تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 579
المشاهدات: 93348
تحميل: 8475


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93348 / تحميل: 8475
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلطّتْ بأَيديها ثمارَ نحورِها

كأيدي الأُسارى أَثقلتها الجوامعُ (1)

فهذا تشبيه مصيب جدّاً، إلاّ أنّهم عابوه بما بيّنت، وإنّما أشار إلى قول النابغة:

ويَخْطِطنَ بالعيدانِ في كلّ منزلٍ

ويَخبَأنَ رمّانَ الثُّديّ النواهِدِ (2)

ومثله قول أبي محجن الثقفي في وصف قَيْنَة:

وترفعُ الصوتَ أحياناً وتُخفِضُه

كما يَطنّ ذُبابُ الروضة الغَرِدُ (3)

فأيّ قَيْنَة تُحبّ أن تُشبّه بالذُباب؟ وقد سرق بيت عنترة وقَلَبه فأفسده (4) .

* * *

قال ابن رشيق في باب الاعتذار: وأجلّ ما وقع في الاعتذار من مشهورات العرب قصائد النابغة الثلاث، يقول في إحداهنّ:

نُبّئتُ أنّ أبا قابوسٍ أَوعَدَني

ولا قرارَ على زأرٍ مِن الأسدِ (5)

ويقول في الثانية:

فلا تتركنّي بالوعيدِ كأنّني

إلى الناسِ مطليٌّ به القارُ أَجربُ (6)

ويقول في الثالثة - وهي أجودهنّ وأبرعهنّ -:

فإنّكَ كالليلِ الذي هو مُدركي

وإن خلتُ أنّ المُنتأى عنكَ واسعُ (7)

قال: ومِن ثَمّ تعلّق بهذا المعنى جماعة من الشعراء منهم سلم الخاسر يعتذر إلى المهدي:

وأنتَ كالدهرِ مبثوثاً حبائِلُهُ

والدهرُ لا ملجأٌ منه ولا هَرَبُ

قال ابن طاهر:

لأنّك لي مثلُ المكانِ المحيطِ بي

مِن الأرضِ أنّى استَنهضَتني المذاهبُ

____________________

(1) لطّ الشيء: ستره. وثمار النحور كناية عن الثديين.

(2) نهد الثدي: كعب وانتبر وأشرف. والثّديّ جمع الثدي.

(3) غرّد الطائر: رفع صوته.

(4) العمدة: ج 1 ص 302.

(5) زأر الأسد: صات من صدره.

(6) القار: القير.

(7) المنتأى: المبتعد.

١٨١

قال ابن رشيق: والى هذه الناحية أشار أبو الطيّب بقوله:

ولكنّك الدنيا إليّ حبيبةً

فما عنك لي إلاّ إليكَ ذهابُ

قال: إلاّ أنّه حرّف الكلم عن مواضعه.

قال: واختار العلماء لهذا الشأن قول عليّ بن جبلة:

وما لا مرئٍ حاوَلتَه عنك مَهربُ

ولو رَفعَتهُ في السماءِ المَطالعُ

بلى هاربٌ لا يَهتدي لمكانِه

ظلامٌ ولا ضوءٌ مِن الصبحِ ساطعُ

قال: لأنّه قد أجاد، مع معارضته النابغة، وزاد عليه ذكر الصبح، قال: وأظنّه اقتدى بقول الأصمعي في بيت النابغة: ليس الليل أولى بهذا المثل من النهار... (1) .

قال: وأفضل من هذا كلّه قول الله تعالى:

( يَا مَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوْا مِن أَقْطَارِ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوْا لاَ تَنفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ ) (2) .

وقال مَن اعتذر للنابغة: إنّما قدّم الليل في كلامه؛ لأنّه أهول، ولأنّه أوّل، ولأنّ أكثر أعمالهم إنّما كانت فيه، لشدّة حرّ بلدهم، فصار ذلك عندهم متعارفاً (3) .

وعقد ابن رشيق باباً في أغاليط الشعراء والرواة، ذَكر فيه مآخذ علماء الأدب على كثير من أشعار القدماء والمحدّثين، فكان من ذلك ما أخذوه على قول زهير يصف ضفادع (شربات):

يَخرُجنَ من شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ

على الجذوعِ يَخفنَ الغَمر والغَرقا (4)

إذ لا تخاف الضفدعة من الغرق مهما كان غمر الماء! فقد غلط في هذا التوصيف.

