من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟0%

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 265

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 265
المشاهدات: 61442
تحميل: 4153

توضيحات:

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 265 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61442 / تحميل: 4153
الحجم الحجم الحجم
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)؟

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى: مَن ينتدب الحسين (ع) فيُوطئه فرسه؟ فانتدب له عشرة نفر، منهم: إسحاق الحضرمي، ومنهم: الأخنس بن مرثد الحضرمي القائل في ذلك:

نحن رَضَضْنا الظهرَ بعد الصدرِ

بكلِّ يَعْبُوبٍ شديدِ الأسر

حتّى عصينا اللهَ ربَّ الأمرِ

بصُنْعِنا مَعَ الحسينِ الطهرِ

فداسوا حسيناً (ع) بخيولهم حتّى رضُّوا صدره وظهره. فسُئل عن ذلك فقال: هذا أمر الأمير عبيد الله بن زياد(1) .

وروى الوطواط، قال:

ونادى عمر بن سعد: مَن ينتدب للحسين (ع) فيُطؤه بفرسه؟ فانتدب له إسحاق بن جنوة وتسعة من أصحابه، فوطأوا ظهره وصدره حتّى رضُّوه (ع) ولعن قاتله والمعين له(2) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته:

وقال عمر بن سعد: مَن جاء برأس الحسين (ع) له ألف درهماً. وقال عمر بن سعد أيضاً: مَن يُوطئ الخيل صدره؟ فأوطؤوا الخيل ظهره وصدره، ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً، فسألوا عنها فقِيل: كان ينقل الطعام على ظهره في الليل إلى مساكن أهل المدينة. وأخذ ملحفة فاطمة بنت الحسينعليها‌السلام واحد، وأخذ حليها آخر، وعرَّوا نساءه وبناته من ثيابهنَّ(3) .

وروى النويري، قال:

____________________

(1) مقتل الحسينعليه‌السلام ، للخوارزمي 2 / 44.

(2) غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة، للوطواط / 924، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

(3) تذكرة الخواص، ابن الجوزي / 228، طبعة منشورات الشريف الرضيّ.

٨١

قال، ولمَّا قُتل الحسينعليه‌السلام نادى عمر بن سعد في أصحابه: مَن ينتدب للحسين فيُوطئه فرسه؟ فانتدب له عشرة - منهم: إسحاق بن حيوة الحضرمي، وهو الذي سلب قميص الحسينعليه‌السلام فبرص بعد ذلك - فداسوا الحسينعليه‌السلام بخيولهم حتّى رضُّوا ظهره وصدره.

قال: ودفن جثة الحسينعليه‌السلام وجثث أصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قُتلوا بيوم(1) .

الدلالة السادسة

قطع رأس الإمام الحسينعليه‌السلام ورؤوس أصحابهعليهم‌السلام واقتسامها وحملها إلى الكوفة للتفاخر والتقرُّب لبني اُميّة، وهل يفتخر أحد بقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ويطلب رضا آل أبي سفيان إلاّ أعداء أهل البيتعليهم‌السلام من أنصار بني اُميّة؟ فتراهم يتهافتون في التقرُّب إليهم تهافت الفراش.

روى البلاذري، قال:

واحتزَّت رؤوس القتلى، فحمل إلى ابن زياد اثنان وسبعون رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، وعزرة بن قيس الأحمسي من بجيلة، فقدموا بالرؤوس على ابن زياد(2) .

وروى الطبري والخوارزمي واللفظ للأوّل، قال:

____________________

(1) نهاية الإرب في فنون الأدب للنويري / 12576، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

أقول: وما عليه الفرقة المحقّة أنّهعليه‌السلام دفن مع أصحابه بعد ثلاثة أيّام، لأنّه لمْ يكن أحد يجرأ على دفنهعليه‌السلام والجيش بعدُ لمْ يرحل، قال الدينوري في الأخبار الطوال / 259: وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسينعليه‌السلام يومين، ثمّ أذن في الناس بالرحيل، وحملت الرؤوس على أطراف الرماح، وكانت اثنين وسبعين.

(2) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 412.

٨٢

قال، وقطف رؤوس الباقين، فسرَّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجّاج، وعزرة بن قيس، فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد(1) .

وروى الطبري والبلاذري وابن الجوزي، واللفظ للأوّل، قال:

قال هشام، قال أبو مخنف: ولمَّا قُتل الحسين بن عليّعليه‌السلام جيء برؤوس مَن قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً، وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس، فذلك سبعون رأساً(2) .

وفي الأخبار الطوال، قال:

وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسينعليه‌السلام يومين، ثمّ أذن في الناس بالرحيل، وحملت الرؤوس على أطراف الرماح، وكانت اثنين وسبعين رأس، جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأساً، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً مع الحصين بن نمير، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً مع قيس بن الأشعث، وجاءت بنو أسد بستّة رؤوس مع هلال الأعور، وجاءت الأزد بخمس رؤوس مع عيهمة ابن زهير، وجاءت ثقيف باثني عشر رأساً مع الوليد بن عمرو(3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 336، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 412، مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام للخوارزمي 2 / 44 - 45.

