من قضايا النهضة الحسينية الجزء ٢

من قضايا النهضة الحسينية0%

من قضايا النهضة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 146

من قضايا النهضة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: فوزي آل سيف
تصنيف: الصفحات: 146
المشاهدات: 20456
تحميل: 4242


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 146 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20456 / تحميل: 4242
الحجم الحجم الحجم
من قضايا النهضة الحسينية

من قضايا النهضة الحسينية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

صوحان بن صعصعة بن صوحان العبدي بزمانة (مرض مزمن مقعد) رجليه، وذلك عندما رجع الإمام زين العابدين إلى المدينة مع عيال أبيه.

وقد قيل بالنسبة إلى محمّد بن الحنفيّة أنّه كان قد أبقاه الحسين (عليه السّلام) ليكتب له ما يكون من أمر الحجاز، كما أنّه قيل أنّه أيضاً كان قد أُصيب في بدنه بحيث لم يكن يستطيع القتال. وابن عباس كُفّ بصره في أواخر عمره، ولعلّه كان كذلك حين خرج الإمام إلى العراق.

سؤال عن حميد بن مسلم. مَنْ هو، وما قيمة رواياته التاريخية؛ فإنّنا نرى الكثير يعتمد عليه في سرد قضايا كربلاء؟ ألا يخلّ كونه في معسكر بني أُميّة بعدالته، وبالتالي يفسد الاعتماد على رواياته؟

الجواب: حميد بن مسلم الأزدي شهد معركة كربلاء مع جيش عمر بن سعد، وكان يقوم فيها بما يشبه دور المؤرّخ أو المراسل الصحفي في هذه الأيام.

بعد معركة كربلاء كان مع التوّابين وخرج معهم، ولم يؤثر عنه موقف قتالي مهم، ثمّ عاد مع العائدين بعد أن حلّ الظلام، واستشهد أكثر التوّابين. ظلّ مدّة يتردد مع إبراهيم بن مالك الأشتر - القائد العسكري للمختار - على المختار، ثمّ لم يلبث المختار أن أرسل إليه وإلى ثلاثة أشخاص آخرين؛ لكي يؤتى بالأربعة في ضمن حملته على قتلة الحسين وأصحابه، فأُتي بالثلاثة الآخرين بينما استطاع حميد بن مسلم الفرار(١) .

____________________

١ - قال: جاءنا السائب بن مالك الأشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبد =

٨١

وبقي إلى أيام سيطرة عبد الملك بن مروان على الحكم بعدما قُتل المختار على يد أتباع مصعب بن الزبير، وهُزم آل الزبير بيد أتباع الاُمويّين، حيث نلاحظ له قصيدة رثاء في حقّ عبد الرحمن بن مخنف (الأزدي) الذي قُتل وهو من قادة الحجّاج الثقفي في معركة مع الخوارج في حوالي سنة ٧٥ هـ. وبعد هذه الأحداث لم يُعرف خبره.

تتبّع رواياته بحسب تاريخ الطبري:

قبل أن ننقل رواياته نسجّل بعض النقاط العامّة:

الأولى: يظهر من روايته خبر إرسال عبيد الله بن زياد شمر بن ذي الجوشن، ومعه كتاب تصعيد الحصار على الحسين (عليه السّلام)، أنّ حميد بن مسلم لم يكن موجوداً في كربلاء قبل يوم التاسع(١) .

____________________

= القيس، وخرج عبد الله وعبد الرحمن ابنا صلخب في أثرى، وشغلوا بالاحتباس عليهما عنّي فنجوت وأخذوهما، ثمّ مضوا بهما حتّى مرّوا على منزل رجل يُقال له عبد الله بن وهب بن عمرو ابن عمّ أعشى همدان من بني عبد، فأخذوه فانتهوا بهم إلى المختار فأمر بهم فقتلوا في السوق، فهؤلاء ثلاثة، فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم:

ألم ترني على دهشٍ

نجوت ولم أكد أنجو

رجاء الله أنقذني

ولم أكُ غيره أرجو

عن الطبري ٤ / ٥٣٠.

١ - قال أبو مخنف: فحدّثني سليمان بن أبى راشد عن حميد بن مسلم قال: ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذى الجوشن، فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلى سلماً، وإن هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس، وثب عليه فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. الطبري ٤. =

٨٢

وبناءً عليه فيكون ما يروى عنه قبل هذا اليوم من أحداث كربلاء؛ سواء في مسير الحسين، أو نزول كربلاء غير تامٍ لو كان يسنده إلى مشاهدته، أو أن يكون روايته لِما جرى بين ابن زياد وشمر مرسلاً، بينما ظاهره أنّه يعلم به مباشرة.

ويظهر بعد ذلك روايته مفصّلة لأحداث كربلاء، مثل تحرّك الجيش بعد وصول شمر بالرسالة. ويُحتمل أن يكون حميد بن مسلم ممّن ورد إلى كربلاء مع شمر بناءً على هذا.

الثانية: أنّ عدد روايات حميد بن مسلم بالنسبة لمجموع روايات المقتل وما يرتبط به يعتبر قليلاً نسبيّاً؛ سواء من الناحية العددية أو الزمنية. فمثلاً: ما ذكره الطبري من روايات المقتل وأطرافه عن أبي مخنف يُقارب المئة رواية، نصيب حميد بن مسلم فيها هو العُشر فقط.