____________________

(1) العمدة: ج 2 ص 176 - 179.

(2) الرحمن: 33.

(3) العمدة: ج 2 ص 251.

(4) شَرَبات: موضع قرب مكّة. طَحِل الماء: فسد. والجذع: ساق النخلة. الغمر: الماء الكثير، وغمره الماء غمراً: علاه وغطّاه.

١٨٢

واعتذر عنه بأنّه لم يرد خوف الغرق على الحقيقة، ولكنّها عادة مَن هرب من الحيوان من الماء، فكأنّه مبالغة في التشبيه، كما قال تعالى:

( وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) (1) .

وقال: ( وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) (2) .

والقول فيهما محمول على (كاد)، هكذا ذكر الحُذّاق من المفسّرين، مع أنّا نجد الأماكن البعيدة القعر من البحار لا تقربها دابّة؛ خوفاً على نفسها من الهَلكة، فكأنّه أراد المبالغة في كثرة ماء هذه الشربات (3) .

قلت: فعلى هذا كان كلامه وصفاً للماء لا للضفادع، وعلى أيّ حال، فإنّ استهداف هكذا أهداف حقيرة وهابطة كانت حصيلة تضايق آفاق الحياة العربية حينذاك، وأين ذلك من سعة آفاق مطالب القرآن ومقاصده العليّة في أوصافه وتشبيهاته وتمثيلاته؟! وهل تَناسب بين قول زهير في هذا البيت والآيتين الكريمتين؟!! وإنّما يتفاخم الكلام ويتصاغر بضخم موضوعه وصغره، وعلوّ مقصوده وسفله، الأمر الذي نجده فرقاً بيّناً بين مقصود الآيتينِ ومقصود زهير في البيت، بل بين القرآن كلّه وأشعار العرب الجاهلي كلّها!

قال الأصمعي: وأخطأ زهير في قوله - في ذمّ الحرب والقتال -:

فتُنتِج لكم غِلمانَ أَشأَم كلُّهُم

كأحمرِ عادٍ ثمّ تُرضِع فتَفطِمِ (4)

حيث شبّه الغلمان المشائيم بعاقر ناقة صالح، الموصوف بالأحمر، واسمه قدار، لكن نَسَبه إلى عاد، وهو خطأ، وإنّما هو ثمود.

واعتذر عنه بأنّ ثمود هي عاد الثانية، كما جاء في قوله تعالى:

____________________

(1) إبراهيم: 46.

(2) الأحزاب: 10.

(3) العمدة: ج 2 ص 251.

(4) أشأم: مبالغة المشؤوم. وأراد بأحمرِ عاد: أحمر ثمود، وهو عاقر الناقة، واسمه قدار بن سالف يقول: فتولّد لكم أبناء في أثناء تلك الحروب كلّ واحد منهم يضاهي في الشؤم عاقر الناقة.

١٨٣

( وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى ‏ ) (1) .

فهل قال تعالى هذا إلاّ وثمّ عادٌ أخرى؟ وهي هلكت بالنمل، من وُلد قحطان.

لكن أنصار الأصمعي لا يقرّون هذا الجواب؛ إذ لا يصادق عليه العارفون بالأنساب والتاريخ ووصف (الأُولى) في الآية معناه السابقة التي كانت قبل ثمود، وليس يدلّ على أنّ هناك عادينِ، والوصف إنّما أتى به للإيضاح لا للاحتراز (2) .

وضمّنَ ابن رشيق باب أغاليط الشعراء باباً ذكر فيه منازل القمر، وعلّل ذلك بأنّه رأى العرب - وهم أولع الناس بهذه المنازل وأنوائها - قد غلطوا فيها، فقال أحدهم: من الأنجم العزل والرامحة... وقال امرؤ القيس:

إذا ما الثُريّا في السماء تعرّضتْ

تَعرُّضَ أَثناءِ الوِشاحِ المُفصَّلِ (3)

فأتى بتعرّض الجوزاء، وهكذا كلّ من عُني بالنجوم من المحدّثين واستوفى جميع المنازل مخطئ لا شكّ في خلافه؛ لأنّه إنّما يصف نجوم ليلة سهرها، والنجوم كلّها لا تظهر في ليلة واحدة (4) .

قال الزوزني: يقول: أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريّا في الأُفق الشرقي... ومنهم من زعم أنّه أراد الجوزاء فغلط وقال الثريّا؛ لأنّ التعرّض للجوزاء دون الثريّا، وهذا قول محمّد بن سلام الجمحي (5) .

