الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين0%

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 178

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف: الصفحات: 178
المشاهدات: 94920
تحميل: 5734

توضيحات:

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 178 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94920 / تحميل: 5734
الحجم الحجم الحجم
الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة الصديقين

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّ العلم والحلم، والحكمة والبصيرة هي من صفات المجتمع الفاضل، وإنّما بسبب الجهل واتّباع الناعقين، وبسبب التسرع والأحكام المطلقة، وبسبب الاستماع الساذج للإعلام المفروض علينا، بسبب كلِّ ذلك تخلف مجتمعنا، وفقد حصانته ضد الأفكار الوافدة والشائعات المغرضة.

حصن الإيمان

ثالثاً: إنّ على كلِّ واحد منّا أن يتحصّن بحصن الإيمان؛ وذلك بالانتماء إلى هيئة دينية، أو تجمّع رسالي، أو جمعية إنسانيّة، وبالتالي لا يبقى وحده في غمرات البلاء وموجات التحديات.

ومن خلال هذا الانتماء الذي يقصد به رضوان الله يعمل بالواجبات الملقاة عليه؛ من التعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، والتولّي لأولياء الله، والتبرّي من أعداء الله، والاهتمام بشؤون المسلمين، والقيام بواجبات الراعي تجاه رعيته؛ تحقيقاً لقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :« مَن أصبح لا يهتمُّ باُمور المسلمين فليس بمسلم » (١) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته » (٢) .

مسؤوليات اجتماعيّة

إننا سنوقَف أمام رب العزة، ويسألنا خالقنا البصير العليم عن واجباتنا الاجتماعية كما يسألنا عن الصلاة والصيام، وهناك لا تنفعنا التبريرات الواهية التي يتشبث بها البعض للتحلل من هذه المنظومة الواسعة والهامة من الواجبات الشرعية (كالتولي والتبري والجهاد والأمر بالمعروف و، و، ).

____________________

(١) اُصول الكافي ٢ / ١٦٣.

(٢) ميزان الحكمة ٤ / ٣٢٧.

٤١

إنّ على كلِّ واحد منّا أن يحاسب نفسه كلَّ يوم عمّا قام به في سبيل الله، ومن أجل نجاة اُمّته من ويلات التخلف، ومن مصادرة الحقوق، ومن تضييع الكرامة والحرية.

ألا نفكر أيَّ معنى يبقى لحياتنا إن لم نؤدِّ أية مسؤولية اجتماعية؟ فهل خُلقنا لأجل الكدح اليومي من أجل الخبز الذي نأكله مغموساً بالدمع والدم، بالذل والهوان، بالسكوت عن المجرمين والخنوع للجبارين؟ أفلا نتعلم من السبط الشهيد الذي اتخذناه إماماً وقدوة ومناراً، والذي نرجو أن يكون شفيعنا يوم القيامة، أفلا نتعلم كيف نحيا أحراراً أو نموت كراماً؟

إنّ صوت الإمام الحسينعليه‌السلام الذي يجري حبه في عروقنا مجرى الدم، إنّ صوته لا يزال يهز ضمير كل ذي ضمير:« ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة! يأبى لنا الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهرت، واُنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام… » (١) .

بلى سنبقى بإذن الله شيعة صادقين لذلك الإمام الغريب الذي نادى في صحراء الطفِّ بنا وبكلِّ اُذن واعية:« أما من ناصرٍ ينصرنا؟» (٢) . وإنّنا نقول وبكل شجاعة: نحن أنصار الله، وشيعتك يا أبا عبد الله، وكلّنا عطاء، وسوف نقوم بكلِّ واجباتنا

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام - باقر شريف القرشي ٣ / ١٩٣، عن تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٤ - ٧٥.

(٢) مجمع مصائب أهل البيتعليهم‌السلام / ٢٣٦.

٤٢

الاجتماعية، متوكلين على الله الجبّار الذي أمرنا بالعمل، ووعدنا النصر؛ حيث قال سبحانه:( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون ) (التوبة/١٠٥)، وقال (عزّ وجلّ):( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (محمّد/٧).

٤٣

الإمام الحسينعليه‌السلام الشهيد الشاهد

حين اشترى الله من السبط الشهيد نفسه وما ملكت أعطاه أجراً عظيماً؛ فقد سقط السبط شهيداً، فجعله ربه على التاريخ شاهداً، وجعله أباً للأئمةعليهم‌السلام ، وسيّداً لاُمّة رشيدة. وكانت كربلاء - أرض تضحياته - ساحة معركة، فأصبحت عنوان مسيرة، وكانت حادثة فإذا بها اليوم راية لمسيرة مباركة.

