أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية0%

أصول الخطابة الحسينية مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 140

أصول الخطابة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ضياء الساري
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 140
المشاهدات: 67873
تحميل: 6997

توضيحات:

أصول الخطابة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 140 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67873 / تحميل: 6997
الحجم الحجم الحجم
أصول الخطابة الحسينية

أصول الخطابة الحسينية

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الباب الرابع

الصوت

1 - الصوت

2 - صوت الإنسان

3 - خصائص الصوت

4 - عيوب الصوت

5 - التحكم في الصوت

6 - الإشارات

7 - الجلوس

٦١

الصوت

إنّ للأصوات أثراً كبيراً في حسن وقع الكلام أو قبحه، وليس المرجع في ذلك جمالها وقبحها، ولكن عمقها وركوزها ورياضتها على تصوير المعاني، وجودة نقل الخواطر؛ فإنّ الألفاظ والأصوات متعاونات في الدلالة على المعاني النفسيّة، فألفاظ التألّم والحزن والغم مثلاً إذا سمعتها مجردة ما أثارت في نفسك شيئاً.

أمّا إذا سمعتها من متألم، واشترك صوت متأثر بالآلام مع اللفظ، أثارت في نفسك خواطر الأسى ومواضع الحزن، وأحسست بالألم العميق، تشترك فيه مع مَنْ حكى لك آلام نفسه في نغمات صوته.

وليعلم الخطيب أنّه لا شيء كالصوت يعطي الألفاظ قوّة حياةٍ، وإنّه إذا أحسن استخدامه خلق جواً عاطفياً يظُلّ السامعين، وبه يستولي عليهم(1) .

أمّا جمال الصوت وقبحه فله وقع آخر في النفس من نوع آخر. فمن الناس مَنْ يسمع الإنسان صوته محدّثاً أو قارئاً أو خطيباً فيشعر بنغماته تثير ارتياحه، وبرنينه يهزّ إحساسه، وبعمقه يصل إلى أبعد غور في نفسه، وبتشكيله بأشكال مختلفة يتّضح المعنى، وينكشف المبهم، ومن الناس مَنْ تسمع منه أجمل العبارات، وأجود الألفاظ الدالّة على المعاني، فترى العبارات قد فقدت جزءاً كبيراً من بهجتها، وذهب من المعاني أكثر روعتها(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 170.

(2) الخطابة - اُصولها، تاريخها / 170.

٦٢

فلمّا كان الإنسان مجبولاً بفطرته على الميل نحو الجميل والنفور عن القبيح، فيمكن أن يكون الصوت سبباً لقبول الدعوة إذا كان حسناً، ويمكن أن يكون سبباً للنفور والابتعاد عنها إذا كان قبيحاً.

قيل: إنّ رجلاً مسلماً كان يؤذّن في المسجد يومياً، جاءه رجل يهودي يشكره على الخدمة الجليلة التي أسداها له، فأنكر المسلم ذلك؛ لأنّه لم يسبق بمعرفته، ولم يقدّم له أيّ خدمة استحقت الشكر والثناء، غير أنّ اليهودي أجابه: بأنّ له بنتاً اعتنقت الدين الإسلامي، وأصرّت عليه قبال محاولاته المتكرّرة في إرجاعها لليهودية، ولمّا سمعت ذلك الصوت المزعج من ذلك المؤذّن دخل في قلبها الاشمئزاز والنفور؛ ممّا خفّف وطأة إصرارها على الإسلام حتّى عادت فيما بعد إلى اليهودية! فَكان هذا العمل من هذا المؤذّن استحق الشكر في نظر اليهودي؛ لأنّه صنع ما لم يصنعه(1) .

وقد ورد في الفقه الإسلامي استحباب أن يتقدّم للأذان مَنْ كان صوته جميلاً؛ لأنّ طبع الإنسان ميّال إلى الجميل، وكذلك في قراءة القرآن أمام الناس؛ فإنّ اللحن الحسن والصوت الجميل لهما أثر في القلوب.

