من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 61461
تحميل: 4156

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61461 / تحميل: 4156
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فما ذلك إلاّ لوجود الآلاف المؤلّفة - من أنصار بني اُميّة - المستعدّة لنصرتهم ودفع الآلاف التي بايعت الإمام الحسينعليه‌السلام عنهم.

الدلالة الخامسة:

إرسال عبيد الله بن زياد عمرَ بن سعد بجيش عدده أربعة آلاف مقاتل من أهل الكوفة، لقتال الديلم الذين استولوا على دستبي، فهل جاء ابن زياد الكوفة إلاّ لقتال مسلم بن عقيلعليه‌السلام ، وقتال الإمام الحسينعليه‌السلام ؟ فإرسال جيش بهذا العدد في هذه الظروف يدلّ بوضوح على استتباب الأمر في الكوفة لبني اُميّة، وكثرة

____________________

= وقِيل: بل خطبهم من يومه، فقال: أمَّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم، وأنا متبع فيكم أمره، منفِّذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم كالوالد البرّ، ولمطيعكم كالأخ الشقيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي، فليبقَ امرؤ على نفسه، ثمّ نزل.

فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديد، وقال: اكتبوا لي الغرباء ومَن فيكم من طلبه أمير المؤمنين، ومَن فيكم من الحروريّة وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق، فمَن كتبهم إليَّ فبريء، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا فيهم مخالف، ولا يبغيَ علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل فبرئت منه الذمة، وحلال لنا دمه وماله، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره، وألغيت تلك العرافة من العطاء، وسيِّر إلى موضع بعمان الزارة، ثمّ نزل.

٤١

أنصارهم فيه؛ إذ لا تخضع الألوف إلاّ بالألوف(1) .

الدلالة السادسة:

خروج الآلاف المؤلَّفة من أهل الكوفة لقتال الإمام الحسينعليه‌السلام يدلّ بوضوح - إلاّ عند من أعمى الله قلبه - على أكثريّة الاُمويّين وأنصارهم في الكوفة؛ إذ لا يُعقل من عبيد الله بن زياد أنْ يرسل شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهو يعلم بأنّ فعله هذا يقلب الموازين رأساً على عقب على بني اُميّة، فجميع من خرج لقتالهعليه‌السلام هم من الاُمويّين وأنصارهم.

____________________

(1) وقد ذكرنا ذلك مفصَّلاً في ترجمة ابن سعد من كتاب (مقتل أبي عبد الله الحسين من موروث أهل الخلاف)، في الفصل السادس تحت عنوان: ابن سعد يتخيّر بين الجنّة والنار، من تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر 45 / 49 - 50، تاريخ الطبري 3 / 310، الأخبار الطوال للدينوري / 253.

قال ابن عساكر: قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين، عن عبد العزيز بن أحمد، أخبرنا عبد الوهاب الميداني، أخبرنا أبو سليمان بن زبر، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر، أخبرنا محمّد بن جرير الطبري قال، قال هشام بن محمّد، قال أبو مخنف: حدَّثني عبد الرحمن بن جندب، عن عقبة بن سمعان، قال:

كان سبب خروج عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام أنّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبي، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليه، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري، فأمره بالخروج، فخرج فعسكر بالناس بحمام أعين.

فلمَّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان، وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد، فقال له: سرْ إلى الحسينعليه‌السلام فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك. فقال له عمر بن سعد: إنْ رأيت أنْ تعفيني فافعل. فقال عبيد الله: نعم، على أنْ تردَّ علينا عهدنا. قال: فلمَّا قال له ذلك، قال له عمر بن سعد: أمهلني اليوم أنظر.

قال: فانصرف عمر، فجعل يستشير نصحاءه، فلمْ يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه، قال: وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته، فقال: أنشدك الله يا خال، أنْ تسير إلى الحسينعليه‌السلام فتأثم بربّك، وتقطع رحمك، فوالله؛ لأنّ تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها - لو كان لك - خير لك من أنْ تلقى الله بدم الحسينعليه‌السلام . فقال عمر بن سعد: فإنّي أفعل إنْ شاء الله.

٤٢

الدلالة السابعة:

أنّ عدد من قتله المختار (رحمه الله) - دون مَن هرب - كثير جداً، حتّى قِيل إنّه قتل سبعين ألفاً(1) من قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام غير مَن هرب، ولا يُعقل - بمقتضى ما تقدَّم - أنْ يكون أولئك من الشيعة؛ لعدم تصوُّر إرسال شيعة الحسينعليه‌السلام لقتاله.

قال سبط ابن الجوزي: ثمّ خرج المختار، وكان يقول:... ووالله، لأقتلن بقتلة الحسينعليه‌السلام عدد مَن قتل على دم يحيى بن زكرياعليه‌السلام ...(2) .

____________________

(1) قال الخوارزمي في مقتله 2 / 280:

وكان المختار قد قتل بالكوفة خلقاً كثيراً من أهل الكوفة حتّى قِيل: إنّه قتل سبعين ألفاً ممّن قتل أو قاتل الحسينعليه‌السلام ، فتركه أصحابه لمَا في نفوسهم من الذحل على أقربائهم، وتحوَّلوا إلى مصعب. فلمَّا رأى المختار ذلك نزل عن فرسه، ونزل معه شيعة آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الخلَّص فبركوا على أفواه السكك، فلمْ يزالوا يقاتلون من المغرب إلى الصبح، ثمّ قال له بعض أصحابه: أمَا والله، أخبرتنا أنّا نقتل مصعب. فقال: بلى، أمَا قال الله عزَّ وجلَّ:( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) . سورة الرعد / 39.

