تلخيص التمهيد الجزء ٢

تلخيص التمهيد0%

تلخيص التمهيد مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 579

تلخيص التمهيد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد هادي معرفة
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الصفحات: 579
المشاهدات: 93331
تحميل: 8475


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93331 / تحميل: 8475
الحجم الحجم الحجم
تلخيص التمهيد

تلخيص التمهيد الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2 - وهكذا حالت صلابة القشرة وضخامة سمكها - وهي صخور جبلية - دون زلزالها واهتزاز قشرتها، على أثر توهّج باطنها، لو كانت القشرة هزيلة أو ذات لين.

والى ذلك أشار الإمام (عليه السلام) بقوله: (من أن تميد بأهلها).

3 - كما أنّ لتطويق الأرض بالسلاسل الجبلية والصخور الصلبة المحيطة بأكناف الأرض عاملاً في تماسك أشلائها وحافظاً عن تشقّقها أو تعاقب الانخسافات عليها.

وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: (أو تسيخ بحملها).

(فسبحان مَن أمسكها بعد موجان).!

* * *

٥٢١

مسيرة الأرض والجبال

( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِي اتْقَنَ كُلّ شَيْ‏ءٍ ) (1)

الجمود: نقيض السيلان، ويقال للثلج: جمد، بهذا الاعتبار. ويقال: جمُدت العين إذا هدأت ولم يجرِ دمعها. ويقال للأرض وللسَنة: جماد، إذا أصابهما جدب، لا كلاء ولا خصب ولا مطر.

قال الفيروز آبادي: يقال: ناقة جماد إذا كانت بطيئة في سيرها شبه الواقفة.

ومن ذلك كلّه يُعرف أنّ هذه اللفظة تُستعمل في موارد، كان من طبعها السير والحركة فوقفت وقوف عارض، وصحّ إطلاق الجماد على الجبال باعتبار همودها في رأي العين؛ ومِن ثَمّ قال المفسّرون: جامدة أي واقفة لا حراك فيها، ويؤيّده التقابل بمرور السحاب أي حركتها في جوّ السماء.

فقوله تعالى: ( وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ ) أي تسير في مسيرتها الحيثيثة كمسيرة السحب في الفضاء، روي ذلك عن ابن عبّاس (2) .

وليست حركة الجبال في مسير الفضاء سوى حركة الأرض الانتقالية في

____________________

(1) النمل: 88.

(2) مجمع البيان: ج7 ص236.

٥٢٢

دورتها السنوية حول الشمس، أو حركتها الوضعية حول نفسها، وعلى كلا المعنيين فيدلّ على حركة الأرض دون وقوفها وهدوئها، وهذا بالرغم من الرأي السائد ذلك الحين القائل بسكون الأرض وكونها في مركز الأفلاك الدائرة حولها.

وجاءت دلالة الآية على حركة الأرض دلالة تبعيّة، من قبل نسبتها إلى مجموعة الجبال، فجبال بمجموعتها تسير سيرها الحثيث، الأمر الذي لا يكون إلاّ بحركة كتلة الأرض كلّها.

* * *

أمّا وما هذه الحركة وما هذه المسيرة الأرضية؟

1 - قال أكثر المفسّرين : إنّها تسيير الجبال نحو الفناء، إحدى علائم قيام الساعة نظير قوله تعالى: ( وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (1) وقوله: ( يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ) (2) . وقوله: ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً ) (3) ، إلى غيرهنّ من آيات كثيرة بنفس المضمون (4) .

قال الإمام الرازي: اعلم أنّ هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة، وهي تسيير الجبال (5) .

وقال سيّدنا الطباطبائي (قدس سرّه): بما أنّ الآية واقعة في سياق آيات القيامة، ومحفوفة بها فهي تصف بعض مشاهد ذلك اليوم الرهيب، ومن جملتها تسيير الجبال. وقوله: ( وَتَرَى الْجِبَالَ ) تمثيل لتلك الواقعة، نظير قوله: ( وَتَرَى النَّاسَ

____________________

(1) الكهف: 47.

(2) الطور: 9 و10.

(3) النبأ: 20.

(4) مريم: 90، الواقعة: 5، الحاقّة: 14، المعارج: 9، المزّمّل: 14، المرسلات: 10.

