حول نهضة الحسين (عليه السلام)

حول نهضة الحسين (عليه السلام)0%

حول نهضة الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 37

حول نهضة الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
تصنيف: الصفحات: 37
المشاهدات: 6113
تحميل: 3734

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 37 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6113 / تحميل: 3734
الحجم الحجم الحجم
حول نهضة الحسين (عليه السلام)

حول نهضة الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

له أبرزتم، وأيّ دم له سفكتم، وأيّ حرمة له انتهكتم،( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (1) * تَكَادُ السّماوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأَرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً ) (2) ، ولقد أتيتم بها فرقاء(3) شوهاء(4) ، كطلاح الأرض(5) وملأ السماء.

أفعجبتم أن مطرت السماء دماً؟( وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى‏ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ) . فلا يستخفنّكم المهل(5) ؛ فإنّه لا يحفزه البدار(6) ، ولا يخاف فوت الثأر، وإنّ ربّكم لبالمرصاد(7) .

هذه إحدى المقامات الثورية للعقيلة، فقد قلبت لأوّل مرّة الكوفة من الفرح إلى بكاء وحزن وحيرة، وكاد الركب أن يحدث ثورة فيها فانتبه الأمير لذلك ووجّههم إلى الشام، وأوردوا على يزيد - وكان محتفلاً بسرور - ورود أُسارى الخوارج (على ما أذاعه) إلى الشام، وحضر المحفل كلّ ذي شأن من جميع الطوائف؛ أُمراء وعلماء، وشيوخ ووفود.

فرأت عقيلة حيدر أنّ هذا هو المحلّ الذي يلزم أن تجاهد فيه، وأن تؤدّي فيه رسالة الحسين أخيها الشهيد ; فصرخت في وجه يزيد قائلة: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين، صدق الله سبحانه حيث يقول:( ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُوا السّوءى‏ أَن

____________________

(1) أي منكراً فظيعاً.

(2) سورة مريم / 89 - 90.

(3) أي حمقاء، والضمير عائد إلى الفعلة التي فعلوها.

(3) أي قبيحة.

(4) أي كقدر الأرض في الكبر والعظم.

(5) أي لا يصدنّكم الرفق بكم عن ترك طاعة الله وفعل معصيته.

(6) أي فإنّ الله تعالى لا يحثّه على العمل لزوم المسارعة إليه.

(7) عن اللهوف - لابن طاووس (رحمه الله).

٢١

كَذّبُوا بِآيَاتِ اللّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) (1) .

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده(2) ؛ فشمخت بأنفك(3) ، ونظر في عطفك(4) جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة(5) ، والأُمور متّسقة(6) ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً! أنسيت قول الله تعالى:( وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) (7) .

أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك(8) ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؛ قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهنّ(9) أهل المناهل(10) والمعاقل(11) ، ويتصفّح(12) وجوههنّ القريب والبعيد، والداني والشريف، ليس معهنّ من حماتهنّ حمي، ولا من رجالهنّ ولي؟!

وكيف يُرتجى مراقبة مَنْ لفظ فوه أكباد الأزكياء(13) ، ونبت لحمه من دماء الشهداء؟ وكيف

____________________

(1) سورة الرّوم / 10.

(2) عظم الخطر: كرامة القدر ورفعة المنزلة.

(3) شمخ بأنفه: أي تكبّر وتعزّز ورفع أنفه.

(4) نظرت في جانبك. والعطف: الجانب، والمراد: هو التكبّر والعجب بذلك.

(5) الاستوساق: الاجتماع.

(6) متّسقة: أي مستوية، أي لا خلاف عليك فيها.

(7) سورة آل عمران / 178.

(8) من خدر البنت، جعل لها خدراً، وألزمها الخدر، أي بوّأها محلاً مستوراً.

(9) استشرف: أي مدّ عنقه لينظر إليه وطلب الإشراف عليه.

