من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 62959
تحميل: 4302

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62959 / تحميل: 4302
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال سليمان بن ُصرد: حسبكم، مَن أراد من هذا شيئاً فليأت بماله عبد الله بن وال التيمي تيم بكر بن وائل، فإذا اجتمع عنده كلُّ ما تريدون إخراجه من أموالكم جهزَّنا به ذوي الخلَّة والمسكنة من أشياعكم.

قال أبو مخنف لوط بن يحيى: عن سليمان بن أبي راشد قال: حدَّثنا حميد ابن مسلم الأزدي: أنّ سليمان بن ُصرد قال لخالد بن سعد بن نفيل - حين قال له: والله، لو علمت أنّ قتلي نفسي يخرجني من ذنبي ويرضي عنِّي ربّي لقتلته، ولكن هذا أمر به قوم غيرنا كانوا من قبلنا ونهينا عنه - قال: أخوكم هذا غداً فريس أوَّل الأسنَّة. قال: فلمَّا تصدَّق بماله على المسلمين. قال له: أبشر بجزيل ثواب الله للذين لأنفسهم يمهّدون.

قال أبو مخنف: حدَّثني الحصين بن يزيد بن عبد الله بن سعد بن نفيل، قال: أخذت كتاباً كان سليمان بن ُصرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن، فقرأته زمان ولي سليمان، قال: فلمَّا قرأته أعجبني، فتعلَّمته فما نسيته، كتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من سليمان بن ُصرد إلى سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين، سلام عليكم.

أمَّا بعد:

فإنّ الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروف، وأقبل منها ما كان منكر، وأصبحت قد تشنَّأت إلى ذوي الألباب، وأزمع بالترحال منها عباد الله الأخيار، وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا تفنى، إنّ أولياءً من إخوانكم وشيعة آل نبيِّكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيّهم (ص) الذي دُعي فأجاب، ودعا فلمْ يجب، وأراد الرجعة فحُبس، وسأل الأمان فمُنع، وترك الناس فلمْ يتركوه، وعدوا عليه فقتلوه، ثمّ سلبوه وجرَّدوه ظلماً وعدواناً، وغِرَّةً بالله وجهل، وبعين الله ما يعملون، وإلى الله ما يرجعون:( وَسَيَعْلَمُ

١٠١

الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1) .

فلمَّا نظروا إخوانكم وتدبَّروا عواقب ما استقبلوا رأوا أنْ قد خطئوا بخذلان الزكيِّ الطيِّب وإسلامه، وترك مواساته والنصر له خطأ كبيراً ليس لهم منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه، أو قتلهم حتّى تفنى على ذلك أرواحهم، فقد جدَّ إخوانكم، فجدُّوا وأعدُّوا واستعدُّوا، وقد ضربنا لإخواننا أجلاً يوافوننا إليه، وموطناً يلقوننا فيه؛ فأمَّا الأجل، فغرة شهر ربيع الآخر سنة خمسٍ وستّين، وأمَّا الموطن الذي يلقوننا فيه، فالنخيلة.

أنتم الذين لمْ تزالوا لنا شيعة وإخواناً وإلاً، وقد رأينا أنْ ندعوكم إلى هذا الأمر الذي أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون ويظهرون لنا أنّهم يتوبون، وإنّكم جدراء بتطلاب الفضل، والتماس الأجر، والتوبة إلى ربّكم من الذنب ولو كان في ذلك حزُّ الرقاب، وقتل الأولاد واستيفاء الأموال وهلاك العشائر.

ما ضرَّ أهل عذراء الذين قُتلوا ألاّ يكونوا اليوم أحياء وهم عند ربّهم يرزقون، شهداء قد لقوا الله صابرين محتسبين، فأثابهم ثواب الصابرين - يعني: حجراً وأصحابه - وما ضرَّ إخوانكم المقتَّلين صبراً، المصلَّبين ظلماً، والممثَّل بهم، المعتدى عليهم، ألاّ يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم، قد خير لهم فلقوا ربَّهم، ووفاهم الله إنْ شاء الله أجرهم، فاصبروا رحمكم الله على البأساء والضراء وحين البأس، وتوبوا إلى الله عن قريب، فوالله، إنّكم لأحرياء ألاَ يكون أحد من إخوانكم صبر على شيء من البلاء إرادة ثوابه؟ إلاَ صبرتم التماس الأجر فيه على مثله؟ ولا يطلب رضاء الله طالب بشيء من الأشياء - ولو أنّه القتل - إلاّ طلبتم رضاء الله به.

إنّ التقوى أفضل الزاد في الدنيا، وما سوى ذلك يبور ويفنى، فلتعزف عنها

____________________

(1) سورة الشعراء / 227.

