توظيف التفسير المفاهيمي

توظيف التفسير المفاهيمي0%

توظيف التفسير المفاهيمي مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 105

توظيف التفسير المفاهيمي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الهادي الطهمازي
تصنيف: الصفحات: 105
المشاهدات: 26251
تحميل: 4319

توضيحات:

توظيف التفسير المفاهيمي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 105 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26251 / تحميل: 4319
الحجم الحجم الحجم
توظيف التفسير المفاهيمي

توظيف التفسير المفاهيمي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فهناك الكثير من الأسر يسودها التفاهم والاحترام المتبادل، والروابط النفسية والاجتماعية الجيدة تلفّ أبناءها.

ولكن ما ذكرنا ظاهرة متفشّية في كلّ مكان، وليست بخافية على أحد، نريد أن نتحدّث عن أسباب هذه الظاهرة، والسبل الكفيلة في تصحيح العلاقة الأسرية قدر الإمكان؛ إذ قد لا يسعنا استيعاب الموضوع بشكل تامّ.

وقبل الدخول في التفاصيل نبدأ أوّلاً وللتذكير بـ:

أهميّة الولد

لا شك أنّ الذريّة بعامّة أهمية كبرى، ومساحة واسعة في حياة الإنسان، خصوصاً الأولاد في مجتمعاتنا الشرقيّة؛ وذلك لأنّ الولد يمثّل الامتداد الطبيعي لحياة الإنسان. فالإنسان يشعر بأنّه لم يمت طالما كانت له ذريّة تخلفه، كما يعدّ القرآن الأولاد زينة للإنسان فقال تعالى:( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ) (١) .

والزينة: هي كلّ ما لا يشين الإنسان في شيء؛ لا في الدنيا، ولا في الآخرة. ومرّة تكون الزينة نفسية كحمل الصفات الحسنة، مثل: العلم والكرم، والشجاعة والمروءة. ومرة تكون في الجسم؛ كالقوام الممشوق، وجمال الوجه وغير ذلك، وأُخرى تكون خارجة عن الإنسان كالمال والبنين. وعلى كلّ حال، الزينة: ما يظهر حسن الإنسان(٢) .

____________________

(١) سورة الكهف / ٤٨.

(٢) المفردات ـ للراغب الاصفهاني مادة (زين).

٤١

فالولد بهذا الاعتبار بمثابة المرآة التي تُظهر حسن الأب، أما من خلال جمال تربيتة وتعليمه... إلخ.

وفي خصوص الآية التي صدّرنا بها البحث، فقد جعل الله تعالى الولد قرّة للأعين، وقرّة العين: هي ما يسرّ الإنسان(١) . وقد عبّرت آية أُخرى بهذا التعبير:( قُرّتُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ ) (٢) .

والملاحظ أنّ الآية هي جزء من دعاء عباد الله الصالحين. قال تعالى:( وَعِبَادُ الرّحْمنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرضِ هَوْناً... ) (٣) الآية، إلى قوله تعالى شأنه:( وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرّيّاتِنَا قُرّةَ أَعْيُنٍ ) (٤) .

والولد نعمة من الله (عزّ وجلّ) على الإنسان باعتبارات شتى، ومَنْ غفل عن هذه النعمة فليتخيّل الحرمان منها، أو مجرد وقوع الأذى على الولد فما عساه أن يفعل؟

روى ابن عمر أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) بينما يخطب على المنبر إذ خرج الحسين (عليه السّلام) فوطئ ثوبه فسقط فبكى، فنزل النبي (صلّى الله عليه وآله) عن المنبر فضمّه إليه، وقال:« قاتل الله الشيطان! إنّ الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت أنّي نزلت من منبري » (٥) .

____________________

(١) المصدر السابق ـ مادة (قر).

(٢) سورة القصص / ٩.

(٣) سورة الفرقان / ٦٣.

(٤) سورة الفرقان / ٧٤.

