تلخيص التمهيد الجزء ١

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 459

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 459
المشاهدات: 75212
تحميل: 9430


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75212 / تحميل: 9430
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

7 - قوله تعالى: ( تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ) (1) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضمّ التاء وكسر الباء، وقرأ الباقون بفتح التاء وضمّ الباء.

قال أبو محمّد: حجّة مَن ضمّ التاء أنّه جعله رباعياً، وجعل الباء في (بالدُهن) زائدة، لكن دلَّت الباء على ملازمة الإنبات للدُهن، كما قال: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) (2) ، وحجَّة مَن فتح التاء أنَّه جعله ثلاثياً، والباء في (بالدُهن) للتعدية، قال: والاختيار الفتح؛ لأنّ الجماعة عليه (3) .

تلك نماذج سبعة كافية للدلالة على مبلغ مداخلة الاجتهاد في اختيار القراءات، وقلّما نجد استنادهم إلى سماعٍ أو نقْل.

وتقدّم حديث البزّي في رجوعه عن قراءة (ميت) مخفَّفاً، لمّا تبيَّن له أنَّه مخطئ في الاختيار (4) ؛ ولولا اعتماده على الاجتهاد لمَا صحَّ له الرجوع.

تناقضٌ في القراءات:

في القراءات المضبوطة عن أئمَّة السبعة وغيرهم كثير من مناقضات ومباينات، بحيث لا تجتمع على معنى واحد، الأمر الَّذي يتنافى ونصَّ الوحي الَّذي لا يحتمل اختلافاً أصلاً: ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) (5) ، هذا هو المقياس لمعرفة وحي السماء، ومن ثمَّ لا يصحّ إسناد هذا الاختلاف إلى النبي (صلّى الله عليه وآله).

ومن ثمَّ استغرب الإمام بدر الدين الزركشي توجيه هكذا قراءات بجعْل القراءتين بمنزلة آيتين، إذ فَرضُ آيتين متناقضتين في القرآن مستحيل إطلاقاً (6) .

من ذلك اختلافهم في قراءة: ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) (7) ، قرأ حمزة والكسائي:

____________________

(1) المؤمنون: 20.

(2) العلق: 1.

(3) الكشف: ج2، ص127.

(4) راجع الصفحة: 264.

(5) النساء: 82.

(6) راجع البرهان: ج1، ص326.

(7) النساء: 43.

٢٦١

(أو لمستم)، والباقون: (أو لامستم)، وقد بنى الفقهاء نقْض وضوء اللامِس وعدمه على هذا الاختلاف (1) .

وكذلك اختلافهم في جواز وطْء الحائض عند انقطاع الدم وعدمه قبل الاغتسال، ينظر إلى اختلاف قراءة: ( حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ) (2) بالتشديد - هي قراءة حمزة والكسائي -، أو بالتخفيف - هي قراءة الباقين - (3) .

ومن ذلك قراءة الكسائي وأبي جعفر: ( أَلاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ ) (4) بتخفيف (ألا) - استفتاحية - فتدلّ على وجوب السجدة، وقرأ الباقون بالتشديد، قال الفرّاء: فلا تدلّ على الوجوب (5) .

ومن ذلك قراءة نافع، وابن عامر، وحفص، والكسائي: ( وَأَرْجُلَكُمْ ) (6) منصوباً، عطفاً على (أيديكم) دليلاً على وجوب الغَسل، وقرأ الباقون بالخفْض عطفاً على (رؤوسكم) دليلاً على وجوب المسْح (7).

ومن ذلك: ( وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) (8) أي بعد حين، أو (بعد أمه) أي بعد نسيان.

وكذلك: ( رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ) (9) فعلاً ماضياً؛ ليكون إخباراً عن ماضٍ سبَق، أو فعلِ أمرٍ؛ ليكون طلباً لحصوله بعد ذلك (10) .

وقوله: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) (11) بتشديد القاف المفتوحة، بمعنى تقبلونه، أو (تلقونه) بكسر اللام وضمّ القاف مخفَّفة، من (وَلق) إذا كذَب (12) .

____________________

(1) البرهان: ج1، ص326. القرطبي: ج5، ص223. الكشف: ج1، 391.

(2) البقرة: 222.

(3) القرطبي: ج3، ص88. الكشف: ج1، ص293.

(4) النمل: 25.

(5) البرهان: ج1، ص326.

(6) المائدة: 6.

(7) الإتحاف: ص198. الكشف: ج1، ص406.

(8) يوسف: 45.

(9) سبأ: 19.

(10) الإتحاف: ص359.

(11) النور: 15.

(12) راجع المرشد الوجيز: ص180.

٢٦٢

وقرأ نافع وابن عامر: ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (1) بفتح الخاء ماضياً إخباراً عمّا سبق، وقرأ الباقون بصيغة الأمر، إيجاباً على هذه الأمّة (2) .

وقرأ الكسائي: (هل تستطيع ربّك) (3) بتاء الخطاب ونصب (ربّك) بحذف مضاف أي سؤال ربّك، وقرأ الباقون بالياء ورفع (ربّك) فاعلاً (4) ، والقراءتان بظاهرهما متنافيتان.

