من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 61443
تحميل: 4153

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61443 / تحميل: 4153
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وصلت الدماء إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وامتلأت الروضة والمسجد(1) .

قال مجاهد: التجأ الناس إلى حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنبره والسيف يعمل فيهم، وكانت واقعة الحرّة سنة ثلاثة وستين في ذي الحجة، فكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أشهر، ما أمهله الله بل أخذه أخذ القرى(2) ، وهي ظالمة، وظهرت فيه الآثار النبويّة والإشارات المحمّديّة(3) .

وقال سبط ابن الجوزي:

وذكر أيضاً المدائني عن أبي قرّة، قال: قال هشام بن حسّان، ولدت ألف امرأة بعد الحرّة من غير زوج، وغير المدائني يقول: عشرة آلاف امرأة(4) .

وقال ابن حمدون:

قال سعيد بن المسيب: مكثت ثلاثة أيّام في زمن يزيد بن معاوية أصلّي في المسجد لا يصلّي معي داع ولا مجيب؛ إنّ أهل الشام لا يتركون أحداً بلغ الحلم إلاّ ضربوا عنقه(5) .

بيعة أهل المدينة على أنّهم خول وعبيد ليزيد بن معاوية

روى ذلك كثير من المؤرخين، منهم: ابن قتيبة الدينوري وخليفة بن الخياط

____________________

(1) تذكرة الخواص، ابن الجوزي / 259، طبعة منشورات الشريف الرضيّ، كتاب الردّ على المتعصب العنيد، أبو الفرج ابن الجوزي /55، تحقيق الشيخ المحمودي (قدّس سرّه).

(2) وفي المطبوع: أخذ القوي، والظاهر ما أثبتناه.

(3) تذكرة الخواص، ابن الجوزي / 259، طبعة منشورات الشريف الرضيّ.

(4) تذكرة الخواص، ابن الجوزي 259 / 260، طبعة منشورات الشريف الرضيّ.

(5) التذكرة الحمدونيّة لابن حمدون / 6169، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

٢٠١

وابن عساكر وابن أبي الحديد وغيرهم(1) .

وفي تاريخ اليعقوبي، قال:

فلمَّا انتهى الخبر إلى يزيد بن معاوية وجَّه إلى مسلم بن عقبة، فأقدمه من فلسطين، وهو مريض فأدخله منزله، ثمّ قصَّ عليه القصّة، فقال: يا أمير المؤمنين، وجِّهني إليهم فوالله، لأدعنَّ أسفلها أعلاها - يعني: مدينة الرسول (ص) - فوجَّهه في خمسة آلاف إلى المدينة، فأوقع بأهلها وقعة الحرّة، فقاتله أهل المدينة قتالاً شديداً وخندقوا على المدينة، فرام ناحية من نواحي الخندق فتعذَّر ذلك عليه، فخدع مروان بعضهم فدخل ومعه مئة فارس، فأتبعه الخيل حتّى دخلت المدينة، فلمْ يبقَ بها كثير أحد إلاّ قُتل. وأباح حرم رسول الله (ص)، حتّى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهنَّ، ثمّ أخذ الناس على أنْ يبايعوا على أنّهم عبيد يزيد بن معاوية، فكان الرجل من قريش يُؤتى به فيُقال: بايع آية أنّك عبد قن ليزيد، فيقول: لا، فيُضرب عنقه.

فأتاه عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، فقال: علامَ يُريد يزيد أنْ أبايعك؟ قال: على أنّك أخ وابن عمٍّ. فقال: وإنْ أردت أنْ أبايعك على أنّي عبد قن فعلت. فقال: ما أحشمك هذا. فلمَّا أنْ رأى الناس إجابة عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، قالوا: هذا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بايعه على ما يريد، فبايعوه على ما أراد، وكان ذلك سنة 62هـ(2) .

وما أوردناه هنا من أحداث واقعة الحرّة يسير جدّاً، فليراجع من بغيته المزيد كتاب مقتل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من موروث أهل الخلاف.

____________________

(1) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري 1 / 236، بتحقيق الشيري، الأخبار الطوال، الدينوري /265، تاريخ خليفة بن خياط، العصفري /183، تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر 58 / 107، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 15 / 242.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 250.