(2) تاريخ الطبري 3 / 342، أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 412، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم، ابن الجوزي 5 / 341.

(3) الأخبار الطوال، الدينوري / 259.

٨٣

وقال ابن كثير:

فلمَّا أصبح خولي غدا به - أي: برأس الحسينعليه‌السلام - إلى ابن زياد، فأحضره بين يديه. ويُقال: إنّه كان معه رؤوس بقيّة أصحابه، وهو المشهور. ومجموعها اثنان وسبعون رأساً؛ وذلك أنّه ما قُتل قتيل إلاّ احتزُّوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد، ثمّ بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام(1) .

الأمر العاشر: اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام

لقد نصَّ بعض المؤرِّخين على مشاركة غير أهل الكوفة من الأمصار الأخرى في قتال الإمام الحسينعليه‌السلام ، بحيث لا يتصوَّر أنّهم من الشيعة، ولا يُعقل أنّ يأتي الشيعي من بلاد بعيدة ليقاتل إمامه!

ومن تلك النصوص التي وقفت عليها ما رواه أحمد بن عبد الله الطبري، قال: وما نُقل من أنّ عمر بن سعد بن أبي وقاص قتله - أي: الحسينعليه‌السلام - فتاه فلا يصحّ، وسبب نسبته إليه أنّه كان أمير الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد لقتاله، ووعده إنْ ظفر أنْ يولّيه الريّ. وكان في تلك الخيل - والله أعلم - قوم من أهل مصر وأهل اليمن(2) .

ويدلُّ عليه أيضاً ما ذكره المؤرِّخون ونصُّوا عليه من خروج سليمان بن ُصرد الخزاعي (قدّس سرّه) لقتال أهل الشام؛ فإنّه دليل واضح على مشاركة أهل الشام في مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنَّ مثل سليمان بن ُصرد الخزاعي وأصحابه على جلالتهم

____________________

(1) البداية والنهاية، ابن كثير 8 / 206، وفي ط / 204.

(2) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري / 146.

٨٤

وإيمانهم - حتّى نصَّ على صحبته(1) بعضهم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - لا يقاتلون الأبرياء الذين لمْ يشركوا في قتال الإمام الحسينعليه‌السلام .

فقد روى سبط ابن الجوزي في تذكرته والطبري في تاريخه(2) ، واللفظ للأوّل قال:

وقال: فذكر هشام بن محمّد، قال: لمَّا قُتل الحسينعليه‌السلام تحرَّكت الشيعة، وبكوا ورأوا أنّه لا ينجيهم ولا يغسل عنهم العار والإثم إلاّ قتل من قتل الحسينعليه‌السلام أو يقتلوا فيه عـن آخرهم، وفزعوا إلى خمسة من أهل الكوفة وهم: سليمان بن ُصرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمسيب بن نجبة الفزاري. وكان من أصحاب عليّعليه‌السلام وخيارهم، وعبد الله ابن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن والي التميمي، ورفاعة بن شدّاد البجلي، وكان اجتماعهم في منزل سليمان بن ُصرد، فاتّفقوا وتعاهدوا وتعاقدوا(3) على المسير إلى أهل الشام، والطلب بدم الحسينعليه‌السلام ، وأنْ يكون أجتماعهم بالنخيلة سنة خمس وستّين.

وقال سبط ابن الجوزي، قلت: وما لقتالهم لأهل الشام معنى؛ لأنّه لمْ يحضر أحد من أهل الشام قتال الحسينعليه‌السلام ، وإنّما قتله أهل الكوفة، فإنْ كان طلبهم ليزيد فقد مات، وكانوا ينبغي أنْ يقتلوا قتلتهعليه‌السلام بالكوفة ويطلبوا ابن زياد(4) .

أقول: بل قتال هؤلاء الثقات وخروجهم على أهل الشام له معنى - لو تنبَّه سبط ابن الجوزي وأمثاله! - يكشفه أنّ في قتالهم أهل الشام دلالة واضحة على

____________________

(1) كما هو مشرب القوم في التوثيق والتعديل.

(2) وسأذكر ما ذكره الطبري في المقام مفصَّل، وإنّما اكتفيت بما في تذكرة الخواص لإيجازه.

(3) في المطبوع: وتقاعدوا، والظاهر ما أثبتناه.

(4) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي / 253 - 254.

٨٥

مشاركتهم في دم الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ وذلك لأنّ مثل سليمان بن ُصرد (قدّس سرّه) وأصحابه في جلالتهم وعلوِّ قدرهم أبعد عن قتال الأبرياء، وهم أعرف من ابن الجوزي وغيره بمَن شارك في دم الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهذا المعنى جاء أيضاً في روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد روى الشيخ الكليني (قدّس سرّه) بإسناده:

عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن أبان، عن عبد الملك، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال: «تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسينعليه‌السلام وأصحابه بكربلا، واجتمع عليه خيل أهل الشام، وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرته، واستضعفوا فيه الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابه، وأيقنوا أنّ لا يأتي الحسينعليه‌السلام ناصر، ولا يمدَّه أهل العراق، بأبي المستضعف الغريب».

