لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)0%

لقد شيعني الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 411

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: إدريس الحسيني
تصنيف: الصفحات: 411
المشاهدات: 49912
تحميل: 4742

توضيحات:

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49912 / تحميل: 4742
الحجم الحجم الحجم
لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والنّظرية التاريخيّة المتوفّرة في كتاباتنا، تحتاج إلى عقليّة مسؤولة وجبّارة. مسؤولة حتّى لا تزيغ في منعرجات الأحداث وتقف بعيداً عن الحقيقة، وجبّارة؛ لأنّها تحتاج إلى آليات الحفر والتفكير التاريخي. ولكي نكسر أنياب النّظريّة التاريخيّة القائمة، نحتاج إلى معاول هدم علميّة.

لقد تحوّل التاريخ الإسلامي في اللاشعور الفكري إلى قطعة معصومة من التاريخ، علماً أنّ هذه النّظرة مستحيلة في منطق التاريخ ومنطق الدين نفسه.

والسّياسة التي استطاعت أنْ توظّف الثقافة القشريّة للدين؛ في سبيل التغطية الايديولوجية للأحداث التاريخيّة، ظلّت مكشوفة تاريخيّاً بحكم أنّ المؤرّخين لها لم يملكوا قدرة مطلقة على تجيير حقائق التاريخ كلّها لصالح السّياسات المتواترة في تاريخ السّلطة الإسلاميّة.

وكان لهذا التاريخ - المؤدلج بمفاهيم التيّار الاُموي - قدرة على التحكّم في مسار الفكر والثقافة الإسلاميّة أيضاً، وتوظيف الأرقام الكبرى والأسماء المرموقة في الدين الإسلامي، كان تكتيكاً اُمويّاً لستر التوجّه الهدّام للبلاط الاُموي، والذي يرى فيه بعض المؤرّخين، إنّه حكم وفق المنطق الاُموي البحت. هذا التّيار كان لا يجد بدّاً من أنْ يتصرّف في الجهاز الديني لأغراض خاصّة؛ وذلك انسجاماً مع الواقع الإسلامي يومها الذي كان الدين أحد مكوناته الاجتماعيّة والحضاريّة.

هذه بعض الخفايا التي يوصلنا إليها التاريخ، وبدونها لا نستطيع معرفة سوى ما يقدّم إلينا على طبق الأيديولوجيا.

إنّ طرح سؤال من قبيل: لماذا نبحث في التاريخ؟ هو عين التخلّف الفكري؛ لأنّه لم يعد يوجد من يشكّ في أهمّيّة التاريخ، ومن القرآن تعلّمت الاُمّة قيمة النّظر في التاريخ، وللتاريخ سننه وقوانينه التي تجري على كلّ البشر(1) .

____________________

(1) يقول السّيد محمد تقي المدرسي: إنّ فهم التاريخ ضرورة لفهم الشّريعة. التاريخ الإسلامي دروس وعبر / 13، دار الجيل - بيروت.

٢١

يقول تعالى:( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ) (1) . وإذا كان القرآن الكريم مصدراً لتعريف النّاس بماضي الاُمم، فمَن يا ترى يعرّفنا بتأريخ اُمّتنا نحن؟ أليس هو القرآن والتاريخ المحرّرين من كلّ قمع أيديولوجي وكلّ استبداد سياسي؟

____________________

(1) سورة طه / 99.

٢٢

لماذا الحديث عن الشّيعة والسّنة؟

الحديث عن الشّيعة والسّنة هو حديث عن الإسلام في محرقة التاريخ، فالذين لم يفهموا الشّيعة وأغلقوا نوافذ الجهل على أنفسهم وأجيالهم واكتفوا بمذاهبهم، لا يمكنهم إدراك قيمة الحسم الاعتقادي، وإنّ التغيّب والتجهيل المستمرين، هما اللذان يولّدان الفرقة، والوحدة لا يمكنها أنْ تأتي من دون فهم وإدراك للآخر.