٢٠٢

* * *

٢٠٣

كفر يزيد بن معاوية

ولا يشكّ في كفره إلاّ مَن تعصَّب للباطل، أو غلب على عقله الضلال، إذ يزيد بن معاوية نفسه قد أقرَّ بالارتداد فضلاً عمَّن قال بكفره. فقد روى ابن عبد ربّه الأندلسي:

وأمر مسلم بن عقبة بقتل معقل بن سنان الأشجَعي صبراً، ومحمّد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي صبراً. وكان جميعُ مَن قُتل يوم الحرّة من قريش والأنصار ثلاثمئة رجلٍ وستّة رجالٍ، ومن الموالي وغيرهم أضعاف هؤلاء. وبعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد، فلمَّا أُلقيت بين يديه جَعل يتمثَّل بقول ابن الزَّبعرى يوم أحد:

ليت أشياخِي ببدرٍ شَهِدُوا

جَزَع الخَزْرج من وَقْع الأسَلْ

لأهلّوا واستهلُّوا فرحا

ولقالوا ليزيدٍ: لا فَشَلْ

فقال له رجل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارتددتَ عن الإسلام يا أمير المؤمنين؟! قال: بلى، نَستغفر الله. قال: والله، لا ساكنتُك أرضاً أبداً. وخرج عنه(1) .

وأمَّا من قال بكفره، فكثير. قال عبد الحيّ الدمشقي:

وقال اليافعي: وأمَّا حكم مَن قتل الحسينعليه‌السلام ، أو أمر بقتله ممّن استحلّ ذلك، فهو كافر، وإنْ لمْ يستحلَّ ففاسق فاجر، والله أعلم(2) .

وقال ابن الدمشقي:

____________________

(1) العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي / 3185، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

(2) شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي 1 / 68 - 69.

٢٠٤

وقال ابن القفطي في تاريخه: إنّ السبي لمَّا ورد على يزيد بن معاوية خرج لتلقِّيه، فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام ، والرؤوس على أسنَّة الرماح، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب، فلمَّا رآهم أنشد:

لمَّا بدت تلك الحمولُ وأشرقت

تلك الرؤوسُ على رُبَا جَيْرُونِ

نعب الغرابُ فقلتُ قل أو لا تقل

فقد اقتضيتُ من الرسولِ ديوني

يعني بذلك أنّه قتل الحسينعليه‌السلام بمَن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر مثل عتبة جدِّه ومَن مضى من أسلافه! وقائل مثل هذا القول بريء من الإسلام، ولا يُشكّ في كفره(1) .

وقال أيضاً:

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فقد اقتضيت من الرسول ديوني

فقال له رجل من الصحابة: ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين، قال: بل نستغفر الله!

وقرع ثغره الشريف بالقضيب وهو الحبيب وابن الحبيب [ و ] سبط الحبيب، وكلّ هذا ممّا يدل على صريح الكفر [أو الكفر] الصريح والمذهب(2) القبيح، والقيامة تجمعهم، وإلى الله مرجعهم، ففضَّ الله فاه بما نطق وفاه(3) .

وقال المناوي:

قال المولى بن الكمال: والحقُّ أنّ لعن يزيد على اشتهار كفره، وتواتر فظاعته وشرِّه على ما عُرف بتفاصيله جائز(4) .

____________________

(1) جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ، ابن الدمشقي 2 / 300.

(2) وفي المطبوع: الذهب، والصحيح ما أثبتناه.

(3) جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ، ابن الدمشقي 1 / 15.

(4) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي 1 / 264.

٢٠٥

وقال سبط ابن الجوزي:

قال ابن عقيل: وممّا يدلُّ على كفره وزندقته - فضلاً عن سبِّه ولعنه - أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته التي أوّلها:

عُلَيَّةُ هاتي واعلني وترنَّمِي

بذلك إني لا أُحِبُّ التناجيا

حديثُ أبي سفيانَ قِدْمَاً سما بها

إلى أُحُدٍ حتّى أقام البواكيا

ألا هاتِ فاسقيني على ذاك قهوةً

تخيَّرها العنسيُّ كرْماً شآميا

وإن متُّ يا أُمَّ الأحيمرِ فانكحي

ولا تأملي بَعْدَ الفراقِ تلاقيا

فإن الذي حُدِّثْتِ عن يومِ بَعْثِنا

أحاديثُ طسمٍ تجعلُ القلبَ ساهيا

ولابدَّ لي من أن أزورَ محمّداً

بمشمولةٍ صفراءَ تَرْوِي عظاميا

قلت، ومنها:

ولو لم يمسَّ الأرضَ فاضلُ بُرْدِها

لما كان عندي مسحةٌ في التيمُّمِ

ومنها: لما بدت تلك الحمول وأشرقت...، وقد ذكرناها وهي قوله:

لما بدت تلك الحمولُ وأشرقتْ

تلك الشموسُ على رُبَى جيرونِ

نَعَبَ الغرابُ فقلتُ: نُحْ أو لا تَنُحْ

فلقد قضيتُ من الغريمِ ديوني(1)

ومنها قوله:

معشرَ الندمانِ قوموا

واسمعوا صَوْتَ الأغاني

واشربوا كأسَ مُدَامٍ

واتركوا ذِكْرَ المعاني

شغلتني نغمةُ العيدان

عن صوتِ الأذانِ

____________________

(1) وهذين البيتين قد ذكرهما في التذكرة في / 235، ط منشورات الشريف الرضيّ.

٢٠٦

وتعوَّضْتُ عن الحورِ

خموراً في الدِّنَانِ

إلى غير ذلك ممّا نقلته من ديوانه؛ ولهذا تطرَّق إلى هذه الاُمّة العار بولايته عليها، حتّى قال أبو العلاء المعرّي (قدّس سرّه) يشير بالشنار إليها:

أرى الأيامَ تفعلُ كلّ نُكْرٍ

فما أنا في العَجَائِبِ مستزيدُ

أليس قريشُكم قتلت حسيناً

وكان على خلافتِكُمْ يزيدُ(1)

وقال ابن كثير:

قال أبو مخنف، فحدَّثني أبو جعفر العبسي، قال: وقام يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم، فقال:

لَهَامٌ بجَنْبِ الطفِّ أدنى قرابةً

من ابن زيادِ العبدِ في الحَسَبِ الوَغلِ

سميةُ أضحى نسلُها عَدَدَ الحصى

وليس لآلِ المصطفى اليومَ من نَسْلِ

قال: فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم، وقال له: اسكت.

وقال محمّد بن حميد الرازي، وهو شيعي(2) : حدَّثنا محمّد بن يحيى

____________________

(1) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي / 260 - 261، ط منشورات الشريف الرضيّ.

(2) محمّد بن حميد وثَّقه جماعة من علماء أهل الخلاف، مثل: ابن معين وأحمد بن حنبل وغيرهما. قال عمر بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات / 208، وفي ط /290:

وقال أحمد بن حنبل: لا يزال بالري علم ما دام بها محمّد بن حميد - يعني: الرازي - حيّاً قال أبو عبد الرحمن: قدم علينا محمّد بن حميد - يعني: الرازي - وكان أبي بالعسكر، فلمَّا خرج قدم أبي. وكان أصحابه يسألونه عن ابن حميد، [ فقال لي: ما لهؤلاء يسألوني عن ابن حميد؟ ].

وفي ط: بدون ما بين المعكوفتين، قلت: قدم ها هنا فحدَّثهم بأحاديث لا يعرفونها. قال لي: كتبت عنه؟ قلت: نعم، كتبت عنه جزءاً. قال: اعرض عليَّ. فعرضتها عليه. فقال: أمَّا حديثه عن ابن المبارك وابن جريج، فهو صحيح؛ فأمَّا حديثه عن أهل الري، فهو أعلم. أخبرنا الحسن بن صدقة، أخبرنا ابن أبي خيثمة، قال: سُئل يحيى بن معين عن محمّد بن حميد الرازي فقال: ثقة ليس به بأس، ذا رأي كيس. وفي ط: رازي، كيس.