وقرأ ابن كثير: ( كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ) (5) بتخفيف الصاد والعين، وقرأ الباقون بالتشديد فيهما، وفي الأُولى محاولة الصعود بلا تكلّف، وفي الثانية تكلّف في الصعود، كأنَّه تكلّف ما لا يطيق شيئاً بعد شيء، وهما متنافيان (6) .

وقرأ ابن عامر: ( زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ ) (زيِّنَ) مبنيّاً للمفعول، و(قتل) مرفوعاً نائب فاعل، و(أولادهم) منصوباً مفعول المصدر المضاف (قتل)، و(شركاؤهم) بالخفْض مضافاً إليه للمصدر، وهي قراءة ضعيفة، للفصل بين المضافين، وهي لُغة رديئة.

وقرأ الباقون: (زيَّن) مبنيّاً للفاعل، و(قتل) منصوباً مفعولاً به مضافاً إلى (أولادهم) و(شركاؤهم) مرفوعاً فاعل (زيَّن) (7) .

ففي القراءة الأُولى يكون (شركاؤهم) فاعلاً للقتل، وفي الثانية فاعلاً للتزيين، ويكون المشركون هم القاتلين، فكم بينهما من فرق؟.

وقرأ الكوفيّون: ( قَدْ كُذِبُواْ ) (8) بالتخفيف، أي أنَّ المرسَل إليهم ظنُّوا أنَّهم قد كُذبوا فيما أتتهم به الرسُل، وقرأ الباقون بالتشديد، أي ظنَّ الرسُل أنَّ قومهم قد كذَّبوهم، ولا يجتمع المعنَيان (9) .

____________________

(1) البقرة: 125.

(2) الكشف: ج1، ص263.

(3) المائدة: 112، وفي الكتاب العزيز (يستطيع).

(4) الكشف: ج1، ص422.

(5) الأنعام: 125.

(6) الكشف: ج1، ص451.

(7) الكشف: ج2، ص453.

(8) يوسف: 110.

(9) الكشف: ج2، ص15.

٢٦٣

القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان:

قال القاضي أبو سعيد فرج بن لب الأندلسي: مَن زعم أنَّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كُفر؛ لأنَّه يؤدّي إلى عدم تواتر القرآن (1) .

هذا كلامه المبالَغ فيه من غير أن يوافقه عليه أحد من المحقِّقين؛ نظراً لعدم تلازم بين الأمرَين، وقد تقدَّم كلام الإمام الزركشي: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمَّد (صلّى الله عليه وآله)، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف أو كيفيَّتها (2) .

ولم يشكَّ أحد من المسلمين في تواتر القرآن، في حين أنّه لم يلتزم بتواتر القراءات سوى القليل، وتقدَّم كلام أئمَّة الفنّ في ذلك.

قال الشيخ الزرقاني: الدليل الّذي اعتمده أبو سعيد لا يُسلّم له... للفرْق بين القرآن والقراءات السبع، بحيث يصحّ أن يكون القرآن متواتراً في غير القراءات السبع، أو في القدر الَّذي اتَّفق عليه القرّاء، أو في القدر الذي اتّفق عليه عدد يؤمَن تواطؤهم على الكذِب، قرّاء كانوا أمْ غير قرّاء، بينما تكون القراءات السبع غير متواترة (3) .

قال سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي (دام ظله): إنَّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات؛ لأنّ الاختلاف في كيفيّة تعبير الكلمة لا ينافي الاتّفاق على أصلها، كما أنَّ الاختلاف في خصوصيات حدَث تاريخيّ - كالهجرة مثلاً - لا ينافي تواتر نفس الحدّ على أنَّ الواصل إلينا بتوسّط القرّاء إنَّما هو خصوصيّات قراءاتهم، وأمّا أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقْل الخلَف عن السلَف، وتحفُّظهم عليه في الصدور وفي الكتابات، ولا دخْل للقرّاء - بخصوصهم - في ذلك أصلاً؛ ولذلك فإنَّ القرآن ثابت التواتر حتّى لو فرضنا أنّ هؤلاء القرّاء

____________________

(1) مناهل العرفان: ج1، ص435.

(2) البرهان: ج1، ص318.

(3) مناهل العرفان: ج1، ص435.

٢٦٤

السبعة، أو العشرة لم يكونوا في عالَم الوجود أصلاً.

إنَّ عظَمة القرآن ورِفعة مقامه أعلى من أن تتوقَّف على نقل أولئك النفَر المحصورين (1) .

وفي كلام سيّدنا الأستاذ - أخيراً - الحجَّة القاطعة على أولئك الَّذين يرون تواتر القرآن من زاوية القراءات السبع فحسب، فيُقصرون النصّ القرآني - الّذي هو كتاب المسلمين قاطبة - في إطار هؤلاء النفَر النزر اليسير، فيا لها من نظرة قاصرة وقصيرة المدى!.

لا شكّ أنَّ القرآن - وهو نصّ الوحي الإلهي الحكيم - متواتر بين المسلمين تواتراً قطعياً، في جميع سوَره وآيهِ وكلماته، كلمة كلمة، بحيث لو أبدلنا كلمة من القرآن أو أبدَلناها من مكانها إلى آخر لاستنكرها المسلمون، ووجدوها شيئاً غريباً عن أسلوب كلام الله العزيز الحميد.