١٠٢

أنفسكم، ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم، وجهاد عدوِّ الله وعدوِّكم وعدوِّ أهل بيت نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى تقدموا على الله تائبين راغبين، أحيانا الله وإيّاكم حياة طيّبة، وأجارنا وإيّاكم من النار، وجعل منايانا قتلاً في سبيله على يدي أبغض خلقه إليه، وأشدِّهم عداوة له، إنّه القدير على ما يشاء، والصانع لأوليائه في الأشياء، والسلام عليكم.

قال: وكتب ابن ُصرد الكتاب، وبعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبدالله بن مالك الطائي، فبعث به سعد حين قرأ كتابه إلى مَن كان بالمدائن من الشيعة. وكان بها أقوام من أهل الكوفة قد أعجبتهم فأوطنوها، وهم يقدمون الكوفة في كلّ حين عطاء ورزق، فيأخذون حقوقهم وينصرفون إلى أوطانهم. فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن ُصرد، ثمّ إنّه حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمَّا بعد، فإنّكم قد كنتم مجتمعين مزمعين على نصر الحسينعليه‌السلام وقتال عدوِّه، فلم يفجأكم أوَّل من قتله، والله مثيبكم على حسن النية وما أجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة، وقد بعث إليكم إخوانكم يستنجدونكم ويستمدونكم ويدعونكم إلى الحقِّ، وإلى ما ترجون لكم به عند الله أفضل الأجر والحظ، فماذا ترون؟ وماذا تقولون؟

فقال القوم بأجمعهم: نجيبهم ونقاتل معهم، ورأينا في ذلك مثل رأيهم، فقام عبد الله بن الحنظل الطائي ثمّ الحزمري، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمَّا بعد، فإنَّا قد أجبنا إخواننا إلى ما دعونا إليه، وقد رأينا مثل الذي قد رأوا، فسرِّحني إليهم في الخيل. فقال له: رويداً لا تعجل، استعدُّوا للعدوِّ، وأعدُّوا له الحرب، ثمّ نسير وتسيرون.

وكتب سعد بن حذيفة بن اليمان إلى سليمان بن ُصرد مع عبد الله بن مالك الطائي:

١٠٣

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى سليمان بن ُصرد، من سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين، سلام عليكم.

أمَّا بعد: فقد قرأنا كتابك، وفهمنا الذي دعوتنا إليه من الأمر الذي عليه رأي الملأ من إخوانك، فقد هديت لحظك، ويسِّرت لرشدك، ونحن جادُّون مجدُّون معدُّون مسرجون ملجمون، ننتظر الأمر ونستمع الداعي، فإذا جاء الصريخ أقبلنا، ولمْ نعرج إنْ شاء الله، والسلام.

فلمَّا قرأ كتابه سليمان بن ُصرد قرأه على أصحابه، فسرُّوا بذلك.

قالوا: وكتب إلى المثنى بن محربة العبدي نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان، وبعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد، فكتب إليه المثنى، أمَّا بعد: فقد قرأت كتابك، وأقرأته إخوانك، فحمدوا رأيك، واستجابوا لك، فنحن موافوك إنْ شاء الله للأجل الذي ضربت، وفي الموطن الذي ذكرت، والسلام عليك. وكتب في أسفل كتابه:

تبصَّر كأني قد أتيتُكَ مُعْلِماً

على أتلعِ الهادي أَجَشَّ هزيمِ

طويلِ القِرَا نَهْدِ الشَّوَاةِ مقلّصٍ

ملحٍّ على فأسِ اللجامِ أَزُومِ

بكلّ فتىً لا يملأُ الروعُ نَحْرَهُ

مُحِسٍّ لعضِّ الحَرْبِ غيرِ سؤومِ

أخي ثقةٍ ينوي الإلهَ بسعيِهِ

ضروبٍ بنَصْلِ السيفِ غيرِ أثيمِ(1)

وروى الطبري، قال:

قال أبو مخنف لوط بن يحيى: عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الله بن سعد ابن نفيل، قال: كان أوَّل ما ابتدعوا به من أمرهم سنة إحدى وستّين، وهي السنة التي قُتل فيها الحسينعليه‌السلام ، فلمْ يزل القوم في جمع آلة الحرب، والاستعداد للقتال، ودعاء الناس في السرِّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسينعليه‌السلام ، فكان يُجيبهم القوم بعد القوم، والنفر بعد النفر، فلمْ يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 390 - 394.

١٠٤

مات يزيد بن معاوية يوم الخميس لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوَّل سنة أربع وستّي. وكان بين قتل الحسينعليه‌السلام وهلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين وشهران وأربعة أيّام. وهلك يزيد وأمير العراق عبيد الله بن زياد، وهو بالبصرة، وخليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي، فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة، فقالو: قد مات هذا الطاغية، والآمر الآن ضعيف، فإنْ شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر، ثمّ أظهرنا الطلب بدم الحسينعليه‌السلام وتتبَّعنا قتلته، ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم، المدفوعين عن حقِّهم. فقالوا في ذلك فأكثروا.