إنّ المسلك المذهبي الذي سيطر على وعي الاُمّة، هو الذي سلبها قابلية التوحّد والتعايش، وهو مسلك نرفضه إطلاقاً، وكنت أظنّ أنّ الشّيعة هُم أيضاً يحجبون عامّتهم عن أفكار واعتقادات أهل السّنّة والجماعة، ولكنني وجدت عكس ما كنت أتصوّر.

وفي مكتبات الشّيعة وحوزاتهم كتب لأهل السّنّة والجماعة ومراجعهم وكتب استدلالاتهم، بل حتّى تلك الكتابات الدعائية السّخيفة والتشهيرية الوهابيّة في متناول أصغر طالب في حوزاتهم، ولكنني لم أعرف مؤسسة سنّية احتوت على كتاب من كتب الشّيعة، وهذا مسلك غير متكافئ في التعاطي مع المذاهب الاُخرى.

والصورة التي نقلها الشّيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء النّجفي في (أصل الشّيعة واُصولها) عن التشهيرات الغبيّة ضد الشّيعة ليست باطلة. فأنا السّنّي المنشأ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرّف بالشّيعة تعريفاً حقيقاً، وكلّ مذهب من

٢٣

مذاهب الدنيا نستطيع الإحاطة به في بيئتنا، سوى الشّيعة فإنّ حصار الوهابيّة عليهم أقوى من جدار برلين.

نعم، قد كنّا نعلم أنّ الشّيعة أصحاب طريقة غريبة عن كلّ البشر، وأنّ أشكالهم ربما لها أيضاً بعض الخصوصيات، وأن يكون تصوّر النّاس للشيعة على أنّهم أصحاب أذناب البقر، كما أشار آل كاشف الغطاء ليس مبالغة منه، وحال الاُمّة كذلك، لقد تعجّب الشّامي وهو يسمع إنّ عليّعليه‌السلام قُتل في المحراب، فقال: أو عليّ يصلي؟!

وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب: قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: أخبرني رجل من رؤساء التجار قال: كان معنا في السّفينة شيخ شرس الأخلاق طويل الاطراق، وكان إذا ذكر له الشّيعة، غضب وأربد وجهه وروى من حاجبيه، فقلت له يوماً: يرحمك الله، ما الذي تكرهه من الشّيعة، فإنّي رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟ قال: ما أكره منهم إلاّ هذه الشّين في أوّل اسمهم، فإنّي لم أجدها قط إلاّ في كلّ؛ شرّ وشؤم وشيطان وشعب وشقاء وشنار وشرر، وشين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشحّ.

قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعي بعدها قائمة.

هكذا كان يفهم أعداء الشّيعة الشّيعة؛ وذلك لأنّهم يجهلون حقيقتهم. وقديماً قال الإمام عليعليه‌السلام : «الإنسان عدو ما جهل».

وإذا كرّسنا واقع التجهيل والتغييب، فلربما - لا سمح الله - ورد من يرى في (السّين) السّنية: سوء، وسمّ، وسؤر، وسحاق، وسقم، وسخط، وسبّ، وسقط، وسخب، وسرقة، و... و.. وهذا التجهيل امتدّ اليوم ليأخذ أشكالاً مختلفة، كلّها تنظر إلى المسألة الشّيعية بمنظار أسود.

أقول: إنّ الحديث عن السّنّة والشّيعة ضرورة؛ لأنّ فيه تفويت للفرصة على تجّار الفرقة والطائفيّة؛ ليعرف بعضنا بعضاً بكلّ وضوح وجلاء.

لقد رأيت باُمّ عيني حركة التشهير والتجهيل التي تبعد النّاس عن الوعي

٢٤

الصحيح.

