من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 61440
تحميل: 4153

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61440 / تحميل: 4153
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مسلم عاصٍ بما صدر منه مع العترة الطاهرة لكن لا يجوز لعنه. ومنهم مَن يقول: هو كذلك، ويجوز لعنه مع الكراهة أو بدونها. ومنهم مَن يقول: هو كافر ملعون. ومنهم مَن يقول: إنّه لمْ يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه، وقائل هذا ينبغي أنْ ينظمّ في سلسلة أنصار يزيد.

وأنا أقول: الذي يغلب على ظنّي أنّ الخبيث لمْ يكن مصدِّقاً برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه (ص) وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر، ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً على أجلَّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لمْ يسعهم إلاّ الصبر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ولو سلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان.

وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لمْ يتصوَّر أنْ يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لمْ يتب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويلحق به ابن زياد وابن سعد، وجماعة فلعنة الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

ويعجبني قول شاعر العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي، وقد سئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد على لعني عريض جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا

ومَن كان يخشى القال والقِيل من التصريح بلعن ذلك الضليل، فليقل: لعن الله

٢٢١

عزَّ وجلَّ مَن رضي بقتل الحسينعليه‌السلام ومَن آذى عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بغير حقّ ومَن غصبهم حقَّهم؛ فإنّه يكون لاعناً له لدخوله تحت العموم دخولاً أوَّليّاً في نفس الأمر، ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ، ونحوها سوى بن العربي المارِّ ذكره وموافقيه، فإنّهم على ظاهر ما نُقل عنهم لا يجوِّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (ع)، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد(1) .

وقال السيوطي:

فقُتل - يعني: الحسينعليه‌السلام - وجِيء برأسه في طست حتّى وضع بين يدي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد ويزيد أيضاً(2) .

لعن العلامة التفتازاني

قال عبد الحيّ الدمشقي:

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفيّة: اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتل الحسينعليه‌السلام ، أو أمر به أو أجازه أو رضي به، قال: والحقُّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا تواتر معناه، وإنْ كان تفصيله آحاداً. قال: فنحن لا نتوقَّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه(3) .

لعن الجاحظ ليزيد ولعن كلّ من منع لعنه

قال الجاحظ:

____________________

(1) روح المعاني، الآلوسي 26 / 72.

(2) تاريخ الخلفاء / 207، وفي ط / 193.

(3) شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي 1 / 68، وفي ط / 122.

٢٢٢

إنّ الجرائم التي ارتكبها يزيد من قتله للإمام الحسينعليه‌السلام ، وإخافته لأهل المدينة وخرابه الكعبة، وأسره لبنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضربه ثنايا الحسينعليه‌السلام بالعصا، ألاَ تُعدُّ دليلاً على قساوته وعداوته وكرهه وحقده وعناده ونفاقه، أم أنّها تدلّ على محبته وإخلاصه للنبيّ وآلهعليهم‌السلام ؟!

ثمّ إنّه قال: وعلى أيِّ حال فهذه الأعمال مصداق لفسقه وضلاله، فهو فاسق ملعون، وكلّ مَن منع من لعنه فهو ملعون(1) .

لعن ابن الدمشقي ليزيد وتكفيره

قال ابن الدمشقي:

ثمّ أذكر على طريق الاختصار قتل سيدنا الحسينعليه‌السلام ، وتجريعهم له كؤوس الحين، وما عامله آل أبي سفيان لأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من القتل والأسر والهوان، ممّا تقشعرُّ منه الأبدان، وما لا يستحلُّه من تديَّن بدين من الأديان، وما قال به يزيد بن معاوية (عليه اللعنة) عند وضع رأسه الشريف بين يديه حين قدم به عليه(2) .

رأي معاوية بن يزيد في أبيه يزيد بن معاوية، وما فعله الاُمويّون بمعلِّمه

ذكر اليعقوبي والدميري، وابن حجر الهيتمي والقندوزي، واللفظ للأول:

فخطب الناس فقال: أمَّا بعد حمد الله والثناء عليه، أيُّها الناس، فإنّا بُلينا بكم وبُليتم بنا، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا، ألاَ وإنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر مَن كان أولى به منه في القرابة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحقّ في

____________________

(1) رسائل الجاحظ / 298.

(2) جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ، ابن الدمشقي 1 / 15.

٢٢٣

الإسلام، سابق المسلمين، وأوّل المؤمنين، وابن عمِّ رسول ربِّ العالمين (عص)، وأبا بقيّة خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فركب منكم ما تعلمون، وركبتم منه ما لا تنكرون، حتّى أتته منيته وصار رهناً بعمله، ثمّ قلَّد أبي وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه، وعظم رجاؤه، فأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل، فقلّت منعته، وانقطعت مدَّته، وصار في حفرته رهناً بذنبه، وأسيراً بجرمه، ثمّ بكى وقال: إنّ أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه، وقد قتل عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأباح الحرمة، وحرق الكعبة، وما أنا المتقلِّد أموركم، ولا المتحمِّل تبعاتكم، فشأنكم أمركم، فوالله لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظّاً، وإنْ تكن شرّاً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها(1) .