إنَّ من أبرز الاُمور التي ميّزت الخطابة المنبرية عن غيرها تضمّنها لجزء واسع من الأداء الصوتي، فعلى الخطيب أن يراعي

____________________

(1) حكايت ها وهدايت ها در آثار شهيد مطهري / 320. (فارسي)

٦٣

هذين الأمرين:

أ - أن يتقن أطوار الخطابة الحسينيّة المختلفة، ويستفيد منها بحسب أذواق الحاضرين، فإنّ لكلّ جماعة ذوقاً ينبغي مراعاته والقراءة على طبقه؛ فإنّ ذلك ضامن لامتلاك نفوسهم وعواطفهم.

ب - أنَّ المنبر الحسيني كما إنّه وسيلة للهداية والإصلاح، فهو عبرة تمتزج العواطف مع أهل البيتعليهم‌السلام تعبيراً عن الولاء والإخلاص لهم؛ ولهذا فإنّ غالبية الناس لا يفرّطون بهذه الدموع، فيرجّحون غالباً المنبر الذي فيه ذلك، وإن كان بسيطاً في موضوعه على المجلس الذي يخلو من ذكر مصائب أهل البيتعليهم‌السلام ، وإن كان المتحدّث يأتي بالجديد والغريب.

إضافة إلى ذلك أنّ الناس يرجّحون الخطيب الذي يتمتّع بصوت حسن، وأداء جيد على الخطيب الذي ليس لديه حظّ من ذلك؛ لما تقدّم في أنّ الخطيب مهمّته تقريب القلوب من صاحب المصاب.

فالخطيب الذي ليس لديه ما ترغب به الناس أن لا يقحم نفسه معهم؛ فإنّ النتيجة سوف لا تكون بصالحه، والتجربة شاهد على ذلك، إلاّ إذا علم توافقهم مع ما عنده.

صوت الإنسان

إنّ مصدر حدوث الصوت في الإنسان هما الحبلان الصوتيّان في الحنجرة، والحبلان الصوتيّان غشاءان عضليّان مثبّتان بين الغضروف العلوي والخلفي للحنجرة، وبينهما فتحة ضيّقة، ويتحكّم في شدّ وارتخاء هذين الغشاءين عضلات خاصة، فإذا كان الإنسان صامتاً فإنَّ الحبلين الصوتيين يكونان مرتخيين، وإذا تحدّث الإنسان فإنّ الحبلين

٦٤

الصوتيين يصبحان مشدودين، وتضيق الفتحة بينهما، وعندما يندفع الهواء بين الحبلين الصوتيين فإنّهما يهتزّان، وبمساعدة الحلق واللسان، والشفتين والأسنان يتشكّل صوت الإنسان وتُسمع الكلمات.

خصائص الصوت

وهي ثلاث:

أ - القوّة (شدّة الصوت)

هي سعة اهتزازات الآلة الصوتية، وهي تتعلّق بالقوّة التي يطرد فيها الهواء الرئتين، كما إنّ قوّة الصوت الخارج من أوتار العود مرجعها قوّة ضرب الأنامل.

ب - النبرة (درجة الصوت)

وهي في درجة شدّ الأوتار، أو ما ينجم عنها من تغيّر في مدى الاهتزاز، وهذا الشدّ تقوم به عضلات الحنجرة التي تشدّ أو ترخى، والتي قد يصيبها الشلل كما في بعض الأمراض العصبية فيبحّ الصوت أو ينطفئ.

ج - الرنّة (نوع الصوت)

وهي التي تميّز الأصوات بعضها عن بعض؛ لأنّها تتعلّق بتجويف الفم، وتختلف في كلّ واحد باختلاف هذا التجويف؛ إذ لا علاقة للرنّة في قوّة الصوت ونبرته، وقد يصل الإنسان بالتمرين إلى تبديل رنّة صوته، كما يفعل المقلّدون في محاكاة غيرهم من الناس، أو محاكاة أصوات الحيوانات.

