تلخيص التمهيد الجزء ١

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 459

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 459
المشاهدات: 75228
تحميل: 9436


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75228 / تحميل: 9436
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلى مِثل عليّ (عليه السلام) في سلسلة إسناد ذهبيّ رفيع، وقد أتقَنه عاصم إتقاناً، فأودعه ربيبه وثِقته حفْصاً، الأمر الَّذي لا ينبغي الارتياب فيه لمجرَّد روايةٍ رَواها رجُل غير موثوق به إطلاقاً.

إذ كيف يخفى مثل هذا الأمر - في قراءة آية قرآنيّة - على سائر الصحابة الكِبار الأُمَناء، ويُبديه النبي (صلّى الله عليه وآله) لابن عمَر اختصاصاً به؟!.

وهل يُعقل أن يترك حفْص قراءةً ضمْن شيخه الثقة أنّها قراءة علي (عليه السلام) في جميع حروفها كاملة، أخذها عن شيخه السلمي في إخلاص وأمانة لمجرّد رواية لم تثبت صحَّتها؟!.

وإذ كنّا نعرف مبلغ تدقيق الكوفيّين - ولاسيَّما في عصر التابعين - ومدى ولائهم لآل البيت (عليهم السلام)، واتّهامهم لأمثال ابن عُمَر المتفكِّك الشخصية، نقطع بكذِب الإسناد المذكور، وأنّ حفصاً لم يخالف شيخه عاصماً في شيء من حروفه إطلاقاً، كما لم يخالف عاصم شيخه السلمي في شيء من قراءته؛ لأنّ السلمي لم يخالف عليّاً أمير المؤمنين (عليه السلام). هذا هو الصحيح عندنا.

فالصحيح: أنّ حفصاً لم يقرأ بالضمّ ولم يخالِف شيخه عاصماً إطلاقاً.

صلةُ الشيعة بالقرآن الوثيقة:

لم يبعثْنا على عقد هذا الفصل سوى أنّا وجدنا في كلمات بعض مَن تعوزُهم الحرّية في التفكير، ويفضَّلون تقليد أسلافهم في الحقْد على أُمَّة كبيرة من المسلمين لا ذنب لهم، سوى تمسّكهم بولاء آل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله)؛ عمَلاً بوصيَّته (1)، وإجابةً لدعوة القرآن الكريم (2) .

فقد وجَّهوا إلى الشيعة تُهَماً كثيرة إفكاً وزوراً هم منها بُراء، منها: نسْبة مصحف

____________________

(1) كما في حديث الثقلَين، وحديث السفينة وغيرهما.

(2) كما في قوله تعالى: ( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) الشورى: 23.

٣٢١

خاصٍّ إليهم أطلقوا عليه اسم (المصحف الشيعي) (1)، في حين أنَّ الشيعة أنفسهم لم يسمعوا بهكذا مصحف في جميع أدوار تاريخهم المجيد.

وقد واجه هذه النسبة بالإنكار الشديد جماعة من الباحثين المتأخّرين (2) ، ومن أهمّهم: جولد تسيهر الّذي عالج علاقة الشيعة الخاصّة بالنصّ القرآني الرسمي الموجود بأيدينا (3) .

واستيضاحاً لهذا الجانب - مدى صِلة الشيعة بالنصّ الموجود - نعرض ما يلي:

نحن إذا عرضنا تاريخ القرآن المجيد والأدوار التي مرّت عليه جيلاً بعد جيل، وجدنا أنّ هذا النصّ الموجود بهذا الوضع الراهن هو صنيع جهود الشيعة بالذات، وهم الذين سهروا على حِفْظه وضبْطه وإتقانه، وعملوا في تحسينه وتشكيله وتطويره من جميل إلى أجمل في عمل مستمرّ، فالحقيقة - إن كان هناك مصحف شيعي - تقضي بأن يُطلَق هذا الاسم على المصحف الموجود، نسبة إلى أئمَّة الشيعة وقرّائهم وحفّاظهم وفنّانيهم عِبر التاريخ، وإليك بإيجاز:

كان عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أوّل مَن أبدى فكرة جمْع القرآن بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مباشرة، وإن كان جمْعه هو رُفض، لكن فكرة الجمع أثّرت أثرها في نفس الوقت، ولم يكن الاختلاف بين الجمْعَين في ذات القرآن.

وكانت المصاحف الرئيسية الّتي جُمع فيها القرآن كلّه على ذلك العهد - قبل توحيدها - هي: ما جمعه عبد الله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وأبو الدرداء، والمقداد

____________________

(1) راجع القرآن وعلومه في مِصر للدكتور عبد الله خورشيد: ص81، فإنّه عالج ما بين الشيعة وهذه النسبة من صِلة، وفنّدها على أساسٍ تاريخي.

(2) راجع تاريخ آداب العرب لمصطفى صادق الرافعي: ج2، ص15 - 16، ومقدّمة حياة محمد لموير: ص 35 - 36، وتاريخ المساجد الأثرية لحسن عبد الوهاب: ص92، وهامش فضائل القرآن لابن كثير بقلم رشيد رضا: ص48، رقم 2 و3.

(3) راجع مذاهب التفسير لجولد تسيهر: ص293.

٣٢٢

ابن الأسود، ممّن عُرفوا بالوَلاء الخاصّ للبيت النبويّ الرفيع، ولم يكن سائر المصاحف بذلك الاعتبار، وكانت صحف أبي بكر غير منتظمة بين دفَّتين.

وأوّل مَن جاء بفكرة توحيد المصاحف على عهد عثمان هو: حذيفة بن اليمان في قصّة سلَفَت، وكان أُبَي بن كعب هو الذي تصدّى إملاء القرآن على لجْنة استنساخ المصاحف الموحَّدة، وكانوا يراجعونه فيما أشكل عليهم من ثبْت الكلمات.