ثمّ قال: فشأنكم أمركم فخذوه، ومَن رضيتم فولُّوه، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم، والسلام.

ولمَّا نزل من على المنبر وبَّخه أقاربه، وقالت له اُمُّه: ليتك كنت حيضة ولمْ أسمع بخبرك. فقال: وددت والله ذلك.

وقال الاُمويّون لمعلِّمه ومؤدِّبه عمر المقصوص: أنت علَّمته حبَّ عليّ وأولاده، وأخذوه فدفنوه حيّاً، ثمّ دسُّوا السمَّ لمعاوية فمات(2) .

وقال العاصمي الشافعي:

وبويع من بعده ابنه معاوية فمكث ثلاثة أشهر، ثمّ خطب الناس وقال: إنّي ضعيف عن أمركم، وطلبت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر، فلمْ

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 254، حياة الحيوان 2 / 88، مادة: الإوز، الصواعق المحرقة / 224، وفي ط / 134، ينابيع المودّة 3 / 36.

(2) ما بين القوسين من حياة الحيوان، نقلاً من كتاب السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، محمّد بيومي /65 عن الدميري، وفي النسخة الموجودة عندي من حياة الحيوان لمْ يُذكر مسألة سمّ معاوية بن يزيد.

٢٢٤

أجده، فطلبت ستّة مثل أهل الشورى فلمْ أجدهم، فأنتم أولى بأمركم اختاروا له. ودخل منزله فمات، يُقال: مسموماً. وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهلك ليومه بالطاعون. وقِيل: إنّ معاوية بن يزيد أوصى الضحّاك بن قيس أنْ يصلّي بالناس حتّى تجتمع الناس على إمام.

وقال العلامة السبكي:

إنّ معاوية بن يزيد لمَّا خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلاً، ثمّ حمد الله وأثنى عليه بأبلغ ما يكون من الحمد والثناء، ثمّ ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأحسن ما يُذكر به، ثمّ قال: أيُّها الناس، ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم لعظيم ما أكرهه منكم، وإنّي أعلم أنّكم تكرهونا أيضاً؛ لأنّا بُلينا بكم وبُليتم بنا، ألاَ إنّ جدِّي معاوية نازع هذا الأمر مَن كان أولى به منه ومن غيره، لقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعظيم فضله وسابقته؛ أعظم المهاجرين قدراً، وأشجعهم قلباً، وأكثرهم علماً، وأوَّلهم إيماناً، وأشرفهم منزلة، وأقدمهم صحبة، ابنُ عمِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصهره وأخوه، زوَّجه ابنتهعليها‌السلام وجعله لها بعلاً باختياره لها، وجعلها له زوجة باختيارها له، أبو سبطيه سيّدي شباب أهل الجنّة، وأفضل هذه الاُمّة، تربية الرسول (ص)، وأبناء فاطمة البتولعليها‌السلام حتّى انتظمت لجدِّي معاوية الأمور، فلمَّا جاءه القدر المحتوم، واخترمته أيدي المنون بقي مرتهناً بعمله، فريداً في قبره، ووجد ما قدَّمت يداه، فرأى ما ارتكبه واعتراه.

ثمّ انتقلت الخلافة في أبي يزيد، فتقلَّد أمركم لهوى كان أبوه هويه فيه. ولقد كان أبي يزيد - بسوء فعله وإسرافه على نفسه - غير خليق بالخلافة على اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فركب هواه، واستحسن خطاه، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله تعالى، وبغيه على من استحلّ حرمته من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلَّتْ مدَّته وانقطع أثره، وضاجع عمله وصار حليف حفرته، رهين خطيئته، وبقيت أوزاره

٢٢٥

وتبعاته، فهل عُوقب بإساءته وجُوزي بعمله؟! وذلك ظنّي.

ثمّ خنقته العبرة فبكى طويلاً وعلا نحيبه وحمد الله، ثمّ قال: وصرت أنا ثالث القوم والساخط عليَّ أكثر من الرضيّ، وما كنت لأتحمَّل آثامكم، ولا يراني الله - جلَّتْ قدرته - متقلِّداً أوزاركم، وألقاه بتبعاتكم، فشأنكم وأمركم فخذوه، ومن رضيتم به عليكم فولُّوه، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم، والسلام.

فقال مروان بن الحكم - وكان تحت المنبر -: أسنَّة عمريّة يا أبا ليلى. فقال: اغدُ عنِّي، أعن ديني يخدعوني؟ فوالله، ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرَّع مرارتها، ائتني برجال مثل رجال عمر، على أنّه كان - حين جعلها شورى وصرفها عمَّن لا شكَّ في عدالته - ظلوماً، والله، لئن كانت الخلافة مغنماً، لقد نال أبي معها مغرماً ومأثماً، ولئن كانت شرّاً فحسبه منها ما أصابه.