لكن إشكال ابن رشيق متوجّه إلى أولئك الشعراء الذين ذكروا مواقع النجوم دلائل على أوقات لقائهم للغواني أو سَهرهم الليالي على طول الزمان وفي كلّ ليلة باستمرار، الأمر الذي يُخالف مطالع النجوم الفصليّة غير المستديمة.

وإذا كان العرب - المعنيّون بمطالع النجوم ومغاربها - قد أخطأوا في تمثّلاتهم

____________________

(1) النجم: 50.

(2) هامش العمدة: ج 2 ص 426.

(3) التعرّض: الاستقبال وإبداء العرش. والمفصّل: الذي فُصل بين خرزه بالذهب أو غيره. يقول: تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريّا عرضها في السماء كإبداء الوشاح - وهي الجواهر للزينة - الذي فُصل بين جواهره وخرزه بالذهب أو غيره عرضة.

(4) العمدة: ج 2 ص 252.

(5) شرح المعلّقات للزوزني: ص 18.

١٨٤

الشعرية هكذا أخطاء فادحة، فما ظنّك بسائر الشعراء وغيرهم من المحدّثين؟! الأمر الذي تحاشى عنه القرآن الكريم، في حين كثرة تعرّضه لمواقع النجوم، وهذا أيضاً شاهد صدق من آلاف الشواهد على امتياز القرآن عن سائر الكلام وارتفاعه عن نمط كلام العرب الأوائل والأواخر جميعاً.

وذكر ابن الأثير للاعتراض ضروباً ثلاثة:

أحدها: أن تكون فيه فائدة، والغالب هو توكيد الكلام وترصينه، وقد ورد في القرآن كثيراً، وذلك في كلّ مورد يتعلّق بنوع من خصوصيّته المبالغة في المعنى المقصود، من ذلك قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ * وَإِنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) (1) وذلك اعتراض بين القسم وجوابه، وفي نفس هذا الاعتراض اعتراض آخر بين الموصوف وصفته وهو قوله (لو تعلمون)، فذانك اعتراضان كما ترى.

ومثله قوله تعالى: ( وَيَجْعَلُونَ للّهِ‏ِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مّا يَشْتَهُونَ ) (2) .

وهكذا غيرهما من آيات كثيرة في القرآن، كلّها من القسم المفيد فائدة التوكيد.

والضرب الثاني: ما لا فائدة فيه، كما لا مفسدة فيه أيضاً، من ذلك قول النابغة:

يقول رجالٌ يَجهلونَ خَليقتي

لعلّ زياداً لا أباً لك غافلُ (3)

فقوله (لا أباً لك) ممّا لا فائدة فيه ولا حُسن ولا قبح.

وهكذا قول زهير:

سَئِمتُ تكاليفَ الحياةِ ومَن يَعش

ثمانينَ حَولاً لا أباً لك يَسأَمُ

لكن وردت هذه اللفظة في قول أبي همام حسنة:

عتابك عنّي - لا أباً لك - واقصدي

فإنّه لمّا كره عتابها اعترض بين الأمر والمعطوف عليه بهذه اللفظة على طريق

____________________

(1) الواقعة: 75 - 77.

(2) النحل: 57.

(3) الخَليقة: السجيّة.

١٨٥

الذمّ.

الضرب الثالث: الاعتراض المُفسد، وهو المذموم المُخلّ بفهم المقصود فيُعقّده تعقيداً، وأمثلة ذلك في باب تقديم ما حقّه التأخير وتأخير ما حقّه التقديم كثيرة، وقد أولع بها الشعراء المتكلّفون، فمِن ذلك قول بعضهم:

فَقد والشكُ بَيّنَ لي عناءٌ

بِوَشكِ فِراقِهم صُرَدٌ يصيحُ (1)

قال ابن الأثير: فإنّ هذا البيت من رديء الاعتراض ما أذكره لك، وهو الفصل بين قد والفعل الذي هو (بيّن لي) وذلك قبيح لقوّة اتّصال (قد) بالفعل المدخول عليه، بحيث يُعدّ جزءً متّصلاً به.

