اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)0%

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 241

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 241
المشاهدات: 97452
تحميل: 6366

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 241 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97452 / تحميل: 6366
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

اعلام الهداية - الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس وظلّ مختفياً مع أخيه إبراهيم ، وقد انتشرت دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمد هذا .

ولمّا انتهت الأنباء بشهادة عبد الله وسائر السادة الذين كانوا معه إلى محمد ; أعلن محمّد ثورته في المدينة وبايعه الناس وحتى الفقهاء منهم وقد استبشروا ببيعته ، وحينما انتشر الأمر سارع أهالي اليمن ومكّة إلى بيعته وقام خطيباً فيهم فقال :

أمّا بعد : أيّها الناس فإنّه كان من أمر هذا الطاغية عدوّ الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبّة الخضراء التي بناها معانداً لله في ملكه تصغيراً للكعبة الحرام ، وإنّما أُخذ فرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، وإنّ أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار المواسين .

اللّهمّ إنّهم قد أحلّوا حرامك وحرّموا حلالك وآمنوا مَن أخفت وأخافوا مَن آمنت ، اللّهمّ فاحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً(١) .

ولمّا علم المنصور بالثورة وجّه جيشاً يقدّر بأربعة آلاف فارس بقيادة عيسى بن موسى ، وبعد أن اندلعت الحرب بين الفريقين ، خارج المدينة ، رغبة من محمد وحفاظاً على سكّانها من عبث جيش المنصور وأُصيب محمد بن عبد الله بجراح خطيرة بسبب تفرّق جنده ، وبرك إلى الأرض ، فبادر الأثيم حميد بن قحطبة فاحتزّ رأسه الشريف(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك : ٦ / ١٨٨ ـ ١٨٩ .

(٢) اليعقوبي : ٢/٣٧٦ والمسعودي : ٣/٢٩٤ ـ ٢٩٦ وعن الطبري في الكامل في التاريخ : ٥/٥٤٩ .

٢٠١

موقف الإمامعليه‌السلام من الثورة :

لقد حذّر الإمام الصادقعليه‌السلام عبد الله بن الحسن من الترويج لابنه محمّد على أساس أنّه المهدي لهذه الأمة ، وأخبرعليه‌السلام بمستقبل الأحداث ونبّه على أنّها ستنتهي باستشهاد محمد وأخيه إبراهيم ، وأنّ الخلافة بعد أبي العباس السفّاح ستكون للمنصور العباسي .

وحينما سُئلعليه‌السلام عن محمد بن عبد الله ودعوته قبل أن يعلن محمد ثورته أجابعليه‌السلام : ( إنّ عندي كتابين فيها اسم كل نبي وكل ملك يملك ، لا والله ما محمد بن عبد الله في أحدهما )(١) .

ولمّا ثار محمد بن عبد الله ( ذي النفس الزكيّة ) ترك الإمام الصادقعليه‌السلام المدينة ، وذهب إلى أرض له بالفُرع ، فلم يزل هناك مقيماً حتى قُتل محمّد فلمّا قُتل واطمأنّ الناس وأمنوا رجع إلى المدينة(٢) .

الإمام الصادق يهيّئ الخط الشيعي للمواصلة

لقد كانت الفترة الأخيرة من حياة الإمام الصادقعليه‌السلام مع حكومة المنصور فترة تشدّد ومراقبة لحركة الإمام ، تخلّلتها محاولات اغتيال عديدة ، لكنّ الإمامعليه‌السلام علم أنّ المنصور قد صمّم على قتله ؛ ولهذا مارس جملة من الأنشطة ليهيّئ فيها الخط الشيعي لمواصلة الطريق من بعده .

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٢٦ / ١١٥عن بصائر الدرجات : ١٦٩ .

(٢) كشف الغمّة : ٢ / ١٦٢ ، عنه في بحار الأنوار : ٤٧ /٥ .

٢٠٢

النشاط الأوّل : حاول الإمام الصادقعليه‌السلام أن يجعل من الصف الشيعي صفّاً متماسكاً في عمله ونشاطه ، وركّز على قيادة الإمام الكاظمعليه‌السلام من بعده فيما لو تعرّض لعملية قتل من قِبل المنصور وقد قطع الطريق أمام المنتفعين والأدعياء الذين كانوا يتربّصون الفرص ; لأنّ إسماعيل ابن الإمام الصادقعليه‌السلام الذي كان قد توفّي في هذه الفترة كان يصلح كفكرة لتفتيت الصفّ الشيعي باعتباره الابن التقي الأكبر للإمامعليه‌السلام .