(5) التفسير الكبير: ج24 ص220.

٥٢٣

سُكَارَى ) (1) أي تلك حالتها المشهودة في ذلك اليوم العصيب لو كنت شاهدها (2) .

لكن لحن الآية ذاتها تأبى هذا الحمل، ولا سيّما مع تذييلها بقوله: ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، الأمر الذي يدلّ على أنّها بصدد بيان مظهر من مظاهر قدرته تعالى ولطيف صنعه، وقضية السياق موهونة - بعد ملاحظة ما قدّمنا في الجزء الأَوّل - من أنّ ترتيب الثبت الحاضر لا يدلّ على نزولها تباعاً بلا فترة زمان.

2 - وقال بعضهم : إنّها الحركة الجوهرية، وإنّ ما في الوجود يسير قُدماً نحو الكمال المطلق، سواء أكان إنساناً ( يَا أَيّهَا الإِنسَانُ إِنّكَ كَادِحٌ إِلَى‏ رَبّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ) (3) أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً ( كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) (4) .

قال سيّدنا الطباطبائي: قد تُحمل الآية على الحركة الجوهرية، وأنّ الأشياء كلّها، ومنها الجبال، تتحرّك بجوهرها إلى غاية وجودها، وهي حشرها ورجوعها إلى الله سبحانه، قال: وهذا المعنى يناسبه التعبير بقوله: ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) ؛ لأنّ الجمود هو السكون المحض، في حين أنّها في تحوّل وتنقّل، هادفةً ساحة قدسه تعالى! قال: وهذا المعنى أنسب من المعنى الأوّل بإرادة قيام الساعة.

3 - وقال آخرون: إنّها الحركة الطبيعية الكامنة في ذوات الأشياء؛ إذ كلّ موجود هو في تحوّل وتغيير دائب مستمرّ، وما من ذرّة في عالم الوجود إلاّ وهي تتبدّل إلى غيرها وتتجدّد حسب الآنات والأحوال، وكلّ شيء هو في كلّ آنٍ خَلقٌ جديد، ( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (5) ، ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (6) ، ما هذا السؤال المستمرّ؟ إنّها مسألة الإفاضة، إفاضة الوجود من ربّ العالمين، ومِن ثَمّ فهو تعالى في كلّ لحظةٍ من لحظات حياتنا في خلق جديد.

قال الأُستاذ محمّد تقي الجعفري: إنّ مَن في السماء والأرض من عالم

____________________

(1) الحجّ: 2.

(2) الميزان: ج15 ص440.

(3) الانشقاق: 6.

(4) الأنبياء: 93.

(5) سبأ: 7.

(6) الرحمن: 29.

٥٢٤

الوجود، إنّما يسأله تعالى الاستمرار بالإفاضة عليه من قوى واستعداداتٍ وإبقاءٍ لوجوده خلقاً بعد خلق (1) .

4 - إنّها حركة الأرض الوضعية والانتقالية ، ومسألة حركة الأرض أَمرٌ تنبّه له كثير من العلماء الأقدمين كـ (فيثاغورث الحكيم) عاش قبل الميلاد بخمسة قرون، وتبعه على ذلك (فلوطرخوس) و(أرخميدس)، وأيّده الحكيم (ارستر خوس) الذي جاء بعده بقرنين، وبعده (كليانثوس) الذي أثبت للأرض حركتين، يومية وسنوية.

لكن في هذا الأوان جاء الحكيم (بطلميوس) فأنكر حركة الأرض واعتقد سكونها وكونها مركز سائر الأفلاك، وساد هذا النظام الفلكي البطلميوسي - بفضل دعمه بالرأي العام - حتى القرن السادس عشر للمياد، حيث نبغ الفلكي الشهير (كوبرنيك) المتوفّى سنة 1544م ليأخذ برأي (فيثاغورث)، وهكذا توالى بعده العلماء مؤيّدينَ لهذا الرأي، بفضل المخترعات الفَلكية الحديثة (المجاهر والنظّارات المكبّرة).

وللسيّد هبة الدين الشهرستاني كلام طويل حول استظهار هذا الرأي من الآية الكريمة نذكر ملخّصه:

قال: أَوّل مَن تفطّن إلى هذا الاستنباط من الآية الشريفة هو الفاضل علي قلي ابن فتح علي شاه القاجار، وجاء تأييده في (النخبة الأزهرية) ترجيحاً على تفسير القدماء للآية.