لقد اصطفى الله من عباده الصالحين أئمة هداة، وجعلهم حججاً بالغة على جميع خلقه، وقال:( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِاَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (السجدة/٢٤)، وقال سبحانه:( اُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) (الأنعام/٩٠).

لماذا؟ أوَلم يكف البشرية رسول واحد يستضيء بنوره الناس على مر العصور؟

دعنا نعود إلى البداية لنعرف الإجابة. أوَتدري متى تتوقف عقارب الزمن، ويتكلّس العصر، ويتجمّد الإنسان، ويسود التخلف، ويحكم الإرهاب، ويتسلط الظالمون؟

تماماً عندما ترين على الأفئدة طبقة سوداء من الأفكار التبريرية والمعاذير

٤٤

الخادعة؛ فيتحلل كلُّ الناس عن مسؤولياتهم، كلٌّ باسم عذر وتبرير كاذب؛ فيقول البسطاء والمستضعفون: إنّنا لا نعرف طريقاً لمقاومة الظالمين، إنما نحن بائسون محرومون، نتبع كبراءنا وساداتنا، أو السابقين الأوّلين من آبائنا، كما يصف القرآن ذلك بقوله:( أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِن بَعْدِهِمْ ) (الأعراف/١٧٣).

أمّا الأثرياء فهم الذين يخافون الفقر، ويخشون المساواة والمحرومين، ويقولون:( وَقَالُوا إِن نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَماً ءَامِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (القصص/٥٧)، ويقولون:( أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الاَرْذَلُونَ ) (الشعراء/١١١).

بينما تجد أنصاف المثقفين وأدعياء الدين يسكتون عن الباطل، ويداهنون الظالمين، ويرضون بفتات من خيرات السلطان، وهم كما يصفهم القرآن:( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِاَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) (البقرة/٧٩)، ويقول عزّ مَن قائل:( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ) (المدثر/١٣).

وإنّ هؤلاء هم أخطر الفئات على المجتمع؛ لأنهم يسرقون سلاح العلم والدين من أيدي المحرومين، ويضعونه في أيدي المستكبرين والطغاة؛ لقاء دراهم معدودة.

وهم لا يقاومون الظلم والاستكبار وحسب، وإنما يحذّرون الناس ويشيعون بينهم أفكاراً سلبية وانهزامية. وما الأمثلة الجاهليّة الشائعة حتّى

٤٥

اليوم بين الطبقات المحرومة إلاّ بقايا ثقافة وعاظ السلاطين، وخول الطغاة من المثقفين الخونة، وأدعياء الدين السفلة؛ فهم أشاعوا بين الناس بأنّ السلطان ظل الله، وأنّ مَن تسلّط على الرقاب بالسيف فهو أحقّ الناس بالطاعة، وأنّ الحشر مع الناس عيد وإنْ كان إلى سعير جهنم، وأنَّ معنى التقاة السكوت عن الطغاة، وأنَّ اليد التي لا تقدر على قطعها استسلم لها وقبّلها وعشرات من الأفكار الشيطانيّة الزائفة.

إنّ هذه الطبقة من زيف المعاذير الشيطانيّة، والأفكار الانهزامية الاستسلاميّة التي غلّفت أفئدة الناس بمختلف فئاتهم كانت من جراء فساد السلطة، وزيغ الثقافة، وسوء التربية والأخلاق، والفقر والظلم والحرمان وما يستتبع ذلك من العصيان والشرك والكفر. فيا ترى أنّى لنا النجاة منها؟

لقد أودع الله في ضمير البشر فطرة ظاهرة وعقلاً نيراً ونفساً لوامة، حيث قال سبحانه:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (الشمس/ ٧ - ٨)، وأيّد ذلك الضمير برسالاته التي تواترت، وكتبه التي تواصلت.

فكلما امتدت يد التحريف إلى رسالة، وفسّرها خدم السلاطين المترفين تفسيرات خاطئة، ابتعث الله رسولاً قائماً برسالات الله ليكون حجة عليهم. ثم أكمل حجته بأوصياء هداة، وصدّيقين شهداء تصدّوا للتأويلات الباطلة والتفسيرات التحريفية حتّى أبانوا الحقّ وأظهروه، ودحضوا الباطل وأسقطوه.