والغريب أنّا نجد ـ رغم التأكيدات المتكرّرة ـ والحزن الذي أبداه الإمامعليه‌السلام والتصريح الذي أبداه أمام حشد كبير من أعيان الشيعة بأنّ إسماعيل قد توفّي ودفن استغلال بعضهم لقضية إسماعيل وزعمهم بأنّ الإمامة تقع في إسماعيل وأنّه حيّ وقد خرج في البصرة وشاهده بعض الناس .

وهنا يقوم الإمام الصادقعليه‌السلام بجملة من الخطوات لمعالجة هذه المشكلة التي سوف تُفتّت الصفّ الشيعي من بعده .

١ ـ قال زرارة بن أعين : دعا الإمام الصادقعليه‌السلام داود بن كثير الرقي ، وحمران بن أعين ، وأبا بصير ، ودخل عليه المفضّل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلاً فقال :( يا داود اكشف عن وجه إسماعيل ) ، فكشف عن وجهه ، فقال :( تأمّله يا داود ، فانظره أحيّ هو أم ميّت ؟ ) فقال : بل هو ميّت فجعل يعرّضه على رجل رجل حتى أتى على أخرهم فقال :( اللّهمّ اشهد ) ثم أمر بغسله وتجهيزه .

ثم قال : (يا مفضّل احسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه ) ، فقال :( أحيّ هو أم ميت ؟ انظروه أجمعكم ) فقال : بل هو يا سيّدنا ميّت .

فقال :( شهدتم بذلك وتحقّقتموه ) ؟ قالوا : نعم ، وقد تعجّبوا من فعله .

فقال :( اللّهمّ اشهد عليهم ) ثم حمل إلى قبره ، فلمّا وضع في لحده ، قال :

( يا مفضل ، اكشف عن وجهه ) فكشف ، فقال للجماعة :( انظروا أحيّ هو أم

٢٠٣

ميّت ؟ ) فقالوا : بل ميّت ، يا وليّ الله .

فقال :( اللّهمّ اشهد فإنّه سيرتاب المبطلون ( يريدون أن يطفئوا نور الله ) ) ـ ثم أومى إلى موسىعليه‌السلام وقال :( والله مُتمّ نوره ولو كره الكافرون ) .

ثم حثّوا عليه التراب ، ثم أعاد علينا القول فقال :( الميّت المكفّن المدفون في هذا اللحد مَن هو ؟ ) قلنا : إسماعيل ولدك .

فقال :( اللّهمّ اشهد ) ثم أخذ بيد موسى فقال :( هو حق ، والحق معه ومنه ، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها ) (١) .

٢ ـ قال عنبسة العابد : لمّا مات إسماعيل بن جعفر بن محمدعليهما‌السلام وفرغنا من جنازته ، جلس الصادقعليه‌السلام وجلسنا حوله وهو مطرق ، ثم رفع رأسه فقال :

( أيّها الناس : إنّ هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء لا دار استواء ، على أنّ فراق المألوف حرقة لا تدفع ، ولوعة لا تردّ ، وإنّما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحّة الفكر ، فمَن لم يشكل أخاه شكله أخوه ، ومَن لم يقدم ولداً هو المقدم دون الولد ) ، ثم تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه :

ولا تحسبي أنّي تناسيت عهده

ولكنّ صبري يا أُميم جميل(٢)

٣ ـ قال إسحاق بن عمار : وصف إسماعيل أخي لأبي عبد اللهعليه‌السلام دينه واعتقاده فقال : إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله وأنّكم ـ ووصفهم يعني الأئمة ـ واحداً واحداً حتى انتهى إلى أبي عبد الله ثم قال : وإسماعيل من بعدك ! قال :( أمّا إسماعيل فلا ) (٣) .

ـــــــــــــــــــــــــ

(١) المناقب لابن شهر آشوب : ١/٣٢٧ عن الصدوق وعنه في بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٥٣

(٢) كمال الدين : ٧٢ ، ٧٣ وأمالي الصدوق : ١٩٧ وعنهما في بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٤٥ .

(٣) الغيبة للنعماني : ٢٢٤ ، وعنه في بحار الأنوار : ٤٧ / ٢٦١ .

٢٠٤

النشاط الثاني : رغم الحرب الباردة التي كانت بين المنصور والإمام الصادقعليه‌السلام نلاحظ أنّ الإمام قد مارس بعض الأدوار مع السلطة لغرض الحفاظ على الأمة وسلامة مسيرتها وإبقاء روح الرفض قائمة في نفوسها ، مخافة أن تسبّب ممارسات المنصور حالة من الانكسار للشيعة حين الاستجابة لمخطّطاته .

١ ـ قال أبو جعفر المنصور للإمام الصادقعليه‌السلام : إنّي قد عزمت على أن أخرّب المدينة ولا أدع فيها نافخ ضرمة .

فقال :( يا أمير المؤمنين ! لا أجد بُدّاً من النصاحة لك ، فاقبلها إن شئت أو لا ) .

