الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية 0%

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 377

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد شعاع فاخر
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 102739
تحميل: 10470

توضيحات:

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 102739 / تحميل: 10470
الحجم الحجم الحجم
الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من عبدالله يزيد بن معاوية أميرالمؤمنين إلى عبيدالله بن زياد، سلام عليك، أمّا بعد، فإنّ الممدوح مسبوب يوماً وإنّ المسبوب ممدوح يوماً، ولك ما لك وعليك ما عليك، وقد انتميت ونميت إلى كلّ منصب كما قال الأوّل:

رفعت فما زلت السحاب تفوقه

فمالك إلاّ مقعد الشمس مقعد

وقد ابتلي بالحسين زمانك من بين الأزمان، وابتلي به بلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمّال، وفي هذه تعتق أو تكون عبداً كما تعبّد العبيد ...(1)

هذا كلّه صدر من يزيد فهل باستطاعة أوليائه وشيعته أن يرشدونا إلى كلمة واحدة منه تدلّ على استنكاره قتل الحسين أو لومه لقاتله أو حتّى معاتبته على ذلك.. أتحداهم بإصرار أن يجدوا شيئاً من هذا ولو في مصدر من مصادرهم الرخيصة، وهذا الغزالي يبرء يزيد من دم الحسين وابن العربي يزعم أنّ يزيد وباقي القتلة إنّما قتلوه بتأويل، فهو يعترف بفعلهم ولكن يعتبرهم فقهاء مجتهدين متأوّلين، إنّ يزيد وابن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس وغيرهم من الأوباش هؤلاء جميعاً فقهاء قتلوا الحسين بتأويل يقول هذا الخبيث الناصبي ليشارك الطغاة والقساة والهمج الرعاع بسفك الدم الزكي: وما خرج إليه أحد إلاّ بتأويل ولا قاتلوه إلاّ بما سمعوا من جدّه المهيمن على الرسل المخبر بفساد الحال المحذّر من الدخول في الفتن ...(2)

ونحن لا نملك إماما هذه البلايا إلاّ أن نتبرّء من القادة والأتباع ونتقرّب إلى الله بلعنهم. قال بعضهم: ما قطعني إلاّ غلام قال لي: ما تقول في معاوية؟ قلت: إنّي أقف فيه. قال: فما تقول في يزيد؟ قلت: ألعنه لعنه الله. قال: فما تقول فيمن يحبّه؟ قلت: ألعنه. قال: أفترى معاوية لا يحبّ يزيد ابنه(3) .

ونختم هذا الفصل ببيان شاف مفصح عن مادّة يزيد مبيّن لشخصه كلّم به سيّد

____________________

(1) نفسه، ج1 ص198، مصعب الزبيري، نسب قريش، ص127 و128، وأضاف الزبيري أنّ ابن زياد بعث بالرأس إلى يزيد فوضعه بين يديه وتمثّل:

نفلّق هاماً من رجال أعزّة  علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

(2) العواصم من القواصم، ص232.

(3) نثر الدر، ج2 ص183.

٣٤١

الشهداء أبو عبدالله أباه، فحمد الله وصلّى على الرسول ثمّ قال: أمّا بعد، يا معاوية فلن يؤدّي القائل وإن أطنب في صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جميع جزءاً وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من ايحاز الصفة والتنكّب عن استبلاغ النعت وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضّلت حتّى أفرطت واستأثرت حتّى أجحفت ومنعت حتّى محلت وجزت حتّى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه بنصيب، حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لاُمّة محمّد تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا كان احتويته بعلم خاص وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رايه فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهنّ، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصراً ودع عنك ما تحاول فيما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه. فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جور وحنقاً فى ظلم حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلاغمضة فتُقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ولات حين مناص، ورأيتك عرّضت بنا بعد هذا الأمر ومنعتنا عن آبائنا تراثاً، ولقد لعمري أورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة وجبت لنا بها، أما حججتم به القائم عند موت الرسول فأذعن للحجّة بذلك وردّه الأيمان إلى النصف فركبتم الأعاليل وفعلتم الأفاعيل، وقلتم كان ويكون حتّى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأميره له وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له وما صار - لعمر الله - يومئذ مبعثهم حتّى أنف القوم إمرته وكرهوا تقديمه وعدوا عليه أفعاله فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحب (كذا) بصاحب تابعاً وحولك من لا يؤمن في صحبته ولا يعتمد في دينه وقرابته وتتخطاهم إلى مسرف مفتون تريد أن تلبس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقى بها في

٣٤٢

آخرتك، إنّ هذا لهو الخسران المبين، واستغفر الله لي ولكم(1) .

وبهذا الشمم العظيم والإباء للبيعة الخاسرة أعلن الإمام ثورته ونشر دعوته ورفع منار الجهاد وصاح صيحته المشهورة: لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل وقد تماوجت هذه الصيحة وامتزجت بهتاف المجاهدين في جنبات الطف وسماء كربلاء يوم العاشر، وملأت جوانب العالم المعمور بالدوي الصاعق، وأصبحت سيفاً بيد كلّ مجاهد يشهر في وجه الطغيان ويثور على الرقّ والعبوديّة، ويهزم به جيوش الظلاّم ويهدم بمعاول الحقّ أوكار الباطل.