ثمّ نزل، فدخل عليه أقاربه واُمُّه فوجدوه يبكي، فقالت له أُمُّه: ليتك كنت حيضة ولمْ أسمع بخبرك! فقال: وددت والله ذلك. ثمّ قال: ويلي إنْ لمْ يرحمني ربّي!

ثمّ إنّ بني اُميّة قالوا لمؤدِّبه القصوص: أنت علَّمته هذا ولقَّنته إيّاه، وصددته عن الخلافة وزيَّنت له حبَّ عليٍّ (ع) وأولادهعليهم‌السلام وحملته على ما وسمنا به من الظلم،وحسَّنت له البدع حتّى نطق بما نطق، وقال ما قال.

فقال: والله ما فعلته، ولكنّه مجبول ومطبوع على حبِّ عليٍّ (ع) وأولادهعليهم‌السلام فلمْ يقبلوا منه ذلك، وأخذوه ودفنوه حيّاً حتّى مات رحمه الله(1) .

أقول: أكان أنصار يزيد بن معاوية - مثل ابن تيميّة وابن العربي والغزالي ومحبّ الدين الخطيب، ممّن أولعوا حبّاً لأعداء أهل بيت النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله -

____________________

(1) سمط النجوم العوالي، العاصمي الشافعي 3 / 212 - 214.

٢٢٦

أحرص من معاوية بن يزيد على أبيه حتّى أخذوا يدافعون عنه بهذه الصلابة!! حتّى وصل الأمر ببعضهم أنْ عاب خروج الإمام الحسينعليه‌السلام على مَن هتك حرمات الدين، وعاث فساداً في مقدَّسات المسلمين(*) .

عمر بن عبد العزيز يعزر من أطلق إمرة المؤمنين على يزيد بن معاوية

ذكره ابن حجر والذهبي وصاحب النجوم الزاهرة والقندوزي، واللفظ للأوّل، قال:

وقال يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية أحد الثقات، حدَّثنا نوفل بن أبي عقرب ثقة، قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد بن معاوية فقال، قال أمير المؤمنين يزيد، فقال عمر، تقول: أمير المؤمنين يزيد وأمر به فضرب عشرين سوطاً(1) .

____________________

(*) وفي إحقاق الحقّ للسيّد المرعشي (قدّس سرّه) 27 / 336، قال:

قول النبيّ: «لعن الله قاتلك يا حسين!». رواه جماعة من أعلام العامّة في كتبهم، منهم: الفاضل المعاصر رياض عبد الله عبد الهادي في: فهارس كتاب الموضوعات لابن الجوزي / 88 ط دار البشائر الإسلامية - بيروت -، قال: «لعن الله قاتلك...!». في فضل الحسين (ع) 1 / 409، ومنهم الفاضل المعاصر صالح يوسف معتوق في: التذكرة المشفوعة في ترتيب أحاديث تنزيه الشريعة المرفوعة / 41، ط دار البشائر الإسلاميّة - بيروت - قال: «لعن الله قاتلك!...». للحسين (ع) 1 / 408.

(1) تهذيب التهذيب، ابن حجر 11 / 317، لسان الميزان، ابن حجر 6 / 294، ولكن في سنده اختلاف، سير أعلام النبلاء، الذهبي 4 / 40، النجوم الزاهرة 6 / 134، ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 32.

٢٢٧

فقهاؤهم يفتون بتعزير فقيه - على طبق عمل عمر بن عبد العزيز - لمدحه اللعين يزيد بن معاوية

قال صاحب النجوم الزاهرة:

فيها توفّي أحمد بن إسماعيل بن يوسف، الشيخ الإمام أبو الخير القزويني الشافعي. كان إماماً عالماً بالتفسير والفقه. وكان متعبِّداً يختم القرآن في كلّ يوم وليلة، ومولده بقزوين في سنة اثنتي عشرة وخمسمئة، وقدم بغداد ووعظ ومال إلى الأشعري، فوقعت الفتن.

وجلس يوم عاشوراء في النظاميّة، فقِيل له: العن يزيد بن معاوية. فقال: ذاك إمام مجتهد. فجاءه الرجم حتّى كاد يقتل، وسقط عن المنبر، فأدخل إلى بيت في النظامية. وأخذت فتاوى الفقهاء بتعزيره، فقال بعضهم: يضرب عشرين سوطاً، قِيل له: من أين لك هذا؟ فقال: عن عمر بن عبد العزيز سمع قائلاً يقول: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فضربه عشرين سوطاً، ثمّ خلص القزويني بعد ذلك، وأُخرج من بغداد إلى قزوين(1) .