(2) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي / 254، وذكر قبل هذا المقطع بعض مثالب المختار بن عبيد الله الثقفي.

أقول: ويكفي المختار كرامة انتقامه لأهل البيتعليهم‌السلام ، ودعاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام له عندما وصل رأسا ابن زياد وابن سعد إلى المدينة، كما ورد في مصادرنا الشريفة، فقد رواه الكشّي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال 1 / 341 - ونقله عنه السيّد الخوئي (رحمه الله) في معجم رجال الحديث 19 / 103 -، قال: حدَّثني محمّد بن مسعود، قال: حدَّثني أبو الحسن عليّ بن أبي عليّ الخزاعي، قال: حدَّثني خالد بن يزيد العمري المكّي، قال: [ حدَّثني ] الحسن بن زيد بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام ، قال: حدَّثني عمر بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام :

أنّ عليّ بن الحسينعليهما‌السلام لمَّا أتي برأس عبيد الله ابن زياد ورأس عمر بن سعد، قال: فخرَّ ساجداً، وقال: «الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، وجزى الله المختار خيراً».

ولا بأس بذكر مايبيِّن شيئاً من مقام هذا الرجل العظيم من كلمات علمائنا الأعلام المستمدّة من أئمّتهم الأطهارعليهم‌السلام :

٤٣

____________________

قال السيّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجم رجال الحديث 19 / 102:

12185 - المختار بن أبي عبيدة الثقفي: ذكره العلامة في القسم الأوّل (1) من الباب الـ (8) من حرف الميم، وذكره ابن داود في القسم الثاني.

والأخبار الواردة في حقّه على قسمين: مادحة وذامَّة، أمَّا المادحة فهي متضافرة، منها ما ذكره الكشي:

إبراهيم بن محمّد الختلي، قال: حدَّثني أحمد بن إدريس القمي، قال: حدَّثني محمّد بن أحمد، قال: حدَّثني الحسن بن عليّ الكوفي، عن العبّاس بن عامر، عن سيف بن عميرة، عن جارود بن المنذر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «ما امتشطت فينا هاشميّة ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين (عليه السلام»). وهذه الرواية صحيحة.

حمدويه، قال: حدَّثني يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنى، عن سدير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال (ع): «لا تسبّوا المختار، فإنّه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوَّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة».

محمّد بن الحسن، وعثمان بن حامد قال: حدَّثنا محمّد بن يزداد، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن يسار، عن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن شريك قال: دخلنا على أبي جعفرعليه‌السلام يوم النحر وهو متكئ، وقد أرسل إلى الحلاق، فقعدت بين يديه، إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبِّلها فمنعه، ثمّ قال (ع): «مَن أنت؟». قال: أنا أبو محمّد الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي. وكان متباعداً من أبي جعفرعليه‌السلام ، فمدَّ يده إليه حتّى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، ثمّ قال: أصلحك الله! إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا، والقول والله قولك. قال (ع): «وأيّ شيء يقولون؟». قال: يقولون كذّاب، ولا تأمرني بشيء إلاّ قبلته. فقال (ع): «سبحان الله، أخبرني أبي - والله - أنّ مهر اُمّي كان ممّا بعث به المختار، أو لمْ يبّن دورنا، وقتل قاتلينا، وطلب بدمائنا؟ رحمه الله.

وأخبرني - والله - أبي أنّه كان ليتمُّ عند فاطمة بنت عليّعليهما‌السلام يمهِّد لها الفراش ويثني لها الوسائد - ومنها أصحاب الحديث - رحم الله أباك! رحم الله أباك! ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلاّ طلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا».

٤٤

____________________

ثمّ قال (قدّس سرّه) عن الروايات الذامّة في 19 / 105: وهذه الروايات ضعيفة الأسناد جداً، على أنّ الثانية منها فيها تهافت وتناقض، ولو صحَّت فهي لا تزيد على الروايات الذامّة الواردة في حقّ زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد وأضرابهم.

وقال (قدّس سرّه) في 19 / 108:

ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت (سلام الله عليهم) بقتله قتلة الحسينعليه‌السلام ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيتعليهم‌السلام يستحقّ بها الجزاء من قبلهم، أفهل يحتمل أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيتعليهم‌السلام يغضّون النظر عن ذلك، وهم معدن الكرم والإحسان؟!

وهذا محمّد بن الحنفيّة بينما هو جالس في نفر من الشيعة، وهو يعتب على المختار في تأخير قتله عمر بن سعد، فما تمَّ كلامه إلاّ والرأسان عنده فخرَّ ساجد، وبسط كفيّه وقال: اللهمّ، لا تنسَ هذا اليوم للمختار، واجزه عن أهل بيت نبيك محمّد (ص) خير الجزاء، فوالله، ما على المختار بعد هذا من عتب.

وقال عنه السيّد عليّ البرجرودي في طرائف المقال 2 / 589 - بعد نقله الأخبار المادحة -:... إلى غير ذلك من الأخبار المادحة، وهي وإنْ كانت غير نقي السند إلاّ أنّ الرجل قد صدر منه الأمر العظيم والفعل الجسيم الذي قد عجز عنه الأثبات والثقات، خصوصاً مع صدور الترحّم من الإمامعليه‌السلام عليه من طريق حسن، فلا يعبأ بما ورد من الروايات الذامّة.