وكان تشكيل المصحف وتنقيطه على يد أبي الأسود الدؤلي وتلميذيه: نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وأوّل مَن تنوّق في كتابة المصحف وتجويد خطِّه هو: خالد بن أبي الهياج صاحب علي (عليه السلام)، ثمَّ كان ضبط الحرَكات على الشكل الحاضر على يد الأستاذ الكبير خليل بن أحمد الفراهيدي، وكان هو أوّل مَن وضَع الهمْز والتشديد والرَوم والإشمام.

* * *

أمّا القراءات: فإنّ الشيعة هم الّذين درسوا أصولها وأحكموا قواعدها، وأبدعوا في فنونها وأطوارها في أمانة وإخلاص.

كان أربعة - إن لم نقل ستَّة - من القرّاء السبعة شيعة، فضلاً عن غيرهم من أئمةٍ قرّاءٍ كِبار: كابن مسعود، وأُبي بن كعب، وأبي الدرداء، والمقداد، وابن عبّاس، وأبي الأسود، وعلقمة، وابن السائب، والسلمي، وزرِّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وعاصم بن أبي النجود، وحمران بن أعين، وأبان بن تغلب، والأعمش، وأبي عمرو بن العلاء، وحمزة، والكسائي، وابن عيّاش، وحفص بن سليمان، ونظرائهم من أئمَّة كبار، هم رؤوس في القراءة والإقراء في الأمصار والأعصار.

* * *

٣٢٣

أمّا القراءة الحاضرة - قراءة حفْص - فهي قراءة شيعيَّة خالصة، رواها حفْص وهو من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (1) عن شيخه عاصم، وهو من أعيان شيعة الكوفة الأعلام (2) عن شيخه السلمي (3) - وكان من خواصّ علي (عليه السلام) - عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الله عزَّ وجلّ.

* * *

____________________

(1) ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسي في أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، وقال: أُسند عنه. (راجع الرجال: ص 176).

(2) ذكره مؤلّف نقض الفضائح شيخ ابن شهرآشوب وأبي الفتوح الرازي. (راجع التأسيس للصدر: ص346، والمجالس للقاضي: ج1، ص548).

(3) ذكره ابن قتيبة في أصحاب علي (عليه السلام)، وممَّن حمَل عنه الفقه. (راجع المعارف: ص230)، وعدّه البرقي في رجاله من خواص الإمام (عليه السلام) من مُضَر. (راجع التأسيس: ص342).

٣٢٤

القراءاتُ بين الصحّة والشذوذ

- ضابط قبول القراءة.

- تحقيق الأركان الثلاثة.

- مناقشة هذه الأركان.

- اختيارنا في ضابط القبول.

- تواتر القرآن.

- مِلاك اختيار القراءة.

- القراءة المختارة.

- نصوص ضافية.

٣٢٥

القراءات بين الصحّة والشذوذ

ضابط قبول القراءة:

ذكَر أئمَّة الفنّ لقبول القراءة شروطاً ثلاثة:

1 - صحَّة السنَد.

2 - موافقة الرسم.

3 - استقامة وجهها في العربية.

وإذا فُقد أحد هذه الشروط تصبح القراءة شاذَّة، لا تصحّ القراءة بها، لا في صلاة ولا في غيرها، وتسقط عن اعتبارها قرآناً رأساً، سواء كانت من السبعة أمْ من غيرهم.

قال مكّي بن أبي طالب: إذا اجتمع في القراءة ثلاثة أشياء: قوَّة وجه العربية، وموافقة المصحف، واجتماع العامَّة عليه - والعامَّة هم: أهل المدينة، وأهل الكوفة - فذلك عندهم حجَّة قوية توجب الاختيار.

وربّما أُريد من العامَّة أهل الحرَمين: مكَّة، والمدينة، وربَّما جعلوا الاعتبار بما اتَّفق عليه نافع وعاصم، فقراءتهما أُولى القراءات وأصحّها سنداً وأفصحها في

٣٢٦

العربيَّة، ويتلوها في الفصاحة خاصَّة قراءة أبي عمرو والكسائي (1) .

وقال أبو شامة: كلّ قراءة ساعدها خطّ المصحف مع صحَّة النقل فيها ومجيئها على الفصيح من لغة العرب، فهي قراءة صحيحة معتبرة، فإن اختلفت هذه الأركان الثلاثة أُطلق على تلك القراءة أنَّها شاذَّة وضعيفة، أشار إلى ذلك كلام الأئمَّة المتقدّمين، ونصَّ عليه الشيخ المقرئ أبو محمّد مكّي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد - هو كتاب (الإبانة) -.

وقد ذكره شيخنا أبو الحسن في كتابه (جمال القرّاء) (2) قال: ولا يُلتزم فيه تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة (3) ، وتقدَّم قوله: وهنالك - أي دون إثبات تواتر كلِّ فرد فرد من القراءات إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) - تُسكب العبرات، فإنَّها من ثمَّ لم تُنقل إلاّ أحاداً، إلاّ اليسير منها (4) .

وقال الحافظ الضابط، إمام القرّاء المتأخِّرين، أبو الخير محمَّد بن محمَّد ابن الجزري: كلُّ قراءة وافقَت العربية - ولو بوجه - ووافَقت أحد المصاحف العثمانية - ولو احتمالاً - وصحّ سنَدها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردُّها ولا يحلّ إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزَل بها القرآن، ووجب على الناس قبولها، سواء أكانت عن الأئمَّة السبعة، أمْ عن العشرة، أمْ عن غيرهم من الأئمَّة المقبولين، ومتى اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة، أُطلق عليها ضعيفة أو شاذَّة أو باطلة، سواء أكانت عن السبعة، أمْ عمَّن هو أكبر منهم.