ومن ثمّ فإنّ القراءات الّتي كانت لا توافق نصّ المصحف كانت مستنكَرة لدى المسلمين، العامّة والعلماء، وعدّوها شاذّة منبوذة، وقد تقدّم في الفصل السابق إنكار جماعة من كبار العلماء على قرّاء قرأوا خارج المتعارف، وكذا إنكارات من عامّة المسلمين على قرّاء معروفين كبار، كما لم يُجِز الفقهاء القراءة بها في الصلاة ولا اعتبروها قرآناً من كلام الله المجيد.

وستأتي - في فصل اختيار القراءة الصحيحة - شروط التعرّف إلى القرآن المتواتر، المتسالَم لدى عامّة المسلمين.

* * *

بقي هنا اعتراض: إنّ القراءات إذا لم تكن متواترة جميعاً، فإنّ القرآن يصبح في بعض آيهِ - وهو الّذي اختلفت القراءة فيه - غير متواتر، كما في (مالِكِ)

____________________

(1) البيان: ص173.

٢٦٥

و(مَلِك) وقد قُرئ بالوجهين، فأيّهما النصّ؟.

وقد استدلّ ابن الحاجب - في مختصر أصوله - بذلك؛ لإثبات تواتر القراءات السبع (1) ، قال: وإلاّ فيلزم أن يكون بعض القرآن غير متواتر، إذ لو اختلف القرّاء في كلمة، كما في مثل: (غيابة) أو (غيابات)، ومثل: (آية) أو (آيات)، و(ملك) أو (مالك)، ونحو ذلك ممّا قُرئ بوجهين أو بأكثر، فإن التزمنا بتواتر القراءات جميعاً فهو، وإلاّ فأيّ القراءتين تكون قرآناً لتكون الأخرى غير قرآن، وإذا تردَّدنا في ذلك فإنّ معناه الترديد في النصّ الأصلي، وهذا لا يلتئم والقول بتواتر النصّ القرآني.

والجواب: أنّ النصّ الأصلي هو ما ثبَت في المصحف الكريم، والذي أجمعَت الأمّة عليه نصّاً واحداً، إنّما جاء الاختلاف في كيفية قراءته وفي أسلوب التعبير، الأمر الذي لا يتنافى وثبوت تواتر الأصل، كما في كثير من أشعار الشعراء القُدامى، حيث أصل البيت أو القصيدة ثابتة له بالتواتر، وإن كان الرواة مختلفين في بعض الكلمات أو الحركات.

ويزيدنا وضوحاً ما قدَّمناه سابقاً: أنّ اختلاف القرّاء كان عن اجتهاد منهم في تحقيق الكلمة تعبيراً، في حين وحدة النصّ الثابت في المصحف؛ وذلك لأنّ اختلافهم جاء من قِبل عراء المصحف الأوّل عن أي علامة مائزة، وعن الأشكال والنُقَط، بل وعن الألِفات، وربّما زيادات خارجة عن أسلوب الخطّ الصحيح؛ لمكان جهل العرب الأوائل بأصول الكتابة المُتقنة.

فقد كتبوا (مَلك) بميم ولام وكاف، ولكن بما أنّ عادتهم كانت على حذْف الألِفات جرْياً مع مرسوم خطّ السِريان، ومن ثمّ اجتهد بعض القرّاء زاعماً أنّ الكلمة مرسومة على نفس النمط، فقرأها (مالك) بالألف، مستنداً في ذلك إلى

____________________

(1) نقلاً عن البيان: ص174.

٢٦٦

تعاليل وحُجج تؤيّد اختياره، فقد قرأ عاصم والكسائي بالألف محتّجين بقوله تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ) (1) ، وأدلّة أخرى سرَدها أبو محمد بتفصيل (2).

وقرأ الباقون (مَلك) بلا ألف جرياً مع ظاهر الرسم، محتجّين بقوله تعالى: ( الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ) (3) ، وأدلّة أخرى.

وهكذا كلمة: ( غَيَابَةِ الْجُبِّ ) (4) كان مرسومة هكذا (غيبت الجبّ) قرأها نافع بالألف جمعاً، زاعماً أنّها مرسومة محذوفة الألف في كِلا الموضعين بعد الياء وبعد الباء فقرأها (غيابات)؛ وعللّها بأنّ كلّ ما غاب عن النظر من الجبّ غيابة، وقرأ الباقون مفرداً (غيابة) على ظاهر الخطّ؛ مُعلّلين بأنّ يوسف لم يُلقَ إلاّ في غيابةٍ واحدة (5) .

كما أنّ ( آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ) (6) كانت مكتوبة (آيت) بلا ألف، ومن ثمّ قرأها ابن كثير بالتوحيد جرياً مع ظاهر الخطّ؛ محتجّاً بأنّ شأن يوسف كلَّه آية واحدة، كما في قوله: ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ) (7)، وقرأ الباقون (آيات)؛ اعتماداً على أنّ الألف محذوفة، ولانتقال يوسف من حالٍ إلى حال، ففي كلّ حال جرت عليه آية (8).

إذاً فليس اختلاف القراءة بالّذي يضرّ بوحدة النصّ الأصل، الثابت في المصحف الأوّل، ممّا تسالَمت عليه الأمّة عِبر التاريخ.

