تلخيص التمهيد الجزء ١

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 459

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 459
المشاهدات: 75227
تحميل: 9436


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75227 / تحميل: 9436
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهؤلاء الثلاثة - عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت - كانوا هم العمدة في كتابة الوحي، وكانوا حضوره (صلّى الله عليه وآله) في جميع أيّامه أو يتناوَبون.

أمّا غيرهم ممّن عدُّوهم في كُتّاب الوحي، فلم يكونوا بتلك المرتبة.

قال ابن الأثير: وكان من المواظبين على كتابة الرسائل: عبد الله بن الأرقم الزهري.

وكان الكاتب لعهود رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا عاهدَ، وصُلحه إذا صالح: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .

قال: وممّن كتب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): الخلفاء الثلاثة، والزبير بن العوّام، وخالد، وأبان ابنا سعيد بن العاص، وحنظلة الأسيدي، والعلاء بن الحضرمي، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن رواحة، ومحمّد بن مسلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي سلول، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وجهم - أو جهيم - بن الصلت، ومعيقيب بن أبي فاطمة، وشرحبيل بن حسنة، وهكذا ذكر ابن عبد البرّ في الاستيعاب (1) .

والظاهر أنّ هؤلاء كانوا أهل قراءة وكتابة في العرب آنذاك، فكان النبي (صلّى الله عليه وآله) يستخدمهم أحياناً لكتاباته إذا لم يحضر كُتّابه الرسميّون.

وقد عدّ أبو عبد الله الزنجاني أكثر من أربعين شخصاً كانوا يكتبون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) (2) ، والظاهر أنّهم من هذا القبيل.

قال ابن الأثير: وأوّل مَن كتب له (صلّى الله عليه وآله) من قريش: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ثمّ ارتدّ ورجع إلى مكّة، فنزل فيه: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) (3) .

____________________

(1) أُسد الغابة لأبن الأثير: ج1، ص50 / الاستيعاب بهامش الإصابة: ج1، ص50.

(2) تاريخ القرآن للزنجاني: ص20 - 21.

(3) أُسد الغابة: ج1، ص50 / والآية 93 من سورة الأنعام.

١٢١

يقال: إنّه (صلّى الله عليه وآله) أمْلى عليه ذات يوم: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ - إلى قوله - ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) فجرى على لسان عبد الله بن سعد: ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (1) فأمْلاه النبي (صلّى الله عليه وآله) كذلك، وقال: هكذا أُنزل، فارتدّ عدوّ الله وشكّ في الأمر، زاعماً أنّه ينزل عليه الوحي كما ينزل على النبي (صلّى الله عليه وآله)، وهدرَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دمه.

فلمّا كان يوم الفتح جاء به عثمان - وهو أخوه من الرضاعة - مستعفياً له، فسكت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فأعاد عليه فسكت، لعلّه مَن ينتدب فيقتله، حتّى أعفاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعثمان، فلمّا مضَيا قال لأصحابه: (ألم أقُل مَن رآه فليقتله؟ فقال عبّاد بن بشر: كانت عيني إليك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تشير إليّ فأقتله، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): الأنبياء لا يقتلون بالإشارة)، وهكذا في الرواية عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (نزلت في ابن أبي سرح) (2) .

كان الكتَبة على عهده (صلّى الله عليه وآله) يكتبون ما نزل من القرآن على ما تيسّر لهم الكتابة عليه، من: العُسُب (3) ، واللِّخاف (4) ، والرقاع (5) ، وقطع الأديم (6) ، وعظام الأكتاف والأضلاع، وأحيانا القراطيس المهيّأة لهم ذلك العهد.

ثمّ يوضع المكتوب - أيّاً كان - في بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهكذا انقضى العهد النبويّ السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط، بيد أنّه لم يُكتب تماماً في صُحف ولا رُتّب في مصاحف، بل كُتب منثوراً على الرقاع وقِطَع الأديم والقراطيس، ممّا ذكرنا.

____________________

(1) المؤمنون: 12 - 14.

(2) راجع مجمع البيان: ج4، ص335 الطبعة الإسلامية.

(3) العُسُب - بضمّتين -: جمع عسيب، وهو جريد النخل، كانوا يكشفون الخوص و يكتبون في الطرف العريض.

(4) اللِخاف - بكسر اللام -: جمع لَخفة - بفتح اللام وسكون الخاء - وهي الحجارة الرقيقة، أو هي صفائح الحجارة.

(5) الرقاع: جمع رقعة، تكون من جِلد، أو ورق، أو كاغد.

(6) الأديم: الجِلْد.