قال السيّد: وفي الآية دلائل على هذا الاستظهار:

أولاً: التعبير بالجمود ( تَحسَبُها جَامِدة ) ، ولا تهويل إذا كانت الجبال تُرى يوم القيامة في ظاهرها هامدة وساكنة في مستقرّاتها.

ثانياً: التعبير بالمرور مرّ السحاب، وهو يدلّ على نعومةٍ في السير، وليس ممّا

____________________

(1) راجع الحركة والتحوّل من النظرة القرآنية: ص49 فما بعد.

٥٢٥

يهول.

وثالثاً: التشبيه بالسحب، ولا هول في مشاهدة مسيرة السحاب (1) .

فصحّ أنّ الآية لا تتناسب وكونها من أشراط الساعة أو إشارة إلى أهوال يوم القيامة.

وقال سيّدنا الطباطبائي: حمل الآية على إرادة حركة الأرض الانتقالية معنى جيّد لولا منافاته للسياق (2) .

وقد قدّمنا أنّ سياق الآية ذاتها - بقرينة الإشارة إلى إحكام الصنع - ترجّح إرادة التفسير الأَوّل المتقدّم.

( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحَاهَا ) (3) :

الدحو: الدحرجة. يقال: دحا الشيء بمعنى دحرجه، كما يُدحرج الصبيان المداحي، وهي أحجار صغار أمثال القرصة، يحفرون حفيرة فيدحون بها إليها، وتُسمّى المسادي والمراصيع، والدحو: رمي الملاعب بالجوز وشبهه (4) .

فمعنى دحو الأرض: دحرجتها وزحلقتها على بسيط الفضاء لتأخذ شكلها الكريّ في التدوير (5) .

____________________

(1) الهيئة والإسلام: ص97 - 99.

(2) الميزان: ج15 ص442.

(3) النازعات: 30.

(4) الفائق للزمخشري: ج1 ص418.

وقال الفيروز آبادي: مرصاع - كمحراب -: دوّامة الصبيان، وكل خشبة يُدحى بها، والدوّامة لعبة من خشب يلفّ الصبي عليها خيطاً ثمّ ينقضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض، (انظر الشكل في المنجد)، وعندنا في العراق كانت تُسمّى (المُرصَع) كمُلجَم. وهي تشبه وفي قطبها السافل حديدة محدّدة بها تدور على الأرض، ولعلّ تسمية البيضة دحية في الديار المصرية كانت من جهة هذا التشابه، قال مصطفى محمود في كتابه (محاولة لفهم عصريّ للقرآن): ص255: الدحية: البيضة.

(5) قال الأُستاذ محمّد مصطفى الشاطر: ترجمة الدحو بمعنى البسط ضياع للمعنى الذي يُؤخذ =

٥٢٦

فدحو الأرض إذاً ليس مجرّد بسطها، كما زعمه أُناس، وإنّما هو بسط مع تكوير، يشبه الدوّامة في جسمها الكريّ يتداحى بها الصبيان في ألاعيبهم.

وهي اللفظة العربية الوحيدة التي تفيد معنى البسط والتكوير في ذات الوقت، وتكون من أدلّ الألفاظ على شكل الأرض المنبسطة في ظاهرها، المتكوّرة في الحقيقة، الأمر الذي يوافقه أحدث الآراء الفَلكية عن شكل الأرض: إنّها مفرطحة من جانبي قطبيها، ومنبعجة على خطّ الاستواء، فيزيد قطرها الاستوائي عن قطرها القطبي بمقدار (6/42) كيلو متراً (1) .

وهذا منتهى الإحكام والدقة في اختيار اللفظ المناسب للتعبير.

* * *

____________________

= من الدحو وهو التكوير غير التامّ - كتكوير البيضة - مع الدوران، ولا يزال أهل الصعيد و - أكثرهم من أصل عربي - يعبّرون عن البيض بالدحو أو الدحي أو الدح. (القول السديد: ص 21 - 22).

(1) قطر الأرض الاستوائي: 8 / 12754. وقطرها القطبي: 2 / 12712. راجع بصائر جغرافية لرشيد رشدي البغدادي: ص157.