ثناء ابن كثير الدمشقي على يزيد وما ذكر فيه من أنّه من الدرجة العليا من التابعين

قال ابن كثير في ترجمته:

هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن اُميّة بن عبد شمس، أمير المؤمنين أبو خالد الاُموي، ولد سنة خمس أو ست أو سبع وعشرين، وبويع له بالخلافة في حياة أبيه أنْ يكون وليَّ العهد من بعده، ثمّ أكَّد ذلك بعد موت أبيه في النصف من رجب سنة ستّين، فاستمرَّ متولِّياً إلى أنْ توفِّي في الرابع عشر من ربيع الأوَّل سنة أربع وستّين، واُمُّه ميسون بنت مخول بن أنيف بن

____________________

(1) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 6 / 134، وفي ط / 121.

٢٢٨

دلجة بن نفاثة بن عدي بن زهير بن حارثة الكلبي. رُوى عن أبيه معاوية أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «مَن يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين». وحديثاً آخر في الوضوء وعنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، وهي العليا، وقال: له أحاديث، وكان كثير اللحم، عظيم الجسم، كثير الشعر، جميلاً طويلاً، ضخم الهامّة، محدَّد الأصابع، غليظها مجدَّراً(1) .

أقول: وحقيق بالذكر ما رواه الخوارزمي، قال:

وبهذا الإسناد عن الرئيس أبي الفتح هذا، قال: أنشدني أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن، أنشدني عمّار بن محمّد، أنشدني يحيى بن زكريا، أنشدني عليُّ بن منصور:

أباد الأكرمين بني عليٍّ

يزيدٌ والدعيُّ إلى سُمَيَّه

شفيعٌ في المعادِ لنا أبوهم

ويشفعُ في المعادِ لهما اُميَّه(2)

ما ذكر من الاتّفاق على تصويب خروج الحسين عليه‌السلام

قال عبد الحيّ الدمشقي:

والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليّعليه‌السلام لمخالفيه؛ لأنّه الإمام الحقّ. ونُقل الاتّفاق أيضاً على تحسين خروج الحسينعليه‌السلام على يزيد، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني اُميّة، وخروج ابن الأشعث ومَن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجّاج، ثمّ الجمهور رأوا جواز الخروج على مَن كان مثل يزيد والحجّاج، ومنهم مَن جوَّز الخروج على كلِّ ظالم.

____________________

(1) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 248.

(2) مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، الخوارزمي 2 / 111.

٢٢٩

وعدَّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة: قتل عثمان وقتل الحسينعليه‌السلام ، ويوم الحرّة وقتل ابن الزبير.

ولعلماء السلف في يزيد وقتلة الحسينعليه‌السلام خلاف في اللعن والتوقُّف. قال ابن الصلاح، والناس في يزيد ثلاث فرق: فرقة تحبُّه وتتولاّه، وفرقة تسبُّه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاّه ولا تلعنه. قال: وهذه الفرقة هي المصيبة، ومذهبها هو اللائق لمَن يعرف سير الماضين، ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة. انتهى كلامه.

ولا أظنّ الفرقة الأولى تُوجد اليوم، وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسين (ع) والمتحاملين عليه يدلّ على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم، وتهاونهم بمنصب النبوّة، وما أعظم ذلك! فسبحان مَن حفظ الشريعة حينئذ، وشيَّد أركانها حتّى انقضت دولتهم. وعلى فعل الاُمويّين وأمرائهم بأهل البيت حمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلاك اُمّتي على أيدي أغيلمة من قريش». قال أبو هريرة: لو شئت أنْ أقول بني فلان وبني فلان، لفعلت.

ومثل فعل يزيد فعل بسر بن أرطأة العامري أمير معاوية في أهل البيتعليهم‌السلام من القتل والتشريد، حتّى خدَّ لهم الأخاديد. وكانت له أخبار شنيعة في عليّعليه‌السلام ، وقتل ولدي عبيد الله بن عبّاس وهما صغيران على يدي اُمّهما ففقدت عقلها وهامت على وجهها، فدعا عليه عليّعليه‌السلام أنْ يُطيل الله عمره ويذهب عقله فكان كذلك، خرف في آخر عمره ولمْ تصحّ له صحبة.

وقال الدارقطني: كانت له صحبة، ولمْ تكن له استقامة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية: اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتل الحسينعليه‌السلام ، أو أمر به أو أجازه أو رضي به. قال: والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسينعليه‌السلام واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا تواتر

٢٣٠

معناه، وإنْ كان تفصيله آحاداً. قال: فنحن لا نتوقَّف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.

وقال الحافظ ابن عساكر: نسب إلى يزيد قصيدة منها:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لعبت هاشم بالملك فلا

ملك جاء ولا وحي نزل

فإنْ صحَّت عنه فهو كافر بلا ريب، انتهى بمعناه.

وقال الذهبي فيه: كان ناصبياً فظّاً غليظاً يتناول المسكر، ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الحسينعليه‌السلام ، وختمها بوقعة الحرّة فمقته الناس، ولمْ يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسينعليه‌السلام ، وذكر من خرج عليه.