قال: هذا هو الصحيح عند أئمَّة التحقيق من السلَف والخلَف، صرَّح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، ونصَّ عليه في غير موضع الإمام أبو محمَّد مكّي بن أبي طالب، وكذلك الإمام أبو العبّاس أحمد بن عمّار المهدوي، وحقَّقه الحافظ أبو القاسم عبد الرحمان بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة، وهو مذهب السلَف الذي لا يُعرف عن أحد منهم خلافه (5) .

____________________

(1) البرهان للزركشي: ج1، ص321.

(2) المرشد الوجيز: ص171 - 172.

(3) نفس المصدر: ص171.

(4) نفس المصدر: ص178.

(5) النشر في القراءات العشر: ج1، ص9.

٣٢٧

هذه شروط ثلاثة عبَّروا عنها بالأركان إذا توفَّرت في قراءة، فهي صحيحة ومقبولة، وإذا اختلّ أحدها، فهي شاذَّة مردودة.

ورأيت التصريح بها في كلام أئمَّة الفنّ ممَّن يرجع إليهم في هذا الشأن، ومع ذلك فإنَّ بعض المؤلّفين غير الاختصاصيّين أخذ اعتبار التواتر بدل شرط صحَّة السند.

هكذا جاء في كلام الشيخ أبي قاسم النويري، قال: عدم اشتراط التواتر قول حادث، مخالف لإجماع الفقهاء والمحدِّثين.

وقد ردَّ عليه الإمام شهاب الدين القسطلاني بأنَّ: التواتر إذا ثبت لا يحتاج إلى الركنَين الآخَرين، من الرسم والعربية؛ لأنَّ ما ثبت متواتراً قُطع بكونه قرآناً، سواء وافق الرسم أمْ خالفه (1) .

قلت: ولعلّ مُشترط التواتر قد خلط عليه مسألة (تواتر القرآن) بمسألة (تواتر القراءات)، وقد تقدَّم أنّهما حقيقتان متغايرتان (2) .

وهكذا جعل الأستاذ محمّد سالم محيسن - وهو مدرِّس بمعهد القراءات بالأزهر - شرط التواتر بدل صحَّة السند (3)، مخالفاً في ذلك تصريحات الأئمَّة المحقّقين، ويُعذر أمثال هؤلاء بعدم الاضطلاع بأصول الفنِّ، ولم يدركوا أنَّ اشتراط التواتر في كلِّ فرد فرد من أحرف الخلاف يذهب بكثير من القراءات الثابتة عن السبعة وغيرهم. صرَّح بذلك الإمام القسطلاني (4) .

تحقيق الأركان الثلاثة:

قال ابن الجزري: وقولنا - في الضابط - (ولو بوجه) نريد وجهاً من وجوه النحْو، سواء كان أفصح أمْ فصيحاً، مُجمَعاً عليه أمْ مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ مثله

____________________

(1) لطائف الإشارة لفنون القراءة للقسطلاني: ج1، ص69.

(2) البرهان في علوم القرآن للزركشي: ج1، ص318، وراجع صفحة: 274 من هذا الكتاب.

(3) المهذّب في القراءات العشر: ج1، ص27.

(4) اللطائف: ج1، ص70.

٣٢٨

إذا كانت القراءة ممّا شاع وذاع، وتلقّاه الأئمَّة بالإسناد الصحيح، إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم، وهذا هو المختار عند المحقِّقين في ركن موافقة العربية.

فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحْو أو كثير منهم ولم يُعتبر إنكارهم، بل أجمع الأئمّة المقتدى بهم من السلَف على قبولها؟ كإسكان ( بَارِئِكُمْ ) (1) و ( يَأْمُرُكُمْ ) (2) ، ونحو: ( سَبَإٍ ) (3) و ( يَا بُنَيَّ ) (4) و ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ ) (5) و ( نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) في الأنبياء (6) ، والجمع بين الساكنين في تاءات البزّي، وإدغام أبي عمرو (7) و ( اسْطَاعُوا ) (8) لحمزة (9) ، وإسكان ( فَنِعِمَّا ) (10) و ( يَهْدِي ) (11) ، وإشباع الياء في (يرتعي) (12) و(يتّقي ويصبر) (13) و ( أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ ) (14) ، وضمّ ( لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ ) (15) ، ونصب ( كُنْ فَيَكُونُ ) (16) ، وخفْض ( وَالأَرْحَامَ ) (17) ، ونصب

____________________

(1) البقرة: 54.

(2) جاءت في سبع موارد من القرآن، وقد فصّلها في الجزء الثاني من النشر: ص12 - 13، وتقدَّم في فصل (قراءات شاذّة من السبعة) ص266.

(3) النمل: 22، سبأ: 15.

(4) جاءت في ستة موارد من القرآن.

(5) فاطر: 43.

(6) آية: 8، قرأ ابن عامر بنون واحدة وتشديد الجيم مبنيّاً للمفعول ونصب المؤمنين. (الكشف: ج 2، ص113).

(7) تقدّم في ص 266.

(8) الكهف: 97.

(9) أيضاً تقدّم في ص 267.

(10) البقرة: 271، النساء: 58، قرأ أبو جعفر بإسكان العين، ووافقه اليزيدي والحسن. (إتحاف فضلاء البشر: ص165)، وبما أنَّ الميم مشدَّدة عند الكلّ فيجتمع ساكنان على غير حده.

(11) يونس: 35، قرأ أبو جعفر - أيضاً - بإسكان الهاء مع تشديد الدال، وبذلك يجتمع ساكنان على غير حده. (الإتحاف: ص249).