٤٦

إنَّ أعظم محاور الرسالات، وأعظم أهداف الرسل وخلفائهم كان تبديد زيف التأويل الباطل عن الدين، ونفي الأعذار الشيطانيّة التي تخلّف الناس عن الدين بسببها.

وقد خاض أنبياء الله وأولياؤه المؤمنون صراعاً مريراً من أجل نسف الأعذار والتأويلات الزائفة التي نشرها أدعياء الدين بين الناس، وسعوا جاهدين لكي يبقى مشعل الرسالة زكياً نقياً وضّاءً، وبعيداً عن زيف التبرير وزيغ التأويل؛ لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

لقد رسموا بجهادهم وجهدهم - كما بدمائهم الزكية - خط الرسالة التي تتحدى الطغاة المستكبرين في الأرض، المتسلطين على الناس زوراً وعدواناً، والمترفين المستغلين لجهود المستضعفين، والعلماء الفاسدين، الخانعين اليائسين.

وكانت نهضة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام علماً بارزاً في هذا الطريق الشائك؛ حيث كانت رسالة جده المصطفى (عليه وعلى آله صلوات الله) أعظم انتفاضة للضمير ولتوهّج العقل، وأسمى ابتعاث لدين الله الخالص من زيغ التأويل وزيف التبرير. لقد كانت المشكاة الصافية التي أضاء عبرها مصباح الوحي كلّ الآفاق.

ولكن الشجرة الاُمويّة الملعونة في القرآن التي جسّدت في الجزيرة العربية دور فراعنة السلطة والثروة، ودهاة المكر والتضليل، والتي صدّت عن سبيل الله والرسالة في بدر واُحد والأحزاب، لقد كانت هذه الشجرة لا تزال قائمة، وقد اُوكلت مهمة اجتثاثها وتصفية الرواسب الجاهليّة التي تغذيها إلى خلفاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٤٧

وها هم طفقوا يتسللون إلى المجتمع الناشئ ليزرعوا فيه بذور النفاق والشقاق. إنهم كما الخلايا السرطانيّة امتدوا إلى كلِّ نفس طامعة، وقلب حاقد، ومستكبر يتوثب للسلطة، ومترف يبحث عن مصالحه.

وفي غفلة من الزمن تحققت رؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أخبر أصحابه عنها ذات يوم بأنّه رأى قردة ينزون على منبره … فإذا بهذا الحزب الاستكباري يستغل الأوضاع المتوترة في عهد الخليفة الثالث، ويقوم بما يشبه انقلاباً عسكرياً يقوده معاوية بن أبي سفيان، ويخوض أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الميامين بقيادة أميرهم المقدام وإمامهم الهمام سيد الأوصياء علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، يخوضون ضدهم حرباً ضروساً في صفّين لا تختلف عن حروب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ضد سلطة قريش.

وإذا سقط الإمام عليعليه‌السلام شهيداً في محراب الكوفة بسيف غادر شحذه بنو اُميّة، وإذا مضى نجله الإمام الحسنعليه‌السلام مسموماً ضمن مؤامرة اُموية، فإنّ للإمام الحسينعليه‌السلام دوراً متميزاً في كربلاء؛ حيث يقتلع جذور الشجرة الخبيثة بإذن الله؛ وذلك بالدم المظلوم الذي يهزم سيف البغي والعدوان؛ حيث لا غدر ابن ملجم، ولا سمّ جعدة، بل بالمواجهة السافرة.

كربلاء رمز المواجهة

وهكذا أصبحت ملحمة كربلاء رمز المواجهه بين الحنفية البيضاء والشرك المتلصص، بين الحق الخالص الصريح والباطل المدنس المزخرف، بين الشجاعة والبطولة والتحدي وبين التذبذب والانطواء والتبرير ...

وأصبح الإمام الحسينعليه‌السلام لواءً منشوراً لكل من يريد مقاومة الحكّام المتسترين بالدين، وتحريف العلماء الخونة للدين، وسكوت المتظاهرين

٤٨

بالدين … وبكلمة: لكلِّ من يريد مقاومة الدين المزيف الذي أضحى سلاحاً فتّاكاً على الدين الحق، ومقاومة المتظاهرين بالدين الذين تظاهروا ضد الخط الإيماني الصادق.