وقال فيه في الميزان: إنّه مقدوح في عدالته، ليس بأهل أنْ يروى عنه.

وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد. فضربه عمر عشرين سوطاً، واستفتى الكيا الهراسي فيه، فذكر فصلاً واسعاً من مخازيه حتّى نفدت الورقة، ثمّ قال: ولو مددت بياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل. وأشار الغزالي إلى التوقّف في شأنه والتنزُّه عن لعنه مع تقبيح فعله(1) .

* * *

____________________

(1) شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي 1 / 68، وفي ط / 122.

٢٣١

ما قاله بعض علماء أهل الخلاف في الردّ على من ذمّ خروج الحسينعليه‌السلام

الشوكاني يلعن من عاب على الحسينعليه‌السلام خروجه

قال الشوكاني:

لا ينبغي لمسلم أنْ يحطَّ على مَن خرج من السلف الصالح من العترة وغيرهم على أئمّة الجور؛ فإنّهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم، وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من جماعة ممّن جاء بعدهم. ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكراميّة ومَن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب، حتّى حكموا بأنّ الحسين السبط (ع) باغٍ على الخميِّر السكيِّر الهاتك لحرم الشريعة المطهرة، يزيد بن معاوية (لعنهما الله)، فيا لله العجب! من مقالات تقشعرُّ منها الجلود ويتصدَّع من سماعها كلُّ جلمود(1) .

ما ذكره سبط ابن الجوزي

قال سبط ابن الجوزي:

قال الخصم: فذهب قوم إلى أنّ الحسين (ع) كان خارجيّاً، قلنا إنّما يُقال: فلان خارجي لمَن خرج على مستحقّ، وإنّما خرج الحسينعليه‌السلام لدفع الظلم، وإقامة الحقّ.

____________________

(1) نيل الأوطار، الشوكاني 7 / 362، وفي ط 7 / 176، باب الصبر على جور الأئمّة وترك قتالهم، والكفّ عن إقامة السيف، في آخر هذا الباب.

٢٣٢

ونقلت من خط ابن عقيل قال، قال رجل: كان الحسين (ع) خارجيّاً.

[ قال ابن عقيل: ] فبلغ ذلك من قلبي، فقلت: لو عاش إبراهيم ابن رسول الله (ع) صلح أنْ يكون نبيّاً، فهب أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام نزلا عن رتبة إبراهيم - مع كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمَّاهما ابنيه - فلا يصيب ولد ولده أنْ يكون إماماً بعده؟ فأمَّا تسميته خارجياً وإخراجه من الإمامة، لأجل صون بني اُميّة عن الافتضاح هذا ما لا يقتضيه عقل ولا دين.

قال ابن عقيل: ومتى حدَّثتك نفسك بوفاء الناس فلا تصدِّق، هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكبر الناس حقوقاً على الخلق، هداهم وعلَّمهم وأشبع جائعهم، وأعزَّ ذليلهم، ووعدهم الشفاعة في الآخرة، وقال:( لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المودّة فِي الْقُرْبَى ) (1) . فقتلوا أصحابه وأهلكوا أولاده.

قال الخصم: هلا سكتم عن يزيد احتراماً لأبيه؟

قلنا: ما سكت عنه أحمد بن حنبل ولا الخلال، ولا غلامه أبو بكر عبد العزيز ولا القاضي أبو يعلى، ولا ابنه أبو الحسن وهو شيخك، فهلا وافقت شيخك؟ وما ردَّك عن موافقته إلاّ أحد أمرين: إمَّا الجهل بالحال؛ وإمَّا أنْ يكون المقصود: خالف تُعرف.

ثمّ لا يختلف الناس أنْ سعد بن أبي وقاص من العشرة المشهود لهم بالجنّة ومن أهل بدر، ومن أصحاب الشورى وما سكت الناس عن ابنه عمر (لعنه الله) ما فعل بالحسين (ع)، فالدين لا يحمل المحاباة.

واحتجَّ هذا الشيخ بأنْ يزيد كان كريماً، وأنّه أعطى عبد الله بن جعفر أربعة آلاف ألف.

____________________

(1) سورة الشورى / 23.

٢٣٣

قلنا: ما مدحت به هو الذم؛ لأنّه تبذير في بيت مال المسلمين وليس بماله، فمَن فعل ذلك كان مذموماً لا ممدوحاً، وإنّما كان يعطي الناس ليسكتوا عنه.

قال: فقد كان [ يزيد ] من القرن الثاني، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم.

قلنا: إنّما أشارعليه‌السلام إلى عموم القرن، لا إلى ما يندر من الفساق، وقد كان في القرن الثاني الحجّاج وغيره من الظلمة، ومن المبتدعة كمعبد الجهني.

قال هذا الشيخ: فقد روي أنّ قوماً دخلوا على يزيد، وهو يقرأ في المصحف.

