الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين0%

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 178

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف: الصفحات: 178
المشاهدات: 94760
تحميل: 5728

توضيحات:

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94760 / تحميل: 5728
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خطاباً أكّدت فيه على أنّ هذا المصرع سيكون عَلَماً وبدايةً للتاريخ، وسيجتمع المسلمون حول هذا المكان ليتّخذوا منه منطلقاً للبعثة، وتحولاً جديداً للإسلام.

وكانت (سلام الله عليها) صادقة؛ لأنّها كانت تتحدّث عن أبيهاعليه‌السلام ، عن جدها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن جبرئيلعليه‌السلام ، عن الله سبحانه وتعالى، حديثاً ذا سلسلة ذهبية تتصل برب العزة.

فبداية التحول أو التحول نفسه شمل قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فهذا سنان - وهو أحد القتلة - يأتي برأس الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن سعد وهو يقول:

أوقر ركابي فضةً أو ذهبا

إنّي قتلتُ السيّد المحجّبا

قتلتُ خير الناس اُمّاً وأبا

وخيرهم إذ ينسبون النسبا(١)

مما لا شك فيه إنّ هذا الرجل مصيره النار، وقد بدأ يعترف بجرائمه بحق خير الناس، وهكذا تبدأ الاعترافات الواحدة تلو الاُخرى، كلٌّ يقول ماذا فعل؛ ولذلك وبعد حوالي أقل من خمس سنوات من مقتل أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) قام الصحابي الجليل سليمان بن صُرد الخزاعي بتلك الثورة العملاقة (ثورة التوابين).

وكان سليمان (عليه الرحمة) آنذاك رجلاً طاعناً في السن، ناهز التسعين من عمره، ومع ذلك استطاع أن يعبِّئ أربعة آلاف شخص مستعد للشهادة، وكانوا يجمعون السلاح في شوارع الكوفة وينادون: يا لثارات الحسين.

وكانوا أول من سقى الناس الماء مجّاناً، وكانوا يقولون لمن يسقونه الماء:(اشرب والعن قاتل الحسين) ، مع أنّ

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام - القرشي ٣ / ٣٠٥.

١٢١

جلب الماء كان صعباً حينها؛ لبُعد منابعه ومصادره عن المدينة، ولكنهم جمعوا بهذا الاُسلوب الأنصار، وقرروا الذهاب إلى الشام لمقاتلة الظلمة قاتلي الإمام الحسينعليه‌السلام ، حيث استشهد معظمهم في معركة غير متكافئة، فهل كانت حركتهم بداية أم نهاية؟

إنها بداية تبعتها حركة المختار الثقفي، ثم حركة أهل المدينة التي عُرفت بـ (واقعة الحرة)، والتي خلع فيها أهل المدينة بيعة يزيد والاُمويِّين من رقابهم بعد أن عرفوا حقيقتهم، فأرسل إليهم يزيد عشرة آلاف رجل بقيادة (مسلم بن عقبة)، أو كما يسميه المسلمون (مُسْرِف)؛ لإسرافه في القتل، وتجاوزه على مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحابته والتابعين، وهتك أعراضهم، فما استسلم أهل المدينة، بل حاربوا حرباً استشهادية فدائية، أي حرب من نوع جديد تعلّموها من أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه).

فإذن هنا كانت البداية، ثمّ انّطلقت الثورات والتي كان أبرز المشاركين فيها أعقاب الإمام الحسن (سلام الله عليه)، أبناء وأحفاد الحسن المثنى الذي شارك في معركة كربلاء ولم يُقتل، وإنما جُرح، فضلاً عن أبناء خاله وخالاته، وكان قد عولج وشفي.

وقد نظم هؤلاء السادة الحسنيون حركات وثورات متلاحقة لا يرد ذكرها في الأخبار عادة. وكانت الأنظمة الحاكمة تُلقي هؤلاء الثوار في سجون رهيبة، هي عبارة عن حُفر يُلقى الطعام إليهم فيها من كوى صغيرة في الأعلى، وكانوا لا يميزون الليل من النهار في تلك الحفر إلاّ بمقدار قراءتهم القرآن الكريم، أي إنهم كانوا يقرؤون

١٢٢

ثمانية أجزاء من القرآن مثلاً حتّى يحين موعد صلاة الظهر، ثم ثمانية اُخرى حتّى يحين موعد صلاة المغرب، وهكذا فلا ليل ولا نهار، وإذا مات أحدهم لا يُدفن، بل يُترك في مكانه حتّى يتحلّل، ثمّ يموت آخر وآخر، يموتون جميعاً، فيُهدم السجن على جثثهم ويصبح قبراً لهم.