فقال لهم سليمان بن ُصرد: رويداً لا تعجلوا، إنّي قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أنّ قتلة الحسينعليه‌السلام هم أشراف أهل الكوفة وفرسان العرب، وهم المطالبون بدمه، ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنّهم المطلوبون كانوا أشدَّ عليكم.

ونظرت فيمَن تبعني منكم فعلمت أنّهم لو خرجوا لمْ يدركوا ثأرهم، ولمْ يشفوا أنفسهم، ولمْ ينكوا في عدوِّهم، وكانوا لهم جزراً، ولكن بثُّوا دعاتكم في المصر، فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم وغير شيعتكم، فإنّي أرجو أنْ يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه.

ففعلوا، وخرجت طائفة منهم دُعاة يدعون الناس، فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك.

قال هشام، قال أبو مخنف: وحدَّثنا الحصين بن يزيد، عن رجل من مزينة، قال: ما رأيت من هذه الاُمّة أحداً كان أبلغ من عبيد الله بن عبد الله المري في منطق ولا عظة. وكان من دُعاة أهل المصر زمان سليمان بن ُصرد. وكان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس فوعظهم بدأ بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله(ص) ثمّ يقول، أمَّا بعد: فإنّ الله اصطفى محمّداً (ص) على خلقه بنبوّته، وخصَّه بالفضل

١٠٥

كلّه، وأعزكم باتباعه، وأكرمكم بالإيمان به، فحقن به دماءكم المسفوكة، وأمَّن به سبلكم المخوفة:( وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (1) .

فهل خلق ربُّكم في الأوّلين والآخرين أعظم حقّاً على هذه الاُمّة من نبيِّها؟ وهل ذرّيّة أحد من النبيّين والمرسلينعليهم‌السلام ، أو غيرهم أعظم حقّاً على هذه الاُمّة من ذرّيّة رسولها؟ لا والله ما كان ولا يكون، لله أنتم، ألمْ تروا ويبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيّكم؟ أمَا رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته، واستضعافهم وحدته، وترميلهم إيّاه بالدم، وتجرارهموه على الأرض، لمْ يرقبوا فيه ربَّهم، ولا قرابته من الرسول (ص)، اتّخذوه للنبل غرضاً، وغادروه للضباع جزراً؟

فللّه عيناً من رأى مثله، ولله حسين بن عليّعليه‌السلام ، ماذا غادروا به؟ ذا صدق وصبر، وذا أمانة ونجدة وحزم، ابن أوَّل المسلمين إسلاماً، وابن بنت رسول ربِّ العالمين (ص)، قلَّتْ حماته وكثرت عداته حوله، فقتله عدوُّه وخذله وليُّه، فويل للقاتل، وملامة للخاذل.

إنّ الله لمْ يجعل لقاتله حجّة، ولا لخاذله معذرة، إلاّ أنْ يناصح لله في التوبة، فيجاهد القاتلين، وينابذ القاسطين، فعسى الله عند ذلك أنْ يقبل التوبة، ويقيل العثرة، إنَّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنَّة نبيّه (ص)، والطلب بدماء أهل بيتهعليهم‌السلام ، وإلى جهاد المحلّين والمارقين، فإنّ قتلنا فمَا عند الله خير للأبرار، وإنْ ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهل بيت نبيِّناصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: وكان يعيد هذا الكلام علينا في كلّ يوم حتّى حفظه عامتنا.

قال: ووثب الناس على عمرو بن حريث عند هلاك يزيد بن معاوية، فأخرجوه من القصر، واصطلحوا على عامر بن مسعود بن اُميّة بن خلف الجمحي، وهو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولي:

____________________

(1) سورة آل عمران / 103.

١٠٦

اشْدُدْ يديك بزيدٍ إن ظفرتَ به

واشفِ الأراملَ من دحروجةِ الجعل

وكان كأنّه إبهام قصراً، وزيد مولاه وخازنه، فكان يصلِّي بالناس، وبايع لابن الزبير.

ولمْ يزل أصحاب سليمان بن ُصرد يدعون شيعتهم وغيرهم من أهل مصرهم، حتّى كثر تبعهم. وكان الناس إلى اتِّباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع منهم قبل ذلك(1) .

وقال الذهبي وابن حجر وغيرهما واللفظ للأوّل، قال - في ترجمة سليمان بن ُصرد -: سليمان بن ُصرد، الأمير أبو مطرف الخزاعي الكوفي الصحابي، له رواية يسيرة، وعن أبي وجبير بن مطعم، وعنه: يحيى بن يعمر، وعدي بن ثابت، وأبو إسحاق، وآخرون.

قال ابن عبد البرّ: كان ممّن كاتب الحسينعليه‌السلام ليبايعه، فلمَّا عجز عن نصره ندم وحارب.