وهذا يُلقي بضوء على ما تصوّره بعضهم من أنّ المقتل مروي في أكثره كما قالوا عن طريق حميد بن مسلم، وقد كان في الطرف الآخر، فكيف له بأن يعرف ما يجري فيه؟ هذا إضافة إلى كونه معادياً، ومحارباً

____________________

= هذا ولكن يظهر من رواية أُخرى نقلها الطبري أيضاً، أنّ مجيء الكتاب المذكور لعمر كان يوم السابع فهو ينقل عن أبي مخنف، قال: حدثنى سليمان بن أبى راشد، عن حميد بن مسلم الأزدي قال: جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى عمر بن سعد. أمّا بعد، فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة، كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان.

قال: فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج على خمسمئة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث.

ويُحتمل أن يكون ذيل هذه الرواية غير تام؛ فإنّه من المعروف بين المؤرّخين أنّ الرسالة وصلت يوم التاسع بعد الظهر.

٨٣

لأهل البيت فكيف يُعتمد عليه؟

ونحن وإن أجبنا على سؤال بهذا المضمون في القسم الأوّل، وقد تسلّمنا هناك فرضاً أنّه من الرواة الأساسيين في الواقعة، إلاّ أنّنا هنا مع الملاحظة المذكورة نرى أنّ نصيبه من روايات المقتل هو بهذا المقدار المذكور، أي عشرة في المئة فقط.

ومن الناحية الزمنية فقد سبق أن ذكرنا أنّه من المفروض أنّ حميداً لم يكن قبل التاسع من المحرّم موجوداً في كربلاء، فلا يستطيع أن يروي مباشرة ما الذي حدث قبل ذلك اليوم، ودائرة (تغطيته العلميّة المباشرة) تبدأ من اليوم التاسع وتمرّ بالعاشر إلى العصر، ثمّ إلى الكوفة لتنتهي ربما في اليوم الثالث عشر أو الرابع عشر. ولا تشمل ما بعد الكوفة، ولا الشام فضلاً عن العودة منها إلى كربلاء والمدينة.

الثالثة: إنّ روايات كربلاء فيما يرتبط منها بالمخيّم الحسيني، وما كان يدور فيه لا نجد فيها لحميد بن مسلم أثراً وهو واضح، بل لو نقل أحد رواية بهذا المعنى فلا بدّ من النظر إليها بعين الشك، إن كان ينقلها مباشرة؛ وذلك لأنّه كان في المعسكر الآخر، وإنّما كانت تلك الروايات كما يلحظ المتتبع لروايات أبي مخنف المنقولة في الطبري مرويّة عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بواسطة، أو عن الضحّاك المشرقي، أو عقبة بن سمعان، أو عن مَنْ نجا من الواقعة حيّاً.

تتبّع روايات حميد:

١ - ما سبق أن ذكر آنفاً.

روايته لخبر إرسال عبيد الله بن زياد رسالة بيد الشمر لعمر بن سعد، ووصول هذا يوم التاسع.

٢ - روايته خبر تحرّك الجيش على أثر الرسالة المذكورة.

قال: وزحف عمر بن سعد نحوهم، ثمّ نادى: يا زويد أدن رايتك. قال: فأدناها ثمّ وضع

٨٤

سهمه في كبد قوسه ثمّ رمى، فقال: اشهدوا أنّي أوّل مَنْ رمى(١) .

٣ - روايته لمصرع علي الأكبر (عليه السّلام).

قال أبو مخنف: حدّثنى سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم الأزدي قال: سماع أذني يومئذ من الحسين يقول:«قتل الله قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الرحمان، وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفاء» .

قال: وكأنّي أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنّها الشمس الطالعة تنادي: يا أُخيّاه، ويابن أخاه. قال: فسألت عليها، فقيل: هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فجاءت حتّى أكبت عليه، فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردّها إلى الفسطاط، وأقبل الحسين إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال:«احملوا أخاكم» . فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يُقاتلون أمامه.

٤ - روايته مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، وعون عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب، وجعفر بن عقيل بن أبي طالب.

٥ - روايته مقتل القاسم بن الحسن، قال: خرج إلينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر، في يده السيف، عليه قميص وإزار، و[ في قدميه ] نعلان، قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنّها اليسرى، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدنّ عليه. فقلت له: سبحان الله! وما تريد إلى ذلك؛ يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه؟!

قال: فقال: والله لأشدنّ عليه. فشدّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا عمّاه!

قال: فجلى الحسين كما يجلي الصقر، ثمّ شدّ شدّة ليث أُغضب؛ فضرب عمراً بالسيف فاتّقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق، فصاح ثمّ تنحّى

____________________

١ - وما بعدها من الروايات عن الطبري ٤ / ٣٢٦ - ٣٥٠.

٨٥

عنه، وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من حسين فاستقبلت عمراً بصدورها، فحرّكت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه، فتوطأته حتّى مات، وانجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام، والغلام يفحص برجليه، وحسين يقول:«بعداً لقوم قتلوك! ومَنْ خصمهم يوم القيامة فيك جدّك» . ثمّ قال:«عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثمّ لا ينفعك! صوت والله كثر واتره، وقل ناصره» .

ثمّ احتمله، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض، وقد وضع حسين صدره على صدره.

قال: فقلت في نفسي: ما يصنع به؟ فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين وقتلى قد قُتلت حوله من أهله بيته، فسألت عن الغلام، فقيل: هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

٦ - روايته مصرع الحسين (عليه السّلام) وسقوطه من ظهر فرسه، واللحظات الأخيرة من حياته.