(12) يوسف: 12.

(13) يوسف: 90.

(14) إبراهيم: 37، تقدّم في ص268.

(15) قرأ أبو جعفر بضمّ التاء وصلاً (الإتحاف: ص134).

(16) جاءت في ثمانية موارد من القرآن، وقد تقدّم في ص 268.

(17) النساء: 1، وقد تقدّم في ص 268.

٣٢٩

( لِيَجْزِيَ قَوْماً ) (1) ، والفصل بين المضافَين في الأنعام (2) ، وهمز (سأقيها) (3) ، ووصل ( وَإِنَّ إِلْيَاسَ ) (4) ، وألف ( إِنْ هَذَانِ ) (5) وتخفيف ( وَلاَ تَتَّبِعَانِّ ) (6) ، وقراءة (ليكة) (7) في الشعراء وص، وغير ذلك (8) .

قلت: انظر إلى هذا التناقض في كلام هذا الرجُل المحقِّق المضطلع بأصول الفنّ، كيف يحابي بحقائق علميَّة هنا، ويعترف بها في موضعٍ آخَر؟ إذ كلّ ما ذكره هنا إنَّما هي قراءات شاذَّة، لا يجوِّز هو ولا غيره من الأئمَّة قراءتها في الصلاة، ومع ذلك فقد استشهد بها تدليلاً على تقديم ما صحَّ سنده عن القارئ، على قواعد اللغة المقرَّرة، وسنتعرَّض لذلك.

* * *

قال ابن الجزري: ونعني بموافقة أحد المصاحف: ما كان ثابتاً في بعضها دون بعض، كقراءة ابن عامر: (َقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً) (9) بغير واو، و (بِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) (10) بزيادة الباء في الاسمين، ونحو ذلك، فإنَّ ذلك ثابت في المصحف الشامي (11) .

____________________

(1) الجاثية: 14، وقد قرأ أبو جعفر مبنياً للمفعول ونصب (قوماً). (الإتحاف: ص390).

(2) الأنعام: 137، وقد تقدّم ذلك في ص 268.

(3) النمل: 44، تقدّم ص 268.

(4) الصافّات: 123، وقد قرأ ا بن عامر بوصل همزة (إلياس) في حين أنَّ الكلمة أعجمية وهمزتها قطع. (الإتحاف: ص370).

(5) طه: 63. (راجع تفسير الفخر: ج22، ص74).

(6) يونس: 89، قرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي. (القرطبي: ج8، 376)، وهذه محاولة لتوجيه القراءة، وإلاّ فظاهر السياق كون (لا) ناهية، وعليه فإن كانت النون نون رفع فيجب إسقاطها للجزم، وأمّا نون التأكيد الخفيفة فلا تَلحق الفعل المثنّى وجماعة النساء.

(7) الشعراء: 176، ص: 13، تقدّم ذلك في ص 268.

(8) راجع النشر في القراءات العشر: ج1، ص10.

(9) البقرة: 116.

(10) آل عمران: 184.

(11) وابن عامر شامي أيضاً، راجع ص 222 من هذا الجزء.

٣٣٠

وكقراءة ابن كثير: ( جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ) (1) بزيادة (من)، فإنَّ ذلك ثابت في المصحف المكّي (2).

وكذلك ( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (3) بحذف (هو) (4) .

وكذا ( سَارِعُواْ ) (5) بحذف الواو (6) .

وكذا ( مِّنْهَا مُنقَلَباً ) (7) بتثنية الضمير (8) .

إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن، اختلفت المصاحف فيها، فوردت القراءة عن أئمَّة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم، فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية؛ لكانت القراءة بذلك شاذَّة، لمخالفتها الرسم المجمع عليه.

قال: وقولنا بعد ذلك (ولو احتمالاً) نعني به ما يوافق الرسم ولو تقديراً، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقاً وهو الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديراً وهو الموافقة احتمالاً، فإنَّه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعاً، نحو: (السموات)، و(الصلحت) (9) ، و(الَّيل) (10) ، و(الصلوة)، و(الزكوة) (11)، و(الربوا) (12) ، ونحو (لنظر كيف تعملون) (13) ، و(جايء) (14) في الموضعين (15) .

وقد توافِق بعض القراءات الرسم تحقيقاً، ويوافقه بعضها تقديراً، نحو: (مَلك يوم الدين) فإنَّه كُتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة الحذف تحتمله تحقيقاً، كما كُتب (مَلك الناس) وقراءة الألف محتملة تقديراً، كما كُتب (مالك

____________________

(1) التوبة: 100.                                        (2) وابن كثير مكّي أيضاً، راجع ص223.

(3) الحديد: 24.                                        (4) في مصحف المدينة والشام، راجع ص 224.

(5) آل عمران: 133.                                   (6) في مصحف المدينة والشام، راجع ص222.

(7) الكهف: 36.                                       (8) في مصحف المدينة والشام، راجع ص 223.

(9) فقد رُسمت بلا ألف، وقُرئت بألف.                 (10) فقد رُسمت بلام واحدة، وتقرأ بلامَين.

(11) رُسمت بواو، وتقرأ بألف.                          (12) رُسمت بواو وألف، ولا تقرأ الواو.

(13) رُسمت بنون واحدة، وتقرأ بنونين ( لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) يونس: 14.

(14) رُسمت بألف بعد الجيم، والصحيح: ( وَجِيءَ ) ماضٍ مبني للمفعول.

(15) الزمر: 69، الفجر: 23.

٣٣١

الملك) فتكون الألف حُذفت اختصاراً.