ورغم ذلك كانوا يثورون، وقد كان عيسى بن زيد بن علي بن الحسين صغيراً عندما توفّي والده في المنفى، وقد سُمّي بالسيد السقّاء؛ لأنّه خرج من بلده ودخل الكوفة، واستأجر بعيراً، وكان يسقي عليه، ويأكل من ثمن السقاية، وكان لا يُعرف عنه شيء سوى أنه سقّاء.

ولمّا توفي ترك ولدين أخذهما أحد أصحابه وجاء بهما إلى المهدي العباسي، وما إن قيل للمهدي العباسي: إنّ فلاناً جاء، قال: دعوه يدخل، فقد جاء إلى الموت برجله؛ إذ إننا نبحث عنه، وقد رصدنا مكافأة لمن يقبض عليه.

فجاء ودخل ومعه الطفلان، وسلّم على الخليفة العباسي، فلم يرّد عليه سلامه، ولكنه قال له: لقد جئت برجلك إلى الموت.

قال: يا خليفة، جئتك معزّياً ومبشراً.

قال: بم تبشّرني؟

قال: لقد توفي عيسى بن زيد.

فقال: إنها والله لبشارة حقاً.

وقد كان عيسى قبل وفاته رجلاً كبيراً في السن، وكان مجرّد سقّاء، ومع ذلك كان شبحه يلاحق الخليفة في قصره ببغداد.

ثم قال: وبم تعزّيني؟

قال: هذان ولداه وقد أصبحا يتيمين. وبكى، ثم قال له المهدي العباسي: لقد عفونا عنك لبشارتك، وأمّا الطفلان فسيبقيا عندي؛ لقرابتهما منّي، فهما وأنا من بني هاشم!

وهكذا بقي مزيد بن عيسى والحسين بن عيسى عند المهدي الذي وضعهم في دار الخلافة مع أولاده، حيث يصطحبونهم يومياً

١٢٣

إلى الصيد، أي إنهما كانا سجينين في دار الإمارة، وعندما كبر أحدهم وأصبح عمره سبعة عشر عاماً، ذهب إلى أحد الأصقاع وجمع أنصاراً وقاد ثورة على المهدي العباسي.

حملة الرسالة

وهكذا فقد حمل أولاد الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام الرسالة والثورة، ليس من الجانب الثوري وجانب حمل السلاح فقط، بل ومن جانب العبادة والعلم، وتبليغ الرسالة، وقيادة الاُمّة في مختلف المجالات أيضاً. إذاً فكربلاء كانت البداية. والسؤال هو: كيف أصبحت كربلاء البداية نهايةً في أذهان بعضنا؛ مما جعلها وسيلة للتبرير والاعتذار عن العمل والتعلل؟

إنني اُريد أن أستوحي الإجابة السليمة من الآيات القرآنية التي توّجتُ بها الحديث: إنّ في كل حركة في التاريخ جانبين؛ جانب الهدم وجانب البناء، فأنت إذا أردت أن تبني عمارة ضخمة فلا بدّ لك قبل كلِّ شيء من أن تهدم العمارة السابقة المنهارة والخاوية على عروشها، وتسوّي الأرض، وترسي القواعد، وتبني تلك العمارة الضخمة التي تريدها، أليس كذلك؟

وكربلاء أرض كانت فيها رسالتان؛ رسالة الهدم ورسالة البناء، وقد جاء الإمام الحسين (سلام الله عليه) بهاتين الرسالتين، فأعلن: لا ليزيد، ولا لبني اُميّة، ولا للطاغوت، وقال:« مثلي لا يبايع مثله » (١) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٥.

١٢٤

و« هيهات منّا الذلة! » (١) ، وهذا يعني الهدم. أي هدم بناء بني اُميّة، ذلك البناء الجاهلي الفاسد.