(10) المناهل: جمع منهل الموضع الذي فيه الماء على الجادة.

(11) المعاقل: جمع المعقل، بمعنى الملجأ، والمراد المنازل التي يلجأ الناس إليها.

(12) تصفّح وجهه: تأمّل في وجهه، نظر إلى حليه وصورته، ويتعرّف أمره.

(13) أي كيف يُرجى خوف مَنْ لفظ فمه أكباد الأزكياء من الله. تشيرعليها‌السلام إلى فعل هند (لعنها الله) بكبد عمّ النبي حمزة (رضي الله عنه).

٢٢

يُستبطأ في بغضنا أهل البيت مَنْ نظر إلينا بالشنف(1) والشنآن(2) ، والإحن(3) والأضغان(4) ، ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم(5) :

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشلْ

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها(7) بمخصرتك(8) ؟!

وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة(9) بإراقتك دماء ذريّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونجوم

____________________

(1) الشنف: أي البغض والنكراء.

(2) الشنآن: هو البغض مع عداوة.

(3) الإحن: أي الأحقاد والعداء المضمر.

(4) الأضغان: الأحقاد أيضاً.

(5) أي لا تحسب قولك إثماً ولا شيئاً عظيماً.

(6) هذا البيت من أبيات تمثّل بها يزيد في ذلك المجلس قبل خطبة العقيلة، وهي لابن الزبعرى، وتمثّلُ يزيد بها لا يدلّ إلاّ على اعتقاده بما فيها، وهو دليل جازم على كفره، وخروجه عن الإسلام، وهي:

ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسلْ

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشلْ

قد قتلنا القرمَ من ساداتهمْ

وعدلناهُ ببدرٍ فاعتدلْ

لعبت هاشمُ بالملك فلا

خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزلْ

لستُ من خندفَ إن لم أنتقمْ

من بني أحمدَ ما كانَ فعلْ

(7) تنكتها: أي تضربها.

(8) المخصرة: شيء كالسوط.

(9) نكأ القرحة: إذا قشّرها قبل أن تبرأ. والشأفة: قرحة تخرج في أسفل القدم. واستأصل الشافة: أي أزالها، والمقصود إنّك أقشرت قرحة قلوبنا بالقتل، وأزلت قرحة نفسك باستشفائك.

٢٣

الأرض من آل عبد المطلّب؟ وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تُناديهم! فلتردنَّ وشيكاً موردهم، ولتودّنَّ أنّك شُللت وبُكمت، ولم تكن قلت ما قُلت، وفعلت ما فعلت.

اللّهمّ خذ لنا بحقّنا، وانتقم ممّن ظلمنا، وأحلل غضبك بمَنْ سفك دماءنا وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت(1) إلاّ جلدك، ولا حززت إلاّ لحمك، ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته، وانتهكت من حرمته في

____________________

(1) أي ما قطعت بقتل أولياء الله إلاّ جلدك وقوّتك وحكمك.

٢٤

عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم،( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1) ، وحسبك بالله حاكماً، وبمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم مَنْ سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلاً، وأيّكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك(2) ، إنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك(3) ، وأستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى(4) ، ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء!

فهذه الأيدي تنطف(5) من دمائنا، والأفواه تتحلّب(6) من لحومنا، وتلك الجثث

____________________

(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران / 169، تشيرعليها‌السلام إلى أنّ الثائرين قُتلوا في سبيل الله لا كما أذاعه يزيد في حزبه أنّهم خوارج على الإسلام.

(2) عجباً لبراعة البلاغة! تعبّر بمنطقها الساحر عن حطّ منزلة يزيد ودناءة نسبه وحسبه، وعن فضيلة أصلها الثابت وفرعها المتلائي، وعن كرامة أخيها الشهيدعليه‌السلام ، وتتحسّر على تكلّمها معه، وتُعلن إلينا أن تتحجّب عن مكالمة الأجانب إلاّ في مثل موقفها الحرج؛ حيث أداء رسالة الحسين (شهيد العقيدة والدين).