٦٥

عيوب الصوت وعلاجها

عيوب الصوت كأن تكون رنّات الصوت مزعجة، أو لا تكون من القوّة بحيث تسترعي الانتباه، أو يكون بالخطيب ضيق نفس بحيث لا يستطيع أن يقول كلاماً مفيداً من غير أن يقطع النفس بيانه، ويفسد عليه استرساله، وهذه العيوب بعضها يعالج بالمران، وبعضها يستعان عليه بالطبّ مع المران.

وقد وضعوا بعض المحاولات في تحسين رنّة الصوت أو قوّته، كما إنّه ليس هناك أنفع أثراً من المران.

فإذا كنت تحسّ أنّ كلامك مضطرب، ونبرات صوتك تثير السخرية للسامع، أو لا تسترعي التفاته، فجرّب التمرينات التالية عشر دقائق كلّ يوم لمدّة شهر:

أ - خذ نفساً عميقاً ثمّ الهث بسرعة ونشاط حتّى تتعب، ثمّ حاول أن تضحك وأن تستنشق الهواء ببطء عدّة مرّات، وحاول عند الزفير أن تكرّر كلمتي (هوت) (هات)، ولا تيأس أذا أجهدتك هذه التمرينات في الأيام الأولى؛ فإنّ ذلك يدلّ على أنّ عضلة الحجاب الحاجز عندك في حاجة إلى تنشيط.

ب - لتنشيط عضلات الفكّين حوّل رأسك في حركات دائرية، ثمَّ تثاءب وأَدر فكَّيك ببطء من جانب إلى جانب، ثمَّ اقرأ في همس وبسرعة حتّى تتعب الأوتار.

إنّ بعض العيوب ترجع إلى ضعف نبرات الصوت، وإلى سوء نطق الحروف التي تتكوّن بتحريك اللسان والشفتين، والأسنان وسقف

٦٦

الحلق والفكين في أوضاع مختلفة، وهذه التمرينات مفيدة لتلافي هذه العيوب.

ج - إذا كنت (أخنب)، كلامك يبدو من أنفك، فإنّ ذلك يرجع إلى أنّك تسدّ أنفك أثناء الحديث، فتحرم نفسك بذلك من تكبّر وترشّح مهم للصوت.

حاول أن (تدندن) لبضع دقائق، وأن تعود إخراج الصوت من الأنف بالإكثار من ترديد كلمات تنتهي بالحرفين (م، ن) أو المقطع (إنچ).

د - إذا كان الصوت ضعيفاً فعلاجه بتقوية الرئتين بالصياح كما فعل (ديموستين)؛ فقد كان ضعيف الصوت، فلمّا أراد أن يصبح خطيباً راض نفسه، فصعد على الجبال الوعرة، ووقف قرب ساحل البحر، محاولاً أن يكون صوته أعلى من صخب أمواج البحر. وقد كان له ما أراد بتلك المحاولات(1) .

التحكّم في الصوت

أ - أن يجعل الخطيب صوته مناسباً لسعة المكان، ولعدد السامعين، فلا ينخفض حتّى يصير همساً في آذانهم، ولا يعلو حتّى يكون صياحاً، بل يكون بين هذا وذاك.

ب - وعند الابتداء يبتدئ بصوت منخفض، ثمّ يعلو شيئاً فشيئاً؛ فإنّ العلوّ بعد الانخفاض سهل، ووقعه على السامعين مقبول،

____________________

(1) كيف تكسب الثروة والقيادة.

٦٧

أمّا الانخفاض بعد الارتفاع فلا يحسن وقعه(1) .

ج - على الخطيب أن يوازن بين الزمن الذي تستغرقه خطبته والمجهود الصوتي الذي يجب بذله، وليجعل هذا على قدر تلك المدّة؛ وإلاّ أصابه الإعياء قبل الوصول إلى الغاية، وهذه مشكلة حقيقية يعاني منها الكثير من الخطباء، خاصّة الخطباء المبتدئين، فإنّ صوته لا يعينه على إتمام خطبته، وكثيراً ما تتغيّر نبرة الصوت في آخر الخطبة فيبحّ ممّا لا يسعفه على إتمام الخطبة إلاّ بعناء ومشقّة.