٢٠٧

الأحمري، حدَّثنا ليث، عن مجاهد قال: لمَّا جِيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يدي يزيد، تمثَّل بهذه الأبيات:

ليت أشياخِي ببدرٍ شَهِدُوا

جَزَع الخَزْرج من وَقْع الأسَلْ

فأهلّوا واستهلُّوا فرحاً

ثمّ قالوا لي هنيّاً لا تسلْ

حين حكَّت بفناءٍ بركها

واستحرَّ القتلُ في عبدِ الأسلْ

قد قتلنا الضِّعفَ من أشرافِكم

وعدلنا مَيْلَ بدرٍ فاعتدل

قال مجاهد: نافق فيها، والله ثمّ والله، ما بقي في جيشه أحد إلاّ تركه، أي: ذمَّه وعابه(1) .

وقال سبط ابن الجوزي:

وقال الشعبي: وزاد فيها يزيد، فقال:

لعبت هاشمُ بالملكِ فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل

لستُ من خندفَ إن لم أَنتقم

من بني أحمدَ ما كان فعل(2)

وذكر ابن كثير بعد الدفاع عن إمامه يزيد بن معاوية هذا القول:

وأمَّا ما يوردونه عنه من الشعر في ذلك، واستشهاده بشعر ابن الزبعرى في وقعة أحد التي يقول فيها:

ليت أشياخِي ببدرٍ شَهِدُوا

جَزَع الخَزْرج من وَقْع الأسَلْ

حين حلَّت بفناهم بركها

واستحرَّ القتلُ في عبدِ الأشلْ

قد قتلنا الضِّعفَ من أشرافِكم

وعدلنا مَيْلَ بدرٍ فاعتدل

وقد زاد بعض الروافض فيها، فقال:

____________________

(1) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 208.

(2) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 208.

٢٠٨

لعبت هاشمُ بالملكِ فلا

مَلَكٌ جاء ولا وحيٌ نزل

فهذا إنْ قاله يزيد بن معاوية، فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين، وإنْ لمْ يكن قاله فلعنة الله على مَن وضعه عليه ليشنِّع به عليه. وسيُذكر في ترجمة يزيد بن معاوية قريباً، وما ذكر عنه وما قِيل فيه وما كان يُعانيه من الأفعال والقبائح والأقوال في السنة الآتية؛ فإنّه لمْ يمهل بعد وقعة الحرّة وقتل الحسينعليه‌السلام إلاّ يسيراً حتّى قصمه الله الذي قصم الجبابرة قبله وبعده، إنّه كان عليماً قديراً.

وقد توفّي في هذه السنة خلق من المشاهير والأعيان من الصحابة وغيرهم في وقعة الحرّة ممّا يطول ذكرهم(1) .

وهذا عجيب من ابن كثير، حيث صرَّح هنا بكلّ قوة بلعن يزيد على فرض أنّه قال هذا البيت، ولعلّ ذلك في اعتقاده من التعليق على المحال، بل هو كذلك. وسيأتيك ثناؤه على يزيد بن معاوية، بل نقل أنّه من الطبقة العليا التالية للصحابة، فيكون لعنه متوجِّهاً للشيعة على حسب دعواه، مع أنّ جزم علمائهم كما تقدّم، والطبري بقوله: هذا البيت وما تقدَّم عن حاضنة يزيد، يدحضُ قوله وأقوال من هم على شاكلته(2) الذين أخذوا على أنفسهم نصرة أعداء أهل البيتعليهم‌السلام بكلّ السبل الباطلة؛ وذلك - والعياذ بالله - لمَا يرونه من جميل نصرة أعداء أهل الوحي والرسالةعليهم‌السلام ، فإنّه إذا كان يزيد بن معاوية من الجبابرة الذين يفعلون القبائح ويهتكون المحرَّمات، ويعبثون بالمقدَّسات، ويفعلون ما فعلوه بأهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقتلون الصحابة والتابعين والقرَّاء، ويهتكون حرمة

____________________

(1) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 45.

(2) مثل الغزالي في بعض أقواله وابن تيميّة وأضرابهما، ولكن لا عجب إذ حقّ لأتباع... أنْ ينصروه.

٢٠٩

المدينة المنورة ويُبيحونها ثلاثة أيّام و... و... و...، فلماذا يلعن ابن كثير الشيعة على فرض أنّ يزيد بن معاوية لمْ يقل هذا البيت من الشعر؟ هب أنّه لمْ يقله، فهل هذا يضرُّ بالإسلام أو بعقيدة أهل الخلاف شيئاً، حتّى يلزم لعن الشيعة؟ ولكن ماهذا إلاّ لإقرار ابن كثير بإمامته، فهذا الذي يدعوه للدفاع المستميت.