وقال العلامة المحقق الشيخ الأميني (أعلى الله مقامه المبارك) في كتابه الغدير 2 / 342 في التعرُّض لبعض من تأثرَّ بافتراءات خصماء المختار بن عبيد الله الثقفي تحت عنوان (الجواد قد يكبو):

لا ينقضي العجب، وكيف ينقضي؟! من مثل أبي تمام العريق في المذهب، والعارف بنواميسه، والبصير بأحوال رجالاته، وما لهم من مآثر جمَّة، وجهود مشكورة، وهو جدُّ عليم بما لأضدادهم من تركاض وهملجة في تشويه سمعتهم، وإعادة تاريخهم المجيد المملوء بالأوضاح والغرر، إلى صورة ممقوتة محفوفة بشية العار، مشفوعة كلّ هاتيك بجلبة ولغط، وقد انطلت لديه أمثلة من تلكم السفاسف حول رجل الهدى، الناهض المجاهد والبطل المغوار، المختار بن أبي عبيد الثقفي، فحسب ما قذفته به خصماؤه الألداء في دينه وحديثه ونهضته حقائق راهنة، حتّى قال في رائيّته المُثبتة في ديوانه / 114:

٤٥

____________________

والهاشميون استقلَّت عيرهم

من كربلاء بأوثق الأوتار

فشفاهم المختار منه ولم يكن

في دينه المختار بالمختار

حتّى إذا انكشفت سرائره اغتدوا

منه براء السمع والأبصار

ومن عطف على التاريخ والحديث وعلم الرجال نظرةً تشفعها بصيرة نفّاذة، علم أنّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص، وأنّ نهضته الكريمة لمْ تكن إلاّ لإقامة العدل باستئصال شأفة الملحدين، واجتياح جذوم الظلم الاُموي، وأنّه بمنزح من المذهب الكيساني، وأنّ كلّ ما نبزوه من قذائف وطامّات لا مقيل لها من مستوى الحقيقة والصدق؛ ولذلك ترحَّم عليه الأئمّة الهداة سادتنا: السجاد والباقر والصادق (صلوات الله عليهم).

وبالغ في الثناء عليه الإمام الباقرعليه‌السلام ، ولمْ يزل مشكورً عند أهل البيت الطاهر هو وأعماله.

وقد أكبره ونزَّهه العلماء الأعلام، منهم: سيدنا جمال الدين ابن طاوس في رجاله، وآية الله العلامة في الخلاصة، وابن داود في الرجال، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته المسماة: بذوب النضار، والمحقّق الأردبيلي في حديقة الشيعة، وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي، والقاضي نور الله المرعشي في المجالس، وقد دافع عنه الشيخ أبو عليّ في منتهى المقال، وغيرهم.

وقد بلغ من إكبار السلف له أنّ شيخنا الشهيد الأوّل ذكر في مزاره زيارة تخصّ به ويُزار به، وفيها الشهادة الصريحة بصلاحه ونصحه في الولاية وإخلاصه في طاعة الله ومحبّة الإمام زين العابدين (ع)، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) عنه، وأنّه بذل نفسه في رضا الأئمّة ونصرة العترة الطاهرة والأخذ بثأرهم.

والزيارة هذه توجد في كتاب (مراد المريد)، وهو ترجمة مزار الشهيد للشيخ عليّ بن الحسين الحائري، وصحَّحها الشيخ نظام الدين الساوجي مؤلِّف (نظام الأقوال). ويظهر منها أنّ قبر المختار في ذلك العصر المتقادم كان من جملة المزارات المشهورة عند الشيعة، وكانت عليه قبَّة معروفة كما في رحلة ابن بطوطة 1 / 138.

ولقد تصدَّى لتدوين أخبار المختار وسيرته وفتوحه ومعتقداته وأعماله جماعة من الأعلام فمنهم:

1 - أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي، المتوفَّى سنة 157 هـ، له كتاب: [ أخذ الثأر في المختار ].

2 - أبو المفضل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي العطار، المتوفَّى سنة 212 هـ، له: أخبار المختار.

٤٦

____________________

3 - أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أبي سيف المدايني، المتوفَّى سنة 215 / 25 له: أخبار المختار.

4 - أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي، المتوفَّى سنة 283 هـ، له: أخبار المختار.

5 - أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، المتوفَّى سنة 302 هـ، له: أخبار المختار.

6 - أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمي الصدوق، المتوفَّى سنة 381 هـ، له: كتاب المختار.

7 - أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفَّى سنة 469 هـ، له: [ مختصر أخبار المختار ].

8 - أبو يعلى محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي خليفة شيخنا المفيد، له: أخبار المختار.

9 - الشيخ أحمد بن المتوَّج، له: الثأرات، أو: قصص الثأر - منظومة -.

10 - الفقيه نجم الدين جعفر الشهير بابن نما، المتوفَّى سنة 645 هـ، له: ذوب النضار في شرح الثار، طُبع برمّته في المجلد العاشر من البحار.

11 - الشيخ عليّ بن الحسين العاملي المروزي، له: [ قرّة العين في شرح ثأرات الحسين (ع) ] فرغ منه 20 رجب سنة 1127 هـ.

12 - الشيخ أبو عبد الله عبد بن محمّد، له: [ قرّة العين في شرح ثأر الحسين (ع) ] طُبع مع: [ نور العين ومثير الأحزان ].

13 - السيّد إبراهيم بن محمّد تقي، حفيد العلامة الكبير السيّد دلدار عليّ النقوي النصير آبادي، له: [ نور الأبصار في أخذ الثأر ].