ثمّ قال: «وأمَّا يوم عاشورا، فيوم أُصيب فيه الحسينعليه‌السلام صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله [ عراة ] أفصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلا، وربِّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم! وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرّيّاتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمَن صامه أو تبرَّك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه، ومَن ادَّخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك»(1) .

____________________

(1) الكافي، الكليني 4 / 147.

٨٦

الأمر الحادي عشر: أحوال ودواعي مَن كتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام

لا يخفى أنّ البيعة من المسلمين لا تدلّ على المشايعة بالمعنى الخاصّ للمبايَع، فبعض المسلمين ممّن بايعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام بايعوهما على أنّهما خليفتان كبقيّة الخلفاء، بل كانوا يعتقدون بأنّ مَن مضى من الخلفاء أفضل منهم، وهؤلاء كلّهم ليسوا بشيعة بالمعنى الخاصّ، بل الشيعة بالمعنى الخاصّ - كما تقدَّم ومرَّ عليك - هم خصوص مَن اعتقدوا بإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأبنائهعليهم‌السلام بالنصّ من الله بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثل الشيعة الاثني عشريّة، ومَن مضى من أسلافهم كسلمان المحمّدي والمقداد، ورشيد الهجري ومالك الأشتر و... و... وغيرهم ممّن تمسكوا بأقوال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خم وغيره.

ومن بايع الإمام الحسينعليه‌السلام هم عامّة الناس حتّى من أهل الحجاز(1) ، وأكثر من بايعهعليه‌السلام وكتب إليه من الكوفة هم من الذين يعتقدون فيه بأنّه ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه أهل العدل والصلاح كما يعتقدون ذلك في أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخيه الإمام الحسنعليه‌السلام ، ولا يعتقدون بأنّه الإمام بعد أخيه بالنصّ(2) ، ولكن الدواعي للكتابة والبيعة تختلف:

فمنهم الشيعة: والداعي لهم على الكتابة إقرارهم بإمامتهعليه‌السلام بالنَّصّ من الله

____________________

(1) وقد ذكرنا في كتاب مقتل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من موروث أهل الخلاف ما جرى بين ابن الزبير وبين ابن عبّاس، وما يكنُّه ابن الزبير في أحداث مكّة المكرمة، وأنّ الناس في مكّة لا يعدلون بهعليه‌السلام أحداً، وأيضاً تفرُّق مَن خرج من الناس مع الإمام الحسينعليه‌السلام من مكّة حينما سمعوا بمقتل مسلم بن عقيلعليه‌السلام .

(2) وممّا يدل على ذلك بوضوح كتاب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وغيرهما من الخوارج، كما ذكرناه في كتاب المقتل، وسنذكره في تراجم قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام .

٨٧

واعتقادهم بوجوب الطاعة له وكونها كطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واعتقاد عصمته، و... و... وهؤلاء قليلون جداً.

ومنهم مَن بايعهعليه‌السلام للغدر والتنكيل به والتقرّب بقتله وإراقة دمه إلى يزيد بن معاوية، وهذا ما صرَّح به الإمام الحسينعليه‌السلام في ليلة العاشر من المحرم. فقد روى البلاذري قال، وقالعليه‌السلام : «إنّما يطلبوني وقد وجدوني، وما كَتَبَ مَن كَتَبَ إليَّ فيما أظنّ إلاّ مكيدةً لي، وتقرُّباً إلى ابن معاوية بي»(1) .

ومنهم: مَن أدرك أنّ يزيد بن معاوية فاجر لا يتوَّرع عن المحارم - كما سيأتي في ترجمته - فلا يصلح لشيء من أمور المسلمين أصلاً، فكتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام للعيش تحت ظلّ العدل المحمّدي - وإنْ لمْ يعتقد بإمامته بالنصّ - وذلك لمَا عرف عنهعليه‌السلام من أنّه من أهل بيت النبوّةعليهم‌السلام ، وهم أهل التقوى والعدل والجود والكرم، فلهم مكان في قلوب مَن لهم شيء من العقل والتمييز.

وهؤلاء يوجد منهم كثير في زماننا وفي سائر الأزمنة السالفة، إذ إنّ الكثير يدَّعون محبّة أهل البيتعليهم‌السلام حتّى أنّهم يظهرون ذلك بإنشاء قصائد المدح وغيره، ولكن لا يتّبعونهم، ولا يأخذون شيئاً من الدين من طريقهم، بل من طريق غيرهم، ولا يتبرّؤون من أعدائهم(2) . ومن الواضح أنّ هذا الحبُّ يبقى ما دام لا

____________________

(1) أنساب الأشراف، البلاذري 3 / 393.