قلت: كان ديِّناً عابداً، خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسينعليه‌السلام الشهيد، وساروا للطلب بدمه، وسمُّوا جيش التوّابين، وكان هو الذي بارز يوم صفين حوشباً ذا ظليم، فقتله.

حضَّ سليمان على الجهاد، وسار في ألوف لحرب عبيد الله بن زياد، وقال: إنّ قتلت فأميركم المسيب بن نجبة، والتقى الجمعان. وكان عبيد الله في جيش عظيم، فالتحم القتال ثلاثة أيّام، وقتل خلق من الفريقين، واستحرَّ القتل بالتوّابين شيعة الحسينعليه‌السلام ، وقتل أمراؤهم الأربعة: سليمان والمسيب، وعبد الله بن سعد وعبد الله بن والي، وذلك بعين الوردة التي تُدعى رأس العين، سنة خمسٍ

____________________

(1) تاريخ الطبري / 3 394 - 395.

١٠٧

وستّين، وتحيَّز بمَن بقي منهم رفاعة بن شداد إلى الكوفة(1) .

فاتّضح من مصادر القوم أنّ الشيعة قلَّة مستضعفة، لمْ تتمكَّن من نصرة الحسينعليه‌السلام ، فخرجوا على قلَّتهم بعد ذلك تائبين، حتّى إنّهم لمْ يخرجوا بوحدهم، بل خرج معهم مَن لمْ يحضر قتل الحسينعليه‌السلام من غير الشيعة أيضاً.

وهذا المختار (قدّس سرّه) خرج بالشيعة للانتقام من قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام والأخذ بثاره، فهل بعد هذا يتصوَّر فيمَن يأخذ بثأر الإمام الحسينعليه‌السلام أنّه ممّن قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام ؟!

قال سبط ابن الجوزي: ثمّ خرج المختار وكان يقول:... ووالله، لأقتلنّ بقتلة الحسينعليه‌السلام عدد من قتل على دم يحيى بن زكريا...(2) .

وكان الملاك في قتله هؤلاء هو صدق الخروج على الحسينعليه‌السلام فقد روى الطبري، قال:

واستخرج من دور الوادعيّين خمسمئة أسير، فأتي بهم المختار مكتَّفين، فأخذ رجل من بني نهد - وهو من رؤساء أصحاب المختار، يقال له: عبد الله بن شريك - لا يخلو بعربيّ إلاّ خلَّى سبيله، فرفع ذلك إلى المختار درهم مولىً لبني نهد، فقال له المختار: اعرضوهم عليَّ، وانظروا كلّ مَن شهد منهم قتل الحسينعليه‌السلام فأعلموني به.

فأخذوا لا يُمرُّ عليه برجل قد شهد قتل الحسينعليه‌السلام إلاّ قِيل له: هذا ممّن شهد قتله، فيقدِّمه فيضرب عنقه....إلخ(3) .

____________________

(1) سير أعلام النبلاء، الذهبي 3 / 394، تهذيب التهذيب، ابن حجر 4 / 175.

(2) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي / 254. وذكر قبل هذا المقطع بعض مثالب المختار بن عبيد لله الثقفي، وقد تقدّم الردّ على هذا في ترجمة المختار (قدّس سرّه) في الهامش الثاني من هوامش الدلالة السابعة من الأمر الخامس: كثرة الاُمويّين وأتباعهم في الكوفة آنذاك.

(3) تاريخ الطبري 3 / 458.

١٠٨

وروى الطبري أيضاً قال:

قال، ونادى منادي المختار: إنّه مَن أغلق بابه، فهو آمن إلاّ رجلاً شرك في دم آل محمّدعليهم‌السلام (1) .

وروى ابن خلدون، قال:

وأسّر من الوادعيين خمسمئة أسير، فقتل المختار كلّ من شهد قتل الحسينعليه‌السلام منهم فكانوا نصفهم، وأطلق الباقين، ونادى المختار الأمان إلاّ من شهد في دماء أهل البيت(2) .

أقول: أو ليس هؤلاء الألوف المؤلَّفة - الذين تجمَّعوا بعد تفرُّقهم في البلدان - فيهم من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهم يقاتلون قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام ؟ أفبعد هذا يُعقل أنْ شيعتهعليه‌السلام شركت في دمه؟! إذ لا يُعقل أنْ قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام يقاتلون قتلته، وكيف ذلك وعدد مَن قتله المختار (قدّس سرّه) من قتلة الحسينعليه‌السلام سبعون ألفاً(3) كما قِيل؟

هذا مضافاً إلى ما تقدّم من أنَّ عبيد الله داهية من دواهي بني اُميّة، وهو يعمل جاهداً حتّى لا يصل أحد من الشيعة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام لينصره في كربلاء

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 459.

(2) تاريخ ابن خلدون 3 / 25.

