لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)0%

لقد شيعني الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 411

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: إدريس الحسيني
تصنيف: الصفحات: 411
المشاهدات: 49885
تحميل: 4742

توضيحات:

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49885 / تحميل: 4742
الحجم الحجم الحجم
لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

لقد شيعني الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) (1) . ولم يشترط السّنّة العصمة في الإمام، بل وجوزوا إمامة الفاسقين وأوجبوا الطاعة مع الفسق.

يقول الباقلاني في التمهيد: قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار، وتناول النّفوس المحرّمة، وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه. ولا يشترط السّنّة الأفضلية في الإمام، فقالوا بجواز تقديم المفضول على الأفضل.

والواقع هو أنّ المفهوم الذي فبركه أهل السّنّة عن الخلافة، إنّما كان استقراء لوضع فاسد، هو السّقيفة، فمن الأمر الواقع الذي جرى فيها، استقرأوا مفهوم الشّورى وعدم النّصّ... ومن الفساد والفسق الذي أحصاه التاريخ على بعض الخلفاء، أن ارتأى الابقاء على الخليفة الفاسق، وأيّ عاقل يملك وجداناً سليماً ووعياً بالدين عميقاً، يمكنه هضم هذه المحددات التي وضعها السّنّة للخلافة.

مبعث الإمام عند الشّيعة:

لمّا كانت الإمامة ضرورة لتنظيم حياة المُسلمين وفق أحكام الله؛ حيث بها يستقيم أمر المسلمين دُنيا وآخرة، عدّها الشّيعة أصلاً من اُصول الدين، وعليه فإنّها تعتبر من الاُمور التوقيفية التي يحددها البارئ جلّ وعلا، تماماً مثلما النّبوة أمراً توقيفي منوط باختيار الله عزّ وجل؛ لأنّها تشكّل ضرورة لهداية النّاس، وما دامت الإمامة هي الامتداد الشّرعي للنّبوة، فإنّها تبقى خارج دائرة الشّؤون التي يبتّ فيها النّاس.

والإمامة ليست شأناً من شؤون الدُّنيا فقط، بل شأن من شؤون الآخرة أيضاً، وعليه فإنّ الإمامة تخضع لمجموعة شروط تنسجم مع هذا الشأن، وحيث إنّ الشّأن الأخروي يتطلب الصفات الفاضلة والعليا، فإنّ البشر عاجزون عن اكتشاف الأجدر في هذا الشّأن، أو قد تحول دونهم وذلك عوامل اُخرى نفسية وسياسيّة، كما جرى في التاريخ الإسلامي، ولو كان الأجدر في هذا

____________________

(1) سورة الشّورى / 38.

٣٦١

الشّأن يدرك مباشرة، لخوّل الله للبشر اختيار الرّسل والأنبياء، والقرآن قد تحدّث عن طبيعة المقاييس التي كان يملكها المشركون في اختيار جدارة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانوا يرون مشيه في الأسواق وأكله الطعام ينافي النّبوة، كما رأوا في فقره ويتمه ما ينافي مقام الرّسالة، وقالوا لولا ورد علينا رجل من القريتين عظيم، ولو أنزل الله علينا ملكاً و... و...

وبسبب قصور المقاييس وضبابية المنظار الذي كان ينظر منه الإنسان إلى النّبوّة، كان من الطبيعي أن يستأثر الله باختيار أنبيائه، ونفس الشيء لمّا رأى بنو إسرائيل في اختيار الله للملك طالوت ما لا ينسجم مع مقاييسهم لمفهوم الملك، فقالوا:( أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ) (1) .

وهناك أسباب كثيرة عقلية وشرعية، تجعل من هذا الاختيار أمراً مستحيلاً:

1 - إنّ الدين شأن من شؤون الله، وإنّ الأجدر ديناً لا يمكن أن يكتشفه مَن هو دونه؛ ولذلك يلزم أن يختاره الله.

2 - إنّ النّاس قد يرفضون الإمام لعدله وتقواه إذا أدركوا عدم ركونه إلى أهدافهم، وقد يختارون مَن يرون فيه ليناً وانكساراً، وقد يميلون مع مَن يكسرهم إليه بالقوّة، وتاريخ الخلافة - كما سبق ذكره - كان دليلاً قاطعاً على ذلك.

3 - إنّ رسالة الرّسول - كما تركها - لا يمكنها حلّ مشكلات النّاس في كلّ الأزمنة والعصور، وهي تحتاج إلى مَن يستخرج منها الأحكام، ويوفّر لكلّ مشكلة حلاًّ فقهياً حاسماً؛ ولذلك يلزم أن يعيّن الله مَن هو أجدر بهذه المهمّة؛ حتّى لا تبقى على الله حجّة للذين لم يعايشوا الرّسل.

والمستوعب للأحكام الفقهية اليوم، يدرك أنّها تكاد تخلو من الحسم، وليس من العقل أن يترك الله دينه لرأي من يختارهم النّاس على قصورهم، ولعل كلّ هذه التناقضات دليلاً على الفراغ الذي تركته الإمامة في حياة المسلمين.

وحيث إنّ الإمام هو لطف من الله، يوجّه النّاس إلى طريق الطاعات وينهاهم عن سلوك المعاصي، ويقضي للمظلوم وينتصر من الظالم، ويقيم الحدود والفرائض، ويصدر الأحكام في المفسدين، فلو جاز أن يعصي، لكان هو

____________________

(1) سورة البقرة / 247.