وقد أخرج ابن أشتة في كتاب (المصاحف)، وابن أبي شيبة في (فضائل القرآن)، من طريق ابن سيرين عن عبيدة السلماني، قال: القراءة الّتي عُرضَت

____________________

(1) آل عمران: 26.

(2) راجع الكشف في القراءات السبع: ج 1، ص25 - 26.

(3) الحشر: 23.

(4) يوسف: 10.

(5) الكشف: ج2، ص5.

(6) يوسف: 7.

(7) المؤمنون: 50.

(8) الكشف: ج2، ص5.

٢٦٧

على النبي (صلّى الله عليه وآله) في العام الّذي قُبض فيه، هي القراءة الّتي يقرأها الناس اليوم (1) .

وإلى ذلك أيضاً أشار الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: (القرآن واحد، نزل من عند واحد، ولكنّ الاختلاف يجيء من قِبل الرواة) (2) .

* * *

ولك أن تسأل: إذا اختلفت القراءة في نصّ واحد، فمِن أين يُعرَف النصّ الأصل بعد احتمال الخطّ لكِلتا القراءتين؟.

قلنا: سنشرح - في فصل قادم - شروط اختيار القراءة الصحيحة، الموافِقة للنصّ الأصل، وهي القراءة المشهورة المعروفة بين الناس وتلقَّتها الأمّة بالقبول في جميع أدوارها، ومن ثمّ فإنّ القراءات التي كانت تخرج عن محدودة العُرف العام كانت تقع موضع إنكارهم، وتقدّمت أمثلة على ذلك (3) .

* * *

وسؤال آخر: هل لا يقدح اختلاف مصاحف الأمصار الأوّلية في تواتر النصّ الأصل الواحد؟.

قلت: كلاّ، فإنّ الثبْت الأصل أيضاً من بين تلكُم المصاحف، هو ما أجمَعت عليه الأمّة ووقع موضع اتّفاقهم، وشاع وذاع عِبر التاريخ، وكان ثبْت غيره في سائر المصاحف مهجوراً، ومن ثمّ فهو شاذّ منبوذ.

مثلاً: اختلف مصحف الشام مع مصحف الكوفة، فكان ثبْت الشام: (وأوصى بها إبراهيم). وكان ثبت الكوفة: ( وَوَصَّى ) (4) ، لكنّ الأمّة اعترفت بالثاني ونبذَت الأوّل، وهو دليل قاطع على أنّ الصحيح هو ذاك دون الآخر، ومن ثمّ لا تجوز القراءة وفْق المأثور عن مصحف الشام في خصوص هذه الآية.

وجاء في مصحف المدينة والشام: (سارعوا) بلا واو، وفي مصحف الكوفة

____________________

(1) الإتقان: ج1، ص50.

(2) الكشف: ج2، ص5.

(3) راجع: ص266.

(4) البقرة: 132.

٢٦٨

والبصرة: ( وَسَارِعُواْ ) (1) ، ووقع إجماع الأمّة على الثاني.

وجاء في مصحف المدينة والشام: ( قَالَ الْمَلأُ ) (2) بلا واو، وفي مصحف العراقَين: (وقال الملأ)، ولكن وقع إجماع الأمّة على الأوّل.

وجاء في مصحف المدينة والشام: (هو الّذي ينشركم)، وفي مصحف العراقَين: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ) (3) ، والإجماع على الثاني، وهكذا... (4).

والخلاصة: إنّ طريقنا إلى معرفة النصّ الأصل هو:إجماع الأمّة في مختلف عصورها وعلى تباين نزعاتها، لكنّها اتّفقت على كتابها الكريم، كلام الله العزيز الحميد، فاحتفظت بنصِّه الأصل متغلّبة على كافّة عوامل الاختلاف في هذا المجال، وما هي إلاّ معجزة قرآنية باهرة: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (5) أي بين أظْهرِكم لا في اللوح المحفوظ، فلم يزل ولا يزال هذا الكتاب الإلهيّ الخالد يشقّ طريقه إلى الأمام، مع الأبدَية بسلام.

الأحرف السبعة والقراءات السبع:

لم نجد من علماء الفنّ مَن يرى أيّ صِلة بين حديث (أُنزلَ القرآن على سبعة أحرف) و(القراءات السبع) المعروفة، نعم، سوى تداوله على ألسِنة العَوام وغوغاء الناس، لا عن مستند معروف، وقد ردّ على هذه المزعومة الشائعة كثير من الأئمّة النقّاد: كابن الجزري، وأبي شامة، والزركشي، وأبي محمد مكّي، وابن تيمية وأضرابهم، ونسبَ ابن الجزري هذا الوهْم إلى الجهَلة العوام ومَن لا عِلمَ له من الغوغاء الطغام (6) .

قال أبو محمد مكّي: فأمّا مَن ظنّ أنّ قراءة كلّ واحد من هؤلاء القرّاء أحد

____________________

(1) آل عمران: 133.

(2) الأعراف: 75.

(3) يونس: 22.

(4) راجع: ص232.

(5) الحجر: 9.

(6) تحبير التيسير: ص 10.

