الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية 0%

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 377

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد شعاع فاخر
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 102772
تحميل: 10470

توضيحات:

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 102772 / تحميل: 10470
الحجم الحجم الحجم
الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومعه مولاه وردان فأخذا في الحديث وليس عندهما غير وردان فقال عمرو: يا أميرالمؤمنين ما بقي مما تستلذه؟ فقال: أما النساء فلا أرب لي فيهن وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيّدها حتى وهى بها جلدي فما أدري أيها الين وأما الطعام فقد اكلت من لينه وطيبه حتى ما أدري أيها الذوا طيب وأما الطيب فقد دخل خياشيمي منه حتى ما أدري أيه أطيب(1) .

وبالطبع لابد أن تكون لكسرى حياته الخاصة وهذا ما عناه عمر إذ لم يعرف كسرى ولا عرف قيصر بالدهاء إنما عرف هذان بالنعيم الذي تأطّرابه.

وكان عمر يعرف ذلك منهما فقد دخل على رسول الله وهو في ساريته وبكى فيما يقال حين شاهد متاع بيته الذي هو عبارة عن شن بال وحفنه من الشعير قدّرها عمر بصاع وحصير خلق وهكذا دواليك.

فبكى وقال يا رسول الله إن كسرى وقيصر يجلسان على اسرة الذهب ويلبسان الديباج المزرر بالذهب وأنت سيد البشر وهذا متاع بينك أو كما قال فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اولئك قوم عجّلت لذاتهم لهم وهي وشيكة الانقطاع أو كما قال ...

ومن هذا الحديث ندرك أنّ عمر لم يقصد بتشبيه معاوية بكسرى وقيصر أن وجه الشبه بينهما السياسة الحكيمة أو الدهاء أو ما شاكل ذلك ولو ثبت للأمبراطورين الدهاء فما هو الدهاء الذي خرج به معاوية بين يدي عمر آنذاك إنما عرف معاوية بالغدر ولنسمه ذكاءاً على ذمة الفاروق - بعد احداث عثمان.

أما في عهد عمر فكان دهائه مخالفة الشرع والكفر به ومحاربة الله ورسوله وليس الحرير والأكل بأواني الذهب والفضة وأكل الربا وهلمّ جراً أكان عمر يريد بدهائه ما ذكرناه أجل فإن كسرى عرف بكثرة الأكل والتأنق فيه وهكذا كسرى أبي حفص سأل المهدي معبد بن خالد بن أنس بن مالك وكان منزله بشيراز عن بعض ما كان فيه ملوك فارس قال: كان لكسرى كل يوم عناق - الانثى من أولاد المعز إذا أتت عليها سنة - قيمتها أربعون ألفاً قال: كيف؟ قال كان يلتمس له عناق حمراء زرقاء غذيت بالبان النعاج الفتيّة.

____________________

(1) المسعودي، مروج الذهب، ج3 ص22.

١٠١

فتشترى بما بلغت ثم تذبح بسكين من ذهب ثم تسمط بماء الورد ثم تغسل بالخمر والمسك ثم يسجر التنور بالعود الهندي وتجعل في سفود من ذهب ويضرب في تنورها المسك والعنبر وكان يؤتى كل يوم بدرة قيمتها عشرة آلاف فتسحق وتجعل في لون يتحذ له يقال أنه نافع من السل...(1) وكان معاوية موغلاً في اللذائذ والمتع لا يرى الدنيا شيئاً بدونهما فقد قال يوماً:.. الدنيا بحذافيرها الخفص والدعة(2) .

ولعل هذه السياسة الكسروية القيصرية انعكست على سلوكه فرآها عمر بام عينيه بل ما في ذلك ريب أنّه رآه عليها أو بلغته أخبارها. والعجيب في معمّى عمر أنّه كان يحرم على نفسه القليل المباح من النعيم ويترك لمعاوية الحبل على الغارب.

عن محمد بن سعد يرفعه إلى العلاء بن أبي عائشة: أنّ عمر دعا الحلاق فحلقه بموسى - يعني جسده فاستشرف له الناس فقال إنّ هذا ليس من السنة ولكن النوره من النعيم فكرهتها(3) .

ليته انتور وتنعم لنفسه وحال بين معاوية وبين ما كان يرتكب من الدواهي ومخالفات الشرع الحنيف. وبلغ من تدليل عمر لمعاوية، إنّه كان إذا كتب له رسالة اجملها وأبهمها فقد كتب إليه(4) :

أمّا بعد فالزم الحق ينزلك الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضي إلاّ بالحق والسلام. فما هذا الإيجاز المخل ولو أنّه ملأ بطون الطروس نصماً لمعاوية لكان قليلاً فيما يرتكب من المحرّم.

 طعام عمر

هل يكفي أن يأخذ عمر نفسه بالشدة والتقشف في مطعمه ومشربه وملبسه ثم يترك الحبل لمعاوية دون سائر النواب والولاة على الغارب أليس مسؤلاً عنه؟ ولو

____________________

(1) الزمخشري، ربيع الأبرار، ج3 ص262.

(2) ابن حمدون، التذكرة الحمدونية، ج1 ص249.

(3) ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص130.

(4) نفسه، ص123.

١٠٢

أراد تأديبه لفعل ولو فعل لارتدع ألم يقل له: إن نهيتني إنتهيت(1) .

فما باله لم ينهه بل على العكس من ذلك راح يطري أفعاله ويمده بالدعم المادي ليصنع ما شاء إذا وجد الاسناد من عمر بالقول والفعل.