(٥) نَفَس المهموم ـ الشيخ عباس القمّي / ٢٤.

٤٢

قيل: إنّ رجلاً كان يمرّ بطريق فصادف امرأة تبحث عن صبي لها، فسألها عن أوصافه لعلّه يراه ببعض الطريق، فقالت: إنّه كدُنينير الذهب. فلمّا قضى وطره عاد، وإذا بالمرأة تنهال على صبيّ لثماً وتقبيلاً، فسألها هل هذا ابنك؟

قالت: بلى.

قال: إنّه ليس كما وصفتِ؟

قالت: إن كنت لا تراه كذلك أنا أراه كذلك. ثمّ أنشدت:

يا حبّذا ريحُ الولدْ ريحُ الخزامى بالبلدْ

هل هكذا كلّ ولدْ أم لم يلد مثلي أحدْ

وباختصار تكمن أهمية الولد، أو الذريّة في عناصر كثيرة:

منها: أنّه قرّة عين للإنسان، أي مدعاة للسعادة والسرور.

ومنها: أنّه يسد حاجة نفسية للإنسان، وهي الرغبة بالخلود والبقاء.

ومنها: أنّ الأولاد مصدر نفع للإنسان في كثير من جوانب حياتهم.

ومنها: أنّهم زينة يظهرون حسن تربية آبائهم، وسموّ مكانتهم، وغير ذلك من الاعتبارات.

أسباب سوء العلاقة بين الأبناء والآباء

تعود أسباب سوء العلاقة بين الأبناء والآباء لما يلي:

١ ـ عدم معرفة كلّ من الأب والابن حدود حقوقه ووجباته تجاه الآخر.

ومردّ ذلك هو ضعف معرفتنا بتعاليم ديننا الحنيف. فالأب يتصوّر بأنّ له على الولد حقّاً مطلقاً، وفي كلّ شيء، ويستخدم البعض منهم هذا الحقّ

٤٣

أحياناً بشكل مجحف، لا يخلو من الاضطهاد للولد، ولباقي أفراد الأسرة كالزوجة مثلاً.

والابن يظنّ أنّ له حقوقاً أكبر ممّا منحة الوالد، وقد غمط أباه هذه الحقوق؛ ولذا تتعالى بعض الاحتجاجات من الأبناء ضدّ آبائهم في كثير من تفاصيل الحياة؛ فبعضهم يقع في مشاكل كثيرة بسوء اختياره، ويطالب الأب بوضع الحلول لهذه المشاكل مرّة بعد أُخرى، وقد لا يستجيب الأب في كلّ مرّة أو بسهوله، فتتضخم الهوّة بينهما تدريجياً حتّى تصل لأن يتصوّر بعض الأبناء بكره أبيه له.

والخلاصة: هناك سوء فهم لحدود الحقوق والواجبات بين الطرفين، أو الأطراف المختلفة.

٢ ـ فقدان الصراحة في التعامل والتعاطي إزاء القضايا والمشاكل التي تحدق بالأسرة، أو بعض أفرادها، فهذا الغموض الذي يلفّ العلاقات والسلوكيات يلقي بضلاله على الثقة المتبادلة فيزعزعها.

٣ ـ فقدان أساليب التفاهم العقلائية. وهذة الفقرة ملازمة لسابقتها في بعض الأحيان. والملاحظ للأسف أنّه لا توجد في بعض الأسر وسيلة للتفاهم إلاّ الزعيق والشتم والسباب والضرب.

٤ ـ بعض أصدقاء السوء الذين يؤدّون دوراً كبيراً في إذكاء الحرائق الاجتماعية والأسرية، حتّى إن كان ذلك بصيغة مزاح، إلاّ أنّه يترك أثراً مشجّعاً على نفسية الولد أو البنت، والآباء كذلك عندما يجلسون إلى أقرانهم يحرّضه بعضهم ضدّ أُسرته.