وهكذا أضاء أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام على امتداد التاريخ درب المؤمنين المستضعفين الذين تآمر ضدهم ثالوث النفاق والدجل والجبن، هؤلاء المحرومون الذين تظاهر ضدهم المهووسون بالسلطة، ووعّاظ السلاطين، والمترفون مصاصوا دماء الفقراء.

إنَّ أية راية حقٍّ حاربت من أجل الله، جعلت شعارها: يا لثارات الحسين، وأي تجمع صالح قرر التحدي، وضع نصب عينيه دروس كربلاء، وأي رجل عقد العزم على أن يكون فداءً لدينه كان مثاله الأسمى السبط الشهيدعليه‌السلام .

وتبقى حاجتنا إلى مشعل سيد الشهداء ما دمنا نواجه نفاقاً اُموياً، ودجلاً شُريحياً، وخيانة كالتي كانت عند أهل الكوفة. وأنّى يكون لنا اليوم الذي نتخلص فيه من هذا الثالوث الخبيث؟!

كلاّ، ما دامت الدنيا فإنّ فتن الشيطان ووساوسه قائمة، وليس بالضرورة أن يكون المنافق اُمويّاً سافراً كصدام، أو شريحاً قاضياً عنده كما وعّاظ السلاطين، أو جبناء متظاهرين بالخيانة كمن حاربوا بوعي وعمدٍ وإصرار تحت لواء البغي والطغيان.

كلاّ، ليس بالضرورة أن يكون كذلك؛ فقد يكون المنافق متظاهراً بحبِّ السبط الشهيد، والدجال متحدثاً باسمه، والجبان منضوياً تحت لوائه.

أولم يرقَ ذلك الدجال منبر الحسينعليه‌السلام قائلاً بعدم جواز الدخول

٤٩

بين السلاطين، ومحرّماً تعاطي السياسة! ولم يفكر أن المنبر الذي اتخذه وسيلة معاشه لم يقم إلاّ على دماء السبط الشهيدعليه‌السلام ، وأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام أعلن بكلِّ صراحة أنّ مثله لا يبايع مثل يزيد، ثم قال:« مَن كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا؛ فإنّي راحل مصبحاً إنشاء الله » (١) .

وهل هذا سوى العمل في السياسة؟ وأي سياسة أعظم من القيام بالسيف ضد حكم طاغية؟! كلا،( وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) (الكهف/٥٤).

من هنا كان على الذين وعوا حكمة الشهادة الحسينيّة، وعقدوا العزم على أن يعيشوا نهج سيد الشهداء رغم الصعاب، والذين تساموا إلى حيث جوهر الإسلام، وروح الإيمان، وعصارة تاريخ الأنبياء …

إلى حيث الصراع ضد الجبت والطاغوت، على هؤلاء أن لا يدعوا راية السبط الشهيد تُسرق من قبل الدجّالين والمنافقين والمترفين، فإذا بهم يحاربون نهج الحسينعليه‌السلام باسم الحسين كما حارب بنو اُميّة (عليهم اللعنة الأبدية) نهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسم رسول الله، ونهج كتاب الله باسم كتاب الله.

عليهم أن يتقدّموا لحمل راية الإمام الحسينعليه‌السلام عالية خفّاقة ويتحدثوا باسمه؛ فإنّ لهم وحدهم الحق بأن يتحدثوا باسمه، وأن يرتقوا منابره، ويعمروا مجالسه، ويحتشدوا في مسيراته، ويكتبوا عنه كثيراً، ويفسّروا تفسيراً صادقاً لواقعة كربلاء وما سبقها وما لحقها، معتمدين في ذلك على التاريخ الصحيح والنصوص المأثورة عن الإمام الحسينعليه‌السلام نفسه،

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٧.

٥٠

وزياراته المروية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يرضوا عن كلِّ ذلك بدلاً بما قيل عن الإمام وواقعة كربلاء من التراث المتداخل مع بعض الثقافات الدخيلة أو أفكار الهزيمة.

على العلماء الكرام وأصحاب الأقلام الحرّة أن يعيدوا صياغة قصة كربلاء في ضوء بصائر الوحدة وسيرة السبط، ويبتعدوا عن تلك الأفكار التي اختصرت السبط في تراجيديا أو فلكلور.