وكل حركة كانت في هذا الاتجاه كانت هدماً للطغيان الاُموي، ولكن هل كانت كل الحركات للهدم فقط؟ كلا بالطبع؛ فقد كان إلى جانب هذا الهدم بناء، والبناء هنا يعني بناء الحركة؛ فالإمام الحسين أكد أيضاً أنه: لا ليزيد، نعم لولاية الله تعالى وولاية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وولاية الإمام الحسنعليه‌السلام ، وولاية الحسينعليه‌السلام نفسه، وولاية أولاده المعصومينعليهم‌السلام .

كفى المشكلة أنه منذ ظهور الخوارج ظهرت مجموعات من الناس لا تقول سوى (لا)، وليس عندها (نعم). كانوا يقولون: (لا حكم إلاّ لله)، ولكن الله هو الذي ينزّل الشرائع من السماء ويحكم. وقد لاحظنا عبر التاريخ أن الله يرسل أنبياءه ليحكموا،( وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ ) (النساء/٦٤)،( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (النساء/٦٤).

إذاً فالقصة قصة (لا) و (نعم)؛ لا للطاغوت، نعم للرسول، نعم للإمام. وحينما قال الخوارج: (لا) حاربوا الإمام علياًعليه‌السلام ، وحاربوا الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحاربوا يزيد، وحاربوا معاوية، وحاربوا بني العباس …

وبدا أنهم يجهلون ما يريدون! ثم حاربوا أنفسهم إلى أن انتهوا

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام - القرشي ٢ / ١٩٣.

١٢٥

وانقرضوا تقريباً؛ فلقد انهى السلب والنفي والرفض كلَّ شيء لديهم حتّى وجودهم.

حركات ذات بعدين

تعتبر حركة الإسلام حركة ذات بعدين؛ حيث بدأ الإسلام بكلمة (لا إله إلاّ الله). فحينما نقول: (لا إله) فإنّنا نعني ألا يكون هناك وثن، ولا صنم، ولا عبادة للشمس، ولا عبادة للنجم، ولا عبادة للطاغوت، ولا عبادة للقوم، ولا عبادة للعنصر، ولا عبادة للدم، ولا عبادة للوطن، ولا عبادة للأرض. أما حينما نقول: (إلاّ الله) فذلك يعني أننا نقول: نعم لله ورسوله وخلفائه، وحزبه وجنده.

في حين أن الخوارج أخذوا فقط (لا إله) فسكتوا؛ لأنّ الذي ينفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينفي الله، والذي ينفي علياًعليه‌السلام ينفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي ينفي الحسن ينفي علياًعليهما‌السلام ، والذي ينفي الحسين ينفي الحسنعليهما‌السلام ، أي إنّ الذي لا يقبل التالي إنّما يرفض الأوّل تلقائياً، يرفضه ويتسلسل.

وهذه الناحية الثانية ظلت عالقة في تاريخنا مع الأسف؛ فقد عمّقنا الرفض في أنفسنا، ولكننا لم نفلح في تعميق حالة الإيجاب؛ ولذلك أصبحنا اُمة رافضة دون أن نكون اُمة بانية لتاريخها. إذاً كيف بُني التاريخ؟

أعلى درجات الإيمان

لقد بُني التاريخ من خلال القرآن الكريم؛ فالقرآن الكريم يؤكّد ويركز - وبالذات في الآيات التي تلوناها - على حقيقة مهمة، وهي بصيرة التسليم؛ فلقد كانت من أعظم صفات النبي إبراهيمعليه‌السلام صفة التسليم.

١٢٦

والتسليم يعني القبول والرضا، والطاعة والاتّباع،( وإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإِسْمَاعِيلُ ) (البقرة/١٢٧). كان النبي إبراهيم يرفع القواعد، وإسماعيل يساعده،( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) (البقرة/١٢٧ - ١٢٨)، والإسلام يعني التسليم والرضا المطلق.

حينما وضع النبي إبراهيمعليه‌السلام في المنجنيق ورُمي به تلقّاه جبرئيل في الهواء، فقال: هل لك من حاجة؟

قال: أمّا إليك فلا؛ حسبي الله ونعم الوكيل.

فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردت أخمدتُ النار؛ فإنّ خزائن الأمطار والمياه بيدي.

فقال: لا اُريد.

وأتاه ملك الريح فقال: لو شئت طيرّت النار.

قال: لا اُريد.