وكذلك (النشأة) (1) حيث كُتبت بالألف وافَقت قراءة المدّ تحقيقاً، ووافقَت قراءة القصْر تقديراً، إذ يحتمل أن تكون الألف صورة الهمز على غير القياس، كما كتب ( مَوْئِلاً ) (2) .

وقد توافِق اختلافات القراءات الرسم تحقيقاً، نحو: ( أَنصَارَ اللَّهِ ) (3) ، و ( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ) (4) ، و ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) (5) ، و ( يَعْمَلُونَ ) (6)، و ( هَيْتَ لَكَ ) (7) ، ونحو ذلك (8).

* * *

قال: وقولنا: (وصحَّ سنَدها)، فإنّا نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله، وهكذا حتّى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمَّة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط، أو ممّا شذَّ بها بعضهم.

قال: وقد شرط بعض المتأخّرين (التواتر)، وأنّ ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن، وهذا ممّا لا يخفى ما فيه، فإنّ التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين

____________________

(1) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالمدّ والهمز بعد الألف: (النشآءة) - كالكآبة -، وقرأ الباقون بغير مدّ ولا ألف (النشأ) - كالرأفة -. (الكشف: ج2، ص178).

(2) الكهف: 58، أي كما كُتبت الهمزة في صورة ياء.

(3) آل عمران: 52، الصف: 14. (راجع النشر: ج2، ص240).

(4) آل عمران: 39، قرأ حمزة والكسائي وخلف (فناديه الملائكة) بألف ممالة بعد الدال، وتكتب بصورة ياء، وقرأ الباقون (فنادته الملائكة) بتاء التأنيث، والخط يحتمل كلتا القراءتين. (النشر: ج2، ص239).

(5) آل عمران: 31، يقرأ بالنون وبالياء.

(6) البقرة: 96، يقرأ بالياء وبالتاء.

(7) يوسف: 23، قرأ نافع وابن عامر (هيت) بكسر الهاء وفتح التاء وياء ساكنة في الوسط، وقرأ هشام بهمزة ساكنة في الوسط، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء من غير همز، وابن كثير بضمِّ التاء، كلّ ذلك يحتمله الخطّ العاري عن النقَط والتشكيل. (الكشف: ج2، ص8).

(8) النشر في القراءات العشر: ج1، ص11 - 12.

٣٣٢

الأخيرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرُف الخلاف متواتراً عن النبي (صلّى الله عليه وآله) وجب قبوله، وقُطِع بكونه قرآناً، سواء وافَق الرسم أمْ خالفه.

وإذا اشترطنا التواتر في كلِّ حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرُف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمَّة السَبعة وغيرهم، ولقد كنت - قبل - أجنح إلى هذا القول، ثمَّ ظهر فساده، وموافقة أئمَّة السلَف والخلَف (1) .

* * *

هذا جُلّ ما ذكره القوم بشأن تحقيق الأركان الثلاثة لقبول القراءة ووصفها بالصّحة، وقد نقلنا كلام ابن الجزري بِطوله، فإنَّ تحقيقه كان هو الفصل الحاسم، المعروف بين أئمَّة الفنّ خلَفاً عن سلَف، ولم يزد على تحقيقه أحد فيما أعلم، وقد تلقَّته العلماء بالقبول عِبر العصور.

وإنَّ مناقشتنا التالية لهذه الأركان سوف تدور على بنود ذكَرها هذا الإمام المحقِّق، كمقياسٍ أساسيٍّ لملاحظتها وتحقيقها في ضوء الواقعية الراهنة، الَّتي ترفض المحاباة في مجال البحث والتمحيص.

مناقشة هذه الأركان:

تلك شروط ثلاثة: (السنَد، والرسم، والعربية) ذكرها السلَف وتبِعهم عليها الخلَف تقليدياً، من غير ما تحقيق عن واقع الأمر، وهل تصلح هذه الأركان حلاًّ لمشكلة (اختلاف القراءات)؟.

إنَّها مشكلة لا تنحلّ بهكذا مسائل شكلية لا واقع لها، إذا ما جاس الباحث خلال الديار، وقد لمَس الأئمَّة القدامى قصور هذه الأركان عن التعريف بصحيح القراءة، ومن ثمَّ أخذوا في تحريفها وتحويرها يمنةً ويسرة، ولكن من غير

____________________

(1) النشر: ج1، ص13.

٣٣٣

جدوى، فاستبدلوا من شرط (التواتر) - الذي كان رائجاً على ألسِنة غوغاء الناس - كفاية صحَّة الإسناد، ولكن إذا لم يوجد لبعض القرّاء إسناد فماذا؟.

وكذلك شرط (موافقة الرسم)، رسم أيِّ مصحف؟ أهو مصحف عثمان (الأُمّ)؟ فلم يكن بمعرض العامَّة، أمْ هي المصاحف الأُولى المبعوثة إلى الآفاق؟ فلم يُعَدّ لها وجود منذ عام 74 هـ، حيث جمعَها الحجّاج بأمر عبد الملك بن مروان في مرسوم سلطانيّ عام، وقد حاول بعض الأئمَّة (الإمام مالك) العثور على نُسخة منها فلم يستطع.

ثمَّ إنَّ قيد (ولو احتمالاً) يذهب بأثر هذا الاشتراط رأساً.

وأمّا شرط (العربية) فقُيّد (ولو بوجه) أبطَل أثره نهائيّاً، إذ ما من قراءة شاذَّة إلاّ ولها وجه في العربية ولو بعيداً.

هذا إجمال مناقشتنا في هذه البنود التي اعتبروها شروطاً أساسية لمعرفة صحيح القراءة عن ضعيفها، وإليك التفصيل:

* * *

أمّا موافقة (الرسم) - وهو عمدة الشروط - فالمصحف الأُمّ مصحف عثمان المختصّ به، أو مصحف المدينة المودَع في مسجدها، فإنَّه لم يكن بمعرض العموم، فضلاً عن أنَّ المعتمَد في تصريح الجماعة هو مطلق المصاحف العثمانية الأُولى، لا خصوص المصحف الأُمّ.