ثم قالعليه‌السلام :( إنّه قد مضى لك ثلاثة أسلاف : أيوب عليه‌السلام ابتلي فصبر ، وسليمان عليه‌السلام أُعطي فشكر ، ويوسف عليه‌السلام قدر فغفر فاقتد بأيّهم شئت ) قال : قد عفوت(١) .

٢ ـ قال عبد الله بن سليمان التميمي : لمّا قُتل محمد وإبراهيم ابنا عبد الله ابن الحسن صار إلى المدينة رجل يقال له شبّة عقال ، ولاّه المنصور على أهلها ، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار إلى المسجد فرقى المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أمّا بعد فإنّ علي بن أبي طالب شقّ عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد الأمر لنفسه ، ومنعه أهله فحرّمه الله عليه وأماته بغصّته وهؤلاء ولده يتبعون أثره في الفساد وطلب الأمر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الأرض مقتولون ، وبالدماء مضرّجون .

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي : ٥٠ ح ٦٦ وعنه في بحار الأنوار : ٤٧/١٨٤ وانظر مناقب آل أبي طالب : ٤/٢٥١ ، كشف الغمّة : ٢/٤٢٠ .

٢٠٥

قال : فعظم هذا الكلام منه على الناس ، ولم يجسر أحد منهم أن ينطق بحرف فقام إليه رجل عليه إزار قومسي سخين فقال :ونحن نحمد الله ونصلّي على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى رسل الله وأنبيائه أجمعين أمّا ما قلت من خير فنحن أهله ، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى وأحرى يا مَن ركب غير راحلته وأكل غير زاده ، ارجع مأزوراً .

ثم أقبل على الناس ، فقال :ألا آتينّكم بأخفّ الناس ميزاناً يوم القيامة ، وأبينهم خسراناً ؟ : من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق .

فأسكت الناس ، وخرج الوالي من المسجد ولم ينطق بحرف .

فسألت عن الرجل : فقيل لي : هذا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام (١) .

النشاط الثالث : وهو نشاط الإمام الصادقعليه‌السلام الخاص مع الشيعة في هذا الظرف العصيب وأساليب الاتّصال معهم .

وقد ذكرنا في البحوث السابقة أن الإمام قد ركّز على مبادئ إسلامية وممارسات إصلاحية في نفوس شيعته ، مثل التقيّة ، وكتمان السر ، والعلاقة بالثورة الحسينية لتحافظ هذه المبادئ والممارسات على الوجود الشيعي وتقيه من الضربات والمخطّطات الخارجية .

والرواية التالية تصوّر لنا نشاط الإمام السري مع صحبه في هذهِ الفترة .

روي أنّ الوليد بن صبيح قال : كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام في ليلة إذ طرق الباب طارق ، فقال للجارية : انظري من هذا ؟

ـــــــــــــــــ

(١) أمالي الشيخ الطوسي : ٦٦ ، وبحار الأنوار : ٤٧ / ١٦٥ وحلية الأبرار : ٢ / ٢١٥ .

٢٠٦

فخرجت ثم دخلت فقالت : هذا عمّك عبد الله بن عليعليه‌السلام فقال : أدخليه وقال لنا : ادخلوا البيت فدخلنا بيتاً ، فسمعنا منه حسّاً ، ظننّا أن الداخل بعض نسائه ، فلصق بعضنا ببعض ، فلما دخل أقبل على أبي عبد اللهعليه‌السلام فلم يدع شيئاً من القبيح إلاّ قاله في أبي عبد اللهعليه‌السلام ثم خرج وخرجنا ، فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه .

فقال بعضنا : لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننّا أنّ أحداً يستقبل به أحداً ، حتى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به .

فقالعليه‌السلام مه ، لا تدخلوا فيما بيننا .

فلمّا مضى من الليل ما مضى ، طرق الباب طارق فقال للجارية : انظري مَن هذا ؟ فخرجت ، ثم عادت ، فقالت : هذا عمّك عبد الله بن عليعليه‌السلام فقال لنا : عودوا إلى مواضعكم ، ثم أذن له .

فدخل بشهيق ونحيب وبكاء وهو يقول : يا بن أخي ، اغفر لي غفر الله لك ، اصفح عنّي صفح الله عنك .

فقال :غفر الله لك يا عمّ ، ما الّذي أحوجك إلى هذا ؟

قال : إنّي لمّا أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ، ثم قال أحدهما للآخر : انطلق به إلى النار : فانطلق بي ، فمررت برسول الله فقلت : يا رسول الله ، لا أعود فأمره فخلّى عنّي ، وأنّي لأجد ألم الوثاق .

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أوص .

قال : بم أوصي ؟ ما لي مال ، وإن لي عيالاً كثيرة وعليّ دين .