فقال جبرئيل: فاسأل الله.

فقال: حسبي من سؤالي علمهُ بحالي(١) .

إنّ النبي إبراهيمعليه‌السلام يطلب من الله أن يجعله من المسلمين؛ فالإسلام درجة أعلى من كل الدرجات، ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا اُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إبراهيم إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) (البقرة/١٢٨ - ١٣٠).

تُرى كيف اقتضى الاستنتاج القرآني أنّ مَن لا يرغب بسلوك طريق النبي إبراهيمعليه‌السلام أن يكون من السفهاء؟

____________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ / ١٥٦.

١٢٧

الجواب:( وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ) (البقرة/١٣٠)؛ لأنّ الله اصطفى إبراهيمعليه‌السلام ، وكان أفضل الخلق في عصره،( وَإِنَّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (البقرة/١٣٠)؛ لأنه حينما( قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ) (البقرة/١٣١)، أي ارضَ بكلام الله،( قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (البقرة/١٣١)، أي إنه لا يوجد لدي اعتراض على الله؛ فأنا مستعد لتنفيذ ما يأمر به.

هكذا هي ملة النبي إبراهيمعليه‌السلام ، والأنبياءعليهم‌السلام جميعاً لديهم هذه الملة،( وَوَصَّى بِهَآ إبراهيم بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) (البقرة/١٣٢). هذا الخط الممتد من النبي إبراهيمعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو كله إلى كلمة واحدة، وهي كلمة الإسلام، أي التسليم والرضا المطلق.( يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ ) (البقرة/١٣٢)، أي مسلمون لرب العالمين، وهكذا تتسلسل الآيات.

وحينما تكون الاُمّة مسلمة فهي تهدم العدو وتبني الصديق؛ لأنّ الإسلام يقتضي التسليم للقيادة والأوامر والأحكام الشرعية، وأيضاً رفع الاختلافات.

وقد قال ربنا في آية اُخرى:( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ

١٢٨

حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) (النساء/٦٥)، أي يجعلوك حاكماً فيما نمى بينهم من الخلافات والصراعات،( ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (النساء/٦٥).

إنّ القضايا المتواضعة التي تفتّتنا هي سبب تخلفنا، وهي في الواقع جراثيم تتكاثر وتتكاثر إلى أن تصبح خلافات وصراعات ضخمة. إنّ تعبير القرآن الكريم تعبير بليغ، فهو يقول:( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) ، ولو أنّ المتخاصمين ذهبوا منذ الوهلة الاُولى لبروز الخلاف إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسموه لما تحول هذا الخلاف إلى أنهارٍ من الدم، ومعولٍ لهدم الاُمّة والحضارة.

نحن يجب أن نبني، وعلينا ان نأخذ من واقعة كربلاء منطلقاً للبناء؛ وذلك بتكريس حسِّ الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام في أنفسنا؛ بحيث نوالي أهل البيتعليهم‌السلام ، ونوالي أولياءهم، ونعادي اعداءهم..

١٢٩

الحزب الجاهلي والتحدي الرسالي

كان الرجل مسافراً في سفرة طويلة، فلمّا عاد إلى أهله بعد سنين وجد في البيت بنتاً ذات خمس أو ست سنوات، سأل زوجته: مَن هذه البنت؟ فقالت: كنتُ حاملاً حينما سافرت.

فأضمر الرجل في قلبه شراً، وتحيّن الفرصة، وذات يوم اصطحب ابنته إلى ضاحية القرية التي كان يسكنها، وبدأ بحفرِ حفرة، بينما جلست البنت على طريق الصحراء تنظر إلى أبيها، وهي لا تعلم لِمَ كان مشغولا بحفر تلك الحفرة، وكان كلما تعب وعاد ليجلس تأتي هذه الطفلة التي هي في عمر الورود لتمسح عن وجهه التراب والغبار والعرق، إلى أن حانت ساعة الجريمة؛ فأخذها ودسّها في الحفرة وأهال عليها التراب.

في تلك اللحظة كانت أصوات الاستغاثة تتعالى من فم ابنته، لكن قلبه القاسي كان عصيّاً على الرحمة؛ فلذا دسّها ثم عاد إلى البيت ينفض ثيابه من التراب!