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها - محمد أبو زهره / 170.

٦٨

الإشارات

الإشارات هي المخاطبة الصامتة، أو هي لغة التفاهم العامّة، وهي في كثير من الأحيان صوت الشعور وعبارة الوجدان. فالغاضب ينغض جبينه، ويعبس وجهه، ويقبض أصابعه بدافع شعوري من غير إرادة؛ لهذا كان للإشارة أثر في إثارة الانتباه والشعور، وتقوية الدلالة؛ لأنّ للمعنى ثلاث دلالات:

1 - لفظيّة

2 - صوتيّة

3 - إشارات بيانيّة

والإشارات البيانيّة بعضها شعوري اندفاعي لا يكون بالإرادة، بل بدافع الإحساس الوقتي للخطيب الذي يثيره موقفه الخطابي، كتحريك الحاجبين للدهشة، وبعضها إرادي قصدي يعمد إليه الخطيب للتأثير.

والإشارات على نحو عام ذات أثر في تأكيد الكلام في نفس السامع وتقويته، غير أنّه يجب أن يلاحظ إنّ للإشارات قيوداً لا تحسن إلاّ بها:

أ - يجب أن تكون ملائمة للمعنى، موافقة له؛ يشعر السامعون بقوّة دلالتها عليها، وإلاّ كانت حركات عابثة لا معنى لها.

ب - أن تكون الإشارة مقارنة للقول أو تسبقه قليلاً؛ لتكون ممهّدة ومنبّهة له، فينتبه السامعون ويترقّبونه ليجئ في وقت الحاجة إليه فيثبت بأحسن ثبات.

ج - لا يصح أن تتكرّر الإشارة؛ فإنّ في تكرارها ما يدعو إلى السأم والملل، وما يوهن موقف الخطيب، ويضعف تأثير قوله، ويذهب

٦٩

بسمت الخطيب ومهابته عند السامعين، فعلى الخطيب أن يتقيّد في اعتدال استخدام الإشارات وبحسب الحاجة(1) .

د - الإشارات عادة وبحسب المألوف تكون باليدين، وبتعبيرات الوجه، ولا تليق بتحريك تمام البدن.

الجلوس

الهيئة التي تتلائم مع الخطابة المنبرية هي الجلوس، فعلى الخطيب أن يحسن جلوسه على المنبر الذي لا بدّ أن يكون مرتفعاً؛ ليشرف على السامعين، وليصل صوته إليهم ليتمكنوا من رؤيته؛ فإنّ الرؤية تعين على حسن الاستماع.

وقبل الشروع في الخطبة في أوّل ارتقائه المنبر يحسن بالخطيب النظر قليلاً إلى المستمعين حتّى يتمّ سكوتهم، ويلفت انتباههم نحوه، أو يدعوهم إلى الصلاة على النبي وآله الطاهرين.

____________________

(1) المصدر نفسه / 173.

٧٠

الباب الخامس

الحالة النفسيّة للخطيب

1 - الحالة النفسيّة للخطيب

2 - آثار الانفعال

3 - رباطة الجأش

4 - أسباب المخاوف وعلاجها

5 - تأثير العادات على الخطيب

6 - أسباب الشرود الذهني عند السامع

٧١

الحالة النفسيّة للخطيب

إنَّ جميع أعمال الإنسان تحتاج إلى عنصر نفسي نابع من ذات الإنسان، به يؤدي تلك الأعمال بمستواها الطبيعي والمألوف، وكلّما ازدادت الأعمال تعقيداً احتاجت إلى قوّة نفسية مقابلة لها. فالفوز والفشل، والنصر والهزيمة منبعهم الأول هو ذات الإنسان نفسه.