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :دينك عليّ ، وعيالك عيالي ، فأوص .

فما خرجنا من المدينة حتى مات ، وضمّ أبو عبد اللهعليه‌السلام عياله إليه ،

٢٠٧

وقضى دينه ، وزوّج ابنه ابنته(١) .

وأغلب الظن أنّ نشاط الإمام الصادقعليه‌السلام من هذا النوع قد تركّز أيام المنصور لكثرة الجواسيس والعيون التي كانت ترصد حركة الإمامعليه‌السلام ممّا دفع بالإمام إلى أن يلجأ إلى عقد الاجتماعات في بيته سرّاً لغرض مواصلة دوره الإلهي مع الأمة عن طريق توجيه النخبة الصالحة التي وُفّقت لهذا الدور .

محاصرة الإمامعليه‌السلام قُبيل استشهاده

صعّد المنصور من تضييقه على الإمام الصادقعليه‌السلام ، ومهّد لقتله .

فقد روى الفضل بن الربيع عن أبيه ، فقال : دعاني المنصور ، فقال : إنّ جعفر بن محمد يلحد في سلطاني ، قتلني الله إن لم أقتله فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين فتطهّر ولبس ثياباً جدداً .

فأقبلت به ، فاستأذنت له فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله .

فلمّا نظر إليه مقبلاً ، قام من مجلسه فتلقّاه وقال : مرحباً بالتقيّ الساحة ، البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمّي .

فأقعده على سريره ، وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال :

سلني حاجتك ، فقالعليه‌السلام :أهل مكّة والمدينة قد تأخّر عطاؤهم ، فتأمر لهم به .

قال : أفعل ، ثم قال : يا جارية ! ائتني بالتحفة فأتته بمدهن زجاج ، فيه غالية ، فغلّفه بيده وانصرف فأتبعته ، فقلت :

ـــــــــــــــــ

(١) الخرائج والجرائح : ٢ / ٦١٩ وعنه في بحار الأنوار : ٤٧ / ٩٦ ، وإثبات الهداة : ٥ / ٤١٠ ح ١٤٣ .

٢٠٨

يابن رسول الله ! أتيت بك ولا أشك أنّه قاتلك ، فكان منه ما رأيت ، وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول ، فما هو ؟

قال : قلت :( اللّهمّ احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك عليّ ، ولا تهلكني وأنت رجائي ) (١) .

ولم يكن هذا الاستدعاء للإمام من قِبل المنصور هو الاستدعاء الأوّل من نوعه بل إنّه قد أرسل عليه عدّة مرات وفي كل منها أراد قتله(٢) .

لقد صور لنا الإمام الصادقعليه‌السلام عمق المأساة التي كان يعانيها في هذا الظرف بالذات والأذى الّذي كان المنصور يصبه عليه ، حتى قالعليه‌السلام ـ كما ينقله لنا عنبسة ـ قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( أشكو إلى الله وحدتي وتقلقلي من أهل المدينة حتى تقدّموا (٣) وأراكم أسرّ بكم ، فليت هذا الطاغية أذن لي فاتّخذت قصراً في الطائف فسكنته ، وأسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجيء من ناحيتنا مكروه أبداً ) (٤) .

الإمام الصادقعليه‌السلام في ذمّة الخلود

وتتابعت المحن على سليل النبوّة وعملاق الفكر الإسلامي ـ الإمام الصادقعليه‌السلام ـ في عهد المنصور الدوانيقي ـ فقد رأى ما قاساه العلويون وشيعتهم من ضروب المحن والبلاء ، وما كابده هو بالذات من صنوف

ـــــــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء : ٦ / ٢٦٦ ، ملحقات إحقاق الحق : ١٩ / ٥١٣ ، والفرج بعد الشدّة : ٧٠ عن التذكرة لابن الجوزي : ٣٠٨ ، ٣٠٩ مسنداً .

(٢) الكافي : ٢/٥٥٩ و ٦/٤٤٥ وعنه في الخرائج والجرائح : ٢ / ١٩٥ وتاريخ مدينة دمشق : ١٩ / ٥١٦ .

(٣) الموالون لأهل البيت أو خاصة الإمام .

(٤) الكافي : ٨ / ٢١٥ ورجال الكشي : ٣٦٥ وبحار الأنوار : ٤٧ / ٨٥ .

٢٠٩

الإرهاق والتنكيل ، فقد كان الطاغية يستدعيه بين فترة وأخرى ، ويقابله بالشتم والتهديد ولم يحترم مركزه العلمي ، وشيخوخته ، وانصرافه عن الدنيا إلى العبادة ، وإشاعة العلم ، ولم يحفل الطاغيه بذلك كلّه ، فقد كان الإمام شبحاً مخيفاً له ونعرض ـ بإيجاز ـ للشؤون الأخيرة من حياة الإمام ووفاته .

