منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث0%

منع تدوين الحديث مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 586

منع تدوين الحديث

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: دار الغدير
تصنيف:

الصفحات: 586
المشاهدات: 93184
تحميل: 6490

توضيحات:

منع تدوين الحديث
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 586 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93184 / تحميل: 6490
الحجم الحجم الحجم
منع تدوين الحديث

منع تدوين الحديث

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

تأصيل النهجين في العهد الأمويّ

لما استقرّ أمر التدوين عند أصحاب (التعبّد المحض) - رغم محاولات طمس معالمه - رأى نهج (الاجتهاد) ضرورة مسايرة الركب وتقديم شي في هذا السياق، كيلا يواجه مشكلة مستقبليّة في التشريع؛ لأنّ تأخير التدوين يعني الضياع والاندثار.

فلذا جدّ أنصار هذه المدرسة لرسم البديل الذي يستطيع مواجهة مدرسة التعبّد المحض، إذ أمر هشام بن عبد الملك - وفي آخر عمر بن عبد العزيز - ابن شهاب الزهريّ المتوفّى ١٢٤ بتدوين السنّة.

١ - الخلفاء والتدوين

فعن معمّر، عن الزهريّ، أنّه قال: كنّا نكره كتابة العلم، حتّى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا أن لا نمنعه أحداً من المسلمين(١) .

وفي آخر: استكتبني الملوك فاكتتبتهم، فاستحيت الله إذ كتبتها للملوك أن لا أكتبها لغيرهم(٢) .

وفي ثالث: عن أبي المليح أنّه قال: كنّا لا نطمع أن نكتب عند الزهريّ حتّى أكره هشامٌ الزهريَّ، فكتب لبنيه، فكتب الناس الحديث(٣) .

وفي كتاب (الأضواء) أنّ ابن شهاب كان مخالفاً لهشام لكن لم يلبث أن صار حظيّاً

____________________

(١) تقييد العلم: ١٠٧، الطبقات الكبرى ٢: ٣٨٩، وانظر الدرامي ١: ١٢٢، ح ٤٠٤، والحلية ٣: ٣٦٣، البداية والنهاية ٩: ٣٤١.

(٢) جامع بيان العلم وفضله ١: ٧٧.

(٣) حلية الأولياء ٣: ٣٦٣.

٤٢١

عنده، فحجّ معه وجعله معلّم أولاده(١) .

والذي يشكّكنا في سلامة وعفويّة هذا الأمر وصدق نيّة الخلفاء هو كون الناهين عن التدوين على عهد رسول الله من قريش، وهم الذين نهوا عبد الله بن عمرو بن العاص من تدوين حديث الرسول، مع وقوفنا على موقفهم من الحديث في زمن الخليفة عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان ومعاوية بن أبي سفيان متابعةً وتأييداً لهؤلاء الخلفاء، ومع معرفتنا لمواقف أبي سفيان ومعاوية ويزيد من الرسول والرسالة.

فلو تأنّينا فيما فعله أبو سفيان بقبر حمزة - عمّ النبيّ - وقوله - وهو يرفس قبر حمزة - يا أبا عمارة! إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف صار في يد غلماننا يتلعّبون به(٢) وفي قول معاوية للمغيرة لمّا دخل الكوفة لعرفنا الكثير.

فعن المغيرة: أنّه طلب من معاوية ترك إيذاء بني هاشم؛ لأنّها أبقى لذكره، فأجابه معاوية: هيهات! هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟ مَلَك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر.

ثمّ مَلَك أخو عديّ، فاجتهد، وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكرهُ، إلاّ أن يقول قائل: عمر

وإنّ ابن أبي كبشة - يعني النبيَّ محمّداً صلّى الله عليه وآله - ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات! أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.

فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا! لا أبا لك! لا والله إلاّ دفناً دفن(٣) .

وقال لمّا دخل الكوفة: إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا، وقد أعرف إنّكم تفعلون ذلك، ولكن إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني

____________________

(١) أضواء على السنّة المحمّديّة، لأبَي ريّه: ٢٦٠.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٦: ١٣٦.

(٣) شرح النهج ٥: ١٣٠ عن الموافقيات للزبير بن بكار والمتن عنه، المسترشد للطبري: ٦٨٠.

٤٢٢

الله ذلك وأنتم له كارهون(١) .

فكيف يجوز إذاً أخذ الأحكام من مصدرٍ هذا قَدْره ومنزلته عند النبيّ، ومن أُناس هذا موقفهم من رسالته، مع معرفتنا بأنَّ منهم من لُعِن على لسان رسول الله؟! أم كيف تطمئن نفوسنا بمرويّاتهم ونأتمنهم على كنوز السنّة مع عرفاننا مكرهم وخداعهم وبثّهم روح العصبيّة والتفرقة بين المسلمين؟!

أم كيف صارت السنّة تدوّن عن إكراه! ويلزم الأخذ بها على الصعب والذلول بعد أن كان منع التدوين بسبب الإكراه وعقوباته الشديدة.

جاء في شرح مسلم، للنوويّ: أنّ بشير العدويّ جاء إلى ابن عبّاس فجعل يحدّث ويقول، قال رسول الله، قال رسول الله، فجعل ابن عبّاس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه.

فقال: يا بن عبّاس! ما لي لا أراك تسمع لحديثي، أُحدثك عن رسول الله ولا تسمع!!

فقال ابن عبّاس: إنّا كنّا مرّة إذا سمعنا رجلاً يقول (قال رسول الله) ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف(٢) .

نعم إنّ السياسة الأمويّة قد ابتنت على التحريف والإرهاب في حين أنّ الحقائق كانت واضحة للمحدّثين وحملة الآثار ولكنّهم لم يتمكّنوا من الإباحة بها.

فقد ورد أنّ هشام بن عبد الملك طلب من الزهريّ أن يروي أنّ قوله تعالى:( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٣) نزل في عليّ.

في حين نراه يحدّث معمّراً حديثاً في عليّ ويقول له: اكتم هذا الحديث واطوه دوني، فإنّ هؤلاء (أي الأمويّين) لا يعذرون أحداً في تقريظ عليّ وذكره.

قلت: فما بالك ادّعيت مع القوم يا أبا بكر!! وقد سمعت الذي سمعت؟!

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٦: ١٨٧، ح ٣٠٥٥٦، تاريخ دمشق ٥٩: ١٥٠، سير أعلام النبلاء ٣: ١٤٧، البداية والنهاية ٨: ١٣١.

(٢) صحيح مسلم ١: ١٣، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها، ح ٧، تهذيب الكمال ٤: ١٨٦.

(٣) النور: ١١.

٤٢٣

قال: حسبك يا هذا! إنّهم أشركونا في أموالهم فانحططنا لهم في أهوائهم(١) .