فقد اغراه عمر بالشهوات حين جعل رزقه من بيت المال عشرة آلاف دينار(2) ويستكثر على الربيع بن زياد عطاء الألف درهم(3) وأنت حين تعرف شدّته على العمال وأخذه معاوية بالهويني تدرك السرّ المحجب وراء ذلك استعمل عمر عبدالله بن مسعود على القضاء وبيت المال وعثمان بن حنيف على سقي الفرات وعمار بن ياسر على الصلاة والجند ورزقهم كل يوم شاة فجعل نصفها وسقطها وكارعها لعمار لأنّه كان على الصلاة والجند. وجعل لعبدالله بن مسعود ربعها وجعل لعثمان بن حنيف ربعها ثم قال: إنّ مالاً يؤخذ منه كل يوم شاة إنّ ذلك فيه سريع(4) أو ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلاّ سريعاً في خرابها(5) .

فأين هذا من ذاك ليت شعري. بل إنّ عمر نفسه كان يتقشف في مأكله إلى حد الحرمان والجوع يقول حذيفة: اقبلت فإذا الناس بين أيديهم القصاع فدعاني عمر فاتيته فدعى بخبز غليظ وزيت قال فقلت له: منعتني أن أكل من الخبز واللحم ودعوتني على هذا قال: إنما دعوتك على طعامي فإمّا هذا فطعام المسلمين.

عن أبي أمامة قال: بينا نحن مع عمر بن الخطاب وهو يجول في سكك المدينة ومعنا الاشعث بن قيس فادرك عمر الأعياء فقعد وقعد إلى جنبه الأشعث بن قيس وقد أُني عمر بمرجل فيه لحم فجعل يأخذ منه العرق فينهشه فينضح على الاشعث بن قيس فقال الاشعث يا أميرالمؤمنين: لو امرت بشيء من سمن فصب على هذا اللحم ثم طبخ حتى يبلغ أبانه كان ألين له فرفع عمر يده فضرب بها صدر الأشعث ثم قال له: أدمان كلا إني لقيت صاحباي - كذا - وصحبتهما فأخاف أن

____________________

(1) سير أعلام النبلاء، ج3 ص133.

(2) ابن عبدالبر، الاستيعاب، ج3 ص475.

(3) أبو عبيد القاسم، الأموال، ص87.

(4) ابن الجوزي، عمر بن الخطاب، ص105.

(5) شرح ابن أبي الحديد، ج1 ص176.

١٠٣

أخالفهما فيخالف بي عنهما فلا أنزل معهما حيث نزلا.

عن ثابت قال: اشتهى عمر بن الخطاب الشراب فأتي بشربة من عسل فجعل يدير الإناء في كفه: اشربها وتذهب حلاوتها وتبقى مرارتها ثم دفعها إلى رجل من القوم فشربها.

عن الأحنف بن قيس قال: خرجنا مع أبي موسى الاشعري وفوداً إلى عمر بن الخطاب وكان لعمر ثلاث خبزات يأدمهنَّ يوماً بلبن وسمن ويوماً بلحم غريض ويوماً بزيت فجعل القوم يأكلون ويقدرون فقال عمر والله إني لأرى تقديركم وإني لأعلمكم بالعيش ولو شئت جعلت كراكر وأسنمه وصلاءاً وصنابق وصلائق ولكني استبقى حسناتي.

إنّ الله عزوجل ذكر قوماً فقال: اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ....

عن محمد بن قيس قال: دخل ناس على حفصة بنت عمر فقالوا: إنّ أميرالمؤمنين قد بدى علباء رقبته من الهزال فلو كلمته أن يأكل طعاماً هو الين من طعامه ويلبس ثياباً الين من ثيابه فقد رأينا إزاره مرقعاً برقع غير لون ثيابه ويتخذ فراشاً الين من فراشه فقد أوسع الله على المسلمين فيكون ذلك أقوى لهم على أمرهم فبعثوا إليه حفصة فذكرت ذلك له فقال: اخبريني بالين فراش فرشتيه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قط قالت عباءة كنت ثنيتها له باثنتين فلما غلظت عليه جعلناها بأربعة قال: فأخبريني باجود ثوب لبسه قالت: نمرة صنعناها له فرآها انسان فقال: اكسنيها يا رسول الله فأعطاها إياه قال اخبريني باطيب طعام اكله قالت: كان عندنا تمر فقال ائتوني بقناع تمر فأمرهم فنزعوا نواه ثم قال: انزعوا تفاريقه ففعلوا فاكله كله فقال عمر: تروني لا اشتهي الطعام، إني لآكل السمن وعندي اللحم وآكل الزيت وعندي السمن وآكل الملح وعندي الزيت وآكل بحتا وعندي ملح ولكنّ صاحبيَّ سلكا طريقاً فأخاف أن اخالفهما فيخالف بي كان سفيان يقول: كان عمر يشتهى الشيء لعله يكون بثمن درهم فيؤخره سنه ....(1) صاحب هذه الشدة مع نفسه والصبر على

____________________

(1) ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص133 وص134.

١٠٤

التقشف كيف يرضى لواحد من عماله أن يعوم بالنعيم عوماً ويفعل كل محرم ويرتكب كل مخطور ولم يوجه إليه كلمة لوم واحدة بل على العكس من ذلك يبالغ في الثناء عليه ولا يرضى بنقده أو توجيه اللوم إليه.

.. ذكر معاوية عند عمر بن الخطاب فقال: دعونا من ذم فتى قريش وابن سيّدها من يضحك في الغضب ولا يسأل عن الرضا ومن لا يأخذ ما فوق رأسه إلاّ تحت قدميه(1) .

ولو أنّ عمر قتل نفسه زهداً وتقشفاً وأمات هواه فقهاً وتعففاً لكان ذلك غير نافعه شيئاً ولا نجدية فتيلاً مادام معاوية يشرب الخمر ويلبس الحرير ويأكل الربا ويحرب أموال المسلمين ويعيث في الارض فساداً ويلتقم الموائد الدسمة والأطعمة الفاخرة بسبعة أمعاء وذلك كله في سلطان عمر. وتبلغه أنباء ذلك فلا يغيّر ولا يبدل ولو أراد ردعه عن غيّه لارتدع فهو والحال هذه شريكة في كل ما جنى وسهيمه في جميع ما اجترح.

