ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية0%

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 311

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 311
المشاهدات: 52467
تحميل: 6404

توضيحات:

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52467 / تحميل: 6404
الحجم الحجم الحجم
ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

ثورة الحسين (عليه السلام) ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لكلّ من الراعي والرعية(1) ؛ لذلك امتنع من الاستجابة الفورية لضغط الجماهير والصحابة عليه بشأن قبول بيعتهم له بالخلافة.

فقد أراد أن يضعهم أمام اختبار يكشف به مدى استعدادهم لتحمّل أسلوب الثورة في العمل؛ لئلاّ يروا فيما بعد أنّه استغفلهم، واستغلّ اندفاعهم الثوري حين يكشفون صعوبة الشروط التي يجب أن يُناضلوا الفساد الذي ثاروا عليه في ظلّها.

من أجل هذا قال لهم: « دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي؛ فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ، لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَلا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ، وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ، وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً »(2) . ولكنّ الناس أبَو عليه إلاّ أن يلي الحكم، فاستجاب لهم.

وما أن بويع حتّى عالنهم بسياسته التي قرّر أن يتّبعها من أجل تحقيق الأهداف التي قبل الحكم لأجلها. ولم تكن هذه السياسة شيئاً مرتجلاً اصطنعه

____________________

(1) وقد حدّد الإمام عليعليه‌السلام هذه الحقوق في مناسبة قاسية من مناسبات حياته، وذلك بعد صفين، في خطبة له: « أيّها الناس، إنّ لي عليكم حقّاً، ولكم عليّ حقّ؛ فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا. وأمّا حقّي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم ».

انظر: نهج البلاغة/الخطبة 34، فالحقوق متبادلة بين الراعي والرعية، وهذا التبادل طبيعي يرتبط بشخصيّة الاثنين تماماً كما أنّه شرعي؛ لأنّ واضع الشريعة هو خالق الطبيعة.

(2) انظر: نهج البلاغة/الخطبة 92.

٦١

لنفسه يوم ولي الخلافة، وإنّما كانت منهجاً مدروساً، ومنتزعاً من الواقع الذي كان يعانيه المجتمع الإسلامي آنذاك، ومعدّة للسّير بهذا المجتمع إلى الأمام، ومُهيّأة لتنيل هذا المجتمع المطامح التي كان يحلم بها ويصبو إليها.

٦٢

إصلاحات الإمامعليه‌السلام وموقف المسلمين منها

وقد تناولت إصلاحات الإمام الثورة ثلاثة ميادين:الإدارة، والحقوق، والمال ؛ ففيما يرجع إلى سياسة الإدارة أصرّ على عزل ولاة عثمان على الأمصار، هؤلاء الولاة الذين كانوا من الأسباب الهامّة في الثورة على عثمان؛ لظلمهم وبغيهم، وعدم درايتهم بالسياسة وأصول الحكم.

وقد كلّمه المغيرة بن شعبة في شأن ولاة عثمان، فأشار عليه بأن يُثبت هؤلاء على أعمالهم، ولكنّه أبى عليه ذلك وعزلهم، وكلّمه طلحة والزبير في شأن الولاية على الكوفة والبصرة فردّهما ردّاً رفيقاً، وولّى رجالاً من أهل الدين، والعفّة والحزم، فولّى على البصرة عثمان بن حُنيف(1) ، وعلى الشام سهل بن حُنيف، وعلى مصر قيس بن

____________________

(1) هو عثمان بن حُنيف بن واهب بن الحكيم الأنصاري الاُويسي، أبو عمرو، وأبو عبد الله. شهد أحداً وما بعدها. استعمله عمر بن الخطاب على مساحة العراق، واستعمله عليعليه‌السلام على البصرة. انظر =

٦٣

سعد بن عبادة، وثبّت أبا موسى الأشعري على الكوفة، وهذه هي الأمصار الكبرى في دولة الخلافة حينذاك.

وقد أصاب هذا الإجراء قريشاً بضربة قاصمة في كبريائها، وسلطانها ونفوذها؛ لأنّ هؤلاء جميعاً من غير قريش. وقد قال في شأن ولاة عثمان ومَنْ لفّ لفّهم: «... وَلَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً، وعِبَادَهُ خَوَلاً، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً؛ فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ، وَجُلِدَ حَدّاً فِي الإِسْلامِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الإِسْلامِ الرَّضَائِخُ »(1) .