(2) الاعتقاد بأنّ الإمام الحسينعليه‌السلام أهل العدل والتقوى مع عدم الاعتقاد بإمامته لا يقتضي عدم التخلّي عنهعليه‌السلام للمصالح والأغراض الدنيويّة، وهذا عيناً مثل السارق من الصلحاء، فإنّه مع اعتقاده بصلاحهم يسرقهم لمصلحة نفسه وإنْ كان يحبّهم ويثني عليهم.

وهذا بخلاف مَن يعتقد بإمامتهعليه‌السلام وأنَّه لا يكون مؤمناً إلاّ بالإيمان به، ويعتقد بوجوب طاعته كطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونصرته كنصرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الله لا يقبل عمل عامل إلاّ بالتسليم والولاية له والبراءة من عدوِّه؛ فإنّه لا يتعدَّى عليه فضلاً عن الفتك به، بل يتطلَّب رضاه، وهذا ماصرّح به المؤرِّخون من أنّ قلوب الكوفيّين - الذين يُقِرُّون بفضله، ولكن لا يعتقدون بإمامته - مع

٨٨

يعارض شيئاً من مصالحهم، ولا يمسُّهم به سوء.

ومنهم: مَن كتب إليهعليه‌السلام لعدم تعقُّله بيعة أحد من الناس ليزيد بن معاوية لِمَا

____________________

الحسينعليه‌السلام ، ولكن سيوفهم عليه، فهؤلاء من الكوفيّين لا يختلفون عن السارق من الصالحين.

روى ذلك الطبري في تاريخه 3 / 296، وابن كثير في البداية والنهاية 8 / 166 - 167، والبلاذري، أنساب الأشراف 3 / 376، وقد ذكره بأكثر من خبر فيما جرى بين الإمام الحسينعليه‌السلام والفرزدق - واللفظ للأوّل، قال:

قال أبو مخنف: عن أبي جناب، عن عدي بن حرملة، عن عبد الله بن سليم والمذري، قال: أقبلنا حتّى انتهينا إلى الصفاح، فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر، فوَاقَفَ حسيناًعليه‌السلام ، فقال له: أعطاك الله سؤلك، وأمَّلك فيما تحبّ. فقال له الحسينعليه‌السلام : «بيِّنْ لنا نبأ الناس خلفك؟». فقال له الفرزدق: من الخبير سألت، قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء. فقال له الحسينعليه‌السلام : «صدقت، لله الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكلّ يوم ربُّنا في شأن، إنْ نزل القضاء بما نحبُّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر، وإنْ حال القضاء دون الرجاء، فلمْ يعتدّ مَن كان الحقُّ نيّته والتقوى سريرته». ثمّ حرَّك الحسينعليه‌السلام راحلته، فقال: «السلام عليك». ثمّ افترق.

وروى ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب 2 / 2614، قال:

أنبأنا أبو عليّ الحسن بن هبة الله بن الحسن بن عليّ الدوامي، قال: أخبرنا القاضي محمّد بن عمر ابن يوسف الأرموي، قال: أخبرنا الشريف أبو الغنائم عبد الصمد بن عليّ بن المأمون، قال: أخبرنا الشريف أبو الفضل محمّد بن الحسن بن الفضل بن المأمون، قال: حدَّثنا أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباري، قال: حدَّثنا محمّد بن يونس، قال: حدَّثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، قال: حدَّثني ليطة بن الفرزدق، عن أبيه قال:

حججت، لمَّا كنت بذات عرق لقيني الحسين بن عليّعليهما‌السلام يريد الكوفة، فقصدته فسلَّمت عليه، فقال لي: «ما خلَّفت لنا وراءك بالبصرة؟». فقلت: قلوب القوم معك وسيوفهم مع بني اُميّة، فقال (ع): «ما أشكّ في أنّك صادق، الناس عبيد الدنيا، والدين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت به معائشهم، فإذا استنبطوا قلَّ الديَّانون».

وروى ذلك أيضاً الخوارزمي في مقتله 1 / 321، وقد ذكرنا ذلك في كتاب المقتل في طريق الإمام الحسينعليه‌السلام إلى العراق.

٨٩

فيه من الرذائل(1) .

ومنهم: مَن كتب إليه (ع) تمشيّاً مع الوضع العامّ.

ومنهم: مَن كتب إليه (ع) لأجل المصالح والأغراض الدنيويّة، فما إنْ علموا بانتفاء ما رغَّبهم في البيعة حتّى تخلَّوا عنهعليه‌السلام فوراً، فانظر إلى أهل البلدان التي مرَّعليه‌السلام بها ومَن التحق به من مكّة، فإنّهم بمجرَّد أنْ سمعوا بعدم تمام بيعتهعليه‌السلام في الكوفة - حينما وصل خبر مقتل مسلم بن عقيل - تخلَّوا عنه، ولمْ يبقَ إلاّ مَن خرج معه من المدينة، وفي الكوفة كثير من هؤلاء أيضاً.

فمَن كتب إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ليسوا هم الشيعة بالمعنى الخاصّ فقط، بل الكثرة الكاثرة من غيرهم.