فالجندي مثلاً إذا كان مهزوماً في أعماق نفسه فإنّه لا ينال النصر على أعدائه، ولو كانت بين يديه الأسلحة الفتّاكة؛ فالمنهزم في ذاته يعجز عن أداء أبسط الأعمال.

وإذا كان للعامل النفسي هذا الدور والتأثير العظيم في أعمال الإنسان، فقد دأب أساتذة الفنّ على تصحيحه، وتقويته في نفوس المتعلّمين.

ففي الفنون القتاليّة مثلاً يمارس المتعلّم الحركات القتاليّة أمام خصم مفترض، وفي الوقت نفسه يخضع لعمليّة نفسيّة تزرع وتحفر في ذاته الثقة بقدراته وقابليّاته، بحيث توثق أركان النصر على أعدائه في أعماق نفسه، قبل المباراة معهم في الواقع.

ومن هذا نستطيع القول أنّ الخطابة شأنها في ذلك كشأن تلك الفنون، تحتاج في تربية الخطيب المبتدئ إلى جانبين:

أ - تعليم اُصول وقواعد فن الخطابة الحسينيّة.

ب - تدريب العامل النفسي عند الخطيب.

الغالبيّة من المبتدئين يساورهم الخوف حينما يرتقي المنبر، وتضطرب نفسه، ويختلّ سلوكه، ويتخبّط في أدائه.

فالبعض لا يقوي

٧٢

على التغلّب على هذه العقدة، فينهزم عن هذا الميدان بانهزام ذاته، أو إنّ البعض لا يتجرّأ منذ البدء على الممارسة العمليّة في الخطابة؛ لتوغّل الخوف في أعماقه، أمّا البعض الآخر يقاوم تلك المخاوف ويصارعها إلى أن ينال مراده.

ولمّا كانت لهذه المخاوف هذا التأثير العظيم على سير الخطيب، ينبغي أن يقف الخطيب المبتدئ على أسباب وآثار تلك المخاوف، وكيفية علاجها.

آثار الانفعال

عندما يتعرّض الخطيب لموقف فيه آثاره للمخاوف تحدث في جسمه عدّة تغيّرات فسيولوجية هامّة تؤثر على وضعه النفسي؛ فيؤدّي به إلى اضطراب ملحوظ.

ومن هذه التغيّرات:

أ - التغيّرات الحاصلة في الدورة الدمويّة

عندما ينفعل الإنسان بنحو عام عند تعرّضه لموقف فيه إثارة للمخاوف، يزداد سرعة خفقان القلب كما تزداد شدّته. وقد لوحظ أنّ سرعة النبض تزيد أثناء الانفعال من (72) إلى (150) نبضة في الدقيقة، وينتج عن سرعة نبضات القلب وشدّتها زيادة في كمية الدم التي يرسلها القلب إلى أجزاء البدن المختلفة؛ وهذا يؤدّي إلى ازدياد ضغط الدم.

ويحدث أثناء الانفعال انقباض الأوعية الدمويّة الموجودة في الأحشاء، واتّساع في الأوعية الدمويّة الموجودة في الجلد وفي الأطراف؛ ويؤدّي ذلك إلى اندفاع الدم الموجود من الأحشاء إلى

٧٣

الأجزاء الخارجية في البدن وإلى الأطراف؛ ولذلك يحمر وجه الإنسان، ويشعر بالحرارة تتدفق في وجهه وفي بدنه(1) .

ب - التغيّرات التي تحصل في الغدد

يزداد نشاط العرق أثناء الانفعال ممّا يسبب تصبب العرق بشدّة، وخاصة في الجبهة وفي اليدين، ويقلّ نشاط الغدد اللعابية ممّا يسبب جفاف الحلق(2) .

ج - تغيّرات اُخرى

يلاحظ أثناء الانفعال أيضاً اضطراب في التنفّس، واتّساع في شعبتي القصبة الهوائيّة، كما يحدث اتّساع في بؤبؤ العين، ويزداد التوتر العضلي(3) .