كيف لا ولو لا عمر لكان معاوية أهون من ذبابة في مستحم قذر أليس هو القائل: عن ابن المسيب عن عمر قال: أيّما عامل لي ظلم أحداً فبلغتني مظلمته فلم أغيّرها فإنّا ظلمته(2) .

إن كان عمر جاداً فيما يقول: فهو شريك معاوية في ظلمه ومنكراته.

 شرب معاوية الخمر في عهد عمر

قال عبدالله بن بريدة: دخلت أنا وأبي على معاوية فاجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فاكلنا ثم آتينا بالشراب. فشرب معاوية ثمّ ناول أبي ثم قال - القائل هو والد الراوي ولكنّ ابن كثير يحاول تغيير العبارة ليشعر أن القائل معاوية -: ما شربته منذ وحرمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش وأجوده ثغراً

____________________

(1) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، ج25 ص18، وسيأتيك في مستقبل البحث إن شاء الله، إنّ هذه الأوصاف ذكرها عمر لمن يليق للحلافة.

(2) ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص110.

١٠٥

وما شيءٌ كنت أجد له لذة كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن أو إنسان حسن الحديث(1) .

ولقائل أن يقول لعله فعل ذلك في عهد خلافته بعد ما استتب الأمر إليه وبايعه الناس ولكنّ الرواية التالية تنفي ذلك وتقطعه.

عن محمد بن كعب القرضي قال غزا عبدالرحمن بن سهل الانصاري في زمن عثمان ومعاوية أمير على الشام فمرّت به روايا خمر لمعاوية فقام إليها، عبدالرحمن برمحه فبقر كل راوية فناوشته غلمانه حتى بلغ شأنه معاوية فقال: دعوه فإنّه نقيح قد ذهب عقله فقال: كذب والله ما ذهب عقلي لكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهانا أن ندخل بطوننا واسقيتنا وأحلف بالله لئن بقيت أأذى في معاوية ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه(2) .

وفي العبارة الأخيرة من الرواية تغييرا بهم معناها واحسب الرجل يشير إلى الحديث الثابت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه(3) . وفي رواية اخرى فارجموه.

ورواية عبدالرحمن بن سهل تدلّ على أن ذلك حدث في زمن عثمان إلاّ أن الروايات تضافرت أنّ معاوية لم يفتتح شرب الخمر في حكم ابن عمه بل كان يعاقرها وعمر على قيد الحياة.

وهذا الذي حمل عبادة بن الصامت على المجاهرة بنقده وكان يعترض البغال التي تحمل الخمر إليه فيمزق الأسقية على ظهورها حتى أرسل معاوية إليه أبا هريرة يعاتبه فكان جواب عبادة له وابن كثير تصرف كما هي عادته بالنص وحذف صدر الرواية التي فيها ذكر الخمر المحمولة إلى معاوية وكلام أبي هريرة لعبادة ينهاه عن ذلك واقتصر على قول عبادة لأبي هريرة: أنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(1) ابن كثير، جامع المسانيد والسنن، ج2 ص187، وأخرجه ابن حنبل في مسنده، ج5 ص347.

(2) ابن كثير، جامع المسانيد، والسنن، ج8 ص337.

(3) أخرجه بن كثير في البداية والنهاية والذهبي في ميزان الاعتدال وابن حجر في لسان الميزان وابن عدي في الكامل.

١٠٦

أنا بايعناه على السمع والطاعة في المنشط والكسل وعلى النفقة في اليسر والعسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله ولا نخاف لومة لائم وعلى أن ننصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...(1) .

وكان عبادة لا يكتم ما سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقد أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن واقع هذه الخمر التي يشربها معاوية عن شرحبيل بن السمط الكندي قال: دعاني عبادة بن الصامت حين حضر فقال إنّه لو ما حضرني لم أحدثكم حديثاً أريد أن أحدثكم، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يكون في آخر امتي شراب هو الخمر يستحلونه باسم يسمّونه غير الخمر(2) .

وشرحبيل بن السمط هذا أحد أركان معاوية في حرب صفين وهو الذي أشار به أخوه عتبة أن يوقفه مقابل جرير رسول الإمام أميرالمؤمنين إليه خطيباً ليحشد الناس له وقال عنه ابن عساكر له صحبة: وكتب معاوية إليه يسأله القدوم عليه وهيأ له رجالاً يخبرونه أن علياً قتل عثمان منهم يزيد بن اسد البجلي وبسز بن أرطاه وأبو الأعور السلمي(3) .

ولعل عبادة اختص شرحبيل بالحديث ليبلغه معاوية أو كان يشاطره في معاقرة الخمرة فأراد أن يعظه بأدب.

وعلى أية حال فمعاوية لم يترك شرب الخمر جاهلية ولا إسلاماً في زمن عمر وغيره وهكذا كان معاوية في زمن عمر الوالي المدلل الذي أغفى عمر عن كل ما يرتكب من المخالفات بما في ذلك شرب الخمر وبيع الربا وعمر صامت لا يحرك له ساكناً بل كان يتغاضى عن ذنوبه جميعاً ويدعمه بيده ولسانه.

وهنا تلجئنا هذه الحال أن نلقي سؤالاً بسيطاً على أخوتنا العميان فنقول لهم ما سرّ هذا الدعم؟ ولسنا ننتظر حتى يجيبوا وإنما علينا أن نحقق حتى نستخرج السر من أعماق الأحداث التاريخية ونقول أيضاً: هل ينفع عمر زهده وتقشقه مع ما يحمله على الأمة من جرائم معاوية وتجبره أليس وال مثل معاوية وما يجري على

____________________

(1) ابن كثير، جامع المسانيد والسنن، ج7 ص86.