إحدى صور المعاناة

هذه صورة واحدة من صور المعانات التي فرضتها الجاهليّة على العرب قبل الإسلام؛ فقد كانت ثقافتهم مليئة بالعصبية وإثارة التمايز القبلي، والتعصب القومي والعنصرية المقيتة، ولم يكن الجد والاجتهاد وسائر القيم

١٣٠

البنّاءة هو ما يسود اقتصادهم، بل كان اقتصادهم مبنياً على الغارات الليلية التي كانوا يباغتون بها بعضهم بعضاً.

فإذا أحست القبيلة بالفقر فإنّها تفكر في الغزو، وتعتبره عملاً مشروعاً؛ حيث تغير بالليل أو بالنهار على قبيلة اُخرى؛ فتقتل الرجال، وتسبي النساء، وتغنم ما استطاعت أن تغنمه من الأموال.

وكانت الغارات المتبادلة بينهم تخيّم على حياتهم، حتّى إنّ الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) يقول حينما يصوّر حياتهم:« كان شعارهم الخوف، ودثارهم السيف » (١) . ففي خارج ثيابهم يحملون السيف، وفي داخل أنفسهم كان يعشعش الخوف، وكانت نظرتهم الثقافية بدائية إلى أبعد الحدود.

أمّا عبادتهم فحدّث ولا حرج؛ فما كانت صلاتهم عند البيت إلاّ مكاء وتصدية (تصفيق وتصفير)، فكانوا يطوفون حول البيت عراة، وينشدون الأشعار الفاحشة أثناء الطواف، ويدعون الله بهذه الكلمات: (اغفر اغفر، وإن لم تغفر جزماً تغفر)، أو كانوا يقولون: (لبّيك اللَّهمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك ...) (٢) .

لكلِّ قبيلةٍ صنم

وكانت الكعبة بهذه المساحة تحمل أكثر من ثلاثمئة وستين صنماً، أمّا في بلادهم فكانوا يعبدون الأصنام التي يصنعونها بأيديهم من مواد شتى، بين حجارة أو تمر أو خشب، أمّا علاقاتهم الاجتماعية فكانت مبنية على أساس الخوف والترقّب؛ لأنّ أبسط الاُمور كانت قد تؤدي إلى

____________________

(١) نهج البلاغة - خطبة رقم ٨٩.

(٢) بحار الأنوار ٣ / ٢٥٣.

١٣١

 نشوب حرب طاحنة تستمر أعواماً متطاولة كما حدث في حرب (داحس والغبراء)، وربما (البسوس) التي استمرت ثلاثمئة عاماً، وكان سببها أن رجلاً قتل ناقة آخر.

وعموماً فقد كان الفقر والجوع والخوف والتردي الحضاري يسيطر على حياتهم إلى أبعد الحدود، فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليغيّر هذه الحالة رأساً على عقب؛ فليس من العبث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تبق له في هذه الدنيا إلاّ بنت واحدة يقول عنها:« فاطمة بضعة منّي، يريبني ما رابها (١) ...فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله » (٢) .

وليس عبثاً أنّ الله سبحانه وتعالى قدّر لهذه البنت أن تكون الكوثر، وأن تكون ذرّية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منها، بل إنّ ذلك لكي يغيّر الإسلام، وتغيّر التقادير الإلهية كل تلك السنن الباطلة والثقافات السخيفة التي كانت سائدة في العصر الجاهلي.

عمل فريد من نوعه

وقد عمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلال ثلاث وعشرين سنة ما لم يعمله النبي نوحعليه‌السلام بين قومه خلال ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وما لم يفعله الأنبياء العظام اُولوا العزم والشدة في قرون عديدة.

فقد اختصر جهودهم في أقل من ربع القرن الذي عاشه مع اُمّته، وتحدى ركام الخرافات والأساطير والثقافات الباطلة، وكوّن حضارة يكمن أساس قيمتها في التعاون على البر والتقوى؛ بحيث وصلت الحال

____________________

(١) بحار الأنوار ٢١ / ٢٧٩.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ / ٥٤.