ومكث الحسين طويلاً من النهار كلّما انتهى إليه رجل من الناس انصرف عنه، وكره أن يتولّى قتله، وعظيم إثمه عليه. قال: وأنّ رجلاً من كندة يُقال له مالك بن النسير من بني بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف، وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه، فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دماً، فقال له الحسين:«لا أكلت بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين» . انتهى.

وبحسب قرب الرجل من المصرع، فقد استطاع أن ينقل تفاصيل أكثر عن الحسين (عليه السّلام) في تلك اللحظات(١) .

____________________

١ - عن حميد بن مسلم قال: كانت عليه جبّة من خزّ، وكان معتمّاً، وكان مخضوباً بالوسمة. قال: وسمعته يقول قبل أن يُقتل، وهو يُقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع، يتّقى الرمية، ويفترص العورة، ويشدّ على الخيل، وهو يقول:«أعلى قتلي تحاثون؟ أما والله، لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله الله أسخط عليكم لقتله منّي. =

٨٦

٧ - رواية المآثر والمواقف (الجيدة) لنفسه.

روى حميد بعض الحوادث ممّا يحسب له كمآثر؛ ولذا يمكن التأمّل قبل قبولها، فمن جهة يُقرّب احتمال قبولها باعتبار أنّ تلك المواقف تستدعي الحالة الإنسانيّة بغضّ النظر عن موقفه السياسي والديني، خصوصاً مع ملاحظة أنّ بعض مَنْ جاء إلى المعركة في الطرف الأموي لم يكن مؤمناً بها؛ ولذا فإنّه لو استطاع في بعض المواقف التي تملي عليه فطرته الإنسانيّة موقفاً صحيحاً فليس ذلك بالغريب، بل هو مقتضى الفطرة.

وقد يُوجَّه ردّها بأنّ أحداً لم يرويها غيره، وأنّ هذا من باب أنّه (يجر النار إلى قرصه) خصوصاً بعد أن تكشّفت المعركة عن الفجائع والمأساة، وصار الجو العام معادياً للاُمويّين وللقتلة، ولا سيما حين بدأ دور الاقتصاص منهم أيام المختار، فكان من الطبيعي هنا أن ينكر البعض دوره السلبي، ويصطنع له دوراً إيجابياً؛ دفاعاً عن نفسه،

____________________

=وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما والله، أن لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم، ثمّ لا يرضى لكم حتّى يضاعف لكم العذاب الأليم» .

قال: ولقد مكث طويلاً من النهار، ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء. قال: فنادى شمر في الناس، ويحكم! ماذا تنظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم.

قال: فحُمل عليه من كلّ جانب، فضُربت كفّه اليسرى ضربة ضربها زرعة بن شريك التميمي، وضُرب على عاتقه، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو. قال: وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع، ثمّ قال لخولي بن يزيد الأصبحي: احتزّ رأسه، فأراد أن يفعل فضعف فأرعد، فقال له سنان بن أنس: فتّ الله عضديك، وأبان يديك، فنزل إليه فذبحه واحتزّ رأسه، ثمّ دُفع إلى خولي بن يزيد، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف. الطبري ٤ / ٣٤٦.

٨٧

واكتساباً لحظوة ضمن الوضع الجديد.

وعلى أيّ من التقديرين، فقد نقل الطبري عنه أنّه لمّا حاول شمر بن ذي الجوشن أن يقوّض مخيّم الحسين (عليه السّلام) بإشعال الحريق فيه قبل المصرع، جاء إليه حميد بن مسلم وتكلّم معه في ذلك:

قال أبو مخنف: حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان الله! إنّ هذا لا يصلح لك، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين؛ تعذّب بعذاب الله، وتقتل الولدان والنساء؟ والله، إنّ في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك!

فقال: مَنْ أنت؟ قال: قلت: لا أُخبرك مَنْ أنا. قال: وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرّني عند السلطان. قال: فجاءه رجل كان أطوع له منّي شبث بن ربعي فقال: ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك، ولا موقفاً أقبح من موقفك، أمرعباً للنساء صرت؟! قال: فأشهد أنّه استحيا فذهب لينصرف.

ويروي هو بنفسه أيضاً عن محاولته لثني عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي (وحميد كان أزدياً أيضاً) عن الهجوم على القاسم بن الحسن وقتله، فيقول: خرج إلينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر، في يده السيف، عليه قميص وإزار، و[ في قدميه ] نعلان، قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنّها اليسرى، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدنّ عليه. فقلت له: سبحان الله! وما تريد إلى ذلك؟ يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم(١) . قال: فقال: والله لأشدنّ عليه، فشدّ عليه، فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه(٢) .

____________________

١ - حال الرجل في متن فرسه، أي وثب عليه، عن معجم مقاييس اللغة.

٢ - الطبري ٤ / ٣٤١.