قال الإمام شهاب الدين القسطلاني: وأمّا قول القائل: (ووافَق لفظه خطَّ المصحف، المصحف الإمام) ففيه نظر، من جهة تقييده بالإمام، وهو مصحف عثمان الذي أمسكه لنفسه؛ لأنَّ المعتمَد موافقة أحد المصاحف العثمانية، كما في النشر وغيره (1) .

____________________

(1) لطائف الإشارات لفنون القراءات: ج1، ص68.

٣٣٤

ودليلاً على ذلك: أنَّهم اكتفوا بموافقة سائر المصاحف كمصحف الشام ومكَّة وغيرهما، فقد أجازوا قراءة ابن كثير - قارئ مكَّة -: (تجري من تحتها الأنهار) بزيادة (من)؛ لأنّ مصحف مكَّة كان مشتملاً عليها (1) وإن كان مصحف المدينة خالياً عن ذلك ( تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ) (2) .

وقرأ ابن عامر - قارئ الشام -: (ولدار الآخرة) بلام واحدة؛ لأنَّ مصحف الشام كان هكذا (3) ، وقرأ الباقون بلامين ( وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ ) (4) .

فلم يكن مقياس (موافقة المصحف) هو المصحف الإمام، بل جميع المصاحف العثمانية - الخمسة أو السبعة - المبعوثة إلى الآفاق.

ولكن كيف الحصول على موافقتها؟ ولم يَعُد لها وجود، قبل أن ينتهي القرن الأوَّل، إذ لم يمضِ على حياتها أقلّ من نصف قرن إلاّ وقد أكل عليها الزمان وشرب، ولم يبقَ لها أثر على صفة الوجود.

وذلك منذ أن تحوَّل الخطّ (خطّ المصحف بالخصوص) من حالته البدائية الأُولى إلى مراحل جديدة - أيّام ولاية الحجّاج بن يوسف الثقفيّ على العراق، ابتداءً من سنة 74هـ فما بعد - فقد أخذت المصاحف في تطوّر وتحسّن في خطِّها ونُقَطها وتشكيلها وسائر المحسّنات.

وقد بعث الحجّاج بمصاحف من الطراز الحديث إلى الآفاق، وأمر بجمْع سائر المصاحف، ومنها المصاحف العثمانية الأُولى، وحتّى أنَّ المصحف الإمام - وكان محتفظاً به في وعاء في المسجد النبوي (صلّى الله عليه وآله) - أخفاه آل عثمان ضنّاً به.

حكى أبو أحمد العسكري في كتاب (التصحيف) : أنَّ الناس غبروا يقرأون في مصحف عثمان بن عفّان نيّفاً وأربعين سنة، إلى أيّام عبد الملك بن مروان، ثمَّ كثر التصحيف وانتشر بالعراق، ففزع الحجّاج بن يوسف إلى كُتّابه وسألهم أن

____________________

(1) الكشف: ج1، ص505.

(2) التوبة: 100، راجع ص223 من الكتاب.

(3) راجع ص 222.

(4) الأنعام: 32، راجع الكشف: ج1، ص429.

٣٣٥

يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات... (1) .

ويحدّثنا محرز بن ثابت - مولى سلمة بن عبد الملك - عن أبيه، قال: كنت في حرس الحجّاج بن يوسف، فكتب الحجّاج المصاحف (منقَّطة، ومشكَّلة، ومخمَّسة، ومعشَّرة) على يد نصر بن عاصم الليثي وصاحبه يحيى بن يعمر، تلميذَي أبي الأسود الدؤلي (2) ، ثمَّ بعث بها إلى الأمصار، وبعث بمصحف إلى المدينة، فكرِه ذلك آل عثمان، فقيل لهم: أخرِجوا مصحف عثمان ليُقرأ، فقالوا - ضنّاً به -: أُصيب المصحف يوم مقتل عثمان.

قال محرز: وبَلَغني أنَّ مصحف عثمان صار إلى خالد بن عمرو بن عثمان.

قال: فلمّا استخلف المهديّ العبّاسي بعث بمصحف إلى المدينة، فهو الذي يُقرأ فيه اليوم، وعزَل مصحف الحجّاج، فهو في الصندوق الذي دون المنبر.

قال ابن زبالة: حدَّثني مالك بن أنس - إمام المالكية - (93هـ - 179هـ) قال: أرسلَ الحجّاج إلى أمّهات القرى بمصاحف، فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير، وهو أوَّل مَن أرسل بالمصاحف إلى القرى، وكان هذا المصحف في صندوق عن يمين الاسطوانة التي عُملَت علَماً لمقام النبي (صلّى الله عليه وآله)، وكان يُفتح في يوم الجمعة والخميس، ويُقرأ فيه إذا صلّيت الصبح، فبعث المهدي بمصاحف لها أثمان، فجُعلت في صندوق، ونحّى عنها مصحف الحجّاج، فوضِعت عن يسار السارية، ووضِعت لها منابر كانت تقرأ عليها، وحمل مصحف الحجّاج في صندوقه، فجُعل عند الاسطوانة التي عن يمين المنبر (3) .

قال ابن وهب: سألت مالكاً عن مصحف عثمان، فقال: ذَهَب (4) .

____________________

(1) التصحيف: ص 13. (راجع ابن خلّكان - في ترجمة الحجّاج -: ج2، ص32).

(2) معرفة القرّاء الكبار الذهبي: ج1، ص58.