١٢٢

قال زيد بن ثابت: كنّا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأُلِّف القرآن من الرقاع (1) ، أي نجمعه في مكان أو في وعاء، وهكذا الصحابة قد يستنسخ بعضهم سورة أو سوَراً من القرآن، ويجعلها في وعاء كان يسمّى الصُحف ويعلّقه في بيته.. كلّ ذلك من غير مراعاة ترتيب بين السوَر كما هو الآن (2) .

نعم، كان التأليف آنذاك - أيّام حياته (صلّى الله عليه وآله) - عبارة عن ترتيب الآيات ضمن السوَر، إمّا حسب النزول - كما هو الأغلب - أو حسب إرشاد النبي (صلّى الله عليه وآله) بتوقيف من جبرائيل، كان يقول: (ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا).

أمّا الصحابة يومذاك، فكانوا يستنسخون القرآن حسبما تيسّر لهم في قرطاس، أو كِنْف، أو عَظْم، أو نحو ذلك بالمقدار الذي يبلغهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو حسبما يريدونه، وكان الأكثر يعتمدون على حِفْظهم، فلا يُكتب جرياً على عادة العرب في حفظ آثارها وأشعارها وخُطَبها ونحو ذلك (3) .

قال سيّدنا الطباطبائي (رحمه الله): لم يكن القرآن مؤلّفاً في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولم يكن منه سوى سِوَر وآيات متفرّقة في أيدي الناس (4) .

* * *

____________________

(1) مناهل العرفان للزرقاني: ج1، ص247.

(2) راجع التمهيد: ج1، ص288.

(3) راجع المناهل: ج1، ص247 و248.

(4) تفسير الميزان: ج3، ص78 و79.

١٢٣

١٢٤

تاريخ القرآن

1 - تأليف القرآن.

2 - توحيد المصاحف.

١٢٥

١٢٦

1 - تأليف القرآن

- نظْمُ كلماته ضمن الآيات.

- تأليف آياته ضمن السوَر.

- ترتيب سوَره بين الدفّتين.

- تمحيص الرأي المعارض.

- جمْع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

- وصف مصحف عليّ (عليه السلام) وأمَده.

- جمع زيد بن ثابت.

- منهج زيد في جمع القرآن.

- شكوك واعتراضات.

- مصاحف أخرى للصحابة، أمَدُها ووصفها.

- وصف مصحف ابن مسعود.

- وصف مصحف أُبيّ بن كعب.

١٢٧

تأليفُ القرآن

تأليف القرآن في شكله الحاضر - في نظْم آياته وترتيب سوَره، وكذلك في تشكيله وتنقيطه وتفصيله إلى أجزاء ومقاطع - لم يكن وليدَ عاملٍ واحد، ولم يكتمل في فترة الوحي الأُولى، فقد مرّت عليه أدوار وأطوار، ابتدأت بالعهد الرسالي، وانتهت بدَور توحيد المصاحف على عهد عثمان، ثمَّ إلى عهد الخليل بن أحمد النحويّ الذي أكمل تشكيله بالوضع الموجود.

وهو بحث أشبه بمعالجة قضية تاريخية مذيَّلة عن أحوال وأوضاع مرَّت على هذا الكتاب السماويّ الخالد، غير أنَّ مهمَّتنا الآن هي: العناية بدراسة القرآن من زاوية جمْعه وتأليفه مصحفاً بين دفَّتين، والبحث عن الفترة التي حصل فيها هذا الجمْع والتأليف، وعن العوامل التي لعِبَت هذا الدَور الخطير، ومن ثمَّ سنفصِّل الكلام عن القرآن في عهده الأوَّل الذي لم يتجاوز نصف قرن، ثمَّ نوجز الكلام في أحوال مرّت عليه في أدوار متأخِّرة، والبحث الحاضر يكتمل في ثلاث مراحل أساسية:

أوّلاً: نظْم كلمات القرآن بصورة جُمَل و تراكيب كلامية ضمن الآيات.

ثانياً: تأليف الآيات ضمن السوَر قصيرة أمْ طويلة.

١٢٨

ثالثاً: ترتيب السوَر بين دفَّتين على صورة مصحَف كامل.

ونحن إذ نسير على هذا المنهج لا نتغافل صعوبة المسلك الذي نسلكه بهذا الصدد، إنَّه بحث ذو جوانب خطيرة عن كتاب سماويّ احتفظ على أصالته في ذمّة الخلود، وكفَّل سعادةً عُليا للبشريّة كافَّة إذا ما سارت على ضوء برامجه الحكيمة، وتمسَّكت بعُرى حبْلِه الوثيق، ومن ثمَّ فإنَّ الزلَّة في سبيل الوصول إلى حقائقه ومعارفه خطيرة ومخطرة في نفس الوقت، ونسأله تعالى أن يمدَّنا بتوفيقه ويهدينا إلى طريق الحقِّ والصواب، إنَّه قريبٌ مجيب.