وقد جاء في رسالة الإمام عليّ بن الحسين - زين العابدين - للزهريّ ما يجسّم حاله، وما وقع فيه من مأزق مع الحكومة آنذاك وإليك نصّه:

(كفانا الله وإيّاك من الفتن، ورحمك من النار، فقد أصبحتَ بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك... فقد أثقلتك نعم الله بما أصحَّ من بدنك، وأطال من عمرك. وقامت عليك حجج الله بما حمَّلك من كتابه؛ وفقَّهك فيه من دينه، وعرَّفك فيه من سنّة نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله... فانظر أيّ رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حججه عليك كيف قضيتها.

ولا تحسبنَّ الله قابلاً منك بالتعذير، ولا راضياً منك بالتقصير، هيهات! هيهات! ليس كذلك أخذ على العلماء في كتاب إذ قال: (لتبيّننه للناس ولا تكتمونه)(٢) . واعلم أنَّ أدنى ما كتمت، وأخفَّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم؛ وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت؛ وإجابتك له حين دعيتُ... فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غداً من الخونة، وأن تُسأل عمَّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة؛ إنَّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك، ودنوت ممّن لم يردّ على أحد حقّاً، ولم تردّ باطلاً حين أدناك، وأحببت من حادّ الله؛ أو ليس بدعائه إيّاك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلّماً إلى ضلالهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشكَّ على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمّروا لك، فكيف ما خرَّبوا عليك، فانظر لنفسك، فإنَّه لا ينظر إليها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول، وانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه صغيراً وكبيراً، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه:

____________________

(١) المناقب لابن المغازليّ: ١٤٢ ح ١٨٦، جواهر المطالب ١: ٢٤٣.

(٢) آل عمران: ١٨٧.

٤٢٤

( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ... ) (١) الآية. إلى آخر الرسالة الخالدة(٢) .

وقد كان معاوية قد بذل أربعمائة ألف درهم لسمرة بن جندب لقاء وضعه لـ (رواية) مفادها أنّ قوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ ) (٣) قد نزلت في ابن ملجم قاتل عليّ، ففعل سمرة ذلك(٤) .

فوضْعُ الحديث لم يكن مستهجناً في عهد معاوية، ولم يكونوا يخافون الله ولا يتّقونه حقّ تقاته في وضع ما يفيدهم وتكذيب ومنع ما لا يعجبهم.

قال المدائنيّ: وظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث؛ ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا من مجلسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذي لا يستحلّون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنّون أنّها حقّ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ولما تديّنوا بها(٥) .

وقال الدهلويّ في رسالة الإنصاف:

(ولمّا انقرض عهد الخلفاء الراشدين أفضت الخلافة إلى قوم تولّوها بغير استحقاق، ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، فاضطّروا إلى الاستعانة بالفقهاء، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم، وكان بقي من العلماء من الطراز الأوّل، فكانوا إذا طُلِبُوا هربوا وأعرضوا، فرأى أهل تلك الأعصار - غير العلماء - إقبال الأمة عليهم مع إعراضهم، فاشتروا طلب العلم توصّلاً إلى نيل العزّ، فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزّة بالإعراض عن السلاطين أذلّة بالإقبال عليهم، إلاّ

____________________

(١) مريم: ٥٩.

(٢) تحف العقول: ٢٧٤.

(٣) البقرة: ٢٠٧.

(٤) شرح النهج ٤: ٧٣، شواهد التنزيل ١: ١٣٢.

(٥) شرح نهج البلاغة ١١: ٤٦ عن المدائني في كتاب (الأحاديث).

٤٢٥

مَن وفقه الله...)(١) .

وجاء في مناقب الإمام أبي حنيفة، للمكّي: أنّه لمّا دعي ليسأل عن مسألة فقهيّة من قِبَل أحد الأمويّين، قال أبو حنيفة: فاسترجعت نفسي لأنّي أقول فيها بقول عليّ رضي الله عنه وأدين الله به، فكيف أصنع؟

قال: ثمّ عزمت أن أصْدُقهُ وأفتيه بالدين الذي أدين الله به، وذلك أنّ بني أُميّة كانوا لا يفتون بقول عليّ ولا يأخذون به - إلى أنّ يقول - وكان عليّ لا يذكر في ذلك العصر باسمه، والعلامةُ عنه بين المشايخ أن يقولوا: قال الشيخ، ومنعوا الناس أنّ يسمّوا أبناءهم باسمه، ويتعرّض للبلاء من سمَّى ابنه عليّاً(٢) .

وجاء قريب من هذا عن الحسن البصريّ، فعن يونس بن عبيد، قال: سألت الحسن، قلت: يا أبا سعيد! إنّك تقول: قال رسول الله وإنّك لم تدركه!

قال: يا ابن أخي! لقد سألتني عن شيٍ ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك منّي ما أخبرتك، إنّي في زمان كما ترى - وكان في عمل الحجّاج - كلُّ شيٍ سمعتني أقول: قال رسول الله، فهو عليّ بن أبي طالب، غير أنّي في زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً(٣) .

وعن الشعبيّ: ماذا لقينا من آل أبي طالب؟ إن أحببناهم قُتلنا، وإن أبغضناهم دخلنا النار(٤) .

قال الشيخ أبو جعفر الإسكافيّ: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جُعْلاً يُرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير(٥) .

____________________

(١) انظر رسالة الإنصاف في دائرة المعارف لفريد وجدي مادة (جهد).

(٢) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ١: ٣٩٦ عن مناقب الإمام أبي حنيفة ١: ١١٧.

(٣) تهذيب الكمال ٦: ١٢٤، تدريب الراوي ١: ٢٠٤.

(٤) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢: ١١٢ كما في كتاب الإمام جعفر الصادق: ١٠٧.

(٥) شرح النهج ٤: ٦٣، المعرفة والتاريخ، للبسيويّ، ترجمة أبي هريرة.

٤٢٦

وقال ابن عرفة - المعروف بنفطويه: إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أُميّة، تقرّباً إليهم بما يظنّون أ نّهم يرغمون به أُنوف بني هاشم(١) .

نعم، إنّ هذه المواقف هي التي دعت الإمام الباقر أن يصرّح بقوله:(بلية الناس علينا عظيمة، إنْ دعوناهم لم يستجيبوا لنا، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا) (٢) .

وعن الإمام عليّ بن الحسين:ما زلتم تقولون فينا حتّى بغَّضتمونا إلى الناس (٣) .

وقد جاء في دعاء للإِمام عليّ بن الحسين عليه السلام:

اللّهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك... إلى أنّ يقول:... حتّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلا، وكتابك منبوذا، وفرائضك محرّفة عن جهات أشراعك، وسنن نبيّك متروكة و... (٤) وقال أيضاً وهو يشرح اختلاف الأمَّة:

وكيف بهم؟

وقد خالفوا الآمرين، وسبقهم زمان الهادين، ووُكلوا إلى أنفسهم، يتنسَّكون في الضلالات في دياجير الظلمات.