وللأسف إنّ هذه

٤٤

الظاهرة متفشيّة في مجتمعنا، فلا تجد أحداً يشكي جاراً له إلاّ وزاده الحضور حقداً عليه، ولا تجد امرأة تشكي زوجها إلاّ وملؤوا روحها بالتمرّد، وكأنّنا نسينا قوله تعالى:( إِنّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ ) (١) .

ويندرج في هذا السياق بعض الأفلام والمسلسلات، والمقاطع المسرحية التي تتضمّن بعض المشاهد منها استخفافاً بحقّ الأبوين، أو الاستهزاء بهم.

٥ ـ انعدام الاحترام المتبادل بين الأب والأُمّ ينسحب على الأولاد، حيث يقلّ احترامه للأب إذا كانت الأُمّ لا توليه ما يستحقّ من تقدير، وهكذا العكس، إذا كان الرجل لا يحترم الزوجة فإنّه يجرؤ عيالها عليها. وعندما يشعر الأب أو الأُمّ بالاحتقار داخل الأسرة يقوم بردّ فعل عكسي فتتوتر العلاقات داخل الأسرة، ويغلف سلوك أفرادها التشنّج.

٦ ـ وقليلاً ما يوتّر العلاقة بين الولد والوالد اعتماد الوالد نمطاً معيّناً، ومنهجاً خاصاً يقسر أولاده على السير فيه، كاختيار الوظيفة، أو محل السكن أو غير ذلك.

فالملاحظ أنّ بعض الآباء يريد أن يكون ابنه نسخة مستنسخة منه، وهذا ما لا يتاح لأحد غالباً.

____________________

(١) سورة العصر / ٢ ـ ٣.

٤٥

سبل تصحيح العلاقة بين الآباء والأبناء

يجب على الجميع أن يسعوا في تصحيح العلاقة داخل الأسرة، بل وتنميتها نحو الأفضل. وبالرجوع إلى القرآن الكريم يمكن أن نلتمس من آياته المباركة عدداً من السبل التي تُسهم في ترطيب العلاقة بين الإنسان [وأبويه] نلخّصها بما يلي:

١ ـ الشكر للوالدين.

قال تعالى:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) (١) .

فلا شك أنّ شكرهما والاعتراف بالجميل لما أسدياه من نعم على الوالد في التربية والتنشئة يجعلهما يشعران بعدم ذهاب تلك الجهود المضنية التي بذلاها سُدى.

٢ ـ الإحسان لهما.

قال تعالى:( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (٢) .

وطبيعي أنّ الإحسان يستأسر الغريب ويجلب محبّته فضلاً عن الوالدين.

٣ ـ حسن المعاشرة ومصاحبتهما بالمعروف.

ويتجسّد ذلك من خلال عدم نهر الأبوين، أو التعامل معهما بخشونة:( فَلا تَقُل لَهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً ) (٣) .

____________________

(١) سورة لقمان / ١٤.

(٢) سورة البقرة / ٨٣.

(٣) سورة الإسراء / ٢٣، وسورة لقمان / ١٥.

٤٦

٤ ـ الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة:( وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيراً ) (١) .

علماً أنّ هناك خطوات أُخرى يمكن أن تكون سبباً في تصحيح العلاقة داخل الأسرة، مثل:

٥ ـ الاتّزان في التصرّفات، واحترام سمعة وكرامة الأسرة. فبعض الشباب مثلاً يُسيء إلى سمعة عائلته ويلوّث كرامتها، فمن الضروري تجنّب السلوكيات المنبوذة اجتماعياً.

٦ ـ محاولة تفهّم موقف الآباء تجاه القضايا التي تثير النقاش داخل الأسرة، ودراسة المسألة والتشاور فيها، لعلّ رأي الأب يكون صائباً في الموضوع الذي يختلف الولد معه فيه.

ويقع على الآباء والأُمّهات قسط من مسؤولية تصحيح علاقتهم بأبنائهم.