كريم أبى شمّ الدنيّة أنفه

فأشممه شوك الوشيج المسدد

لم أدر أين رجال المسلمين مضوا

وكيف صار يزيد بينهم ملكا

العاصر الخمر من لؤم بعنصره

ومن خساسة طبع يعصر الودكا

قد أصبح الدين منه يشتكي سقما

وما إلى أحد غير الحسين شكا

وما رأى السبط للدين الحنيف شفاً

إلاّ إذا دمه في كربلا سفكا

وما سمعنا عليلاً لا علاج له

إلاّ بنفس مداوية إذا هلكا

يزيد الحكم والأثر

إنّ فقه الأحداث التي مرّت ومنطق الوقائع التي أدّت إلى حكم معاوية وسلالته الخبيثة لا يمكن أن يكون إلاّ حكماً تعسفيّاً ثقيل الوطأة على الناس مذلاًّ لهم وقد صرّح معاوية بهدفه من افتعال الأحداث بخاصّة المعارك التي مهّد إليها حتّى استعر أوارها وشبّت نارها وأتت على الأخضر واليابس، إنّما فعل ذلك ليتأمّر على الناس وقد أعطاه الله ذلك، ثمّ اندفع بكلّ ما في نفسه من صغار جاهلي، وعقد بيئيه وببيته وذاتيه ليصب على الاُمّة نقمته ومعه حفنة من شرار الناس يعينونه على ظلمه بما طبعوا عليه من ذوات جبارّة كان الظلم والطغيان من بعض شيمها.

وساس معاوية وهو فاتحة العهد الخبيث الناس سياسة تعسفيّه قلّ نظيرها،

____________________

(1) الإمامة والسياسة، ص160 و161.

٣٤٣

وأوّل من تحمّل ظلمه وناء به الضعفاء ومنهم الموالي فهذا أبو حرّة شاعرهم يخاطب بني اُميّة فيقول:

أبلغ اُميّة عنّي إن عرضت لها

وابن الزبير وأبلغ ذلك العربا

إنّ الموالي أضحت وهي عاتبة

على الخليفة تشكو الجوع والحربا ...(1)

ولم يكن العرب بأسعد حظّاً من الموالي في حكم معاوية وابنه يزيد، وإنّما تمكّنت بعض القائل القويّة من حماية نفسها باتّحادها وبمحالفاتها ولولا ذلك لكانت سواء مع غيرها تحت ظلم معاوية ويزيد ابنه. وانحدر الظلم والتعدي إلى الأسافل وهم الضعفاء فنهب الولاة البلاد وأخربوها وأمتهنوا العباد وأذلّوهم حتّى قال ابن الزبير - بفتح الزاي وكسر الباء بعدها ياء شاعر في عصر معاوية -:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

لقد خرب السواد فلا سوادا

وإنّ جبالنا خربت وبادت

فقد تركت لحالبها حمادا

فهل لك أن تدارك ما لدينا

وترفع عن رعيّتك الفسادا

فإنّ أمينكم لا الله يخشى

ولا ينوي لاُمّتكم سدادا

إذا ما قلت أقصر عن هواه

تمادى في ضلالته وزادا ...(2)

وما كان معاوية ليصغى إلى صوت متظلّم، أو نداء بائس مقهور، فقد ولّى على الكوفة عبدالرحمن ابن اُخته اُم الحكم فجار وتعسّف وبالغ في بناء السجون وأحكمها إحكام القبور وزجّ بها كلّ محروب يجأر بالشكوى من ظلمه، وقد زجّ ابن الزبير الشاعر في أحد هذه السجون فقال:

ألا إنّ ذلاًّ أن اُقيم ببلدة

مؤمّرهُ فيها على ثقيف

فابلغ بني دودان أنّ أخاهم

رهين بأرطال الحديد رسوف

يرد عليه الهم باب مضبب

وذو طنف دون السماء منيف

وذو بردة له عجرفيه

عنيف وبواب السجون عنيف

وقد وفد أهل الكوفة على معاوية يشكون ابن اُم الحكم إليه وزعيمهم هانىء

____________________

(1) الدكتور مصطفى هداره، اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري، ص26.

(2) أنساب الأشراف، ج5 ص149.

٣٤٤

بن عروة فقال: عليكم لعنة الله من أهل بلد لا ترضون عن أمير ...(1)

فكان الإجراء الذي اتخذه معاوية لإنقاذهم من براثن ابن اُم الحكم أن لعنهم واتّهمهم بمضائقة الاُمراء وعدم الرضا عنهم، وامتلأت صدور الناس بالبغض لبني اُميّة وتمنّوا ساعة الخلاص منهم، فقال عبدالرحمن بن همام السلولي:

فإن تأتوا برملة أو بهند

نبايعها أميرة مؤمنينا

إذا ما مات كسرى قام كسرى(2)

نعد ثلاثة متنا سقينا

فيا لهفا لو أنّ لنا اُنوفاً

ولكن لا نعود كما عنينا

إذاً لضربتم حتّى تعودوا

بمكة تلعقون بها السخينا

حشينا الغيظ حتّى لو شربنا

دماء بني اُميّة ما روينا

لقد ضاعت رعيّتكم وأنتم

تصيدون الأرانب غافلينا ...(3)