وقد انتحلت طوائف من هذه الأمَّة مفارقة أئمّة الدين، والشجرة النبويّة - أَخْلاَصِ الديانة، وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانيّة، وتغالوا في العلوم، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاته، وتحلّوا بأحسن السنّة، حتّى إذا طال عليهم الأمد - وبَعُدَتْ عليهم الشُقَّةُ، وامتُحنوا بمحن الصادقين، رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى، وعلم النجاة...

وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا، واحتجّوا بمتشابه القرآن، فتأوّلوه بآرائهم، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا، يقحمون في أغمار الشبهات، ودياجير الظلمات،

____________________

(١) النصائح الكافية: ٨٩، شرح النهج ١١: ٤٦، وراجع فجر الإسلام: ٢١٣.

(٢) إرشاد المفيد ٢: ١٦٨، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ٢٠٦، إعلام الورى بأعلام الهدى ١: ٥٠٨.

(٣) الطبقات الكبرى ٥: ٢١٤، تاريخ دمشق ٤١: ٣٩٢، تهذيب الكمال ٢٠: ٣٨٧، البداية والنهاية ٩: ١٢٢.

(٤) الصحيفة السجّاديّة: ٣٥١ الدعاء ١٥٠، من دعائه عليه السلام يوم الأضحى ويوم الجمعة.

٤٢٧

بغير قَبَس نور من الكتاب، ولا أثرة علم من مظانّ العلم، بتحذير مثبطين زعموا أنَّهم على الرشد من غيّهم.

وإلى من يفزعُ خَلَفُ هذه الأمّة؟!

وقد درست أعلام الملّة والدين بالفُرقة والاختلاف، يكفّر بعضهم بعضا، والله تعالى يقول: ( ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات ) (١) .

فمَنِ الموثوقُ به على إبلاغ الحجّة؟ وتأويل الحكمة؟ إلاّ إلى أهل الكتاب، وأبناء أئمّة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتجّ الله بهم على عباده، ولم يَدَع الخلق سدى من غير حجّة.

هل تعرفونهم؟

أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وبرّأهم من الآفات، وافترض مودّتهم في الكتاب؟! (٢) .

وقال عليه السلام لرجل شاجره في مسألة شرعيّة فقهيّة:

(يا هذا! لو صرت إلى منازلنا، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا، أفيكون أحد أعلم بالسنّة منّا) (٣) .

وقال أيضاً:

(إنَّ دين الله لا يُصاب بالعقول الناقصة، والآراء الباطلة، والمقاييس الفاسدة، لا يُصابُ إلاّ بالتسليم. فمَن سلَّم لنا سَلِمَ، ومَن اقتدى بنا هُدِي، ومَن كان يعمل بالقياس والرأي هلك) .

نعم(٤) إنّ الأمّة الإسلاميّة قد مُنيت بالتحريف، فجاء في تاريخ المذاهب الإسلاميّة لابن زهرة قوله:... لابدّ أن يكون للحكم الأمويّ أثر في اختفاء كثير من آثار عليّ في

____________________

(١) آل عمران: ١٠٥.

(٢) كشف الغمّة، للأربليّ ٢: ٩٨ - ٩٩.

(٣) نزهة الناظر، للحلوانيّ: ٤٥.

(٤) كمال الدين: ٣٢٤، ب ٣١، ح ٩.

٤٢٨

القضاء والإفتاء، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنوا عليّاً فوق المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه، وينقلوا فتاواه وأقواله، وخصوصاً ما يتّصل بأساس الحكم الإسلاميّ(١) .

ونحن لو أردنا التفصيل في مثل هذا لاحتاج بحثنا إلى مجلّداتٍ وأسفارٍ، لكنّنا نكتفي بما نقله ابن الأثير؛ كي تعرف حال أصحاب المدوّنات في عهد الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.

قال ابن الأثير: كان الحجّاج بن يوسف - والي العراق من قبل الأمويّين - قد ختم في يد جابر بن عبد الله [ الأنصاريّ ] وفي عُنق سهل بن سعد الساعديّ وأنس بن مالك [ الأنصاري ]، يريدُ إذلالهم، وأن يتجنّبهم الناس ولا يسمعوا منهم(٢) .

٢ - أهل البيت والتدوين

من الثابت المتواتر أنّ أهل البيت قد أباحوا التدوين؛ إذ كتب الإمام عليّ صحيفة عن رسول الله طولها سبعون ذراعاً بخطّه وإملاء رسول الله(٣) ، وقد جمع الدكتور رفعت فوزي عبد المطّلب ما رُوي من أحاديث هذه الصحيفة متناثراً في أبواب الفقه في كتاب أسماه بـ (صحيفة عليّ بن أبي طالب عن رسول الله، دراسة توثيقيّة فقهيّة)(٤) .

وقد كانت الصحيفة عند الأئمّة من ولد عليّ يتوارثونها ويحرصون عليها غاية الحرص، فعن الحسن بن عليّ:إنّ العلم فينا، ونحن أهله، وهو عندنا مجموع كلّه

____________________

(١) تاريخ المذاهب الإسلاميّة: ٢٨٥ - ٢٨٦.

(٢) الاستيعاب ٢: ٦٦٤، ت ١٠٨٩، أُسد الغابة ٢: ٣٦٦، ترجمة سهل بن سعد.

(٣) انظر أعيان الشيعة ١: ٣٣٠، وفي الفقيه ٤: ٤١٨، ح ٥٩١٤ عن الحسن بن فضال عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: للإمام علامات: يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخى الناس، وأعبد الناس... ويكون عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعداءه إلى يوم القيامة.

ويكون عنده الجامعة، وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جمع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر؛ أصاب ما عزّ وأصاب كبش، فيها جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى الجَلْدَة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة وهو في عيون أخبار الرضا ٢: ١٩٣ كذلك.

(٤) طبع هذا الكتاب سنة ١٤٠٦ هـ في حلب عن دار السلام.

٤٢٩

بحذافيره، وإنّه لا يحدث شيء إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش إلاّ هو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله وخطّ عليّ بيده (١) .

ولمّا سئل عن رأي أبيه في الخيار، أمر بإحضار ربعة فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول علي في الخيار(٢) .

وقد كان هذا الكتاب عند الإمام الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر، ثمّ الصادق و...(٣) .

فيبدو واضحاً للعيان اهتمام أولاد عليّ عليه السلام اهتماماً لا نظير له بهذه الصحيفة، حتّى أنّ الحسين لم يشغله ما هو فيه عن أن يُودع ما عنده عند ابنته الكبرى فاطمة لتسلّمها إلى الإمام عليّ بن الحسين؛ لكون تلك الكتب كنزاً من كنوز آل محمّد، ووديعة الرسول ‏صلّى الله عليه وآله عندهم(٤) . وقد وصل الاهتمام بفاطمة الزهراء بنت رسول الله أن تقول لجاريتها فضّة حين افتقدت الصحيفة(ويحك! اطلبيها فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً) (٥) .