٢٦٩

الأحرف السبعة الّتي نصّ النبي (صلّى الله عليه وآله) عليه، فذلك منه غلط عظيم، إذ يجب أن يكون ما لم يقرأ به هؤلاء متروكاً، إذ قد استولَوا على الأحرف السبعة الّتي عند النبي (صلّى الله عليه وآله)، فما خرج عن قراءتهم فليس من السبعة عنده (1) .

وقال أبو شامة: ظنّ قوم أنّ القراءات السبع الموجودة الآن هي الّتي أُرديت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنّما يظنّ ذلك بعض أهل الجَهل (2) .

قال: وقد ظنّ جماعة - ممّن لا خبرة له بأصول هذا العِلم - أنّ قراءة هؤلاء الأئمّة السبعة هي الّتي عبّر عنها النبي (صلّى الله عليه وآله) بقوله: (أُنزل القرآن على سبعة أحرف)، فقراءة كلّ واحد من هؤلاء حرف من تلك الأحرف، ولقد أخطأ مَن نسَب هذا إلى ابن مجاهد (3) .

وقال ابن تيمية: لا نزاع بين العلماء المعتبَرين أنّ الأحرف السبعة - الّتي ذكرها النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّ القرآن أُنزل عليها - ليست قراءات القرّاء السبعة المشهورة، بل أوّل مَن جمعَ ذلك ابن مجاهد؛ ليكون ذلك موافقاً لعدد الأحرف التي أُنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده واعتقاد غيره من العلماء: أنّ القراءات السبع هي الحروف السبعة، أو أنّ هؤلاء السبعة المعيَّنين هم الّذين لا يجوز أن يُقرأ بغير قراءتهم (4) .

ويزيد هذا الوهْم شناعة: أنّه يستدعي أن تبقى الأحرف السبعة التي أجاز النبي (صلّى الله عليه وآله) قراءتها - في المفروض - قابعة في زاوية الخمول مجهولة، حتى ينبُغ من القرّاء هؤلاء السبعة بالخصوص في عصور متأخّرة تدريجيّاً، ثمّ تبقى الأحرف السبعة الّتي أجازها النبي (صلّى الله عليه وآله) لجميع الأمّة في احتكار سبعة من القرّاء فقط.

في حين وجود قرّاء هم أكبر من هؤلاء السبعة قدراً وأعظم شأناً، فلم تسعْهم الأحرف السبعة، وكأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى ابن مجاهد - الّذي جاء في مطلع

____________________

(1) الإبانة لأبي محمّد مكي: ص3. المرشد الوجيز: ص151.

(2) الإتقان: ج1، ص80.

(3) المرشد الوجيز: ص146.

(4) في فتوى له سجَّلها ابن الجزري في النشر: ج1،

٢٧٠

القرن الرابع - ليخصِّص هؤلاء السبعة فقط بتلك الأحرف ويحرم الآخرين، سواء السابقين واللاحقين!.

قال أبو محمد الهروي: ولا يتوهّم انصراف حديث السبعة إلى قراءة سبعة من القرّاء يولَدون في عصرٍ متأخّر بسنين؛ لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الخبر متعرّياً عن فائدة إلى أن يحدثوا، ويؤدّي إلى أنّه لا يجوز لأحد من الصحابة أن يقرأوا إلاّ بما علِموا أنّ السبعة من القرّاء يختارونه، قال: وإنّما ذكرناه؛ لأنّ قوماً من العامّة يتعلَّقون به (1) .

وبهذه المناسبة رأينا من الأفضل تخصيص الفصل التالي للتكلّم عن حديث (أُنزل القرآن على سبعة أحرف)؛ استيضاحاً لجانب مدلوله، الذي يبدو مجملاً، قد بلَغت الاحتمالات فيه أربعين وجهاً. أمّا من ناحية السند فلم يثبت عندنا.

تلخيص البحث:

وتلخصّ من مجموع بحوثنا المتقدّمة: أنّ إثبات تواتر القراءات عن النبي (صلّى الله عليه وآله) شيء يبدو مستحيلاً.

أوّلاً: لا دليل على ذلك، ودون إثباته تُسكَب العبَرات على حدّ تعبير أبي شامة (2) .

وثانياً: إنَّ لاختلاف القراءات عوامل ذاتية - شرحناها في فصلٍ سابق - كانت هي السبب لنشوء الخلاف بين القرّاء.

وثالثاً: إنّ أسانيد القرّاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) أسانيد آحاد موجودة في كتُب القراءات، ولم يكن شيء منها متواتراً حسب المصطلح.

هذا، فضلاً عن الشكّ في أكثرية هذه الأسانيد الّتي يبدو عليها أثَر الوضْع والاختلاق، ولعلّها أسانيد تشريفية مصطنعة من غير أن يكون لها واقع.

____________________

(1) في كتابه (الكافي). راجع البرهان: ج1، ص330.

(2) المرشد الوجيز: ص178.

٢٧١

ورابعاً: إنكارات علماء الأمّة وزعماء الملّة على قراءات كثير من القرّاء المرموقين؛ لدليلٌ على أنّها ليست متواترة عندهم، وإلاّ فكيف يجرُؤ مسلم أن يردّ قراءةً هي متواترة عن النبي (صلّى الله عليه وآله)؟!.