(3) قال الخوارزمي في مقتله 2 / 280:

وكان المختار قد قتل بالكوفة خلقاً كثيراً من أهل الكوفة حتّى قِيل: إنّه قتل سبعين ألفاً ممّن قتل أو قاتل الحسينعليه‌السلام ، فتركه أصحابه لمَا في نفوسهم من الذحل على أقربائهم، وتحوَّلوا إلى مصعب. فلمَّا رأى المختار ذلك نزل عن فرسه، ونزل معه شيعة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الخلَّص، فبركوا على أفواه السكك، فلمْ يزالوا يقاتلون من المغرب إلى الصبح، ثمّ قال له بعض أصحابه: أمَا والله، أخبرتنا أنا نقتل مصعباً. فقال: بلى، أمَا قال الله عز وجل:( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) . سورة الرعد / 39.

١٠٩

وليس هو بالغبي حتّى يرسل إلى الإمام الحسينعليه‌السلام شيعته، وهو يعلم بأنّ وصولهم له يقلب الموازين على بني اُميّة، فما فعله ابن زياد هو قتل الشيعة وإبعادهم، وعدم تمكينهم من أنْ يصلوا إلى نصرة إمامهم الحسينعليه‌السلام (1) .

* * *

____________________

(1) تقدّم: بيان ذلك مفصلاً في الأمر الثاني.

١١٠

الفصل الثاني: شبهة أخرى

١١١

١١٢

وقد تمسَّك من اتَّهم الفرقة المحقَّة من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام بقول الإمام الحسينعليه‌السلام قاصداً مَن بايعه من أهل الكوفة: شيعتي أو شيعتنا ونحو ذلك. وهذا التمسُّك أوهن من التمسك بخيوط العنكبوت لو كانوا يعلمون.

١١٣

قول الإمام الحسينعليه‌السلام : «هذه كتب شيعتي». أو «كتبت إلينا شيعتنا». أو «خذلتنا شيعتنا بالعراق». بما تقدَّم في أوَّل هذا الفصل - من أنّ للفظ الشيعة معنيين عامّاً وخاصّاً - يتّضح أنّ قول الإمام الحسينعليه‌السلام على تقدير ثبوته: «هذه كتب شيعتي». «أو كتبت إلينا شيعتنا». أو «خذلتنا شيعتنا بالعراق». ونحوها من التعابير - محمول على المعنى العامّ وهم الأتباع والأنصار وهم كثير، بل هم أغلب مَن بايع في ذاك الزمان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن بعده الإمام الحسنعليه‌السلام ، وبعده الإمام الحسينعليه‌السلام (1) .

فلا يتصوَّر ذو مسكة وبصيرة أنّ شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام قاتلت الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما لا يتصوَّر أنّ المنافقين المندسِّين في المسلمين مسلمون، وأنّ

____________________

(1)انظر إلى أهل الكوفة مثلاً أيّام أمير المؤمنينعليه‌السلام دون بقيّة البقاع الإسلاميّة؛ فإنّهم يعتبرون من المشايعين والمتبعين لهعليه‌السلام ، ولكنّهم لا يعتقدون بإمامته بالنصّ، بل يعتقدونه خليفة للمسلمين من غير نصّ كبقيّة الخلفاء، كما هي عقيدة أكثر المسلمين في زمانهعليه‌السلام ، إلاّ ثلّة قليلة جداً ممّن اعتقد بهذا الاعتقاد، مثل: سلمان المحمّدي والمقداد، ومالك الأشتر وغيرهم ممّن اتّبعوا أقوال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما عليه الشيعة الاثنا عشريّة غابراً وحاضراً.

فها أهل الكوفة مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولكنّه أراد أنْ ينهاهم عن صلاة التراويح جماعة وفي وقت خاصّ تركوه ونادو: واعمراه! مع أنّ الشيعة بالمعنى الخاصّ لا يؤمنون بأقوال عمر فضلاً عن خلافته حتّى ينادوا بهذا، قال عبد الحميد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 12 / 283:

وقد روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمَّا اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أنْ ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان، زجرهم وعرَّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدُّموا بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسنعليه‌السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا: وا عمراه!

١١٤

المرتدّين الذين قاتلوا المسلمين مسلمون(1) .

وهذا التاريخ خير شاهد على أنّه لا يُوجد في قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام ولا فرد واحد من الشيعة المعتقدين بإمامتهعليه‌السلام بالنَّص، وإلاّ لتهافتت على تحبيره الأقلام، وعلى نقله الأفواه.