الإمام الحسين عليه‌السلام نور في ظلمة الطريق

إنّ الحسينعليه‌السلام - كما جاء في حديث جده - مصباح الهدى وسفينة النجاة، إنّه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسول منه، إنّه إمام المسلمين، وحجّة الله، وهو أعظم من مجرد تراجيديا، كما أنّ كربلاء أسمى من مجرد فلكلور.

إنّه وريث الأنبياء وترجمان الأوصياء وقدوة الأتقياء، إنّه مدرسة التوحيد. أولم تقرأ دعاءه في يوم عرفة؟ إنّ هذا نهج السبط الشهيد، فهل يجوز اختصاره في بضعة كلمات تراجيديا؟! إنّه يمثّل الإسلام، أوليس هو إمام الاُمّة وحجّة الله، وعلينا أن نشرح أبعاد حياته كلها، وكل حياته جهاد، وقد ختمت بكربلاء بالشهادة؟

وعلينا نحن الذين نأتمُّ به أن نتّخذه إماماً في كل مناهجه وشرائعه:

أ - يوم نشأ بسلسبيل حب الله والرسول وعترته، فكانت نفسه طاهرة من أدران الشرك، ووساوس الشكِّ، وحوافز الشرِّ، وغلّ الحسد والحقد والعصبيات المادية. وحين نقف على ضريحه المبارك نترنم بالقول:« أشهد

٥١

أنّك طهر طاهر مطهّر، من طهر طاهرٍ مطهّر، طهرت وطهرت بك البلاد، وطهرت أرض أنت فيها» (١) .

ب - ويوم وقف بعزمٍ صادقٍ ونيّةٍ خالصة إلى جانب اُمّه الصديقة الزهراءعليها‌السلام في معركة فدك، وإلى جانب والده الإمام عليعليه‌السلام في يوم الجمل، وفي صفين والنهروان، وإلى جانب أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام في حربه وسلمه وهكذا كانت طاعته لقيادته الإلهية خالصة من أية شائبة، ذاب فيها كما تذوب قطرة ماء زلال في بحر فرات. ونحن إذ نتبعه نروّض هوى النفس في ذواتنا؛ لنصبح جزءاً من تيار التحرك، لا نريد لأنفسنا جزاءً ولا شكوراً.

وهكذا نقرأ في زيارته:« وأطعت الله ورسوله حتّى أتاك اليقين » (٢) . وهكذا، فالطاعة سبيل اليقين، ومن يرفض الطاعة بمعاذير يلقيها إليه الشيطان يصبح ضحية الوساوس طوال حياته.

ج - ويوم انصهر في بوتقة التوحيد، وعرفان الرب، وزكاة القلب، وتبتّله في الليل، والذي كان تأويلاً صادقاً لقوله سبحانه:( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ الليْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) (الذاريات/١٧).

وما دعاؤه في يوم عرفة إلاّ قبساً من نور توحيده، ووهجاً من شوقه إلى رضوان ربه، وفيضاً من حكمته الإلهية.

ألا تراه واقفاً في صحراء عرفات تحت شمس الظهيرة اللاهبة، وقد رفع

____________________

(١) مفاتيح الجنان - زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام / ٤٣٨.

(٢) المصدر نفسه / ٤٢٩.

٥٢

كفّيه الضارعتين إلى ربه وجرت دموعه الدافئة على خدّه، وهو يخاطب ربّه بكلِّ عفوية وانسياب، ويقول:« … أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها، وتضيق بي الأرض برحبها، ولولا رحمتك لكنتُ من الهالكين. وأنت مقيل عثرتي، ولولا سترك إيّاي لكنتُ من المفضوحين. وأنت مؤيّدي بالنصر على أعدائي، ولولا نصرك إيّاي لكنتُ من المغلوبين.

يا مَن خصَّ نفسه بالسمو والرفعة فأولياؤه بعزّه يتعزّزون، يا من جعلت له الملوك نير المذلة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وغيب ما تأتي به الأزمنة والدهور. يا من لا يعلم كيف هو إلاّ هو، يا من لا يعلم ما هو إلاّ هو …» (١) .

هذا القلب الكبير الذي استقبل نفحات الرب في عرفات الحجاز، هو القلب الذي استقبل تحدّيات الموت في يوم عاشوراء بتلك النفحات عندما ازدلف عليه أكثر من ثلاثين ألفاً من أعدائه يريدون قتله؛ فتوجّه إلى ربه ضارعاً وقال:« اللّهمَّ أنت متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيٌّ عن الخلايق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء.