٣٦٢

بالأحرى في حاجة إلى إمام يرشده ويوجهه إلى الطاعة، ويقيم عليه الحدّ في الاُمور التي قد يعصي فيها، وذلك كلّه على خلاف أهل السّنّة الذين لا يرون مانعاً من تجويز إمامة الفاسق، كما تقدم.

وإذا كان من لطفه أن بعث للناس نبيّاً معصوماً عن الصغائر والكبائر لا ينطق عن الهوى، يعلّمهم الكتاب والحكمة، ويقضي بينهم، ويحملهم على الطاعات، كان إذاً من لطفه أيضاً أن يترك للنّاس إماماً معصوماً لا يخطأ في الأحكام ولا تجوز عليه المعاصي.

وإذا لم يكن الإمام معصوماً، جاز له أن يضلّ الاُمة في لحظة جهله وعصيانه، وكان أبو بكر يقول فيما اشتهر عنه: إنّ لي شيطاناً يعتريني. فإذا احتاجت الاُمّة إليه في اللحظة التي يعتريه فيها الشّيطان، فمن المؤكّد أن يضلّها، ولم يبق الإمام عندئذ حجّة لله على العباد، ولكان هو في تلك اللحظة في حاجة إلى من يحمله على الطاعة، أي إلى إمام آخر، وإذا جاز لهذا الأخير أن يخطأ أيضاً، احتاج إلى إمام آخر، ويبقى هذا التسلل سارياً إلى لا نهاية، وهذا يناقض اللطف؛ لأنّ في التسلسل تكراراً لنفس الثغرة، وهي جواز المعصية على الإمام، وهذا يأباه البناء العقلائي.

والعصمة هي: أن يرتفع الإمام عن الدُّنيا والامتناع عن إتيان كلّ القبائح عمداً وسهواً وعلى طول حياته؛ لأنّه لو جاز عليه أن يعصي الله في الصغيرة، كيف يمتنع عن إتيان الكبيرة؟ وإذا كان يجهل صغيرة في الشّريعة، فكيف يتسنّى له الحكم في القضية التي تعرض عليه؟ وإذاً جاز عليه القصور في الأحكام والجهل ببعضها، علماً أنّ الموضوعات والمسائل لا تتحدّد بالعدد ولا بالمكان والزمان، لم يكن بينه والجاهل الذي يعرض عليه المسألة فرق في إدراك تلك المسألة، فتنتفي الحجّة. وقد أورد لنا التاريخ نماذج من المسائل التي عجز الخلفاء عن حلّها واعترفوا بعجزهم، أو قالوا فيها بغير علم وخالفوا الشّريعة.

وحيث إنّ الإمام هو أعلى مستوى في الاُمّة من حيث المهمّة الشّرعية، كان ضرورياً أن يكون هو الأفضل على كلّ المستويات، خلافاً للسنّة الذين رأوا جواز

٣٦٣

إمامة الفاسق مع وجود الفاضل، وهو تجويز لا سند له من الشّرع والعقل، بقدر ما هو تبرير الحالة الاستخلافية التي شهدها التاريخ الإسلامي، فهي فكرة مستوحاة من واقع لا أساس له من النّصّ، غير أنّ ضرورة إمامة الأفضل تبقى هي النّظرية الموضوعية المنسجمة مع العقل والشّرع، فالعقل يستقبح انقياد الأعلم لمن هو دونه والأشرف إلى مَن هو دونه ودواليك، والشّرع ينهى في غير موقع عن هذه الفكرة:( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (1) . وقال:( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2) .

وإذا نظرنا في نظرية الإمامة عند الشّيعة، وجدناها ترتكز على هذه الاُسس الثلاث:

1 - الإمامة نصّ.

2 - عصمة الإمام.

3 - الأفضلية.

وما دام الشّيعة يرون الإمامة لأهل البيت، كان من الضروري البحث في الانسجام بين هذه الاُسس الثلاثة للإمامة، وواقع الأئمّة من آل البيتعليهم‌السلام ، وما هو الدليل العقلي والنّقلي على إمامتهم؟

1 - النّصّ على الإمامة:

يرى الشّيعة أنّ الإمامة تعيّنت بالنّصّ أسواء من الله تعالى أم من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهم إضافة إلى الأدلّة العقلية أدلّة نقلية قويّة بهذا الخصوص. واُريد أن أشير في هذه الفقرة إلى لفتة تكاد تتجاوزها الكتابات التاريخيّة والعقائدية، وهي أنّ الأساس الذي ركن إليه عمر في بيعة أبي بكر هو النّصّ

____________________

(1) سورة الزمر / 9.

(2) سورة يونس / 35.

٣٦٤

والقرابة.

وقد سبق أن أوردنا تفاصيل السّقيفة والمنطق الذي سيطر على المواقف والاختيارات فيها، وقال عمر: إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مروا أبا بكر فليصل بالنّاس. واستقرأ من خلال ذلك وجوب إمامته، غير أنّ في اجتهاد عمر بن الخطّاب بعض الملاحظات التي تثير الاهتمام.

1 - استند عمر على القياس، وهو قياس ناقص؛ لأنّه لا يبيّن العلّة من وراء الموضوع، فهو بناء على الظنّ، والظنّ لا يغني عن الحقّ شيئاً.