* * *

____________________

= التاريخ الكبير 1/209، الجرح والتعديل 6/146، الاستيعاب 3/89، الإصابة 2/459، تهذيب التهذيب 7/103، أُسد الغابة 3/371، تايخ الطبري 3/465، وكانت فتنة الجمل الأصغر في البصرة لخمس بقين من ربيع الثاني سنة (36 هـ) قبل وصول الإمام عليعليه‌السلام إليها، وكان عاملها عثمان بن حُنيف الأنصاري الذي أسره جيش أمّ المؤمنين وطلحة والزبير، والذي قُتل مَنْ في المسجد (40) رجلاً من شيعة الإمام عليعليه‌السلام ، وقُتل أيضاً (70) آخرين في مكان آخر.

وكان عثمان من الصحابة الأجلاء، وأرادوا قتله لكنّهم خافوا من أن يثأر له أخوه سهل والأنصار جميعاً؛ فعمدوا على نتف لحيته وشاربه، وحاجبيه وشعر رأسه، وضربوه ضرباً مُبرحاً، وطردوه من البصرة.

وقاتلهم بعد ذلك حكيم بن جبلة مع جماعة من بني عبد القيس ومن ربيعة، فاقتتلوا معهم حتّى استشهد منهم جماعة، ومنهم الأشرف بن حكيم، وأخوه الرّعل، وفُتحت البصرة كما ذكر صاحب أُسد الغابة 2/38، وشرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 2/481 طبعة بيروت أُفست، وأنساب الأشراف - للبلاذري 2/228، ومروج الذهب - للمسعودي 2/358، كتاب الجمل - للشيخ المفيد، طبعة الحيدرية، كتاب أحاديث عائشة أمّ المؤمنين - للعلامة العسكري 1/121 - 200، طبعة الحيدرية في طهران، و172 - 270 طبعة 5 مطبعة صدر نشر دار التوحيد، وتأريخ الطبري 5/178.

(1) انظر: نهج البلاغة - الرسالة 62.

٦٤

وفيما يرجع إلى الحقوق نادى بأنّ المسلمين جميعاً سواء في الحقوق والواجبات في الإسلام، وقد كانت هناك فروق حقوقية جاهليّة قضى عليها الإسلام، وأُعيدت في عهود لاحقة؛ فقريش ذات الماضي العريق في السيادة على القبائل العربية عادت في عهد عثمان إلى إيمانها بتلك الفروق، فغدا أُناس ليس لهم ماضٍ مشرّف بالنسبة إلى الإسلام ونبيّه يتعالون على أعظم المسلمين جهاداً، وسابقة وبلاء لمجرّد أنّهم قرشيون.

هذه الفروق المعنوية الجاهليّة قضى عليها الإمامعليه‌السلام ، فقال: « الذليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقوي عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه »(1) .

* * *

وفيما يرجع إلى سياسة المال وقف موقفاً صارماً، وكانت تواجهه فيما يتعلّق بهذه السياسة نقطتان هامّتان؛ إحداهما الثروات التي تكوّنت في أيام عثمان بأسباب غير مشروعة، والثانية أسلوب توزيع العطاء.

وقد أعلن في الخُطب الأولى التي استهل بها حكمه مصادرة جميع ما أقطعه عثمان من القطائع وما وهبه من الأموال العظيمة لطبقة الإرستوقراطيين، كما أعلن أنّه سيتّبع مبدأ المساواة في العطاء، فقال: « أيّها الناس، إنّي رجل منكم، لي ما لكم وعليّ ما عليكم، وإنّي حاملكم على منهج نبيّكم، ومنفّذ فيكم ما أمر به.

ألا وإنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال؛ فإنّ الحقّ لا يبطله شيء، ولَوْ

____________________

(1) انظر: نهج البلاغة - الخطبة 37.

٦٥

وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ؛ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ »(1) .

وقال من خطاب آخر: «... ألا لا يقولنّ رجال منكم غداً غمرتهم الدنيا فاتّخذوا العقار، وفجّروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتّخذوا الوصائف الرُّوقة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأخّرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون، ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.

ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى أنّ الفضل له على سواه لصحبته؛ فإنّ الفضل النيّر غداً عند الله، وثوابه وأجره على الله.

وأيّما رجل استجاب لله وللرسول، فصدّق ملّتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده؛ فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يُقسم بينكم بالسويّة، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء، وأفضل الثواب. لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجراً ولا ثواباً، وما عند الله خير للأبرار.

وإذا كان غد إن شاء الله فاغدوا علينا؛ فإنّ عندنا مالاً نقسمه، ولا يتخلّفنّ أحد منكم؛ عربي ولا عجميّ، كان من أهل العطاء أو لم يكن، إلاّ حضر إذا كان مسلماً حرّاً »(2) .