د - تغيّرات في نبرة الصوت

ويحدث الانفعال تغيّراً هاماً في نبرات الصوت، ويعبّر عادة عن حالة الشعور بالفشل واليأس بخفوت الصوت وببطء الكلام، ويعبّر عن حالة التهيّج والتحمّس بارتفاع الصوت وحدّته.

إنّ الانفعال يحدث عادة حالة من التوتّر في البدن، ويمتدّ هذا التوتّر إلى الأوتار الصوتيّة، والحجاب الحاجز، ويؤدّي ازدياد توتّر الأوتار الصوتيّة والحجاب الحاجز إلى ازدياد حدّة الصوت

____________________

(1) علم النفس - الدكتور اُميمة علي خان / 124.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه / 125.

٧٤

وعلوّه وارتفاعه، كما يشاهد في حالات الخوف أو الغضب(1) .

ﻫ - تأثيرات الانفعال في العمليّات العقليّة

لا تسلم العمليّات العقليّة من أسباب الانفعال؛ فهي تتأثّر كما يتأثّر أعضاء البدن، ومن تأثيرات الانفعال:

أ - حصول النسيان: لا يتذكَّر أحياناً حتّى الأشياء التي انطباعها قويّ في ذاكرته.

ب - فقدان القدرة على تنظيم الفكر: تبدو أفكاره وحركاته غير مترابطة، فترى مثلاً المناقش الهادئ الرزين يلجأ حين يفحم ويرتج عليه إلى الصياح، أو اللحاح، أو المكابرة، وإذا به أضحى عاجزاً عن الفهم، عاجزاً عن إخفاء ما تنطوي عليه نفسه من شكّ وارتياب، أو خوف أو بغض(2) .

ج - الحبسة في اللسان: وهي ثقل النطق عليه، وهي ناتجة من عدم وضوح ما يريد أن يقوله، أو من الحياء والخجل(3) .

د - إدخال بعض الكلام في بعض: ومنشأ هذا العيب في بعض الأحوال إنّ الألفاظ بسبب سعة المخيّلة تسبق القصد، فالمتكلّم يستعمل اللفظ ثمّ يتركه إلى سواه قبل أن يتمّ تكوّنه(4) .

تبين لنا في هذا الكلام أهم ما يعتري الخطيب المبتدئ، الذي يعاني من الخجل

____________________

(1) المصدر نفسه / 127.

(2) اُصول علم النفس - أحمد عزّت / 166.

(3) الخطابة - اُصولها، تاريخها / 63.

(4) المصدر نفسه.

٧٥

والخوف والاضطراب، ولكن المبتدئين يختلفون في نسبة تأثّرهم بذلك من جهة الشدّة؛ لاختلاف طبائعهم.

رباطة الجأش

نستطيع القول الآن بعد بيان ما تقدّم بأنَّ الخطيب لا يكون خطيباً حقّاً إلاّ ببلوغ مرحلة الاستقرار النفسي، والثقة بها ورباطة الجأش، بحيث تزول عن نفسه المخاوف التي كانت تنتابه في مرحلة البدء أثناء مقابلة الناس وهو على المنبر.

فالخطيب المقتدر هو الذي لا يتعلّق في نفسه وجل ولا اضطراب، إنّما يتلذّذ في أدائه حينما يكون على المنبر أكثر من بقيّة أحواله العاديّة.

فالخطيب الذي يُقال عنه خطيب هو الذي يقف أمام الجالسين مطمئن النفس، غير مضطرب ولا وجل، وإلاّ لم يستطع ملاحظة السامعين، ولم يؤثّر كلامه فيهم. وهم إن أحسّوا بضعفه واضطرابه صغر في نظرهم، وهان هو وكلامه في أعينهم، فيذهب كلامه هباءً منثوراً.