وأعلن الإمام الصادقعليه‌السلام للناس بدنوّ الأجل المحتوم منه ، وان لقاءه بربّه لقريب ، وإليك بعض ما أخبر به :

أ ـ قال شهاب بن عبد ربّه : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟ قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان مَن هو فكنت يوماً بالبصرة عند محمد بن سليمان ، وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً ، وقال لي : يا شهاب ، عظّم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة(١) .

ب ـ أخبر الإمامعليه‌السلام المنصور بدنوّ أجله لمّا أراد الطاغية أن يقتله فقد قال له :ارفق فو الله لقلّ ما أصحبك . ثم انصرف عنه ، فقال المنصور لعيسى بن علي : قم اسأله ، أبي أم به ؟ ـ وكان يعني الوفاة ـ .

فلحقه عيسى ، وأخبره بمقالة المنصور ، فقالعليه‌السلام :لا بل بي (٢) .

وتحقّق ما تنبّأ به الإمامعليه‌السلام فلم تمضِ فترة يسيرة من الزمن حتى وافته المنيّة .

كان الإمام الصادقعليه‌السلام شجي يعترض في حلق الطاغية الدوانيقي ، فقد ضاق ذرعاً منه ، وقد حكى ذلك لصديقه وصاحب سرّه محمد بن عبد الله

ـــــــــــــــــ

(١) اختيار معرفة الرجال : ٤١٤ ح٧٨١ ودلائل الإمامة : ١٣٨ وإعلام الورى : ١/٥٢٢ ، ٥٢٣ ومناقب آل أبي طالب : ٤/٢٤٢ .

(٢) مهج الدعوات : ٢٣١ .

٢١٠

الاسكندري .

يقول محمد : دخلت على المنصور فرأيته مغتمّاً ، فقلت له : ما هذه الفكرة ؟

فقال : يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمةعليها‌السلام مقدار مائة ويزيدون ـ وهؤلاء كلّهم كانوا قد قتلهم المنصور ـ وبقي سيّدهم وإمامهم .

فقلت : مَن ذلك ؟

فقال : جعفر بن محمد الصادق .

وحاول محمد أن يصرفه عنه ، فقال له : إنّه رجل أنحلته العبادة ، واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة .

ولم يرتض المنصور مقالته فردّ عليه : يا محمد قد علمتُ أنّك تقول به ، وبإمامته ولكنّ الملك عقيم(١) .

وأخذ الطاغية يضيّق على الإمام ، وأحاط داره بالعيون وهم يسجّلون كل بادرة تصدر من الإمام ، ويرفعونها له ، وقد حكى الإمامعليه‌السلام ما كان يعانيه من الضيق ، حتى قال :( عزّت السلامة ، حتى لقد خفي مطلبها ، فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول ، فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت ، والسعيد مَن وجد في نفسه خلوة يشتغل بها ) (٢) .

لقد صمّم على اغتياله(٣) غير حافل بالعار والنار ، فدسّ إليه سمّاً فاتكاً على يد عامله فسقاه به ، ولمّا تناوله الإمامعليه‌السلام تقطّعت أمعاؤه وأخذ يعاني الآلام القاسية ، وأيقن بأنّ النهاية الأخيرة من حياته قد دنت منه .

ـــــــــــــــــ

(١) مهج الدعوات : ٢٤٧ .

(٢) حياة الإمام موسى بن جعفر : ١/٤١٢ .

(٣) نور الأبصار : ١٣٣ ، الإتحاف بحب الأشراف : ٥٤ ، سبائك الذهب : ٧٢ .

٢١١

ولمّا شعر الإمامعليه‌السلام بدنوّ الأجل المحتوم منه أوصى بعدّة وصايا كان من بينها ما يلي :

أ ـ إنّه أوصى للحسن بن علي المعروف بالأفطس بسبعين ديناراً ، فقال له شخص : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟ فقالعليه‌السلام له :ويحك ما تقرأ القرآن؟! : ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ) (١) .

لقد أخلص الإمامعليه‌السلام كأعظم ما يكون الإخلاص للدين العظيم ، وآمن بجميع قيمه وأهدافه ، وابتعد عن العواطف والأهواء ، فقد أوصى بالبرّ لهذا الرجل الذي رام قتله ؛ لأنّ في الإحسان إليه صلة للرحم التي أوصى الله بها .

ب ـ إنّه أوصى بوصاياه الخاصّة ، وعهد بأمره أمام الناس إلى خمسة أشخاص : وهم المنصور الدوانيقي ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وولده الإمام موسى ، وحميدة زوجته .