فلمّا كان من الغد، غدا وغدا الناس لقبض المال، فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه: « ابدأ بالمهاجرين فنادهم، وأعطِ كلّ رجل ممّن حضر

____________________

(1) انظر: نهج البلاغة - الخطبة 15.

(2) انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 7/37.

٦٦

ثلاثة دنانير، ثمّ ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومَنْ حضر من الناس كلّهم؛ الأحمر والأسود، فاصنع به مثل ذلك »(1) .

فقال سهل بن حنيف: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي بالأمس وقد أعتقته اليوم. فقال: « نعطيه كما نُعطيك ». فأعطى كلّ واحد منهما ثلاثة دنانير(2) ، ولم يفضّل أحداً على أحد. وتخلّف عن هذا القسم يومئذ طلحة، والزبير، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، ورجال من قريش وغيرها(3) .

* * *

وهكذا قضى بسرعة وحسم على شرعيّة التفاوت الطبقي بما له من ذيول اقتصادية ودينية، فسوّى بين المعتقين والأحرار، والسابقين في الإسلام والمسلمين الجدد، ولم يجعل من الفضل الديني ذريعة إلى المغانم الاقتصادية، كما شلّ بإجراء آخر قوّة هذه الطبقة التي تكوّنت في عهد عثمان؛ وذلك حين صادر قطاع عثمان والأموال التي أعطاها.

وبقدر ما كانت هذه السياسة مصدر فرح وجدل للطّبقة المستضعفة الفقيرة الرازخة تحت أثقال من الظلم، كانت أيضاً صفعة لقريش ولغرورها، وخيلائها

____________________

(1) انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 7/38.

(2) انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 7/39.

(3) انظر المصدر نفسه.

٦٧

واستعلائها على الناس، فمن أين لها بعد اليوم أن تحوز الأموال العظيمة دون أن تنفرج شقتان لتقولا لها: من أين لك هذا؟وكيف لها بعد اليوم أن تستعلي وتستبد، وتفرض على الناس في ظلّ الإسلام سلطانها عليهم في الجاهليّة.

ولعلّ قادة الطبقة الثرية وزعماءها فكّروا في أن يساوموا علياً على بذل طاعتهم له على أن يُغضي عمّا سلف منهم، ويأخذهم باللين والهوادة فيما يستقبلون، فأرسلوا إليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط(1) ، فجاء إليه وقال: « يا أبا الحسن، إنّك قد وترتنا جميعاً، ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنّا ما أصبناه من المال أيّام عثمان، وأن تقتل قتلته، وإنّا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام ».

____________________

(1) هو الوليد بن عقبة، أخو الخليفة من اُمّه، وقد كان من الذين أسلموا بعد فتح مكة، وكلّفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما ذكر ابن حجر وغيره - بجمع صدقات بعض الأعراب، فلمّا قرب منهم خرجوا إليه، فظنّ أنّهم يحاربونه، فرجع مخبراً النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، وكاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يرسل إليهم جيشاً لقتالهم، فأنزل الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (سورة الحجرات/6)، تفسير ابن كثير 4/208، الإصابة في تمييز الصحابة - لابن حجر 3/637.

ونزلت فيه:( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (سورة السجدة/18)، انظر: تفسير الدرّ المنثور 5/177، المصابيح - لأحمد بن إبراهيم/284.

وكان يُصلّي حال إمارته وهو سكران حتّى تكلّم فيها، والتفت إلى مَنْ خلفه وقال: أزيدكم في الصلاة؟ فقالوا: لا، قد قضينا صلاتنا. انظر: الأحكام - للإمام يحيى بن الحسين 2/268، مسند أحمد 1/144، سنن البيهقي 8/318، تأريخ اليعقوبي 2/142، الكامل - لابن الأثير 3/42، الإصابة 3/638، السنن الكبرى - للنسائي 3/248، أُسد الغابة 5/91، الجرح والتعديل 9/12، تهذيب الكمال 31/16، المصابيح - لأحمد بن إبراهيم/268، أنساب الأشراف - للبلاذري 5/33.

٦٨

فقالعليه‌السلام : « أمّا ما ذكرتم من وتري إيّاكم فالحقّ وتركم؛ وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حقّ الله عنكم ولا من غيركم... »(1) .