فعلى الأب والأُمّ أوّلاً احترام أبنائهم أمام الآخرين، وعدم إهدار كرامتهم حتّى وإن كانوا صغاراً، فلا ينبغي ضربه أو إهانته إمام الآخرين؛ لأنّ ذلك يؤثّر تأثيراً خطيراً في نفسيّاتهم، وبناء شخصيّاتهم المستقبلية، ويتسبّب في سحقها؛ فإنّ معظم الأمراض والعقد النفسية تأتي من سوء المعاملة والخطأ في التربية. والأفضل استخدام العقاب الجميل، والتذكير بقيم الخير والفضيلة حتّى يكون الأب فعلاً إماماً للمتّقين.

ويمكن مع ذلك استعمال العقاب المعنوي في حال حصول الخطأ من أبنائنا؛ كإلغاء سفرة مثلاً، أو تأجيل شراء حاجة، وغير ذلك، بدلاً من الالتجاء إلى العقاب الجسدي.

____________________

(١) سورة الإسراء / ٢٤.

٤٧

وعلى الآباء ثانياً أن يُعينوا أبناءهم على برّهم، فقد ورد في الحديث:« رحم الله مَنْ أعان ولده على برّه؛ وهو أن يعفو عن سيئه، ويدعو له فيما بينه وبين الله » (١) .

وانتهاج اُسلوب الرحمة والعطف ثالثاً؛ فالولد أو البنت بحاجة إلى حنان، وبحاجة إلى مَنْ يشعرهم بمحبّته إيّاه؛ ومن هنا وردت في بعض الروايات استحباب التصابي للصبيان مثلاً؛ ليكون قريباً من قلوبهم، ومبادلتهم الابتسامة والتقبيل لهم إن كانوا صغاراً.

وروي أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) خرج على عثمان بن مظعون ومعه صبي يلثمه، قال له (صلّى الله عليه وآله):« ابنك هذا؟ » .

قال: نعم.

قال:« أتحبّه يا عثمان؟ » .

قال: أي والله يا رسول الله أحبّه.

فقال (صلّى الله عليه وآله):« أفلا أزيدك حبّاً له؟ » .

قال: بلى فداك أبي وأُمّي!

قال (صلّى الله عليه وآله):« إنّه مَنْ يرضي صبيّاً له من نسله حتّى يرضى ترضّاه الله يوم القيامة حتّى يرضى » (٢) .

وبإطلالة سريعة على العلاقة الأبويّة بين الأئمّة (عليهم السّلام) يمكن أن نكتشف نماذج رائعة خلّدها التاريخ، وغدت نبراساً نستلهم منها الدروس والعبر؛ فقد اشتهر الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) برعايته الكبيرة لولديه ولابنته زينب (عليهم السّلام)، إذ يلاحظ أنّه (عليه السّلام) ما كان ليفرّق بينهم في التقدير والاحترام.

وقد روى التاريخ أنّه (عليه السّلام) كان يفطر ليلة عند الحسن، وأُخرى عند الحسين، وثالثة عند أُم ّكلثوم التي هي زينب (عليها السّلام) كما عليه بعض المحقّقين.

____________________

(١) نقلاً عن حقّ الولد والوالدين ـ الشيخ نعيم قاسم / ٧٣.

(٢) المصدر السابق / ٨٩.

٤٨

كما إنّه (عليه السّلام) كان دائم التوجيه والنصيحة لأولاده (عليهم السّلام) حتّى عندما كبروا، ويشهد بذلك مقاطع كبيرة من وصيته التي أوصى بها (عليه السّلام) عند دنوّ وفاته.« اُوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.... » الوصية(١) .

____________________

(١) نهج البلاغة ـ الكتاب ٧٤.

٤٩

المحاضرة الخامسة: مضلاّت الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَاتّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصّةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١) .

الفتنة في اللغة: إدخال الذهب إلى النار لتعرف جودته من رداءَته، وتستعمل في الاختبار، أو الامتحان والابتلاء(٢) .