نَظْمُ كلماته:

لا شكَّ أنَّ العامل في نظْم كلمات القرآن وصياغتها جُمَلاً وتراكيب كلامية بديعة هو: الوحي السماويّ المعجز، لم يتدخَّل فيه أيّ يد بشرية إطلاقاً، كما ولم يحدث في هذا النظْم الكلِمي أيّ تغيير أو تحريف عِبر العصور: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (1) إذ في ذلك يتجسَّد سرّ ذلك الإعجاز الخالد، الذي لا يزال يتحدّى به القرآن الكريم، ولمزيد التوضيح نعرض ما يلي:

أوّلاً: إسناد الكلام إلى متكلِّم خاصّ، يستدعي أن يكون هو العامل في تنظيم كلماته وتنسيق أسلوبه التعبيري الخاصّ، أمّا إذا كان هو مُنْتقِياً كلمات مفردة، وجاء آخَر فنظّمها في أسلوب كلاميّ خاصّ، فإنَّ هذا الكلام ينسب إلى الثاني لا الأوَّل.

وهكذا القرآن المجيد هو كلام الله العزيز الحميد، فلابدَّ أن يكون الوحي هو العامل الوحيد في تنظيم كلماته جُمَلاً وتراكيب كلامية بديعة، أمّا نفس الكلمات - من غير اعتبار التركيب والتأليف - فكان العرب يتداولونها ليل نهار، إنَّما الإعجاز في نَظْمها جاء مِن قِبل وحي السماء.

____________________

(1) الحجر: 9.

١٢٩

ثانياً: كان القِسط الأوفر من إعجاز القرآن كامناً وراء هذا النَظْم البديع وفي أسلوبه هذا التعبيريّ الرائع، من تناسب نغميّ مرِن، وتناسق شِعريّ عجيب، وقد تحدّى القرآن فُصحاء العرب وأرباب البيان - بصورة عامَّة - لو يأتوا بمِثل هذا القرآن، و ( لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) (1) ، فلو جوَّزنا - محالاً - إمكان تدخّل يد بشرية في نظْم القرآن كان بمعنى إبطال ذاك التحدّي الصارخ.

ومن ثمَّ كان ما يُنسَب إلى ابن مسعود: جواز تبديل العِهْن بالصوف في الآية الكريمة (2) ، أو قراءة أبي بكر: (وجاءت سَكْرة الحقّ بالموت) (3) مكذوباً، أو هو اعتبارٌ شخصيٌّ لا يتّسم بالقرآنية في شيء.

ثالثاً: اتّفاق كلمة الأُمّة في جميع أدوار التاريخ: على أنَّ النظْم الموجود والأسلوب القائم في جُمَل وتراكيب الآيات الكريمة، هو من صُنع الوحي السماويّ لا غيره، الأمر الذي التزمت به جميع الطوائف الإسلامية على مختلف نزعاتهم وآرائهم في سائر المواضيع، ومن ثمَّ لم يتردَّد أحد من علماء الأدب والبيان في آية قرآنية جاءت مخالفة لقواعد رَسموها، في أخْذ الآية حجَّة قاطعة على تلك القاعدة وتأويلها إلى ما يلتئم وتركيب الآية، وذلك عِلماً منهم بأنَّ النظْم الموجود في الآية وحي لا يتسرَّب إليه خطأ البتَّة، وإنَّما الخطأ في فهْمِهم هُم، وفيما استنبطوه من قواعد مرسومة.

مثال ذلك قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ ) (4) فزعموا أنَّ الحال لا تتقدَّم على صاحبها المجرور بحرف، والآية جاءت مخالفة لهذه القاعدة، ومن ثمَّ وقع بينهم جدل عريض، ودار بينهم كلام في صحّة تلك القاعدة وسُقْمها (5) .

____________________

(1) الإسراء: 88.

(2) القارعة: 5 / راجع تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة: ص19.

(3) ق: 19 / راجع تفسير الطبري: ج26، ص100، وأصل الآية ( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ) .

(4) سبأ: 28.

(5) راجع شرح التوضيح لخالد الأزهري، والكشّاف للزمخشري.