ولمّا أيقن زعماء هذه الطبقة أنّهم لن يُفلحوا عن طريق المساومة والتهديد، لجؤوا إلى السعي لنقض البيعة، وقد جاء مَنْ أخبر علياً بأنّهم يدعون الناس إلى رفض البيعة؛ مدفوعين إلى ذلك بالامتيازات الاقتصادية والاجتماعيّة التي فقدوها.

فخطب الناس، وكأنّه أراد بذلك أن يكشف عناصر الفتنة الجديدة، ويخرج بالمسألة من حدود الهمس والعمل في الظلام إلى الصعيد العام، ويسلّط عليه وعلى زعمائها النور، ويفضح أهدافهم، ويُطلع الأمّة على المناورة التي تريد أن تحوّل نتائج الثورة إلى مغانم شخصيّة، وتُعيد الأوضاع القديمة كما كانت، فلا تحصل الأمّة من ثورتها إلاّ على تبديل الوجوه.

وقد أكّد في هذه الخطبة عزمه على مواصلة تطبيق المنهج الذي بدأ به، فقال: « فأمّا هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرَة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيّنا بين أظهرنا، فمَنْ لم يرض به فليتولّ كيف شاء »(2) .

____________________

(1) انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 7/39.

(2) انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 7/39 - 40.

٦٩

ولكنّ الإرستقراطية الجديدة لم تقف مكتوفة اليدين، فقامت بحركة تمرّد الأولى في البصرة تحت ستار الثأر لعثمان، وما هي في واقعها إلاّ تدبير دبّره مَنْ لم يُماش الحكم الجديد أهواءهم من بني أميّة وغيرهم من المنتفعين بعهد عثمان.

وقد كان القائمون بهذه الحركة يريدون أن يعطفوا أزمّة الحكم إلى جانبهم بعد أن يئسوا من مساعدة الإمامعليه‌السلام لهم على ما يبتغون، ولكنّ الإمامعليه‌السلام قضى على الحركة في مهدها، وفرّ مَنْ بقي من أنصارها إلى الشام، حيث قامت حكومة برياسة معاوية بن أبي سفيان، انضوت إليها جميع العناصر المنتفعة بعهد عثمان، والتي رأت في الحكم الجديد خطراً عليها وعلى امتيازاتها الطبقية.

وبينما كانت حكومة الإمامعليه‌السلام تسير على نهج إسلامي خالص، أي أنّها كانت تحقّق للأمّة أقصى قدر مستطاع - في ظروفها السياسيّة والاقتصادية والعسكرية - من الرفاهية، والعدالة والأمن، كان معاوية يسير على نهج آخر في الحكم يقوم على شراء الضمائر بالمال، وتفضيل طائفة بحرمان طائفة أخرى، وتعطيل السبل، وتعكير الأمن، ولم يكن معاوية ليبالي في أن ينزل بدافعي الضرائب من الزرّاع، والتجّار أفدح الظلم في سبيل أن يحصل منهم على مبلغ من المال يُغذّي به أطماع حفنة من رؤساء القبائل العربية يؤلّفون جهازه العسكري المتأهّب دائماً لقمع أي حركة تحرريّة تقوم بها جماعة من الناس.

وقد كان من الطبيعي أن تقوم حركة تمرّد أخرى وراء الواجهة نفسها بزعامة معاوية، فكانت صفين، وكان التحكيم ثمّ النهروان، ثم قُتلعليه‌السلام بثمرة من ثمرات التحكيم بعد أن غرس في عقول الناس وقلوبهم المبادئ الإسلاميّة في الحكم وسياسة الجماعات.

ثم كانت خلافة الحسن بن عليعليه‌السلام ذات الشهور العاصفة، الحُبلى بالدسائس والمؤامرات عليه من قبل الانتهازيين والوصوليين، ثم اضطراره إلى التخلّي عن الحكم مؤقتاً تحت ضغط الأحداث التي لم تكن صالحة

٧٠

تفادياً لحرب خاسرة تذهب فيها دماء أنصاره دون الحصول على نصر آني أو في المستقبل القريب أو البعيد.

وصار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان، واتّسقت له الأمور، وسيطر على العالم الإسلامي كلّه بعد أن أُخذت له البيعة على الناس في شوّال سنة إحدى وأربعين للهجرة.

وقد كانت سياسة الإمام عليعليه‌السلام وطريقته في ممارسة مهمّة الحكم، وفهمه لواجبات الحاكم، كانت هذه الأمور تُشكّل تحدّياً مستمراً لمعاوية وبطانته، وتهديداً لمشاريعه في التسلّط على المسلمين.