(2) جامع المسانيد والسنن، ج7 ص121.

(3) ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، ج25 ص33.

١٠٧

يديه من المنكرات والجرائم قادحاً في عمر جملة وتفصيلاً، أجل والله لأن معاوية بحول عمر وطوله فعل ما فعل.

افتح عينك عزيزي السامع والقارئ سترى معاوية في الشام هو عمر في المدينة بقضّة وقضيضه.

ولقد قاتل عمر على الدنيا ونازع على السلطان في سقيفة بني ساعدة ونال شطر الحلب الذي حلبه فلما حصل عليه سقى معاوية منه افاويق علاً بعد نهل واحتاز لنفسه الماء الأسن إن هذا لهو الخسران المبين.

طعام معاوية ...

إنّ معاوية ابن أبي سفيان دعا بالطعام يوماً وقد أصلح له عجل مشوي فأكل معه دستاً من الخبز السميد وأربع فراني وجدياً حاراً وجدياً بارداً ووضع بين يديه مأة رطل من الباقلّى الرطب فأتى عليه(1) .

وكان يأكل أربع أكلات آخرهن اعضلهن واشدّهن يتعشى فيأكل ثريدة عظيمة عليها بصل كثير وكان فاحش الأكل يلطخ منديلين أوثلاثة قبل أن يفرغ وكان يأكل حتى يتسطح أي لا يقوى على القيام والنهوض ثم يقول: يا غلام ارفع فوالله ما شبعت ولكن سئمت ...(2).

وقال الزمخشري: كان سليمان بن عبدالملك ثعباني الالتهام لقماني الالتقام على أن جميع المروانية كانوا امتالاً في الأكل امامهم في الأكل في سبعة امعاء معاوية(3) .

يشير إلى الحديث النبوي المشهور: الكافر يأكل في سبعة امعاء.

____________________

(1) الآبي، نثر الدرر، ج2 ص245، وذكره الفخري في الآداب السلطانية، ص150، والفراني جمع فرني وهو خبز يسوّى في الفرن ويروّى سمناً وسكّراً.

(2) نثر الدرر، ج2 ص246.

(3) الزمخشري، ربيع الابرار، ج3 ص253.

١٠٨

دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه

دعى عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: لا أشبع الله بطنه فاستجيب له ووقع هذا البثق العجيب في كرشه وصار يضرب به المثل في النهمة حتى قال القائل:

لي صاحب وبطنه كالهاويه

كأن في احشائه معاويه

روى مسلم في الصحيح عن ابن عباس قال: كنت العب مع الصبيان فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتواريت خلف باب قال: فجاء فحطأني حطأة(1) وقال: اذهب وادع لي معاوية قال: فجئت فقلت: هو يأكل قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية قال فجئت فقلت: هو يأكل، فقال لا أشبع الله بطنه، قال ابن المثنّى قلت لأميه ما حطأني قال: قفدني قفدة(2) .

وكأنما آلم مسلم صاحب الصحيح هذا القول في سيده الأموي لذا قال ابن الأثير بعد اخراج الحديث: وأخرج مسلم هذا الحديث بعينه لمعاوية واتبعه بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمّتي بدعوه أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقرّبه بها يوم القيامة.....(3)

يعتبر هذا من مسلم واضرابه صيغة منتهى الولاء لمعاوية بن أبي سفيان..

ولما جعل الله معاوية في الطرف المناقض لما عليه الأبرار من الخير فلابدّ من الأسائة إلى الأبرار عند تزكيته!! ولا يهم القوم ذلك لأن تزكية معاوية وتعديله لابدّ منه لاستقامة القاعدة الصحابية التي قعّدت له ولأمثاله، وإن أدّى ذلك إلى الأسائة إلى شخص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل وإن جرّهم ذلك إلى الكفر.

بعد الذي مر عليك من قول ابن الأثير عن مسلم هلم إلى قول النووي العجيب: قال النووي:

____________________

(1) أي حفدني، ومعناها حمله على الأسراع.

(2) صحيح مسلم بشرح النووي، ج16 ص156، اسد الغابة، ج4 ص386، البيهقي، دلائل النبوة، ج6 ص243، البداية والنهاية، ج6 ص12.

(3) صحيح مسلم بشرح النووي، ج16 ص156.

١٠٩

... وأما دعائه على معاوية ففيه الجوابان السابقان.

أحدهما أنّه جرى على اللسان بلا قصد، والثاني أنّه عقوبة له لتأخره.

قال: وقد فهم مسلم من هذا الحديث أنّ معاوية لم يكن مستحقاً لهذا الدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب.

وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءاً له(1) وصاحب هذا القول هو النووي نفسه. ذكر ذلك بن حجر الهيثمي قال: إنّ هذا الحديث من مناقب معاوية الجليلة وبه صرح الإمام النووي(2) لم يشتف بجعله منقبة حتى نعتها بكونها جليله.

ويقول ابن حزم عمن دعى عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فياويح من اصابه دعاء المصطفى(3) .

ولكنّ شيعة أبن هند أبى لهم ولائهم له أن يفرّطوا فيه ولو على حساب ظلم الحق والاستهانة بأهله. وتعقب أبن حجر الهيثمي الحديث وراح يجري به في ميدان التأويل والتوجيه جرى الصبي بالكره. ولما رأى تباطأ ابن هند عن أمر النبي واعتذاره بالأكل يهدم مقامه المصطنع راح يلتمس له الوجوه بعد اعترافه بأن أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتضي الفورية. قال:

يحتمل أنّه ظن أن في الأمر سعة وأنّ هذا الأمر ليس فورياً. على أنّ الأصح عند الاُصوليين والفقهاء أنّ الأمر لا يقتضي الفورية إلاّ أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان دعاه الله إليه، فإنّه تجب أجابته فوراً وإن كان في صلاة الفرض. وكانّ معاوية لم يستحضر هذا الاستثناء أو لا يقول به(4) .