وخامساً: وجود قراءات شاذّة عن السبعة ينفي تواتر قراءاتهم فرداً فرداً.

وسادساً: استناد القرّاء إلى حُجج وتعاليل اعتباريّة نظرية؛ لدليلٌ على أنّ اختياراتهم كانت اجتهادات، وإلاّ فلو ثبتت قراءاتهم بالتواتر لم يكن حاجة إلى تعليل اعتباري.

وسابعاً: وجود التناقض بين القراءات ينفي تواترها عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، إذ نصّ الوحي لا يحتمل اختلافاً.

وثامناً: لا ملازمة بين مسألة (تواتر القرآن) المعترف بها لدى الجميع، وبين مسألة (تواتر القراءات) التي لم يلهج بها سوى المقلّدة الرعاع.

وتاسعاً: لا علاقة بين حديث (نزل القرآن على سبعة أحرف) وقراءة القرّاء السبعة، وإنّما هي شُبهة وقع فيها بعض العوام الأغبياء - على حدّ تعبير الإمام أبي الفضل الرازي - (1) ، والحمد لله أوّلاً وأخيراً.

وإليك الآن البحث عن حديث الأحرف السبعة:

* * *

____________________

(1) راجع النشر: ج1، ص43.

٢٧٢

حديثُ الأحرف السبعة

- الحديث في روايات أهل البيت (عليهم السلام).

- الحديث في روايات أهل السنّة.

- مناقشة إجمالية في مدلول الحديث.

- اختيار تفسير (الأحرف) باللهجات.

٢٧٣

حديثُ الأحرُف السبْعة

الحديث في روايات أهل البيت (عليهم السلام):

1 - روى أبو جعفر الصدوق بسندٍ فيه محمّد بن يحيى الصيرفي - وهو مجهول - عن حمّاد بن عثمان عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه) (1) .

وفسَّر العلماء الأحرف في هذا الحديث بمعنى البطون، أي كلّ آية تحتمِل وجوهاً من المعنى، وإن كانت ربّما تخفى على العامّة، لكنّ الإمام المعصوم (عليه السلام) يعرفها، فيفتي عليها.

2 - وروى أيضاً بسنَدٍ آخر، فيه: أحمد بن هلال - وهو غالٍ متَّهم في دينه - عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أتاني آتٍ من الله فقال: إنّ الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفٍ واحد، فقلت: يا ربّ، وسِّع على أمّتي، فقال: إنَّ الله يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف) (2) .

والأحرف في هذا الحديث هي اللهجات العربية المختلفة، كما يأتي في

____________________

(1) الخصال: باب السبعة رقم 43، ج2، ص358.

(2) المصدر السابق.

٢٧٤

أحاديث أهل السنّة بنفس المضمون، مراداً بها نفس المعنى، فقد وسّع الله على هذه الأمّة أن تقرأ القرآن بلهجاتها المختلفة على ما سنذكر.

3 - وروى محمّد بن الحسن الصفّار، بسند فيه ترديد، هكذا: عن ابن أبي عمير أو غيره، عن جميل بن درّاج عن زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (تفسير القرآن على سبعة أحرف، منه ما كان، ومنه ما لم يكن بعد، ذلك تعرفه الأئمَّة) (1).

وهذا الحديث كالحديث الأوّل، مراداً بالأحرف هي الوجوه الّتي تحتملها الآية الواحدة، المعبّر عنها بالبطون في سائر الأحاديث.

4 - وروى أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النعماني مرسلاً عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (أُنزل القرآن على سبعة أقسام، كلّ منها شافٍ كافٍ، وهي: أمْرٌ، وزجْرٌ، وترغيب، وترهيب، وجدَل، ومَثل، وقصص...) (2) .

هذا الحديث تفسير للأحرف السبعة بفنون من الكلام اشتمل عليها القرآن الكريم، كما جاء التصريح به أيضاً في حديث ابن مسعود وأبي قلابة الآتي.

قال المحدّث الفيض الكاشاني: والتوفيق بين هذه الروايات أن يقال: إنّ للقرآن سبعة أقسام من الآيات، وسبعة بطون من المعاني، لكلّ آية، ونزل على سبع لُغات - أي لهجات -) (3) .

تلك أحاديث (أُنزل القرآن على سبعة أحرف) مروية عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، لكن بأسانيد لم تثبت وثاقتها، كما نبّه عليه سيّدنا الأستاذ، ومن قبْله شيخه الحجّة البلاغي، وغيرهما.

* * *

____________________

(1) بصائر الدرجات: ص196.

(2) رسالة النعماني - في صنوف آي القرآن - ونُسبت أيضاً إلى سعد بن عبد الله الأشعري والشريف المرتضى. (راجع بحار الأنوار: ج93، ص4 و97).

(3) تفسير الصافي: ج1، ص40 المقدّمة الثامنة.

٢٧٥

الحديث في روايات أهل السُنّة:

وأمّا من طُرُق الجماعة فأحسن مَن جمَع مختلف أحاديثها هو: الإمام شهاب الدين أبو شامة المقدسي، ذكرها في الباب الثالث من كتابه (المرشد الوجيز) .