واتّصل حكم معاوية الأسن بمثله وما زاد عليه يزيد لقصر المدّة أوّلاً ولانصرافه إلى اللهو والمجون فقد وصفه معاصروه بقولهم: رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخراب والمجان وقد هجا الشاعر ابن عرّادة يزيد بن معاوية بمثل هذا حين قال:

أبني اُميّة إنّ آخر ملككم

جسد بحوّارين ثمّ مقيم

طرقت منبّتة وعند وساده

كوب وزق راعف مرثوم

ومرنة تبكي على نشوانه

بالصيح تقعد تارة وتقوم ...(4)

وكان الظلم في زمانه هو ظلم أبيه وطغيانه امتدّ حتّى عبر حدود دولة معاوية إلى دولة يزيد، ونجد خير ما يمثّل تلك الفترة قول هانىء بن قبيصة، فقد وفد هانىء بن قبيصة على يزيد بن معاوية، فاحتجب عنه أيّاماً ثمّ إنّ يزيد ركب يوماً يتصيّد فتلقّاه هانىء فقال: إنّ الخليفة ليس بالمحتجب المتخلّي ولا بالمتطرّف المتنحّي،

____________________

(1) أنساب الأشراف، ج5 ص148 و149.

(2) وهذا الذي أراده عمر بن الخطاب أن يكون معاويه كسرى العرب.

(3) مروج الذهب، ج3 ص28.

(4) الدكتور هدّاره، اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري، ص32، ط دارالعلوم العربية، ط اولى، 1408.

٣٤٥

ولا الذي ينزل على العدوات والفلوات ويخلو باللذات والشهوات وقد ولّيت أمرنا قأقم بين أظهرنا وسهّل إذننا واعمل بكتاب الله فينا، فإن كنت عجزت عمّا هاهنا واخترت عليه غيره فاردد علينا بيعتنا نبايع من يعمل بذلك فينا ونقمه ثمّ عليك بخلواتك وصيدك وكلابك.

قال: فغضب يزيد وقال: والله لولا أنّ أسنّ بالشام سنّة العراق لأقمت أودك، ثمّ انصرف ...(1)

وإن تسأل عن سنّة العراق التي نفاها عن الشام يزيد فهي العسف والظلم والقتل والنهب وحرب الأموال وقتل النفوس على الظنّة والتهمة وأخذ الشاهد بالغائب والبريء بالمذنب وهلمّ جرّاً...

وبلغ الناس من ظلم يزيد حدّ النزع، وما من وسيلة ناجعة تحميهم منه أو تعينهم على الخلاص، إلاّ الشكوى من مظلوم بائس إلى آخر مثله، حتّى شكوا إلى قبر معاوية فقد وقف رجل عليه فقال: يا أبا عبدالرحمن لو لفظتك الأرض إلينا لرأيت ما يصنع بنا يزيد ورأينا ما صنع الله بك(2) .

أجل، عامل الله معاوية بما يستحق على ما ارتكب بحقّ الاُمّة حيث سلّط عليهم صبياً داعراً فملأ دنياهم فساداً وظلماً، يقول المسعودي: ولمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنصاره وأظهر من شرب الخمور وسيره سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته وأنصف منه لخاصّته وعامّته، أخرج أهل المدينة عامله عليهم وهو عثمان بن محمّد بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وسائر بني اُميّة...(3)

ولا أدلّ على عظيم ظلم يزيد من قول المسعودي: بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته. ومن الرعيّة من استمرأ الذلّ وكان بمنزلة الميّت فاقد الحس، يقول المتنبّى:

من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح لميت إيلام

قيل لأبي خرابه: لو أتيت يزيد بن معاوية لفرض لك وشرّفك وألحقك بعلية أصحابه

____________________

(1) الآبي، نثر الدر، ج6 ص31.

(2) أبو حيان التوحيدي، البصائر والذخائر، ج5 ص189.

(3) مروج الذهب، ج3 ص68.

٣٤٦

فلست دونهم وكان أبو خرابة يومئذ غلاماً حدثاً وكان معاوية حياً ويزيد أميراً، فلمّا أكثر قومه عليه في ذلك وفي قولهم إنّك ستشرف بمصيرك إليه قال:

يشرّفني سيفي وقلب مجانب

لكلّ لئيم باخل ومعلهج

وكرى على الأبطال طرفاً كأنّه

ظليم وضربي فوق رأس المدجج

وقولي إذا ما النفس جاشت وأجهشت

مخافة يوم شرّه متأجّج

عليك غمار الموت يا نفس إنّني

جريء على درء الشجاع المهجهج

فلمّا كثر عليه قومه وعنفوه في تأخّره أتى يزيد بن معاوية فأقام ببابه شهراً لا يصل إليه، فرجع وقال: والله لا يراني ما حملت عيناي الماء إلاّ أسيراً أو قتيلاً وأنشأ:

فوالله لا آتي يزيد وإن حوت

أنامله مابين شرق إلى غرب

لأنّ يزيد غيّر الله ما به

جنوح إلى السوى مصر على الذنب

فقل لبني حرب تقوا الله وحده

ولا تسعدوه في البطالة واللعب

ولا تأمنوا التغيير إن دام فعله

ولم ينهه عن ذاك شيخ بني حرب

أيشربها صرفاً إذا الليل جنّه

معتقة كالمسك تختال في العلب

ويلحى عليها شاربيها وقلبه

يهيم بها إن غاب يوماً عن الشرب ...(1)

لشدّما اختلف الشاعر مع قومه إنّهم يريدونه على الذلّ ويأبى إلاّ العزّ والشمم وإن حوى يزيد الدنيا بين أنامله. واولئك بمنزلة المستنقع الموبوء الذي يستشري به وباء الحكام الخبثاء. ولقد جمعت خطبة أبي حمزة المختار بن عوف الأزدي شيئاً من ذات ابن هند وابن ميسون وهي الخطبة التي خطبها في المدينة حين بلغه أنّ أهل المدينة يعيبون أصحابه لحداثة أسنانهم وخفة أحلامهم فصعد المنبر وذكر الخلافة حتّى إذا بلغ معاوية قال:

ثمّ ولّى معاوية بن أبي سفيان لعين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن لعينه وجلف من الأعراب وبقيّة الأحزاب، مؤلف طليق فسفك الدم الحرام واتّخذ عباد الله خولاً ومال الله دولاً وبغى دينه عوجاً ودغلا وأحلّ الفرج الحرام وعمل بما ينهيه حتّى مضى لسبيله فعل الله به وفعل ثمّ ولي بعده ابنه يزيد: يزيد الخمور ويزيد الصقور

____________________

(1) أبوالفرج الاصفهاني، الأغاني، ج22 ص264.

٣٤٧

ويزيد الفهود ويزيد الصيود ويزيد القرود، فخالف القرآن واتّبع الكهان، ونادم القرد، وعمل بما يشتهيه حتّى مضى على ذلك لعنه الله وفعل به وفعل(1) .

وربّ ملك شغله القصف عن الظلم إلاّ يزيد فإنّ لهوه وقصفه يزيده سُعاراً ويزيد جمره اشتعالاً وكان إذا غضب حمل ذنب المذنب على البريء فعمل في الناس بما يترفّع عن مثله أقسى الفراعنة وأعتاهم. لمّا قدم عمرو بن سعيد والياً ليزيد بن معاوية على المدينة، فولّى مصعباً بن عبدالرحمن بن عوف الشرط ثمّ أمره بهدم دور بني هاشم ومن كان في حيّزهم والشدّة عليهم وبهدم دور بني أسد بن عبد العزّى والشدّة عليهم، حين خرج الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير وأبيا بيعة يزيد ...(2)

ومن صفات يزيد الدنائة والحقد الأسود، فلم تغيّر خلافته ومنصبه الجديد من حكمه شيئاً، كان معاوية خطب إلى إسحاق بن طلحة اُخته على ابنه يزيد، فقال له إسحاق: أقدم المدينة ويأتيني رسولك واُزوّجه، فلمّا شخص من عند معاوية قدم على معاوية عيسى بن طلحة فذكر له معاوية ما قال لإسحاق، فقال له عيسى: أنا اُزوّجه فزوّج عيسى يزيد بن معاوية اُم إسحاق بنت طلحة عند معاوية، وزوّجها إسحاق بالمدينة حين قدم الحسن بن علي بن أبي طالب، فلم يدر أيّهما قبل، فقال معاوية ليزيد: اعرض عن هذا، فتركها يزيد ودخل بها الحسن فولدت له طلحة ومات لا عقب له، فكانت في نفس يزيد على إسحاق، فلمّا ولي وجهز مسلم ابن عقبة المري إلى أهل المدينة، أمره إن ظفر بإسحاق أن يقتله فلم يظفر به وهدم داره(3) . فصاحب هذه النفس لابدّ وأن يغرق الاُمّة بالدم والقتل والدمار.

والواقع أنّ هلاك الاُمّة تمّ على يد معاوية وابنه قدم عقيبه الأسدي على معاوية ورفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات:

معاوي إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديد

أكلتم أرضنا فجردتموها

فهل من قائم أو من حصيد

____________________

(1) الأغاني، ج23 ص241.

(2) الزبيري، نسب قريش، ص268.

(3) الزبيري، نسب قريش، ص282.

٣٤٨

أتطمع بالخلود إذا هلكنا

وليس لنا ولا لك من خلود

فهبنا اُمّة هلكت ضياعاً

يزيد أميرها وأبو يزيد ...(1)

ولم يسلم من شر يزيد أحد فمن لم يقتله جلده. كان المسور بن مخرمة جليلاً نبيلاً وكان يقول في يزيد بن معاوية: إنّه يشرب الخمر، فبلغه ذلك فكتب إلى عامله بالمدينة أن يجلده الحد، ففعل، فقال المسور في ذلك:

أيشربها صرفاً يفض ختامها

أبو خالد ويجلد الحدّ مسور ...(2)

وراح يتفجر حقداً على الناس ويرى ما هو فيه من الفسق والفجور عين الصلاح وإنّ غيره الفاسق، فقد كتب إليه مسلم ابن عقبة المرّي بالذي صنع أهل الحرّة فوقع في أسفل كتابه: فلا تأس على القوم الفاسقين(3) .