إن كان شر المصائب ما يضحك فإن هذه المصيبة لو مات الإنسان هماً منها ما عدّ ملوماً كيف لا وهؤلاء علماء الإسلام. لا يبالون من أين كفروا في سبيل الدفاع عن معاوية صنيعة سيدهم الفاروق عداء لعليعليه‌السلام وأهل البيت.

____________________

(1) النووي على مسلم، ج16 ص156.

(2) تطهير الجنان، ص25.

(3) شرح الزرقاني على موطأ مالك، ج2 ص180.

(4) تطهير الجنان، ص29.

١١٠

وقد كفر ابن حجر ما في ذلك ريب حين جعل قول معاوية ثالث قول الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إنّ الله تعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم » الآية ويقول ابن حجر: معاوية لا يقول به. اجل لأنه لا يؤمن به فبعداً للقوم الكافرين.

ويقول العلماء في وجوب طاعته على الأمة:.. فإذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته لأنّ ذلك مما أتى به قال الله تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (1) ؛

وقال:( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (2) ؛

وقال تعالى:( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (3) ؛

وقال:( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) (4) ؛

وقال:( مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) (5) .

فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته وقرن طاعته بطاعته ووعد على ذلك بجزيل الثواب واوعد على مخالفته بسوء العقاب واوجب امتثال امره واجتناب نهيه(6) وفي حديث أبي هريرة: عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

كل امتي يدخلون الجنة إلاّ من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل اجنة ومن عصاني فقد أبى(7) .

فأين يقع إمام المرجئة وصنيعة الفاروق من هذه الحقائق الناصعة.

ثم نقول لأمة معاوية: إنّ الله تعالى يقول:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) .

فكيف يمكن أن يتبادر إلى ذهن مسلم ذاق حلاوة الإسلام أنّ النبي دعا على

____________________

(1) النساء: 59.

(2) التغابن: 12.

(3) آل عمران: 132.

(4) النور: 54.

(5) النساء: 80.

(6) القاضي عياض، الشفا، ج2 ص6.

(7) نفسه، ص7.

١١١

معاوية من غير قصد إذا كان قرء هذه الآية وعرف معناها أليس هذا القول شعبة من قول عمر النبي يهجر.

ومن اتهم النبي بالكلام العابث الذي يرسله من غير تدبر ولا أمعان فقد باء بالكفر الصراح وكان وليه معاوية يوم يفد على الله تعالى في حشره.

وأمّا تأخر معاوية وما احتمله النووي من أنّ الحديث عقوبة له لتأخره فقد اعترف بذلك مرغماً بعد أن جعله أحد إحتمالين ونضيف عليه فنقول:

هذا الحديث يثبت كفر معاوية وضلاله وأنّه ما عرف للإيمان طعماً ولا خامر الإسلام عقله لأنّ الله تعالى يقول:

(يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للّهِ‏ِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )(1) .

فلو كان معاوية من الذين آمنوا لأجاب نداء الداعي ولم تشغله البطنة والكظه عن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأما الحديث الذي أخرجه مسلم عمن لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حال الغضب أو آذاهم أو سبّهم أن يجعل ذلك كفارة وقربة الخ.

وهو الذي أخرجه الشيخان عن صنيعة الامويين أبي هريرة فقد تكلم عليه سيدنا الإمام شرف الدينرحمه‌الله في كتابه أبي هريرة وبالغ في تزييفه حتى تركه هباءاً منثوراً فليراجع هناك. فإنّه من أجل ما فاضت به يراعة سيدنا العظيم رحمه الله تعالى(2) .

ولا يمكن أن يزاد عليه أجل إن هذا المذهب الذي صار إليه القوم صيانةً لأبن هند وقومه الطلقاء يعفي على جميع المقاييس الصحيحة فلا يُهتدى حينئذ إلى التفريق بين مسلم ومنافق ولا برا وفاجر.

وإذا صح هذا المذهب فيمن يلعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو صحيح أيضاً فيمن يمدحهم ويشيد بهم لأنّه بشر يقول كما يقول البشر في الغضب والرضا، هكذا زعم الراوي.

وشأن البشر على هذه الشاكلة سواء في المدح والذم فكما يذمون ويلعنون

____________________

(1) الانفال: 24.

(2) الأمام سيد شرف الدين، ابو هريرة، ص91.

١١٢

بداعي الهوى وسلطان الغضب فكذلك يمدحون بهذه الأسباب الحاكمة على البشر وهم منهم.

وحينئذ تتهاوى المقاييس ويختلط الحابل بالنابل ولا تبقى للأحاديث التي رواها رواتهم في حق أيمتهم أيّة مزية فهل هم مستعدون لهذه الخسارة الجسيمة؟! وعليه فما الذي يبقى من فلان وفلان.

استجاب الله تعالى لبنيه في معاوية فاعطاه كرشاً كجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد. ولم يذكر التاريخ لمعاوية مشابهاً أو نظيراً. اللهم إلاّ ما كان يحكى عن أخيه يزيد بأنّه كان يأكل أنواع الطعام فقد بلغ عمران يزيد بن أبي سفيان يأكل أنواع الطعام فقال لمولى له يقال له يرفأ إذا حضر طعامه فاعلمني فلما حضر غذائه جاء فاعلمه فسلّم واستأذن فأذّن له فدخل فجاء بلحم فأكل عمر معه ثمّ قرّب شواءاً فبسط كفه وكفّ عمر يده ثم قال: الله يا يزيد بن ابي سفيان أطعام بعد طعام والذي نفس عمر بيده لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم(1) . ولا بدع أن يوحّد بينهما شبه الأكل فقد وحّد بينهما قبل ذلك الكفر.

اكل الكافر ...