14 - المولى عطاء الله بن حسام الهروي، له: روضة المجاهدين، طُبع سنة 1303 هـ.

15 - المولى محمّد حسين ابن المولى عبد الله الأرجستاني، له: حملة مختارية.

16 - الكاتب الهندي نواب عليّ نزيل لكهنو، له: نظارة انتقام، طُبع في جزئين.

17 - الحاجّ غلام عليّ بن إسماعيل الهندي، له: مختار نامه.

18 - سيدنا السيّد محسن الأمين العاملي، له: [ أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثأر ]، ط.

19 - السيّد حسين الحكيم الهندي، له ترجمة: ذوب النضار، لابن نما.

20 - السيّد محمّد حسين ابن السيّد حسين بخش الهندي، المولود سنة 1290 هـ، له: تحفة الأخيار في إثبات نجاة المختار.

٤٧

____________________

21 - الشيخ ميرزا محمّد عليّ الأوردبادي، له: [ سبيك النضار، أو: شرح حال شيخ الثار ] في مائتين وخمسين صحيفة. وقد أدَّى فيه حقَّ المقال، وأغرق نزعاً في التحقيق، ولمْ يبقَ في القوس منزع، قرأت كثيراً منه، ووجدته فريداً في بابه، لمْ يؤلَّف مثله، جزاه الله عن الحقّ والحقيقة خيراً.

وله في المختار قصيدة على روي قصيدة أبي تمام، عطف فيها على مديحه إطراء صاحبه ومشاطره في الفضيلة: إبراهيم بن مالك الأشتر، وهي:

يهنيك يا بطل الهدى والثارِ

ما قد حويت بمدرك الأوتارِ

لك عند آل محمّد كم من يدٍ

مشكورة جلَّت عن الإكبار

عرفتك مقبلة الخطوب محنَّك

فيه جنان مهذَّبٍ مغوارِ

أضرمت للحرب العوان لظىً به

أضحت بنو صخر وقود النارِ

وأذقت نغل سميّة بأس الهدى

و اُميّة كأس الردى والعار

فرأوا هواناً عند ضفَّة خاذرٍ

بمهنَّدٍ عند الكريهة وارِ

فرَّقت جمعهم العرمرم عنوةً

يوم الهياج بفيلق جرَّارِ

وفوارس من حزب آل المصطفى

أسد الوغى خوَّاضة الأخطار

وبواسل لم تغرهم وثباتهم

إلا بكل مدجَّج ثوَّار

لم يعرفوا إلا الإمام وثاره

فتشادقوا فيها بيا للثار

فتفرَّقت فرقاً علوج اُميّة

من كلّ زنَّاء إلى خمَّار

وأخذت ثاراً قبله لم تكتحل

علويَّة مذ أرزئت بالثار

وعمرت دوراً هدِّمت منذ العدى

بالطف قد أودت بربِّ الدار

عظم الجراح فلم يصب أعماقه

إلاك يا حُيِّيت من مسبار

في نجدةٍ ثقفيَّة يسطو بها

في الروع من نخعٍ هزبرٌ ضاري

الندب إبراهيم من رضخت له

الصيد الأباة بملتقى الآصار

من زانه شرف الهدى في سؤدد

وعلاً يفوح بها أريج نجار

٤٨

____________________

حشو الدروع أخو حجى من دونه

هضب الرواسي الشمّ في المقدار

إن يحكه فالليث في حملاته

والغيث في تسكابه المدرار

أو يحوه فقلوب آل محمّد

المصطفين السادة الأبرار

ما إن يخض عند اللقا في غمرةٍ

إلا وأرسب مَنْ سطا بغمار

أو يمَّم الجلَّى بعزمٍ ثاقبٍ

إلا وردَّ شواظها بأوار

المرتدي حلل المديح مطارفاً

والممتطي ذللاً لكلّ فخار

وعليه كلّ الفضل قصرٌ مثلما

كلّ الثنا قصرٌ على المختار

عن مجده أرج الكبا وحديثه

زهت الروابي عنه بالأزهار

ومآثرٌ مثل النجوم عدادها

قد شفِّعت بمحاسن الآثار

وكفاه آل محمّد ومديحهم

عمَّا ينضَّد فيه من أشعار

أسفي على أن لم أكن من حزبه

وكمثلهم عند الكفاح شعاري

فهناك إمَّا موتة أرجو بها

أجر الشهادة في ثناءٍ جاري

أو أنني أحظى بنيل المبتغى

من آل حرب مدركاً أوتاري

وأخوض في الأوساط منهم ضارباً

ثبج العدى بالمقضب البتَّار

ولأثكلنَّ أراملاً في فتيةٍ

نشأوا على الإلحاد في استهتار

ومشيخة قد أورثوا كلّ الخنا

والعار أجرية من الكفار

لكن على ما فيَّ من مضض الجوى

إذ لم أكن أحمي هناك ذماري

لم تعدني تلك المواقف كلّها

إذ أن ما فعلوا بها مختاري

فلقد رضيت بما أراقوا من دمٍ

فيها لكلّ مذمَّم كفار

ولأشفينَّ النفس منهم في غدٍ

عند اشتباك الجحفل الموَّار

يوم ابن طه عاقدٌ لبنوده

وجنوده تلتاح في إعصار

٤٩

____________________

تشوي الوجوه لظىً به نزَّاعة

لشوى الكماة بأنصل وشفار

فهنالك الظفر المريح جوى الحشا

من رازحٍ في كربه بأسار

ويتمُّ فيه القصد من عصب الولا

لبني الهدى كالسيّد المختار

يا أيها الندب المؤجِّج عزمه

وأمين آل المصطفى الأطهار

يا نجعة الخطب الملمِّ وآفة الـ

كرب المهمِّ وندحة الأوزار

لا غرو إن جهلت علاك عصابةٌ

فالقوم في شغل عن الإبصار

فلقد بزغت ذُكاً وهل يزرى بها

إن تعش عنها نظرة الإبصار؟!