هذا بعض ما عثرنا عليه وآثرنا كتابته من خامة يزيد بن معاوية وهي خامة خبيثة ملوثة أدال الله منها فذاب كما يذوب الرصاص وذهب إلى ما أعدّ الله له مع إخوانه الطغاة المردة من فراعنة وجبابرة ونماردة. وبليتنا نحن المسلمين ليس في طغاة تاريخنا، فما من اُمّة إلاّ وفي تاريخها صفحة سوداء واُخرى حمراء صُبغت بأيدي بعض المنتمين إليها ولكنّها لا تجد في حاضرها وماضيها من يعدّل مجرميها بالدفاع عنهم وإسباغ الصفات الحسنة عليهم وجعل ذلك من جوهر الدين يقاس عليه الإيمانوالكفر،وباعتباره أو ردّه يكون الدخول في الدين أو الخروج منه.

أمّا نحن فقد بلينا بجبابرة زخر تاريخنا من جرائمهم بكلّ فاغرة عظمى وطامّة كبرى، وصارت قرائته لأجيالنا أو تصفّحه تبعث على الأسى والعار، وبلينا أيضاً بأعوانهم أمس الذين كانوا لهم أظافر القط وأنيابه، فأكلوا لحم الاُمّة وأوكلوه وشربوا دمها وأشربوه، حتّى إذا انقرضوا نبتت في ساحة جرائمهم السوداء نابتة هي أعظم جرماً منهم وأشدّ فتكاً بالاُمّة من أسيافهم وأكثر خطراً وأبعد أثراً، وهم شيعتهم والمدافعون عنهم، فقد سخروا بعقليات الاُمّة بقلبهم السيّئة حسنة والجريمة مكرمة والعار فضائل والشنار مكارم، وشرع محمّد ودينه مسخر لهم، وأبنائه وأهل بيته

____________________

(1) ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج1 ص52.

(2) ابن عبد ربه، العقد الفريد، ج4 ص35.

(3) نفسه، ج4 ص207.

٣٤٩

فداء لهم، وشيعتهم وأنصارهم منكروا الظلم والتعدّي هم المعتدون الجبابرة المحاسبون على الحسرة والدمعة التي جرت من مئاسيهم حزناً على أهل البيت ...

واولئك المجرمون الوالغون في الدماء الزكية هم الأطهار الأخيار الأبرار الذين يعاقب الله على بغضهم ولعنهم ويثيب على حبّهم والترحّم عليهم فتعساً لهذه الموازين التي ما حصلنا منها إلاّ على الشرّ والإفتراق والإنقسام.

الأثر الذي تركه حكم معاوية ويزيد على الاُمّة

ما من ريب في أنّ السلوك العام للحكام ينعكس على أخلاق رعاياهم ومعيشتهم في دنياهم ولذا قيل الرعية على دين ملوكها، وممّا يؤثر عن الإمام أميرالمؤمنينعليه‌السلام قوله: الناس بملوكهم أشبه منهم بآبائهم. وكانت الفترة الزمنية التي حكم فيها الأمويون معاوية وابنه يزيد من أشدّ الفترات على الاُمّة ومن أصعب الأزمات عليها، فقد تركت آثاراً مطبوعة على الأدب العام والسلوك الكلّي لها، وتأثّرت أوّل ما تأثّرت بأخلاقها، فشاعت في الناس الرذائل الخلقيّة وتنكر الاُمّة لفضائل الأخلاق، وصارت تنظر إليها نظرها إلى الأجنبي الغريب، بدت بواكير هذا المنحى في آخر خلافة عمر، فكانت بمنزلة النطفة التي تخلقت لها مضغة واستوت جنيناً سويّاً في عهد عثمان، وتمّت ولادة هذا الجنين المشئوم في عهد معاوية واكتمل نموّه على يد يزيد القرود والخمور، كما كان ينعته أهل المدينة.

والواقع إنّ السياسات السابقة على عصر هذين الملكين باستثناء الفترة التي عاش فيها أميرالمؤمنينعليه‌السلام خليفة، بمنزلة مجاري السيل التي لا تزال تصب في مستنقع معاوية، ومن هذا المستنقع تدفّقت إلى واد كثير الآفات والحيّاة وهو الوادي اليزيدي أو خلافة يزيد بن معاوية، وبدت الاُمّة في هذا العهد غريبة عن تلك التي بناها سيّد البشر على مقتضي الدين والشريعة الإسلاميّة، وانتقلت في عهد يزيد من النقيض إلى النقيض، ولم يكن يزيد وحده هو العلّة الفاعلة في هذا التغيير، وإنّما للعلّة أجزاء اُخرى هي السياسات المتقدمة ويزيد واحد من هذه الأجزاء.