جاء في الحديث الشريف الكافر يأكل في سبعة امعاء.

أخرجه البخاري في طرق عدة ومنها هذان الطريقان عن نافع قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه فادخلت رجلاً يأكل معه فأكل كثيراً فقال يا نافع لا تدخل هذا علي سمعت النبي يقول: المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة امعاء.

عن أبي حازم عن أبي هريرة أنّ رجلاً كان يأكل أكلاً كثيراً فأسلم فكان يأكل اكلاً قليلاً. فذكر ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنّ المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة امعاء(2) .

____________________

(1) ابن الجوزي، عمر بن الخطاب، ص164.

(2) الجامع الصحيح للبخاري، ج7 ص92 وص93.

١١٣

والحديث كما أخرجه البخاري أخرجه مسلم في كتاب الاشربة والترمذي وابن ماجه واحمد في مسنده في طرق وسياقات عديدة. وأخرجه الدارمي في سننه بطريقين عن جابر وأبي هريرة وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه. وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار ونقل عن أبي جعفر أنّه قال: فكانت هذه الآثار قد رويت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤتلفة غير مختلفة.

فتأملنا فوجدنا المؤمن يسمي على طعامه فيكون فيه البركة ووجدنا الكافر لا يسمي على طعامه فلا يكون فيه بركة ...(1)

وأخرجه البخاري أيضاً في الكبير وأخرجه ابن حجر في فتح الباري والمتقى الهندي في كنز العمال والقرطبي في تفسيره وابو نعيم في حليته وفي تاريخ اصبهان وكذلك أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية.

والحديث صحيح لا غبار عليه وقد عنى بأخراجه هؤلاء الأعلام وهو يتناول معاوية وأخاه يزيد ومن شاكله من بني امية وقد مرّ عليك قول الزمخشري: إمامهم في الأكل في سبعة امعاء معاوية(2) .

أشارة إلى كفره الذي دلّ عليه الحديث الشريف السالف. والآن هل يجد أوليائه مخرجاً من هذا الحديث؟! أجل لقد حاول الطحاوي أن يحرف معناه بجعله في إنسان بعينه(3) ولكن لم يتيسر له ذلك والحمد لله رب العالمين.

 صفة طعامه ..

قال الاحنف: دخلت على معاوية فقدّم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه ثمّ قدّم لوناً ما أدري ما هو، فقلت ما هذا؟ قال: مصارين البط محشوّة بالمخ قد قلي بدهن الفستق وذرّ عليه الطبرزد فبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: ذكرت علياً بينا أنا عنده فحضر وقت افطاره فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم قلت: ما في الجراب؟ قال: سويق شعير قلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟

____________________

(1) الطحاوي، مشكل الآثار، ج2 ص280.

(2) ربيع الابرار، ج3 ص253.

(3) راجع مشكل الآثار، ج2 ص280.

١١٤

قال: لا ولا أحدهما ولكني خفت أن يلتّه الحسن والحسين بسمن أو زيت. قلت: محرم هو يا أميرالمؤمنين قال: لا ولكن يجب على أيمة الحق أن يعتدّوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغى الفقير فقره قال: معاوية ذكرت من لا ينكر فضله..(1)

قال ابن حمدون: وقد روي أنّ معاوية كان شحيحاً على الطعام ونسب إليه في ذلك ما ليس بمشهور فمن ذلك أنّه قال لرجل واكله: ارفق بيدك فقال له: وأنت فاغضض من طرفك وبصرك(2) .

وقال صعصعة: اكلت عند معاوية لقمة فقام بها خطيباً قيل وكيف ذاك؟ قال: كنت آكل معه فهيّأ لقمة ليأكلها واغفلها فأخذتها فسمعته بعد ذلك.

يقول في خطبته: أيّها الناس اجملوا في الطلب فرب رافع لقمة إلى فيه تناولها غيره(3) .

ومن عجيب أمره أنّه كان يوصي عماله. بقلّة الأكل قال لعامل له: كل قليلاً تعمل طويلاً. والزم العفاف يلزمك العمل. وإياك والرشا يشتد ظهرك عند الخصام(4) . وكان يغار على الطعام كما يغار الرجل الغيور على عرضه.

دخل عبيدالله بن ابي بكره على معاوية ومعه ولد له فاكثر من الأكل فلحظه معاوية وفطن عبيدالله وأراد أن يغمز ابنه فلم يرفع رأسه حتى فرغ من الأكل ثمّ عاد عبيدالله وليس معه ابنه فقال معاوية: ما فعل ابنك التلقامه؟ قال: اشتكى قال: قد علمت أنّ أكله سيورثه داءاً .....(5) وهذه الحكاية رواها المدائني بصورة أخرى تختلف عن سابقتها قال المدائني:

دخل اعرابي إلى معاوية ومعه ابنه فدعاهما إلى الغداء. فكان ابن الأعرابي لا يمرّ بشيء الاحطمه فأمر معاوية أن يحجب الأعرابي وابنه. فلم يزل الأعرابي يحتال حتى دخل فقال له معاوية: ما فعل التلقامة؟! قال: كظّ به يا أميرالمؤمنين ساعة

____________________

(1) التذكرة الحمدونية، ج1 ص69 وص70.

(2) التذكرة الحمدونية، ج2 ص378.

(3) التذكرة الحمدونيه، ج2 ص331، وابو حيان التوحيدي، البصائر والذخائر، ج2 ص98.

(4) التذكرة الحمدونية، ج1 ص353.

(5) ابن الاثير، الكامل، ج3 ص262.

١١٥

خروجه من عندك قال قد رأيت ذاك مما يصنع وعلمت أنّه لا ينجو وسهل إذن الاعرابي(1) .