ولو سلَّمنا جدلاً وتنزُّلاً بأنَّ مَن خرج على الإمام الحسينعليه‌السلام هم من الشيعة بالمعنى الثاني، فما يمنع أنّهم كانوا ممّن يوصف ويعرف بالتشيُّع، ثمّ انقلبوا كما انقلب الزبير بن العوام(2) حتّى خرج على أمير المؤمنينعليه‌السلام . وكما انقلب زياد

____________________

(1) وهذه حقيقة مبذولة فلا تحتاج إلى كلفة، وواضحة فلا تحتاج إلى بيان. فانظر إلى ما ذكره نافع ابن هلال (قدّس سرّه) عندما حزن الإمام الحسينعليه‌السلام على مقتل قيس بن مسهر الصيداوي (قدّس سرّه) وما فعل به في الكوفة، ففي مقتل الخوارزمي 1 / 336، قال:

قال، وقال للحسينعليه‌السلام رجل من شيعته، يُقال له هلال بن نافع الجملي: يابن رسول الله، أنت تعلم أنّ جدَّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمْ يقدر أنْ يشرب الناس محبّته، ولا أنْ يرجعوا إلى ما كان أحبّ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمرَّ من الحنظل، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه.

وأنّ أباك عليّعليه‌السلام قد كان في مثل ذلك، فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين، وقوم قعدوا عنه وخذلوه حتّى مضى إلى رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه. وأنت اليوم - يابن رسول الله - على مثل تلك الحالة، فمَن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرَّ إلاّ نفسه، والله تبارك وتعالى مغنٍ عنه، فسر بنا - يابن رسول الله - راشداً معافىً، مشرِّقاً إنْ شئت أو مغرِّباً، فوالله الذي لا إله إلاّ هو، ما أشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربّنا، وإنَّا على نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك.

(2) وقد ذكرنا شيئاً من أحواله في كتاب مقتل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من موروث أهل الخلاف في بحث تسمية أهل البيتعليهم‌السلام أبناءهم بأسماء أعدائهم في الفصل الثالث عشر، كتخلُّفه عن بيعة أبي بكر مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذكرنا أيضاً خروجه على أمير المؤمنينعليه‌السلام في معركة الجمل.

١١٥

ابن أبيه(1) على أمير المؤمنينعليه‌السلام وعاداه واعادى أبناءهعليهم‌السلام وشيعته، وهل بعد

____________________

(1) وزياد ابن أبيه لا يختلف اثنان في أنّه من أخبث المعادين والمعاندين لأهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم، مع أنّه كان يُعرف قبلُ بالتشيع. وهذا واضح لا سترة عليه، والكتب التاريخيّة مليئة بهذا. وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في كتاب مقتل أبي عبد الله من موروث أهل الخلاف، في الفصل السادس في ترجمة ابنه عبيد الله بن زياد.

ومنه ما ذكر في شرح نهج البلاغة 11 / 44، قال عبد الحميد المعتزلي:

وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب (الأحداث)، قال: كتب معاوية نسخةً واحدةً إلى عمَّاله بعد عام الجماعة أنْ برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً (ع) ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته.

وكان أشدُّ الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة مَن بها من شيعة عليّعليه‌السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمَّ إليه البصرة، فكان يتتبَّع الشيعة وهو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام عليّعليه‌السلام ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل، وطرفهم وشرَّدهم عن العراق، فلمْ يبقَ بها معروف منهم... إلخ.

وجاء في تاريخ اليعقوبي 2 / 230:

وكانت بينه - زياد ابن أبيه - وبين حجر بن عدي مودّة، فوجَّه إليه فأحضره، ثمّ قال له: يا حجر، أرأيت ما كنت عليه من المحبّة والموالاة لعليّ (ع)؟ قال: نعم. قال: فإنّ الله قد حوَّل ذلك بغضة وعداوة. أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية؟ قال: نعم. قال: فإنّ الله قد حوَّل ذلك محبّة وموالاة، فلا أعلمنَّك ما ذكرت عليّاً (ع) بخير، ولا أمير المؤمنين معاوية بشرِّ.

وفي لسان الميزان 2 / 493، قال ابن حجر:

وكان زياد قويَّ المعرفة جيِّد السياسة، وافر العقل. وكان من شيعة عليّعليه‌السلام ، وولاه إمرة القدس، فلمَّا استلحقه معاوية صار أشدَّ الناس على آل عليّعليه‌السلام وشيعته، وهو الذي سعى في قتل حجر بن عدي.... إلخ.

وفي سير أعلام النبلاء 3 / 496، قال الذهبي، قال أبو الشعثاء: كان زياد أفتك من الحجّاج لمَن يخالف هواه.

١١٦

انقلابهم ومعاداتهم وجحدهم إيَّاهعليه‌السلام ، يُقال لهم: شيعة عليّعليه‌السلام ؟!

فكلّ مَن خرج لقتال أهل البيتعليهم‌السلام ، فهو من أعدائهم لا من شيعتهم، حتّى لو لمْ يصنع شيئاً غير تكثير سواد الأعداء(1) .

____________________

وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أنّ زياداً كتب إلى معاوية: إنّي قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة، وسأله أنْ يولِّيه الحجاز. فقال ابن عمر: اللهمّ، إنّك إنْ تجعل في القتل كفارة فموتاً لابن سميّة لا قتلاً. فخرج في إصبعه طاعون فمات.