هذا الاهتمام لم يكن اعتباطيّاً نابعاً عن رغبة شخصيّة؛ لأنّ معادلة الصحيفة بريحانتي رسول الله أمر يستحقّ التوقّف الطويل، إذ يبدو أنّ العلم المكنون في هذه الصحيفة يعادل ما عند الإمامين الحسن والحسين من علم عن رسول الله، وأنّ ما ترفد به هذه الصحيفة المسلمين يعادل ما يرفد به الإمامان أُمّة رسول الله‏ صلّى الله عليه وآله.

هذه الرعاية المتزايدة للمدوّنات بصورة عامّة، وكتاب عليّ خاصّة عند مدرسة التعبّد، لا نجد لها أثراً عند المدرسة المقابلة - مدرسة الرأي والاجتهاد - فأُثِرَ عن أبي بكر حرقه لمدوّنته، وعن عمر حرقه لمدوّنات الآخرين، وعن عثمان حرقه

____________________

(١) الاحتجاج، للطبرسيّ ٢: ٦، البحار ٤٤: ١٠٠.

(٢) العلل، لابن حنبل ١: ٣٤٦.

(٣) انظر بصائر الدرجات: ١٦٤، باب في الأئمةعليهم السلام أن عندهم الصحيفة الجامعة التي هي إملاء رسول الله‏صلّى الله عليه وآله وخط علي‏ عليه السلام.

(٤) الكافي ١: ٣٠٣ باب الإشارة والنص على علي بن الحسين عليه السلام، ح ١، بصائر الدرجات: ١٦٨ باب ١٣، ح ٩، الإمامة والتبصرة: ٦٣،.

(٥) المعجم الكبير للطبراني ٢٢: ٤١٣، باب ما أسندت فاطمة عليها السلام.

٤٣٠

للمصاحف، وعن معاوية أمره بالإقلال من الحديث إلاّ حديثاً روي على عهد عمر بن الخطّاب، وهكذا باقي الخلفاء، بخلاف أهل البيت الذين واصلوا التدوين وحفظوا المدوّنات، منذ بداية التشريع الإسلاميّ ونزول الوحي إلى وقت متأخّر.

فقد ورد أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أمَرَ عليّاً بالتدوين وقال له:اكتب ما أُملي عليك، فقال عليّ:يا نبي الله! أَوَ تخاف؟ قال:لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك أن يحفظك فلا ينساك، لكن دوّن لشركائك، قال:ومن شركائي يا رسول الله؟ قال:الأئمّة من ولدك (١) .

وهذا يجعلنا نتيقّن بأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أراد أن يحفظ شريعته بواسطة التدوين عند أهل بيته وغيرهم؛ لتبقى المدوّنات ذخراً وتراثاً علميّاً لأجيال المسلمين في العصور المتأخّرة.

فاستعانة أئمّة أهل البيت بكتاب عليّ ونظرهم فيه وإشهادهم الآخرين عليه جاء لتوثيق ما يقولونه وينقلونه عن رسول الله، وأنّه لم يأتِ جزافاً عن رأي، بل له أصل عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله.

فعن الصادق أنّه قال:كان عليّ بن الحسين إذا أخذ كتاب عليّ فنظر فيه، قال: مَن يطيق هذا؟! (٢)

وفي الإرشاد للمفيد: عن الباقر: أنَّ والده السجّاد قال له:يا بنيّ أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب، فأعطيته، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمَّ تركها من يده تضجّراً وقال: من يقوى على عبادة عليّ (٣) .

والذي يستوقفنا في هذين النصّين، هو: هل اختص كتاب عليّ ببيان الفرائض الشرعيّة والأحكام الفقهيّة فقط؟ أم أنّه شمل علوماً أُخرى غيرها؟!

الذي يؤكّد عليه هذان النصّان هو أنّ الكتاب كان يحتوي على أُصول العبادات ومستحبّاتها، وقد حفظ في طيّاته جميع أُصول ومباني الدين الإسلاميّ كوحدة

____________________

(١) انظر بصائر الدرجات: ١٨٧، باب ما عند الأئمة من سلاح رسول الله، ح ٢٢، الإمامة والتبصرة: ٥٤، الباب ٦، ح ٣٨، وفيه ينسيك.

(٢) الكافي ٨: ١٦٣ رقم الحديث ١٧٢.

(٣) الإرشاد للمفيد ٢: ١٢٦، مناقب آل أبي طالب ٣: ٢٩٠، إعلام الورى ١: ٤٨٧.

٤٣١

متجانسة متكاملة، وفيه ما يحتاج إليه المسلمون، ولمّا وقف الإمام زين العابدين على المستحبّات والنوافل والسنن التي في الكتاب قال وهو ذو الثفنات المعروف بكثرة عبادته وقيامه وصيامه:مَن يطيق هذا؟

فنهج التدوين والمحافظة على المدوّنات كان ديدن أئمّة أهل البيت وأتباعهم، مقابل الإحراق والإتلاف ومنع التحديث والتدوين والكتابة الذي دأب عليه أصحاب مدرسة (الاجتهاد والرأي)، وهذا ما لا يدع مجالاً للشكّ بأوثقيّة وأضبطيّة (ما هو الحجّة) عند أهل البيت ونهج التعبّد دون ما عند المدرسة المقابلة من موروث مختلط متأثّر بشتّى العوامل وشتّى الآراء بدءاً من تشريع الاجتهاد والرأي قبال النصّ، ومروراً بتثبيت القياس والاستعانة بالأصول الجديدة المطروحة لاحقاً، وانتهاءً بما لا نهاية له من آراء واتّجاهات.

وإذا رجعنا إلى حديث الصحيفة التي كانت في حوزة الإمام محمّد بن عليّ الباقر وابنه جعفر بن محمّد الصادق وجدنا التركيز والاهتمام المتزايد عليها.

فعن عذافر الصيرفيّ قال: كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر (أي الباقر) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر له مكرماً، فاختلفا في شيء! فقال أبو جعفر:يا بنيّ! قم، فأخرِج كتاب عليٍّ.

فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وفتحه، وجعل ينظر، حتّى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر:هذا خط عليّ وإملاء رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وأقبل على الحَكَم، وقال: يا أبا محمّد! اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم - يميناً وشمالاً - فو الله لا تجدون العلم، أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل ‏عليه السلام(١) .

وفي حديث آخر جاء في جواب الإمام الباقر للحكم بن عتيبة حينما سأله عن تقسيم الأسنان؟ قوله:(هكذا وجدناه في كتاب عليّ) (٢) .

____________________

(١) رجال النجاشيّ: ٣٦٠ ترجمة ٩٦٦.