وعلى كلّ حال هنيئاً له ولأمثاله بإمام كيزيد بن معاوية ومَن هو على شاكلته، وحشرهم الله معه!

* * *

٢١٠

٢١١

لعن علماء أهل الخلاف يزيد بن معاوية

فتوى جمع من المحقّقين بجواز لعنه

قال المناوي:

وقد أطلق جمعٌ محققون حلَّ لعن يزيد به، حتّى قال التفتازاني: الحقُّ أنْ رضى يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام ، وإهانته أهل البيتعليهم‌السلام ممّا تواتر معناه، وإنْ كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقَّف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

قال الزين العراقي، وقوله: بل في إيمانه، أي: بل لا يتوقّف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده(1) .

فتوى المولى ابن الكمال بجواز لعنه

وقال المناوي:

قال المولى ابن الكمال: والحقُّ أنّ لعن يزيد على اشتهار كفره، وتواتر فظاعته وشرِّه على ما عُرف بتفاصيله جائز(2) .

الكيا الهراسي الفقيه الشافعي

وقال الفقيه الشافعي الكيا الهراسي في يزيد: إنّه لمْ يكن من الصحابة؛ لأنّه ولد في أيّام عمر بن الخطاب.

وأمَّا قول السلف ففيه لأحمد قولان: تلويح وتصريح، ولمالِك قولان: تلويح

____________________

(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي 3 / 109.

(2) فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي 1 / 265.

٢١٢

وتصريح. ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح. ولنا قول واحد: التصريح دون التلويح. وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، والمتصيِّد بالفهود، ومدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم، ومنه قوله:

أقولُ لصحبٍ ضمَّت الكأسُ شملَهم

وداعي صباباتِ الهوى يترنَّمُ

خذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذَّةٍ

فكلٌّ وإن طال المدى يتصرَّمُ

ولا تتركوا يومَ السرورِ إلى غدٍ

فربَّ غدٍ يأتي بما ليس يُعْلَمُ(1)

جواز لعنه من أحمد بن حنبل والردّ على من منع

قال سبط ابن الجوزي:

ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنّه قال: قد كان من معاوية هنات لو لقي أهل الأرض الله ببعضها لكفاهم: وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين، وادِّعاؤه زياداً، وقتله حجر بن عدي وأصحابه، وتوليته مثل يزيد على الناس.

قال، وقد كان معاوية يقول: لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي(2) .

وذكر جدي أبو الفرج في كتاب: الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد(3) . وقال، سألني سائل فقال: ما تقول في يزيد بن معاوية؟ فقلت له:

____________________

(1) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان 3 / 287.

(2) ورُوى قول معاوية هذا، محدّث الشام ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 59 / 61، 214 - 215، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3 / 156، وابن كثير في البداية والنهاية 8 / 126، وغيرهم.

(3) كتاب الردّ على المتعصّب العنيد، أبو الفرج ابن الجوزي / 6، 19، تحقيق الشيخ المحمودي (قدّس سرّه).

٢١٣

يكفيه ما به. فقال: أتجوِّز لعنه؟ فقلت: قد أجاز العلماء الورعون لعنه، منهم: أحمد بن حنبل، فإنّه ذكر في حقِّ يزيد ما يزيد على اللعنة.

قال جدِّي: وأخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي البزاز، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي، أنبأنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر، أنبأنا أحمد بن محمّد بن الخلال، حدَّثنا محمّد بن عليّ، عن منهال بن يحيى قال: سألت أحمد بن حنبل عن يزيد ابن معاوية، فقال: هو الذي فعل ما فعل. قلت: ما فعل؟ قال: نهب المدينة. قلت: فنذكر عنه الحديث؟ قال: لا، ولا كرامة، لا ينبغي لأحد أنْ يكتب عنه الحديث.