٥٢٧

مدّ الظلّ وقبضه

( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً ) (1)

إنّ الظلّ الوريف اللطيف الذي يُوحي إلى النفس المجهودة المكدودة بالراحة والنداوة والسكن والأمان هو الظلّ الذي يبدأ بروحه ونسيمه فور تحوّل الشمس هبوطاً من قبّة السماء (دائرة نصف النهار)، تكاد تمتدّ وتنبسط نفحتها كلّما أخذت الشمس تقترب من أُفق مغربها، وإذا هي تبزغ أشعّتها عند الصباح، وإذا بالأضلّة تبدو على أطولها، ثمّ تأخذ في التناقص كلّما ارتفعت الشمس وسط السماء.

فهذا الظلّ يتحرّك مع حركة الأرض في مواجهة الشمس، فتتغيّر أوضاعه وامتداداته وأشكاله، والشمس يدلّ عليه بضوئها وحرارتها وتميّز مساحته وامتداده وارتداده.

وهذا المدّ والقبض إنّما هي بفعل حركة الأرض حول محورها تجاه عين الشمس الوهّاجة، وهي تحصل في كلّ 24 ساعة يوماً كاملاً.

____________________

(1) الفرقان: 45 و46.

٥٢٨

وشيء آخر: أنّ محور الأرض - في دورتها حول نفسها - ينحرف قليلاً عن مستوى فَلكها (أي مدارها السنوي) ويكون انحرافه بزاوية قدرها 5/23 درجة، الأمر الذي يُسبّب تعاقب الفصول الأربعة، وكلّما ابتعدت الشمس عن خطّ الاستواء شمالاً أو جنوباً فإنّ الظِلال تختلف امتداداً وتقلّصاً، فلا يستوي الظلّ في الشتاء مع الظّل في الصيف أو الخريف أو الربيع، سواء في مناطق الاعتدال أو غيرها.

وعلى أيّ تقدير، فإنّ مدّ الظلّ وقبضه قبضاً يسيراً ممّا يُنبئك عن حركةٍ للأرض، إمّا محورية أو مدارية (وضعية أو انتقالية) أو كلتيهما جميعاً.

وكيف كان فهو ظلّ النهار، يزداد وينقص، حسب الأيّام والشهور.

أمّا الليل، فهي نعمة أُخرى جاء ذكرها في الآية التالية لما سبق: ( وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليلَ لِبَاساً وَالنّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النّهَارَ نُشُوراً ) (1) .

وهي رحمة إلهية كبرى، إذ جعل الأرض تدور حول محورها يومياً، طول سنتها التي هي 365 يوماً، وبذلك أمكنت الحياة على وجه الأرض من كلّ جوانبها على سواء.

أمّا كرة عطارد فإنّها تدور حول محورها بنفس دورتها حول الشمس، في 88 يوماً، كما حقّقه الفَلكي (شياپرلي) (2) . ومعنى ذلك أنّ طول يومها يساوي سنتها أي دورتها حول الشمس، ونتيجةً على ذلك فإنّ وجهاً واحداً منه يتّجه نحو الشمس بصورة دائمية، ولا يتجه النصف الآخر نحوها مطلقاً.

وللسبب نفسه يكون أحد وجهيه ساخناً جدّاً، إذ تبلغ درجة الحرارة عليه نحو 260 درجة مئوية، كما يكون الوجه المعاكس بارداً جدّاً، وتبلغ درجة البرودة فيه نحو 80 درجة تحت الصفر المئوي، فهناك نهار سرمد، وليل سرمد، ولذا لا يتوقّع

____________________

(1) الفرقان: 47.

(2) راجع مبادئ العلوم: ص37، وهامش الهيئة والإسلام: ص61.

٥٢٩

وجود حياة على سطح هذا الكوكب السيّار (1) .

ونظير عطارد (القمر) في دورته حول الأرض؛ إذ تكمل دورته حول الأرض في مدّة تساوي حول نفسه في 28 يوماً، ويصبح نصف سطح القمر مواجهاً للأرض أبداً، ونصفه الآخر مختفياً عن الأرض أبداً (2) .