وقد استُعملت في القرآن بمعانٍ عديدة لا نريد الدخول في تفصيلاتها. وأحد تلك المعاني هو الاختبار، قال تعالى:( أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٣) .

والفتن على أنواع؛ فهناك فتن السرّاء، كالأموال والبنين:( وَاعْلَمُوا أَنّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ) (٤) ، وهناك فتن الضرّاء:( وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ... ) (٥) .

وهذه الفتن وغيرها لاختبار حال الإنسان، وإبراز ما فيه من الخير أو الشرّ، وما فيه من الإيمان أو الكفر، ومن صبر أو جزع... إلخ.

____________________

(١) سورة الأنفال / ٢٥.

(٢) مفردات الراغب / مادة (فتن).

(٣) سورة العنكبوت / ٢.

(٤) سورة التغابن / ١٥.

(٥) سورة البقرة / ١٥٥.

٥٠

وثمّة نوع من أخطر أنواع الفتن، وهي المعبّر عنها بمضلاّت الفتن، فالإنسان لا بدّ وأن يكون مشتملاً على فتنة في ماله، أو ولده، أو جسمه.

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام):« لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاّ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاّتِ الْفِتَنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَالرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ، وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ الأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ » (١) .

فالمشكلة ليست في كلّ أنواع الفتن، إنّما المشكلة في المضلاّت من الفتن.

والفرق بين مضلاتّ الفتن، والأنواع الأُخرى من الفتنة: أنّ هذه لا تعدو أكثر من كونها اختباراً للعبد، كما سمعنا ذلك في كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وأكثر ما يصيب الإنسان فيها هو الفشل في ذلك الامتحان، وأشدّه عدم الرضى بما قسم الله، أو ترك شكره، أو الوقوع في المعصية.

أمّا الوقوع في مضلاّت الفتن، فمعناه خروج الإنسان عن سمت الهدى، والوقوع في دائرة الضلال، والابتعاد عن الحقّ، وبالتالي اتّباع الشيطان ودعوات الضلال.

يقول أمير المؤمنين (عليه السّلام):« أَلا وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله). وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حتّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ، وَ أَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ » (٢) .

____________________

(١) نهج البلاغة ـ الحكمة ٩٣.

(٢) نهج البلاغة ـ الخطبة ١٦.

٥١

فهي إذن مقاييس للصعود والهبوط، أو السقوط في دائرة الضلال، وحبائل الشيطان والغواية.

ومن هنا تركّزت الاستعاذة في كلمات آل البيت (عليهم السّلام)، وادعيتهم من مضلاّت الفتن، فقد مرّ قوله (عليه السّلام):« مَنْ استعاذ فليستعذ من مضلاّت الفتن » . وفي الدعاء:« ونجّني من مضلاّت الفتن برحمتك يا أرحم الراحمين » (١) .

ومضلاّت الفتن: هي طائفة من الحوادث والخلافات، والمنازعات والمنافسات على الملك والسلطان(٢) ، أو محاولة الاستحواذ على مشاعر الناس وقلوبهم، والتلاعب بعواطفهم، ودعوات بالأحقّية، والحقيقة المطلقة التي يدّعيها هذا أو ذاك، وهذة الفئة أو تلك، بحيث تسلب الرؤية من الناس... فيلتبس عليهم الحقّ بالباطل حتّى لا يميّزوا حقّاً من باطل، أو إمام هدى من إمام ضلال(٣) ، أو مبدأ حقّ من مبدأ باطل، وهي كما مرّ من أخطر أنواع الفتن.

أصل المشكلة

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وهو الخبير بهذه الفتن التي كان يعجّ بها عصره (عليه السّلام):

____________________

(١) الصحيفة السجادية ـ الدعاء ٥٤.

(٢) في رحاب القرآن ـ للشيخ الآصفي ٧ / ١٠٧.

(٣) المصدر نفسه.