لك حيث مرتبع الفخار مباءة

ولمن قلاك مزلَّة الأغرار

ومبوَّء لك في جوار محمّد

وملاذ عترته حماة الجار

فلئن رموك بمحفظ من إفكهم

فالطود لا يلوى بعصف الذاري

أو يجحدوك مناقباً مأثورة

مشكورة في الورد والإصدار

فلك الحقيقة والوقيعة لم تزل

عن قدس مجدك في شفير هار

فتهنَّ محتبياً بسؤددك الذي

تزورُّ عنه جلبة المهذار

خذها إليك قصيدة منضودة

من جوهر أو من سبيك نضار

لم يحكها نجم السماء لأنها

بزغت بشارقة من الأقمار

كلا ولا ضاهى محاسن نظمها

ما عن حطيئة جاء أو بشَّار

هي غادة زفَّت إليك ولم يشن

إقبالها بدعارة ونفار

هبَّت عليك نسائمٌ قدسيَّةٌ

حيَّت ثراك برحمة ويسار

وسقى لإبراهيم مضطجع الهدى

ودق الغمام المرزم المكثار

ما نافح الروض النسيم مشفِّعاً

سجع البلابل فيه شدو هزار

يتلو كما يتلى بكلّ صحيفة

مرَّ العشي وكرَّة الإبكار

٥٠

وكان الملاك عند المختار (رحمه الله) في قتل هؤلاء هو صدق الخروج على الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد روى الطبري، قال: ونادى منادي المختار: أنّه مَن أغلق بابه، فهو آمن إلاّ رجلاً شرك في دم آل محمّدعليهم‌السلام (1) .

فسبعون ألفاً من أهل الكوفة الموالين لبني اُميّة، غير مَن هرب ليس بالعدد القليل.

الدلالة الثامنة:

أنّ أهل الكوفة لمَّا هلك يزيد بن معاوية أرادوا أنْ يُقيموا خليفةً عليهم فاختاروا - وأنت تعلم بأنّ اختيار الخليفة لا يكون إلاّ من الأكثر، أو ممّن يمثّل الأكثر كرؤساء القبائل - الملعون قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، فهذا ممّا يبيِّن لنا مدى ابتعاد الشيعة عن الكوفة، وكثرة غيرهم وسيطرتهم فيه؛ إذ إنّ أهل الكوفة رفضوا بيعة عبيد الله بن زياد (لعنة الله عليه)، وأرادوا أنْ يبايعوا الملعون عمر بن سعد قاتل الحسينعليه‌السلام ، إلاّ أنّ نساء همدان منعنَ من بيعته، ثمّ بايعوا من أقرَّه ابن الزبير المقاتل لأمير المؤمنينعليه‌السلام والمعروف حاله مع أهل البيتعليهم‌السلام (2) .

وهذا على أقلّ تقدير ممّا يدلّ على كثرة غير الشيعة في الكوفة، وإلاّ لمنع

____________________

ونكتفي بهذا المقدار من حال هذا الرجل العظيم، ونسأل الله بمحمّد وآلهعليهم‌السلام التوفيق لإفراد ما يتعلّق به بمؤلّف.

(1) تاريخ الطبري 3 / 459. ويأتي تفصيل هذه النقطة في: حقائق تاريخيّة تبيِّن موقف الشيعة من قتال الإمام الحسينعليه‌السلام .

(2) ذكرنا ما يبيّن شيئاً من حاله فيما جرى بينه وبين ابن عبّاس (رضوان الله عليه)، في الفصل الثالث من كتاب: مقتل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من موروث أهل الخلاف.

٥١

الشيعة تلك البيعة لا النساء.

فقد روى المسعودي والطبري، للأوّل، قال:

فخلع أهل الكوفة ولاية بني اُميّة وإمارة ابن زياد، وأرادوا أنْ ينصبوا لهم أميراً إلى أنْ ينظروا في أمرهم، فقال جماعة: عمر بن سعد بن أبي وقاص يصلح له. فلمَّا همُّوا بتأميره أقبلت نساء من همدان وغيرهن من نساء كهلان، وربيعة والنخع حتّى دخلنَ المسجد صارخات باكيات معولات يندبنَ الحسينعليه‌السلام ، ويقلنَ: أمَا رضي عمر بن سعد بقتل الحسينعليه‌السلام حتّى أراد أنْ يكون أميراً علينا على الكوفة؟! فبكى الناس(1) وأعرضوا عن عمر. وكان المبرزات في ذلك نساء همدان، وقد كان عليّعليه‌السلام مائلاً إلى همدان مؤثّراً لهم، وهو القائل:

فلو كنت بوَّاباً على باب جنَّةٍ

لقلت لهمدان ادخلي بسلام(2)

وبعد هذا لا يستبعد، بل يثبت أنّ الآلاف المؤلَّفة من أهل الكوفة الذين خذلوا الإمام الحسينعليه‌السلام ، وخرجوا لقتاله كلّهم من شيعة بني اُميّة، ومن غير الشيعة المعتقدة بإمامة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وأبنائه المعصومينعليهم‌السلام بالنصّ من الله عزَّ وجلَّ.