الأمر الثاني عشر: موقف مَن كتب من الشيعة إلى الإمام الحسينعليه‌السلام

إن الشيعة الذين كتبوا للإمام الحسينعليه‌السلام بدأ فيهم - بعد مجيء عبيد الله بن زياد - القتل والسجن والتهديد وأنواع الضغوط اللاإنسانيّة، وإلا فأينَ رموز الشيعة ووجهاؤها كالمختار(2) وسليمان بن ُصرد، وبقية وُجهاء

____________________

(1) راجع ما ذكرناه في ترجمة يزيد بن معاوية من مثالبه في كتاب: مقتل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام من موروث أهل الخلاف، في الفصل السادس، وقد ذكرنا هنا شيئاً من ذلك.

(2) تاريخ الطبري 3 / 294، قال:

وذكر هارون بن مسلم، عن عليّ بن صالح، عن عيسى بن يزيد: أنّ المختار بن أبي عبيد، وعبد الله ابن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم، خرج المختار براية خضراء، وخرج عبد الله براية حمراء، وعليه ثياب حمر، وجاء المختار برايته، فركزها على باب عمرو بن حريث، وقال: إنّما خرجت لأمنع عمراً، وأنّ ابن الأشعث والقعقاع بن شور، وشبث بن ربعي قاتلوا مسلماً وأصحابه - عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد - قتالاً شديداً، وأنّ شبثاً جعل يقول: انتظروا بهم الليل

٩٠

الشيعة(1) ؟ فهؤلاء كلُّهم كانوا في سجون ابن زياد(2) ، وأيضاً هلاّ فكرت يوماً في ثورة المختار والآلاف من

____________________

يتفرَّقوا، فقال له القعقاع: إنّك قد سددت على الناس وجه مصيرهم، فافرج لهم ينسربوا، وأنّ عبيد الله أمر أنْ يطلب المختار وعبد الله بن الحارث، وجعل فيهما جعل، فأتي بهما فحبسا، وفي هذه السنة كان خروج الحسينعليه‌السلام من مكّة متوجِّهاً إلى الكوفة.

(1) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 / 394:... حض سليمان على الجهاد، وسار في ألوف لحرب عبيد الله بن زياد... إلخ.

(2) وفي مقتل ميثم التّمار (قدّس سرّه) بنقل ابن حجر العسقلاني ما يبيّن حبس المختار، وأيضاً ما فعل بميثم (قدّس سرّه) في الكوفة قبل وصول الحسينعليه‌السلام إلى العراق بعشرة أيّام، فقد ذكر في الإصابة 6 / 250، قال: ميثم التّمار الأسدي، نزل الكوفة، وله بها ذرّيّة. ذكره المؤيّد بن النعمان الرافضي في مناقب عليّ (ع) عنه، وقال: كان ميثم التّمار عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليّعليه‌السلام منها وأعتقه. وقال (ع) له: «ما اسمك؟». قال: سالم. قال: «أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ اسمك الذي سمَّاك به أبواك في العجم ميثم». قال: صدق الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام والله إنه لاسمي. قال (ع): «فارجع إلى اسمك الذي سمَّاك به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودع سالم». فرجع ميثم واكتنى: بأبي سالم.

فقال عليّعليه‌السلام ذات يوم: «إنّك تُؤخذ بعدي فتُصلب وتُطعن بحربة، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفوك دماً فتخضب لحيتك، وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة، وأنت أقصرهم خشبةً، وأقربهم من المطهرة، وامضِ حتّى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها، فأراه إيّاها».

وكان ميثم يأتيها فيصلّي عنده، ويقول: بُوركت من نخلة، لكِ خُلقتُ، ولي غذيت.

فلمْ يزل يتعاهدها حتّى قُطعت، ثمّ كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري. فيقول له عمرو: أتريد أنْ تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يُريد.

ثمّ حجّ في السنة التي قُتل فيها، فدخل على اُمِّ سلمة اُمِّ المؤمنين، فقالت له: مَن أنت؟ قال: أنا ميثم. فقالت: والله لربما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يذكرك ويوصي بك عليّاً (ع)، فسألها عن الحسينعليه‌السلام فقالت: هو في حائط له. فقال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه فلمْ أجده، ونحن ملتقون عند ربِّ العرش إنْ شاء الله تعالى. فدعت اُمُّ سلمة بطيب فطيَّبت به لحيته. فقالت له: أمَا إنّها ستُخضب بدم.

٩١

أنصاره التي كانت بصدد إبادة قتلة الحسينعليه‌السلام ، وعلى هذا أيضاً سليمان بن ُصرد صاحب ثورة التوّابين؛ فإنّه لا يُعقل أنْ يثور قتلة الحسينعليه‌السلام على قتلتهعليه‌السلام !