ومن المضحكات التي لم أكن أعهدها على علماء الأديان السّماوية، أنْ يقوم (تقي الدين الهلالي) في آخر أيّامه بإعادة توزيع منشوره القديم (مناظرة...)، وأعطاه للاُمّيين الذين يحيطون به كحواريي المسيحعليه‌السلام ، لقد جاء لي البعض بهذا المنشور السّاذج وهم يتوخّون هدايتي، كانوا يتصوّرون بأنّني مفتون أو قد حلّ بي جنون، وما أنْ اطّلعت عليه حتّى مزّقت حجب الصمت، ورحت أفضح حقائق الكاتب والكتاب.

كان أحد من الشّيوخ ممّن تخرّج على يد (تقي الدين الهلالي)، وربما يروى عنه الحديث، سألته عن مصلحة الإسلام وراء نشر مثل هذه المنشورات، فأجاب: إنّها خدمة الإسلام. قُلت له: شيخنا، ألا ترى إنّ هذا منكر؟ قال: أعوذ بالله، اتقِ الله، إنّه تقي الدين الهلالي وما أدراك!

كنت أعلم أنّ هذا الشّيخ أكثر اُميّة من جدّتي، ولكنني حاولت إقناعه بأنْ يجد له صناعة اُخرى غير الفتنة. نعم، إنّ تقي الهلالي جاء فتّاناً ولم يأتِ ليوحّد الصفوف، وهو أكبر مروّج للوهابيّة في المغرب، وكان واجهة سعوديّة في البلد، ومَن انحاز إلى صفّه من الشّباب، أعطاه تزكية وبعثه إلى جِدّة.

في يوم من الأيّام قُبيل موته رحت أزوره، وكان قد خرج من المستشفى للتو، وكان في مرضه الأخير، وبينما أنا واقف قدّام الباب، إذا بصديق لي يخرج من البيت وبدت على وجهه حمرة، ولمّا سألته عن السبب، قال لي: لقد ندمت على هذه الزيارة، إنّ الشيخ لا يزال مستمراً في تكفيره للعلماء المسلمين، لقد كفّر مجموعة علماء وخطباء، وكان من بين اُولئك الذين أصابتهم شرارة التكفير الشّيخ عبد الحميد كشك؛ لأنّه يكثر من مناداة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطاباته، والرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ميّت، وهذا شرك صريح(1) .

____________________

(1) أعتقد أنّ الفهم الوهابي التوحيد، ليس إلاّ قصوراً نجدياً بدوياً، وبهذا التصور جعلوا من الإسلام ديناً راكداً جامداً لا يتعدى المسواك والمسك، واللحي والتقصير و...

٢٥

وفي نفس المناسبة قام بتوزيع منشوراته الفتّانة.

كان الحوار والمناظرة التي أجراها الشيخ تقي الدين الهلالي مع بعض خطباء الشّيعة من نوع خاص، وإنّني لم أعرف مَن هؤلاء الشّيعة الذين ناظرهم، ولم أكن أدري ما السّبب الذي جعل تقي الدين الهلالي يستنكف عن مناظرة رجال الشّيعة الكبار، مثل؛ السّيد الحكيم والسّيد الخوئي والسّيد الصدر والسّيد محمد الشّيرازي، وعشرات العلماء والمراجع المعاصرين له في العراق ولبنان وقم... وعجبت كيف راح يبحث في القرى عن الأميين، وهؤلاء موجودون طوع البنان.

وكيف لا يستحيي من الله ولا من التاريخ أنْ يقول: إنّهم من كبار علماء الشّيعة في زمن المراجع الكبار، أليس هذا هو التجهيل؟ إنّهم يكتبون للاُميّين والمغفّلين؛ لذلك تراهم لا يتورّعون عن التلفيق.

لقد أهدوني هذه المناظرة بين عالم يخدم آل سعود، وشيعيَّين مجهولين لا يعرفهما أحد، وأهديتهم كتاب المراجعات الأضخم حجماً والأضبط مضموناً، وهو حوار موضوعي متكافئ وهادئ بين عالمين معروفين للجميع، الأوّل شيعي عاملي خرّيج النّجف الأشرف، والآخر شيخ للأزهر. وشتّان شتّان(*) ؛ لهذا كان الحديث عن الشّيعة والسّنة ضرورة تقتضيها الفتنة والجهل.