2 - طرح عمر إمامة أبي بكر على أساس أنّها نصّ، مع العلم أنّ عمر أبى على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكتب كتابه في أيّام وفاته، واكتفى بالقرآن، فلو كان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر - أستغفر الله - فرضاً، فأولى أن نأخذ بهجرانه حتّى في تأمير أبي بكر للصلاة بالنّاس، علماً أنّ إمامة الصلاة ليست مهمّة أقرب إلى الله من مهمّة تولّي غسل الرّسول والصلاة على جنازته، كما فعل الإمام عليّعليه‌السلام ، وعلماً - أيضاً - أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف في الصلاة في البلدان من ليسوا بالأفضلين، هذا إذا أضفنا أنّ في رواية أمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصلاة اضطراب وفساد في المتن والسّند.

3 - عندما استند عمر بن الخطّاب على فكرة القرابة، كان يستغلّ وضعاً ليس له، وأوقع نفسه في تناقض كبير، ذلك، أنّ قرابة المهاجرين من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يلزم أن يتساوى فيها كلّ المهاجرين، فكيف يكون استدلال عمر بن الخطّاب بالقرابة والهجرة على المهاجرين الأول، مثل عمّار، وأبي ذر و... الذين عارضوا خلافته؟! ثمّ لماذا لا يتنازل - وفق هذا المنطق - عن الخلافة لعليّ بن أبي طالب، وهو جمع بين السّابقية والقرابة؟ فهو سيّد المهاجرين، وأقرب النّاس إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل مَن أسلم؛ ولذلك لمّا قيل لعليّ: إنّ المهاجرين استدلّوا بالشّجرة - أي: أنّهم شجرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله -: قال: «قالوا بالشّجرة وتركوا الثمرة». ويعني بها آل البيتعليهم‌السلام (1) .

وردّ على منطق عمر بن الخطّاب في كلمته الشّهيرة، والتي جاءت على شكل أبيات:

____________________

(1) نهج البلاغة شرح محمّد عبده.

٣٦٥

فـإنْ كُنتَ بالشورى ملكتَ اُمورَهُمْ

فـكيفَ بـهذا والـمشيرونَ غُيَّبوا

وإنْ كُنتَ بالقُربى حججتَ خصيمَهُمْ

فـغيركَ أولـى بالنبيِّ وأقربُ(1)

ويذكر القرآن مجموعة آيات تدلّ على النّصّ في الاتجاه الذي يؤكّد معقولية النّصّ على الإمامة، جاء في القرآن:( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2) .

والآية تثبت أنّ الإمامة تثبت بعد اختبار يسفر عن كفاءة الشّخص وأهليته للإمامة، ثمّ تأتي مسألة الاختيار اللدني، ثمّ لمّا أراد إبراهيم أن يقرّب ذرّيّته، قال تعالى:( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) . وهو يوحي بأنّ الاختيار ليس إلاّ لله، لا محاباة فيه ولا مشورة.

ولو كان منطق الإماميّة في الإمامة غريباً عن الإسلام، فأولى بإمامة إبراهيم وغيره ممّن اختار الله أن تكون غريبة، وجاء في القرآن اختيار الله لطالوت وهو ملك، وقال:( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ ) (3) . ولمّا اعترض عليه القوم، قال:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (4) .

وهذا إن دلّ فإنّما يدلّ على أنّ مسألة النّصّ والاختيار الإلهي للأوصياء ليس بدعاً في تاريخ العقيدة الإلهية. هذا بالإضافة إلى ما فاض به الذكر الحكيم من نماذج قرآنية تثبت هذا المفهوم، وثبت أنّ الإمامة بالنّصّ لآل البيت وللإمام عليّعليه‌السلام بعد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وتقول الإماميّة: إنّ الإمامة بالنّصّ، اختصّت بإثني عشر إماماً كلّهم من آل البيتعليهم‌السلام ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي بن الحسن العسكريعليه‌السلام .

ورد في القرآن قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا

____________________

(1) نهج البلاغة - شرح محمّد عبده.

(2) سورة البقرة / 124.

(3)(4) سورة البقرة / 247.

٣٦٦

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) .

جاء في الصحاح السّتة وتفاسير العامّة: إنّ الآية نزلت في حقّ عليّعليه‌السلام . وتفاصيل القصّة حسب ما رواه أبو ذر (رض)(2) قال: صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فدفع السّائل يده إلى السّماء وقال:

اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فما أعطاني أحد شيئاً. وعليّعليه‌السلام كان راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم بمرأى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله [ فلما فرغ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من صلاته رفع رأسه إلى السّماء](3) ، فقال لهم: «إنّ أخي موسى سألك، فقال:( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . - إلى قوله -:وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (4) . فأنزلت قرآناً ناطقاً.( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ) (5) . اللّهمّ، وأنا محمّد نبيّك وصفيّك، فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أشدد به ظهري».

قال أبو ذر: فوالله، ما أن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الكلمة حتّى نزل جبريل، فقال: يا محمّد، اقرأ:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) (6) . وتواتر هذا الحديث، وذكره كبار المحدّثين والمفسّرين من أهل السّنّة أنفسهم(7) . وسنحاول القفز على حديث الدار والغدير الذي سبق أن أثرناه، لنستعرض بعض الرّوايات الاُخرى التي تؤكّد على إمامة عليّ وآل بيته.

قال تعالى:( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) (8) . روى الجمهور عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «انتهت الدّعوة إليّ وإلى عليّ، لم يسجد أحدنا قط لصنم، فاتخذني نبيّاً واتخذ عليّاً

____________________

(1) سورة المائدة / 55.