قال الحسن البصري: بلغ الحسن بن عليّعليهما‌السلام أنّ زياداً يتتبَّع شيعة عليّ (ع) بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه. وقِيل: إنّه جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من أبي الحسنعليه‌السلام فأصابه حينئذ طاعون في سنة ثلاث وخمسين.

وفي مجمع الزوائد 6 / 266، قال الهيثمي: وعن الحسن قال: كان زياد يتتبع شيعة عليّ (ع) فيقتلهم، فبلغ ذلك الحسن بن عليّعليهما‌السلام . فقال: «اللهمّ، تفرَّد بموته فإنّ القتل كفارة». رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وهذه مرويّات بأسانيد متعدّدة كما في المعجم الكبير للطبراني وتاريخ دمشق لابن عساكر.

(1) وهذا ملموس بالوجدان لكلّ أحد إلاّ مَن أراد أنْ يخلط الحقَّ بالباطل ويسلو بنفسه عن الحساب، وعدم التوبة بما يُوحي له الشيطان. فأذكر لك ما يبيِّن هذه الحقيقة الوجدانيّة، فقد ذكر أبو الوداك - في أحوال مَن كثَّر السواد، وإنْ لمْ يقتل أحداً مع ما ذكرناه في كتاب المقتل - شمول عقاب قتلة الحسينعليه‌السلام لمَن كثَّر سواد جيش يزيد بن معاوية (لعنه الله).

روى الطبري في تاريخه 3 / 325 - 326، قال:

قال أبو مخنف، حدَّثني نمير بن وعلة: أنّ أيّوب بن مشرح الخيواني، كان يقول: أنا والله عقرت بالحرّ بن يزيد فرسه، حشأته سهماً فما لبث أنْ أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسيف في يده، وهو يقول:

إنْ تعقروا بي فأنا ابنُ الحُرِّ

أشجعُ من ذي لبدٍ هِزَبْرِ

قال: فما رأيت أحداً قط يفري فريه.

قال، فقال له أشياخ من الحيّ: أنت قتلته؟ قال: لا والله ما أنا قتلته، ولكن قتله غيري، وما أحبّ أنّي قتلته.

١١٧

وإليك موقفاً من المواقف العقلائيّة يُبيِّن هذه الحقيقة. فقد روى الطبري بعد كلام دار بين زهير بن القين (رضوان الله عليه) وبين عزرة بن قيس، قال: فقال له عزرة بن قيس: إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت. فقال له زهير: يا عزرة، إنّ الله قد زكَّاها وهداها، فاتّق الله يا عزرة، فإنّي لك من الناصحين.

أنشدك الله - يا عزرة - أنْ تكون ممّن يُعين الضلال على قتل النفوس الزكيّة. قال: يا زهير، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانيّاً.

قال: أفلست تستدلّ بموقفي هذا أنّي منهم؟ أمَا والله، ما كتبت إليه كتاباً قط(1) .

____________________

فقال له أبو الوداك: ولِمَ؟ قال: إنّه كان - زعموا - من الصالحين، فوالله لئن كان ذلك إثماً، لأنْ ألقى الله بإثم الجراحة والموقف أحبّ إليَّ من أنْ ألقاه بإثم قتل أحد منهم. فقال له أبو الوداك: ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين، أرأيت لو أنّك رميت ذا فعقرت ذا، ورميت آخر ووقفت موقفاً، وكرّرت عليهم وحرَّضت أصحابك، وكثَّرت أصحابك، وحمل عليك، فكرهت أنْ تفرَّ وفعل آخر من أصحابك كفعلك، وآخر وآخر، كان هذا وأصحابه يقتلون، أنتم شركاء كلّكم في دمائهم. فقال له: يا أبا الوداك! إنّك لتقنطنا من رحمة الله، إن كنت وليَّ حسابنا يوم القيامة فلا غفر الله لك إنْ غفرت لنا. قال: هو ما أقول لك. انتهى.

(1) وأمَّا مَن كتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، مثل: حبيب بن مظاهر وغيره من الشيعة الموالين، فهؤلاء لمْ يسمع لهم ذكر مع مسلم بن عقيلعليه‌السلام ؛ وذلك للأحداث التي حتَّمت تعجيل الخروج، ولكبر الكوفة واتّساعها وانتشار الشيعة مع قلَّتهم في أقطارها، وقصر المدّة الزمنيّة التي خرج فيها مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، فلمْ يمكّنهم الحضور لبعدهم ولضيق الوقت، فمَن حضر هم خصوص من سمع نداء: يا منصور أمت، وهم القريبون فقط.

ولا يُبعد أيضاً فرض الإقامة الجبريّة على بعض هؤلاء والسجن على البعض الآخر؛ وذلك لأنّ مثل هؤلاء كانوا معروفين بالتشيع لأهل البيتعليهم‌السلام ، والمدّة التي كان ابن زياد (لعنه الله) يبحث فيها عن مسلم بن عقيلعليه‌السلام كافية لذلك.