لقد انجلت تلك الصورة التي ورثتها عن الشّيعة، وحلّ محلّها المفهوم الموضوعي الذي يتأسس على العمق العلمي المتوفّر في الكتابات التاريخيّة. والذين لم يتحرروا من أصدقائي من هذه النّظرة، هم اُولئك الذين اكتفوا بالموروث، وسحقاً للموروث. بل وإنّهم اليوم لهاربون من السّؤال ويتجاهلون الموضوع حتّى لا يتحملوا مسؤولية البحث ونتائجه.

____________________

(*) الأوّل هو السّيد شرف الدين الموسوي العاملي، والثاني هو الشّيخ سليم البشري.

٢٦

ويجب أنْ يجرى الحديث البنّاء حول هذه المسألة لأسباب اُخرى لا تُحصى.

فبعد أحداث مكّة المكرّمة التي راح ضحيتها مسلمون كثر، اهتزّ الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي، وتحوّل إلى موجة موحّدة ذات إيقاع واحد، موضوعها الرئيسي الشّيعة والتشيع، ويومها كانت (الجدبة) في المغرب غير بسيطة.

قام المستر مصطفى العلوي بحملة مسعورة ومدفوعة الثمن أيضاً، واتّهم الشّيعة فيها بألوان من التهم التقليدية، لم أجد لها مصدقات في واقع التراث الشّيعي، وكنت على علم راسخ بأنّ مصطفى العلوي هذا لم يمسك كتاباً واحداً من اُمّهات الكتب الشّيعية، ولم تمض السّنوات حتّى يعلن العلوي المدغري - وزير الأوقاف في الدروس الرمضانية - عن الحقيقة، ويكذّب مَن اتهموا الشّيعة بذلك، وخسئ مصطفى العلوي.

وفي هذه الأثناء جاء فخامة أبو بكر الجزائري زائراً للمغرب، يحمل في حقيبته أوراقاً وهابيّة جديدة، كان كما بدا لنا مبعوثاً رسمياً من جهة هو ساكنها. وتواجد في تلك الأثناء في أحد بيوت الأصدقاء، وكانت كلمته تتمة لما سبق من (هرج ومرج) حول (الشّيعة والتشيّع)، ومحاولاً رسم صورة كاذبة وتشهيرية ضد الشّيعة، مستغلاً بذلك جهل النّاس بحقيقة التاريخ، ولكنّه ضلّ الطريق هذه المرّة، فقام أحد الأصدقاء وقال له: عفواً، هلا حدّثتنا عن (الماسونية) ونشاطها في العالم الإسلامي(1) ؟

لهذا التجهيل ولهذا التشهير كان (الحديث عن الشّيعة والسّنة) ضرورة لتفويت الفرصة على الصيّادين في الماء العكرة؛ وبذلك يمكننا أنْ نمنح التقاعد لمثل تلك الشخصيات التي دأبت على طلب الرزق، بوظيفة التفريق والتشتيت.

____________________

(1) وكان هذا الشّاب للأسف من أهل السّنّة والجماعة مما أحرج أبا بكر الجزائري.

٢٧

٢٨

مدخل:

مَن هُم الشّيعة، ومَن هُم السنّة؟

إنّ التسمية التي اُطلقت على الفريقين ليست وافيّة للحقيقة، وهي أسماء سمّوها من عند أنفسهم، نزّاعة للتشويه والتضليل أكثر من حرصها على الموضوعية. واستخدام الاسمين في الأبعاد التضليليّة كان من دأب التيّار الاُموي.