فليس من ناموس الطبيعة أن تختلف دورة كلّ كرة دائرة حول كرة أُخرى عن دورتها حول نفسها، وإنّما هو شيء يتبع مصلحة يراها الصانع تعالى فيما يراه في الخلق والتدبير.

فانظر إلى آثار رحمة الله كيف جعل الظلّ في الكوكب الأرضي متحرّكاً غير ساكن، ولم يجعله سرمداً كما جعله في كوكب عطارد، ذي الليل والنهار السرمدين.

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللّيْلَ سَرْمَداً إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ النّهَارَ سَرْمَداً إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِن رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (3) .

الحمد لله الّذي جعل لنا الأرض مهداً وسلك لنا فيها سبلاً.

* * *

____________________

(1) مبادئ العلوم: ص36.

وهكذا قيل عن الزهرة، فدورتها حول محورها تساوي دورتها حول الشمس في 224 يوماً من أيّام الأرض (بصائر جغرافية: ص261).

(2) ولمّا كان للقمر دورة ثالثة مع الأرض حول الشمس وفي هذه الدورة تدور حول محورها في 28 يوما يكون نهاره 14 يوماً من أيّام الأرض وليله 14 يوماً، ومِن ثَمّ فالليل منه قارس البرودة، والنهار منه شديد الحرّ، وعندما تصل الشمس عمودية تبلغ الحرارة فيه إلى درجة الغليان. بصائر جغرافية: ص260.

(3) القصص: 71 - 73.

٥٣٠

تسوية البنان

( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى‏ قَادِرِينَ عَلَى‏ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ ) (1)

هذا كلام صدر في مقام التحدّي، مشيراً بأنّ هناك معجزة كبرى في تسويته للبَنان وبعثه على صورته الأُولى يكون أكبر من إحياء العظام البالية، الأمر الذي لم يُكشف سرّه إلاّ بعد نزول الآية بأكثر من ألف سنة، حينما عُرف أنّ لكلّ إنسان بصمة خاصّة رُسمت على بنانه، لا يتّفق اثنان في بصمة واحدة، منذ أن خلق الله آدم حتّى التوائم. وهذا سرٌّ غريب في الخليقة أَوّلاً، وفي إشارة القرآن إليه ثانياً، سبحانه وتعالى من عظيم القدرة وعجيب البيان!.

ولكن لماذا خصصّ الله البَنان دون سائر أجزاء البدن؟ وهل البَنان أشدّ تعقيداً من العظام؟

لقد توصّل العلم إلى سرّ البصمة في القرن التاسع عشر، وبيّن أنّ البصمة تتكوّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العَرَقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوّى، وتتفرّع عنها تغصّنات

____________________

(1) القيامة: 3 و4.

٥٣١

وفروع، لتأخذ في النهاية وفي كلّ شخص شكلاً مميّزاً، وقد ثبت أنّه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم، حتّى في التوائم المتماثلة التي أصلها من بويضة واحدة.

يتمّ تكوّن البَنان في الجنين في الشهر الرابع، وتظلّ ثابتة ومميّزة له طول حياته، ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقارباً، ولكنّهما لا تتطابقان البتة؛ ولذلك فإنّ البصمة تعدّ قاطعاً ومميّزاً لشخصية الإنسان، معمولاً به في كلّ بلاد العالم، ويعتمد عليه القائمون على تحقيق القضايا الجنائية لكشف المجرمين واللصوص (1) .

( وَمِن كُلّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) (2) :

لم يقل من الأحياء، بل من كلّ شيء... فالكهرباء فيها الشحنة السالبة والموجبة. والمغنطيسية فيها الاستقطاب إلى قطبين. وفي الذرّة الإليكترون والبوزيترون، والبروتون والنيوترون، وفي الكيمياء العضوية: الجُزيء اليساري والجُزيء اليميني، ونعرف الآن المادّة والمادّة المضادّة، والثنائية والازدواجية في تركيب الأحياء والجمادات، يكشف لنا العلم أسرارها كلّ يوم (3) .

ولعلّ اللقاح والتزاوج في النبات أصبح مشهوداً بعد ضرورة اللقاح والتزاوج في الأحياء (الإنسان والحيوان)، قال تعالى: ( وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) (4) ، والآيات بشأن أزواج النبات كثيرة (5) .