٥٢

« وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ؛ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ، وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ، وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى » (١) .

إذاً هذا هو أصل المشكلة، التباس الحقّ بالباطل، وتلبيس الباطل ثوب الحقّ:« فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ » (٢) .

فأهل الباطل يلبسون باطلهم ثوب الحقّ حتّى لا يدري الناس أين هو الحقّ وأين هو الباطل.

روي أنّ أحد جنود الإمام (عليه السّلام) جاءه في يوم الجمل، وقد تهيّب من قتال أصحاب الجمل، فشكى ذلك للإمام (عليه السّلام)، فقال له:« ويلك! إنّك ملبوس عليك، اعرف الحقّ تعرف أهله » (٣) .

أسباب حدوث هذه الفتن

لمضلات الفتن أسباب، فهي لا تحدث اعتباطاً، أو من غير سبب، أو كيفما اتّفق، بل هناك أسباب يجعلها تقع بلوىً على هذا المجتمع أو ذاك.

وبتعبير الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام):« يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ، يُصِبْنَ بَلَداً، وَيُخْطِئْنَ بَلَداً » (٤) .

____________________

(١) نهج البلاغة ـ الخطبة ٣٨.

(٢) نهج البلاغة ـ الخطبة ٥٠.

(٣) راجع في رحاب القرآن / ١٥٥.

(٤) نهج البلاغة ـ الخطبة ٩٣.

٥٣

وأسبابها كثيرة، نذكر منها:

أوّلاً: ابتداع أراء جديدة، واتّباع الهوى، والتولّي على غير دين الله.

وقد شخص الإمام علي (عليه السّلام) هذه الأسباب الثلاثة بقوله:« إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ، وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ » (١) .

من الناس مَنْ يتبع شخصاً من أجل دينه وصيانته، وليقرّبه إلى الطاعة ويبعده عن المعصية، وهناك مَنْ يتولّى شخصاً ليس للدين بل لمصلحةٍ.

وهذه المصالح تختلف نوعاً؛ فليس بالضرورة أن تكون المصلحة مصلحة مادية، فقد يحقّق الأتباع مصلحة معنوية، كما لو كان رأي الشخص المتبوع، أو المقولة تتّفق مع الهوى، أو المزاج، أو الطبيعة التي جُبل عليها الشخص.

وقد يتولّى شخصاً ما أنّ معتقداً معيّناً لا اعتقاداً بصحته، أو استصواباً لرأي ذاك الشخص، بل بغضاً بطرف آخر، أو معتقد آخر. ملاحظ وجداناً أنّ بعض الناس عندما يكره أحداً من قومه فقد يولي أعداء قومه بغضاً لمَنْ يكره.

لقد قال جيش ابن سعد للحسين (عليه السّلام): نقاتلك بغضاً لأبيك، ما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين.

والعبارة صريحة، فقتالهم له (عليه السّلام) ليس من أجل المال، ولا جهاد في سبيل الله مثلاً، فهم يعلمون أنّهم على باطل، ولكن رغبةً في التشفّي.

وبتعبير الإمام الحسين (عليه السّلام) يكون:« إلباً لأعدائه على أوليائه » (٢) .

____________________

(١) نهج البلاغة ـ الخطبة ٥٠.

(٢) مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للمقرّم / ٢٨١.

٥٤

والخلاصة: لا يشترط في الاتّباع لغير الله أن يكون لمصلحة مادية، بل قد تسدّ للفرد حاجات نفسية واجتماعية أُخرى، وكلام الإمام (عليه السّلام) في كونه اتّباعاً للهوى، وابتداع الأحكام والآراء الجديدة واضح.

ثانياً: خبث سرائر الناس.

الخبث ضدّ الطيبة، والطيّب من الناس: مَنْ تعرّى من نجاسة الجهل والفسق، وقبائح الأعمال، وتحلّى بالعلم والإيمان، ومحاسن الأعمال(١) .