١٣٢

بالمسلمين إلى درجة أنّ جرحى معركة (مؤتة) كانوا يرفضون الواحد بعد الآخر شرب الماء الذي أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسقيهم به، طالبين تقديمه لإخوتهم المجروحين، ولسان حال أحدهم يقول: إن صاحبي أشد عطشاً مني فاسقه قبلي. رغم أنهم كانوا يحتضرون جميعاً، وأنّ من المستحب أن يُسقى المحتضر قبل وفاته. وهكذا فقد آثر كلٌّ منهم صاحبه على نفسه ولو كانت به خصاصة حتّى ماتوا عطاشى عن بكرة أبيهم.

لقد تحول اُولئك العرب الذين كان أحدهم يقتل صاحبه بسبب لقمة خبز إلى هذه القمة العالية من المحبة والعطاء والرقة؛ فعندما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يلقي خطاباً فيهم كانت دموعهم تسيل على خدودهم؛ إذ قد تحوّل قساة القلوب إلى ذوي قلوب لينة كنبتة الربيع.

وحينما وقف الإمام الحسينعليه‌السلام على مصرع حبيب بن مظاهر قال:« لله درّك يا حبيب! لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة » (١) . هكذا تحوّل اُولئك الناس، وإذا بالأرض الإسلاميّة تخضرّ، وإذا باُولئك الأذلاء يتحولون إلى أعزّة، وإذا برسل العرب وكتبهم تتواتر وتتوافد على أقطار الأرض، وإذا بهرقل الروم وكسرى فارس وقيصر الروم والغساسنة يكتبون الرسائل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو لمن جاء بعده متوسّلين قبول عذرهم، وإذا بالجيوش الإسلاميّة تقتحم المدن بعد المدن وتصل إلى ما تصل إليه.

وخلال ربع قرن ساد الإسلام مناطق واسعة من العالم؛ ذلك لأنّ القيم الجاهليّة الشيطانيّة الخبيثة تحولت إلى قيم ربانية عالية. ولكن الجاهليّين

____________________

(١) مجمع مصائب أهل البيتعليهم‌السلام / ١٣١.

١٣٣

جاؤوا ولبسوا رداء الإسلام وتسللوا إلى مواقع السلطة، وهؤلاء هم بنو اُميّة ومَن لفَّ لفيفهم، وقد حملوا راية الكفر علنا، وكان هدفهم الأساس إعادة تلك الجاهليّة الاولى بكل تفاصيلها.

ولهذا قال الإمام الحسينعليه‌السلام :« إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بُليت الاُمّة براع مثل يزيد! » (١) ؛ لأن يزيد جاء فعلاً لهدف تصفية الإسلام تصفية تامة، وهو لم يكن أرعنَ كما يدّعي بعض المؤرّخين، بل كان يدرك جيداً ما يفعل، وكان الحزب الاُموي يحكم من خلاله، ومن خلال أبيه، ومن خلال من تلاه من خلفاء الجور.

صراع مبدئي

إنّ قصة الصراع بين أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وبين الحزب الاُموي ليست حكاية بسيطة ذات دوافع هامشية، بل إنها صراع بين الحزب الرسالي (حزب الله)، والحزب الجاهلي (حزب الشيطان).

أو هو صراع بين الشجرة الطيبة( مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ ) (إبراهيم/٢٤)، والشجرة الملعونة في القرآن( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأرض مَالَهَا مِن قَرَارٍ ) (إبراهيم/٢٦)؛ فالشجرة الاولى تنتج الورد والثمار الطيبة، والشجرة الثانية تنتج الحنظل والأشواك، والصراع إنّما هو بين منهجين وبرنامجين.

ومثلما كان لدى الاُمويِّين مخطط مدروس بدأ بتنفيذه معاوية، واستمر طيلة حكم بني اُميّة، كذلك كان لدى آل الرسول (سلام الله عليهم) برنامج واضح أيضاً، قام كلٌّ منهم فيه بدور، وهذا البرنامج ليس من الأرض وإنما جاء من السماء.

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٦.

١٣٤

وقصة عاشوراء ليست طارئة، وإنّما هي حلقة من المخطط، أي إنّه لا بدّ أن يصطدم الفريقان، ولا بد أن يُقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ليفتح بشهادته خطّاً جديداً للاُمة لمقاومة التحريفية الاُمويّة، وينبغي أن يحدث ذات الأمر في مواجهة أية تحريفية اُخرى في التاريخ. وهذا البرنامج أزلي أبدي منذ خلق الله الكون وإلى ما شاء الله سبحانه.