٨٨

وهناك رواية أُخرى يأتي بها في سياق مآثره، وهي بالتالي خاضعة لما تقدّم ذكره، وهي دوره كما نقل في التأثير على شمر بن ذي الجوشن لإقناعه بترك قتل الإمام السجّاد (عليه السّلام) بعد مصرع الحسين (عليه السّلام)، فعنه قال: انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي الأصغر، وهو منبسط على فراش له وهو مريض، وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجّالة معه يقولون: ألا نقتل هذا؟

قال: فقلت: سبحان الله! أنقتل الصبيان؟ إنّما هذا صبي. قال: فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كلّ مَنْ جاء حتّى جاء عمر بن سعد، فقال: ألا لا يدخلنّ بيت هؤلاء النسوة أحد، ولا يعرضنّ لهذا الغلام المريض، ومَنْ أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم. قال: فوالله ما ردّ أحد شيئاً. قال: فقال علي بن الحسين:«جُزيت من رجلٍ خيراً، فوالله لقد دفع الله عنّي بمقالتك شرّاً» (١) .

٨ - روايته للحدث في اليوم الحادي عشر [في] الكوفة حينما نقل ما جرى بين زيد بن أرقم وبين عبيد الله بن زياد، ووضعه الرأس بين يديه. وذلك أنّ عمر بن سعد قد أرسل حميد بن مسلم لإخبار أهله بسلامة ابن سعد، قال: دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشّرهم(٢) بفتح الله عليه وبعافيته، فأقبلت حتّى أتيت أهله فأعلمتهم

____________________

١ - الطبري ٤ / ٣٤٧، وقد احتمل بعض المؤرّخين أن يكون المختار قد عفا عن حميد بن مسلم، بينما انتقم من قتلة الحسين (عليه السّلام) فيما بعد في الكوفة، واحتملوا أنّه لأجل كونه قد دفع القتل عن السجّاد، ولكن هذا غير تامّ؛ فإنّ المختار كما سيأتي قد طلب حميد بن مسلم، ولكنّه فرّ. على أنّ هذا النصّ الذي يذكره فيه نقاش، بأنّه كيف يكون الإمام السجّاد (عليه السّلام) في ذلك الوقت وعمره ٢٢ سنة (ولد سنة ٣٨ هـ)، وكان له حينذاك ولد هو الباقر وعمره قرابة ثلاث سنين، فكيف يكون والحال هذه صبيّاً؟

٢ - بعض الروايات التاريخية فيها أنّ عمر بن سعد قد أرسل خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم، ومعهما رأس الحسين (عليه السّلام) ليخبرا ابن زياد بالنصر والفتح، ولا نعلم هل كانت المهمّة مشتركة أو أنّ خولي ذهب بالرأس بينما ذهب حميد إلى أهل عمر بن سعد.

٨٩

ذلك، ثمّ أقبلت حتّى أُدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس، وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم، وأذن للناس فدخلت فيمَنْ دخل، فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة، فلمّا رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب، قال له: اعلُ بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين؛ فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على هاتين الشفتين يقبّلهما، ثم انفضخ الشيخ يبكي، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله، لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

٩- ثمّ أخيراً روايته لخبر دخول السبايا على ابن زياد، وحواره مع زين العابدين (عليه السّلام). قال: إنّي لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين، فقال له: ما اسمك؟

قال:«أنا علي بن الحسين» .

قال: أوَ لم يقتل الله علي بن الحسين؟ فسكت. فقال له ابن زياد: ما لك لا تتكلّم؟

قال:«قد كان لي أخ يُقال له أيضاً علي فقتله الناس» .

قال: إنّ الله قد قتله.

قال: فسكت علي، فقال له: ما لك لا تتكلّم؟

قال:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللَّهِ ) .

محاولة ترسيم لشخصية حميد بن مسلم:

١ - يظهر من التتبّع العام لشخصية حميد بن مسلم أنّه ليس رجل موقف بحيث يلتزم به فيحامي عنه، ويضحّي من أجله، فهو مثلاً يشهد كربلاء ولا يُقاتل في أيّ من الصفين، ولا يؤثر عنه فعل، لا في هذا الجانب ولا في ذاك، ثمّ يكون مع التوّابين الذين ثاروا ضدّ بني أُميّة، وحاولوا التكفير عن خذلانهم، مع أنّ هؤلاء لم تتح لهم فرصة القتال

٩٠

مع الحسين (عليه السّلام)؛ لكون عدد منهم مسجونين، أو ممّن لم يستطيعوا الخروج من الكوفة(١) ، بينما كان هذا الرجل موجوداً في المعركة، وشهد تحوّل عدد من أنصار بني أُميّة إلى المعسكر الحسيني، فلم يكن هناك شيء ليمنعه لو كان صاحب موقف.

ثمّ إنّه حتّى وهو يعدّ نفسه من الشيعة الذين خرجوا مع التوّابين، لم يعرف عنه أي موقف حتّى برواية نفسه فضلاً عن غيره. فها هو يتحدّث عن تحرّك التوّابين في أيامه الأولى(٢) :

قال: والله، إنّي لشاهد بهذا اليوم، يوم ولّوا سليمان بن صرد، وإنّا يومئذ لأكثر من مئة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره، فتكلّم سليمان بن صرد فشدّد، وما زال يردّد ذلك القول في كلّ جمعة حتّى حفظته، بدأ فقال: أُثني على الله خيراً، وأحمد آلاءه وبلاءه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسوله. أمّا بعد، فإنّي والله لخائف ألاّ يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة، وعظمت فيه الرزيّة، وشمل فيه الجور أولى الفضل من هذه الشيعة لما هو خير، إنّا كنّا نمدّ أعناقنا إلى قدوم

____________________

١ - لمّا سيطر عبيد الله بن زياد على الكوفة اتّخذ مجموعة إجراءات، وفرض نظاماً أشبه بالأحكام العسكرية وحالة الطوارئ، فسجن عدداً من زعماء الكوفة، وطلب عدداً آخر ممّا دعاهم إلى الاختفاء، وفرض المسالح (الدوريات العسكرية) على بوابات الكوفة، حتّى أنّ عامر بن أبي سلامة الدلاني لم يستطع الخروج من الكوفة إلاّ بعد قتال زجر بن قيس الذي كان موكّلاً بإحدى بوابات الكوفة؛ لمنع خروج الخارج ودخول الداخل، فقاتله إلى أن استطاع التخلّص منه ووصل إلى كربلاء (ورد اسمه في الشهداء في الزيارة باسم عمّار بن أبي سلامة الهمداني).