والذي زاد من خطورة هذه الأفكار على معاوية ومشاريعه أنّها لم تكن أفكاراً مجرّدة، بل طُبّقت على حياة الناس بأمانة وإخلاص عظيمين؛ لذلك عمل معاوية منذ انتهت مهزلة التحكيم على أن يحارب هذه المبادئ، وأن يطبع حياة الناس وأفكارهم بالطابع الذي يؤمن له سيطرة دائمة خالية من أيّ رقابة أو احتجاج؛ ولذلك مارس سياسة استهدف منها محق نزعة الحرية لدى الإنسان المسلم، وتحويله عن أهدافه العظيمة، ونضاله من أجلها.

ولقد كانت هذه السياسة تقوم على المبادئ التالية:

1 - الإرهاب والتجويع.

2 - إحياء النزعة القبلية واستغلاها.

3 - التحذير باسم الدين، وشلّ الروح الثورية.

وبهذه السياسة حاول معاوية القضاء على ما لدى الجماهير المسلمة من نزعة إنسانيّة تجعلها خطراً على كلّ حاكم يجافي مبادئ الإسلام في ممارسته لمهمّة الحكم، وبذلك أمن ثورة الجماهير ونقدها.

ولنأخذ هذه المبادئ بشيء من التفصيل.

٧١

٧٢

سياسة معاوية الإرهاب والتجويع

لقد اتّبع معاوية سياسة الإرهاب، والقتل، والتجويع بالنسبة إلى الرعايا المسلمين الذين لا يتّفقون معه في الهوى السياسي، وإطلالة قصيرة على تأريخ هذه الفترة من حياة المسلمين تُثبت هذه الدعوى.

حدّث سفيان بن عوف الغامدي، وهو أحد قوّاد معاوية العسكريين، قال: « دعاني معاوية فقال: إنّي باعثك بجيش كثيف ذي أداة وجلادة، فالزم ليّ جانب الفرات حتّى تمرّ بهيت(1) فتقطعها، فإن وجدت بها جُنداً فأغر عليهم، وإلاّ فامض حتّى تُغير على الأنبار.

إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق تُرعب قلوبهم، وتُفرح كلّ مَنْ له هوى فينا منهم، وتدعو إلينا كلّ ما خاف الدوائر، فاقتل كلّ مَنْ لقيته ممّن هو ليس على مثل رأيك، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى، وأحرِب الأموال؛

____________________

(1) هي بلد على شاطئ الفرات، وسُمّيت هيت لأنّها في هوّة من الأرض. انظر: لسان العرب 2/107، الغريب - لابن قتيبة 1/477، و2/63.

٧٣

فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب »(1) .

ودعا معاوية بالضحّاك بن قيس الفهري(2) وأمره بالتوجّه ناحية الكوفة، وقال له: « مَنْ وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه ».

« فأقبل الضحّاك فنهب الأموال، وقتل مَنْ لقي من الأعراب، حتّى مرّ بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم، ثمّ أقبل فلقي عمر بن عميس بن مسعود الدّهلي، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود فقتله في طريق الحاج عند القطقطانية(3) ، وقتل معه ناساً من أصحابه »(4) .

____________________

(1) انظر: الغارات 1/25، 349، 2/395، أمالي الشيخ المفيد/146، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل 2/85 و87، وجّه معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره أن يقطع هيت، ويأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها، فأتى سفيان هيت فلم يجد فيها أحداً، ثمّ توجّه إلى الأنبار وفيها مسلحة تكون خمسمئة رجل، وقد تفرّقوا ولم يبقََ منهم إلاّ مئتان؛ لأنّه كان عليهم كميل. فبلغه أنّ قوماً بقرقيسيا - وقريسيا: هي بلد على نهر الخابور، قرب رحبة مالك بن طوق، على بعد ستة فراسخ، وعند مصبّ الخابور في الفرات، فهي في مثلّث بين نهر الخابور والفرات. انظر: معجم البلدان 4/328، مراصد الاطلاع 3/108 - يريدون الغارة على هيت، فسار إليهم. انظر: الكامل في التاريخ 3/189، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل 17/149.

(2) هو الضحّاك بن قيس الفهري، ولد قبل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، له في حروب معاوية بلاء عظيم، ولاّه الكوفة سنة 53 هـ، وعزله سنة 57 هـ، وهو الذي دفن معاوية، وكان يزيد يوم ذاك خارج دمشق، وبايع لابن الزبير بعد معاوية بن يزيد.