وإنّما أوصى بذلك خوفاً على ولده الإمام الكاظمعليه‌السلام من السلطة الجائرة ، وقد تبيّن ذلك بوضوح بعد وفاته ، فقد كتب المنصور إلى عامله على يثرب ، بقتل وصي الإمام ، فكتب إليه : إنّه أوصى إلى خمسة ، وهو أحدهم ، فأجابه المنصور : ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل(٢) .

ج ـ إنّه أوصى بجميع وصاياه إلى ولده الإمام الكاظمعليه‌السلام وأوصاه بتجهيزه وغسله وتكفينه ، والصلاة عليه ، كما نصبه إماماً من بعده ، ووجّه خواصّ شيعته إليه وأمرهم بلزوم طاعته .

ـــــــــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي : ١٩٧ ، بحار الأنوار : ٤٧/٢٧٦ .

(٢) الكافي : ١ / ٣١٠ وانظر مناقب آل أبي طالب : ٤/٣٤٥ .

٢١٢

د ـ إنّه دعا السيّدة حميدة زوجته ، وأمرها بإحضار جماعة من جيرانه ، ومواليه ، فلمّا حضروا عنده قال لهم :( إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة ) (١) .

وأخذ الموت يدنو سريعاً من سليل النبوّة ، ورائد النهضة الفكرية في الإسلام ، وفي اللحظات الأخيرة من حياته أخذ يوصي أهل بيته بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، ويحذّرهم من مخالفة أوامر الله وأحكامه ، كما أخذ يقرأ سوراً وآيات من القرآن الكريم ، ثم ألقى النظرة الأخيرة على ولده الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وفاضت روحه الزكيّة إلى بارئها .

لقد كان استشهاد الإمام من الأحداث الخطيرة التي مُني بها العالم الإسلامي في ذلك العصر ، فقد اهتزّت لهوله جميع أرجائه ، وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين وغيرهم ، وهرعت الناس نحو دار الإمام وهم ما بين واجم ونائح على فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذاً ومفزعاً لجميع المسلمين .

وقام الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وهو مكلوم القلب ، فأخذ في تجهيز جثمان أبيه ، فغسل الجسد الطاهر ، وكفّنه بثوبين شطويين(٢) كان يحرم فيهما ، وفي قميص وعمامة كانت لجدّه الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ولفّه ببرد اشتراه الإمام موسىعليه‌السلام بأربعين ديناراً وبعد الفراغ من تجهيزه صلّى عليه الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام وقد ائتم به مئات المسلمين .

وحمل الجثمان المقدّس على أطراف الأنامل تحت هالة من التكبير ، وقد غرق الناس بالبكاء وهم يذكرون فضل الإمام وعائدته على هذه الأمة بما بثّه من الطاقات العلمية التي شملت جميع أنواع العلم ، وجيء بالجثمان العظيم

ـــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٤٧/٢ عن عقاب الأعمال للصدوق : ٢٧٢ ط طهران ـ الصدوق .

(٢) شطويين : مفرده شطا إحدى قرى مصر .

٢١٣

إلى البقيع المقدّس ، فدُفن في مقرّه الأخير بجوار جدّه الإمام زين العابدين وأبيه الإمام محمد الباقرعليهما‌السلام وقد واروا معه العلم والحلم ، وكل ما يسمو به هذا الكائن الحيّ من بني الإنسان(١) .

ويناسب أن نختم الكلام عن الإمام الصادقعليه‌السلام برثائه على لسان أحد أصحابه وهو أبي هريرة العجلي بقوله :

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى

ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق

غداة حثى الحاثون فوق ضريحه

تراباً ، وأول كان فوق المفارق(٢)

ـــــــــــــــــ

(١) عصر الإمام الصادق ، باقر شريف القرشي : ١٦٧ ـ ١٧٠ .

(٢) مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر ، للجوهري : ٥٢ .

٢١٤

الفصل الثالث : تراث الإمام الصادقعليه‌السلام

إنّ الحقبة الزمنية التي نشط فيها الإمام الصادقعليه‌السلام لإرساء دعائم منهج أهل البيتعليهم‌السلام ورسم خطوطه التفصيلية تبلغ ثلاثة عقود ونصف عقد تقريباً .

وقد تميّزت بأنّها كانت تعاصر نهايات الدولة الأموية وبدايات الدولة العباسية وهي فترة ضعف الدولتين سياسيّاً ، وبالتالي كانت فرصة متميّزة وفريدة لنشر الوعي والثقافة الإسلامية الأصيلة وقد عرف أتباع أهل البيتعليهم‌السلام بأنّهم أتباع وشيعة جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ، ووسم الشيعي بأنّه جعفري ; ولهذا الوسام دلالته التأريخية ومغزاه الثقافي .