١٣٠

ولجَأ ابن مالك أخيراً إلى نبذ القاعدة بحجَّة أنَّها مخالفة للآية، قال:

وسَبقُ حالٍ ما بحرف جرٍّ قد

أبَوا ولا أمنعه فقد ورَد

تأليف الآيات:

وأمّا تأليف الآيات ضمن كلِّ سورة - على الترتيب الموجود - فهذا قد تحقَّق في الأكثر الساحق وفْق ترتيب نزولها، كانت السورة تبتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فتُسجَّل الآيات التي تنزل بعدها من نفس هذه السورة، واحدة تلو الأُخرى تدريجيّاً حسب النزول، حتَّى تنزل بسْملة أُخرى، فيُعرَف أنَّ السورة قد انتهت وابتدأت سورة أُخرى.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (كان يُعرَف انقضاء سورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً لأخرى) (1) .

قال ابن عباس: كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يعرِف فصْل سورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم، فيعرف أنَّ السورة قد خُتمت وابتدأت سورة أُخرى (2) .

كان كتَبة الوحي يعرفون بوجوب تسجيل الآيات ضمن السورة التي نزلت بسْمَلَتُها، حسب ترتيب نزولها واحدة تلو الأُخرى كما تنزل، من غير حاجة إلى تصريح خاصّ بشأن كلِّ آيةٍ آية.

هكذا ترتَّبت آيات السوَر وفْق ترتيب نزولها، على عهد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وهذا ما نسمّيه بـ (الترتيب الطبيعي) ، وهو العامل الأوَّل الأساسي للترتيب الموجود بين الآيات في الأكثرية الغالبة.

والمعروف أنَّ مُصحف عليّ (عليه السلام) وُضِع على دِقَّة كاملة من هذا الترتيب

____________________

(1) تفسير العيّاشي: ج1، ص19.

(2) المستدرك للحاكم: كتاب الصلاة، ج1، ص231. تاريخ اليعقوبي: ج2، ص27، طبع الحيدري.

١٣١

الطبيعي للنزول، الأمر الذي تخلَّفت عنه مصاحف سائر الصحابة، على ما سنشير.

* * *

وهناك عامل آخر عمل في نظْم قِسم من الآيات على خلاف ترتيب نزولها، وذلك بنصٍّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتعيينه الخاصّ، كان يأمر - أحياناً - بثبْت آية في موضعٍ خاصّ من سورة سابقة كانت قد خُتمت من قبْل، ولا شكَّ أنَّه (صلّى الله عليه وآله) كان يرى المناسبة القريبة بين هذه الآية النازلة والآيات التي سبَقَ نزولها، فيأمر بثبْتها معها بإذن الله تعالى.

وهذا جانب استثنائي للخروج عن ترتيب النزول، كان بحاجة إلى تصريح خاصّ: روى أحمد في مسنده عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالساً عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ شخَصَ ببصرِه ثمَّ صوَّبه، ثمَّ قال: (أتاني جبرائيل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ) ) (1) فجُعلت في سورة النَحْل بين آيات الاستشهاد وآيات العهد (2) .

وروي أنَّ آخِر آية نزلت قولُهُ تعالى: ( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللّهِ ) (3) فأشار جبرائيل أن توضع بين آيتَي الرِبا والدَين من سورة البقرة (4) .

وعن ابن عبّاس والسدّي: أنَّها آخِر ما نزلت من القرآن، قال جبرائيل: (ضعْها في رأس الثمانين والمئتين) (5).

وعن ابن عبّاس أيضاً قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السوَر ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض مَن كان يكتب

____________________

(1) النحل: 90.

(2) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج1، ص62.

(3) البقرة: 281.

(4) الإتقان: ج1، ص62.

(5) مجمع البيان للطبرسي: ج2، ص394.

١٣٢

فيقول: (ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا) (1) .

هذا ممّا لا خلاف فيه، كما صرَّح بذلك أبو جعفر بن الزبير (2) .

ترتيب السِوَر:

وأمّا جمْع السوَر هو ترتيبها بصورة مصحف مؤلَّف بين دفَّتين، فهذا قد حصل بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله).

انقضى العهد النبوي والقرآن منثور على العُسُب، واللِخاف، والرقاع، وقِطَع الأديم (3) ، وعِظام الأكتاف والأضلاع، وبعض الحرير والقراطيس، وفي صدور الرجال.

كانت السِوَر مكتملة على عهده (صلّى الله عليه وآله) مرتَّبة آياتها وأسماؤها، غير أنَّ جمعها بين دفَّتين لم يكن حصل بعد؛ نظراً لترقّب نزول قرآن على عهده (صلّى الله عليه وآله)، فما دام لم ينقطع الوحي لم يصحّ تأليف السوَر مصحفاً، إلاّ بعد الاكتمال وانقطاع الوحي، الأمر الذي لم يكن يتحقّق إلاّ بانقضاء عهد النبوَّة واكتمال الوحي.