وأوّل ما يطالعك من المؤثرات في سلوكيات الاُمّة وأخلاقها هو الظلم الفاحش الذي شمل كلّ مرافق الحياة، فلم تسلم الدماء ولا الأعراض، وأمّا الأموال

٣٥٠

والأراضي والأملاك فقد كانت في صدر القائمة من قاموس الظلم هذا. لقد كان معاوية يستصفي الأموال لنفسه ويكدسها في خزائن دمشق له ولخاصته، حتّى تقنطرت القناطير فيها من الذهب والفضة، وراح يغدق منها ما شاء على من شاء، وترك السواد الأعظم من الناس للجوع والحرمان، وافتقر الناس إلى ما في يديه، وعلموا أنّهم لا يصيبون منها شيئاً إلاّ إذا كذبوا عليه ونافقوه واحتالوا بأنواع الحيل، وإذا انقلبت أخلاق الاُمّة إلى هذا المستوى كانت في الدرك الأسفل من الضعة والإنحطاط، وعليك أن تستحضر الآن قول ذلك المتزلف للأحنف وقد مرّ طيّ هذا الكتاب: يا أبا بحر، إنّي لأعلم أنّ شرّ ما خلق الله هذا وابنه ولكنّهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فلسنا نطمع في استخدامها إلاّ بما سمعت ...(1)

وفعل مثله ذلك الإنتهازي يزيد بن شجرة الرهاوي فقد وفد على معاوية وبينما هو مقبل على سماع حديثه إذ أصابه حجر عاثر فأدماه، فأظهر تصنّعاً عدم الإعتناء به، فقال له معاوية: لله أنت ما نزل بك!!؟ ما ذاك يا أميرالمؤمنين؟ فقال معاوية: هذا دم وجهك يسيل. فقال ابن شجرة: إنّ حديث أميرالمؤمنين ألهاني حتّى غمر فكري فما شعرت بشيء حتّى نبّهني أميرالمؤمنين. فبهر معاوية وراح يقول: لقد ظلمك من جعلك في ألف من العطاء وأخرجك من عطاء أبناء المهاجرين وكماة أهل صفّين وأمر له بخمسائة ألف درهم، وزاد في عطائه ألف درهم(2) ، وشاعت في الاُمّة أخلاق الإنتهازيّة والتزلّف وأكثر ما تجد ذلك عند الشعراء لأنّهم في انتجاع دائم لعطاء هذا وذاك.

لمّا عاد يزيد إلى دمشق بعد هلاك معاوية واجتمع له أهل الشام جعل يقول لهم: نحن أهل الحق وأنصار الدين، وابشروا يا أهل الشام فإنّ الخير لم يزل فيكم وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديد، وقد رأيت في منامي كأنّ نهراً يجري بيني وبينهم دماً عبيطاً، وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم أقدر على ذلك حتّى جاءني عبيدالله بن زياد فجازه بين يدي وأنا أنظر إليه.

____________________

(1) نثر الدر، ج5 ص60.

(2) باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين، ج2 ص143، نقلاً عن التاج في أخلاق الملوك، ص55.

٣٥١

قال: فأجابه أهل الشام وقالوا: يا أميرالمؤمنين! امض بنا حيث شئت وأقدم بنا على من أحببت، فنحن بين يديك وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفّين. فقال لهم يزيد: أنتم لعمري كذلك، وقد كان أميرالمؤمنين معاوية لكم كالأب البارّ بالولد، وكان من العرب أمجدها وأحمدها وأهمدها وأعظمها خطراً وأرفعها ذكراً وأنداها أنامل وأوسعها فواضل وأسماها إلى الفرع الباسق لا يعتريه الفهاهة في بلاغته ولا تدخله اللكنة في منطقه حتّى إذا انقطع من الدنيا أمره وصار إلى رحمة الله تعالى ورضوانه.

قال: فصاح به صائح من أقاصي الناس وقال: كذبت يا عدوّ الله! ما كان معاوية والله بهذه الصفة وإنّما كانت هذه صفة رسول الله وهذه أخلاقه وأخلاق أهل بيته لا معاوية ولا أنت. قال: فاضطرب الناس وطلب الرجل فلم يقدر عليه، وسكت الناس، وقام إلى يزيد رجل من شيعته يقال له عطاء بن صيفي فقال: يا أميرالمؤمنين! لا تلتفت إلى مقالة الأعداء، وقد أعطيت خلافة الله من بعد أبيك، فأنت خليفتنا وابنك معاوية ولي العهد بعدك لا نريد به بدلاً ولا نبغي به حولاً والسلام. قال: ثمّ أنشأ يقول:

يزيد يابن أبي سفيان هل لكم

إلى ثناء وودّ غير منصرم

إنّا نقول ويقضى الله مقتدراً

وما يشا ربّنا من صالح بدم

فاقتد بقائلكم خذ يا يزيد وقل

خذها معاوي غير العاجز البرم

ولا تحط بها في غير داركم

إنّي أخاف عليكم حيرة الندم

إنّ الخلافة إن تعرف لثالثكم

تثبت معادنها فيكم ولا ترم

ولا تزال وفود في دياركم

في ظلّ أبلج سبّاق إلى الكرم

قال: فأمر له يزيد بجائزة حسناء(1) .

وأظهر من يمثّل الإنتهازيّة في تلك الفترة هم الشعراء، استمع إلى حارثة بن بدر الفدائي يمدح زياداً ويصفه بالعدل والإنصاف، وقد مرّ بك ما قاله الفرزدق عن زياد والذئب:

____________________

(1) ابن الأعثم، الفتوح، ج5 ص6، ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1406 هجرية.

