: أخطات وبئس ما فعلت!(٥) .

انظر إلى كلام الزمخشريّ هذا كيف يتطاول به على ساحة النبوّة المقدّسة!!

____________________

(١) الحشر: ٧.

(٢) النساء: ٦٥.

(٣) يونس: ٣٦، النجم: ٢٨.

(٤) التوبة: ٤٣.

(٥) تفسير الكشّاف ٢: ١٥٣.

٢١٧

لقد قال أتباع الاجتهاد المانعون للتدوين بمثل هذا القول فيما يتّصل برسول الله صلّى الله عليه وآله، في حين يؤكّدون أنّ الوحي كان يوافق الخليفة عمر بن الخطّاب في كلّ تلك القضايا التي أخطأ فيها النبيّ‏ صلّى الله عليه وآله، وأنّ النبيّ قد شهد له بذلك... أترك القارئ ليفهم مغزى هذا التناقض وسرّ تخطئة الرسول‏ صلّى الله عليه وآله، وسلامة رأي عمر وموافقة الوحي له دون النبيّ!

ولو تنزّلنا وقلنا أنّ النبيّ بشر، له مَلَكات ربّانيّة، وأنّ غالب أُموره الدنيويّة كانت تصدر بقرار من نفسه وليس لها ارتباط بالوحي، بمعنى أنّه صلّى الله عليه وآله لو قال لأحد: كيف أنت؟ لا يعني أنّه قالها له امتثالاً لأمر الباري، وكذا قوله: ماذا تأكل؟ أو: اذهب إلى فلان لأخذ الحاجة الفلانيّة، أو ائتني بماء فإنّي عطشان، ومثلها مزاحه مع أزواجه والمؤمنين، وغيرها من متطلّبات الحياة العامّة...

وكذا الحال بالنسبة إلى حروبه، فكان‏ صلّى الله عليه وآله يشاور الصحابة، كما في مصالحة غطفان يوم الخندق(١) ، والخروج إلى أُحد(٢) ، وأخذه برأي سلمان الفارسيّ في حفر خندق حول المدينة في غزوة الأحزاب(٣) ، وكذا أخذه‏ صلّى الله عليه وآله برأي حبّاب في النزول عند الماء في غزوة بدر، وبقول سعد بن معاذ في بناء عريش بدر(٤) وغيرها من المفردات...

فلو سلّمنا كلّ هذا وأعرضنا عن أن النبيّ‏ صلّى الله عليه وآله كان يفعل كل ذلك ويتكلّم به بأمر الله، وبما يوافق مراد الباري سبحانه وتعالى، وأنّه كان يشاور أصحابه استطابة لنفوسهم وتعليماً لهم على الحنكة والتدبير، ثمّ يجزم هو صلّى الله عليه وآله بما أراه الله بما هو في صالح المسلمين، وما هو مراد الله سبحانه وتعالى. أقولُ: لو سلّمنا كلّ ذلك نقول:

إنّ هذه القضايا هي مواقف في أُمور الحرب والموضوعات الخارجيّة، وهي ليست كاجتهادات الخليفة عمر بن الخطّاب؛ إذ إنّ غالب ما ذهب إليه كان في الأحكام

____________________

(١) سيرة ابن هشام ٤: ١٠٤، وعنه في اجتهاد الرسول: ٩٥.

(٢) أنظر البخاريّ ومسلم ومسند أحمد والنسائيّ وسيرة ابن هشام ٣: ٦٤ بل جميع التواريخ.

(٣) السيرة النبويّة لابن هشام ٣: ٢٣٥.

(٤) السيرة النبويّة لابن هشام ٢: ٢٧١، وللتفصيل في هذه الواقعة ونظائرها راجع اجتهاد الرسول للدكتورة نادية شريف العمريّ: ٨٣ - ١٤٦.

٢١٨

الشرعيّة وليس شيء منها في الموضوعات الخارجيّة! هذا بعد الإغضاء عن أنّ اجتهاد النبيّ - لو فرض صحّته - لا يساوق اجتهاد غيره، باعتبار أنّ عقل النبيّ هو أكبر عقل وأَدْرَكُهُ للواقع، فإنّ اجتهاده جاء بعد إلمامه بالمصالح والمفاسد والمقدّمات والنتائج، وكان ذلك موافقاً لحكم الله الواقعيّ، وأين هذا من اجتهاد غيره؟

نعم، إنّهم بطرحهم هذه الرؤية كانوا يريدون مساواته ‏صلّى الله عليه وآله مع الصحابة لتعميم الأمر عليهم، ولكي يرفعوا به التخالف الموجود بين أقوالهم، وليخلصوا إلى القول: إنّها اجتهادات كاجتهادات النبيّ!