انظر: أُسد الغابة 3/36 - 37، تهذيب ابن عساكر 7/4 - 5، تأريخ الطبري 6/78، و4/7 ط اُخرى، شرح النهج - لابن أبي الحديد 2/111 - 117، وقعة صفين/12 و206 و213 و226 و360 و552 و557، الفتوح - لابن أعثم 2/22، الإمامة والسياسة 1/74 و75 و127 و188 و191 و193 و225 و242، و2/18، و20/22 و116 و163.

(3) هي موضع قرب الكوفة. لسان العرب 7/348.

(4) انظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل 2/116.

٧٤

واستدعى معاوية بُسر بن أرطأة(1) ، ووجّهه إلى الحجاز واليمن، وقال له:

____________________

(1) هو بُسر بن أرطأة، ويقال: ابن أبي أرطأة، واسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري، كان من شيعة معاوية، نزيل الشام مات سنة (86 هـ) وهو أحد فراعنة الشام، وكان مع معاوية بصفين، فأمره أن يلقى علياً في القتال، وقال له: سمعتك تتمنّى لقاءه، فلو أظفرك الله به وصرعته حصلت على دنيا وآخرة، ولم يزل يشجّعه ويمنّيه حتّى رآه، فقصده في الحرب فالتقيا، فطعنه عليعليه‌السلام فصرعه، فانكشف له فكفّ عنه كما عرض له ذلك مع عمرو بن العاص.

اختلفوا في أنّ بُسراً أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسمعه أم لا، وقالوا: إنّه لم يكن له استقامة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من أهل الردّة. وقد دعا عليه عليعليه‌السلام عندما بلغه أنّه يقتل الصبيان، فقالعليه‌السلام : « اللّهمّ اسلب دينه، ولا تخرجه من الدنيا حتّى تسلب عقله ». فأصابه ذلك وفقد عقله. وكان يهذي، فيُؤتى بسيف من خشب فيُؤتى به، ويُجعل بين يديه رقّ منفوخ، فلا يزال يضربه حتّى يسأم، وتوفي في أيام معاوية.

وقالوا: دخل المدينة فخطب الناس، وشتمهم يومئذ وتوعّدهم، وقال: شاهت الوجوه. ولمّا دخل ثقل عبيد الله بن العباس، وفيه ابنان له صغيران، فذبحهما بيده بمدية كانت معه، ثمّ انكفأ راجعاً إلى معاوية، فقالت له امرأة له: يا هذا، قتلت الرجال، فعلام تقتل هذين؟! والله ما كانوا يُقتلون في الجاهليّة والإسلام. والله يابن أرطأة، إنّ سلطاناً لا يقوم إلاّ بقتل الصبي الصغير، والشيخ الكبير، ونزع الرحمة، وعقوق الأرحام لسلطان سوء.

قالوا: فولهت عليهما اُمّهما، وكانت لا تعقل، ولا تصغي إلاّ لمَنْ يُخبرها بقتلهما، ولا تزال تنشدهما في الموسم:

ها مَنْ أحسّ بابنيّ اللذين هما

كالدرّتين تشظّى عنهما الصدفُ

إلى آخر الأبيات، ولسنا بصدد بيان حياة بُسر.

انظر: الاستيعاب/64 - 67، وقعة صفين/462 ط 2 سنة 1382 هـ، وط 2 تحقيق عبد السلام هارون المؤسسة العربية الحديثة، ومنشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم المقدسة لسنة 1404 هـ/44 و157 و305 و412 و424 و429 و459 و460 و462 و504 و507، شرح النهج - لابن أبي الحديد 2/301، الأغاني 15/45، تهذيب ابن عساكر 3/220، تأريخ الطبري 6/80 و 4/20 وما بعدها ط أخرى، كتاب الغارات برواية ابن أبي الحديد 2/3 - 14، تاريخ اليعقوبي 2/141، تهذيب التهذيب 1/436، تأريخ مدينة دمشق 3/222، نهاية الأرب - للقلقشندي/371، مروج الذهب بهامش ابن الأثير 6/93، الجمهرة/228 و391، أُسد الغابة 3/340 و1/180، ابن الأثير 3/153، المعارف - لابن قتيبة/122، الفتوح - لابن أعثم 2/39 وما بعدها، الإمامة والسياسة 1/123 و148 و150.