(2) التفسير الكبير للفخر الرازي.

(3) ما بين المعقوفتين مأخوذ من شواهد التنزيل: 1 / 230.(موقع معهد الإمامين الحسَنين) .

(4) سورة طه / 25 - 32.

(5) سورة القصص / 35.

(6) سورة المائدة / 55.

(7) انظر: الخصائص للإمام النّسائي، والدّر المنثور للسيوطي، والطبراني في الأوسط، وفي التفسير ذكره الطبري والقرطبي، والواجدي في أسباب النزول، وتذكرة الخواصّ للسبط بن الجوزي، وأحكام القرآن للجصّاص، وابن كثير في التفسير، و...

(8) سورة البقرة / 124.

٣٦٧

وصياً»(1) .

ولدى قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) (2)(3) .

وذكر ابن عبد البر في قوله:( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) (4) . قال: إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة اُسري به، جمع الله بينه وبين الأنبياء، ثمّ قال له: «سلهم يا محمّد على ماذا بُعثتم؟». قالوا: بُعثنا على شهادة لا إله إلاّ الله، وعلى الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب(5) .

وذكر الجمهور عن أبي سعيد الخدري: أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النّاس إلى عليّعليه‌السلام في يوم غدير خم، وأمر بما تحت الشّجرة من الشّوك، فقام فدعا عليّاً فأخذ بصبعيه فرفعها حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام ، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (6) . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النّعمة، ورضي الرّبّ برسالتي والولاية لعليّ بن أبي طالب من بعدي». ثمّ قال: «مَن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله»(7) .

ويرى الشّيعة أنّ الإمامة ثبتت بالنّصّ في اثني عشر إماماً؛ أوّلهم عليّعليه‌السلام وآخرهم المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنّ طريقة تعيينهم تمّت عن طريق النّصّ من الله، ثمّ نبيّه، فالإمام، أي أنّ الإمام عليّعليه‌السلام بعد أن تسلّمها سلّمها ابنه الحسنعليه‌السلام ؛ استجابة للنصّ.

والواقع التاريخي يثبت أنّ الأئمّةعليه‌السلام كانوا يوصون إلى مَن بعدهم استناداً من أنّ نصّ منصوص، والتجربة التاريخيّة تسفر عن هذا الواقع.

إنّ الإمام

____________________

(1) رواه ابن المغازلي في المناقب، والكشفي الترمذي في المناقب.

(2) سورة الصافات / 24.

(3) أخرجه الديلمي، وابن حجر في الصواعق المحرقة.

(4) سورة الزخرف / 45.

(5) رواه الحاكم والخوارزمي، وذُكر في كنز العمال.

(6) سورة المائدة / 3.

(7) الدر المنثور، تفسير ابن كثير، البداية والنّهاية، تذكرة الخواصّ، ابن عساكر، شواهد التنزيل.

٣٦٨

عليّاًعليه‌السلام لم يستشهد حتّى أوصى بها إلى ابنه الحسن، والحسن لمّا عقد وثيقة الصلح، اشترط فيها عودة الخلافة إليه، أو إلى أخيه الحُسينعليه‌السلام إذا طرأ طارئ على حياة الإمام الحسنعليه‌السلام . والإمام عليّعليه‌السلام الذي عارض تداول الخلافة بين أبي بكر وعمر وعثمان، لم يكن ليكرّر نفس الإجراء فيما لو كان الأمر لا يستند إلى مسوّغات عقلية ونقلية تتحدد بالنّصّ.

وذكرت النّصوص: أنّ الولاية بعد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل البيتعليهم‌السلام ؛ ومن ذلك ما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم، عن زيد بن أرقم: لمّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقمن فقال: «كأنّي قد دُعيت فأجبت، أنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثمّ قال: «إنّ الله عزّ وجل مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن». ثمّ أخذ بيد عليّ فقال: «مَن كنت مولاه فهذا وليه، اللّهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه».

أمّا ما ورد في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم، فقد قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثمّ قال: «أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهُدى والنّور، فخذوا لكتاب الله واستمسكوا به». فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي».

وفي صحيح الترمذي ورد بهذه الصيغة: عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّته يوم عرفه وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: «يا أيّها النّاس، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي».

٣٦٩

وورد حديث الثّقلين بأكثر من سند وصيغة في صحاح الجمهور.

وطبيعي أن يحتاج هذا الحديث إلى نصّ آخر يحدّد عمومه، فحصر الشّيعة الإمامة في اثني عشر إماماً من آل البيت - كما تقدّم ذكره - والأدلّة على ذلك كثيرة، بيد أنّنا نراها على قسمين:

الاُولى: أدلّة اعتبارية سندها الواقع والتجربة؛ إذ لمّا ثبت الإمامة لعليّعليه‌السلام بالنّصّ، فإنّ وصيته إلى الحسنعليه‌السلام تبقى نصّاً صادراً عن الإمام، وكلّ إمام أوصى بالآخر، فيكون هذا التسلسل الاثني عشري دليلاً على النّصّ، وهذا هو الدليل العقلي على إمامة الاثني عشر.

كما ينضاف إلى تلك الأدلّة، كون هؤلاء الاثنا عشر هُم رموز آل البيتعليهم‌السلام الكبار، الذين أحصى لهم التاريخ تفوّقهم وكرامتهم، ولا تلقى وصية. أمّا ما جاء في روايات الجمهور حول الاثني عشر إماماً الموصى بهم، فقد ذكر الترمذي في صحيحه بسنده إلى جابر بن سمرة، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش».