ولا بدّ أن نلفت الانتباه [ إلى ] أنّ قولنا: (الذي بلغ مرحلة الثبات والاستقرار النفسي ورباطة الجأش حقّ عليه القول بأنّه خطيب)، قولنا هذا يتفق مع إتقان وأحكام الجانب الأول من علم قواعد فنّ الخطابة وأدائها بالنحو الصحيح؛ وإلاّ فالكثير ممّنْ ارتقى المنبر ساعدته قواه النفسيّة وثقته بها على الظهور بالثبات ورباطة الجأش، ولكنّه طبق المحاكمة مع قواعد فنّ الخطابة لم يكن خطيباً بالمعنى الذي يراد من فنّ الخطابة.

٧٦

أسباب المخاوف وعلاجها

1 - إنّ السبب العميق الذي يبعث الفرد على الشعور بالنجاح أو الفشل هو ما يحمله من صورة ذهنيّة عن نفسه، فالذي تمتلئ نفسه بالمخاوف إنّما تتمركز في ذهنه صورة الفشل والنقص، فلن ينفع طبيب ولا دواء لمعالجة هذا الخوف المتمكّن في أعماق الذات إلاّ إذا تغلّب الفرد على شعوره بالنقص والفشل؛ فإنّ سرّ النجاح عند اُولئك الذين ليسوا أكثر خبرة ومعرفة من غيرهم، هو كامن في الصورة التي يحملونها في أذهانهم لأنفسهم، لقد تمثّلوا في أنفسهم رجالاً ناجحين.

أمّا اُولئك الذين توفّرت لهم مؤهّلات النجاح، ومع ذلك أخفقوا، فالأغلب أنّ نفوسهم حافلة بالمخاوف والشكوك، وأنّ أسباب تلك المخاوف إيحاءات وهميّة غير واقعيّة يتفاعل معها الفرد الخائف فتثبط عزيمته عن مواجهة المواقف(1) .

فخلع صورة الفشل من أعماق النفس واستبدالها بالثقة بالقدرات والطاقات، وإحلال محلّها الثقة بالنجاح، خطوة أولى في معالجة تلك المخاوف.

حدِّث نفسك دائماً بأنّك تخطب أمام جمهور غفير، وبخطاب بليغ، حدِّث نفسك دائماً بأنّ التوفيق رفيق لك لا يفارقك، ولا تدع غير هذا يتسرّب إلى ذهنك فيثبط عزيمتك ويخذلك.

____________________

(1) كيف تكسب الثروة والقيادة.

٧٧

2 - بعد التغلّب على المخاوف النفسيّة، وخلع صورة الفشل أن يشخّص المبتدئ هدفه منذ البدء - هدفه في الخطابة -، وأن يعتقد به اعتقاداً راسخاً.

3 - أن يجمع المبتدئ عزمه وإرادته، ويحمل نفسه على الخوض في ميدان الممارسة العملية؛ فإنّ أنفع طريق لقتل وخلع تلك المخاوف الكامنة في الذات هو اقتحام الأمر المخوف بعد القناعة بغلبته، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «إذا هبت أمراً فقع فيه؛ فإنّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه»(1) .

فالذي اعتقد بهدف وغاية الخطابة ما عليه إلاّ أن يمارس في الواقع ما يصبو إليه، فقد اقترن مع النكوص الحرمان، ومع الشجاعة والاقتحام التوفيق والنجاح، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «قُرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان»(2) .

وعليك أن تكون أصعب من الصعوبات التي تواجهك أثناء الممارسة العمليّة؛ فإن كنت كذلك سهلت الاُمور، وذلَّ لك كلّ شيء. أمّا لو كنت خلاف هذا، صار كلّ شيء أقوى من قواك، فيتعذّر عليك التغلّب عليه، وكان الفشل عاقبة أمرك.

4- جُبل الإنسان على حبّ ذاته ومتعلّقاتها، ففي جانب من هذا الحبّ يحرص أن تظهر علاقاته الاجتماعيّة بصورة تتلاءم وتتناسب مع هذا الحبّ؛ فهو يجلب لها كلّ ما يزين صورته ويحسّنها أمام الناس، ويدفع عنها ما يسيء إليها ويخدشها.