قال جلال الدين السيوطي: كان القرآن كُتب كلّه في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتَّب السوَر (4) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): يا عليّ، القرآن خلف فِراشي في الصحُف والحرير والقراطيس، فخُذوه واجمَعوه ولا تضيِّعوه) (5) .

وأوَّل مَن قام بجمْع القرآن بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرة وبوصيّةٍ منه هو:

____________________

(1) أخرجه الترمذي بطريقٍ حسَن والحاكم بطريقٍ صحيح. (راجع البرهان للزركشي: ج1، ص 241. وتاريخ اليعقوبي: ج2، ص36، طبع الحيدري).

(2) الإتقان: ج1، ص60.

(3) العسيب: جريدة النخل إذا كشط خُوصها، واللخف: حجارة بيض رقاق، والأديم: الجِلد المدبوغ، وهكذا ذهب السيد الطباطبائي إلى أنّه لم يُجمع القرآن على عهده (صلّى الله عليه وآله). (راجع الميزان: ج3، ص78).

(4) الإتقان: ج1، ص57. مناهل العرفان للزرقاني: ج1، ص240.

(5) بحار الأنوار: ج92، ص48.

١٣٣

الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، ثمَّ قام بجمْعه زيد بن ثابت بأمرٍ من أبي بكر، كما قام بجمْعه كلّ من: ابن مسعود، وأُبَي بن كعب، وأبي موسى الأشعري وغيرهم، حتّى انتهى الأمر إلى دَور عثمان، فقام بتوحيد المصاحف وإرسال نُسَخ موحَّدة إلى أطراف البلاد، وحملَ الناس على قراءتها وترْك ما سواها - على ما سنذكر -.

كان جمعُ عليّ (عليه السلام) وفْق ترتيب النزول: المكّي مقدَّم على المدَني، والمنسوخ مقدَّم على الناسخ، مع الإشارة إلى مواقع نزولها ومناسبات النزول.

قال الكلبي: لمّا توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قعد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في بيته، فجمَعه على ترتيب نزوله، ولو وُجِد مصحفُه لكان فيه عِلمٌ كبير (1) .

وقال عكرمة: لو اجتمعت الإنْس والجِنّ على أن يؤلّفوه كتأليف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ما استطاعوا (2) .

وأمّا جمْع غيره من الصحابة فكان على ترتيبٍ آخر: قدَّموا السوَر الطِوال على القِصار، فقد أثبتوا السبْع الطوال : (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، يونس) قبل المئين : (الأنفال، براءة، النحل، هود، يوسف، الكهف، الإسراء، الأنبياء، طه، المؤمنون، الشعراء، الصافّات)، ثمَّ المثاني : (هي التي تقلّ آياتها عن مئة، وهي عشرون سورة تقريباً)، ثمَّ الحواميم : (السور التي افتُتحت بـ حم)، ثمَّ ا لمفصَّلات : (ذوات الآيات القِصار) لكثرة فواصلها، وهي السوَر الأخيرة في القرآن.

وهذا يقرب نوعاً ما من الترتيب الموجود الآن - على ما سيأتي -.

نعم، لم يكن جمْع زيد مرتّباً ولا منتظماً كمُصحف، وإنَّما كان الاهتمام في ذلك الوقت على جمع القرآن عن الضياع، وضبط آياته وسوَره حذراً عن التلف بموت حامِليه، فدوّنت في صُحف وجُعلت في إضبارة، وأُودعت عند أبي بكر

____________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل: ج1، ص4.

(2) الإتقان: ج1، ص57.

١٣٤

مدَّة حياته، ثمَّ عند عُمَر بن الخطّاب حتّى توفّاه الله، فصارت عند ابنته حفْصة، وهي النُسخة التي أخذَها عثمان لمقابلة المصاحف عليها، ثمَّ ردّها عليها، وكانت عندها إلى أن ماتت، فاستلَبها مروان من ورَثَتها حينما كان والياً على المدينة من قِبل معاوية، فأمَر بها فشُقَّت، وسنذكر كلَّ ذلك بتفصيل.

تمحيص الرأي المعارض:

ما قدَّمنا هو المعروف عن رواة الآثار، وعند الباحثين عن شؤون القرآن، منذ الصدر الأوَّل فإلى يومنا هذا، ويوشك أن يتَّفق عليه كلمة أرباب السِيَر والتواريخ، ولكن مع ذلك نجد مَن ينكر ذاك التفصيل في جمع القرآن، ويرى أنَّ القرآن بنَظْمه القائم وترتيبه الحاضر، كان قد حصل في حياة الرسول (صلّى الله عليه وآله).