فإنْ قِيل: إذن ما هو موقف الشيعة الباقية التي لمْ تُزَجَّ في السجون؟

فالجواب واضح، وهو أنّ المانع لهم - مضافاً لقلَّتهم في الكوفة - هو إرهاب(1) بني اُميّة

____________________

فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد، فأُدخل عليه، فقِيل له: هذا كان آثر الناس عند عليّعليه‌السلام . قال: ويحكم! هذا الأعجمي؟ فقِيل له: نعم. فقال له: أين ربّك؟ قال: بالمرصاد للظلمة، وأنت منهم. قال: إنّك على أعجميتك لتبلغ الذي تُريد، أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟

قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهّرة. قال: لنخالفنّه. قال: كيف تخالفه؟! والله، ما أخبرني إلاّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن جبرائيل عن الله، ولقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه، وإنّي أوَّل خلق الله أُلجم في الإسلام. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد، فقال ميثم للمختار: إنّك ستُفلت وتخرج ثائراً بدم الحسينعليه‌السلام فتقتل هذا الذي يُريد أنْ يقتلك.

فلمَّا أراد عبيد الله أنْ يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلّية سبيله فخلاه، وأمر بميثم أنْ يُصلب، فلمَّا رفع على الخشبة عند باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول لي: إنّي مجاورك. فجعل ميثم يحدِّث بفضائل بني هاشم، فقِيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، قال: ألجموه. فكان أوَّل مَن أُلجم في الإسلام، فلمَّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن بالحربة فكبَّر، ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دم. وكان ذلك قبل مقدم الحسينعليه‌السلام العراق بعشرة أيّام.

(1) انظر إلى ما قاله عبيد الله بن الحرّ حينما طلب منه الإمام الحسينعليه‌السلام النصرة واعتذر له بقوله: يابن رسول الله! لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنت أنا من أشدِّهم على عدوّك، ولكن - يابن رسول الله (ص) - رأيت شيعتك بالكوفة قد لزموا منازلهم خوفاً من سيوف بني اُميّة. مقتل الخوارزمي 1 / 326.

٩٢

وأنصارهم للشيعة بتفنّنهم بالقتل والذبح والتمثيل وغيره فيهم، وهو غير قليل، وفيمَن أراد نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام بالخصوص. وهذا ظاهر فيما فعله عبيد الله بن زياد من تفنُّنه في قتل أنصار أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث إنّه ذبح هاني بن عروة ومسلم بن عقيل وغيرهما وصلبهم في السوق أمام الناس، وسحب أجسادهم في الطرقات، وما ذلك إلاّ للإرهاب وإيجاد الخوف في نفـوس الشيعة من الكوفيّين، فما كان قعود بعض الشيعة إلاّ للإرهاب، مضافاً إلى ما قام به ابن زياد من جعل المراصد والعيون لملاحظة الشيعة، ومنعهم من الوصول إلى الإمام الحسينعليه‌السلام ونصرته(1) ؛ ولهذا كان خروجهم بعد ذلك على قتلتهعليه‌السلام بعنوان التوبة من عدم نصرتهم للإمام الحسينعليه‌السلام ، لا للاعتذار من قتالهم إيّاه.

فقد روى سبط ابن الجوزي والطبري(2) ، واللفظ للأوّل، قال:

فذكر علماء السير، قالوا: لمَّا قُتل الحسينعليه‌السلام سقط في أيدي القوم الذين قعدوا عن نصرته، وقاموا مكفِّرين نادمين، فلمَّا مات يزيد بن معاوية منتصف ربيع الأوَّل سنة أربع وستّين تحرَّكت الشيعة بالكوفة، وكانوا يخافون منه، وقِيل: تحرَّكت في هذه السنة قبل موت يزيد، وهو الأصحّ.

وقال: فذكر هشام بن محمّد، قال: لمَّا قتل الحسينعليه‌السلام تحرَّكت الشيعة وبكوا، ورأوا أنّه لا يُنجيهم ولا يغسل عنهم العار والإثم إلاّ قتل مَن قتل الحسينعليه‌السلام أو يُقتلوا فيه عـن آخرهم، وفزعوا إلى خمسة من أهل الكوفة، وهم: سليمان بن ُصرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمسيب بن نجبة الفزاري. وكان من أصحاب عليّعليه‌السلام وخيارهم، وعبد الله

____________________

(1) تقدّم ذلك تحت عنوان: منع الشيعة من الوصول إلى الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء.

(2) وسأذكر ما ذكره الطبري في المقام مفصلاً تحت عنوان: حقائق تاريخيّة تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وإنّما اكتفيتُ بما في تذكرة الخواص لإيجازه.

٩٣

ابن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن والي التميمي، ورفاعة بن شدّاد البجلي. وكان اجتماعهم في منزل سليمان بن ُصرد، فاتّفقوا وتعاهدوا وتعاقدوا على المسير إلى أهل الشام، والطلب بدم الحسينعليه‌السلام ، وأنْ يكون اجتماعهم بالنخيلة سنة خمسٍ وستّين.