٢ - الطبري ٤ / ٤٢٨.

٩١

آل نبيّنا، ونمنّيهم النصر، ونحثّهم على القدوم، فلمّا قدموا ونينا وعجزنا، وأدهنا وتربّصنا وانتظرنا ما يكون، حتّى قُتل فينا ولدينا ولد نبيّنا، وسلالته وعصارته، وبضعة من لحمه ودمه، إذ جعل يستصرخ، ويسأل النصف فلا يُعطاه، اتّخذه الفاسقون غرضاً لنبل، ودرية للرماح حتّى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه، ألا انهضوا فقد سخط ربّكم، ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتّى يرضى الله. والله، ما أظنّه راضياً دون أن تناجزوا مَنْ قتله أو تبيروا، ألا لا تهابوا الموت....

ولم يكن له في تلك الموقعة أثر أو ذكر، غير أنّه كان يسعى بين المختار الثقفي وجماعة التوّابين بالشحناء والفساد، وهذا أمر كان في ذلك الوقت له نتائج مدمّرة؛ سواء كان يشعر به فاعله، أو لم يكن.

فها هو يقول(١) : قلت لسليمان بن صرد: إنّ المختار والله يثبّط الناس عنك، إنّي كنت عنده أوّل ثلاث فسمعت نفراً من أصحابه يقولون قد كملنا ألفي رجل، فقال: وهب أنّ ذلك كان، فأقام عنّا عشرة آلاف! أما هؤلاء بمؤمنين، أما يخافون الله، أما يذكرون الله، وما أعطونا من أنفسهم من العهود والمواثيق ليجاهدنّ ولينصرنّ؟!

٢ - وبناء على ما سبق فصداقاته لو صح ما نقل ونُقل عنه غير

____________________

١ - الطبري ٤ / ٤٥٢... مع أن تحفّظ المختار على طريقة التوّابين وأسلوبهم في العمل الثوري كان واضحاً، فاُولئك كانوا يعملون بمنطق المؤمنين الاستشهاديين الذين يعتبرون الشهادة غايتهم الكبرى، بينما المختار كان يعمل بمنطق السياسي الواقعي الذي يخطّط للانتصار، ومن الطبيعي أن تختلف رؤى الطرفين بناء على ذلك. إلاّ أنّ المتاجرة بهذا الاختلاف وتحويله إلى حالة فرز اجتماعي، ومواجهة سياسية أمر خطير، لاسيما إذا كان من شخص كان للسنة الماضية (مبعوث عمر بن سعد لتبشير أهله بسلامته).

٩٢

خاضعة لموقف؛ إذ إنّه تارة يتصوّر بصورة الشخص غير المعروف، بل المجهول حتّى اسماً، كما في حواره المذكور مع شمر بن ذي الجوشن الذي سأله عن اسمه، فقال له: لا أخبرك.

وبين كونه صديقاً شخصياً لعمر بن سعد، فقد روي عنه أنّه قال: كان عمر بن سعد لي صديقاً، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين فسألته عن حاله، فقال: لا تسأل عن حالي؛ فإنّه ما رجع غائب إلى منزله بشرّ ممّا رجعت به، قطعت القرابة القريبة، وارتكبت الأمر العظيم(١) .

وفي نفس الوقت هو يحشر نفسه مع التوّابين، ويعدّ نفسه (من فرسان الشيعة)، ويصادق إبراهيم بن مالك الأشتر القائد العسكري للمختار، والذي كان يُكثر من الدخول به (بحميد على المختار)، وإن كان ذلك لم ينفع في تبرئته من إثم المشاركة في كربلاء؛ ولذا طلبه المختار فيمَنْ طلب.

٣ - عاش حياته بطريقة الصحفي أو الإعلامي الذي يبحث عن الحوادث المتميّزة، ويرويها لغيره، لم يكن صانع خبر، وإنّما متتبّعاً للأخبار، وبالذّات الأخبار شديدة الإثارة، فهو في المقتل يفصّل ما استطاع اللحظات الأخيرة بما فيها من إثارة للمستمع، ويستعرض سماع أذني من الحسين يوم قُتل علي الأكبر...، وهو يأتي ببعض الكرامات الحسينيّة سواء في المعركة أو بعدها، لكن هل تؤثّر فيه هذه لتعديل موقفه؟

كلاّ، إنّما يكتفي منها بجانب الإثارة والنقل، ففي الطبري ينقل عنه:... ونازله عبد الله بن أبي حصين الأزدي وعداده في بجيلة، فقال: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء؟ والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً.

فقال حسين:«اللّهمّ اقتله عطشاً، ولا تغفر له أبداً» .

____________________

١ - الأخبار الطوال - للدينوري / ٢٦٠.