وكان يعمل لمعاوية لونٌ من المخ لا يشاركه فيه أحد!! فأني به فضرب عبدالله ابن جعفر بيده فيه. وقال: إنّما أردت به أُنسَك يا أميرالمؤمنين قال: ما آنستني! ثمّ استحيا فأرسل إليه عشرة آلاف، فقال عبدالله: كم في هذه من لون مخ؟!(2)

تغدّى اعرابي عند معاوية فنظر معاوية إلى شعرة في لقمته فقال: يا اعرابي خذ الشعرة من لقمتك، قال: وإنك لتراعيني حتى تبصر في لقمتي، والله لا أكلت معك أبداً(3) .

أطلق معاوية لبطنه العنان فكان يخضم مال الله خضم الابل نبتة الربيع واصبح الحكم عنده لقمة دسمة يزدردها أو جرعة خمر يشربها أو ساعة أنس يقضيها مع أصحابه ونظرائه من أهل الشام وعمر في المدينة يتحدّث عن المثل العليا ويأخذ نفسه بالشديد من العيش وقد اعفى معاوية من كل التزام أمام الله وأمام الناس.

وكان معاوية يروح في موكب ويغدو في موكب وأصحاب الحوائج ببابه كما قال له عمر.

ولما عاتبه بذلك العتاب اللين الرقيق وهو يراه بام عينيه في تلك الكوكبة الحسنة. اعتذر عند عمر بجواسيس العدو فما زاد عمر على أن قال له: والله إن كنت كاذباً إنّه لرأيُ اريب ولئن كنت صادقاً أنّه لتدبير اديب ما سألتك عن شيء قط إلاّ تركتني فيه اضبق من رواجب الضرس لا آمرك ولا أنهاك(4) .

ومن المؤكد أن عمر كان عالماً بمخادعة معاوية اياه ولكنّه يدجنّه لأمر هام سوف يظهر لنا جليا من خلال البحث إن شاء الله.

ولو صح ما إدّعاه معاوية أو صح ما أظهره عمر من تصديقه لما قدم إلى الشام

____________________

(1) التذكرة الحمدونية، ج4 ص210.

(2) الأبي، نثر الدرر، ج3 ص278.

(3) الأبي، نثر الدرر، ج3 ص278.

(4) نثر الدرر، ج3 ص13. وقوله: مثل رواجب الضرس أي تركتني في أمر يصعب على الخروج منه. الرواجب، اصول الأصابع، والضرس، الرجل الداهية.

١١٦

بموكب بسيط جداً حتّى عدّ ذلك من مناقب الرجل.

عن أبي العالية الشامي: قال: قدم عمر الحابية على جمل أورق تلوح صلعته للشمس ليس عليه قلنسوة ولا عمامه، تصطفق رجلاه بين شعبتي رحله بلا ركاب، وطاؤه كساء ابنجاني ذو صوف هو وطاؤه إذا ركب وفراشه إذا نزل، حقيبته نمره أو شملة محشوّة ليفاً هي حقيبته إذا ركب ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس وقد دسم وتخرّق جيبه فقال: ادعوا لي رأس القربة فدعوا له «الجلومس» فقال:

اغسلوا قميصي وخيّطوه واعيروني قميصاً او ثوباً فأتي بقميص كتان. فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان قال: وما الكتان فاخبروه فنزع قميصه فغسل ورقع واني به فنزع قميصهم ولبس قميصه فقال له الجلومس:

أنت ملك العرب وهذه بلاد لا تصلح بها الابل فأتي ببرذون فطرح عليه قميص بلا سرج ولا رحل فركبه، فقال: احبسوا احبسوا ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان قبل هذا فأتي بجمله فركبه(1) .

وبالطبع لم تسلم هذه الحكاية من تلوين خيال الرواة. إذ ليس من المعقول أن يجهل عمر الكتان أو البردون وهو إن لم يكن رآهما قبل الملك فقد رآهما بعد أن صار ملكاً على أرض واسعة. ورآهما في الغنائم التي صبّت عليه من الأرض المفتوحة.

وعلى أية حال فصاحب هذا الموكب البسيط كيف سمح لمعاوية بموكبه الانيق الباذح وهو ملك العرب كما قال له الجلومس ومعاوية واحد من عماله؟!!

والواقع أن عمر لم يخدع بمعاوية وأنّى لمعاوية بخديعة مثل أبي حفص ولكن هناك ظروف مستقبليه لابد من اعداد معاوية لها وإلاّ فلعمران يجيب معاوية بحياة من كان قبله من ولاة الشام كأبي عبيدة مثلاً فكيف استقامت لهم حياة البساطة وشظف العيش ولم تحلّ الكارثة بالاسلام وأهله بينما خاف معاوية من ترك حياة البذخ وخفض العيش أن يدخل ضرر على الإسلام من العدو المجاور المتربص؟!! إنّ هذا لشيء غريب.

____________________

(1) ابن الجوزي، تاريخ عمر بن الخطاب، ص137.

١١٧

وانظر حياة أبي عبيدة بالشام يرويها لنا عروة ابن الزبير قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فتلقّاه أمراء الاجناد وعظماء أهل الأرض فقال عمر: أين أخي؟ قالوا: من؟ قال: أبو عبيدة قالوا: يأتيك الآن. فجاء على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه وسأله ثم قال للناس: انصرفوا عنا فسار معه حتى منزله فنزل عليه فلم ير في بيته إلاّ سيفه وترسه ورمحه فقال عمر: لو اتخذت متاعاً أو قال: شيئاً فقال أبو عبيدة: يا أميرالمؤمنين إنّ هذا سيبلغنا المقيل(1) .