(3) أي أحسب تقريعك وضربك ثنايا الحسين فعلاً عظيماً صادراً من شخص لئيم مثلك.

(4) الحروة: حرقة في الصدر من الوجع.

(5) تنطف: أي تقطر وتسيل.

(6) تتحلّب: أي تشرب الحليب وتتغذّى به.

٢٥

الطواهر الزواكي تنتابها(1) العواسل(2) ، وتعفّرها(3) أُمّهات الفراعل(4) .

ولئن اتّخذتنا مغنماً، لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك،( ... وَمَا رَبّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (5) ، وإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل، فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك؛ فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها.

وهل رأيك إلاّ فند(6) ، وأيّامك إلاّ عدد، وجمعك إلاّ بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين، والحمد لله ربّ العالمين الذي ختّم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يُكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويُحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وهكذا تُحارب العقيلة، فتقلب الأفكار على الظلم والباطل، إنّه حقّاً أعظم من البسالة في ميادين الجهاد.

____________________

(1) تنتاب: أي تأتيها مرّة بعد أُخرى.

(2) العواسل: الذئاب.

(3) تعفّرها: تمرّغها في التراب.

(4) الفراعل: أولاد الضباع.

(5) سورة فصلت / 46.

(6) أي إلاّ عجز عن مقاومة الدين.

٢٦

وكذلك خطبة الإمام زين العابدين [عليه‌السلام ] وسائر الآل في الكوفة والشام توضّح حال الأُسراء، وأنّهم مَنْ؟ ولماذا أُسروا؟ ومَنْ أسرهم؟ وكشف القناع عن فضائح بني أُميّة، وذكر أنسابهم الحافلة بالإجرام.

فأسباب إخراج الحسينعليه‌السلام أهل بيته معه إلى أرض كربلاء تتلخّص في ما يلي:

الأوّل: إنّ مشيئة الله تعلّقت بذلك؛ لينتج نتائجه القيّمة من نشر الحقّ ودفع الباطل.

وقد أفصحعليه‌السلام عن ذلك بقوله لأُمّ سلمة: «قد شاء الله أن يراني مقتولاً ظلماً وعدواناً، وشاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردّين، وأطفالي مذبوحين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً».

وفي قوله لأخيه ابن الحنفيّة لمّا قال له: إذا علمت أنّك مقتول، فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك؟

- «لقد قال لي جدّي: قد شاء الله أن يراهنّ سبايا متهتّكات».

وأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للرضا بذلك كما قالعليه‌السلام لابن عبّاس حين أشار إليه بعدم المسير بهنّ خوفاً من القتل والسبي: «يابن العمّ، إنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي، وقد أمرني بأمر لا أقدر على خلافه، وإنّه أمرني بأخذهنّ معي».

الثاني: عدم ائتمان أحد عليهنّ كما صرّح هو به في تتمّة قوله لابن عبّاس الآنف: «وإنّهنّ ودائع رسول الله، ولا آمن عليهنّ

٢٧

أحداً». ولخوفهعليه‌السلام من تعرّض يزيد لهنّ إن تركهنّ بقتل أو سبي أو اعتداء وهو حي، وذلك أعظم مصيبة عليه.

الثالث: عدم مفارقتهنّ له؛ لأنّهعليه‌السلام كان عميداً لآل البيت، وسيّداً للعلويين، وحامي حماهم، وملجأهم الوحيد عند الشدائد، فكيف يتركه أهل بيته وأخواته؟ كما قال هو أيضاً في قوله لابن عبّاس: «وهنّ أيضاً لا يفارقنني».

ويدلّ عليه أيضاً قول العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين حين سمعت كلام ابن عبّاس في إخلافهنّ في المدينة: (يابن عبّاس، أتشير إلى شيخنا وسيّدنا أن يخلفنا ها هنا ويمضي وحده؟! وهل أبقى الزمان لنا غيره؟ لا والله، بل نحيى معه ونموت معه).