من هنا نعرف السرّ في عظمة التراث الذي خلّفه لنا الإمام الصادقعليه‌السلام ومدى سعته وثرائه في جانبي الكمّ والكيف معاً ، إلى جانب كثرة مَن تتلمذ على يدي الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ممّن حمل تراثه ورواه إلى الأجيال المتعاقبة وبهذا الصدد ينقل لنا الشيخ المظفّر جملة من الإشادات والتصاريح التي أدلى بها كبار رواة أهل السنّة وعلمائهم بفضل الإمام الصادق ورجوع أئمّة المذاهب وأهل الحديث إليه ، وإليك بيانها .

( كان رواة أبي عبد اللهعليه‌السلام أربعة آلاف أو يزيدون كما أشرنا إليه غير

٢١٥

مرّة ، قال الشيخ المفيد طاب ثراه في الإرشاد : فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقامات ، فكانوا أربعة آلاف رجل(١) وذكر ابن شهر آشوب أنّ الجامع لهم ابن عقدة ، وزاد غيره أن ابن عقدة ذكر لكلّ واحد منهم رواية ، وأشار إلى عددهم الطبرسي في إعلام الورى ، والمحقق الحلّي في المعتبر ، وذكر أسماءهم الشيخ الطوسي طاب رمسه في كتاب الرجال .

ولا يزيده كثرة الرواة عنه رفعة وجلالة قدر ، وإنّما يزداد الرواة فضلاً وعلوّ شأن بالرواية عنه ، نعم إنّما يكشف هذا عن علوّ شأنه في العلم وانعقاد الخناصر على فضله من طلاّب العلم والفضيلة على اختلافهم في المقالات والنِحل .

أعلام السنّة الذين أخذوا عن الإمام الصادقعليه‌السلام :

أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمّتهم ، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الأستاذ ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم متّفقون على إمامته وجلالته وسيادته ، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع ، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات ، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شُرّفوا بها ، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل ، ونحن أولاء نورد لك شطراً من أولئك الأعلام .

أبو حنيفة : منهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل وُلد بالكوفة ، وبها نشأ ودرس ، وكانت له فيها حوزة وانتقل إلى بغداد وبها مات عام ١٥٠ ، وقبره بها معروف ، وهو أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنّة ، وحاله أشهر من أن يُذكر .

وأخذه عن الصادقعليه‌السلام معروف ، وممّن ذكر ذلك الشبلنجي في نور

ـــــــــــــــــ

(١) الإرشاد للمفيد : ٢٧١ .

٢١٦

الأبصار ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، وابن الصبّاغ في الفصول ، إلى غير هؤلاء ، وقال الآلوسي في مختصر التحفة الاثني عشرية (ص٨) : وهذا أبو حنيفة وهو وبين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) يريد السنتين اللتين صحب فيها ـ لأخذ العلم ـ الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

مالك بن أنس : ومنهم مالك بن أنس المدني أحد المذاهب الأربعة أيضاً ، قال ابن النديم في الفهرست : هو ابن أبي عامر من حمير وعداده في بني تيم بن مرّة من قريش ، وحمل به ثلاث سنين ، وقال : وسعى به إلى جعفر بن سليمان العبّاسي وكان والي المدينة فقيل له : إنّه لا يرى إيمان بيعتكم فدعى به وجرّده وضربه أسواطاً ومدّده فانخلع كتفه وتوفّي عام (١٧٩ هـ ) عن (٨٤) سنة ، وذكر مثله ابن خلكان .

وأخذه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام معلوم مشهور ، وممّن أشار إلى ذلك النووي في التهذيب ، والشبلنجي في نور الأبصار ، والسبط في التذكرة ، والشافعي في المطالب ، وابن حجر في الصواعق ، والشيخ سليمان في الينابيع ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن الصبّاغ في الفصول ، إلى ما سوى هؤلاء .

سفيان الثوري : ومنهم سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ورد بغداد عدّة مرّات ، وروى عن الصادقعليه‌السلام جملة أشياء ، وأوصاه الصادق بأمور ثمينة مرّت في الوصايا ، وناظر الصادق في الزهد كما سلف ، وارتحل إلى البصرة وبها مات (١٦١ هـ ) ، وولادته في نيّف وتسعين ، قيل شهد وقعة زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبد الملك .

٢١٧

جاء أخذه عن الصادقعليه‌السلام في التهذيب ، ونور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ، والفصول المهمّة ، وغيرها ، وذكره الرجاليون من الشيعة في رجالهعليه‌السلام .

سفيان بن عيينة : ومنهم سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام (١٠٧ هـ ) ومات بمكّة عام (١٩٨ هـ ) ، ودخل الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة .

ذكر أخذه عن الصادقعليه‌السلام في التهذيب ، ونور الأبصار ، والمطالب ، والصواعق ، والينابيع ، والحلية ، والفصول ، وما سواها ، وذكر ذلك الرجاليون من الشيعة أيضاً .

يحيى بن سعيد الأنصاري : ومنهم يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي ، كان قاضياً للمنصور في المدينة ، ثم قاضي القضاة ، مات بالهاشميّة عام (١٤٣ هـ ) .

انظر المصادر المتقدّمة في روايته عن الصادقعليه‌السلام وما عداها كما ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.

ابن جريح : ومنهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكّي ، سمع جمعاً كثيراً من العلماء ، وكان من علماء العامّة ، الذين يرون حلّيّة المتعة كما رأى حلّيّتها آخرون منهم ، وجاء في طريق الصدوق في باب ما يُقبل من الدعاوى بغير بيّنة ، وجاء في الكافي في باب ما أحلّ الله من المتعة سؤال أحدهم من الصادقعليه‌السلام عن المتعة فقال :( الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإنّ عنده منها علماً ) ، فأتاه فأملى عليه شيئاً كثيراً عن المتعة وحلّيّتها .

وقال ابن خلكان : عبد الملك أحد العلماء المشهورين ، وكانت ولادته

٢١٨

سنة (٨٠ هـ) وقدم بغداد على أبي جعفر المنصور ، وتوفي سنة (١٤٩ هـ) وقيل (١٥٠ هـ) ، وقيل (١٥١ هـ) .

وذكرت المصادر السابقة أخذه عن الصادقعليه‌السلام ، كما ذكرته رجال الشيعة .

القطّان : ومنهم أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري ، كان من أئمة الحديث بل عُدّ محدّث زمانه ، واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم ، توفي عام (١٩٨ هـ) ، وحكي عن ابن قتيبة عداده في رجال الشيعة ، ولكن الشيعة لا تعرفه من رجالها .

ذكره في رجال الصادقعليه‌السلام التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ ، وابن داود ، والنجاشي ، وغيرهم من الشيعة .

محمّد بن إسحاق : ومنهم محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير ، ومدنيّ سكن مكّة ، أثنى عليه ابن خلكان كثيراً ، وكان بينه وبين مالك عداء ، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر ، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي .

وقدم بغداد وبها مات عام (١٥١ هـ) على المشهور ، ذكر أخذه عن الصادقعليه‌السلام في التهذيب ، والينابيع ، وغيرهما من السنّة ، والشيخ في رجاله ، والعلاّمة في الخلاصة ، والكشي في رجاله ، وغيرهم من الشيعة .

شعبة بن الحجّاج : ومنهم شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وقيل كان

٢١٩

ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبد الله .

وعدّه في أصحاب الصادقعليه‌السلام جماعة من السنّة منهم : صاحب التهذيب ، والصواعق ، والحلية ، والينابيع ، والفصول ، والتذكرة وغيرها ، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضاً .

أيوب السجستاني : ومنهم أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري ، وقيل السختياني ، والأول أشهر ، مولى عمّار بن ياسر وعدّوه في كبار الفقهاء التابعين ، مات عام (١٣١ هـ) بالطاعون بالبصرة عن (٦٥ هـ) سنة .

عدّه في رجال الصادقعليه‌السلام في نور الأبصار ، والتذكرة ، والمطالب ، والصواعق ، والحلية ، والفصول ، وغيرها ، وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه أيضاً .

وهؤلاء بعض مَن نسبوه إلى تلمذة الصادقعليه‌السلام من أعلام السنّة وفقهائهم البارزين ، وقد عدّوا غير هؤلاء فيهم أيضاً ، انظر في ذلك حلية الأولياء ، على أنّ غير أبي نعيم أشار إلى غير هؤلاء بقوله وغيرهم ، أو ما سوى ذلك ممّا يؤدّي هذا المفاد )(١) (٢) .

إنّ الحضارة الإنسانية اليوم ـ بما فيها الحضارة الأوربية ـ مدينة إلى تراث الإمام الصادقعليه‌السلام بشكل خاص ، باعتبار عنايته الفائقة بجملة من العلوم الطبيعية التي لاحظنا نماذج منها خلال بحوث هذا الكتاب .

ـــــــــــــــــ

(١) الإمام الصادقعليه‌السلام ، محمد حسين المظفر : ١٢٧ ـ ١٣٠ .

(٢) ورغم اعترافات علماء أهل السنّة وإشاداتهم بالإمام الصادقعليه‌السلام وأنّ أئمة مذاهبهم وكبار علمائهم قد تتلمذوا على يديه ونقلت الرواة ما يملأ الخافقين من الأحاديث ، نجد البخاري الذي يروي للخوارج والفسّاق والمجاهيل لم يرو عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ولا حديثاً واحداً .

٢٢٠