وحكى جدّي أبو الفرج، عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه المعتمد في الأصول، بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال، قلت لأبي: إنّ قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد؟ فقال: يا بني، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله؟ فقلت: فلِمَ لا تلعنه؟ فقال: وما رأيتني لعنت شيئاً، يا بني، لِمَ لا تلعن مَن لعنه الله في كتابه؟ فقلت: وأين لعن الله يزيد في كتابه؟ فقال: في قوله تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (1) . فهل يكون فساد أعظم من القتل؟

وفي رواية، سأله صالح فقال: يا بني، ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه وذكره؟

وقال جدِّي: وصنَّف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان مَن يستحقّ اللعن، وذكر منهم يزيد. وقال في الكتاب المذكور: الممتنع من جواز لعن يزيد؛ إمَّا أنْ يكون غير عالم بذلك، أو منافقاً يُريد أنْ يُوهم بذلك، وربما استفزّ - استغرـ الجهّال بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «المؤمن لا يكون لعَّاناً».

قال القاضي: وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن.

____________________

(1) سورة محمّد / 22 - 23.

٢١٤

فإنْ قِيل، فقوله تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ) (1) نزلت في منافقي اليهود.

فقد أجاب جدِّي عن هذا في الردّ على المتعصب، وقال: الجواب أنّ الذي نقل هذا مقاتل بن سليمان ذكره في تفسيره. وقد أجمع عامّة المحدِّثين على كذبه، كالبخاري ووكيع، والساجي والسدي والرازي والنسائي وغيرهم، وقال: فسَّرها أحمد بأنّها في المسلمين، فكيف يُقبل قول أحمد أنّها نزلت في المنافقين؟

فإنْ قِيل: فقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أوَّل جيش يغزو القسطنطينية مغفور له، ويزيد أوَّل مَن غزاها.

قلنا: فقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لعن الله مَن أخاف مدينتي!». والآخر ينسخ الأوّل(2) .

____________________

(1) سورة محمّد / 22.

(2) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي / 257 - 258، طبعة منشورات الشريف الرضيّ.

وقد نُقل ما جرى بين أحمد بن حنبل وابنه غير سبط ابن الجوزي، مثل: الشبرواي، ومحمّد رضا - أمين مكتبة جامعة فؤاد الأوَّل سابقاً في كتابه: الحسن والحسين سبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله / 143، ط دار الكتب العلميّة، بيروت - نقلاً عن إحقاق الحقّ 33 / 666، قال:

وقال الإمام ابن حنبل بكفر يزيد. ونقل صالح بن أحمد بن حنبل (رضي الله عنهما)، قال، قلت لأبي: يا أبتِ أتلعن يزيد؟ فقال: يا بني، كيف لا نلعن مَن لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز، في: الرعد والقتال والأحزاب، قال تعالى:( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) . سورة الرعد / 25.

وأيُّ قطيعة أفظع من قطيعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ابن بنته الزهراءعليها‌السلام ؟ وقال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) . سورة الأحزاب / 57. وأيُّ أذيّة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق قتل ابن بنته الزهراءعليها‌السلام ؟ وقال تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) . سورة محمّد / 22 - 23. وهل بعد قتل الحسين (ع) عنه إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام؟

٢١٥

لعن ابن الزبير

قال مطهر بن طاهر المقدسي المتوفَّى سنة 507 هـ: وأمَّا عبد الله بن الزبير فامتنع بمكّة ولاذ بالكعبة، ودعا الناس إلى الشورى وجعل يلعن يزيد، وسمَّاه الفاسق المتكبِّر، وقال: لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد!(1)

قول ابن الزبير: يزيد الفاجر ابن الفاجر! ولعن...

قال سبط ابن الجوزي:

وقال عامر الشعبي: لمَّا بلغ عبد الله بن الزبير قتل الحسينعليه‌السلام خطب بمكّة وقال: ألاَ إنّ أهل العراق قوم غدر وفجر، ألاَ وإنّ أهل الكوفة شرارهم، إنّهم دعوا الحسينعليه‌السلام ليولُّوه عليهم ليُقيم أمورهم، وينصرهم على عدوِّهم ويعيد معالم الإسلام، فلمَّا قدم عليهم ثاروا عليه ليقتلوه، وقالوا له: إنْ لمْ تضع يدك في يد الفاجر الملعون ابن زياد الملعون! فيرى فيك رأيه، فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة.