وقد ذهب إلى هذا الرأي جماعة من علماء السلَف: كالقاضي، وابن الأنباري، والكرماني، والطيّبي (1) ، ووافَقهم عَلَم الهدى السيّد المرتضى (قدّس سرّه)، قال: كان القرآن على عهده (صلّى الله عليه وآله) مجموعاً مؤلَّفاً على ما هو عليه الآن، واستدلّ على ذلك: بأنَّ القرآن كان يُدَرَّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عُيّن جماعة من الصحابة في حفظِهم له، وأنّه كان يُعرَض على النبي (صلّى الله عليه وآله) ويُتلى عليه، وأنّ جماعة من الصحابة مثل: عبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وغيرهما ختموا القرآن على النبي - (صلّى الله عليه وآله) - عدَّة ختْمات، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث (2) .

لكن حِفظ القرآن: هو بمعنى حِفظ جميع سوَره التي اكتملت آياتها، سواء أكان بين السوَر ترتيب أمْ لا، وهكذا ختمُ القرآن: هو بمعنى قراءة جميع سوَره من غير لحاظ ترتيب خاصّ بينها، أو الحِفظ كان بمعنى الاحتفاظ على جميع القرآن

____________________

(1) الإتقان: ج1، ص62.

(2) مجمع البيان: ج1، ص15.

١٣٥

النازل لحدّ ذاك، والتحفّظ عليه دون الضياع والتفرقة، الأمر الذي لا يدلّ على وجود ترتيب خاصّ كان بين سوَره كما هو الآن.

هذا، وقد ذهب إلى ترجيح هذا الرأي أيضاً سيدّنا الأستاذ الإمام الخوئي (رحمه الله) نظراً إلى الأمور التالية:

أوّلاً: أحاديث جمْع القرآن بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) بنفسها متناقضة، تتضارب مع بعضها البعض، ففي بعضها تحديد زمن الجمع بعهد أبي بكر، وفي آخر بعهد عمَر، وفي ثالث بعهد عثمان، كما أنَّ البعض ينصّ على أنَّ أوّل مَن جمَع القرآن هو زيد بن ثابت، وآخر ينصّ على أنَّه أبو بكر، وفي ثالث أنَّه عمَر، إلى أمثال ذلك من تناقضات ظاهرة.

ثانياً: معارضتها بأحاديث دلَّت على أنَّ القرآن كان قد جُمع على عهده (صلّى الله عليه وآله)، منها حديث الشعبي، قال: جَمَع القرآن على عهده ستَّة: أُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد، وأبو زيد. وفي حديث أنَس أنَّهم أربعة: أُبَي، ومعاذ، وزيد، وأبو زيد، وأمثال ذلك.

ثالثاً: منافاتها مع آيات التحدّي، التي هي دالَّة على اكتمال سوَر القرآن وتمايز بعضها عن بعض، ومتنافية أيضاً مع إطلاق لفظ الكتاب على القرآن في لسانه (صلّى الله عليه وآله)، الظاهر في كونه مؤلَّفاً كتاباً مجموعاً بين دفَّتين.

رابعاً: مخالفة ذلك مع حُكم العقل بوجوب اهتمام النبي (صلّى الله عليه وآله) بجمْعه وضبطه عن الضياع والإهمال.

خامساً: مخالفته مع إجماع المسلمين، حيث يَعتبرون النصَّ القرآني متواتراً عن النبيّ نفسه، في حين أنَّ بعض هذه الروايات تشير إلى اكتفاء الجامِعين بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) بشهادة رجُلين أو رجُل واحد!.

سادساً: استلزام ذلك تحريفاً في نصوص الكتاب العزيز، حيث طبيعة الجمْع المتأخّر تستدعي وقوع نقص أو زيادة في القرآن، وهذا مخالف لضرورة

١٣٦

الدِين (1) .

وزاد بعضهم: أنَّ في المناسبة الموجودة بين كلِّ سورة مع سابقتها ولاحِقتها، لدليلاً على أنَّ نظْمها وترتيبها كان بأمر الرسول (صلّى الله عليه وآله)، إذ لا يَعرِف المناسبة بهذا الشكل المبدع البالغ حدَّ الإعجاز غيرُه (صلّى الله عليه وآله).

* * *

لكن يجب أن يُعلَم: أنَّ قضيَّة جمْع القرآن حدَثٌ من أحداث التاريخ، وليست مسألة عقلانية قابلة للبحث والجدل فيها، وعليه فيجب مراجعة النصوص التاريخية المستندة من غير أن يكون مجال لتجوال الفِكر فيها على أيَّة حال!.