وأيضاً فُصل بين المبتدأ الذي هو (الشكّ) وبين الخبر الذي هو (عناء) بقولة (بيّن لي)، وفُصل بين الفعل الذي هو (بيّنَ) وبين فاعله الذي هو (صُرَد) بخبر المبتدأ الذي هو (عناء)، فجاء معنى البيت كما تراه مشوّها ومشوّشاً، كأنّه صورة مشوّهة قد نُقلت أعضاؤها بعضها إلى مكان بعض (2) .

وجَعل أيضاً يمثّل بأبيات شعرية من العرب القديم، لعلّنا نأتي عليها وعلى أمثالها في سائر أبواب البلاغة والبديع في قسم الدلائل على إعجاز القرآن، وهو القسم الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى.

ولعلّني في هذا العرض العريض قد أسهبت وخرجت عن حدّ الاعتدال المتناسب مع وضع الكتاب، غير أنّ تحمّسات قومية، وأخرى سفاسف كلامية ربّما كانت تُحاول رفع منزلة كلام العرب الأوائل بما يضاهي سبك القرآن ونظمه البديع، فكان هذا وذاك من أخطر الأساليب لوَهن موضع إعجاز هذا الكلام الإلهي وخرقه للمعتاد! والعياذ بالله.

هذا ما دعاني إلى التكثير من شواهد الباب، وإلاّ فلا داعي للتعرّض لأشعار لا محتوى لها ولا وزن في عالم الكلام والاعتبار! والله الهادي.

____________________

(1) أصل تركيب الكلام: فقد بَيّنَ لي صُرَدٌ يصيحُ بوَشكِ فراقِهم، والشكُّ عناء.

(2) المَثل السائر لابن الأثير: ج 3 ص 40 - 48 و: ج 2 ص 227.

١٨٦

دلائل الإعجاز

البياني والعلمي والتشريعي

أبعادٌ ثلاثةٌ هي خطوط اتجاه البحث الأساسية

وتتشعّب منها فروع متصاعدة لا نهاية لها

١٨٧

١٨٨

دلائل الإعجاز

قدّمنا لك حديثاً مُسهباً عن آراء ونظرات حول قضيّة الإعجاز القرآني، ومحاولات وجهود مبذولة بشأنه طول التاريخ. وهكذا الحديث عن أجواء أدبية رفيعة كانت أحاطت بعهد نزول القرآن، ذلك العهد الحافل بجحافل من خطباء مصاقع وفطاحل من شعراء مفلّقين، كانوا على ذروة من فصاحة البيان وطلاقة اللسان، فباهاهم وتحدّاهم: لو يأتوا بحديث مثله، أي يُماثله ويُجاريه في شرف الكلام وفي فضيلة البيان، لكنهم - بأجمعهم - عجزوا عن مقابلته، وأمسكوا عن معارضته، وتراجعوا صاغرين.

وبعد، فقد حان أوان الخوض في خضمّ دلائل إعجازه، والوقوف على أسرار بلاغته، تَطلّعاً إلى المُستطاع من فهم دقائقه ومزاياه، والكشف عن نُكته وخباياه... المُستَخلَص ذلك في ثلاثة أبواب - هي خطوط اتجاه البحث - كلّ باب يشتمل على فصول هي حقول من الرياض النَضِرة:

الباب الأوّل في الإعجاز البياني: بديع نظمه وعجيب رصفه وغريب أسلوبه.

الباب الثاني في الإعجاز العلمي: إشاراتٌ عابرة وإلماعات خاطفة عن غياهب

١٨٩

الوجود.

الباب الثالث في الإعجاز التشريعي: معارف سامية وشرايع راقية عبر الخلود.

تلك جهودنا المتواصلة في سبيل الوصول إلى وجوه إعجاز هذا الكلام الإلهيّ الخالد، الذي لم يزل موضع إعجاب الخافقَينِ. ولكن هل بلغنا الغاية أم نحن في البداية؟! هذا مبلغ وسعنا، والغاية بعيدة الآفاق.

* * *

١٩٠

1 - الإعجاز البياني

(بديع نظمه وعجيب رصفه)

1 - دقيق تعبيره ورقيق تحبيره.

2 - طرافة سبكه وغرابة أُسلوبه.

3 - عذوبة ألفاظه وسلاسة عباراته.

4 - تناسق نظمه وتناسب نغمه.

5 - تجسيد معانيه في أجراس حروفه.

6 - تلاؤم فرائده وتآلف خرائده.

7 - حسن تشبيهه وجمال تصويره.

8 - جودة استعارته وروعة تخييله.

9 - لطيف كنايته وظريف تعريضه.