وقال سبط ابن الجوزي، قلت: وما لقتالهم لأهل الشام معنىً(*) ؛ لأنّه لمْ يحضر أحد من أهل الشام قتال الحسينعليه‌السلام ، وإنّما قتله أهل الكوفة، فإنْ كان طلبهم ليزيد فقد مات، وكانوا ينبغي أنْ يقتلوا قتلتهعليه‌السلام بالكوفة، ويطلبوا ابن زياد.

ثمّ إنّهم كاتبوا الشيعة فأجابهم أهل الأمصار، وقِيل: إنّهم تحرَّكوا عقب قتل الحسينعليه‌السلام أوَّل سنة إحدى وستّين، ولمْ يزالوا في جمع الأموال والاستعداد حتّى مات يزيد(1) .

الأمر الثالث عشر: نسبة علماء أهل الخلاف قتل الإمامعليه‌السلام إلى يزيد بن معاوية وأتباعه

قد صرَّح علماء أهل الخلاف بأنّ قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام هم يزيد بن معاوية وأتباعه، وسيتبيَّن لك ذلك في تراجمهم الآتية. وقد عقدت عنواناً خاصّاً بمن نصَّ على أنّ يزيد بن معاوية هو قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام .

ومن هؤلاء الذهبي، قال: وكان يزيد بن معاوية ناصبي، فظ غليظ، جلف يتناول المسكر، ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسينعليه‌السلام ، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس ولمْ يُبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسينعليه‌السلام ، كأهل المدينة قاموا لله، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري،

____________________

(*) تقدّم الردّ على ابن الجوزي تحت عنوان: اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام .

(1) تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي / 253 - 254.

٩٤

ونافع بن الأزرق(1) .

أقول: فإلصاق تهمة قتل الإمام الحسينعليه‌السلام بالشيعة ليس بالاعتباط، بل هو أمر متعمَّد ومقصود لتبرئة بني اُميّة وإبعاد الناس عن أهل الحقّ وشيعتهم، وإلاّ لماذا التخصيص بأهل الكوفة وإخراج غيرهم؟ مع أنّه لو ثبت أنّهم خصوص أهل الكوفة لا يثبت كون ذلك من الشيعة، ولكن لكون الشيعة عرفوا بأنّهم أكثر تواجداً في الكوفة، وأن عدوَّهم الشاهر الظاهر هم أهل الشام، فنسبوا القتل لخصوص أهل الكوفة.

____________________

(1) سير أعلام النبلاء، الذهبي 4 / 37.

٩٥

٩٦

الأمر الرابع عشر: حقائق تاريخية تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام

لكي يتبيَّن كثير من الحقائق نذكر بدء تحرُّك الثائرين ضد قتلة الإمام الحسينعليه‌السلام ، ليتّضح ما أراد بعض أهل الخلاف إلصاقه بشيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

ويتّضح لك من ذلك تفرُّق أماكن الشيعة وقلَّتهم في الكوفة - زيادة على ما تقدّم - ويتّضح عدم مشاركتهم في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، وما تقدَّم عن سبط ابن الجوزي شبه اختصار لهذا.

قال الطبري(1) :

قال أبو جعفر: وفي هذه السنة تحرَّكت الشيعة بالكوفة، واتَّعَدُوا الاجتماع بالنخيلة في سنة خمسٍ وستّين للمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، وتكاتبوا في ذلك.

ذكر الخبر عن مبدأ أمرهم في ذلك.

قال هشام بن محمّد، حدَّثنا أبو مخنف، قال: حدَّثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي، قال: لمَّا قُتل الحسين بن عليعليه‌السلام ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندُّم، ورأت أنّها قد أخطأت خطأ كبيراً بدعائهم الحسين (ع) إلى النصرة، وتركهم إجابته، ومقتله إلى جانبهم لمْ ينصروه، ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل مَن قتله، أو القتل فيه. ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة: إلى سليمان بن صُرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى المسيب بن

____________________

(1) تاريخ الطبري 3 / 390.

٩٧

نجبة الفزاري، وكان من أصحاب عليّعليه‌السلام وخيارهم، وإلى عبد الله بن سعد ابن نفيل الأزدي، وإلى عبد الله بن وال التيمي، وإلى رفاعة بن شدّاد البجلي.

ثمّ إنّ هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن ُصرد، وكانوا من خيار أصحاب عليّعليه‌السلام ، ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم.

قال: فلمَّا اجتمعوا إلى منزل سليمان بن ُصرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام فتكلَّم، فحمد الله وأثنى عليه، وصلَّى على نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال:

أمَّا بعد، فإنّا قد ابتُلينا بطول العمر والتعرُّض لأنواع الفتن، فنرغب إلى ربّنا ألاّ يجعلنا ممّن يقول له غداً:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ ) (1) .