فرحم الله حسيناً (ع) وأخزى قاتله، ولعن مَن أمره بذلك ورضي به، أفبعد ما جرى على أبي عبد الله (ع) يطمئن أحد إلى هؤلاء، أو يقبل عهود الفجرة الغدرة؟

أمَا والله، لقد كان صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل، وأولى بينهم من الفاجر ابن الفاجر! والله، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الخمور، ولا بقيام الليل الزمور، ولا بمجالس الذكر الركض في

____________________

(1) البدء والتاريخ، مطهر بن طاهر المقدسي 6 / 13.

٢١٦

طلب الصيود واللعب بالقرود، قتلوه فسوف يلقون غيّاً، ألاَ لعنة الله على الظالمين، ثمّ نزل(1) .

لعن القاضي أبي الحسن

قال أبو الفرج ابن الجوزي:

وصنَّف القاضي أبو حسن محمّد بن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء كتاباً، فيه بيان مَن يستحقّ اللعن وذكر فيهم يزيد، وقال: الممتنع من ذلك؛ إمَّا أنْ يكون غير عالم بجواز ذلك، أو منافقاً يُريد أنْ يُوهم بذلك، وربما استفزّ الجهّال بقوله (ص): المؤمن لا يكون لعّاناً.

قال القاضي أبو الحسن: وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن.

نقلت هذا من خط القاضي أبي الحسن وتصنيفه(2) .

لعن الحافظ الشيرازي ليزيد و بني اُميّة كلّهم

قال السمعاني:

وقال عبد العزيز النخشبي: أبو القاسم الحافظ الشيرازي كان يحفظ الغرائب، حسن الفهم حسن المعرفة، غير أنّه يلعن يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان وبني اُميّة كلَّهم، وجرت بيني وبينه مناظرة في ذلك(3) .

____________________

(1) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي /241، ط منشورات الشريف الرضيّ.

(2) كتاب الردّ على المتعصّب العنيد، أبو الفرج ابن الجوزي / 18، تحقيق الشيخ المحمودي (قدّس سرّه).

(3) الأنساب، السمعاني 3 / 493، وهو بعدما ذكر ترجمته، قال:

وأبو القاسم عبد الصمد بن الحسن بن محمّد بن جعفر الحافظ الشيرازي، من أهل شيراز، سمع بأصبهان أبا عبد الله محمّد بن إسحاق بن منده الحافظ، وأبا عليّ الحسن بن عليّ البغدادي، وببغداد أبا الحسن أحمد بن محمّد بن عمران الجندي، وأبا بكر محمّد بن زنبور بن خلف المقرئ، وبواسط أبا بكر أحمد بن عبيد بن بدري الواسطي، وبالإبلة أبا الحسن بن شيبان الإبلي وطبقتهم.

وكان حافظاً يعرف الحديث ويفهمه، وسمع منه أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد بن محمّد النخشبي، وأبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وغيرهما من أهل شيراز والغرباء. وقال هبة الله الشيرازي: أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن الحسن الحافظ الثقة إملاء بشيراز، وهو أوَّل شيخ سمعت منه الحديث. وقال عبد العزيز النخشبي:... إلخ.

٢١٧

لعن الآلوسي وجلال الدين السيوطي، وابن الجوزي وأبي يعلى وغيرهم، وفيه مَن يمنع... ويُبرئ يزيد

قال الشهاب الآلوسي:

في تفسير قوله تعالى:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) (1) . قال: واسُتدلّ بها أيضاً على جواز لعن يزيد عليه من الله تعالى ما يستحقّ!

نقل البرزنجي في الإشاعة والهيثمي في الصواعق: أنّ الإمام أحمد لمَّا سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد، قال: كيف لا يُلعن مَن لعنه الله تعالى في كتابه؟

فقال عبد الله: قد قرأت كتاب الله عزَّ وجلَّ، فلمْ أجد فيه لعن يزيد. فقال الإمام: إنّ الله تعالى يقول:( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ... ) (2) الآية. وأيُّ فساد وقطيعة أشدُّ ممّا فعله يزيد؟ انتهى.