(٢) انظر الكافي ٧: ٣٢٩، باب الخلقة، ح ١ وقد تكرر هذا القول على لسان الأئمّة عليهم السلام في أكثر من موضع

=

٤٣٢

وعن زرارة بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عن الجدّ، وذكر الحديث إلى أن قال: فأقبل على ابنه جعفر فقال له:أقْرئْ زرارة صحيفة الفرائض... فأخرج إليَّ صحيفة مثل فخذ البعير... فلمّا ألقى إليَّ طرف الصحيفة، إذا كتاب غليظ، يُعرف أنّهُ من كتب الأوّلين، فنظرتُ فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي النّاس... فلمّا أصبحت لقيت أبا جعفر، فقال لي:أقرأت صحيفة الفرائض؟... فإنّ الذي رأيت والله يا زرارة هو الحقّ، الذي رأيت إملاء رسول الله وخطّ عليّ بيده... وقد حدّثني أبي عن جدّي أنّ أمير المؤمنين حدّثه ذلك... (١) .

وعن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال:إنّ في كتاب عليّ: أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرُّ به... (٢)

وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله قال: في كتاب عليّ:أنّ نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه القضاء... (٣) .

وهذا النصّ يؤكّد قولنا عن موسوعيّة (كتاب عليّ) وأنّه شمل العلوم الدينيّة والدنيويّة التي جاء بها النبيّ صلّى الله عليه وآله عن الله عزّ وجلّ؛ إذ إنّ هذا النصّ يؤكّد وجود أخبار الأنبياء والأمم السالفة في كتاب عليّ(٤) ، وأنّه دوّنها من فِلْقِ فَمِ رسول الله، وقد وصلنا

____________________

=

ومسألة فقهية انظر مختلف الشيعة ٩: ٣٦٧ في قضاء العين والجوارح، وعن أبي عبد الله في المهذّب البارع ٥: ٢٢٨. في الديّات، ومجمع الفائدة ١١: ٥٢٤ في الميراث، وغيرها من كتبنا.

(١) الكافي ٧: ٩٥، ح ٣ المواريث، باب ميراث الولد مع الأبوين.

(٢) الكافي ٧: ٤١٤ ح ٣ و ٤ القضاء باب أنّ القضاء بالبيّنات.

(٣) الكافي ٧: ٤١٤ ح ٣ و ٤ القضاء باب أنّ القضاء بالبيّنات.

(٤) عن ابن أُذينه، عن بريد العجلي، قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عزّ وجلّ:( إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) قال:إيانا عنى، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح .

قال المازندراني في شرح‏أصول الكافي ٦: ٨٤ قوله (الكتب والعلم والسلاح): أُريد بالكتب الكتاب الذي جمعه علي بن أبي طالب، والجفر الأبيض الذي فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم، ومصحف فاطمة الذي كتبه علي عند نزول جبرئيل إليها وإخباره بما يكون إلى يوم القيامة، وفيه جميع ما يحتاج إليه الناس، والجامعة وهي صحيفة كتبها علي بخطه من إملاء الرسول. والجفر وهو مشتمل على علم النبيين والوصيين وعمل العلماء الذين مضوا، والصحيفة التي جاء بها جبرئيل الأمين في الوصية من عند ربّ العالمين.

=

٤٣٣

من كتاب عليّ أخبار الديانات السابقة، ومَن مسخوا وعذّبوا و...

ولكي تقف على ضخامة كتاب عليّ وموسوعيته إليك بعض المنقولات التي وصلت من هذا الكتاب العظيم، مثل:

سؤر الهرّة(١) والوضوء من غسل الجنابة(٢) وأحكام الجنائز، ووقت فضيلة الظهر والعصر والتشهد في الصلاة(٣) وحكم المحرم يموت كيف يصنع به(٤) والصلاة في وبر كلّ شي حرام لحمه(٥) والتشهد في الصلاة(٦) إنّ الله يؤجر على كثرة الصلاة والصوم(٧) ، وعدالة إمام الجماعة(٨) وأدب الدعاء(٩) ومنع الزكاة(١٠) ومسائل في الأمر بالمعروف، وظهور الزنا وقطيعة الرحم(١١) والصوم للرؤية(١٢) ولبس الطيلسان للمحرم(١٣) وصيد المحرم(١٤)

____________________

=

وبالعلم: العلم الذي اختص به الإمام، وهو العلم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

وبالسلاح: سلاح رسول الله مثل: المغفر والدرع والراية والقميص والسيف والخاتم وغيرها...

(١) التهذيب ١: ٢٢٧، ح ٦٥٥ و ٩: ٨٦، ح ٣٦٤، وانظر الكافي ٣: ٩، باب الوضوء من سؤر الدواب، ح ٤.

(٢) التهذيب ١: ١٣٩، ح ٣٩٨.

(٣) التهذيب ٢: ٢٣، ح ٦٤، الاستبصار ١: ٢٥١، ح ٩٠٠٢٧، منتهى المطلب ١: ٢٠٧، الوسائل ٤: ١٤٤، ح ٤٧٥٤ و ١٤٧ ح ٤٧٦٦.

(٤) وفيه أربع روايات الأولى عن عبد الله بن سنان (انظر التهذيب ٥: ٣٨٣، ح ١٣٣٧) والثانية عن أبي مريم (انظر الكافي ٤: ٣٦٨، باب المحرم يموت، ح ٣) والثالثة والرابعة عن عبد الرحمان ابن أبي عبد الله (انظر التهذيب ٥: ٣٨٣، ح ١٣٣٧).

(٥) الكافي ٣: ٣٩٧، باب اللباس الذي تكره الصلاة فيه، ح ١، التهذيب ٢: ٢٠٩ ح ٨١٨، الاستبصار ١: ٣٨٣، ح ١٤٥٤، عوالي اللئالىَ ٣: ٧٤، ح ٣٤.

(٦) بصائر الدرجات: ١٦٥، ح ١٤.

(٧) بصائر الدرجات: ١٨٥، ح ١١، الوسائل ٤: ١٠٣، ح ٤٦٣٠ و١٠: ٤٠٧، ح١٣٧١٤.

(٨) التهذيب ٣: ٢٨، ح ٩٦.

(٩) الكافي ٢: ٤٨٤، ح ٢ و ٤٨٥، ح ٧، الوسائل ٧: ٨٠، ح ٨٧٨٥.

(١٠) الكافي ٣: ٥٠٥، باب منع الزكاة، ح ١٧، الوسائل ٩: ٢٦، ح ١١٤٣١.

(١١) العلل ٢: ٥٨٤، الباب ٣٨٥، ح ٢٦، وأمالي الصدوق: ٣٨٥، ح ٤٩٣.

(١٢) التهذيب ٤: ١٥٨، ح ٤٤١، الاستبصار ٢: ٦٤، ح ٢٠٨، الوسائل ١٠: ٢٥٥، ح ١٣٣٤٩.

(١٣) الكافي ٤: ٣٤٠، ح ٧، الفقيه ٢: ٢١٧، ح ٢١، علل الشرائع ٢: ٤٠٨، ح ١.

(١٤) التهذيب ٥: ٣٤٤ ح ١١٩٠ و ١١٩١ و ٣٥٥، ح ١٢٣٣، الاستبصار ٢: ٢٠٣، ح ٣، الكافي ٤: ٣٨٩ ح ٥ و ٤: ٣٩٠ ح ٩، عوالي اللئالي ٣: ١٧٣ ح ٨٦ و ٨٨.