قريب إذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، ومدرك ما طلبت، وشكور إذا شكرت، وذكور إذا ذكرت. أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي إليكَ مكروباً، واستعين بك ضعيفاً، وأتوكل

____________________

(١) مفاتيح الجنان - دعاء عرفة / ٢٦٥.

٥٣

عليك كافياً، احكم بيننا وبين قومنا …» (١) .

هذا هو الإمام الحسينعليه‌السلام ، وعلينا أن نسمو إلى درجة أتباعه في زهده وتقواه، في تبتله وعبادته، في سلوكه وخلقه.

د - وأخيراً نتبعه يوم توّج تلك الحياة الربانيّة بشهادته التي كانت مرسومة من ذي قبل لتكون نهج حياة.

ويوم شهادته كان السبط مثلاً أعلى لكلِّ التضحيات، وحجة بالغة علينا فيها. لقد قدّم في يوم واحد كلّما يمكن أن يقدّمه إنسان في سبيل ربه، كما ضرب أنصاره الكرام أروع الأمثلة في الإخلاص والإيثار. وهكذا كان الإمام حجة بالغة على كل متقاعس عن الجهاد، متخاذل خنوع.

البعض يتقاعسون عن الجهاد حفاظاً على أموالهم ودورهم وضياعهم كما خشي عمر بن سعد عليها، وخرج بذلك لمواجهة الإمام الحسينعليه‌السلام بكربلاء، أوَلم يكن للإمامعليه‌السلام ضياع ودور وأموال فتركها لله عندما قرّر القيام ضد طاغية زمانه؟

ويتقاعس البعض عن الجهاد خوفاً على سمعته أن تنالها أجهزة التضليل الحكومية، أوَلم يكن سيد الشهداء قد تعرّض لذلك التشويه فقالوا عنه: إنّه قُتل بسيف جدّه؟ ونشروا في عرض البلاد وطولها أنه خارجي، وكانت مئات الاُلوف من المنابر التي أقامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله للدعوة إلى الله تبث الزيغ والتبرير،

____________________

(١) مفاتيح الجنان - أعمال اليوم الثالث من شعبان / ١٦٤ - ١٦٥.

٥٤

والتحريض على المجاهدين الأوفياء لدين الله، وضد أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام بالذات!

وينكفئ البعض عن واجبه الشرعي؛ لأنه يخشى على عائلته واُسرته أن تضيع في زحمة الصراع السياسي. بالله عليكم، أي اُسرة أشرف من اُسرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وأي أهل بيت أعظم من أهل بيت الوحي وقد حملهم معه سيد الشهداء إلى كربلاء؛ ليكونوا شهداء معه على تلك المجزرة الرهيبة، ثم دعاة إلى القيام ضد بني اُميّة، وتعرضوا لكل ألوان البلاء وأشدّها قساوةً؛ حيث طافوا بهم البلاد؛ يتصفح وجوههم أهل المنازل والمناهل، وهم حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومهابط وحي الله، ومعادن حكمته؟

وترى البعض يوسوس إليه الشيطان: كيف تُعرّض أبناءك للأذى؟ كلا، إنّ دين الله أعظم من اُسرتك وأبنائك، وإنّه كفيل بهم. وهذا السبط الشهيد قدم أبناءه بين يديه ضحايا دين اُمته، وفداءً للرسالة، وبينهم نجله الكريم علي الاكبرعليه‌السلام ، أشبه الناس برسول الله خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً.

وبعض الناس يزعمون أن القيادة ينبغي أن تكون محمية بعيدة عن الخطر، وأيُّ قائد أعظم من حجة الله وسبط الرسول وكهف المحرومين أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ وها هو يقدّم نفسه للفداء قرباناً إلى ربه، ودفاعاً عن الرسالة

وهكذا كان ولا يزال السبط الشهيد شاهداً خالداً علينا - نحن المسلمين - ضدَّ كلِّ تبرير وعذر، وتقاعس وانكفاء.

٥٥

واليوم حيث يتعرض خط الجهاد المقدس للتشويه من قبل أبواق الكفر والنفاق، فما أحوجنا إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ونهجه، وسيرته وشهادته الدائمة على مر العصور.