٧٥

« سر حتّى تمر بالمدينة فاطرد الناس، وأخف مَنْ مررت به، وانهب أموال كلّ مَنْ أصبت له مالاً ممّن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنّك تُريد أنفسهم، وأخبرهم أنّ لا براءة لهم عندك ولا عذر حتّى إذا ظنّوا أنّك موقع بهم فأكففّ عنهم... وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة واجعلها شردات... »(1) .

وقال له: « لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلاّ بسطت عليهم لسانك حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم، وأنّك محيط بهم، ثمّ اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمَنْ أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا »(2) . فسار، وأغار على المدينة ومكة، فقتل ثلاثين ألفاً عدا مَنْ أُحرق بالنار(3) .

وبهذا المطلع الفاني استهلّ معاوية سياسته بعد التحكيم مع المسلمين الذين يخالفونه في الهوى السياسي. وقد بلغ في ذلك شأواً بعيداً، فقتل وأرعب، واستصفى الأموال، وعاث في الأرض فساداً.

وقد استمر على هذه السياسة بعد أن قُتل عليعليه‌السلام ولكنّها إذ ذاك أخذت شكلاً أكثر تنظيماً وعُنفاً وشمولاً.

____________________

(1) انظر: الغارات 2/600.

(2) انظر: شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم» 2/116.

(3) انظر: شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم» 2/17، وتفصيل أحداث بُسر بن أرطأة في الجزء نفس 3 - 18.

٧٦

وقد نصّ المؤرّخون على أنّ هذا الإرهاب بلغ حدّاً جعل الرجل يُفضّل أن يُقال عنه أنّه زنديق أو كافر ولا يُقال عنه أنّه من شيعة علي(1) ، وقد بلغ بهم الحال أنّهم كانوا يخافون من النطق باسمه حتّى فيما يتعلّق بأحكام الدين التي لا ترجع إلى الفضائل التي كان الأمويون يخشون شيوعها، فكانوا يقولون: « روى أبو زينب »(2) .

وقال أبو حنيفة: « إنّ بني اُميّة كانوا لا يفتون بقول علي ولا يأخذون به، وكان علي لا يذكر في ذلك باسمه. وكانت العلامة باسمه بين المشايخ أن يقولوا: قال الشيخ »(3) . « وحضر الاُمويّون على الناس أن يسمّوا أبناءهم باسم علي »(4) .

* * *

وكتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: « أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة، وعلى كلّ منبر يلعنون علياً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته »(5) .

____________________

(1) انظر: شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11/44.

(2) انظر: شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 4/72.

(3) انظر: مناقب أبي حنيفة - للمكي 1/117.

(4) انظر: شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 1/17.

(5) معاوية أوّل مَنْ لعن الإمام علياًعليه‌السلام على منابر المسلمين.

انظر، شواهد التنزيل 2/459، فرائد السمطين 1 ب 31 ح117/155 ط بيروت، تأريخ مدينة دمشق 2/348 و442 و443 ح851، الطبعة الثانية ح959، لسان الميزان 1/175، أنساب =

٧٧

« وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة؛ لكثرة مَنْ بها من شيعة عليعليه‌السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيام عليعليه‌السلام ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبقَ بها معروف منهم ».

« وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق: ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا إلى مَنْ قامت عليه البيّنة إنّه يُحبّ علياً وأهل

____________________

= الأشراف 2/103 و 113، أحمد بن حنبل ح72/46 ط قم، كفاية الطالب ب62/244 و246، كنوز الحقائق/82 و92 و131، المناقب - للخوارزمي/62 و187 فصل 17 ح11 فصل 9، نور الأبصار/70 و101، الصواعق المحرقة/96 و161، ولكن زعم أنّه يروي الحديث بلفظ «... قال: ومَنْ عدوّي؟ قال: مَنْ تبرّأ منك ولعنك ».

فقد سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام وذلك من خلال حبّه - ابن حجر - لمعاوية بن أبي سفيان الذي سبّ علياًعليه‌السلام ، ولعنه في الأقطار الإسلاميّة وطلب التبري منه، وإن لم يكن ذلك فالضرب والشتم، والهتك والقتل للمؤمنين، وهذا مشهور ولا يحتاج إلى برهان ودليل.

وانظر، خصائص الوحي المبين/131 فصل 21 الطبعة الأولى، الدر المنثور 6/79 و319 و7/305، مجمع الزوائد 9/131 و7/17، وبشارة المصطفى/163، تفسير الطبري 6/186 و12/657 ط اُخرى، وذخائر العقبى/88 و102، وروح المعاني 30/207 ط مصر، وتأريخ بغداد 7/421، الأغاني 18/39 الطبعة الأولى - بيروت، والمسترشد في إمامة أمير المؤمنين/354، وينابيع المودّة/62 و74 و270 ط إسلامبول و71 و84 و361 و362 ط الحيدرية و1/196 و223 ط أسوة و2/357 و452 ط أسوة، وتذكرة الخواص/18، وفتح القدير - للشوكاني 5/477، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار/172، جواهر العقدين 2/219، وفي الصواعق المحرقة/161 ب11 فصل1.