الأمر السادس: تصريحات الإمام الحسينعليه‌السلام تدلّ على أنّهم ليسوا بشيعة

____________________

(1) فهل هؤلاء شيعة معتقدة بإمامة الإمام الحسينعليه‌السلام بالنص؟ نعم، هم محبُّون لأهل البيتعليهم‌السلام ، فإنَّ عظمة مصيبتهعليه‌السلام قد أبكت الحجر الأصم، وإلاّ كيف قبلوا بابن الزبير؟

(2) مروج الذهب للمسعودي 3 / 283 - أيّام معاوية بن يزيد -: خبر ابن زياد، تاريخ الطبري 3 / 375، وذكر بدل عمر بن سعد: عمر بن سعيد.

٥٢

منه: تسميته لهم بشيعة آل أبي سفيان.

قال الخوارزمي: فحالوا بينه وبين رحله فصاح الإمام الحسينعليه‌السلام بهم: «ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إنْ لمْ يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم، إنْ كنتم عُرباً كما تزعمون»(1) .

ومنها: تخصيصه شيعته بمَن قتل في نصرته.

فقد خصَّص شيعته بمَن قُتل في نصرته، حيث قالعليه‌السلام : «إنّ أهل الكوفة قتلوا مسلم بن عقيلعليه‌السلام وشيعته». فقد روى الخوارزمي في خطاب الإمام الحسينعليه‌السلام لابن الحرّ أنّه: حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال (ع): «أمَّا بعد: يا بن الحرّ، فإنّ أهل مصركم هذا كتبوا إليَّ، وأخبروني أنّهم مجتمعون على أنْ ينصروني، وأنْ يقوموا من دوني، وأنْ يقاتلوا عدوِّي، وسألوني القدوم عليهم فقدمت، ولست أرى الأمر على ما زعموا؛ لأنّهم أعانوا مَن قتل ابن عمِّي مسلم بن عقيل وشيعته، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد مبايعين ليزيد بن معاوية...»(2) .

ومنها: دعاؤه في يوم عاشوراء بانتقام المختار له ولأوليائه ولشيعته.

فقد دعا يوم عاشوراء عليهم بانتقام المختار بن عبيد الله الثقفي (قدّس سرّه) له ولأوليائه وشيعته، حيث قالعليه‌السلام : «اللهمّ، احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنين يوسف، وسلِّط

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 38 رواه عن تاريخ السلامي.

(2) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 324 - 326.

٥٣

عليهم غلام ثقيف(1) يسقيهم كأساً مصبرةً، فلا يدع فيهم أحداً، قتلة بقتلة وضربة بضربة، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم؛ فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا، وأنت ربُّنا، عليك توكلنا، وإليك أنبنا وإليك المصير»(2) .

ومنها: قوله إنّهم كتبوا له ليتقربوا بقتله لابن معاوية.

قال البلاذري: وعرض الحسينعليه‌السلام على أهله ومَن معه أنْ يتفرَّقوا، ويجعلوا الليل جملاً، وقالعليه‌السلام : «إنّما يطلبوني وقد وجدوني، وما كانت كُتُبُ مَن كتب إليَّ - فيما أظنّ - إلاّ مكيدةً لي، وتقرُّباً إلى ابن معاوية بي».

فقالوا: قبَّح الله العيش بعدك!(3) .

الأمر السابع: تصريح جيش يزيد بن معاوية ببغضه أمير المؤمنينعليه‌السلام

قد عرفت ممّا تقدّم أنّ شيعة الرجل أتباعه ومحبُّوه، ومن جهة أخرى نلاحظ تصريحات قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام بأنّهم ما قاتلوهعليه‌السلام إلاّ بغضاً منهم لأبيه، وهل شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام مَن يبغضه؟!

قال القندوزي الحنفي:

ثمّ دناعليه‌السلام من القوم، وقال: «يا ويلكم! أتقتلونني على سنَّة بدَّلتها؟ أمْ على شريعة غيَّرتها؟ أمْ على جرم فعلته؟ أمْ على حقٍّ تركته؟».

فقالوا له: إنّا نقتلك بغضاً لأبيك(4) .

____________________

(1) المراد منه: المختار بن عبيد الله الثقفي (قدّس سرّه)، وقد تقدَّم عن قريب شيء من ترجمته في هامش: الدلالة السابعة من الأمر الخامس.

(2) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 10.

(3) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 393.

(4) ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 80.

٥٤

وفي نور العين، قال الإسفرايني:

قال الراوي: ثمّ إنَّه خرج من الخيمة وركب جواده، وحمل على القوم، فانهزموا من بين يديه كالجراد المنتشر فرجع، وقال (ع): «لا حول ولا قوَّة إلاّ بالله العليِّ العظيم». ثمّ رجع إليهم ثانياً، وقال لهم (ع): «ويلكم! على ماذا تقتلونني؟ أعلى عهد نكثته؟ أمْ على سنَّة غيَّرتها؟ أمْ على شريعة بدَّلتها؟ أمْ على حقٍّ تركتها؟». فقالوا: نقتلك بغضاً منَّا لأبيك. فعند ذلك غضب الحسينعليه‌السلام غضباً شديداً(1) .

ويؤكّد هذا ما رواه البلاذري من قول الإمام الحسينعليه‌السلام ، في ليلة عاشوراء لمَّا أذنَ لأصحابه بالانصراف بأنّ أغلب مَن كتب إليه، إنّما كتب لأجل الغدر والفتك به تقرُّباً ليزيد بن معاوية (لعنهما الله) كما تقدّم في الأمر السابع من تصريحات الإمام الحسينعليه‌السلام .