وظاهرة التزواج واللقاح مفروضة على كلّ موجود، نباتاً كان أم إنساناً، أم ممّا لا يعلمون ( الّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلّهَا مِمّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمّا لاَ

____________________

(1) مع الطب: ص23.

(2) الذاريات: 49.

(3) محاولة لفهم عصريّ للقرآن: ص73.

(4) الرعد: 3.

(5) الحجّ: 5، الشعراء: 7، لقمان: 10، ق: 7، الرحمن: 52، طه: 53.

٥٣٢

يَعْلَمُونَ ) (1) .

قال سيّد قطب: وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخَلق في هذه الأرض - وربّما في هذا الكون؛ إذ أنّ التعبير لا يُخصّص الأرض - قاعدة الزوجية في الخَلق، وهي ظاهرة في الأحياء. ولكن كلمة (شيء) تشمل غير الأحياء أيضاً.والتعبير يُقرّر أنّ الأشياء كالأحياء مخلوقة على أساس الزوجية.

وحين نتذكّر أنّ هذا النصّ عرفه البشر (المسلمون) منذ أربعة عشر قرناً، وأنّ فكرة عموم الزوجية - حتى في الأحياء ولا سيّما النبات - لم تكن معروفة حينذاك، فضلاً عن عموم الزوجية في كلّ شيء... حين نتذكّر هذا نجد أنّا أمام أمر عجيب عظيم.. وهو يُطلعنا على الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكّرة كلّ التبكير:

كما أنّ هذا النصّ (القرآني المعجز) يجعلنا نرجّح أنّ البحوث العلمية الحديثة سائرة في طريق الوصول إلى الحقيقة، وهي تكاد تُقرّر أنّ بناء الكون كلّه يرجع إلى الذرّة، وأنّ الذرّة مؤلّفة من زوج من الكهرباء: موجب وسالب! فقد تكون تلك البحوث إذاً على طريق الحقيقة في ضوء هذا النصّ العجيب (2) .

* * *

وعن أكثر القدامى تفسير الزوجين هنا بالجنسين المتقابلين، كالأرض والسماء، والبرّ والبحر، والليل والنهار، والسهل والجبل، والشمس والقمر، والجنّ والإنس، والنور والظلمة... وما إلى ذلك... وهكذا المعنويّات كالسعادة والشقاء، والخير والشرّ، والهدى والضلال... ونحو ذلك.

سوى ابن زيد، فإنّه فسّره بالذكر والأُنثى، وهو عجيب (3) .

____________________

(1) يس: 36.

(2) في ظِلال القرآن: ج27 مجلّد 7 ص587 - 588.

(3) راجع مجمع البيان للطبرسي: ج9 ص160.

٥٣٣

قال الرازي - توجيهاً لِما قاله الأقدمون -: والزوجان: إمّا الضدان فإنّ الذكر والأُنثى كالضدّين والزوجان منهما كذلك، وإمّا المتشاكلان فإنّ كلّ شيء له شبيه ونظير وضدّ وندّ، قال المنطقيون: المراد بالشيء الجنس، وأقلّ ما يكون تحت الجنس نوعان، فمن كلّ جنس خلق نوعين من الجوهر، مثلاً المادّي والمجرد، المادّي النامي والجامد، ومن النامي المُدرِك والنبات، ومن المُدرِك الناطق والصامت (1) .

* * *

____________________

(1) التفسير الكبير: ج28 ص227.

٥٣٤

العسل

( فِيهِ شِفَاءٌ لِلنّاسِ )

قال تعالى: ( وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشّجَرِ وَمِمّا يَعْرِشُونَ * ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنّاسِ ) (1) .

قال الدكتور نزار الدقر: النصوص القرآنية التي وردت في العسل هي أوضح وأرسخ النصوص القديمة على الإطلاق، كما أنّها تُعتبر من أوائل النصوص التي جزمت بالفائدة المطلقة، وبالخصوص العلاجية الثابتة لهذه المادّة القديمة (2) .

ولأصحاب النظر في الطبّ والعلاج - قديماً وحديثاً - مقالات ضافية بشأن أهمّية العسل وفوائده الكثيرة وأنّه النافع غير الضارّ على الإطلاق؛ نقطف منها ما يلي:

____________________

(1) النحل: 68.