قلنا: على هذا نقطع التفكر في جواب هذه الحجّة! نسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يمتِّعنا بعقولنا، ويحفظنا من موافقة أهوائنا إنّه سميع قريب مجيب(1) .

وقال الجاحظ:

ثمَّ مازالت الفتن متَّصلة والحروب مترادفة، كحرب الجمل وكوقائع صفّين، وكيوم النَّهْروان وقبل ذلك يوم الزابوقة، وفيه أُسر ابن حُنيف وقُتل حكيم بن جبلة، إلى أنْ قتل أشقاها عليّ بن أبي طالب (ع) فأسعده الله بالشهادة، وأوجب لقاتله النار واللَّعنة.

إلى أنْ كان من اعتزال الحسنعليه‌السلام الحروب وتخليته الأمور، عند انتشار أصحابه وما رأى من الخلل في عسكره، وما عرف من اختلافهم على أبيه، وكثرة تلوُّنهم عليه فعندها استوى معاوية على الملك، واستبدَّ على بقيّة الشُّورى، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين، في العام الذي سَمَّوْه عام الجماعة، وما كان عام جماعةٍ، بل كان عام فُرْقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحلَّت فيه الإمامة مُلكاً كسرويّاً، والخلافة غصْباً وقيصريّاً، ولمْ يَعْد ذلك أجمع الضلال

____________________

(1) كتاب الردّ على المتعصب العنيد، ابن الجوزي / 83 - 88، بتحقيق الشيخ المحمودي (قدّس سرّه).

٢٣٤

والفسق.

ثمَّ مازالت معاصيه من جنس ما حكينا، وعلى منازل ما رتَّبنا، حتّى ردَّ قضيَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ردّاً مكشوفاً، وجحد حُكمه جحداً ظاهرا ً، في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع إجماع الاُمّة أنَّ سُميَّة لمْ تكن لأبي سُفيان فراشاً، وأنَّه إنَّما كان بها عاهراً فخرج بذلك من حُكم الفُجَّار إلى حكم الكفَّار.

وليس قتل حُجْر بن عديّ وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر، وبيعته يزيد الخليع والاستئثار بالفيء، واختيار الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشَّفاعة والقرابة، من جنْس جَحْد الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة، والسُّنن المنصوبة، وسواءٌ في باب ما يستحقُّ من الإكفار جحد الكتاب وردُّ السنة، إذْ كانت السنَّة في شُهرة الكتاب وظهوره، إلاّ أنَّ أحدهما أعظم وعقاب الآخرة عليه أشدُّ، فهذه أوَّلُ كفرةٍ كانت في الاُمّة، ثمّ لمْ تكن إلاّ فيمنْ يدَّعي إمامتها والخلافة عليها.

على أنّ كثيراً من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره.

وقد أربتْ عليهم نابتة عصرنا، ومبتدعة دهرنا، فقالت: لا تسبُّوه فإنَّ له صُحبة، وسبُّ معاوية بدعة، ومن يبغضْه فقد خالف السُّنَّة، فزعمت أنَّ من السُنّة ترك البراءة ممّن جحد السُنَّة.

ثمّ الذي كان من يزيد ابنه ومن عُمَّاله وأهل نُصرته، ثمّ غزو مكّة ورمي الكعبة، واستباحة المدينة، وقتل الحسينعليه‌السلام في أكثر أهل بيته، مصابيح الظلام، وأوتاد الإسلام، بعد الذي أعطى من نفسه من تفريق أتْباعه والرجوع إلى داره وحرمه، أوالذَّهاب في الأرض حتّى لا يُحسَّ به، أو المقام حيث أمر به فأبوا إلاّ قَتْله والنُّزول على حكمهم، وسواء قتل نفسه بيده أو أسلمها إلى عدوِّه وخيَّر فيها مَن لا يبرد غليله إلاّ بُشرْب دمه.

٢٣٥

فاحسبوا قتله ليس بكفر وإباحة المدينة وهتك الحُرمة ليس بحجَّة، كيف تقولون في رمْي الكعبة وهدم البيت الحرام، وقبْلة المسلمين؟

فإنْ قلتم: ليس ذلك أرادوا، بل إنّما أرادوا المتحرِّز به والمتحصِّن بحيطانه، أفما كان من حقِّ البيت وحريمه أنْ يحصروه فيه إلى أنْ يُعطي بيده؟! وأيُّ شيءٍ بقي من رجلٍ قد أُخذت عليه الأرض إلاّ موضع قدمه؟

واحسبْ ما رووا عليه من الأشعار التي قولُها شِرك والتمثُّل بها كفر شيئاً مصنوعاً، كيف يُصنع بنَقْر القضيب بين ثَنيَّتي الحسينعليه‌السلام ، وحمل بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حواسر على الأقتاب العارية والإبل الصِّعاب، والكشف عن عورة عليِّ بن الحسينعليه‌السلام (1) عند الشَّكِّ في بلوغه، على أنَّهم إنْ وجدوه وقد أنبت قتلوه، وإنْ لمْ يكن أنبت حملوه، كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين؟