روت أُمّ المؤمنين زينب بنت جحش عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قالت: استيقظ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من نومه محمرّ الوجه، وهو يقول:« لا إله إلاّ الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب! » .

قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟!

قال:« إذا كثر الخبث » (٢) .

من هذا يستشفّ أنّه إذا ذهبت الطيبة من نفوس أبناء مجتمعٍ ما، واستبدلت بالخبث وسوء الضمائر، أنزل الله تعالى بهم مضلاّت الفتن عقاباً لهم.

ثالثاً: الدعايات المضللة.

والحرب النفسيّة التي يشنّها بعض أعداء ذلك المجتمع ضدّه؛ للتأثير في إرادة أبنائه وعواطفهم واتجاهاتهم، وهي وسيلة قد لا تظهر آثارها بسرعة، ولكن يظهر أثرها على المدى البعيد، وتستهدف إقناعه بقضية معينة، أو عزله عن المجتمعات الصديقة له، أو إثارة الفتن والنعرات في صفوفه، وقد تسعى إلى

____________________

(١) المفردات ـ مادة (طيب).

(٢) راجع في رحاب القرآن / ١٣٧.

٥٥

كسب العناصر المعزولة في ذلك المجتمع إلى صف ذلك العدوّ، أو إضعاف الثقة بين أبناء ذلك المجتمع.

وأهم وسائلها: الشائعات، والحرب الفكرية، والخدع والأضاليل، وعمليات غسيل الدماغ، التي توجّه ضدّ بعض أبنائه، ثمّ يزرعون في صفوف ذلك المجتمع، وغير ذلك من الوسائل والأساليب.

وسائل النجاة من مضلاّت الفتن

أوّل الوسائل: النجاة من السقوط في الفتنة

هي التحرّي عن الحقّ ومحاولة اكتشافه، وإن استلزم ذلك جهداً:( وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) . وإن استلزم أيضاً مخالفة الهوى؛ لأنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ(٢) .

الثانية: العلم

روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله):« ستكون فتن يصبح فيها الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً، إلاّ مَنْ أحياه الله تعالى بالعلم » (٣) .

إنّ المعرفة الشاملة للإسلام من خلال التدبّر بآيات القرآن الكريم، والاطّلاع على أحاديث آل البيت (عليهم السّلام) تكسب الإنسان قدرةً على التمييز بين الحقّ

____________________

(١) سورة العنكبوت / ٦٩.

(٢) إشارة للحديث المروي في اُصول الكافي ـ باب اتّباع الهوى ح ٣.

(٣) راجع في رحاب القرآن / ١٣٨.

٥٦

والباطل، وبالتالي النجاة من الفتن.

كذلك معرفة سنن التاريخ؛ لأنّ التاريخ مصدر مهمّ من مصادر المعرفة، وفي حوادثه عبرة يعتبر بها الإنسان، فمَنْ كان له اطّلاع على التاريخ أمكنه معرفة الحقّ من الباطل وبسهولة.

الثالثة: الاهتداء بنور العقل

قد يكون للإنسان معلومات قليلة لكنّه بالتفكير ومحاكمة الحجج والأدلّة التي يطرحها هذا أو ذاك، وبالمقارنة يمكن أن يستشرف طريق الحقّ، فإذا فكّر الإنسان وحلّل الأدلّة أمكنه اكتشاف صحتها من خطئها.

أرسل معاوية عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة أواخر أيام خلافة أمير المؤمنين (عليه السّلام) لإثارة فتنة في البصرة، فجاء الرجل فنزل عند بني تميم، واجتمعت إليه بعض الناس ممّن له هوىً ببني أُميّة، فخطبهم الرجل بكلام معسول، وندبهم إلى الثأر لدم عثمان.