كان معاوية يوحي لعمر أنّه يبتغي ببذخه وخفض عيشه عزة الإسلام لأنه مجاور قوماً أهل بذخ وبلهنية فإذا شاهدوا خشونة العيش باديةً لهم ابتعدوا عن قبول هذا الدين ونأوا بأنفسهم عنه أما حياة الخفض والسعة فتحدث عندهم نوع انعطاف نحو الإسلام وهذه الخدعة ربما تنطلي على جاهل مخرّف من عبّاد القواعد الباطلة أمس واليوم أمّا عمر فإنّ ذلك لا يخدعه حتماً ولكنه ينخدع له لأمور خاصة ما استعمل عمر معاوية إلاّ لأجلها وسوف تظهر خلال البحث إن شاء الله.

وكيف تخدع عمر هذه المظاهر البرّاقة التي قابله معاوية بها وهو القائل لأبي عبيدة كما روى طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع موقية فامسكها بيده فخاض الماء ومعه بعيره فقال له أبو عبيدة: قد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض صنعت كذا وكذا قال: فصكّ في صدره وقال: أوه لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنّكم كنتم أذل الناس واحقر الناس وأقلّ الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله ...(2)

لقذ نطق عمر بالحق ليست عزة الاسلام فرعونيّة كالتي يريدها معاويه ولكنها عزة الحق والإيمان وهي من عزّة الله ورسوله فإنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين فكيف انخدع لمعاوية.

الحق - والحق يقال - إنّه تظاهر بذلك وما أكثر غرائب أبي حفص مع ابن هند.

____________________

(1) تاريخ عمر بن الخطاب، ص138.

(2) تاريخ عمر بن الخطاب، ص138.

١١٨

جيش معاوية ...

انفرد معاوية من بين عمال عمر ببناء جيش جرار بمسمع من عمرو مشهد بخاصة حين زار عمر الشام فقد استقبله به وشاهد عن كتب ما يحتوي عليه هذا الجيش من العدة والعدد فلمن اعده معاوية؟! وهو لم يفتح به حتى قرية من قرى النمل والملفت للتظرانّ عمر ما سمّاه كسرى العرب الابعد مشاهدته تلك الأبهة التي لاقاه بها وذلك الجيش الضارب والعسكر المجري. ذكر طرفاً من هذا الجيش الطبري في الرواية التالية عن أبي محمد الأموي قال:

.. خرج عمر بن الخطاب إلى الشام فرأى معاوية في موكب يتلقّاه وراح إليه في موكب فقال عمر: يا معاوية تروح في موكب وتغدو في مثله وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك! قال: يا أميرالمؤمنين إنّ العدو بها قريب منا ولهم عيون وجواسيس فأردت يا أميرالمؤمنين أن يروا للإسلام عزّاً فقال له عمر: إنّ هذا لكيد رجل لبيب أو خدعة رجل أريب فقال معاوية: يا أميرالمؤمنين مرني بما شئت أصر إليه، قال ويحك ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلاّ تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك(1) .

وأخرجه الذهبي بسياق آخر وقال تلقاه في موكب عظيم وهيئة فنعت الموكب وعطف عليه هيئة ويستشف من هذا أنّه استقبل عمر بعرض عسكري كالذي يستقبل به الزعماء اليوم(2) .

والذي يدلك على قوة هذا الجيش وكثرته هو وصف معاوية له حين أنبّه عمر في زيارته الشام فقال: يا أميرالمؤمنين أنا بأرض يكثر فيها حواسيس العدو فاحتاج أن أظهر لهم من ابهّة الملك والسلطان ما يزعهم(3) .

تبيّن من هذا القول أنّ الجيش معد لمقابلة الروم وطوارئهم كما يزعم معاوية واعتبر بقوة جيش مبنيّ لترهيب الروم وردعهم.

____________________

(1) تاريخ الطبري: ج5 ص331.

(2) الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3 ص133.

(3) صبح الأعشى، ج3 ص287.

١١٩

لقد أقبل هذا الجيش المؤلف من أعداد غفيرة وعدة حسنه من دمشق بين يدي عمر وله دوي هائل سمّاه ابن عساكر له رز(1) وهو الصوت الذي تسمعه من بعيد ولا تدري ما هو.

وكان على عمر أن يسئل معاوية لمن أعدّ هذا الجيش العظيم ولكنّه تغاضى عنه لعلمه أنّه قوّة له أيضاً كما هو قوّة لقريش في قبال أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبلغ عدد المنتسبين إلى هذا الجيش في رواية ابن قتيبة مأة ألف(2) ولم يكن العدد وحده مطلوباً بل هناك عنصر آخر لابدّ من توفره بل لاغنىً عنه لأي جيش نظامي مهما بلغ من وفرة العدد وحس العدة تلكم هي روح الطاعة للقائد والإلتفاف حوله.

يقول ابن قتيبة أيضاً: لا يعرفون علياً ولا قرابته(3) .

ويقول الدكتور ماهر حماده: إنّ معاوية بن أبي سفيان مؤسس الأسرة الحاكمة في سوريا عمل دائباً منذو كان والياً على سوريه زمن عمر بن الخطاب وعثمان على إيجاد جيش مخلص له شخصياً يستطيع الإعتماد عليه(4) .

لقد كان هذا الجيش بعين عمر بن الخطاب فما كان ليؤسسه معاوية بهذه القوة والإقتدار دونما علم من الخليفة. ولقد كان عمر يعرف الغاية من تأسيسه، بل ليس من نافلة القول أن نقول: إنّ الفكرة كانت من وضع عمر وكان المنفذ معاوية وكان عمر يعده جيشه ويعد قوته له. من ثمّ راح يهدد به وبمؤسسه.

تهديد الناس بمعاوية وجيشه

اتخذ عمر من معاوية وجيشه (البعبع) الذي يهدد به الناس فقد قال ذات يوم: اياكم والفرقة فإن فعلتم فاعلموا أنّ معاوية بالشام وستعلمون إذا وكّلتم إلى رأيكم

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق، ج25 ص18.

(2) ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج1 ص32.

(3) ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ص32.

(4) الدكتور حماده، دراسة وثقية، ص23.

١٢٠