الرابع: كشف الحُجب عن ظلم بني أُميّة وعدائهم إلى آل البيت النبوي، وإبانة واقعهم المرموق في الملأ، وتمويه سعي يزيد من قلب الواقع على الأُمّة، حيث أذاع فيهم أنّ الثائرين خوارج، وأنّ الأُسارى أُسارى الخارجين، فأبانت عيالات الحسين بذلك الجهاد المقدّس الواقع للأُمّة، مبيّنة أنّ الثائرين هم حسين وأصحابه - أصحاب الحقّ والإيمان - والأُسارى هم آل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان ذلك أقوى ذريعة لدكّ صروح الظلم.

الخامس: بثّ دعوة الحسين ووصل حلقاتها، فبالأُسارى انتشر نبأ الحسينعليه‌السلام إلى العالم الإسلامي؛ فإنّ آل البيت لم تدخل بلدة أو محفلاً إلاّ ونادوا بنداء الحسين، فأبانوا واقع ثورته.

ولولا الأُسارى لأنقطع نداؤهعليه‌السلام ، ولأخمد الأُمويّون نور دعوته ونار ثورته، وذلك

٢٨

غير ما جعله هدفاً لثورته.

السادس: تحريض الأُمّة على أخذ الثار من الأُمويين الكفرة، وإرسال خبر قتله بتلك القساوة إلى كلّ ذي ضمير عادل حي وشعور يقظ، حتّى حنق كلّ سامع على يزيد، وأصبح كلّ صغير وكبير سمع نعيه يبرأ من يزيد وفعله، ولم يبقَ مَنْ لم يسمع نداءهعليه‌السلام الرفيع ; فلذلك تلت ثورته وسبي عياله ثورات عدّة:

منها: حركة أهل المدينة؛ فإنّ أهل البيت بعد رجوعهم إلى المدينة كانوا ينوحون على الحسين، ويذكرون مصائبه التي تحرق القلب، وتذيب الكبد، فكان أهل المدينة يسمعون ذلك وهم يحبّون أهل البيت، فينقلبون حميماً على يزيد إلى أن حدثت تلك الثورة الأليمة وقعة الحرّة، وتلتها ثورة ابن الزبير، والمختار، والتوّابين، وابن الأشتر، وبعدها نهوض زيد بن علي الشهيد (رضي الله عنه)، والحسين بن علي الشهيد - صاحب فخّ - (رضي الله عنه)... إلى العشرات من الثورات التي قام بها المصلحون.

فأخذُ الحسينعليه‌السلام أهله وأطفاله معه إلى أرض شهادته نصرةٌ للدين، وتأييدٌ لما خرج لأجله، وبعد ذلك كان ما أراد، وأُزيل ذلك الحكم الغاشم، وقُطعت تلك الشجرة الملعونة، وانقطع دابر الكافرين، وعاش المسلمون بعدهم بهناء وعزّ وسيادة وازدهار، وفاقت الأُمم كلّها قوّة وعلماً وثروة وتقدّماً، وذلك ما أراده الحسينعليه‌السلام بعد إرادة الله ورسوله.

٢٩

الفصل الخامس

المآتم الحسينيّة

إنّ ثورة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام حقّاً لعطاء سخي للأُمّة من جميع جوانبها؛ ففي عهدها الأوّل أفاضت على المسلمين خير الإصلاح والقوّة، وأبادت الظلم عنهم؛ فتمكّنوا من السير في الحياة آمنين، وصار الحكم يترقّب رضاهم، وارتقت ثقافتهم، وصناعتهم وثروتهم إلى ما يحيّر العقول. كلّ ذلك من بركات تلك الثورة المقدّسة.