وقد تقدّم في الهامش الثاني والرابع، من هوامش الأمر الثاني عشر: موقف من كتب من الشيعة إلى الإمام.

١١٨

ولا أرسلت إليه رسولاً قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلمَّا رأيته ذكرت به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوِّه وحزبكم، فرأيت أنْ أنصره وأنْ أكون في حزبه، وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لمَا ضيَّعتم من حقِّ الله وحقِّ رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) .

وأمَّا الذين كتبوا إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ووعدوه النصر - من غير الشيعة المعتقدين بإمامتهعليه‌السلام بالنَّصّ - ثمّ لمْ يخرجوا لنصرته مع تمكُّنهم، كما يُشير لهذا ما صرَّح به المؤرِّخون من أنّ التوّابين الذين خرجوا بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام هم من الشيعة ومن غيرهم، كما تقدَّم تحت عنوان: حقائق تاريخيّة، تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهؤلاء كبقيّة من بايع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام على أنّه الخليفة الرابع بعد عثمان بن عفّان لا أنّه الخليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنَّص، فخذلة الإمام الحسينعليه‌السلام بمنزلة بعض الخوارج - في انحرافهم ثمّ توبتهم - الذين بايعوا الإمام عليّعليه‌السلام وقاتلوا معه القاسطين والناكثين، ثمّ خرجوا عليه فكانوا من المارقين، ثمّ تابوا كما يُقال، ثمّ عدوا على ابنه الإمام الحسينعليه‌السلام فقتلوه، ومن هؤلاء شبث بن ربعي، كما يأتي ذكر ذلك في ترجمته على ما هو في مصادر القوم، فهؤلاء - عدا من خرج عليه بعدُ - شيعتهعليه‌السلام بالمعنى العامّ، وهم قطعاً غير الشيعة المعتقدة بإمامته بالنَّصّ.

وأمَّا الشيعة المعتقدة بإمامته بالنصّ، فهم مع قلّتهم في الكوفة قد ضيِّق عليهم - كما تقدَّم عليك - لكي لا يصلوا إلى الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء؛ فزُجَّ

____________________

الحسينعليه‌السلام في مقتل ميثم (قدّس سرّه) - بنقل ابن حجر العسقلاني - ما يبيّن شيئاً من ذلك كحبس المختار، وقتل ميثم قبل وصول الحسينعليه‌السلام إلى العراق بعشرة أيّام.

(1) تاريخ الطبري 3 / 114.

١١٩

في السجون مَنْ زُجَّ كسليمان بن ُصرد الخزاعي والمختار وغيرهما من الشيعة، وقُتل مَن قُتل، وأُبعد مَن أُبعد، وجُعلت المناظر والمسالح لكي لا يصل أحد منهم إليهعليه‌السلام (1) .

وأمَّا مسألة التوبة التي خرجوا بعنوانها على قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهي لانضمام غيرهم ممّن خذل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهم الكثرة الكاثرة من التوابين، فإنّه إذا كان سليمان بن ُصرد الخزاعي والمختار وغيرهما في السجون. وكان بعض قد أُبعدوا وبعض آخر مُنعوا من أنْ يصلوا إلى إمامهم الحسينعليه‌السلام حتّى أقيمت المراصد والمسالح، فلماذا يتوب هؤلاء غير المتمكّنين من نصرتهعليه‌السلام ؟! إلاّ أنْ تحمل التوبة على الجانب القصوري لا التقصيري كما هو متعارف، إذ المتعارف بين الناس، إذا طُلب منهم شيء وهم لا يستطيعون فعله، أنْ يقدِّموا الاعتذار مع أنّهم غير متمكِّنين، وهي لا تدلُّ على الخذلان كما هو ظاهر.

المتطرِّفون من أهل الخلاف لايختلفون عن قتلة الحسينعليه‌السلام

قتلة سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسين بن عليّعليهما‌السلام لا يختلفون عن غيرهم من أهل الخلاف القائلين بإمامة آل أبي سفيان، فأهل الخلاف المتطرِّفون شيعة وأنصار لهم، وقتلة الحسينعليه‌السلام شيعة وأنصار لهم، فما الفرق؟! ولهذا لا تجد من هذه الفرقة مَن يخطّئ يزيد بن معاوية فضلاً عن أبيه، فيسدِّدون أعمالهم ويعتذرون لهم، وما ذلك إلاّ لاعتقادهم بإمامتهم.

وأمَّا الشيعة الإماميّة، فلا يختلف اثنان في أنّهم أعداء آل أبي سفيان، وأعداء

____________________

(1) تقدّم كلّ ذلك في الأمر الثالث، تحت عنوان: اعتقال ابن زياد للشيعة وقتلهم، ومنعهم من الوصول إلى الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

١٢٠