٩٣

قال حميد بن مسلم: والله، لعدته بعد ذلك في مرضه، فوالله الذي لا إله إلاّ هو لقد رأيته يشرب حتّى بغر ثمّ يقئ، ثمّ يعود فيشرب حتّى يبغر فما يروى، فما زال ذلك دأبه حتّى لفظ غصّته، يعني نفسه(١) .

هذا ما تيسّر لي البحث عنه حول شخصية الراوي المذكور وحياته العامة، وأمّا هل أنّ ذلك يؤثّر على رواياته التاريخية حول المقتل وما يرتبط به، فقد تمّت الإجابة عليه في القسم الأوّل من هذا الكتاب.

سؤال: كم كان عدد الذين انتقلوا إلى معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام) من الجيش الأموي؟

الجواب: لا توجد إحصائية دقيقة(٢) عن العدد وإن كانت هناك

____________________

١ - الطبري ٤ / ٣١٢.

٢ - ذكر المرحوم آية الله شمس الدين في كتابه (أنصار الحسين) ما يلي:... رواية نقلها السيد ابن طاووس في مقتله المسمّى (اللهوف على قتلى الطفوف) وهي: (... وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة (ليلة العاشر من المحرّم) ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً).

إنّنا نقف من هذه الرواية موقف الشك؛ أوّلاً: لأنّ حدثاً كهذا كان يجب أن يلفت نظر الرواة الآخرين، فهو حدث شديد الإثارة في مثل الموقف الذي نبحثه، ولهذا فقد كان لا بدّ أن ينقله رواة آخرون. إنّ عدم نقله عن رواة آخرين مباشرين يبعثنا على الشك في صدق الرواية.

وثانياً: أنّ هذا العدد (اثنان وثلاثون) عدد كبير جدّاً بالنسبة إلى أصحاب الحسين (عليه السّلام) القليلين؛ ولذا فقد كان يجب أن يظهر لهم أثر في حجم القوّة الصغيرة التي كانت مع الحسين (عليه السّلام) في صبيحة اليوم العاشر من المحرّم، على اعتبار أنّهم انحازوا إلى معسكر الحسين في مساء اليوم التاسع، مع أنّنا لا نجد لهم أيّ أثر في التقديرات التي نقلها الرواة.

لهذا وذاك نميل إلى استبعاد هذه الرواية من دائرة =

٩٤

____________________

= بحثنا في عدد أصحاب الحسين (عليهم السّلام)، ونرجّح أنّ الرواية - على تقدير صدقها - لا تعني كما يراد لها أنّ هؤلاء الرجال قد انحازوا إلى معسكر الحسين وقاتلوا معه، وإنّما تعني أنّ هؤلاء الرجال نتيجة لصراع داخلي عنيف بين نداء الضمير الذي يدعوهم إلى الانحياز نحو الحسين والقتال معه، وبين واقعهم النفسي المتخاذل الذي يدفع بهم إلى التمسّك بالحياة الآمنة في ظلّ السلطة القائمة قد حيدوا أنفسهم بالنسبة إلى المعركة، فاعتزلوا معسكر السلطة ولم ينضووا إلى الثوّار.

ويبدو أنّه قد حدثت حالات كثيرة من هذا القبيل، منها حالة مسروق بن وائل الحضرمي الذي كان يطمح إلى أن يُصيب رأس الحسين (فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد)، ولكنّه تخلّى عن القتال وترك الجيش عندما رأى ما حل بابن حوزة عندما دعا عليه الحسين (عليه السّلام)، وقال لمحدّثه: (لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً لا أقاتلهم أبداً).

وربما كان هؤلاء - على تقدير صدق الرواية - هم اُولئك الرجال التافهون الذين قال الحصين بن عبد الرحمن عنهم: أنّهم كانوا وقوفاً على التل يبكون، ويقولون: (اللّهمّ أنزل نصرك). انتهى كلام المرحوم شمس الدين.

ويمكن التعليق على ما ذُكر آنفاً بعدم استبعاد هذا الرقم؛ فإنّ الناظر في روايات المقتل كما تبيّن لك في المتن، يرى أنّ نصف هذا العدد قد رصدت حركتهم لاقترانها بحدث، ولم ترصد باقي الأسماء لسبب أو لآخر، كما إنّ بعضهم كما يذكر المؤرّخون قد مالوا على الجيش الأموي وهم فيه وقاتلوهم. ولعلّ استبعاد الشيخ شمس الدين ليس في محلّه؛ لأنّه مبني على أنّه حدث وقع دفعة واحدة، ولذلك قال: أنّ حدثاً كهذا كان يجب أن يلفت نظر الرواة الآخرين... إلخ. وهو في غير محلّه؛ فإنّ حالات التحوّل كانت فردية، وامتدت من ليلة العاشر إلى يوم العاشر، وتحوّل عدد ثلاثين من مجموع ثلاثين ألف لا يمكن أن يلفت الأنظار أصلاً، خصوصاً أنّه ضمن حالات فردية لا أن مجموع الثلاثين قد جاؤوا في صورة مجموعة للحسين (عليه السّلام)، ولو كان اعتراض الشيخ شمس الدين على أنّ مجموعة اثنين وثلاثين شخصاً قد عبروا في الليل مرّة واحدة.

يُضاف إلى ذلك أنّ عدداً غير قليل من المذكورين في الشهداء في الزيارة لم يعرف كيفية شهادتهم، ولا طريقة التحاقهم بالحسين (عليه السّلام)، ولا شك أنّ قسماً من هؤلاء كانوا ممّن التحق به في اليوم العاشر، إضافة إلى مَنْ ذُكرت أسماؤهم كما في المتن.