٣٥٢

ألا من مبلغ عنّي زياداً

فنعم أخو الخليفة والأمير

وأنت إمام معدله وقصد

وحزم حين تحضرك الاُمور

أخوك خليفة الله بن حرب

وأنت وزيره نعم الوزير

بإذن الله منصور معان

إذا جار الرعيّة لا تجور

يدرّ على يديك لما أرادوا

من الدنيا لهم حلب غزير

وتقسم بالسواء فلا غني

بظلم يشتكيك ولا فقير

ولما قام سيف الله فينا

زياد قام أبلج مستنير

قوي لا من الأحداث غر

ولا ضرع ولا فان كبير ...(1)

ولو ذهبنا نلتمس الشواهد من الشعر والنثر لملأنا بطون صحائف كثيرة، ولكن نكتفي بهذا القدر ونحيل القارىء إلى كتب التاريخ والأدب ففيها الكثير الكثير من هذا، وليس من المعقول أن تمرّ الأحداث الدامية التي سبقت حكم معاوية أو صحبته وكذلك الظلم الفاحش الذي اعتمده هو وسلفه وخلفه كسياسة ثابتة يسوس بها الناس دون أن تترك آثاراً واضحة على أخلاق الناس، إنّ تصوّر ذلك بعيد عن الصواب بخاصة وإنّ طبيعة الظلم المعاوي واليزيدي أدّى إلى إفقار الناس وتجريدهم حتّى من القوت. يقول ابن خلدون:

اعلم إنّ العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك وعلى قدر الإعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن الإكتساب، فإذا كان الإعتداء كثيراً عامّاً في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، وإن كان الإعتداء يسيراً كان الإنقباض عن الكسب على نسبته والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنّما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال وانذعر الناس في الآفاق من

____________________

(1) أنساب الأشراف، ج5 ص225.

٣٥٣

غير تلك الأياله في طلب الرزق(1).

وبالطبع تنشأ عن هذه الحالة من الخراب وترك الناس للسعي وقعودهم عن طلب الرزق وفشو البطالة والفقر فيهم أخلاق خاصة أدناها على أقلّ تقدير هو شيوع الفاحشة وبيع العرض والإنتهازية والنفاق والرياء والتزلف والحقد والحسد والبغضاء، واللصوصيّة والقتل وما إلى ذلك وقد جرى هذا كلّه في فترة حكم معاوية ويزيد. وسبق ابن خلدون أميرالمؤمنينعليه‌السلام حين أجمل فكرة ابن خلدون في إحدى فقرات عهده إلى مالك الأشتر حين ولاّه على مصر فقال:

وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلاّ قليلاً، فإن شكوا ثقلاً أو علّة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلنّ عليك شيء خففت به المؤونة عنهم فإنّه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك ...(2)

يظهر من هذا النص القيّم أنّ اهتمام الإمام كان أوّلاً وبالذات بسياسة الإنتاج وتوفير الثروة، ثمّ يأتي بعد ذلك سياسة الحصول على ميزانيّة الدولة، حيث أنّ السياسة الاُولى إذا تمّت على خير وجه وسارت الاُمور سيراً حسناً وحصل كلّ فرد من الرعيّة على الدخل الكافي كان الحصول على الضرائب التي تتألف منها الميزانية أمراً ميسوراً، أمّا إذا انعكس الأمر وصار همّ الدولة الأوّل إثراء خزائنها من أيّ وجه كان كما فعل معاوية وخلفه فإنّ الخراب يعمّ البلاد والهلاك يلازم العباد، مضافاً إلى ما تقدّم، فقد اعتمد معاوية سياسة خبيثة وهي التصدّي لأموال الناس من أراضي زراعيّة أو دور أو عقارات وشرائها بأبخس الأثمان الأمر الذي زاد في الطنبور نغمة ووصل السكّين عظم الاُمّة.

هذا إذا لم يستطع سلبهما منهم مجاناً، ويتمّ ذلك في أغلب الأحيان، فلا

____________________

(1) ابن خلدون، المقدمة، ص286.

(2) في ظلال نهج البلاغة، ج4 ص84.

٣٥٤

تجد الرعية مناصاً من تركها لها والضياع في أودية الفقر والمسكنة. يقول ابن خلدون: وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران والدولة التسلّط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثمّ فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع.

وهذه إن حقّقت شعبة من سياسة معاوية في سلب الأراضي، تعرّض لأرض كان يملكها شعبة بن غريض، فأراد شرائها منه، قال له معاوية: بكم؟ قال: بستّين ألف دينار، قال: لقد أغليت. قال: أمّا لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستّمائة الف دينار وهذا عين ما قاله ابن خلدون، ثمّ قال: وربّما تفرض عليهم تلك الأثمان على النواحي والتعجيل فيتعللون في تلك الخسارة التي تلحقهم بما تحدثهم المطامع من جبر ذلك بحوالة الأسواق في تلك البضائع التي فرضت عليهم بالغلاء إلى بيعها بأبخس الأثمان، وتعود خسارة مابين الصفقتين على رؤوس أموالهم وقد يعمّ ذلك أصناف التجّار المقيمين بالمدينة والواردين من الآفاق في البضائع وسائر السوقة وأهل الدكاكين في المأكل والفواكه وأهل الصنايع فيما يتّخذ من الآلات والمواعين فتشمل الخسارة سائر الاصناف والطبقات ...