(2) مع الطبّ في القرآن الكريم: ص182 نقلاً عن كتاب (العسل فيه شفاء للناس) للدكتور نزار الدقر.

٥٣٥

مكوّنات العسل:

يحوي العسل أكثر من سبعين مادّة مختلفة، فهو:

1 - أهمّ منبع للموادّ السكّرية الطبيعية، حيث اكتُشفت فيه إلى الآن حوالي 15 نوعاً من السكاكر، أهمّها: سكّر الفواكه (فركتوز) بنسبة 40% وسكّر العنب (غلوكوز) بنسبة 30%، أمّا سكّر القصب فبنسبة 4%، وأنّ كيلو غراماً واحداً من العسل يُعطي طاقة تقدّر بـ (3250) حرارية.

2 - يقف في الصفّ الأَوّل بين الأغذية الكاملة، من حيث احتوائه على بعض الخمائر (الأنزيمات) التي تساعد في عمليات الاستقلاب والهضم، وأهّمها: خميرة الشعير التي تُحوّل النشاء إلى سكّر، والقلابين التي تقلب السكّر العادي إلى سكر عنب وسكر فواكه، والكاتازالا، والبيروكسيداز، والليباز.

3 - يحوي مجموعة من الفيتامينات، أهمها: فيتامين ب، وب 2، وب 3 (أو حمض البانتوثيني)، وب 5 (أو حمض النياسين)، وب 6 (أو البيرودكسين)، وفيتامين ث، وآثار من البيوتين، وفيتامين ك، وفيتامين ي، وفيتامين أ.

وهذه الفيتامينات توجد بمقادير غير مرتفعة، ولكنّها مفيدة؛ لأنّ العسل وسط ممتاز لحفظها، أمّا نسبة وجودها فمرتبط بنسبة غبار الطلع الذي تجمعه النحلة، كراتب غذائي لها.

4 - يحوي العسل أنواعاً من البروتينات والحموض الأمينية، والحموض العضوية، كحمض النحل، ومشتّقات الكلوروفيل: وعلى منشطات حيوية، وعلى روائح عطرية وغيرها.

5 - الأملاح المعدنية، وأهمّها: أملاح الكلس، والصوديوم، والبوتاسيوم، والمنغنيز، والحديد، والكلور، والفوسفور، والكبريت، واليود.

وتُشكّل هذه الأملاح اثنين بالألف من وزن العسل.

٥٣٦

6 - يؤكّد الكثير من الباحثين على وجود موادّ مضادّة لنموّ الجراثيم في العسل، كما يُعتقد بوجود هرمون نباتي ونوع من الهرمونات الجنسية (من مشتقّات الاستروجين).

إذاً فالعسل مادّة شديدة التعقيد، تتباين أنواعه قليلاً بتراكيبها باختلاف الزهور التي جُنيت منها.

ولعلّ السرّ في احتوائه على هذه المواد المختلفة - التي لم تُجمع في أيّ مادة غذائية أُخرى على الإطلاق - هو جني النحل رحيق كلّ الأزهار والثمرات، استجابة لنداء خالقها يوم أوحى لها: ( ثُمّ كُلِي مِن كُلّ الثّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ) .

ميزات العسل:

1 - مقاومته دون تسرّب الفساد إليه إلى سنين عديدة، بل أحقاب متطاولة، بشرط ابتعاده عن فعل الرطوبة به.

2 - مضادّته للعفونة، وقد أكّد أكثر الباحثين أنّ الجراثيم المُمرضة للإنسان لا يمكن لها أن تعيش في العسل، وأنّ العسل فعلاً مبيدٌ لها.

وسبب ذلك احتواؤه على حمض النحل، وهو من الموادّ المضادّة للعفونة، ولارتفاع تركيز السكاكير التي تصل إلى 80% من تركيب العسل، رغم أنّ الأوساط ذات السكّريّ الخفيف تزيد نشاط الجراثيم، وهكذا التمر الذي يحوي نسبة عالية من السكاكر لا تنمو فيه الجراثيم.

3 - وقايته لنخر الأسنان، على عكس سائر السكاكر الصناعية التي هي قابلة للتخمّر بوجود العصيات اللبنية، أمّا العسل ففيه قدرة واضحة في الحثّ على نموّ العظام وبزوغ الأسنان وفي التكلّس العظمي والسنّي، وبالتالي يزيد نموّ الطفل ويبعده عن خطر الكساح.