إنّنا اليوم نتعرّض لهجمات واسعة وشرسة من قبل المستكبرين، وعملائهم المنافقين، وحزبهم الدجالين، فما أحوجنا إلى إنشاء المجتمع التوحيدي المستضيء بالنهج الحسيني حتّى نقاوم تلك الهجمات العدوانية، ولكي نحافظ على المكاسب الجهادية لاُمّتنا المجيدة.

وبغير النهج الحسيني يخشى أن تقضي مؤامرات المستكبرين وأذنابهم المنافقين، وخذلان الخانعين على بنية استقلالنا وشرفنا وكرامتنا، ونتحول إلى شراذم بشرية مستعبدة.

إنّ نهج الحسينعليه‌السلام وحده السبيل إلى تكوين المجتمع التوحيدي النقي، فما هو هذا النهج، وما هو المجتمع القائم على أساسه؟

إنّ جوهر هذا النهج هو التوحيد والجهاد؛ التوحيد الذي يمنحنا به الله الاستقلال، والجهاد الذي يرفعنا الله به إلى صعيد العزة والرقي. أوليس الاستقلال والرقي هما أسمى ما يتطلع إليه الإنسان الواعي؟

دعنا نفصّل القول في ذلك تفصيلاً مبيناً:

أوّلاً: القيم الأصيلة التي يتسامى بها المجتمع التوحيدي هي قيم الوحي التي تستنير بها العقول، وتزدهر بها المعارف والعلوم، وتتزكى بها الأخلاق والآداب، وهذه القيم تتناقض والثقافات الجاهليّة الموغلة في المادّية.

فلكي نبني مجتمع التوحيد القائم على نهج الحسينعليه‌السلام علينا أن نطهّر مجتمعنا من رواسب الجاهليّة، من العصبيات العرقية والاقليمية،

٥٦

والمصلحية والحزبية الضيّقة، من التشرذم والتفرق والتضاد، من التدابر والتناحر والتنافر

إنّ علينا كنس واقعنا من ثقافة التجهيل والشعوذة والدجل، من ثقافة التبرير والخداع الذاتي، من ثقافة الأنانية والانتهازية، من ثقافة الاعتزال والانغلاق والهروب من واقعيات الحياة.

إنّ المجتمع التوحيدي يتشبّع بروح إيجابية معطاءة، بروح الانفتاح والتفاعل، بروح التصدّي والتحدّي، بروح المقاومة والاستقامة، وهذه الروح تتناقض كلياً مع تلك الثقافات الدخيلة.

إنّ عِبَر كربلاء تفيض بهذه الروح، وحرام أن نعيش دهراً على شاطئ الحسينعليه‌السلام محرومين من ماء الحياة، ومن العزم الحسيني، والشجاعة الحسينيّة، والعطاء الحسيني، من الكرم والإيثار، والصمود والتحدي، ومن كلِّ تلك المعطيات التي زخرت بها ملحمة كربلاء الثائرة.

إنّ واجب كلِّ فرد منّا أن يمتلك مقياساً حسينياً لمعرفة لون الثقافة التي يشيعها الآخرون؛ فإن كانت ثقافة الإيثار والتحدّي فبها، وإلاّ يجب رفضها ورفض الذي ينادي بها حتّى يتقلّص دور قطّاع الطرق، والصادّين عن سبيل الله، الذين يسرقون راية السبط الشهيد ويحاربونه باسمها، الذين يزرعون الشك والوسواس في النفوس، ويلقون الجبن والخوف والتردد في روع المحرومين، ويأمرونهم بالسكوت والخذلان، ويحاربون المجاهدين والعاملين، والذين يريدون الدين لمصالحهم، ولا يضحّون بمصالحهم في سبيل الدين، ولتغيير هذا الواقع المشين.

فتراهم يكيلون التهم الرخيصة ضد المجاهدين، ويترصّدون ثغراتهم، ناسين أنّ التقاعس جريمة

٥٧

كبرى وهم يرتكبونها بلا خجل! إنّ هؤلاء هم شريحة شريح القاضي لعنة الله عليه.

ثانياً: وبروح المقاومة والاستقامة، والجود والإيثار، والوحدة والجهاد، بهذه الروح الحسينيّة التي تفيض من كلِّ أبعاد ملحمة البطولة في كربلاء نربّي الجيل الناشئ، نرضعهم الشجاعة والحكمة، ونلقّنهم الصبر والصمود، ونزرع في أفئدتهم التطلع والهمة، ونقول لهم: إنّ الاُمويّة السوداء لا زالت تذبح الميامين من أبناء الحسينعليه‌السلام ، ولا زالت معركة كربلاء ممتدة، فكونوا جنوداً للحقِّ، أنصاراً للحسينعليه‌السلام .