وأمّا في العهود المتأخّرة، فخيرها أكثر، ودرّها أوفر، وذلك بـ (المآتم) التي كانت تُقام له وباسمهعليه‌السلام ؛ فبمآتمه تمكّن التشيّع أن يترقّى ويتقدّم حتّى فاقت الشيعة الأُمم كلّها ثقافة وعزماً، وقوّة وثباتاً وثروة. والمآتم الحسينيّة تعبير صادق عن شعور المسلمين في مبدئهم وقادتهم، وهي قوّة لهم على محق الظلم ونصرة الحقّ.

وحديث (المآتم الحسينيّة وفائدتها) ممّا ملّته الأسماع والألسن والأقلام؛ فما أكثر ما كتب أو قيل فيه، حتّى إنّ المستشرقين من فلاسفة الغرب تعرّضوا له في مؤلّفاتهم، وأفصحوا عن آرائهم المجيدة عنه وعن فائدته؛ وعلى هذا فليس مجال للتساؤل لكثرة الباحثين عنه، ومع ذلك فنحن نشير إلى مختصر البحث فنقول:

(المآتم الحسينيّة) أرض خصبة خلقها الله، ومهّدها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحرثها الحسينعليه‌السلام بسيفه وقوائم خيله، وزرع فيها بذور الإيمان والنضال، والعزم والقوّة، ورواها بدمه الطاهر ودماء أصحابه وأهل بيته الأنجبين، وأصلحها ذرّيّتهعليهم‌السلام من بعده؛ فارتفعت بأغصانها المتشعّبة، وأظلّت بأوراقها على الأُمّة بكلّ خير، وأثمرت للمسلمين

٣٠

أغنى ثروة ممّا حصدته الأجيال الموالية له، السائرة على نهجه وسيرته.

وللمآتم الحسينيّة منافع يسيح المسلمون فيها، وخير يغورون في فيضه، ونذكر المهمّ من فوائد تلك (المآتم) فيما يلي:

الأوّل: أنّها مدرسة قائمة مدى الدهر، تعلّم أبناءها كلّ علم وكلّ ثقافة؛ فهي توضيح لأحكام الشريعة والقوانين الإسلامية للأُمّة، وتبحث عن التأريخ بأهمّ أطواره وأبهى صوره، ويبحث فيها عن الجغرافية بأوسع مناهجها، وأضبط طرقها.

وفيها تحقيق عن الرجال - مسلمين وغيرهم - بأحسن الأُصول، وبيان للعقائد الكلامية بالأدلّة الرصينة؛ من توحيد، ونبوّة، وإمامة، وعدل، ومعاد.

وهكذا يدرس فيها كلّ ما ينشئ المجتمع، ويرقي الإنسان؛ فلهذا ترى الشيعي أكثر من أفراد كلّ أُمّة علماً وثقافة، وفراسة ومهارة.

وحبّذا ما يقوله الفيلسوف المستشرق (جوزف) الفرنسي في كتابه (الإسلام والمسلمون): (... ولو نظرنا اليوم في أقطار العالم نرى أنّ الأفراد التي هي أولى بالمعرفة والعلم، والصنعة والثورة، إنّما توجد بين الشيعة...).

أقول: وذلك ببركة هذه المدرسة المجيدة.

الثاني: أنّها مؤتمر ديني يجتمع فيه المسلمون، ويبحثون عن أحوالهم، ويتداركون مواقع الضعف، ويتبادلون الآراء في شؤونهم، فيتمكّنون من التآزر والاتّحاد ليسيروا على النهج القويم؛ وهذا ممّا لا يتمكّن عليه إلاّ بالجهد الكثير، والمال الوافر، والمشقّة العظيمة، ولكن هذه الأُمّة لمّا اعتادت عقد هذا المؤتمر

٣١

الذي وضع أساسه الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام يحصل في كلّ آن بدون أيّ مشقّة وعناء.