الأمر الثامن: عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسينعليه‌السلام من خلال أقوالهم

لا يخفى أنّ النماذج التي صرَّحت بعقيدتها في الإمام الحسينعليه‌السلام ، تكشف بظاهر الحال عن العقيدة الفاسدة لجيش يزيد بن معاوية (لعنه الله) بأكمله المبنيَّة على الجحود والإنكار والتضليل؛ إذ ظاهر حال الجميع أنَّهم أقرُّوا هؤلاء المتكلِّمين على ما قالوه في الإمام الحسينعليه‌السلام ، لتصدّيهم لمَا هو أعظم من إقرارهم هؤلاء المتكلمين وهو قتله. ولمْ يبدِ أحد منهم اعتراضه على كثرتهم، فمَن رادٍّ على الإمام الحسينعليه‌السلام وأصحابه بالتهديد بالفتك، ومن رادٍّ على

____________________

(1) نور العين في مشهد الحسينعليه‌السلام للإسفرايني / 48.

٥٥

أصحابه بالسبِّ، ومن منكرٍ لقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن قائل إنَّه مارق من الدين لمخالفته إمامهم يزيد بن معاوية! ومن قائلٍ إنَّه لا تقبل صلاته، ومن قائل له: استعجلت بالنار، ومن قائل له - والعياذ بالله! - ولأصحابه إنّهم خبيثون...، ومن قائلٍ له - والمستجار بالله! -: الكذاب ابن الكذاب! ومن قائل... ومن قائل... إلخ.

فهل يكون من شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام مَن يقول هذه الأقاويل؟

قال تعالى:( ... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) (1)

وفي هذا كثير من الدلائل نذكر بعضاً منه:

الدلالة الأولى

ردُّهم وتوعُّدهم بالفتك بالإمام الحسينعليه‌السلام حينما أبدى لهم النصيحة وبيَّن لهم الحقّ، وفي عقيدة الشيعة أنَّه لا يؤمن بالله إلاّ من اعتقد أنّ قول الإمام الحسين والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، هو قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والرادُّ عليهم راد على الله». ولا توجد هذه العقيدة عند أحد ممّن يدَّعي الإسلام، غير الشيعة المعتقدة بإمامتهمعليهم‌السلام بالنصّ من الله، فمَن لمْ تكن عنده هذه العقيدة لمْ يكن من الشيعة.

وممّا يثبت ردَّهم وتوعُّدهم ما في ينابيع المودّة، قال:

ثمّ قال الإمام الحسينعليه‌السلام لأعدائه: «يا أهل الكوفة، إنّ الدنيا قد تغيَّرت وتكدَّرت، وأدبر معروفها، وهي دار فناء وزوال، تتصرَّف بأهلها من حال إلى حال، فالمغرور من اغترَّ بها وركن إليها، وطمع فيها.

معاشر الناس، أمَا قرأتم القرآن؟! أمَا عرفتم شرايع الإسلام؟! وثبتم على ابن نبيّكم، تقتلونه ظلماً

____________________

(1) سورة الأنبياء / 24.

٥٦

وعدوان.

معاشر الناس، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس، وآل نبيكم يموتون عطاشى!».

فقالوا: والله لا تذوق الماء، بل تذوق الموت غصَّةً بعد غصَّة، وجرعةً بعد جرعة.

فلمَّا سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه، وقالعليه‌السلام لهم: «إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان، ألاَ إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون». ثمّ جعل يقول:

تعدَّيتُمُ ياشرَّ قومٍ ببغيِكُمْ

وخالفتُمُ قولَ النبيِّ محمّد

أما كان خيرُ الخلقِ أوصاكُمُ بن

أما كان جدِّي خيرةَ اللهِ أحمدِ

أما كانت الزهراءُ أُمِّي ووالدي

عليٌّ أخو خيرِ الأنامِ الممجَّدِ

لُعِنْتُم وأخزيتم بما قد فعلتُمُ

فسوف تلاقون العذابَ بِمَشْهَدِ

فلمَّا فرغ من هذا الشعر أمر أنس الكاهلي أنْ يذهب إلى القوم ويعظهم، عسى أنْ يرجعوا، وقال (ع): «أنا أعلم أنّهم لا يرجعون، ولكن تكون حجّة عليهم».

فانطلق أنس فدخل على ابن سعد، ولمْ يسلِّم عليه، فقال ابن سعد له: لِمَ لمْ تسلِّم عليَّ؟ ألستُ مسلماً؟ قال: والله لست أنت مسلماً؛ لأنّك تُريد أنْ تقتل ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فنكس رأسه، فقال: والله إنّي لأعلم أنّ قاتله في النار، ولكن لا بدَّ من إنفاذ حكم الأمير عبيد الله بن زياد. فرجع أنس إلى الحسينعليه‌السلام وأخبره بذلك(1) .

الدلالة الثانية

سبُّهم لأصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وثناؤهم ودعاؤهم لابن زياد، ولا يخفى أنّ هذه هي عقيدة أهل الخلاف الموروثة والمعروفة من موالاتهم لأعداء أهل

____________________

(1) ينابيع المودّة لذوي القربى، القندوزي 3 / 68.

٥٧

البيتعليهم‌السلام وبراءتهم من أوليائهمعليهم‌السلام (1) ، وهي مباينة تماماً لعقيدة الشيعة الاثني عشريّة.