قال: الفصل الأوّل في سرْد الأحاديث في ذلك:

1 - ففي الصحيحَين عن ابن شهاب قال: حدّثني عبيد الله بن عبد الله، أنّ عبد الله بن عبّاس حدّثه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (أقرأني جبرائيل (عليه السلام) على حرفٍ واحد، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف) (1) .

2 - وفيهما عن ابن شهاب أيضاً أنّ: عُمَر سمع هشام بن الحكم يقرأ في صلاته على حروف لم يكن يعرفها، فأتى به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: (كذلك أُنزلت، إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسّر منه) (2) .

3 - وعن أُبيّ بن كعب، قال: كنت في المسجد فدخل رجل فقرأ قراءة أنكرتُها، فدخلنا جميعاً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ودخل ثالث، فقرأ كلّ واحد منّا غير قراءة صاحبه، فجعل النبي (صلّى الله عليه وآله) يُحسّن الجميع، فدخلَني من ذلك شكّ، ولمّا رأى النبي (صلّى الله عليه وآله) ما قد غشيَني ضربَ في صدري، ففضْتُ عرَقاً (3) فقال: (يا أُبيّ، إنّ ربّي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددتُ إليه أن هوِّن على أُمّتي، فردّ إليّ الثانية: اقرأه على حرفين، فرددتُ إليه، فردّ إليّ الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف) (4) .

4 - وعن أُبيّ بن كعب أيضاً قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (يا أُبيّ، إنّي أقرأت

____________________

(1) هذا الحديث رواه البخاري: ج6، ص227، ومسلم: ج2، ص202.

(2) البخاري: ج6، ص228. مسلم: ج2، ص202.

(3) وفي رواية: فوجدتُ في نفسي وسوسة الشيطان حتى احمرّ وجهي، فعرف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في وجهي فضرب في صدري (تفسير الطبري: ج1، ص14).

(4) صحيح مسلم: ج2، ص203. مسند أحمد: ج5، ص127.

٢٧٦

القرآن على حرف وحرفين وثلاث حتّى بلغَت سبعة أحرف)، ثمّ قال: ليس منها إلاّ شافٍ كافٍ، إن قلت: سميعاً عليماً، عزيزاً حكيماً، ما لم تُختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب (1) .

5 - وعنه أيضاً: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقيَ جبرئيل فقال له: (إنّي بُعثت إلى أُمّة أُمّيّين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قطّ، قال: يا محمد، إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف) (2) .

6 - وعن أبي جهيم الأنصاري: أنّ رجُلين اختلفا في آية من القرآن، فمشيا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: (إنّ هذا القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا فيه؛ فإنّ مراء في القرآن كفر) (3) .

7 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (نزل القرآن على سبعة أحرف، عليماً حكيماً، غفوراً رحيماً) (4) .

8 - وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أُنزل القرآن على سبعة أحرف، لكلّ حرف منها ظَهْر وبطْن، ولكلّ حرف حدّ، ولكلّ حدّ مطلع) (5).

9 - وعنه أيضاً قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أُنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء فيه كفر - بثلاث مرّات - فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم فردّوه إلى عالِمه) (6) .

10 - وعن زيد بن أرقم قال: جاء رجُل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أقرأني عبد الله بن مسعود، وزيد، وأُبيّ فاختلفت قراءتهم، بقراءة أيّهم آخذ؟ قال: فسكت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: وعلي (عليه السلام) إلى جنْبه، فقال علي: (ليقرأ كلُّ إنسان كما عُلّم، كلّ

____________________

(1) سُنن أبي داود: ج2، ص102.

(2) سُنن الترمذي: ج5، ص194، رقم 2944.

(3) سنن البيهقي: ج1، ص372، في شعب الإيمان. مسند أحمد: ج4، ص169.

(4) المصنّف: ج2، ص61.

(5) تفسير الطبري: ج1، ص9.

(6) نفس المصدر السابق.

٢٧٧

حسَن جميل) (1) .

وفي حديث عبد الله: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أسرّ إلى عليّ (عليه السلام)، فقال عليّ: (إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأمركم أن يقرأ كلّ رجُل منكم كما عُلّم). فانطلقنا وكلّ رجل منّا يقرأ حروفاً لا يقرأها صاحبه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد (2) .

11 - وروي عن ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (كان الكتاب الأوّل نزل من باب واحد وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف: زجرٌ، وأمرٌ، وحلال، وحرام، ومحكَم، ومتشابه، وأمثال...) (3) .

12 - وعن أبي قلابة قال: بلغني أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: (أُنزل القرآن على سبعة أحرف: أمرٌ، وزجرٌ، وترغيب، وترهيب، وجدَل، وقصص، ومثَل) (4) .

مناقشة إجمالية في مدلول الحديث:

تلك جُلّ أحاديث الجماعة، ادّعوا تواترها (5) ، لكنّها مختلفة المدلول بما لا يلتئم ومصطلح التواتر، الذي عمَدته وحدة المضمون في الجميع، ومن ثمّ فإنّ الأحاديث المذكورة تنقسم إلى أربع طوائف:

الأُولى: تعني اختلاف اللهجات في التعبير والأداء، وهي الأحاديث رقم: 1 و2 و3 و 5 و6 و 10.