فالنقطة الحسّاسة التي توحي بها المفارقة بين الاسمين، هو أنّ (سنّة) الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لها شمتها في عنوان (السنّة والجماعة)، في الوقت الذي لا رائحة لها في عنوان (مذهب الشّيعة)، هذا يعني إنّ مذهب الشّيعة يقف مقابلاً لمذهب (السنّة والجماعة)، بما هي الممثّل الوحيد لسنّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا التشويه والتضليل قد أوتي اُكله على امتداد الأيّام التي أردفت عصور المحنة، فلقد أصبح (الشّيعة) يفتقدون للمسوّغات النّفسيّة والإعلامية في ذهن الجمهور.

والسّؤال الصميمي هنا: مَن هُم الشّيعة، ومَن هُم السّنّة؟

السنّة في اللغة تعني: الطريقة والمنهاج. وسنّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله معناها: طريقته. وفي لسان العرب لابن منظور، السّنّة والتسنن تعني: الطريقة المحمودة المستقيمة؛ ولذلك قيل: فلان من أهل السّنّة، بمعنى: إنّه من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السّنن، وهو الطريقة. ويقال للخط الأسود

٢٩

على متن الحمار سنة.

وهي اصطلاحاً تعني: كلّ ما صدر عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من قول وفعل وتقرير. ويسمّي السّنّة مذهبهم (أهل السّنّة والجماعة)، ويقصدون بذلك: أنّهم أصحاب الطريقة المحمودة(1) ، وأتباع الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والجماعة - وغيرهم لا يسلك طريق النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - وهي الجماعة التي قال عنها الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يد اللهِ مع الجماعة».

الشّيعة:

والشّيعة لغة هم: الأتباع والأنصار. وفي لسان العرب: هم القوم الذين يجتمعون على الأمر، وكلّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكلّ قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع. وفي القرآن الكريم:( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (1) . وشايع تأتي بمعنى: والاه، من التولي.

يقول الكميت:

وما لي إلاّ آل أحمدَ شيعةً

وما لي إلاّ مذهب الحقِّ مذهبُ

و(الشّيعة) اصطلاحاً يراد بهم: أتباع وأنصار آل البيتعليهم‌السلام ، وهم الذين ناصروهم في كلّ محنهم، وسلكوا سبيلهم ووالوهم.

يقول ابن خلدون(2) : اعلم أنّ الشّيعة لغة هم: الصحب والأتباع، ويطلق في عرف الفقهاء والمتكلّمين من الخلف والسّلف على أتباع عليّ وبنيه (رضي الله عنهم)

____________________

(1) هذا المعنى في الواقع جديد على هذا العنوان؛ لأنّه تاريخياً كان له هدف معيّن ومعنى آخر، كما سنوضح.

(2) سورة الصّافات / 83.

(3) تاريخ ابن خلدون - الفصل السّابع والعشرون: في مذهب الشّيعة في حكم الإمامة / 348.

٣٠

والشّيعة حسب تعريف علمائهم، هم الذين يسلكون سنّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مأخوذة من عترته الطاهرة.

بيد أنّ الملابسات السّياسية والإيديولوجية التي رافقت حركت الفرقتين، أضفت على القضية مجموعة من الشّبهات لا تُحصى ولا تُعد، وبالتالي يكون من الضروري التعرّض إلى المصطلحين بشكل أعمق، يستمدّ مرتكزاته من عمق التاريخ الإسلامي ذاته؛ وذلك لأنّ أعداء الشّيعة طالما تحاملوا على الشّيعة، ملتمسين كلّ سلبية غريبة وإلصاقها بهم، وفي ذلك يقول طه حسين(1) : وما أكثر ما شنّع خصوم الشّيعة على الشّيعة.

____________________

(1) إسلاميات - طه حسين.

٣١

٣٢

ثمّ ماذا؟

إنّني ما زلت أتتبع تاريخ المذاهب الإسلاميّة، حتّى انتهيت إلى أنّ مذهب آل البيتعليهم‌السلام هو أوّل مذهب في الإسلام، وهذا لا يعني إنّهم انفردوا عن غيرهم بطريقة ابتدعوها، ولكنّهم احتفظوا بموقعهم الأصيل الذي عرفوا به، هذا في الوقت الذي شردت فيه جميع الملل والنّحل وتفرّقت؛ تبتغي الحقّ عند غير أهله.