فإن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستّون سنة». وليس فينا رجل إلاّ وقد بلغه، وقد كنَّا مغرمين بتزكية أنفسنا، وتقريظ شيعتنا حتّى بلى الله أخيارنا، فوجدنا كاذبين في موطنينِ من مواطن ابن ابنة نبيِّنا، وقد بلغتنا قبل ذلك كتبه، وقدمت علينا رسله، وأعذر إلينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً وعلانيةً وسرّاً، فبخلنا عنه بأنفسنا حتّى قُتل إلى جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قوَّيناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا، فما عذرنا إلى ربِّنا؟ وعند لقاء نبيِّناصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قُتل فينا ولده وحبيبه وذرّيّته ونسله؟

لا والله، لا عذر دون أنْ تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تُقتلوا في طلب ذلك، فعسى ربّنا أنْ يرضى عنَّا عند ذلك، وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن.

أيُّها القوم! ولُّوا عليكم رجلاً منكم؛ فإنّه لا بدَّ لكم من أمير تفزعون إليه، وراية تحفُّون به، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

قال: فبدر القوم رفاعة بن شدّاد بعد المسيب الكلام، فحمد الله وأثنى عليه

____________________

(1) سورة فاطر / 37.

٩٨

وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال:

أمَّا بعد، فإنّ الله قد هداك لأصوب القول، ودعوت إلى أرشد الأمور، بدأت بحمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيِّه (ص)، ودعوت إلى جهاد الفاسقين، وإلى التوبة من الذنب العظيم، فمسموع منك مستجاب لك، مقبول قولك.

قلت: ولُّوا أمركم رجلاً منكم تفزعون إليه وتحفُّون برايته، وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت، فإنْ تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضي، وفينا متنصح، وفي جماعتنا محبّ، وإنْ رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولَّينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذا السابقة والقدم سليمان بن ُصرد، المحمود في بأسه ودينه، والموثوق بحزمه، أقول قولي هذ وأستغفر الله لي ولكم.

قال: ثمّ تكلَّم عبد الله بن وال، وعبد الله بن سعد فحمدا ربَّهما وأثنيا عليه، وتكلَّما بنحو من كلام رفاعة بن شدّاد، فذكرا المسيب بن نجبة بفضله، وذكرا سليمان بن صُرد بسابقته ورضاهما بتوليته.

فقال المسيب بن نجبة: أصبتم ووفِّقتم، وأنا أرى مثل الذي رأيتم، فولُّوا أمركم سليمان بن ُصرد.

قال أبو مخنف: فحدَّثت سليمان بن أبي راشد بهذا الحديث، فقال: حدَّثني حميد بن مسلم، قال: والله إنّي لشاهد بهذا اليوم يوم ولَّوا سليمان بن ُصرد، وإنَّا يومئذ لأكثر من مئة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره.

قال: فتكلَّم سليمان بن ُصرد فشدَّد، وما زال يردِّد ذلك القول في كلِّ جمعة حتّى حفظته، بدأ فقال: أثني على الله خير، وأحمد آلاءه وبلاءه، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسوله، أمَّا بعد:

فإنّي والله، لخائف ألاّ يكون آخرنا إلى هذا الدهر - الذي نكدت فيه المعيشة، وعظمت فيه الرزيّة، وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة - لما هو خير،

٩٩

إنّا كنَّا نمدُّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيِّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ونمنِّيهم النصر، ونحثُّهم على القدوم، فلمَّا قدموا ونينا وعجزنا وادَّهنا وتربَّصنا وانتظرنا ما يكون حتّى قُتل فينا ولد نبيِّنا (ص) وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه؛ إذ جعل يستصرخ فلا يصرخ ويسأل النصف فلا يُعطاه، اتّخذه الفاسقون غرضاً للنبل، ودريَّة للرماح حتّى أقصدوه، وعدوا عليه فسلبوه، ألاَ انهضوا، فقد سخط ربّكم!

ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتّى يرضى الله، والله ما أظنّه راضياً دون أنْ تناجزوا من قتله أو تبيروا.

ألاَ لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه امرؤ قط إلاّ ذلَّ، كونوا كالأولى من بني إسرائيل، إذ قال لهم نبيّهم:( آإِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (1) . فما فعل القوم؟ جثوا على الركب والله، ومدُّوا الأعناق، ورضوا بالقضاء حتّى حين علموا أنّه لا يُنجيهم من عظيم الذنب إلاّ الصبر على القتل، فكيف بكم لو قد دُعيتم إلى مثل ما دُعي القوم إليه، اشحذوا السيوف، وركِّبوا الأسنَّة:( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ) (2) حتّى تدعوا حين تدعون وتستنفرون.

قال: فقام خالد بن سعد بن نفيل، فقال: أمَّا أنا، فوالله لو أعلم أنّ قتلي نفسي يخرجني من ذنبي ويرضي عنّي ربّي لقتلته، ولكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا ونهينا عنه، فأشهد الله ومَن حضر من المسلمين أنّ كلَّ ما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوِّي، صدقة على المسلمين أقوِّيهم به على قتال القاسطين.

وقام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكناني، فقال: وأنا أشهدكم على مثل ذلك.

____________________

(1) سورة البقرة / 54.

(2) سورة الأنفال / 60.

١٠٠