الثانية: تعني جواز تبديل الكلمات المترادفة بعضها مكان بعض، كالحديث رقم: 4 و 7.

الثالثة: تعني اختلاف معاني الآيات، فكلّ آية تحتمل معاني، بعضها ظَهْر وبعضها بطْن، كالحديث رقم: 8 و 9.

____________________

(1) تفسير الطبري: ج1، ص10.

(2) المستدرك: ج2، ص223 - 224.

(3) تفسير الطبري: ج1، ص23.

(4) المصدر السابق: ص24.

(5) راجع النشر في القراءات العشر لابن الجزري: ج1، ص21.

٢٧٨

الرابعة: تعني تنوّع الآيات إلى أبواب سبعة كالحديث رقم: 11 و 12.

غير أنّ الكثرة مع الطائفة الأُولى، وإليها انصرفت وجْهة نظر العلماء بشأن الأحرف السبعة الّتي أجاز النبي (صلّى الله عليه وآله) قراءة القرآن بها، أمّا الطوائف الأُخَر فشاذّة أو باطلة رفَضها أئمّة التحقيق.

وأحسن مَن تكلّم في هذا الموضوع هو: الإمام ابن الجزري، تكلّم عن أحاديث السبعة في عشرة وجوه، استوعب الكلام فيها بإسهاب (1) ، والأجدر هو البحث عن أحاديث السبعة بالتكلّم في كلّ طائفة بما يخصّها من كلام وتمحيص، وإليك إجماليّاً.

اختيار تفسير الأحرُف باللَهْجات:

أمّا الطائفة الأُولى - وتعني اختلاف اللهجات - فتوسعة على الأمّة في قراءة القرآن، فإنّ البَدَوي لا يستطيع النُطق كالحضري، ولا الأمّي يتمكّن في تعبيره كالمثقّف الفاضل، ولا الصغير كالكبير، ولا الشيخ كالشابّ، فضلاً عن اختلاف لهجات القبائل في تعبير كلمة واحدة، بما تعجز كلّ قبيلة عن النُطق بغير ما تعوّدت عليه في حياتها، وهكذا اختلاف أُمم غير عربية في القدرة على النطق بالألفاظ العربية، فلو كانت الأمّة الإسلامية على مختلف شعوبها مكلّفة بالنطق على حدٍّ سواء؛ لكان ذلك من التكليف بغير المستطاع، و ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) (2) .

وقد روى الإمام جعفر بن محمّد الصادق عن آبائه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (إنّ الرجل الأعجميّ من أمّتي ليقرأ القرآن بعجميّته، فترفَعه الملائكة على عربيّته) (3) .

وهذا هو معنى قوله (صلّى الله عليه وآله): (إنّي بُعثت إلى أُمّة أُمّيّين، منهم العجوز، والشيخ

____________________

(1) راجع النشر: ج1، ص21 - 54.

(2) البقرة: 286.

(3) وسائل الشيعة: ج4، ص866.

٢٧٩

الكبير، والغلام، والجارية، والرجُل الذي لم يقرأ كتاباً قطّ) (1)، فرخّص لأُمّته أن يقرأوا القرآن على سبعة أحرف، على اختلاف لهجاتهم، لا يُكلَّفون لهْجة خاصّة هم عاجزون عنها.

وقوله في رواية أخرى: (فاقرأوا كيف شئتم - أي كيفما استطعتم - أو قوله: يقرأ كلّ رجُل منكم كما عُلّم) - أي كما يُحسِنه حسب معرفته ومقدرته في التعبير والأداء - ( 2) .

ومن ذلك ما رواه أبو العالية قال: قرأ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من كلّ خمسٍ رجُل، فاختلفوا في اللغة - أي في اللهجة - فرضيَ قراءتهم كلّهم فكان بنو تميم أعرَب القوم (3) .

قال ابن قتيبة: فكان من تيسيره تعالى أن أمَره (صلّى الله عليه وآله) بأن يُقرئ كلّ قوم بلُغتهم وما جرت عليه عادتهم:

فالهذلي يقرأ (عتّى حين) يريد ( حَتَّى حِينٍ ) (4) ؛ لأنّه هكذا يلفظ بها ويستعملها.

والأسدي يقرأ: (تعلمون) و(تعلم) بكسر تاء المضارعة، و ( وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) (5) بكسر التاء، و ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ) (6) بكسر الهمزة في (أعهد).

والتميمي يهمز، والقرَشي لا يهمز، والآخر يقرأ ( قِيلَ ) (7) و ( غِيضَ ) (8) بإشمام الضمّ مع الكسر، و ( رُدَّتْ ) (9) بإشمام الكسر مع الضمّ، و ( مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا ) (10) بإشمام الضمّ مع الإدغام، وهذا ما لا يُطوّع به كلُّ لسان.

____________________

(1) سُنن الترمذي: ج5، ص194، رقم 2944.

(2) راجع تأويل مشكل القرآن: ص34.

(3) تفسير الطبري: ج1، ص15.

(4) المؤمنون: 54.

(5) آل عمران: 106.

(6) يس: 60.

(7) البقرة: 11.

(8) هود: 44.

(9) يوسف: 65.

(10) يوسف: 11.

٢٨٠