يقول السّيد محسن الأمين في الأعيان(1) : فما يظهر من فهرست ابن النّديم من أنّ تسمية أتباع عليّعليه‌السلام باسم الشّيعة كان ابتداؤه من يوم الجمل، ليس بصواب، بل تسميتهم بذلك من زمن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال ابن النّديم في الفهرست ما لفظه: ذكر السّبب في تسمية الشّيعة بهذا الاسم. قال محمد بن إسحاق، لمّا خالف طلحة والزبير على عليّ وأبيا إلاّ الطلب بدم عثمان بن عفان، وقصدهما عليّعليه‌السلام ليقاتلهما حتّى يفيئا إلى أمر الله جلّ اسمه، فسمّى من اتبعه على ذلك الشّيعة، فكان يقول: «شيعتي».

فالتشيّع ليس بدعة في تاريخ الإسلام، ولطالما حاول البعض إلصاقه بالعهود المتأخّرة، بل لقد بلغت القسوة ببعضهم فربطه (بالفرس). وكان لهذه الدعايات أثر عليّ في البداية، مع أنّني لم أستسلم لها بسهولة، فلم

____________________

(1) أعيان الشّيعة، السّيد محسن الأمين 1 / 19.

٣٣

أكن سلساً لتقبّل كلّ فكرة بدون اختبار، واستقرّت قناعتي في النّهاية بعد أنْ تأكدت من تلك الحبكات الخرافية.

ففي (فجر الإسلام) لأحمد أمين - وهو من أكبر المناصبين للشيعة - يقول: كانت البذرة الأولى للشيعة، الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أهل بيته أولى النّاس أنْ يخلفوه(1) . وفي دحض فكرة فارسية التشيّع، قال: والذي أرى - كما يدلّنا التاريخ - إنّ التشيّع لعليّ بدأ قبل دخول الفُرس في الإسلام، ولكن بمعنى ساذج، وهو أنّ عليّاً أولى من غيره من وجهتين، كفايته الشّخصية وقرابته للنبي(2) .

فالذين لا يعلمون من إخواننا السّنّة يجب أنْ يدركوا - كما أدركت منذ فتحت قلبي للحقيقة - أنّ أغلب علمائهم من (فارس).

إنّني ما زلت أقتفي آثار علماء السّنّة الكبار في البلاغة والنّحو والفقه والحديث والتصوّف...، فأجد الأغلبية الغالبة منهم فرساً، ومنهم: البخاري والترمذي والنّسائي وابن ماجة القزويني والإمام الرازي، والقاضي البيضاوي وأبو زرعه الرازي والفيروز آبادي (صاحب القاموس المحيط)، والزمخشري والإمام فخر الدين الرازي والكازروني وأبو القاسم البلخي، والقفال المروزي والتفتازاني والراغب الأصفهاني والبيهقي والتبريزي الخطيب، والجرجاني وأبو حامد الغزالي... وغيرهم ممّا يعجز عن عدّهم اللسان ويضيق عنهم المقام.

فأعلام السنّة والجماعة الفطاحل وعلماؤهم النّحارير ومحدثوهم النّقاريس، كانوا من بلاد فارس. والتشيّع اُدخل إلى فارس من بلاد العرب، وساهم في نشر التشيّع في بلاد فارس، علماء من العراق وجبل عامل والإحساء والمدينة المنورة.

____________________

(1) فجر الإسلام - أحمد أمين / 366.

(2) نفس المصدر / 277.

٣٤

ليست التسمية إذاً هي موضوع الإشكال، وإنّما الواقع الفعلي للمذهبين هو موضوع النّقاش، إذ إنّنا ونحن ننظر في سنّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله القولية والفعلية والتقريرية، سوف نتبيّن أي الفريقين أقرب إليها.