الثالث: أنّها تثبيت لعقائد الأُمّة، وردّ للشبه عن مبدئها، وهذا هو أسمى الغايات؛ فلذلك ترى العامي الشيعي قوي في عقيدته وإيمانه بأدلّة قاطعة وبراهين ساطعة، وهذا عطاء من الحسينعليه‌السلام إلى هذه الأُمّة.

الرابع: أنّها محكمة سلميّة قائمة بين الحقّ والباطل، وهي واسعة المجال للنقد والبحث في المسائل الدينيّة والسياسيّة والعلمية وغيرها من مختلف المسائل؛ وبذلك تتوسّع دائرة التفكير، وينبلج الحقّ لمريده، وتزداد المعرفة والثقافة، وبحضورها يتّضح الواقع لمَنْ انحاز عنه ولم يتمكّن من طلبه بالسؤال.

وهذا ممّا اختّصت به هذه الأُمّة بـ (المآتم الحسينيّة).

الخامس : أنّها بثّ للمبدأ ونشر للدعوة، وهو الذي قام الحسينعليه‌السلام لأجله وأُريق دمه في سبيله؛ فكم من ضالّ اهتدى بحضور هذه المآتم، وكم من مسيحي أو يهودي أو مجوسي استسلم فيها، وكم من منحرف استقام.

وهذا كلّه بتوضيح الواقع والمناقشة مع الباطل في تلك المحافل.

السادس : أنّها جهاد متواصل ضدّ الظلم في جميع الأزمان، وهذا شيء لا غبار عليه.

السابع: ذكر فضائل قادة الدين ورؤساء المسلمين ممّا

٣٢

يوجب ثبات العقيدة بهم، واتّباع آثارهم الحكيمة، وآرائهم الرصينة، والاقتداء بهم في أخلاقهم الإسلامية السامية؛ فإنّها هي التي توجب عزّ المسلمين، وتقدّمهم في جميع مجالات الحياة، وكذلك فضل الرجال الصلحاء، والعلماء والزهّاد، والحكّام العدول المؤمنين للاقتداء بهم في صفاتهم الحسنة ومآثرهم الحميدة.

الثامن: تأثّر النفوس بمصائب آل البيت ومظلوميتهم، وهو الذي يكون حافزاً للتفاني في سبيل الحقّ وإعلاء كلمته والتشبّث به، كما حدث - عياناً - في هدم كيان الظلم عندما انتشرت أخبار الحسين ومظلوميته ومصائبه إلى العالم، وتبيّن مدى ظلم بني أُميّة وقساوتهم تجّاه أهل البيتعليهم‌السلام .

وكثيراً ما سمعناه أنّ أفراداً لا يعتقدون بالإسلام، أو أشخاصاً من غير الشيعة استسلموا وتشيّعوا؛ لِما أثّر في قلوبهم من المصائب التي تحمّلها الحسينعليه‌السلام بصبر كبير، وفعلها يزيد بعنف كثير. تلك المصائب التي لا تتحمّل إلاّ في سبيل الحقّ وإعلاء كلمته.

هذه بعض تلك الفوائد الثمينة من المآتم الحسينيّة، وما لم نذكره ضعف ما تلوناه.

وفي الواقع لو إنّا أقمنا المآتم الحسينيّة بنظامها وقانونها لفقنا جميع الأُمم عدّة وعدداً، كما قال المستشرق (جوزف) في (الإسلام والمسلمون) أيضاً: (لا يمضي على هذه الفرقة زمان قليل إلاّ وتفوق سائر المسلمين من حيث العدد).

هذا إن سرنا على هذا النهج باعتقاد وعزم ثابتين.

وإلى هنا نطوي آخر الكلام، ولعلّنا أتينا على شيء في هذه

٣٣

الوجيزة حول نهضة الحسينعليه‌السلام .

ونسأل الله أن يوفّقنا وإيّاكم وجميع المسلمين لما فيه رضاه، إنّه خير موفّق ومعين.