روى الطبري والبلاذري، وابن الأثير وابن كثير، واللفظ للأوّل، قال:

قال أبو مخنف: فحدَّثني عليّ بن حنظلة بن أسعد الشامي، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسينعليه‌السلام حين قُتل، يُقال له: كثير بن عبد الله الشعبي، قال: لمَّا زحفنا قبل الحسين (ع)، خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب، شاكّ في السلاح، فقال:

يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار! إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوة، وعلى دين واحد وملَّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنّا اُمَّة وأنتم اُمَّة.

إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذرّيّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنَّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد؛ فإنّكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كلّه، ليسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثِّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقرَّاءكم، أمثال: حجر بن عدي وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه.

قال: فسبُّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلماً(2) .

____________________

(1) ويأتي تفصيل هذا تحت عنوان: المتطرّفون من أهل الخلاف لا يختلفون عن قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام .

(2) تاريخ الطبري 3 / 319، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 397 بإيجاز، الكامل في التاريخ 3 / 420، ولمْ يذكر تشبيه زهير (قدّس سرّه) بمؤمن آل فرعون، البداية والنهاية 8 / 180، كذلك.

٥٨

وروى الطبري والبلاذري، وابن الأثير وابن كثير واللفظ للأوّل، قال:

فاستقدم أمام أصحابه، ثمّ قال: أيُّها القوم، ألاَ تقبلون من حسينعليه‌السلام خصلةً من هذه الخصال التي عرض عليكم، فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟ قالوا: هذا الأمير عمر بن سعد فكلِّمه.

فكلَّمه بمثل ما كلَّمه به قبل، وبمثل ما كلَّم به أصحابه، قال عمر: قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت. فقال: يا أهل الكوفة، لاُمِّكم الهبل والعبر! إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كلِّ جانب، فمنعتموه التوجُّه في بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيتهعليهم‌السلام ، وأصبح في أيديكم كالأسير، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضراً، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، وها هم أولاء قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذريّتّه! لا سقاكم الله يوم الظمأ! إنْ لمْ تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه.

فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل، فأقبل حتّى وقف أمام الحسينعليه‌السلام (1) .

الدلالة الثالثة

ابن الأشعث يجحد قرابة الإمام الحسينعليه‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا من معترض من هذا الجيش الظالم، وهل هذه إلاّ عقيدة بني اُميّة وأنصارهم، للحطِّ من منزلة أهل العصمةعليهم‌السلام ، وهذا التاريخ خير شاهد على ذلك(2) ؟ وأمَّا الشيعة

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 320 - 321، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 398، الكامل في التاريخ 3 / 420 - 421، البداية والنهاية 8 / 181 باختلاف يسير.

(2) المستدرك، الحاكم النيسابوري 3 / 164.

٥٩

____________________

أقول: خذ مثالاً ما جاء عن الحجّاج ومَن على شاكلته، فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك 3 / 164 ذلك، قال:

حدَّثنا أبو سهل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن زياد النحوي ببغداد، حدَّثنا جعفر بن محمّد بن شاكر، حدَّثنا بشر بن مهران، حدَّثنا شريك، عن عبد الملك بن عمير قال: دخل يحيى بن يعمر على الحجّاج.

وحدَّثنا إسحاق بن محمّد بن عليّ بن خالد الهاشمي بالكوفة، حدَّثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التميمي، حدَّثنا محمّد بن عبيد النحاس، حدَّثنا صالح بن موسى الطلحي، حدَّثنا عاصم بن بهدلة، قال:

اجتمعوا عند الحجّاج، فذُكر الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فقال الحجّاج: لمْ يكن من ذرّيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنده يحيى بن يعمر، فقال له: كذبت أيُّها الأمير. فقال: لتأتينِّي على ما قلت ببينة ومصداق من كتاب الله عزَّ وجلَّ، أو لأقتلنَّك قتلاً. فقال:( .. وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى... ) - الأنعام / 84 - إلى قوله عزَّ وجلَّ:( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ... ) . الأنعام / 85. فأخبر الله عزَّ وجلَّ أنّ عيسىعليه‌السلام من ذرّيّة آدم باُمِّه، والحسين بن عليّعليه‌السلام من ذرّيّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله باُمِّه. قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبيّننه للناس ولا يكتمونه، قال الله عزَّ وجلَّ:( ... فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثمّ ناً قَلِيلاً... ) . آل عمران / 178. قال: فنفاه إلى خراسان.

مع ما جاء من تصريح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك، وما هو إلاّ لقطع جماح هؤلاء ومَن على شاكلتهم، فقد روى الحاكم النيسابوري، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة، حدَّثنا محمّد ابن عثمان بن أبي شيبة، حدَّثني عمِّي القاسم بن أبي شيبة، حدَّثنا يحيى بن العلاء، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر قال، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكلِّ بني اُمٍّ عصبة ينتمون إليهم إلاّ ابني فاطمة، فأنا وليهما وعصبتهم». هذا حديث صحيح الإسناد، ولمْ يخرجاه.

وفي نيل الأوطار للشوكاني 6 / 138: وفي حديث عن أسامة بن زيد، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لعليّ (ع): «وأمَّا أنت يا عليّ فختني، وأبو ولدي». رواه أحمد.

وعن أسامة بن زيد: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال وحسن وحسينعليهما‌السلام على وركيه: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهمّ، إنِّي أُحبُّهم فأحبَّهما وأحبَّ من يحبُّهم». رواه الترمذي. وقال: حديث حسن غريب. وقال

٦٠