وفي مستدرك الصحيحين للحاكم، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، قال: كنت مع عمّي عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: «لا يزال أمر اُمّتي صالحاً حتّى يمضي اثنا عشر خليفة». ثمّ قال كلمة وخفض بها صوته، فقلت لعمّي - وكان أمامي -: ما قال يا عم؟ قال يا بُني: «كلّهم من قريش».

وحاول بعض أهل السّنّة أن يتصنّعوا في تأويل هذه الأحاديث وما شابهها: أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة وقوّة الإسلام واستقامة أموره، والاجتماع على مَن يقوم بالخلافة. وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه النّاس إلى أن اضطرب أمر بني اُميّة، ووقعت بينهم الفتنة زمن وليد بن يزيد.

وحاول بعضهم مثل ابن كثير وصاحب فتح الباري وصاحب الصواعق، أن يؤوّلوها تأويلاً إسقاطياً لا سند له من الموضوعية، فادّعوا أنّ الأئمّة الاثنا عشر هُم: الخلفاء الثلاثة، ثمّ عليّعليه‌السلام ، وبعده معاوية، فيزيد - ذلك أنّ الحسن لم يجتمعوا عليه -، فعبد الملك وأولاده الأربعة: الوليد وسليمان، فيزيد فهشام، والثاني عشر: الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

٣٧٠

وطبيعي أنّ هذا التأويل أكثر تعسّفاً ممّا سبق؛ لأنّه مجرّد إسقاطات تتغذّى بالوضع السّياسي الجاهز، ولا تركن إلى سند من العقل أو النّصّ.

وجاء في الصواعق المحرقة بإخراج البغوي، بسند حسن، عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يكون خلفي اثنا عشر خليفة، أبو بكر لا يلبث إلاّ قليلاً. قال الأئمّة: صدر هذا الحديث مجمع على صحّته.

واعتراف ابن حجر بالإجماع على صدر هذا الحديث، دليل على أنّ المحرّفين تصرّفوا في مؤخّرته، وهذا دليل على التزوير الذي شهدته مدرسة الجمهور، وترتفع البراءة التي تدعى؛ ولهذا وردّاً على هذا المنطق، يقول الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة: قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثني عشر، قد اشتهر من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعرف الكون والمكان، علم أنّ مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديثه هذا: الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته؛ إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه؛ لقلّتهم عن اثني عشر، وهُم أربعة، ولا يمكن أن يحمل على ملوك الاُمويّة؛ لزيادتهم على اثني عشر، وهم ثلاثة عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز؛ ولكونّهم غير بني هاشم؛ لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «كلّهم من بني هاشم». في رواية عبد الملك عن جابر. ولم يكن يدّعي الاثني عشر سوى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

فإذا أضفنا إلى كون الاثنا عشر إماماً كلّهم ذوو كفاءة، وكلّهم من قريش، وكلّهم يدّعيها، ترتّب أن يكونوا هُم الاثنا عشر المشار إليهم بالنّصّ؛ لأنّ الواقع لم يأت بما كذّب ذلك. وما دام عجز الجمهور عن تبرير هذا النّصّ وتقريبه من الواقع، فإنّ

٣٧١

الرّوايات الشّيعية أثبتته بالإجماع.

فقد ورد في منتخب الأثر منقولاً عن كفاية الأثر، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «معاشر أصحابي، إنّ مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل، فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي، والأئمّة الرّاشدين من ذرّيّتي، فإنّكم لن تضلّوا أبداً». فقيل: يا رسول الله، كم الأئمّة بعدك؟ قال: «اثنا عشر من أهل بيتي» أو قال: «من عترتي».

وكذلك ذكر القندوزي الحنفي في الينابيع عن جابر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا سيّد النّبيين، وعليّ سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر؛ أوّلهم عليّ وآخرهم القائم المهدي».

وذكر الحمويني الشّافعي في فرائد السّمطين، عن أبو عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي».

ولم يدّعِ الاثني عشر إماماً إلاّ الشّيعة الإماميّة، فينتفي إذن ما يعارضها، ويحتاج ردّها إلى دليل قاطع نقلي وعقلي، مثلما أثبتوها لأئمّتهم عقلاً ونقلاً.

2 - عصمة الإمامعليه‌السلام :

كذلك إذا بحثنا مدى انسجام هذه الطرحة مع واقع الأئمّة الاثني عشر، نجدها أكثر موضوعية فيما لو اُسندت إلى الأئمّة من آل البيتعليهم‌السلام ، والأدلّة العقلية والاعتبارية لا تقلّ عن النّصوص المباشرة في هذا الموضوع.

إنّ غير الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام لم يدّعها صراحة، والعصمة لتقتضي طيب المولد وعدم ارتكاب الفواحش قبل الإسلام أو بعده، وغير الأئمّة لم يتوفّر على ذلك. والإمام عليّعليه‌السلام هو الوحيد الذي لم يعبد الأصنام ولم يرتكب فاحشة في الجاهليّة. ومهما كان الأمر والسّبب، فإنّ النتيجة واحدة، هي الطهارة والعصمة.