(3) وفاء الوفاء للسمهودي: ج2، ص667 - 668.

(4) البرهان في علوم القرآن: ج1، ص222.

٣٣٦

ويروي الشاطبي عن مالِك أنَّه قال: (إنَّ مصحف عثمان تغيَّب فلم نجد له خبراً بين الأشياخ) (1) . وفي كلامه هذا أنَّه حاول العثور عليه فلم يستطع، الأمر الَّذي يدلّ على انقطاع أثره من صفحة الوجود بالكلّية، وإلاّ فلو كان له وجود لمَا كان يختفي عن مِثل مالِك.

تلك حالة المصاحف العثمانية الأُولى لم يعُد لها أثر في الوجود، أمّا سائر المصاحف فلا تصلُح مقياساً لموافقتها أو مخالفتها؛ لأنَّ قيمة تلكمُ المصاحف الأُولى كانت باعتبار انتمائها إلى الصحابة الأوَّلين، أمّا غيرها فلم يثبت لها هذا الاعتبار.

ولعلَّك تقول: يحتمَل أنَّ تلكمُ المصاحف المتأخِّرة كُتبت على نفس كتابة المصاحف الأُولى حرفيّاً، قلت: هذا احتمال، ولا يمكننا أن نعتمد احتمالاً نحتمله ما لم نستوثق من تحقّقه واقعاً قطعيّاً، هذا فضلاً عن التصريح بأنّها كُتبت على أسلوبٍ حديث كان يختلف عن أسلوب المصاحف الأُولى بكثير، وإلاّ لم تعُد حاجة إلى جمْعها، فكانت تُنقَّط وتُشكَّل فحسب، أمّا إبعادها عن صفحة الوجود فلا سبب له سوى التغيير الجذري الحاصل فيما بعد.

نعم، أصل إملاء الخطّ في صورته البدائية بقيَ محفوظاً نسبياً، لم يمسّوه بيد إصلاح، حسب ما قدَّمنا (2) وسجَّل جزئيّاته أرباب المصاحف: كابن الأنباري، وابن أبي داود وغيرهما، وكانوا هم حلقة الاتّصال بيننا وبين المصاحف الأُولى بعض الشيء، الأمر الَّذي لا نستطيع الاستيثاق بكلّيته تماماً.

وأخيراً، فإنَّ إضافة قيد (ولو احتمالاً) ذهبت بفائدة هذا الاشتراط، حيث أكثر القراءات الشاذّة بل والمرفوضة بالإجماع أيضاً، يمكن توفيقها مع ظاهر الرسم، حيث لا نُقَط ولا تشكيل ولا ألِفات، ولا غير ذلك من علائم فارقة حسبما تقدَّم.

____________________

(1) وفاء الوفاء: ج2، ص669.

(2) راجع ص213.

٣٣٧

مثلاً قراءة ابن مقسم: (خلصوا نجباً) بالباء (1) يحتملها الخطّ، وكذا قراءة ابن محيصن ( فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء ) بفتح تاء المضارعة (2) ، وقراءة أبي حنيفة ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ - بالرفع - مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء - بالنّصب) (3) ، وقراءة الحسن (لا ريباً فيه) بالنصب والتنوين (4) ، وقراءته (ظلمات) بسكون اللام حيثما وقع في القرآن (5) وقراءته ( يَخْطَفُ ) بكسر الياء والخاء والطاء مع تشديدها (6) ، وقراءته ( وَعَلَّمَ آدَمَ ) بالبناء للمجهول (7)، وقراءة المطوعي (يسمعون كلم الله) بلا ألف وكسر اللام (8)، وقراءة ابن السميقع (ننحّيك) بالحاء (9) .

وقراءة الحسن: (أو تنسها) بتاء الخطاب (10) ، وقراءة ابن محيصن ( فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ ) بضمّ هاء الضمير (11) ، وقراءة قتادة (فأقيلوا أنفسكن) بالياء (12) ، وقراءة ابن زيد ( فَإِذَا عَزَمْتَ ) بضمِّ التاء (13) ، وقراءة الحسن (فرغ عن قلوبهم) بالراء المهملة والغين المعجمة (14)، كلّ ذلك يحتمله الخطّ العاري عن النُقَط والتشكيل.

____________________

(1) إعجاز القرآن للرافعي. قانون التفسير ص 170، والآية هكذا: ( خَلَصُواْ نَجِيّاً ) يوسف: 80.

(2) إتحاف فضلاء البشر: ص 231. تأويل مشكل القرآن: ص61، والآية 150 من سورة الأعراف.

(3) تفسير القرطبي: ج14، ص344، والآية 28 من سورة فاطر.

(4) القراءات الشاذّة لعبد الفتاح: ص23، وجاءت في عشرة موارد من القرآن هكذا ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) .

(5) المصدر السابق: ص24، والكلمة جاءت في ثلاثة وعشرين مورداً من القرآن.

(6) المصدر السابق: ص 25، والآية 20 من سورة البقرة.

(7) المصدر السابق: ص 26، والآية 31 من سورة البقرة.

(8) المصدر السابق: وفي الآية هكذا: ( يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ) البقرة: 75.

(9) تفسير القرطبي: ج8، ص379، وجاءت في القرآن ( نُنَجِّيكَ ) يونس: 92.

(10) القراءات الشاذّة: ص 29، وجاءت في القرآن ( نُنسِهَا ) البقرة: 106.

(11) المصدر السابق: ص 31، وجاء في أربع موارد من القرآن.

(12) تفسير القرطبي: ج4، ص252، وجاء في القرآن ( فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) البقرة: 54.

(13) المصدر السابق: والآية 159 من سورة آل عمران.

(14) إتحاف فضلاء البشر: ص360، والقراءة المأثورة: ( فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ) سبأ: 23.