بَيْد أنّ ما لا ريب فيه - كما يشهد الجميع - أنّ ما يسمّى باجتهاد النبيّ هو غير اجتهاد الصحابة، فالنبيّ لو ارتضينا أنّه مجتهد لم يكن يجتهد إلاّ في الموضوعات وأُمور الحرب والأقضية؛ وذلك لا يعني أنّه‏ صلّى الله عليه وآله كان يجتهد في الأحكام كذلك.

وأمّا العمل بالوظيفة الظاهرة فإنّه لا يعني الاجتهاد بمعناه المعروف اليوم؛ لأنّ قوله ‏صلّى الله عليه وآله:(إنّما أحكم بالظاهر وإنّكم تختصمون إلَيّ، ولعلّ أحدكم ألحن بحجّته من بعض، فمن قضيتُ له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه، فإنّما قطع له قطعة من النار) (١) ، يعني أنّ على الحاكم أن يحكم طبق ظاهر الأدلّة المطروحة، لا على البواطن والواقع، وإن كان منكشفاً له ‏صلّى الله عليه وآله انكشافاً تامّاً، إذ الأنبياء والرسل والأوصياء كلّهم مأمورون أن يحكموا بالظاهر إلاّ مَن كلّفه الله بالحكم الواقعيّ كالخضر عليه السلام.

هذا، وقد عُرف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه كان يحكم بين الناس في المدينة - وفي هذا ما يفهم منه أنّه كان يحكم - طبق الأدلّة والموازين. وفي هذا ما يعني - بما لا مجال للشكّ فيه - أنّه قَنَّنَ الحكم بالظاهر؛ لكي لا تنخرق نواميس الشريعة والقوانين البشريّة التي جرت عليها سنّة الخلق.

إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لاتّصاله بالوحي إنّما كان يعرف حكم الشرع؛ وذلك لمعرفته بما في اللوح المحفوظ؛ لأنّ من الثابت عند المسلمين نزولُ القرآن مرّتين: نزل في الأُولى

____________________

(١) أنظر اجتهاد الرسول: ٩٧.

٢١٩

كاملاً ليلة القدر، ونزل في الثانية نجوماً في الوقائع والأحداث المختلفة، فيكون ما يصدر عن النبي إنّما هو لِما عرفه من اللوح المحفوظ، وإن لم تنزل عليه بالتنزيل الثاني - آية صريحة - لحين ذلك التاريخ.

وكذا الحال بالنسبة إلى ما قالوه في تمنّي رسول الله تحويلَ القبلة إلى المسجد الحرام؛ فلو كان اجتهاداً منه لحوّلها ولَما ظلّ ستّة أشهر أو سبعة يصلّي إليها حتّى نزل قوله تعال:( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ) (١) لأجل انتظاره للوحي وتعبّده بأمر السماء، لا إتياناً منه‏ صلّى الله عليه وآله بحكم يخالف شريعة الله.

وأمّا الاستدلال على اجتهاد الرسول بقوله تعالى:( إنّا أنْزَلْنا إليكَ الكِتابَ بالحقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أراكَ الله ) وتفسيرهم (بما أراك) بمعنى: بواسطة نظرك واجتهادك في أدلّة الأحكام... فإنّه تفسير خاطئ ومخالف لظاهر الآية؛ لأنّ منطوق الآية وبقرينة السياق -( إنّا أنْزَلْنا إليكَ الكِتابَ بالحقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أراكَ الله ) (٢) صريحٌ بأنّ معناه هو لزوم استقائكَ الحكم من الكتاب لا اجتهاداً من عند نفسك!

وأمّا أنصار مدرسة الرأي من الصحابة، فكانوا يريدون تعميم اجتهاداتهم حتّى على الأحكام الشرعيّة، وذلك بالطبع بعد عصر رسول الله؛ لأنّهم في عصر النبيّ كانوا يرجّحون أن تكون الأحكام مستوحاة من النصّ، ومن كلام الرسول، بل كان النبيّ يردعهم عن الرأي؛ لأنّه المرجع المصحّح لما قد يقعون فيه من الأخطاء، لكنّهم وبعد وفاته ‏صلّى الله عليه وآله اجتهدوا، فيما فيه نصّ وفيما لا نصَّ فيه.

وإنَّ هذا الاتّجاه قد استحكم بناؤهُ في عهد الخليفة الثاني؛ لأنَّ المجتهدين على عهد الرسول وبسطاء المتعبّدين قد تأثّروا باتّجاه الرأي لاحقاً.

إنّ رفع الأمور في عهد النبيّ إليه ‏صلّى الله عليه وآله والعمل طبقاً لقوله ‏صلّى الله عليه وآله، يعني أنّ الحُكم قد أُمضِي من قبل الشارع، وصار حجّة بإمضاء النبيّ؛ فالحجّة فيه إمضاء النبيّ لا ما فعله

____________________

(١) البقرة: ١٤٤.

(٢) النساء: ١٠٥.

٢٢٠