٤٣٤

والشكّ في أشواط الطواف(١) و إعطاء الأمان لمن لحق بالمسلمين(٢) ، ومال الابن(٣) ومعنى الشيء في الوصيّة(٤) وعدّة مسائل في النكاح(٥) والأيمان(٦) وأكل البازي والصقر(٧) ومسائل في الصيد والذكاة(٨) وما يقطع من إليات الضأن(٩) ، وتحريم أكل الجرّي والمارماهي والطافي(١٠) والزمير(١١) والطحال وما ألقاه البحر(١٢) والجريث(١٣) ولحم الحمر الأهليّة(١٤) وحكم الأراضي(١٥) والفرائض والمواريث(١٦) والقضاء(١٧) والحدود(١٨)

____________________

(١) التهذيب ٥: ١٥٢، ح ٥٠٢، الاستبصار ٢: ٢٤٠، ح ٨٣٥، الوسائل ١٣: ٣٦٦، ح ١٧٩٦٦، و ٣٦٧، ح ١٧٩٧٢.

(٢) الكافي ٥: ٣١، ح ٥. (٣) التهذيب ٦: ٣٤٣، ح ٩٦١.

(٤) الكافي ٧: ٤٠، ح ١، والفقيه ٤: ١٥١، ح ١، والتهذيب ٩: ٢١١، ح ٨٣٦ ومعاني الأخبار ٢١٧، ح ١.

(٥) الفقيه ٣: ٢٦٣، ح ٣٧ و ٢٨٦، ح ٦، والكافي ٥: ١٣٥، ح ٥ و ٤٥٢، ح ١، التهذيب ٧: ٤٣٢، ح ١٧٢٣ و ٤٨١، ح ١٩٣٢، في الاستبصار ٣: ٤٨، ح ١٥٨.

(٦) الكافي ٢: ٣٤٧، ح ٤، الفروع ٧: ٤٣٦، ح ٩، والخصال ١: ١٢٤، ح ١١٩، ثواب الأعمال: ٢٧٠، ح ٨.

(٧) الكافي ٦: ٢٠٢، ح ١ و ٢٠٧، ح ١، التهذيب ٩: ٢٢، ح ٨٨، تفسير العيّاشيّ ١: ٢٩٤، ح ٢٨ و ٢٩٥،ح ٣٠.

(٨) الكافي ٦: ٢٣٢، ح ١ و ٣، الفقيه ٣: ٢١٠، ح ٦١، التهذيب ٩: ٥٧، ح ٢٣٧، الوسائل ٢٤: ٢٣، ح ٢٩٨٩١ و ح ٢٩٨٩٢ و ٦٥، ح ٣٠٠١٠، و١٣٦، ح ٣٠١٧٥.

(٩) الكافي ٦: ٢٥٤، ح ١، الفقيه ٣: ٢٠٩، ح ٥٧.

(١٠) التهذيب ٩: ٥، ح ١٢، الاستبصار ٤: ٥٩٠، ح ٥، العوالي ٣: ٤٦٤، ح ٩.

(١١) الكافي ٦: ٢١٩، ح ١، التهذيب ٩: ٢، ح ١.

(١٢) التهذيب ٩: ٩، ح ١٨، الوسائل ٢٤: ١٣٤، ح ٣٠١٧٠.

(١٣) التهذيب ٩: ٤، ح ٩ و ١٠، الاستبصار ٤: ٥٨، ح ٢٠١ و ٥٩، ح ٣.

(١٤) التهذيب ٩: ٤٠، ح ١٦٩.

(١٥) الكافي ١: ٤٠٧، ح ١، الكافي ٥: ٢٧٩، ح ٥، التهذيب ٧: ١٥٢، ح ٦٧٤، الاستبصار ٣: ١٠٨، ح ٣٨٣، والعيّاشيّ في تفسيره ٢: ٢٥، ح ٦٦، والوسائل ٢٥: ٤١٤، ح ٣٢٢٤٦، المستدرك ١٧: ١١٢، ب ٢، ح ١.

(١٦) كرواية أبي أيوب الخزار المروية في الكافي ٧: ٧٧، ح ١، والتهذيب ٩: ٢٦٩، ح ٩٧٦ وأبي الربيع المروية في الفقيه ٤: ٣٠٦، ح ١٣، والقاسم بن سليمان المروية في التهذيب ٩: ٣٠٨، ح ١١٠٣، وعبد الرحمان بن الحجاج المروية في الكافي ٧: ١٣٦، ح ١، والفقيه ٤: ٢٢٥، ح ١، جميعاً عن الصادق عليه السلام، وفي العوالي ٢: ١٥٢، ح ٤٢٤، والدعائم ٢: ٣٨١، ح ١٣٦١.

(١٧) الكافي ٧: ٤١٤، ح ٣ و ٤١٥، ح ٧، التهذيب ٦: ٢٢٨، ح ٥٥٠ و ٥٥١ عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم وزرارة، وانظر بصائر الدرجات: ١٦٣، ح ٧.

(١٨) الفقيه ٤: ٥٣، ح ١٤، المحاسن ١: ٢٧٣، ح ٣٧٧، ب ٣٧، التهذيب ١٠: ١٤٦، ح٥٧٩، العوالي ٣: =

٤٣٥

والديات(١) والزنا(٢) والكبائر(٣) وأكل مال اليتيم(٤) وعقاب المعاصي(٥) والجدّ في العبادة(٦) وابتلاء المؤمن(٧) ومثل الدنيا(٨) وحسن الظنّ بالله(٩) وحرمة الجار(١٠) والخلق(١١) وأصحاب السبت(١٢) وطلب العلم(١٣) وديّة الأسنان(١٤) وغيرها الكثير الكثير من تشقيقات المسائل والعلوم.

وما ذكرناه ما هو إلاّ نماذج متنوّعة من كتاب عليّ، ولم يكن بالجرد الدقيق لتلك المرويّات في مصنّفات الشيعة الإماميّة، قد جئنا بها لإيضاح التخالف الموجود بين المدرستين في الفقه، والخلاف الذي صار فيه بين المسلمين بعد أن كان في أمر الخلافة، مشيرين إلى أنّ مدرسة التعبّد المحض كانت تتمسّك بكتاب عليّ؛ كي تبرهن على أصالتها واستقائها من رسول الله والوحي، ومن هذا المنطلق جاء التعتيم على

____________________

=

٥٤٩، ح ١٨، الكافي ٧: ٢٠٠، ح ١٢ و ٢١٤، ح ٤ و ٢١٦، ح ١١، التهذيب ١٠: ٥٥، ح ٢٠٣، و ص ٩٠، ح ٣٤٨ و ٣٤٥، و ص ١٠٨، ح ٤٢١ وغيرها.