٣٧٢

والباحث في سيرة الأئمّةعليهم‌السلام من لدن عليّ إلى آخرهم، يتبيّن له مدى استقامتهم على طريق الإسلام، ولم يحصي التاريخ لأحدهم زلّة تناقض العصمة، وكلّهم كانوا مصدر علوم ولم يحتاجوا إلى غيرهم في شيء، وورثوا العلم والرّئاسة والعصمة بشكل متراتب أبّاً عن جدّ، بخلاف مَن هُم دونهم.

أمّا ما يثبت ذلك نقلاً، فإنّ آل البيتعليهم‌السلام وردت فيهم آيات قرآنية وروايات نبوية تدلّ دلالة نافذة على ذلك. آية التطهير، قوله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) . ثبت بإجماع الجمهور مفسّرين ومحدّثين، إنّ الآية نزلت في عليّ والحسن والحُسين وفاطمةعليهم‌السلام ، ومن ذلك ما أخرج مسلم في صحيحه(2) عن صفية بنت شيبة، قالت: قالت عائشة: خرج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غداة، وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّعليه‌السلام فأدلّه، ثمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

وفي صحيح الترمذي عن اُمّ سلمة: لمّا نزلت الآية:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) في بيت اُمّ سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحُسيناً وعليّعليهم‌السلام خلف ظهره، فجلّلهم بكساء، ثمّ قال: «اللّهمّ، هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً». قالت اُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيّ الله؟ قال: «أنت على مكانك، وأنت على خير».

وفي آية التطهير مجموعة دلالات يستحسن الوقوف على مضامينها؛ فالآية في البدء منصرفة، حيث حدّدت آل البيت في الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(1) سورة الأحزاب / 33.

(2) هكذا ورد في الأصل، ولكنّ الوراد في صحيح مسلم 7 / 130، هو: عن صفية بنت شبية قالت: قالت عائشة: خرج النبيُّ (صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم) غداة، وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثمّ قال:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .(موقع معهد الإمامين الحسنين) .

٣٧٣

وعليّ وفاطمة وحسن وحُسينعليهم‌السلام ؛ وبذلك ترتفع الإمامة والعصمة عن غير هؤلاء، ويصبح لآل البيتعليهم‌السلام مفهوم خاصّ غير ذلك الذي يتحدّد بالنّسب، وإلاّ فأولى بأزواج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكنّ من أهل بيته، فيما لو كانت القضية خاضعة لمفهوم عام غير محدّد، ولكانصلى‌الله‌عليه‌وآله أدخل في كسائه أفراداً آخرين من آل البيت غير هؤلاء.

ثمّ الآية تفيد أنّ القضية محصورة في نطاق آل البيت، أو بالأحرى فإنّ الطهارة هي من خصائص آل البيتعليهم‌السلام ، يدلّ على ذلك أداة الحصر (إنّما) في( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ ) . ثمّ تحدثت الآية عن قضيتين هُما: الرّجس ثمّ الطهارة. والرّجس في اللغة حسب ابن منظور وغيره، تعني: الذّنوب. وتعني أيضاً: الأقذار. والعاقل لا يستطيع تقبّل مفهوم الأقذار كتفسير للآية؛ إذ إنّ الطهارة من القاذورات لا تحتاج إلى إرادة إلهية لدنية، وإنّما المسألة تتعلّق بالقاذورات المعنوية، وهي الذنوب والمعاصي. أمّا الطهارة: فتعني التنزيه من هذه المعاصي والذنوب.

وحاول البعض أن يتحايل على هذا النّصّ، فيقول بالطهارة التشريعية التي تعتمد الأحكام المنزلة عليهم، أي إنّ آل البيتعليهم‌السلام يتنزهون عن المعاصي بالأحكام التي نزلت في القرآن. وهذا تأويل ناقص؛ لأنّ الطهارة التشريعية بهذا المفهوم تستبطن أمرين:

1 - إذا كان الله يريد أن ينزّه الدُّنيا بتشريعه آل البيت، فيكون هذا ظلماً، ولا يجوز في حقّ الله تعالى، إذ كيف ينزّه هؤلاء بإرادته ولا ينزّه النّاس الآخرين.

2 - إذا كان الله يقصد تطهيرهم بأحكام الشّرع المنزلة عليهم في القرآن، فهذا لا يتطلّب آية للحصر في آل البيت يعم جميع النّاس من دون استثناء.

٣٧٤

فتبقى المسألة الرئيسة أنّ الله طهرهم طهارة تكوينية خاصة، تميّزهم عن الباقين.

وقد يرى البعض في ذلك نوعاً من الظلم الذي لا يجوز على الله، إذ كيف يجبر البعض على العصمة ولا يجبر الآخرين. ولا نريد هُنا أن نتوسّع عقلياً ونقلياً في هذا الموضوع الذي أرتأينا توفيره إلى مبحث العقائد الخاصة، إلاّ أنّنا سنردّ على ذلك، بأنّ الاعتراض على إرادة الله في عصمة آل البيت يجوز الاعتراض على إرادته سبحانه في عصمة الأنبياء واختيارهم، إذ إنّ الموضوع واحد ومضامينه واحدة.