إنّ الشّيعة لم يكونوا يوماً مبتدعة، بل إنّ مذهبهم قائم في الأساس على (النّص)، وإذا أتيت، إنّ الإسلام الحقيقي بعد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تمثّل في عليّعليه‌السلام ، فإنّ التشيّع لعليّعليه‌السلام هو التعبير المرحلي عن التشيّع لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالثّبات على تعاليمه وتوصياته في حقّ عليّعليه‌السلام والذي هو الإسلام.

فاسم (السّنّة) أتى كاستراق للفرصة لمحاصرة (الشّيعة) اصطلاحيّاً؛ لأنّ التيّار السّائد يومها لم يكن له من الحجّة سوى اللعب على وتر المفاهيم القشريّة، وكان اليوم الذي تحوّلت فيه الخلافة إلى ملك عضوض، هو عام الجماعة، ومنها جاء (السّنّة والجماعة).

كان همّي أنْ أبحث عن الإسلام الحقّ، فأنا لم أكن أبحث عن التمذهب، وما إنْ دخلت في لجج التاريخ حتّى تبيّن لي أنّ الباحث عن اللمذهبيّة كالباحث عن السّراب.

إنّ الإسلام تفرّق أهله إلى فرق لا تُحصى، وما بقي من إسلام حقّ أبدا للمتمذهبين مذهباً، فأيّ المذاهب إذاً تمثّل الإسلام الصحيح، أو حتّى ما يقارب 95 في المئة من الإسلام الصحيح؟ ومَن يضمن لي يومهاً إنّ هذه الفرقة أو تلك هي الأقرب إلى (الحقيقة)، وأنا في خضم المعترك أبحث عن خشبة نجاة، ولكنّني لم أشكّ في القرآن الكريم. ففيه عثرت على مقوّمات البحث عن الحقيقة، تعلّمت أنّ من شروط البحث عن الحقيقة، عدم الاستماع إلى القول الواحد وإلى الفرقة الواحدة، ولكن:( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (1) . كما رأيت إنّ الله يمدح القلّة ويذّم الكثرة حسب معايير الحقّ والباطل، حيث يقول:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (2) . كما يقول ذامّاً الكثرة الجاهلة:( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) (3) .

إنّ قلبي بدأ ينفتح شيئاً فشيئاً على التاريخ والشّيعة، الآن أصبحوا جزءاً من الإسلام، وهذا ما توصّلت إليه حتّى تلك اللحظات. لقد كان

____________________

(1) سورة الزمر / 18.

(2) سورة سبأ / 13.

(3) سورة العنكبوت / 63.

٣٥

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أوّل مَن تكلّم في الشّيعة ووصفهم للصحابة، وأوّل من ربط التشيّع بالإمام عليّعليه‌السلام ؛ وهو يريد بذلك إثارة المستقبل في ذهن الصحابة، ويلفت المسلمين إلى قيمة عليّعليه‌السلام في الآن وفي المستقبل؛ ليكونوا في أجوائه حين يقع ما يقع، وإلا ماذا يعني أنْ يقول: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ».

أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل عليّعليه‌السلام ، فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة». ونزلت:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (1)(2) .

وأخرج ابن مردويه عن عليّعليه‌السلام ، قال: «قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألم تسمع قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ؟ هُم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الاُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين»(3) .

وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة - وهو من أكبر النّاقمين على الشّيعة - عن ابن عباس، أنّه قال: لمّا أنزل الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) . قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «هُم أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين». قالعليه‌السلام : «من عدوي؟». قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن تبرأ منك ولعنك».

وروى الحمويني الشّافعي في فرائد السّمطين: إنّ الآية الكريمة:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) . نزلت في عليّعليه‌السلام ، فكان أصحاب مُحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أقبل عليّعليه‌السلام قالوا: قد جاء خير البرية.