(١) الكافي ٧: ٣١٦، ح ١ و ٣٢٩، ح ١، الكافي ١: ٢٣٨، ح ١، التهذيب ١٠: ٢٥١، ح ٩٩٦، و ٧٠، ح ٢١٠٦٣ و ٢٧٧، ح ٩، و ٢٥٤، ح ١٠٠٥، الاستبصار ٤: ٢٦٦، ح ١٠٠٤، ح ٧٢ و ٦٣٠، ح ٥٥، الخصال: ٥٣٩، ح ٩، البصائر: ١٧١، ح ٣.

(٢) المحاسن ١: ١٠٧، ح ٩٣، ب ٤٦، الكافي ٥: ٥٤١، ح ٤.

(٣) الكافي ٢: ٢٧٨، ح ٨، الوسائل ١٥: ٣٢١، ح ٢٠٦٣١.

(٤) ثواب الأعمال: ٢٣٣، عقاب أكل مال اليتيم، والعيّاشيّ في تفسيره ١: ٢٢٣، ح ٣٩، والمستدرك ١٣: ١٩٠، ح ٣، ب ٥٨ والوسائل ١٧: ٢٤٧، ح ٢٢٤٤٣.

(٥) ثواب الأعمال: ٢٥٤، أمالي الصدوق: ٣٨٥.

(٦) الكافي ٨: ١٣٥، ح ١٠٠ و ١٦٣، ح ١٧٢، الوسائل ١: ٩١، ح ٢١٥.

(٧) التمحيص: ٤٤، ح ٥٥، الكافي ٢: ٢٥٩، ح ٢٩، علل الشرائع ١: ٤٤، ح ١.

(٨) الكافي ٢: ١٣٦، ح ٢٢، تنبيه الخواطر ٢: ١٩٤.

(٩) الاختصاص: ٢٢٧، الكافي ٢: ٧١، ح ٢.

(١٠) الكافي ٢: ٦٦٦، ح ٢.

(١١) تفسير القمّيّ ١: ٣٦، تفسير العيّاشيّ ١: ٢٦، ح ٢، البحار ١١: ١٢٧، ح ٥٥.

(١٢) تفسير القمّيّ ١: ٢٤٤، تفسير العيّاشيّ ٢: ٣٣، ح ٩٣، البحار ١٤: ٥٢، ح ٥، ب ٤.

(١٣) الكافي ١: ٤١، ح ١، البحار ١: ١٠٦، ح ٢، ب ٣ و ٢: ٦٧، ح ١٤ و ٢٢٧، ح ٥، ب ٢٩، كشف الغمّة ٢: ٣٤٦.

(١٤) وقد شرحها الإمام للحكم بن عيينة انظر الكافي ٧: ٣٢٩، ح ١، الفقيه ٤: ١٠٤، ح ١٢، التهذيب ١٠: ٢٥٤، ح ١٠٠٥، والاستبصار ٤: ٢٨٨، ح ١٠٨٩، الاختصاص: ٢٥٤.

٤٣٦

هذا الكتاب من قبل مانعي التدوين، ممّا جعل البعض يستغرب ما فيه من أحكام؛ لأنّه لم يطرق سمعه بها من قبل!

الإمام عليّ بن أبي طالب‏ (عليه السلام)

لم ينحصر عمل الإمام فيما كتبه في (الكتاب) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ إذ نصّت المصادر على أنّ عليّاً كان قد دوّن كتباً أُخرى استقيت من علم رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد نسب الشريف المرتضى المتوفّى ٤٣٦ هـ إلى الإمام كتاب (المحكم والمتشابه في القرآن)(١) ، والأشعريّ القمّيّ المتوفّى ١٠٣ هـ نسب إليه كتاب (ناسخ القرآن ومنسوخه)(٢) ، والحافظ ابن عقدة الكوفيّ المتوفّى ٣٣٣ هـ ذكر للإمام (ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن)(٣) .

أمّا أولاد الإمام عليّ وأصحابه فقد دوّن كلّ منهم كتباً في جميع المجالات اقتداءً برائد التدوين الإسلاميّ، الإمام عليّ بن أبي طالب.

فجاء عن الحارث الأعور الهمدانيّ أنّه روى كتاباً كاملاً عن أمير المؤمنين(٤) .

وعن أبي رافع أنّه روى عن عليّ كتاباً(٥) .

وأمّا ربيعة بن سميع، فقد روى الزكاة عن أمير المؤمنين في كتاب، كتبه عليه السلام له بخطّه لمّا بعثه على الصدقات(٦) .

ولميثمّ بن يحيى التمّار كتاب كان متداولاً حتّى القرن السابع الهجريّ، حيث أخذ

____________________

(١) انظر الذريعة ٢٠: ١٥٤ - ١٥٥.

(٢) رجال النجاشيّ: ١٧٧ رقم ٤٦٧، الذريعة ٤: ٢٧٦ و ٢٤: ٨، البحار ١: ١٥ و ٣٢ و ٨٤: ٣٨٢ و ٩٢: ٤٠ و ٦٦.

(٣) أعيان الشيعة ١: ٣٢١، البحار ٩٣: ٣.

(٤) رجال النجاشيّ: ٧ ذيل رقم ٢، الفهرست للطوسيّ: ٦٢ رقم ١١٩.

(٥) رجال النجاشيّ: ٦ رقم ١، تأسيس الشيعة: ٢٨٠.

(٦) رجال النجاشيّ ٧ و ٨ رقم ٣، نقد الرجال للتفرشي ٢: ٢٣٨، ت ١٩٥٧.

٤٣٧

منه الطبريّ مباشرة(١) .

والأصبغ بن نباتة المجاشعيّ روى قسم القضاء عن عليّ، وقد طبع هذا باسم (أقضية أمير المؤمنين)(٢) أو (عجائب أحكام أمير المؤمنين)(٣) .

ولسليم بن قيس كتاب يرويه عنه أبان بن عيّاش.

وهناك كتب أُخرى لصحابة وتابعين آخرين نقلوها أو أخذوا علومها عن عليّ بن أبي طالب، فقد جاء في الأشباه والنظائر للسيوطيّ عن ابن عساكر: أنّ بعض النحاة كان يذكر أنّ عنده تعليقة أبي الأسود التي ألقاها إليه عليّ بن أبي طالب(٤) .

وجاء عنه عليه السلام أنّه كتب عهداً لمالك الأشتر النخعيّ لمّا ولاّه مصر، وقد طبع هذا الكتاب ضمن نهج البلاغة كما طُبِعَ مستقلاً، وقد دوّن عليه الأعلام شروحاً كثيرة؛ لأهمّيّته وضخامة فكرة الإمام في السياسة والإدارة والاجتماع فضلاً عن حقوق الراعي والرعيّة.

وعن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبيه، قال: خطبنا عليّ فقال:مَن زعم أنَّ عندنا شيئاً نقرأه ليس في كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة - قال: صحيفة معلّقة في قراب سيفه، فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات -فقد كذب (٥) .