وقد سبَق اتّفاق كلمة المؤرِّخين، ونصوص أرباب السِيَر وأخبار الأمم، ووافَقهم أصحاب الحديث طرّاً، على أنَّ ترتيب السوَر شيء حصل بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولم يكن بالترتيب الذي نزلتْ عليه السوَر.

وبعد، فلا نرى أيَّ مناقضة بين روايات جمْع القرآن، إذ لا شكَّ أنَّ عمَر هو الذي أشار على أبي بكر بجمْع القرآن، وهذا الأخير أمَر زيداً أن يتصدّى القضية من قِبَلِه، فيصحّ إسناد الجمْع الأوَّل إلى كلٍّ من الثَلاثة بهذا الاعتبار.

نعم، نسبة الجمْع إلى عثمان كانت باعتبار توحيده للمصاحف ونَسْخها في صورة موحَّدة، وأمّا نسبة توحيد المصاحف إلى عُمَر فهو من اشتباه الراوي قطعاً؛ لأنَّ الذي فعَل ذلك هو عثمان بإجماع المؤرِّخين.

وحديث ستَّة أو أربعة جمعوا القرآن على عهده (صلّى الله عليه وآله) فمعناه: الحِفظ عن ظَهْر القلب، حفظوا جميع الآيات النازلة لحدّ ذاك الوقت، أمّا الدلالة على وجود نَظْم كان بين سوَره فلا.

وأمّا حديث التحدّي فكان بنفس الآيات والسوَر، وكلُّ آية أو سورة قرآن، ولم يكن التحدّي يوماً ما بالترتيب القائم بين السوَر؛ كي يتوجَّه الاستدلال المذكور! ز

____________________

(1) راجع البيان في تفسير القرآن للإمام الخوئي: ص257 - 278.

١٣٧

على أنَّ التحدّي وقَع في سوَر مكّية (1) أيضاً، ولم يُجمَع القرآن قبل الهجرة قطعاً.

واهتمام النبي (صلّى الله عليه وآله) بشأن القرآن، شيء لا ينكَر، ومن ثمَّ كان حريصاً على ثبْت الآيات ضمن سوَرها فور نزولها، وقد حصل النَظْم بين آيات كلِّ سورة في حياته (صلّى الله عليه وآله).

أمّا الجمْع بين السوَر وترتيبها كمصحف موحَّد فلم يحصل حينذاك؛ نظراً لترقّب نزول قرآن عليه، فما لم ينقطع الوحي لا يصحّ جمع القرآن بين دفَّتين ككتاب، ومن ثمَّ لمّا أيقن بانقطاع الوحي بوفاته (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى عليّ (عليه السلام) بجمْعه.

ومعنى تواتر النصّ القرآني هو: القطع بكونه وحْياً، الأمر الذي يحصل من كلّ مستند وثيق، وليس التواتر - هنا - بمعناه المصطلح عند الأصوليين.

وأمّا استلزام تأخّر الجمْع تحريفاً في كتاب الله، فهو احتمال مجرَّد لا سنَد له، بعد معرفتنا بضبط الجامِعين وقُرب عهدهم بنزول الآيات، وشدَّة احتياطهم على الوحي، بما لا يدَع مجالاً لتسرّب احتمال زيادة أو نقصان.

وأخيراً، فإنّ قولة البعض الأخيرة فهي لا تعدو خيالاً فارغاً، إذ لا مناسبة ذاتية بين كلِّ سورة وسابقتها أو تالِيَتها، سوى ما زعَمه بعض المفسِّرين المتكلِّفين، وهو تمحّل باطل بعد إجماع الأمّة على أنَّ ترتيب السوَر كان على خلاف ترتيب النزول بلا شكّ.

إذاً لا يملك معارضونا دليلاً يُثنينا عن الذي عزَمْنا عليه من تفصيل حديث الجمْع، وإليك:

جمعُ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

أوَّل مَن تصدّى لجمْع القرآن بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرة وبوصيّةٍ منه (2) هو

____________________

(1) في سورة يونس: 38، وسورة هود: 13، وهما مكّيَّتان.

(2) راجع تفسير القمّي: ص745. وبحار الأنوار: ج92، ص48 و52.

١٣٨

عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قعَد في بيته مشتغلاً بجمْع القرآن وترتيبه على ما نزل، مع شروح وتفاسير لمواضع مبهمة من الآيات، وبيان أسباب النزول ومواقع النزول بتفصيل حتّى أكمله على هذا النمط البديع.