وهؤلاء يختلفون عن القسم (المحايد) الذين ذكرهم، والذين لم يكونوا بالعدد القليل؛ سواء اُولئك الواقفين على التل أو غيرهم ممّن لم يحبّ أن يشارك إلاّ بمقدار تكثير السواد من دون أن يكون له مساهمة فعلية في المعركة.

٩٥

رواية ذكرها السيد ابن طاووس (ت ٦٦٤ هـ) في كتابه (اللهوف) تفيد أنّ عدد الذين انتقلوا إلى صف الحسين (عليه السّلام) يبلغ اثنين وثلاثين، بينما ذكر ابن نما الحلّي (ت ٦٤٥ هـ) في كتابه (مثير الأحزان) أنّه جماعة من عسكر عمر بن سعد قد جاؤوا إليهم من دون تحديد عدد هذه الجماعة.

والتتبّع لروايات المقتل يفيد أنّ التالية أسماؤهم قد انتقلوا إلى المعسكر الحسيني:

١ - الحرّ بن يزيد الرياحي (التميمي اليربوعي): قائد الفرقة التي بعثها عبيد الله بن زياد لمحاصرة الحسين (عليه السّلام) ومنعه من الوصول إلى الكوفة، وقد انتقل إلى المعسكر الحسيني صباح اليوم العاشر قبل بدء المعركة، وعلى أثر خطبة الإمام الحسين (عليه السّلام).

٢ - علي بن الحرّ الرياحي السابق ذكره.

٣ - غلام الحرّ: وهو تركي، وقد ذكره في مقتل الخوارزمي.

٤ - من الذين انتقلوا إلى الحسين (عليه السّلام) رجل من خزيمة جاء رسولاً من عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) ليبلّغه رسالته، فلم يرجع إلى عمر بن سعد وقال: مَنْ الذي يختار النار على الجنة(١) ؟

٥ - جوين بن مالك بن قيس الضبعي، ذُكر أنّه كان في جيش عمر

____________________

١ - كلمات الحسين / ٣٨١.

٩٦

بن سعد ثمّ انتقل إلى صفوف الإمام الحسين (عليه السّلام)، وقُتل في الحملة الأولى، وقد ورد ذكره في زيارة الناحية المقدّسة(١) .

٦ - الحارث بن امرئ القيس الكندي: لمّا رأى الحسين (عليه السّلام) قد أحاط به جيش الكوفة التحق بركبه(٢) .

٧ - الحلاس بن عمر الراسبي(٣) : سار هو وأخوه النعمان مع عمر بن سعد ثمّ تحوّلا إلى معسكر الحسين (عليه السّلام).

٨ - النعمان بن عمر الراسبي..المتقدم.

٩ - زهير بن سليم الأزدي: لمّا رأى إصرار جيش الكوفة على مقاتلة الحسين (عليه السّلام) اعتزل جيش عمر بن سعد ومال إلى معسكر الحسين (عليه السّلام) واستشهد بين يديه(٤) .

١٠ - عبد الله بن بشير(٥) : قيل فيه: أنّه يعدّ من مشاهير دعاة الحقّ وحماته، كان في البداية ضمن جيش عمر بن سعد، وقبل بدء القتال التحق بالإمام الحسين (عليه السّلام) واستشهد في الحملة الأولى قبل ظهر عاشوراء.

وبالنظر إلى ما تقدّم يمكن التأمّل في كونه من جيش عمر بن سعد، بل يمكن الاحتمال أنّه كان قد خرج مع الجيش؛ لكي يتسلل من خلاله إلى معسكر الحسين (عليه السّلام)، خصوصاً أنّ مَنْ كان يريد الخروج إلى الحسين لنصرته كان يُمنع ويُقاتل كما حصل لعامر الدلاني حيث قاتله زجر بن قيس

____________________

١ - أنصار الحسين / ٨١.

٢ - قصة كربلاء / ٢٨٢، نقلاً عن أعيان الشيعة.

٣ - أنصار الحسين / ٨٥.

٤ - قصة كربلاء / ٢٨٤، نقلاً عن أعيان الشيعة.

٥ - قصة كربلاء / ٢٨٦ عن إبصار العين.

٩٧

على بوابة الكوفة عندما أراد الخروج لنصر الحسين (عليه السّلام).

١١ - مسعود بن الحجّاج وابنه عبد الرحمن: ورد ذكرهما في الزيارة، وجاء في الأخبار أنّهما خرجا مع جيش عمر بن سعد، ولمّا وصلا كربلاء التحقا بالإمام الحسين(عليه السّلام)(١) .

١٢ - عبد الرحمن بن مسعود بن الحجّاج المتقدّم ذكره.

١٣ - عمرو بن ضبيعة التميمي: قيل فيه كان فارساً شجاعاً، فلمّا رأى ردّ الشروط على الحسين (عليه السّلام)، وعدم تمكينهم إيّاه من الرجوع من حيث أتى، انتقل إلى الحسين (عليه السّلام)، وورد ذكره في الزيارة(٢) .

١٤ - القاسم بن حبيب الأزدي: خرج مع جيش عمر بن سعد، فلمّا بلغ كربلاء انفصل عنهم وانضمّ إلى جيش الحسين (عليه السّلام)، ونحتمل فيه ما احتملنا في عبد الله بن بشير من أنّ خروجه مع الجيش الأموي كان وسيلة للخروج من الكوفة والالتحاق بالحسين (عليه السّلام)(٣) .