٥٣٧

4 - يزيد خضاب الدم وعدد الكريات الحمر.

وتُشير الإحصائيات إلى ندرة إصابة النحّالين بداء السرطان بالنسبة إلى أصحاب المهن الأُخرى.

5 - يسرع التئام الجروح وينظّفها؛ لأنّه يزيد محتوى الجروح من مادة الفلوتاثيون التي تُسرع عملية التعمير، الالتئام النسيجي.

6 - إنّه علاج جيد لتقرّحات الجلد المزمنة، وخاصّة إذا طُبّق المزيج المؤلّف من 5/4 عسل + 5/1 فازلين.

7 - علاج جيّد للتقيّحات الجلدية.

8 - يؤدّي لشفاء سريع للجروح الواهنة.

9 - ضماد معقّم لعمليات تحتمل التلوّث بالجراثيم.

قال الدكتور بولمان - الجرّاح النسائي -: وعندي كلّ المعطيات الايجابيّة كي أُفكر بهذه المادّة البسيطة التي تجيب على كلّ الأسئلة حول مشاكل الجروح والقروح المتقيّحة.. فهي مادّة غير مخرّشة، وغير سامّة، وعقيمة بذاتها، مضادّة للجراثيم، مغذّية للجلد، رخيصة، سهلة التحضير، سهلة الاستعمال.. وفوق كلّ ذلك فهي مادة جداً فعّالة (1) .

فسبحانه عزّ من قائل: ( فِيهِ شفاءٌ للناس ) !!

10 - يساعد على الهضم بفعّالية الأنزيمات التي يحويها، ويُخفض الحموضة المعدية الزائدة، وفعّال في معالجة استطلاق البطن (الإسهال)، ويمنع حدوث الإمساك أيضاً، كما يُفيد في معظم أمراض الكبد والصفراء، وفي السلّ والسعال، والتهاب القصبات، ومعالجة الربو وذات الرئة، والتهاب حواف الأجفان، والقرنية، وحروق العين، والنزلات الشعبية في الأنف، والتهاب اللوزات والبلعوم المزمن.

____________________

(1) مع الطبّ في القرآن: 191.

٥٣٨

وفوق ذلك فإنّ العسل يزيد إرواء العضلة القلبية ويمدّها بالطاقة بشكل ممتاز، وغير ذلك كثير، يطول شرحها.

فسبحانه من عظيم، حيث وكلّ حشرة صغيرة لإعداد هكذا مركّب عجيب كثير الخاصّية كبير الفائدة خطير الشأن.

وتمضي الأبحاث بغزارة على العسل، والكلّ يشعر أنّه ما زال في هذا العجين الغريب، الكثير من الأسرار ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) (1) .

* * *

____________________

(1) الإسراء: 85.

٥٣٩

دقائق هي روائع في التعبير

جاء في القرآن كثير من دقائق تعبير قد لا يلمس القارئ أثناء تلاوته ما يلفت نظره إلاّ إذا تدبّرها بإمعان، وتوقّف لديها متسائلاً: هل وراءها نكتة خافية؟ أم هناك سر مستتر عميق؟

فإذا ما لجّ فيها وتعمّق النظر فيها وجدها ظرائف ولطائف تُشرف الباحث على خضم بحر متلاطم وفيض بحر موّاج.. وإليك طرفاً منها:

( وَازْدَادُوا تِسْعاً ) :

قال تعالى: ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ) (1) هذا الذي نقرأُه عن رقدة أصحاب الكهف، كانت ثلاثمئة سنة كاملة حسب التقويم الشمسي، الذي كان العالم المتحضّر، من عدا الأُمّة العربية، حيث لم يكن لها علم بحركة الفَلك الشمسي، وكان تقويهما قائماً على دورة الفلك القمري، وهي تنقص عن دورة الشمس سنوياً بأحد عشر يوماً وربع يوم تقريباً (2) ، فكان لابدّ أن

____________________

(1) الكهف: 25.

(2) أيّام السنة القمرية تتراوح بين 353 و354 و355 يوماً. بينما أيّام السنة الشمسية هي: 365 =

٥٤٠