٣٣٨

وغير ذلك ممّا يطول، راجع كتُب القراءات الشاذَّة تجد غالبيَّة تلكُم القراءات يمكن توفيقها مع ظاهر الرسم الأوَّل، فأين (موافقة الرسم) من صلاحية كونها دليلاً على تعيين القراءة الصحيحة عن الشاذَّة؟!.

* * *

أمّا شرط (السنَد) لتكون القراءات بأسْرها متّصلة الإسناد إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، فهذا شيء لا نستطيع تعقّله، فضلاً عن إمكان إثباته.

أوّلاً: القرّاء مختلفون في القراءات، وكلّ قارئ له أسلوب خاصّ ومنهج يختصّ به دون مَن سواه، وله في كلِّ آية فنون من أنواع القراءة، بل في كلِّ كلمة يقرأها على أساليب يبتدعها كفنٍّ.

أفهل يصحّ أن ننسب كلَّ هذه القراءات المتنوّعة من كلِّ قارئ قارئ في جميع آي القرآن إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)؟!.

أفهل نستطيع أن ننسب مثل: تاءات البزّي (1) ، وإدغام أبي عمرو (2) ، وإسكان حمزة (3) ، ونبر الكسائي (4) ، ومَدَّة ورش (5) وغير ذلك من مبتدعات القرّاء المستنكَرة،

____________________

(1) هو صاحب قراءة ابن كثير من السبعة، توفّي 250 هـ، كان يشدِّد التاء التي تكون في أوائل الأفعال المستقبلة حالة الوصل، نحو: ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ ) البقرة: 267، وهي لغة غريبة عن متعارف العرب إطلاقاً. (انظر التيسير: ص 83، والنشر: ج2، ص232، والكشف: ج1، ص 314).

(2) هو أحد السبعة، توفّي 154 هـ، كان يُدغم المِثلين إذا كان من كلمتين، سواء سكن ما قبله أو تحرّك، نحو: ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) البقرة: 185، وهو من الجمع بين ساكنين على غير حده. (انظر التيسير: ص20).

(3) في قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَطَاعُوا ) الكهف: 97، قرأها (فَمَا اسْطَاعُوا) بإدغام التاء في الطاء مع سكون السين. (انظر التيسير: ص 146، والنشر: ج2، ص316).

(4) كان ينبر بالحرف، أي يهمزه، وقريش لم تكن تهمز في كلامها، فلا تقول في (النبي): (النبئّ). (انظر النهاية: ج5، ص7) وقد تقدَّم ذلك.

(5) هو صاحب قراءة نافع من السبعة، توفّي 197 هـ، كان هو وحمزة أطول القرّاء مَدّاً (راجع التيسير: ص30، والإتحاف: ص37).

٣٣٩

إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟.

قال ابن قتيبة: ولا يُجعل لحْن اللاحنين من القرّاء المتأخِّرين حجَّة على الكتاب، وقد كان الناس قديماً - على بداوتهم - يقرأون بلُغاتهم وفْق لهْجاتهم الفطريَّة.

ثمَّ خلَف قوم بعد قوم من أهل الأمصار المتحضّرين وأبناء العجَم (1) ، ليس لهم طبع اللغة (لم تكن اللغة من فِطْرتهم)، ولا علم التكلّف (لم يتقنوا علم العربية)، فهفَوا في كثير من الحروف (القراءات) وزلّوا وقرأوا بالشاذّ وأخلّوا.

منهم رجُل (حمزة) ستر الله عليه عند العوام بالصلاح، لم أرَ أكثر تخليطاً وأشدّ اضطراباً منه (2) ، نبذ في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز، بإفراطه في المَدّ والهمز والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام، وقد شغف بقراءته العوام (3) ، رأَوه عند قراءته مائل الشدْقَين، دارّ الوريدَين، راشح الجبينين، فتوهَّموا أنَّ ذلك لفضيلة وحذَق بها.

____________________

(1) يريد غالبيَّة القرّاء المعروفين، وهم من أبناء العجم، قال الداني: وليس في القرّاء السبعة من العرب غير ابن عامر وأبي عمرو، والباقون هُم مَوال. (التيسير: ص6).

(2) كان يستعمل في الحرف ما يدَعه في نظيره، ثمّ يؤصّل أصلاً ويخالف إلى غيره لغير ما علّة قرأ ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ ) فاطر: 43، أسكنَ الهمز والياء في (السيئ) الأوّل، وأعرب الثاني. (تأويل المشكل: ص 63)، وأصل إسكان جميع الياءات التي اختلف فيها القرّاء إلاّ ياء (محياي)، فإنّه فتحها وكسرَ ياء (بمصرخي) وليست بياء إضافة. (الكشف: ج1، ص328).

وطعنَ كثير من النُحاة في هذه القراءة، قال الفرّاء: لعلّها من وَهم القرّاء، فإنّه قلّ مَن سلمَ منهم من الوهْم، ولعلّه ظنَّ أنَّ الباء في (بمصرخي) خافضة للّفظ كلِّه، والياء للمتكلم خارجة من ذلك. وقال الأخفش: ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من النحويّين. (راجع البحر المحيط: ج5، ص419).

(3) لكن ظاهر الأئمّة قبول قراءاته إطلاقاً، فهذا مكّي أشبع كتابه بقراءات حمزة محتجّاً بها، وكذا غيره من أئمة القراءات الذين دوّنوا قراءات السبعة أو العشرة وغيرهم، قال الذهبي: قد انعقد الإجماع بآخره على تلقّي قراءة حمزة بالقبول والإنكار على مَن تكلّم فيها. (ميزان الاعتدال: ج1، ص605).

٣٤٠