10 - طرائف وظرائف.

١٩١

الباب الأوّل

في الإعجاز البياني

بديع نظمه وعجيب رصفه:

قال الشيخ عبد القاهر الجرجاني: إذا رأيت البصير بجواهر الكلام يستحسن شعراً أو يستجيد نثراً، ثُمّ يجعل الثناء عليه من حيث اللفظ فيقول، حلو رشيق، وحسن أنيق، وعذب سائغ، وخَلُوب رائع، فاعلم أنّه ليس يُنبئك عن أحوال ترجع إلى أجراس الحروف، وإلى ظاهر الوضع اللغوي، بل إلى أمر يقع من المرء في فؤاده، وفضل يقتدحه العقل من زناده (1) .

تعريف بديع عن أُسّ البلاغة الفاخرة، وتحديدٌ دقيق عن سرّ الفصاحة الباهرة، ليس يقصر جمال الكلام في حسن منظره حتى ينضاف إليه كمال مخبره:

إنّ الكلامَ لفي الفسادِ وإنّما

جُعل الكلامُ على الفؤادِ دليلا

وهكذا تجلّى القرآن في سناء جلاله وبهاء جماله، رائعاً في بديع نظمه، وفخماً في رفيع أُسلوبه، فذّاً فريداً لا يدانيه أيُّ كلام، ولا يضاهيه أيّ بيان، قد فاحت من

____________________

(1) أسرار البلاغة: ص3.

١٩٢

طيّاته نفحات القدس، وفاضت من تواقيع نغماته نسمات الأُنس... ( رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (1) .

( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَن نّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنّكَ لَتَهْدِي إِلَى‏ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ ) (2) .

وتلك زهوره الباسقات، جاءت في حقول عشرة مكتملات، نقدّم لك إجمالها قبل بيان التفصيل:

(أولاً) دقيق تعبيره ورقيق تحبيره:

(واضعاً كلّ لفظٍ موضعه الأخصّ الأشكل به، بحيث إذا أُبدل بغيره جاء منه فساد معنى الكلام أو سقوط رونقه).

(لو انتزعت منه لفظةٌ ثم أُدير لسان العرب على لفظة في أن يوجد أحسن منها لم توجد).

(فلم يجدوا في الجميع كلمةً ينبو بها مكانها، ولفظةً يُنكر شأنها... بل وجدوا اتّساقاً بَهَر العقول، وأعجز الجمهور).

(قدامى علماء البيان)

(ثانياً) طرافة سبكه وغرابة أُسلوبه:

سبكٌ جديد وأُسلوب فريد، لا هو شعر كشعرهم ولا هو نثر كنثرهم، ولا فيه تكلّف أهل السجع والكهانة، على أنّه جَمَع بين مزايا أنواع الكلام الرفيع، فيه أناقة الشعر وطلاقة النثر وجزالة السجع الرصين، ممّا لم يوجد له نظير ولم يخلفه أبداً بديل، ولا استطاع أحد أن يماريه أو يجاريه، لا في أُسلوبه ولا في نظمه البديع.

____________________

(1) الواقعة: 89.

(2) الشورى: 52.

١٩٣

حلوٌ رشيق وخلوبٌ رحيق (إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّه لمثمر أعلاه، مُغدِق أسفله، إنه يعلو وما يُعلى...) كلام قاله عظيم العرب وفريدها الوليد.

(ثالثاً) عذوبة لفظه وسلاسة عباراته:

يسيح سيحاً كجري الماء في مصبّه، ويفيح فيحاً كنسيم الصِبا من مهبّه، عَذِباً سائغاً رويّاً، تبتهج له الأرواح وتنشرح له الصدور، في رونق جذّاب وروعة خلاّبة.

(رابعاً) تناسق نظمه وتناسب نغمه:

(قد جمع بين مزايا الشعر وخصائص النثر...).

(ويجد الإنسان لذّةُ، بل وتعتريه نشوةٌ إذا ما طرق سمعه جواهر حروف القرآن...).

(لرأيناه أبلغ ما تبلغ إليه اللغات كلها، في هزّ الشعور واستثارة الوجد النفسي...).

(أُدباء معاصرون)

(خامساً) تجسيد معانيه في أجراس حروفه:

تتواءم أجراس حروفه مع صدى معانيه، ويتلاءم لحن بيانه مع صميم مراميه، مِن وعد أو وعيد، ترغيب أو ترهيب، كلّ تعبير يجري مجراه من شدة أو لين، ويتطلّب مقتضاه من تفخيم أو تهويل، كلّ يتناسب وجرس لفظه ولحن أدائه، الأمر الذي يزيده جلالاً وفخامةً وأُبّهةً وكبرياءً....