لا زالت حنجرة السبط الشهيد الدامية تنادي:« ألا هل من ناصر ينصرنا، ألا هل من معين يعيننا، ألا هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم الرسول؟ ».

لبيك يا داعي الحق، نحن أنصارك يا سيد الشهداء، هكذا نربّي أطفالنا.

وكما كان آباؤنا الكرام واُمهاتنا الكريمات يهزّون مهد أولادهم ويترنمون بزيارة عاشوراء، ومعها مئة سلام للحسين وأهل بيته المظلومين، ومئة لعنة على من ظلم آل محمّد من الأولين والآخرين … فلا بدّ أن نفعل نحن كل ذلك أيضاً؛ كي يتحصّن أبناؤنا ضد الدعاية الاُمويّة.

وإنّ التربية والتثقيف، والإعلام الناطق أو المكتوب أو ما أشبه ينبغي أن يهدف كلّ اُولئك تعريف الناس بمن هو اليوم يمثّل الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فيرفض حكم الطغاة ومَن هو يمثّل دور يزيد أو شريح القاضي أو جمهرة أهل الكوفة الذين خذلوا السبط الشهيدعليه‌السلام .

ثالثاً: العلاقات في المجتمع التوحيدي هي علاقات حسينيّة تهدف تهيئة القوة الذاتية القاهرة بإذن الله ضد كلِّ باغ وطاغ، وكل طامع ومستكبر.

٥٨

إنّ هذه العلاقات لا تهتزّ بسبب الظروف القاسية، بل تزداد متانة وتصلباً، إنّها لا تزيدها الإشاعات الخبيثة إلاّ تماسكاً وتلاحماً.

إنّها علاقات الجهاد التي تطرد الجبناء والمصلحيين والمتأثّرين بدعايات الأجانب والمتخاذلين. إنّها علاقات قائمة على أساس الطاعة للقيادة، والثقة المتبادلة بينها وبين القاعدة. إنّها علاقات عمل جدّية وابتعاث، فلا موقع للكسالى والطفيليين والمترهلين فيها.

رابعاً: الاقتصاد في المجتمع التوحيدي اقتصاد دفاعي، لا يعرف الترف والتبذير، والاستهلاك والاستكثار، إنّه اقتصاد زهد وتقشف، وايثار وجود، إنّه اقتصاد تخطيط بعيد يهدف العز والكرامة قبل اللذة والشهوات الكمالية.

وبكلمة: إنّ الذي يريد العزة والكرامة، والاستقلال والرقي يعدّ نفسه ومجتمعه إعداداً مناسباً، والنهج الحسيني هو الإعداد المناسب لكل تلك التطلعات؛ من هنا علينا اليوم أن ننفتح على هذه النفحة السماوية التي تفيض بها ملحمة عاشوراء.

تعالوا نفكّر جدّياً وجذرياً كيف نبدأ الانعطافة الكبرى في حياة اُمتنا، ألا يكفي الذل والصغار، ألا يكفي التشريد والتشرذم، ألا تكفي الهزائم والويلات، ألا يكفي هتك الأعراض وقتل الاطفال و، و…؟!

تعالوا نجعل من عاشوراء ميعاداً مع نهج السبط الشهيد، نجدد العهد معه بأن نظل حسينيِّين روحاً وعملاً.

٥٩

تعالوا نبني ذلك التجمّع الناهض الذي يحتمي بظل الإسلام الحنيف، والنهج الحسيني الثائر ضد فتن الجاهليّة وبغي الاستكبار، وقيد الجبّارين ومكر الطامعين.

إنّ الحسينعليه‌السلام مصباح الهدى وسفينة النجاة، تعالوا نضيء جنبات حياتنا المظلمة بهذا المصباح الإلهي، تعالوا نتّخذ من ذكرى عاشوراء الثائرة في كلِّ عام مناسبة للدفاع عن المظلومين والمحرومين في العالم، تعالوا نتحدّى عواصف النوائب وأمواج النوازل بالاتجاه إلى سفينة النجاة، وقد قال الإمام الصادقعليه‌السلام :« كلّنا سفن النجاة، وسفينة الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع ».

٦٠