وروى ابن المغازلي المالكي في مناقبه عن ابن عباس، قال: سألت رسول

____________________

(1) سورة البينة / 7.

(2) الدر المنثور للسّيوطي.

(3) نفس المصدر السّابق.

٣٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله تعالى:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) . فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قال لي جبريل: ذلك عليّ وشيعته هُم السّابقون إلى الجنّة، المقرّبون من الله لكرامته».

ولمّا كانت الأحاديث التي ربطت الآية بعليّعليه‌السلام وشيعته، وبعد أنْ تواترت واستعصى تكذيبها، لمّا كان رواتها من فطاحل أهل السّنّة والجماعة، حاول ابن حجر - في صواعقه المحرقة - أنْ يفلسفها ويخنقها بترهاته المعهودة قائلاً عن عليعليه‌السلام ، فقال، قالعليه‌السلام : «إنّ خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا عليّ، إنّك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاباً مقمعين». ثمّ جمع عليّ يديه إلى عنقه يريهم الإقحام. قال ابن حجر: وشيعته هُم أهل السّنّة، ولا تتوّهم الرافضة والشّيعة قبّحهم الله.

ولا أحد يشكّ في هذا التهافت الباطل؛ إذ كيف يستقيم كلام هذا المخرف، وهل يظنّ أنّه يكتب للأرانب؟! إذا كان شيعة عليّعليه‌السلام هُم أهل السّنّة، فأعداؤه مَن؟ هل هُم شيعته الذين قاتلوا إلى جنبه الطاغوت الاُموي؟ ونحن إلى الآن لن نجد تراث بني اُميّة سوى عند أهل السّنّة، ولم نجده عند الشّيعة قط.

ومن المؤسف بالنّسبة لي أنْ بدأت أخسر بعض أصدقائي المقرّبين الذين ما ألفنا منهم سوى العمق في الدراسة والتحليل، إنّه عزيز عليّ أنْ أرى صاحب (التاريخ الإسلامي) محمود شاكر، يقول: بل لم تكن كلمة الشّيعة تحمل أكثر من معنى التأييد والمناصرة، ولكنّها غدت مع الزمن فكراً خاصّاً وعقيدة خاصّة، ونُسب إلى الأوائل أقوال لم يقولوها وأخبار لم يعرفوها، وأفكار لم تخطر على بالهم أبداً(2) .

وكان على اُستاذنا الجليل أنْ يبحث أكثر من ذلك، فمع أنّه لم ينكر إنْ

____________________

(1) سورة الواقعة / 11.

(2) محمود شاكر - التاريخ الإسلامي - الخلفاء الراشدون والعهد الاُموي - الطبعة الرابعة / 1405هـ - 1985م - المكتب الإسلامي.

٣٧

(كلمة) الشّيعة كانت في البداية، إلاّ أنّه لم يحفر في الخلفيات التاريخيّة التي أظهرت التشيّع كحالة مذهبيّة انفردت بأفكار وعقائد خاصّة؛ فاستاذنا لم يحدّثنا عن الآخرين، وهل ثبتت أفكارهم وعقائدهم؟

لقد ابتعد المسلمون عن الأفكار والعقائد في صفائها الإسلامي الأوّل، حتّى بدت لهم عقائد أهل البيتعليهم‌السلام وكأنّها هي المتحرّكة؛ فهم أشبه بمن يعتقد بحركة الجبال والأشجار من رواء نافذة القطار. ثمّ هل خصوصية هذه الأفكار والعقائد دليل على أخطائها؟

كنت متأكّداً من أنّ هؤلاء يجتهدون في دائرة أخطائهم، ويتألّقون في فلسفة الباطل؛ فالشّيعة لغة واصطلاحاً، هُم اُولئك الذين تمحوروا حول الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده على آل البيتعليهم‌السلام ؛ استجابة للنصوص الواردة.

٣٨

الفصل الأوّل:

كيف كان تصوري للتاريخ الإسلامي؟

٣٩

٤٠