(سادساً) تلاؤم فرائده وتآلف خرائده:

كأنّه عقدُ جُمان، تناسقت فرائده، وتناسبت لآليه، سياقاً منتظماً متلائماً، متلاحم الألفاظ والمعاني، متواصل الأهداف والمباني.

١٩٤

قال سيّد قطب: (من ألوان التناسق الفنّي، هو ذلك التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات والتناسب من غرض إلى غرض...).

(سابعاً) حسن تشبيهه وجمالُ تصويره:

اعترف أهل البيان بأنّ تشبيهات القرآن أمتن التشبيهات الواقعة في فصيح الكلام، وأجمعهنّ لمحاسن البديع، وأوفاهنّ بدقائق التصوير ورقائق التعبير ورحائق التحبير.

(ثامناً) جودة استعارته وروعةُ تخييله:

عمد القرآن - في إفادة معانيه، والإشادة بمبانيه - إلى أنواع الاستعارة والكناية والمجاز، في نطاق واسع، أبدع فيها وأجاد إجادةَ البصير المُبدع، وأفاد إفادةَ الخبير المضطلع، في إحاطة بالغة لم يعهد لها نظير، ولم يخلفه أبداً بديل.

(تاسعاً) لطيف كنايته وظريف تعريضه:

جاءت كناياته - حسبما تقدّم - أوفى الكنايات وأدقّهنّ وأرقّهنّ، ولم تفته لطافةٌ في كناية ولا ظرافةٌ في تعريض.

(عاشراً) طرائفٌ وظرائف:

محاسن جمّة غفيرة، ومزايا كثرة وفيرة، تجمّعت في القرآن الكريم، لا نظير لها في سائر الكلام ولا مثيل.

وبعد... فإليك تفصيل البيان:

١٩٥

1 - دقيق تعبيره ورقيق تحبيره

يمتاز القرآن على سائر الكلام بدقّته الفائقة في تعابيره، واضعاً كل شيء موضعه اللائق به، مراعياً كل مناسبة - لفظيةً كانت أم معنويةً - في أناقة تامّة - لم تفته نكتة إلاّ سجّلها، ولم تفلت منه مزيّة إلاّ قيّدها، في رصف بديع ونضد جميل، جامعاً بين عذوبة اللفظ وفخامة المعنى، متلائماً أجراس كلماته مع نوعية المراد، متماسك الأجزاء، متلاحم الأشلاء، كأنما أُفرغت إفراغة واحدة، وسُبكت في قالب فذّ رصين، بحيث لو انتزعت لفظة من موضعها أو غُيّرت إلى غير محلّها أو أُبدلت بغيرها لأخلّ بمقصود الكلام واضطرب النظم واختلّ المرام، ولقد كان ذلك مِن أهمّ دلائل صيانته من التحريف، فضلاً عن كونه سند الإعجاز.

أضف إليه جانب (لحن الأداء) هو تناسب جرس اللفظ مع نوعية المفاد، من وعد أو وعيد، ترغيب أو ترهيب، أمر أو زجر، عظة أو حكمة، فرض أو نفل، مثوبة أو عقاب، مكرمة أو عتاب... إلى غيرها من أنواع الكلام، كل نوع يستدعي لحناً في الخطاب يخالفه نوع آخر، الأمر الذي راعته التعابير القرآنية بشكل بديع وأُسلوب غريب، وكان سرّاً غامضاً من أسرار إعجازه، ودليلاً واضحاً على كونه صنيع مَن لا يعزب عن علمه شيء، وقد أحاط بكلّ شيء علماً.

١٩٦

وهذا شيء اعترفت به جهابذة الفن، وأذعنت له علماء البيان وأُمراء الكلام، فضلاً عن شهادة أفذاذ العرب الأقحاح.