وكيف تقولون في قول عبيد الله بن زياد لإخوته وخاصَّته: دعوني أقتلْه فإنَّه بقيّة هذا النَّسل فأحسم به هذا القرْن، وأُميت به هذا الدَّاء وأقطع به هذه المادَّة؟

خبِّرونا على ما تدلُّ هذه القسوة وهذه الغلظة، بعد أنْ شفوا أنفسهم بقتلهم ونالوا ما أحبُّوا فيهم؟ أتدلُّ على نصبٍ وسوء رأي وحقدٍ وبغْضاء ونفاق، وعلى يقينٍ مدخول وإيمان ممزوج؟! أمْ تدلُّ على الإخلاص وعلى حبِّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والحفظ له، وعلى براءة السَّاحة وصحّة السَّريرة؟ فإنْ كان على ما وصفنا لا يعدو الفسق والضلال - وذلك أدنى منازله - فالفاسق معلونٌ، ومن

____________________

(1) ذكر هذه الحادثة بعض المؤرِّخين، وهي غير صحيحة؛ لأنّ ذلك لا يقع لفاعله؛ ولأنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان له ولد وهو الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام ، ذكرنا ذلك في أحداث الشام عند اعتراضهعليه‌السلام على يزيد - في كتاب مقتل أبي عبد الله من موروث أهل الخلاف - عندما أشار عليه أصحابه بقتل الإمام زين العابدينعليه‌السلام كما نصَّ عليه المسعودي.

٢٣٦

نهى عن لَعْن الملعون فملعون.

وزعمت نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا، أنَّ سبَّ ولاة السُّوء فتنة، ولعن الجورة بدعة، وإنْ كانوا يأخذون السَّميَّ بالسَّميِّ، والوليَّ بالوليِّ، والقريب بالقريب، وأخافوا الأولياء، وآمنوا الأعداء، وحكموا بالشفاعة والهوى، وإظهار القدرة والتهاون بالاُمَّة، والقمع للرعيّة. وأنّهم في غير مداراة ولا تقيّة وإنْ عدا ذلك إلى الكفر، وجاوز الضلال إلى الجحد، فذاك أضلُّ لمن كفَّ عن شتْمهم والبراءة منهم.

على أنَّه ليس مَن استحقَّ اسم الكفر بالقتل كمَن استحقَّه بردِّ السنَّة وهدم الكعبة، وليس مَن استحقَّ الكفر بالتشبيه كمَن استحقَّه بالتجوير، والنَّابتة في هذا الوجه أكفر من يزيد وأبيه وابن زيادٍ وأبيه، ولو ثبت أيضاً على يزيد أنَّه تمثَّل بقوله ابن الزَّبعْرى:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدو

جزع الخزرج من وقع الأسلْ

لاستطاروا واستهلُّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشلْ

قد قتلنا الغرَّ من ساداتهم

وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدلْ

كان تجوير النَّابتيِّ لربِّه وتشبيهه بخلقه، أعظم من ذلك وأفْظع.

على أنَّهم مجمعون على أنَّه ملعونٌ مَن قتل مؤمناً متعمِّداً أو متأوِّلاً، فإذا كان القاتل سُلطاناً جائراً أو أمير عاصياً، لمْ يستحلُّوا سبَّه ولا خَلْعه ولا نفيه ولا عيبه، وإنْ أخاف الصُّلحاء وقتل الفقهاء وأجاع الفقير، وظلم الضعيف وعطَّل الحدود والثُّغور، وشرب الخمور وأظهر الفجور.

ثمّ مازال الناس يتسكعون مرَّة ويداهنونهم مرَّة، ويقاربونهم مرَّة ويشاركونهم مرّة، إلاّ بقيّةً ممّن عصى الله تعالى ذكره، حتّى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وعاملهما الحجّاج بن يوسف ومولاه يزيد بن أبي مُسْلم، فأعادوا على

٢٣٧

البيت بالهدْم وعلى حرم المدينة بالغزْو، فهدموا الكعبة واستباحوا الحُرْمة، وحوَّلوا قبلة واسط وأخَّروا صلاة الجمعة إلى مُغيربان الشَّمس.

فإنْ قال رجلٌ لأحدٍ منهم: اتّقِ الله، فقد أخَّرت الصلاة عن وقتها، قتله على هذا القول جهاراً غير ختْل وعلانيةً غير سرٍّ، ولا يُعلم القتل على ذلك إلاّ أقبح من إنكاره، فكيف يكفر العبد بشيءٍ ولا يكفر بأعظم منه؟

وقد كان بعض الصَّالحيّن ربَّما وعظ بعض الجبابرة وخوَّفه العواقب، وأراه أنَّ في الناس بقيّةً ينهون عن الفساد في الأرض، حتّى قام عبد الملك بن مرْوان والحجّاج بن يوسف، فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه وقتلا فيه، فصاروا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه.