ثم أخذ في ذكر الأقوال والمباني في اللعن، ثمّ قال:

وعلى هذا القول لا توقُّف في لعن يزيد؛ لكثرة أوصافه الخبيثة، وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه، ويكفي ما فعله أيّام استيلائه بأهل المدينة ومكّة. فقد روى الطبراني بسند حسن: «اللهمّ، مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه

____________________

(1) سورة محمّد / 22.

(2) سورة محمّد / 22.

٢١٨

وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل». والطامَّة الكبرى ما فعله بأهل البيتعليهم‌السلام ، ورضاه بقتل الحسين (على جدِّه وعليه الصلاة والسلام) واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته ممّا تواتر معناه، وإنْ كانت تفاصيله آحاداً.

وفي الحديث: «ستّة لعنتهم». وفي رواية: «لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب الدعوة: المحرّف لكتاب الله». وفي رواية: «الزائد في كتاب الله، والمكذِّب بقدر الله، والمتسلّط بالجبروت ليعزَّ مَن أذلَّ الله، ويذلَّ مَن أعزَّ الله، والمستحلّ من عترتي، والتارك لسنّتي».

وقد جزم بكفره وصرَّح بلعنه جماعة من العلماء، منهم: الحافظ ناصر السنَّة ابن الجوزي، وسبقه القاضي أبو يعلى. وقال العلامة التفتازاني: لا نتوقَّف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه. وممّن صرَّح بلعنه الجلال السيوطي عليه الرحمة.

وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات: أنّ السبي لمَّا ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسينعليهما‌السلام ، والرؤوس على أطراف الرماح، وقد أشرفوا على ثنية جيرون، فلمَّا رآهم نعب غراب، فأنشأ يقول:

لمّا بدت تلك الحمولُ وأشرفت

تلك الرؤوسُ على شفا جَيْرونِ

نعب الغرابُ فقلتُ قل أو لا تَقُلْ

فَقَدِ اقتضيتُ من الرسولِ ديوني(1)

يعني أنّه قُتل بمَن قتله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم بدر كجدِّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما، وهذا كفر صريح، فإذا صحَّ عنه فقد كفر به. ومثله

____________________

(1) روح المعاني، الآلوسي 26 / 72.

٢١٩

تمثُّله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه:

ليت أشياخي... الأبيات.

وأفتى الغزالي عفا الله عنه بحرمة لعنه، وتعقَّب السفاريني من الحنابلة، نقل البرزنجي والهيثمي السابق عن أحمد رحمه الله تعالى، فقال: المحفوظ عن الإمام أحمد خلاف ما نقلا، ففي الفروع ما نصُّه: ومن أصحابنا مَن أخرج الحجّاج عن الإسلام، فيتوجَّه عليه يزيد ونحوه.

ونصُّ أحمد خلاف ذلك وعليه الأصحاب، ولا يجوز التخصيص باللعنة خلافاً لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما. وقال شيخ الإسلام - يعني: والله تعالى أعلم ابن تيميّة -: ظاهر كلام أحمد الكراهة. قلت: والمختار ما ذهب إليه ابن الجوزي وأبو حسين القاضي، ومن وافقهما. انتهى كلام السفاريني.

وأبو بكر بن العربي المالكي - عليه من الله تعالى ما يستحقّ - أعظم الفرية فزعم أنّ الحسين (ع) قُتل بسيف جدِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وله من الجهلة موافقون على ذلك:( مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) (1) .

قال ابن الجوزي (عليه الرحمة) في كتابه السرّ المصون: من الاعتقادات العامّة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنّة أنْ يقولوا: إنّ يزيد كان على الصواب وإنّ الحسين (ع) عنه أخطأ في الخروج عليه، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت له البيعة وأُلزم الناس بها، ولقد فعل في ذلك كلّ قبيح؟ ثمّ لو قدَّرنا صحَّة عقد البيعة، فقد بدت منه بوادٍ كلُّها توجب فسخ العقد، ولا يميل إلى ذلك إلاّ كلّ جاهل عاميِّ المذهب يظنّ أنّه يغيظ بذلك الرافضة.

هذا ويُعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره، فمنهم مَن يقول: هو

____________________

(1) سورة الكهف / 5.

٢٢٠