فلنستمع الآن إلى كلماتهم المشرقة:

قال الشيخ عبد القاهر: أعجزتم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادي آيه ومقاطعها، ومجاري ألفاظها ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظة وتنبيه وإعلام، وتذكير وترغيب وترهيب، ومع كل حجة وبرهان، وصفة وتبيان، وبهرهم أنهم تأمّلوه سورة سورة، وعشراً عشراً وآية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها، ولفظة يُنكر شأنها أو يُرى أنّ غيرها أصلح هناك أو أشبه، أو أحرى أو أخلق، بل وجدوا اتساقاً بهر العقول، وأعجز الجمهور، ونظاماً والتئاماً، وإتقاناً وإحكاماً، لم يدع في نفس بليغ منهم - ولو حكّ بيافوخه السماء (1) موضع طمع، حتى خرست الألسن عن أن تدّعي وتقول، وخلدت القُروم (2) فلم تملك أن تصول (3) .

زيادة المباني تستدعي زيادة المعاني:

قاعدة كلّية مطّردة تدعمها حكمة الوضع، على ما سلف في كلام أبي هلال العسكري، إذ ليست الأوضاع سوى دلائل وإشارات إلى المعاني والمرادات، ولولا اختصاص كل لفظة - في مادّتها وهيأتها - بمعنى من المعاني، فلا تتعدّاه إلى غيره كما لا يدلّ عليه غيرها، لانتفت فائدة الوضع، وعاد محذور الإبهام والترديد - كما في الاشتراك - أو نقض حكمته - كما في المترادفات - بعد الاستغناء عن الوضع الثاني بالوضع الأوّل، وهو عبث ولغو.

____________________

(1) اليافوخ: عظم مقدم الرأس، والمثال كناية عن الشموخ بالرأس تكبّراً.

(2) القَرم: العظيم الشأن، يقال: خلد بالمكان أي أقام به، وخلد بالأرض: لصق بها، كناية عن المسكنة والخمول.

(3) دلائل الإعجاز: ص28.

١٩٧

وعليه فكل تصريف في الكلمة أو تغيير في حركتها فإنما هو للدلالة على معنى جديد لم يكن فيما قبل، فمثل (ضرّ) و(أضرّ) لابدّ أن يختلف معناهما، كما هو كذلك، فالأوّل للدلالة على إيقاع الضرر به سواء قصده أم لم يقصده، والثاني إيقاعه عن عمد وقصد، يقال: ضرّه، وهو بمعنى ضد نَفعه، وأضرّه: جلب عليه الضرر، كمَن حاول تمهيد أسباب مؤاتية للإضرار به، كما في (ضرّ) و(ضارّ) أيضاً من الفرق، فالأوّل إضراره بالفعل، والثاني محاولة إضراره سواء تمكّن من الإيقاع به أم لم يتمكّن، كما في (خَدَع) و(خادَع) في قوله تعالى: ( يُخادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ ) (1) ، أي يحاولون خداعه تعالى والمؤمنين لكنّهم فاشلون في هذه المحاولة، سوى أنّهم يخدعون بالفعل أنفسهم وينخدعون بتصوّرهم أنّهم خدعوا الله ورسوله.

فقوله (صلّى الله عليه وآله): (لا ضررَ ولا ضِرار في الإسلام) في حديث سمرة بن جندب (2) ، المراد به: أنّ الإسلام لا يدع مجالاً لأحد في أن يضرّ غيره أو أن يُحاول الإضرار به، كما في شأن سمرة حاول الإضرار بالأنصاري، حيث امتنع أن يستأذن عيه في الدخول أو بيع عذقه أو مبادلتها بما ضمنه له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأبى إلاّ الدخول بلا إذن؛ ومِن ثَمّ أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بقلع عذقه ورميه في وجهه، وقال له: (أنت رجل مضارّ!) أي الذي يُحاول ويَعمد إلى الإضرار بغيره.

وقال الزمخشري: وفي الرحمن مبالغة ما ليس في الرحيم، ثم استشهد بقولهم: (إنّ الزيادة في البناء لزيادة المعاني). ونُقل عن الزجّاج قوله في الغضبان: هو الممتلئ غضباً، قال: وممّا طنّ على أُذُني من ملح العرب أنّهم يُسمّون مركباً من مراكبهم بالشُقدُف، وهو مركب خفيف ليس في ثقل مَحامل العراق، فقلت - في طريق الطائف لرجل منهم -: ما اسم هذا المحمل؟ - أردت المَحمل العراقي -

____________________

(1) البقرة: 9.

(2) سفينة البحار: ج1 ص 654 مادة (سمر).

١٩٨

فقال: أليس ذاك اسمه الشُقدُف؟ قلت: بلى. فقال: هذا الشقنداف... فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمّى (1) .