كربلاء المقدّسة: 21/12/84هـ

محمّد الرضا الحسيني الجلالي

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على محمد وآله الطاهرين

٣٤

وجهُ الصباحِ عليّ ليلٌ مظلمُ

وربيعُ أيَّامي عليَّ محرمُ

والليل يشهدُ لي بأنّي ساهرٌ

إن طابَ للناسِ الرقادُ فهوَّموا

قلقاً تقلّبني الهمومُ بمضجعي

ويغورُ فكري في الزمانِ ويتهمُ

من قرحةٍ لو أنّها بيلملمٍ

نسفت جوانبهُ وساخَ يلملمُ

ما خلتُ إنّ الدَّهرَ من عاداتهِ

تُروى الكلابُ بهِ ويظمى الضيغمُ

ويقدمُ الأموي وهو مؤخرٌ

ويُؤخرُ العلوي وهو مقدَّمُ

مثلُ ابن فاطمةٍ يبيتُ مشرداً

ويزيدُ في لذاتهِ يتنعَّمُ

يرقى منابرَ أحمدٍ متأمّراً

في المسلمينَ وليسَ ينكرُ مُسلمُ

ويضيّقُ الدُنيا على ابنِ محمدٍ

حتى تقاذفهُ الفضاءُ الأعظَمُ

خَرَجَ الحسينُ من المدينةِ خائفاً

كخروجِ موسى خائفاً يتكتَّمُ

وقَد انجلى عن مكةَ وهو ابنها

وبهِ تشرَّفَتْ الحطيمُ وزمزمُ

لَمْ يدرِ أينَ يُريح بُدنَ رِكابِهِ

فكأنَّما المأوى عليهِ مُحرَّمُ

٣٥

من صبح اعلى السير عازم

لأهل الغدر واهل النمايم

آمر على اشبول الهواشم

اتشد المحامل عالنعايم

او صدّ العضيده ابگلب هايم

ناداه يا بحر المچارم

خل تطلع اوياك الفواطم

لفه الزينب العبّاس باسم

گاللها گومي الظعن والم

او عالسير اخويه اليوم جازم

نادته او دمع العين ساجم

ويّاك اگومن وانته غانم

لچن يخويه ابحالي عالم

ما أحمل مذلّه او لا هضايم

واشوف الگدر بالظعن حايم

ما ندري بالكوفة اشنوالم

لـمَّن سمع جرَّد الصارم

تخافين گلها وآنه سالم

صاحت يوالي الحرم دايم

طلعت او حفّتها الضياغم

عون او علي او جعفر او جاسم

واحسينها اعله الخيل جادم

واخوته اليحلّون اللوازم

جدّامها امنشره العمايم

وامجرّده البيض الصوارم

او عباس للهودج املازم

خايف تصد لخته الوادم

چا وين عنهم جان نايم

من صبحّن بالطف غنايم

ما بين ضاربهن او شاتم

ولسان حال زينب:

يبو فاضل يبدر التام يسراي

عگبكم ما دريتوا اشلون يسراي

خايف تصد لخته الوادم

وشاچف باليمين اسياط اميه

يا ناقتي لا تذغري من زجر

واسرِ بنا قبلٍ طلوع الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سَفرِ

آل رسولِ اللهِ آلِ الفخرِ

السادة البيضِ الوجوه والزهرِ

الضاربين بالسيوفِ البترِ

الطاعنين بالرماحِ السمرِ

يا مالك النفعِ معاً والضرِ

أيد حسيناً سيّدي بالنصرِ

على اللعينينِ سَليلي صخرِ

٣٦

الفهرس

مقدّمة2

تمهيد 4

الفصل الأوّل: أسباب خروج الإمام من المدينة إلى العراق 6

الفصل الثاني: نتائج تلك النهضة10

الفصل الثالث: الصلح مع يزيد 14

الفصل الرابع: لماذا أخرج أهل بيته عليهم‌السلام؟18

الفصل الخامس: المآتم الحسينيّة30

٣٧