١٥ - يزيد أبو الشعثاء الكندي: وكان شجاعاً رامياً، وقد خرج مع الجيش الأموي، فلمّا رآهم ردّوا الشروط على الحسين (عليه السّلام) عدل إليه فقاتل بين يديه(٤) .

وهناك بعض الشهداء لم يتسنّ لهم أن يصلوا إلى معسكر الحسين (عليه السّلام) وإنّما كانوا في وسط الجيش الأموي، فحصل لهم ذلك التغير النفسي وطفقوا يضربون في جنود عمر بن سعد بأسيافهم، فأقبل

____________________

١ - قصة كربلاء / ٢٨٧.

٢ - قصة كربلاء عن تنقيح المقال للمامقاني.

٣ - المصدر السابق / ٢٨٨.

٤ - المصدر السابق / ٣٠٠.

٩٨

هؤلاء عليهم، وحيث أنّهم كانوا في وسط الجيش استطاعوا أن يقتلوهم بسرعة؛ حيث لم يكن مجال للمناورة عند اُولئك السعداء. وعدد هؤلاء لا نعرفه لكن توجد إشارات تاريخية إلى حصول مثل هذه الحادثة. مثل:

١٦ - سعد بن الحرث و.

١٧- أخوه أبو الحتوف: كانا في الجيش الأموي، فلمّا رأيا وحدة الحسين (عليه السّلام)، ورأيا ما حلّ بأصحابه، مالا على الجيش بسيفيهما يضربان فيهم حتّى قُتلا.

وقد ذكرهما الشيخ عباس القمّي في الكُنى والألقاب فقال: أبو الحتوف بن الحارث بن سلمة الأنصاري العجلاني، نسبة إلى بني عجلان بطن من الخزرج.

عن الحدائق الوردية في أئمّة الزيدية: أنّه كان مع أخيه سعد في الكوفة، ورأيهما رأي الخوارج، فخرجا مع عمر بن سعد لحرب الحسين (عليه السّلام)، فلمّا كان اليوم العاشر وقُتل أصحاب الحسين (عليه السّلام)، وجعل الحسين (عليه السّلام) ينادي:«ألا ناصر فينصرنا» . فسمعته النساء والأطفال فتصارخنَ، وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين (عليه السّلام) والصراخ من عياله، قالا: إنّا نقول لا حكم إلاّ لله، ولا طاعة لمَنْ عصاه، وهذا الحسين بن بنت نبيّنا محمّد، ونحن نرجو شفاعة جدّه يوم القيامة، فكيف نقاتله وهو بهذا الحال لا ناصر له ولا معين؟!

فمالا بسيفيهما مع الحسين (عليه السّلام) على أعدائه وجعلا يُقاتلان قريباً منه حتّى قتلا جمعاً وجرحا آخر، ثمّ قُتلا معاً في مكان واحد، وختم لهما بالسعادة الأبدية(١) .

____________________

١ - الكُنى والألقاب ١ / ٤٥.

٩٩

سؤال عن مَنْ الذي أجهز على الإمام الحسين (عليه السّلام)، ومَنْ احتزّ رأسه؟ هل هو سنان، أو شمر الضبابي؟

الجواب: في البداية لا بدّ أن نشير إلى نقطة، وهي أنّ بعض الأفعال لا يصح نسبتها إلاّ لفاعلها المباشر، بينما يصح نسبة أفعال أُخرى إلى متعددين؛ المباشر وغير المباشر.

مثال الأوّل: جلس، وأكل، ونام وغيرها، فإنّه لا يصحّ نسبة هذه الأفعال إلاّ لمَنْ قام بها مباشرة.

ومثال الثاني: بنى، فإنّه يصحّ نسبة الفعل إلى دافع المال، فيُقال فلان بنى بيتاً، وبنى مسجداً، ويصح نسبته إلى المقاول الذي قاد فريق العمال فيُقال: إنّه هو الذي بنى المسجد، ويصحّ نسبته إلى العامل المباشر.

وفعل القتل هو من هذا القبيل، فإنّه يصحّ إطلاقه على الآمر بالقتل؛ ولذا يُتحدّث في الروايات عن يزيد باعتبار أنّه قاتل(١) الحسين (عليه السّلام) مع أنّه لم يكن الفاعل المباشر للقتل، ويُعرف عبيد الله بن زياد بأنه قاتل(٢) الحسين (عليه السّلام)، وأيضاً يُطلق على عمر بن سعد بن أبي وقاص أنّه قاتل الحسين (عليه السّلام)(٣) ، وكلّ هذه الإطلاقات صحيحة لما ذكرنا.

____________________

١ - في رواية معتبرة في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السّلام) يتحدّث عن شرار الخلق الذين ابتُلي بهم خيار الخلق:«... ويزيد بن معاوية (لعنه الله) قاتل الحسين بن علي (عليهما السّلام)، وعاداه حتّى قتله...» .

٢ - لمّا تواقف التوّابون مع جيش عبيد الله بن زياد، خطب قادة التوّابين في أصحابهم، وقالوا: هذا عبيد الله بن زياد بن مرجانة قاتل أبي عبد الله الحسين أمامكم.

٣ - ذكر السيد الشهرستاني في هامش كتابه (وضوء النبي ج ٢) أنّ يحيى بن سعيد قد حدّث عن عمر بن سعد، فقال له رجل: أما تخاف الله! تروي عن عمر =

١٠٠