الاشتراك والترادف في اللغة:

الاشتراك: وضع اللفظ بإزاء معنيين أو أكثر لا جامع بينهما، وهو الاشتراك اللفظي، في مقابل الاشتراك المعنوي، وهو وضع اللفظ بإزاء معنى واحد جامع بين صنوف من المتبائنات والمتغائرات كلفظ الحيوان الموضوع لصاحب الحياة النامية ذات الحركة الإرادية، الشامل لمثل الإنسان وغيره من أنواع الحيوان، وهذا من المشترك المعنوي الخارج من موضوع بحثنا الآن؛ لأنّه من اللفظ الواحد الموضوع لمعنى واحد، فلا اشتراك حقيقة، وإنّما هو في الإطلاقات وكثرة المصاديق المتنوّعة.

أمّا المشترك اللفظي فهو اللفظ الموضوع لمعانٍ مختلفة في أوضاع متعدّدة، كلفظ العين الموضوعة للنقد المسكوك باعتبار نضّ المال وأصله وحقيقته، وللناظرة، وللنابعة، وللجاسوس، وللربيئة....

وهذا على خلاف حكمة قانون الوضع، حسبما تقدم مِن أنّه للدلالة على المعنى المراد وتمييزه عمّا عداه تمييزاً مطلقاً، كما في الرموز والإشارات ذوات العهد الخارجي؛ إذ لولا الاختصاص والتمييز المطلق لم تعد لها فائدة، ولعاد محذور الإبهام والإجمال في دلالة الكلام، أمّا الاعتماد على القرينة فهو من الدلالة العقلية، ولا تمسّ جانب الوضع في شيء.

ولعلّ الاشتراك إنما جاء في اللغات من جرّاء، تعدّد الواضعين وتباعد ما بينهم من آفاق واختلاف أسباب الحاجة إلى الوضع حسب تطوّر العادات والأعراف المتداولة عند كل قوم، فلمّا تقاربت الأعراف وتوحّدت اللغات، ولا سيّما بعد

____________________

(1) الكشّاف: ج 1 ص 6.

١٩٩

ظهور الإسلام وسلطان لغة القرآن، وجَدوا أنفسهم تجاه أمر واقع - وهي الأوضاع المتفاوتة الوجبة لاشتراك بعض الألفاظ - أمراً لا محيص عنه.

أمّا الترادف فهو توارد لفظين أو أكثر على معنى واحد، عكس الاشتراك، كلفظ الإنسان والبشر، والبعير والإبل، والشاة والغنم، والضرغام والضيغم والغضنفر والليث والأسد، والصمصام والصارم والسيف والحسام والمهنّد والمشرفي... إلى غير ذلك وهو كثير في اللغة.

وهو أيضاً على خلاف حكمة قانون الوضع، لو أُخذ بإطلاقه وعلى ظاهره الأَوّلي: لأنّ الإشارة تكفيها الواحدة، فتقع الأُخرى والتالية عبثاً ولغواً، كما تقدم بيانه... وقد عالج القوم هذا الجانب في عناية ودقّة، فوجدوا أن لا ترادف في واقع الأمر، وإنما هي حالات وصفات تعتور الشيء فتختلف أسماؤه ونعوته، وهكذا وجدوا أكثر المشتركات أنّها باعتبار أحوال وأوصاف ملحوظة في المُسمّى وهي الموضوع له بالذات وليس ذات الشيء نفسه، فهو بالاشتراك المعنوي أشبه من كونه مشتركاً لفظيّاً. هكذا عالج القوام أمر وقوع الاشتراك والترادف في اللغة على خلاف الأصل.

وإليك بعض التبيين من هذا الجانب الخطير:

لا اشتراك مع رعاية الجامع:

أكثر ما يُظنّ كونه من المشترك اللفظي (من تعدّد الوضع) لا تعدّد في وضعه، وإنّما هو وضع واحد، وكان سائر موارد استعماله بالعناية والمجاز وإن كان قد غلب استعماله حتى صار حقيقةً ثانيةً بغلبة الاستعمال، وهو من الوضع التعيّني لا التعييني حسب المصطلح، نظير العَلَم بالغلبة على ما هو معروف.

وهكذا أوضاع تعيّنية (حاصلة بغلبة الاستعمال) شايع في اللغة من غير أن يستلزم المحذور المذكور؛ لأنه من قبيل التوسّع في الوضع الأَول بتقديره وضعاً

٢٠٠