فاحسبْ أنَّ تحويل القبلة كان غلطاً، وهدم البيت كان تأويلاً، واحسب ما رووا من كلِّ وجه أنَّهم كانوا يزعمون أنَّ خليفة المرء في أهله أرفع عنده من رسوله إليهم، باطلاً ومصنوعاً مولَّداً، واحسبْ وسْم أيدي المسلمين ونقْش أيدي المسلمات، وردَّهم بعد الهجرة إلى القُرى، وقتل الفقهاء وسبَّ أئمَّة الهدى، والنَّصْب لعترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يكون كفراً، كيف نقول في جمع ثلاث صلواتٍ فيهنَّ الجمعة ولا يصلُّون أولاهنَّ حتّى تصير الشمس على عليّ الجدران كالملاء المعصفر؟

فإنْ نطق مسلمٌ خبط السَّيف، وأخذته العمد وشكَّ بالرِّماح، وإنْ قال قائلٌ: اتَّقِ الله، أخذته العزَّة بالإثم، ثمّ لمْ يرضَ إلاّ بنثر دماغه على صدره، وبصلبه حيث تراه عياله.

وممّا يدلُّ على أنَّ القوم لمْ يكونوا إلاّ في طريق التمرُّد على الله عزَّ وجلَّ، والاستخفاف بالدِّين، والتَّهاون بالمسلمين، والابتذال لأهل الحقّ، أكْلُ أمرائهم الطَّعام وشُربُهم الشَّراب على منابرهم أيّلم جُمعهم وجموعهم، فعل ذلك حُبيش ابن دُلْجة وطارقٌ مولى عثمان، والحجّاج بن يوسف وغيرهم، وذلك إنْ كان كفراً

٢٣٨

كلُّه فلمْ يبلغ كفر نابتة عصرنا، وروافض دهرنا؛ لأنَّ جنس كفر هؤلاء غير كفر أولئك... إلخ(1) .

لعنوا ابن خلدون

قال السخاوي:

وقد كان شيخنا الحافظ أبو الحسن - يعني: الهيثمي - يبالغ في الغضّ منه، أي: من ابن خلدون، فلمَّا سألته عن سبب ذلك ذكر أنّه بلغه أنّه ذكر الحسين بن عليّعليهما‌السلام في تاريخه، فقال: قُتل بسيف جدِّه. ولمَّا نطق شيخنا بهذه اللفظة أردفها بلعن ابن خلدون وسبِّه وهو يبكي.

قال شيخنا في رفع الإصر: ولمْ توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن، وكأنّه كان ذكرها في النسخة التي رجع عنها(2) .

ما قِيل في ابن العربي

وقال المناوي في تعريضه بابن العربي:

وقد غلب على ابن العربي الغضُّ من أهل البيتعليهم‌السلام حتّى قال: قتله بسيف جدِّه.

وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عبّاس (رضي الله تعالى عنهما): أوحى الله تعالى إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإنّي قاتل بابن ابنتك الحسين (ع) سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.

قال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الذهبي: وعلى شرط مسلم(3) .

____________________

(1) رسائل الجاحظ / 462 - 472، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

(2) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، السخاوي 4 / 147، ترجمة ابن خلدون، ط، دار الجيل.

(3) فيض القدير، المناوي 1 / 265.

٢٣٩

وذكر السيوطي والمناوي واللفظ للأوّل، قال:

ومن مجازفات ابن العربي أنّه أفتى بقتل رجل عاب لبس الأحمر؛ لأنّه عاب لبسة لبسها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقُتل بفتياه كما ذكره في المطامح. وهذا تهوُّر غريب وإقدام على سفك دماء المسلمين عجيب، وسيخاصمه هذا القتيل غداً، ويبوء بالخزي من اعتدى. وليس ذلك بأوَّلِ عجرفة لهذا المفتي وجرأته وإقدامه، فقد ألَّف كتاباً في شأن مولانا الحسين (ع) وأخزى شانئه زعم فيه: أنّ يزيد قتله بحقٍّ بسيف جدِّه، نعوذ بالله من الخذلان...(1) .

لعن جميع من مال ليزيد بن معاوية

قال الآلوسي:

وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين، ولو لمْ يتصوَّر أنْ يكون له مثل من الفاسقين، والظاهر أنّه لمْ يتب واحتمال توبته أضعف من إيمانه. ويُلحق به ابن زياد وابن سعد وجماعة، فلعنة الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدين، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

ويعجبني قول شاعر العصر، ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي، وقد سُئل عن لعن يزيد اللعين:

يزيد على لعني عريض جنابه

فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا(2)

____________________

(1) الجامع الصغير للسيوطي 1 / 365، فيض القدير، المناوي 5 / 246.

(2) روح المعاني، الآلوسي 26 / 73.

٢٤٠