فقام له الضحّاك بن عبد الله الهلالي، وقد عرف أنّها مكيدة، وأنّ هذا الإطراء يبغي من ورائه هدفاً، فقال: (قبّح الله ما جئتنا به وما دعوتنا إليه! جئتنا بمثل ما جاء به صاحباك(١) ، أتيانا وقد بايعنا علياً واجتمعنا له، فكلمتنا واحده، ونحن على سبيل مستقيم، فدعوانا إلى الفرقة، وقاما فينا بزخرف القول حتّى ضرب بعضنا ببعض ظلماً وعدواناً... إلى أن قال:... أفتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من أغمادها ثمّ يضرب بعضنا بعضاً؛ ليكون معاوية أميراً، وتكون له وزيراً؟!)(٢) .

____________________

(١) يقصد طلحة والزبير، والأفضل للخطيب ترك ذكرهما.

(٢) شرح نهج البلاغة ـ للمعتزلي ٤ / ٣١.

٥٧

فبمقارنةٍ بسيطة، وتفكير بسيط، استطاع هذا الرجل ذي البصيرة إن يكتشف الزيف والدجل، والغاية التي جاء من أجلها ابن الحضرمي، ألا وهي إشعال الفتنة بين أهل البصرة.

رابع مصابيح معرفة الحقّ من الباطل، والنجاة من مضلاّت الفتن هو: تقوى الله (عزّ وجلّ)، وطهارة القلب، وسلامة النيّة

يقول تعالى شأنه:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَل لَكُمْ فُرْقَاناً ) (١) ، والفرقان: هو ما يفرق بين الحقّ والباطل(٢) .

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال:« وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ الْفِتَنِ، وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ » (٣) .

وبالإضافة للتقوى طهارة القلب، فما لم يتخلّص الإنسان من دخان الحسد والحقد، والأنانية والتكبّر، وسائر الرذائل؛ فإنّ عقله يكون عاجزاً عن هدايته إلى طريق الصواب(٤) .

الخامس: آل البيت (عليهم السّلام).

فالإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) بنفسه كان مقياساً لمعرفة الحقّ من الباطل:«علي مع الحقّ، والحقّ مع علي، يدور معه حيثما يدور » (٥) .

____________________

(١) سورة الأنفال / ٩.

(٢) المفردات ـ مادة (فرق).

(٣) راجع في رحاب القرآن / ١٢٩.

(٤) المواعظ والحكم ـ للشيخ مطهري / ١٠٩.

(٥) راجع في رحاب القرآن / ١٤٩.

٥٨

وكذلك ذريّته الطاهرة التي يقول فيها مخاطباً الناس:« شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة » (١) .

فعلي وولده (عليهم السّلام) علامات منصوبة لمعرفة الحقّ من الباطل.

____________________

(١) نهج البلاغة ـ الخطبة ٥.

٥٩

المحاضرة السادسة: أثار المحبّة

بسم الله الرحمن الرحيم

( قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) .

المحبّة عبارة عن الشعور بالميل وإرادة شيء، إمّا للإنسان فيه لذّة؛ كحبّ بعضنا لطعامٍ، أو شرابٍ معين، أو فيه نفع له؛ كحبّ الإنسان للمال والبنين؛ لاعتقاد وجود النفع فيهما، أو للاعتقاد بأنّ في ذلك الشيء المحبوب خيراً معنويّاً، كحبّ المؤمن لله سبحانه، وللأنبياء والرسل، والأوصياء وسائر عباد الله الصالحين، وكحبّ القيم والمبادئ والأعمال الخيرة، والتي فيها نفع للإنسانية، وإن لم يكن للشخص المحبّ فيها نفع خاص.

دور المحبّة في حياة الفرد والمجتمع

وللمحبّة دور كبير في بناء شخصية الإنسان واستقامته، وتنظيم سلوكة في الحياة، ولها دور كبير في تنظيم شؤون المجتمع، وتنمية العلاقات الاجتماعية، وعقد أواصر الترابط، وتوثيقها بين الناس؛ سواء أكانت هذه الروابط مبنية على

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣١.

٦٠