ما هي مسؤوليتنا؟

وإزاء مثل هذا المخطط الاُموي المستمر حتّى الآن، وفي سياق البرنامج الرسالي الأزلي الأبدي، ما هي مسؤوليتنا نحن؟

إنّ هذه المسؤولية تتمثل - أوّلاً - بالدفاع عن تلك القيم التي دافع عنها الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ حيث جاء ليدافع عن الصلاة والصوم، والزكاة والحج. أما إذا فصلنا الحسينعليه‌السلام عن هذه القيم فسنصبح كأننا نقبل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكننا نتصوره بشكل آخر في أذهاننا لا كما بعثه الله سبحانه وتعالى. والنبي الذي لا يأمر بالصلاة والصيام والحج ليس نبياً، ولم يبعثه الله.

وحينما نقرأ زيارة وارث ونقول:« أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر »، فهذا الكلام يعني أن الإمام الحسينعليه‌السلام قد جسّد هذه القيم، واستشهد من أجلها.

ولو سُئلتُ أن اُلخص هدف الإمام الحسينعليه‌السلام في كلمة واحدة، لقلت: إنّ هدفه وهدف كلِّ الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام هو القرآن، هذا الكتاب الذي بين أيدينا، والذي هو الثقل الأكبر؛ فقد ضحى أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام من أجله، ولو بقي القرآن غريباً بيننا، لا يتدبر الواحد منّا في

١٣٥

آياته، ولا يقرأ الآخر تفسيره، ولا يطبقه الثالث على حياته، فسنكون ممّن وجّهوا السهام إلى قلب الحسين المقدس.

وبقيت كلمة هامة؛ فإذا رأينا قناة انحصر عنها الماء فلا ينبغي أن نسدها، وإذا رأينا صحناً قلَّ فيه الطعام فلا يستحسن أن نهشمه، وإذا رأينا قرآننا لا يُطبَّق لا نمزق رسمه، أي لا بدّ أن تبقى قضية الحسينعليه‌السلام ساخنة في كل مجال حتّى لو كانت مفرغة لبعض الوقت من جلّ مضامينها؛ لأنّه سوف يأتي قوم ويملؤون هذا الفراغ، ويحوّلون هذه القضية إلى قضية رائدة.

١٣٦

واقعة كربلاء ثورة مستمرة

إنّ قضية كربلاء هي أساساً ليست قضية عادية تتكرر، بل هي تشبه بعثة الأنبياءعليهم‌السلام ، وقضية الطوفان في التاريخ، وسحرة فرعون، وشق البحر لموسى، وما أشبه ذلك من الأحداث الهامة التي لا تتكرر.

وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يضرب بهذه الواقعة المثل الأعلى للظلم من جهة، ولتحدي الظلم من جهة اُخرى؛ لكي لا يدّعي أحد من البشر أنّ الظلم الذي وقع عليه هو ظلم عظيم لا يستطيع تحديه، ولكي لا يتذرع شعب بإن النظام الحاكم عليه هو نظام متجبّر قاهر طاغوتي لا يستطيع الوقوف بوجهه؛ فلقد كان النظام الذي تسلّط على رقاب المسلمين في ذلك اليوم أشدّ قهراً وطغياناً؛ ولكي لا يقول أحد إنّه لا يستطيع أن يعمل من أجل الله تعالى بحجة أنّه يخشى على أمواله؛ فلقد جاء أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء ومعه صفوة أمواله.

ولكي لا يزعم أحد أنّه يخاف من الثورة لأنها سوف تسلبه راحته؛ فالإمام الحسينعليه‌السلام أقلقته الثورة حتّى أنه اندفع من المدينة المنورة إلى مكة، ومن مكة إلى الكوفة، وفي طريق الكوفة انحرف إلى كربلاء.

١٣٧

وبالإضافة إلى ذلك لكي لا يقول أحد إنّه يخاف على نفسه من القتل؛ لأنّ دمه ليس أزكى من دم أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيّد شباب أهل الجنّة.

ولكي لا يقول أحد إنّه يخاف على منصبه ومرتبته العالية بين الناس، وإنّ الحكومة سوف تعلن أنّه رجل إرهابي وجاسوس للأجانب؛ فسيّدنا وإمامنا الحسينعليه‌السلام ضحّى بعنوانه ومركزه في كربلاء؛ فشريح القاضي أفتى بحلّية دم الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما أنّنا نعلم أنّ رأسه الشريف المبارك طيف به في كل مكان، وكانت المنابر كلها تعلن أنّ هذا هو رأس الخارجيّ الذي خرج على الحكومة الشرعية!