قال ابن النديم - بسنَدٍ يذكره -: إنَّ عليّاً (عليه السلام) رأى من الناس طَيرة عند وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، فأقسَم أن لا يضع رداءه حتّى يجمَع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيّام (1) حتّى جمَع القرآن، فهو أوّل مُصحف جمع فيه القرآن من قلْبِه (2) ، وكان هذا المصحف عند آل جعفر.

قال: ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني (رحمه الله) مصحفاً قد سقط منه أوراق، بخطّ عليّ بن أبي طالب، يتوارثه بنو حسَن (3) .

وهكذا روى أحمد بن فارس عن السدّي، عن عبد خير، عن عليّ (عليه السلام) (4) .

وروى محمَّد بن سيرين عن عكرمة، قال: لمّا كان بدْء خلافة أبي بكر، قعَد عليّ بن أبي طالب في بيته يجمع القرآن، قال: قلت لعكرمة: هل كان تأليف غيره كما أُنزل الأوَّل فالأوَّل؟ قال: لو اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يؤلِّفوه هذا التأليف ما استطاعوا.

قال ابن سيرين: تطلَّبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة، فلم أقدر عليه (5) .

قال ابن جزي الكلبي: كان القرآن على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مفرَّقاً في

____________________

(1) ولعلّه سهو من الراوي؛ لأنّ الصحيح أنّه (عليه السلام) أكمل جمع القرآن لمدّة ستة أشهر، كان لا يرتدي خلالها إلاّ للصلاة (راجع المناقب: ج2، ص40).

(2) قال ابن عبّاس: فجمع الله القرآن في قلْب عليّ، وجمعه عليّ بعد موت رسول الله (صلّى الله عليهما وآلهما) بستّة أشهر (نفس المصدر السابق).

(3) الفهرست: ص47 - 48.

(4) في كتابة (الصاحبي): ص169. هامش تأويل مشكل القرآن: ص275 الطبعة الثانية.

(5) الإتقان: ج1، ص57. وراجع الطبقات: ج2، ق2، ص101. والاستيعاب بهامش الإصابة: ج2، ص253.

١٣٩

الصحُف وفي صدور الرجال، فلمّا توفّي جَمَعه عليّ بن أبي طالب على ترتيب نزوله، ولو وجِد مصحفه لكان فيه عِلم كبير، ولكنَّه لم يوجد (1) .

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (ما من أحد من الناس يقول إنَّه جَمع القرآن كلَّه كما أنزلَ الله إلاّ كذّاب، وما جمَعه وما حَفظه كما أنزل الله إلاّ عليّ بن أبي طالب) (2) .

قال الشيخ المفيد - في المسائل السروية -: وقد جمَع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن المُنزَل من أوَّله إلى آخِره، وألَّفه بحسَب ما وجب تأليفه، فقدَّم المكّي على المدَني، والمنسوخ على الناسخ، ووضع كلَّ شيء منه في حقّه (3) .

وقال العلاّمة البلاغي: من المعلوم عند الشيعة أنَّ عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام) - بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - لم يرتدِ برداء إلاّ للصلاة حتّى جمَع القرآن على ترتيب نزوله، وتقدُّم منسوخه على ناسِخه.

وأخرج ابن سعد، وابن عبد البرّ في الاستيعاب عن محمَّد بن سيرين، قال: نُبِّئت أنَّ عليّاً أبطأ عن بيعة أبي بكر، فقال: أكرهتَ إمارتي؟ فقال: (آليت بيميني أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاة حتّى أجمع القرآن)، قال: فزعموا أنَّه كتبه على تنزيله. قال محمّد: فلو أصبتُ ذلك الكتاب كان فيه عِلم (4) .

قال ابن حجر: وقد ورد أنَّ عليّاً جمَع القرآن على ترتيب النزول عقِب موت النبي (صلّى الله عليه وآله). أخرجه ابن أبي داود (5) .

قال ابن شهرآشوب: ومن عجَب أمرِه في هذا الباب، أنَّه لا شيء من العلوم إلاّ وأهلُه يجعلون عليّاً قُدوة، فصار قوله قِبلةً في الشريعة، فمنه سُمع القرآن.

ذكَر الشيرازي في نزول القرآن عن ابن عبّاس قال: ضمِنَ الله محمَّداً أن يجمَع القرآن

____________________

(1) التسهيل لعلوم التنزيل: ج1، ص4.

(2) بحار الأنوار: ج92، ص88.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) آلاء الرحمان: ج1، ص18 بالهامش. وراجع الطبقات: ج2، ق2، ص101. والاستيعاب بهامش الإصابة: ج2، ص253.

(5) الإتقان: ج1، ص71 - 72.

١٤٠