٧٨

بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة اُخرى: مَنْ اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره ».

« فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة، حتّى أنّ الرجل من شيعة عليعليه‌السلام ليأتيه مَنْ يثق به فيدخل بينه فيلقى إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه... فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبقَ أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض »(1) .

وأجمل ذلك الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقرعليه‌السلام ، فقال: « وقُتلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكلّ مَنْ يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله، أو هدمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسينعليه‌السلام »(2) .

* * *

وقد طبّق ولاة معاوية على العراق - مهد التشيّع لآل علي - هذه السياسة بوحشية لا توصف؛ فقد استعمل زياد سمرة بن جندب(3) على البصرة فأسرف

____________________

(1) انظر: شرح نهج البلاغة « بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11/44 - 46.

(2) انظر: شرح نهج البلاغة « بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11/43 - 44.

(3) هو سمرة بن جندب بن هلال بن جريح الفزاري، استعمله ابن زياد على شرطته في البصرة =

٧٩

هذا السفّاح في القتل إسرافاً لا حدود له؛ فهذا أنس بن سيرين يقول لمَنْ سأله،

____________________

= والكوفة، واستعمله معاوية على ولاية البصرة ثمّ عزله، فقال: لعن الله معاوية. والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذّبني أبداً. مات سنة (58 أو 59 هـ). انظر: الإصابة 2/78، أُسد الغابة 2/354، الجرح والتعديل 4/154، شذرات الذهب 1/65، تهذيب التهذيب 4/236.

وروي عن حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد بن خالد، قال: كنت إذا أتيت أبا هريرة سألني عن سمرة بن جندب، وإذا أتيت سمرة بن جندب سألني عن أبي هريرة، فقلت: يا أبا هريرة، ما أراك تسألني إلاّ عن سمرة، وأرى سمرة يسألني عنك؟!

فقال: إذاً والله أخبرك ولا أكتمك؛ سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « آخركم موتاً في النار ». انظر: مناقب آل أبي طالب 1/96.

وعن محمد بن قيس الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت أبا عمر يقول: قال عمر بن الخطّاب وهو يخطب على المنبر: لعن الله سمرة بن جندب؛ كان أوّل مَنْ اتّجر في الخمر في الإسلام، ولا يحلّ من البيع إلاّ ما يحلّ أكله.

انظر: الغارات 2/941، تأريخ الطبري/حوادث سنة 53، طبعة مصر سنة 1326 هـ، أو ص 162، وابن الأثير حوادث سنة 53 أو ص 183 وحوادث سنة 54 ص 196 و3/195، الإصابة 3/150، مجمع الزوائد 8/29، جزء أشيب - لأبي علي الحسن بن موسى الأشيب (شيخ الإمام أحمد بن حنبل)/58 طبعة دار علوم الحديث، الإمارات العربية المتّحدة، الطبعة الأولى سنة 1410 هـ.

وعن أبي عدي قال: قدمت المدينة فجلست إلى أبي هريرة، فقال: ممّن أنت؟ قلت: من أهل البصرة. قال: ما فعل سمرة بن جندب؟ قلت: هو حيّ. قال: ما أحد أحبّ إليّ طول حياة منه. قلت: ولِمَ ذاك؟ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: « آخركم موتاً في النار ». انظر: المعرفة والتأريخ 3/356.

وعن أبي النضرة، عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعشرة من أصحابه: « آخركم موتاً في النار »، فيهم سمرة بن جندب. قال أبو النضرة: فكان سمرة بن جندب آخرهم موتاً.

والخلاصة سمرة بن جندب باع دينه بدنياه، وآثر العاجلة على الآخرة؛ إذ ارتكب الكذب والبهتان.

انظر: المعجم الأوسط 6/208 و7/177، شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد 4/78، التأريخ الصغير 1/133، تهذيب الكمال 12/133 و34/257، سير أعلام النبلاء 3/184، تهذيب التهذيب 4/207 و12/200، البداية والنهاية 6/253، البيهقي في الدلائل 6/459، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1/339.

٨٠