وعن طارق، قال: رأيت عليّاً على المنبر وهو يقول:ما عندنا كتاب نقرأه عليكم إلاّ كتاب الله وهذه الصحيفة (٦) .

فإنّ هذين النصّين - وما شابههما من النصوص - يكشفان معالم مهمّة حول كتاب

____________________

(١) تأسيس الشيعة: ٢٨٣.

(٢) الذريعة ٢: ٢٧٣، الرقم ١١٠٥ قائلاً ألّفه بعض الأصحاب.

(٣) انظر الذريعة ١٧: ١٥٢، الرقم ٧٩٤.

(٤) الأشباه والنظائر، للسيوطيّ ١: ١٢ - ١٤ عن تاريخ دمشق ٧: ٥٥، أنباء الرواة، للقفطيّ ١: ٣٩، سِيَر أعلام النبلاء ٤: ٨٤.

(٥) تقييد العلم: ٨٨، جامع بيان العلم وفضله ١: ٧١، وانظر البخاريّ ٦: ٢٦٦٢، ح ٦٨٧٠، وصحيح مسلم ٢: ٩٩٥، ح ١٣٧٠.

(٦) تقييد العلم: ٨٩.

٤٣٨

عليّ والتدوين؛ إذ يبدو أنّ قسماً من المسلمين نتيجة لتراكم الجهل بالتدوين وفوائده، والتحديث وآثاره، والجهل بالتنزيل والتأويل و و...، نتيجة لذلك كلّه كان بعض المسلمين يستغربون أن يكون عند عليّ عليه السلام كتاب أو كتب في علوم الإسلام، ولعلّهم كانوا يرمونه بأنّه كتاب (غير كتاب الله) أو أنّه (قرآن آخر) كما يزعمه اليوم بعض كتّاب المسلمين، الذين لم يحيطوا علماً بدقائق أُمور التدوين والمدوّنات الموجودة في الصدر الأوّل، فكأنّ الإمام عليّ بن أبي طالب أراد أن يوضّح حقيقة الأمر، وأنّه إنّما يستلهم علومه من كتاب الله والصحيفة التي كتبها عن رسول الله، التي هي بمنزلة تفسير شامل للقرآن الكريم وما نزل به الوحي في جميع أبعاده ومفاداته، وليس فيما يقول به شيء خارج عن هذين المصدرين الأساسيّين.

فكلام الإمام عليّ هذا ناظر إلى دفع شبهة أو فِرية وجود كتاب آخر يضاهي أو يغاير كتاب الله؛ فلذلك خصّ الراوي مقدار الجراحات وشيء من أسنان الإبل وغيرها بالذكر التفصيليّ؛ لأنّها معهودة عندهم وعرفوا حكمها على عهد رسول الله، وليس فيها شيء ممّا لم يطرق أسماعهم إجمالاً وإن جهلوا محتوياته تفصيلاً، وكأنّ ذلك المقام اقتضى أن يخصّ بالذكر الصحيفة، إذ الكلام ليس مسوقاً لنفي مدوّنات أُخرى عند الإمام علي‏ عليه السلام؛ وذلك لثبوت كتب أُخرى عند أهل البيت‏ عليهم السلام غير هذه كما سيأتي تفصيله.

وبهذا يكون معنى قوله (وهذه الصحيفة) إشارة إلى أنّه لا يقول بشيء إلاّ وقد صدر عن رسول الله فيه أصل.

والحقّ أنّ (كتاب عليّ) كان هو رأس العلوم وأجلّ الكتب قدراً عند أهل البيت؛ فلذلك كان تأكيد عليّ وأولاده عليه تأكيداً شديداً، حتّى أنّ ابن سيرين تمنّى أن يرى ذلك الكتاب أو يحصل عليه؛ لقوله: لو أصبت هذا الكتاب لكان فيه العلم(١) .

إنّ عليّ بن أبي طالب كان من أشدّ المؤكّدين والمناصرين لتدوين العلم عموماً،

____________________

(١) الإمام جعفر الصادق، لعبد الحليم الجنديّ: ١٩٩.

٤٣٩

والنبويّ منه على وجه الخصوص؛ فعن الحارث عن عليّ، قال:مَن يشتري منّي علماً بدرهم ، قال: فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم، ثمّ جئت بها(١) ، هذا إلى نصوص أُخرى كثيرة في حثّه على التدوين ومشروعيته، منها قوله:(قيّدوا العلم، قيّدوا العلم) (٢) ، وقوله:(الخَطَّ علامة، فكلّ ما كان أبْينَ كان أحسن) (٣) .

وقوله لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع:أَلِقْ دواتك، وأطِلْ جلفة قلمك، وأفرِج بينَ السطور، وقرمط بين الحروف... الخ(٤) .

وقوله:أطل جلفة قلمك وأسمنها، وأيمن قطتك، وأسمعني طنين النون، وحوّر الحاء، وأَسمن الصاد، وعرّج العين، واشقق الكاف، وعظّم الفاء، ورتّل اللام، وأسلس الباء والتاء والثاء، وأقم الزاي وعَلِّ ذنبها، واجعل قلمك خلف أُذنك يكون أذكرُ لك (٥) .

وهذه الوصايا الدقيقة في علم الخطّ الذي هو ركن مهمّ من أركان التدوين ما زالت إلى اليوم أُصولاً يحتذيها الخطّاطون ويشتقّون منها براعتهم في تجويد الخطّ العربيّ، نعم إنّ أهل البيت كانوا يهتمّون بأمر التدوين إلى أقصى ما يمكن؛ إذ تراهم يرشدون أصحابهم والكتّاب إلى مراعاة نكات دقيقة جدّا، وهذه النصوص خير دليل لنفي ما نسب إلى الإمام عليّ من أنّه كان ينهى عن تدوين الكتب والاحتفاظ بها، وخير شاهد على ما قلناه من دور للحكّام في الوضع والاختلاق!!

ولكي يتضح لك صحّة ما قلناه أكثر فأكثر، وعظمة كتاب على وان فيه العلم الغزير وأنّ الأمويين كانوا يريدون تحريف ما قاله الإمام علي فاقرأ ما رواه إبراهيم بن محمد الثقفي (ت ٢٨٣ هـ) في الغارات، فإنّه بعد أن أتى بكتاب الإمام علي إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر - في شرائع الدين - قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان، عن

____________________

(١) الطبقات الكبرى ٦: ١٦٨، تقييد العلم: ٩٠، تاريخ بغداد ٨: ٣٥٥.

(٢) تقييد العلم: ٨٩، ٩٠.

(٣) كنز العمّال ١٠: ٣١٢ ح ٢٩٥٦٢.

(٤) نهج البلاغة ٤: ٧٥، باب المختار من حكم أمير المؤمنين الخطبة ٣١٥، كنز العمّال ١٠: ٣١٢، ح ٢٩٥٦٣ مثله.

(٥) كنز العمّال ١٠: ٣١٣، ح ٢٩٥٦٤.

٤٤٠