ثمَّ لكي لا يقول أحد إنّ نفسه لا تهمّه، ولكنه يخشى على أطفاله، وزوجته، وعرضه، وناموسه من انتهاك السلطات لها؛ فالإمام الحسينعليه‌السلام قدم إلى كربلاء ومعه كلّ عياله، وفيهم عقيلة بني هاشم، تلك المرأة الشريفة المحترمة التي كانت في يوم من الأيام أميرة على البلاد الإسلاميّة، واُختها اُمّ كلثوم، ومجموعة اُخرى من الفتيات الهاشميّات المخدّرات، ومع كلّ ذلك فقد أتى أبو عبد اللهعليه‌السلام بكلّ أهل بيته، معلناً عن استعداده لأن يعرّضهم للسبي والأسر والسلب في سبيل مرضاة الخالق (عزّ وجلّ).

ولهذا فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام قد سلب منّا بثورته الخالدة كلّ الأعذار والتبريرات بعدم الثورة، فلماذا لا نثور، وممّن نخاف، وأيّ نهج يجب أن نتّبعه؟ إنّ علينا تحديد منهجنا منذ الآن؛ فأمّا مع الحسين بن عليعليه‌السلام ، وأمّا مع يزيد بن معاوية.

وهناك أيضاً منهج وسط يلتقي مع

١٣٨

منهج يزيد، وهو الطريق الذي سار فيه شريح القاضي؛ حيث ادّعى أنه سوف لا يدخل الحرب ضد الحسينعليه‌السلام ، ولكنه دخل في النهاية في معسكر يزيد بن معاوية.

علينا أن نتساءل عن سبب حدوث واقعة كربلاء؛ ليأتينا الجواب بأنّ الله تبارك وتعالى قدّر هذه الواقعة لتكون المثل الأعلى للمؤمنين الرساليين الذين يتّبعون نهج أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ولكي لا يبقى أيُّ تبرير أو حجّة للإنسان في استسلامه للطغاة.

وهكذا فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام يبقى العنوان والمثل الأعلى للثورة الإسلاميّة. فعلى الرغم من مرور ما يقرب من ألف وأربعمئة عام على واقعة كربلاء ولكننا نرى التهابها يزداد في كلِّ عام، وكأنها حدثت قبل فترة قصيرة، وخصوصاً في البلدان التي يكثر فيها الموالون لأهل البيتعليهم‌السلام ؛ ذلك لأنّ الحسينعليه‌السلام هو ثورة خالدة في قلوب المؤمنين إلى الأبد، وليس باستطاعة أية قوة أن تخمد هذه الثورة.

فمنذ زمان هارون العباسي والمتوكل وغيرهم من الطغاة كانت هناك محاولات مستمرة لمنع إقامة العزاء على الإمام الحسينعليه‌السلام ، والوقوف في وجه هذا المد الإسلامي الجارف، ولكن هل استطاعوا أن يفعلوا شيئاً؟

إنّ واقعة كربلاء هي ثورة مستمرة لا يستطيع أحد في العالم أن يخمدها؛ فهي ثورة منطلقة من الماضي لتصنع المستقبل، ولتخلق واقعاً جديداً وحياة اُخرى.

إنّ الشباب الرسالي الواعي لا بدّ أن يدرك أنّ قضية أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ليست قضية تاريخية مضت، بل هي ثورة مستمرة هدفها

١٣٩

إحراق كل عروش الظالمين. فما دام هناك حاكم ظالم جالس على أريكة الحكم، فإنّنا مستمرون في الدفاع عن مبادئ الحسين، وحمل رايته حتّى نسقطهم جميعاً.

وهذه الروح الاستمرارية التي أعطتنا إياها قضية كربلاء هي أكبر رأسمال نملكه؛ فلولاها لكان الطغاة قد منعونا حتّى عن الصلاة، ولأدخلوا الكفر والفسوق إلى بيوتنا، ولاستعبدونا، ولم يتركونا نتمسك بقيمنا وديننا.

١٤٠