ثمّ إنّ للعصمة التي نتحدث عنها هُنا تفسيراً تقريباً يختلف مع ما يراه البعض. الإماميّة ترى أنّ الإمام لا يفعل إلاّ الحسن، أمّا المكروهات فلا يفعلها وإن كان قادراً على الإتيان بها، فهناك مواقع نفسية وروحية تحول دونه وذلك، سببها التزكية مصحوبة باللطف الإلهي، أي: إنّ هؤلاء تعبوا على أنفسهم في التزكية والسّمو الروحي حتّى اكتسبوا عصمة تحول دونهم والخطايا، ولمّا علم الله أنّ هؤلاء على مقدرة كافية الاستقامة، عزّز عصمتهم بلطفه.

وإذا رأى إنسان في هذا ظلماً، قلنا له: إنّ علم الله بنزاهة هؤلاء هو الذي ترتّب عليه هذا التدخّل الإرادي في عصمتهم، والله يحاسب عباده على قدر إيمانهم، وقد وفّر التوبة لغير الأئمّةعليهم‌السلام في الاُمور التي لا يقوون على إتيانها، وإذا كانت صلاة الليل قد فُرضت على الأنبياء والأولياء، فإنّها لم تُفرض على مَن هُم دون ذلك. وقد يثبت في علم الله إنّ غير هؤلاء لا يستطيعون عصمة أنفسهم بذلك القدر الذي يستحقّ التسديد الإلهي.

يرى السيّد محمّد تقي الحكيم: أنّ الله عزّ وجل لمّا علم أنّ إرادتهمعليهم‌السلام تجري دائماً على وفق ما شرّعه لهم من أحكام، بحكم ما زوّدوا به من إمكانات ذاتية ومواهب مكتسبة، نتيجة تربيتهم على وفق مبادئ الإسلام، تربية

٣٧٥

حوّلتهم في سلوكهم إلى إسلام متجسّد، ثمّ بحكم ما كانت لديهم من القدرات على إكمال إرادتهم وفق أحكامه التي استوعبوها علماً وحكمة، فقد صحّ له الإخبار عن ذاته المقدّسة، بأنّه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلاّ إذهاب الرّجس عنهم؛ لأنّه لا يفيض الوجود إلاّ على هذا النّوع من أفعالهم، ما داموا هُم لا يريدون لأنفسهم إلاّ إذهاب الرّجس والتطهير عنهم.

وأهل السّنّة والجماعة لا يرفضون العصمة إلاّ في حدود مصطلحها، أمّا مضموناً فإنّهم يقرّون بها لجميع الصحابة؛ ذلك أنّهم يرون أنّهم جميعاً عدول. وليست العدالة كما هي في مفهوم العامّة وذهنيتهم، سوى تلك العصمة التي يراها الشّيعة في أئمتهم، ولا يكلّفك أن تكون شيعيّاً أكثر من أن تتعامل مع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما تتعامل مع أبي بكر وعمر. فالعدالة والعصمة الاعتبارية كما يراها السّنّة لهؤلاء، لا تقلّ عن تلك التي يراها الشّيعة في الأئمّةعليهم‌السلام ، والإنسان قد يصل إلى درجة ما من العصمة، فيما لو طبّق القرآن، أي يكتسب عصمة معيّنة.

وهدف الإسلام هو أن يصنع اُناساً قرآنيين، أي: على قدر من العصمة. وإذا كان متاحاً لكلّ النّاس أن يلتمسوا هذا القدر من العصمة عن طريق التربية والمجاهدة، فأولى بآل البيتعليهم‌السلام أن يصلوها؛ لأنّهم جهدوا على أنفسهم بشكل عجز عنه غيرهم.

ومن النّصوص المنقولة الدالة على عصمتهم حديث السّفينة، [ حيث ] ورد في مستدرك الصحيحين للحاكم، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني، قال: سمعت أبا ذر يقول - وهو آخذ بباب الكعبة -: أيّها النّاس، مَن عرفني فأنا مَن عرفتم، ومَن أنكر فأنا أبو ذر، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «مثل أهل بيتي كسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق».

٣٧٦

وفي إحياء الميت للسيوطي، عن البزّار، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، مَن ركب فيها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق». وفي لفظ الطبراني، زاد: «ومثل باب حطّة من بني إسرائيل».

وهذا الحديث يحمل دلالة قوّية على عصمة الأئمّة، ذلك لو جاز أن يعصوا الله لما أمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله باتباعهم، ولما جعلهم نجاة للاُمّة من الغرق. وجاء في قوله تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) . ورد في الصحيحين وأحمد بن حنبل، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزل:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) . قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «عليّ، فاطمة، الحسن، والحُسين».

ولهذا الحديث دلالة اُخرى على العصمة؛ ذلك أنّ المودّة يستتبعها واجب الطاعة، ولا يجوز المودّة المُطلقة لآل البيتعليهم‌السلام فيما لو جازت عليهم المعصية؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والذي يبدو من الرّواية هو الاطلاق، دليلاً على عصمتهم.

وروى الحاكم في المستدرك، وابن كثير في التفسير، وكذا الطبري، وتفسير الشّوكاني، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا المنذر وعليّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون». ولا يجوز عقلاً أن يكون هادياً من جازت في حقّه المعصية. وفي قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (2) . جاء في صحيح مسلم: قُلت: يا رسول الله، أمّا السّلام عليك فقد عرفناه، وأمّا الصّلاة عليك فكيف هي؟ فقال: «قولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم».

____________________

(1) سورة الشّورى / 23.

(2) سورة الأحزاب / 56.

٣٧٧

وهذا إنّما يدلّ على عصمتهم؛ إذ لو جازت فيهم المعاصي لما أمر الله بالصّلاة عليهم والتعبّد إلى الله بهم، فكيف يتقرّب إلى الله بأهل المعصية.