وكلّما ارتفع شأن الفرد ومنزلته في اُمور الحياة الاجتماعيّة تكوّرت حوله هالة عظيمة من

____________________

(1) نهج البلاغة 18 / 177.

(2) نهج البلاغة 18 / 131.

٧٨

المخاوف، فيراقب سلوكه ضمن المجتمع مراقبة شديدة يخاف أن تخدش هذه المنزلة، فيشدّد العزم ويجتهد على الحفاظ عليها، فيحذر ويتجنّب أصغر الاُمور التي لا تعدّ في الحياة العاديّة ما يسيء إليه، ويرفض أيضاً من الآخرين أيّ سلوك يظنّ فيه ما يخدش تلك المنزلة.

البعض من الخطباء المبتدئين يأتي إلى الخطابة وهو يحمل هذه الصورة، صورته ضمن المجتمع، فتنشأ عنده مخاوف من هذا السبب حينما يرتقي المنبر تعتلج في صدره مخاوف الفشل، وما يترتب على هذا الفشل من الظهور أمام الآخرين بصورة تقدح في منزلته بينهم، فتأخذ هذه الصورة من ذاته مأخذاً عظيماً تسبب له الاضطراب والحيرة والقلق.

أمّا علاج هذا التوهّم: ينبغي للخطيب المبتدئ أن يقلع سبب هذا التوهّم، فالمبتلي به عليه أن يصحح نظرته اتّجاه بعض أنماط السلوك الاجتماعي.

أولاً: أن لا يبالغ الفرد مهما كان شأنه بقيمته ومنزلته؛ فهو في مجال تعلّم الخطابة، فعليه أن يعرف أنّ شأنه في ذلك شأن المتعلّم الذي ليس له في البدء غير استعداد التعلّم، وهذا لا يقدح أصلاً في مقامه، ولا في شأنه، أمّا أن يضع نفسه أعلى من ذلك فعليه أن يتحمّل أسباب الفشل.

ثانياً: الإنسان ما عدا مَنْ عصمهم الله تعالى ممزوج بالنقص والعيوب، ولكنّها متفاوتة بين الأفراد نوعاً وشدّة، فكما إنّ الإنسان فيه

٧٩

القابلية على النكوص فيه القابلية على التكامل والعلوّ، ولا يخرج ذلك إلاّ بالتجربة والعمل؛ فبالعمل المناسب للنكوص يتراجع الفرد، وبالعمل المناسب للنجاح يعلو الفرد ويسمو.

فالنقص والعيب في القابليات والقدرات ليست اُموراً قادحة في الفرد، ولا مُحِطّة لقيمته، فهي ليست ما يشكّل خطراً في الوضع الاجتماعي إذا نظر إليها الفرد نظرة واقعية.

ثالثاً: لا يحكم الخطيب المبتدئ على نفسه بالفشل القطعي إذا لم يوفّق في محاولة واحدة أو عدّة محاولات؛ فإنّ الخطابة منهجها التكرار والمواصلة فلا تظهر الثمرة فيها دفعة واحدة.

ولنعلم أنّ كثيراً ممّن تفوّقوا في كثير من الاختصاصات العلميّة والفنيّة إنّما اتّخذوا من الفشل منطلقاً.

لم يقعد بهم الفشل إلى اليأس والقنوط والتراجع، إنّما حفّز إرادتهم وشجَّعهم على المواصلة والجدّ والسعي والمثابرة، فنالوا أهدافهم، وتفوّقوا على أقرانهم، ولعلَّ هذا هو المستفاد من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك»(1) .

فقد يخرج الفشل كوامن الطاقات، وقد يخلد الفوز والنجاح إلى الكسل والغرور والجمود؛ فعليك أن تتقبّل الفشل كما تتقبّل النجاح، كلاهما يدفعان بك إلى العمل والنشاط والمثابرة.

5 - من الأسباب المهمّة التي تنشأ الاضطراب في نفس الخطيب

____________________

(1) نهج البلاغة 18 / 174.

٨٠