وفي مسند ابن حنبل، وفي الجمع بين الصحيحين: أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّعليه‌السلام : «لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق». وإطلاق الحكم على هذا المنوال فيه دلالة على العصمة؛ إذ لو جاز أن يُعصي الله، إذاً لكان من الإيمان بغض عليّعليه‌السلام ، بل وليس من الإيمان حبّ عليّ معصية. وإذاً، فإنّ إطلاقها يدلّ على أنّه متواصل الامتناع عن المعصية، أي معصوم عنها.

ولا أدلّ على العصمة من الحديثين التالين:

1 - في الجمع بين الصحاح الستّة، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «رحم الله عليّاً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار».

وفي تاريخ بغداد، والحاكم في المستدرك، وكنز العمال: روى أحمد بن موسى بن مردويه، عن عائشة: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «الحقّ مع عليّ، وعليّ مع الحقّ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض). والتبشير بالإمام عليّعليه‌السلام والحكم القاطع على أنّه لا يفارق الحقّ، هو شهادة من معصوم على عصمة الإمامعليه‌السلام .

2 - ورد في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم: «أيّها النّاس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهُدى والنّور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به». فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي». والحديث بالتواتر الذي ميّزه يُعدّ دليلاً على العصمة؛ لأنّ الله قرن بين القرآن وآل البيتعليهم‌السلام .

وفي حديث آخر للترمذي: «فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». وتلك شهادة على العصمة.

٣٧٨

3 - أفضلية الإمامعليه‌السلام .

كنّا قد أثبتنا ضرورة إمامة الأفضل على خلاف أهل السنّة والجماعة؛ ذلك أنّ هؤلاء يجوّزون إمامة المفضول وتبعية الفاضل، وهو أمر مخالف للوجدان؛ وعليه فإنّنا في مقام البحث في الانسجام بين طرحة: أفضلية الإمامعليه‌السلام .

وآل البيتعليهم‌السلام كانوا هُم طلائع الاُمّة الاُول، فالقرآن قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) . وهذه الآية دليل على خصوصيات آل البيت وأفضليتهم على مستوى الكفاية الرّوحية والعقلية. كذلك لما رفعهم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مقام القرآن وقرنهم به في حديث الثقلين، كما تقدّم.

وفي رواية أحمد بن المشد، والزمخشري في الكشّاف، قال ابن عمر: كان لعليّ ثلاثة، لو كان لي واحدة منها كانت أحبّ إليّ من حمر النّعم؛ تزويجه بفاطمة، وإعطاء الرّاية يوم خيبر، وآية النّجوى. وفي مسند أحمد، والجمع بين الصحاح السّتة: إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث براءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحليفة، بعث إليه عليّاً فردّه، فرجع أبو بكر إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول الله، أنزل في شيء؟ قال: «لا، ولكن جبرائيل جاءني وقال: لا يؤدّي عنك إلاّ أنت، أو رجلٌ منك». وفي ذلك تفضيل للإمام عليّعليه‌السلام على أبي بكر، وهو الظاهر والصريح.

وفي حديث المنزلة، كما أخرجه البخاري في صحيحه، ومسلم من طرق مختلفة: إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج إلى تبوك، استخلف عليّاًعليه‌السلام في المدينة على أهله، فقال عليّعليه‌السلام : «ما كنت اُوثر أن تخرج في وجه إلاّ وأنا معك». فقال: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

____________________

(1) سورة الأحزاب / 33.

٣٧٩

وهذا الحديث يدلّ على أنّ الذي يأتي بعد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّعليه‌السلام في الأفضلية. وما إليها من النّصوص الدالة على ذلك. والتاريخ يشهد أنّ الإمام عليّ والأئمّةعليه‌السلام كانوا هُم الأفضل في كلّ الميادين.

ولو قارنّا عليّاًعليه‌السلام مع باقي الصحابة، وجدناه أكثرهم شجاعة وجهاداً، وأفضلهم تقوى وورعاً، وأفضلهم علماً وفقهاً وقضاء. كما يؤكّد التاريخ أنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كانوا ملجأ لكلّ سائل في العلم، ولم يثبت عنهم أنّهم قالوا - كما كان يفعل الآخرون -: لا نعلم. وكلّهم كان يستقي علمه من آبائه أبّاً عن جدّ، ولم يرو التاريخ أنّ واحداً من آل البيت درس على واحد من العامّة، وأهل البيت هُم مصدر العلوم.

والإمام الصادقعليه‌السلام هو الفقيه الأوّل، وتتلمذ عليه باقي علماء وفقهاء أهل السنّة، وأخذ منه الأئمّة الأربعة وقالوا فيه كلاماً كثيراً. والتحديات التي واجهها آل البيتعليهم‌السلام على مستوى الكفاح والجهاد كانت أكبر مثال في تاريخ الشّجاعة والجهاد البشري، ولا أدلّ على ذلك من ملحمة كربلاء، وقبل ذلك مواقف الإمام عليّعليه‌السلام .

نُريد من هذا كلّه أن نؤكّد على انسجام الإمامة والعصمة والأفضلية بأشخاص أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ ليتبين مفهوم الإمامة عند الشّيعة، حيث انفردوا عن باقي المذاهب في تقييدها وبلورتها وإزالة اللبس عن مفهومها.

٣٨٠