وقال أيضاً: وأمّا أخذها مجّاناً والعدوان على الناس في أموالهم وحربهم ودمائهم وأسرارهم وأعراضهم فهو يفضي إلى الخلل والفساد دفعة وتنقض الدولة سريعاً بما ينشأ عنه من الهرج المفضي إلى الإنتقاض ...(1)

لذلك لم نجد دولة آل أبي سفيان دامت طويلاً فلم تتمّ النصف من العقد الثالث من عمرها حتّى اضمحلّت وأعقبتها شقيقتها الدولة المروانيّة ولم تكن بأحسن حالاً منها، لهذا تبعتها في الزوال والحمد لله ربّ العالمين.

سياسة الفساد واللهو والمجون

كان سعيد بن المسيّب يسمّي سنيّ يزيد بن معاوية بالشؤم في السنة الاُولى قتل الحسين بن علي وأهل بيت رسول الله، والثانية استبيح حرم رسول الله وانتهكت

____________________

(1) ابن خلدون، المقدمة، ص291.

٣٥٥

حرمة المدينة، والثالثة سفكت الدماء في حرم الله وحرقت الكعبة(1) . ويمكن تميّز وجه حكمه من خلال الشعر الذي قاله أو قيل فيه، فقد قال فيه رجل من تنوخ:

يزيد صديق القرد ملّ جوارنا

فحنّ إلى أرض القرود يزيد

فتبّاً لمن أمسى علينا خليفة

صحابته الأدنون منه قرود(2)

وبهؤلاء الصحابة الأدنين أقبل على القصف واللهو غير عابىء بالملك والدولة. قال لقيط بن نصر المحاربي: كان يزيد بن معاوية أوّل من سنّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء، وآوى المغنين وأظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه والأخطل، وكان يأتيه من المغنين سائب خاسر فيقيم عنده فيخلع عليه ويصله فغنّاه يوماً:

يا للرجال لمظلوم بضاعته

ببطن مكة نائي الأهل والنفر

فاهتزّته أريحيته فرفّص حتّى سقط ثمّ قال: اخلعوا عليه خلعاً يغيب فيها حتّى لا يرى منه شيء فطرحت عليه الثياب والجباب والمعازف والخز حتى غاب فيها(3) . وكان أبوه عونه على ذلك: استمع على يزيد ذات ليلة فسمع عنده غناءاً أعجبه، فلمّا أصبح قال له: من كان ملهيك البارحة؟ قال: سائب خاسر. قال: فأكثر له العطاء(4) .

قال المسعودي: وليزيد وغيره أخبار عجيبة ومثالب كثيرة من شرب الخمر وقتل ابن بنت الرسول ولعن الوصي وهدم البيت وإحراقه وسفك الدماء والفسق والفجور وغير ذلك ممّا ورد فيه الوعيد بالناس من غفرانه كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله ...(5)

وعثرت على إضافة اُخرى في مجون يزيد لعنه الله على لسان معقل بن سنان الذي قتله مسرف بن عقبة لعنه الله، وهي أنّه قال: رجل يشرب الخمر وينكح

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي، ج2 ص253.

(2) أنساب الأشراف، ج5 ص300.

(3) ابوالفرج الاصفهاني، الأغاني، ج17 ص300.

(4) العقد الفريد، ج6 ص49.

(5) مروج الذهب، ج3 ص72.

٣٥٦

الحرم(1) أي يأتي المحارم، ولا أستبعد إنّهنّ جواري أبيه وقد شجّعه أبوه في حياته على ذلك حين دعاه إلى جاريته بعد أن جرّدها ونظر إليها عارية، وليس من البعيد أن تكون هذه الحرم أدنى من الجواري نسباً إليه.

فما كان يزيد يبالي بحرام فعله ولو كان نكاح اُخت أو عمّة ورجل كهذا كيف يلي أمر اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه لا يصلح أن يكون أميراً على الدجاج فما بالك بالمؤمنين، ولذلك ضرب عمر بن عبدالعزيز الحد من سمّاه بأميرالمؤمنين. يقول عبدالرحمن بن الحكم ينفي عنه صلاحيّة الحكم بشعره:

ثكلتك اُمّك من إمام جماعة

أيضل رأيك في الاُمور ويعزب

متوسّد إذ فالذته جيأل

هلباء أو ضبعات سوء أهلب

ألهاك برقعة الضباع عن العمى

حتّى أتاك وأنت لاه تلعب ...(2)

وقد مرّ فصل من مجون يزيد مطول، لذلك اقتصرنا في هذا القصل على هذا ومن أراد المزيد فإنّ الكتب التاريخية طافحة به، وأوّل ما يطالعك من تغيّر أخلاق الناس هو نزوعهم بصورة جماعية إلى حياة اللهو والمجون والطرب والغناء والتخنّث، وقد عزي أكثر ذلك إلى تعمّد إشاعته، فقد قال القرشي: وعمد معاوية إلى إشاعة الدعارة والمجون في الحرمين للقضاء على قدسيّتهما وإسقاط مكانتهما الإجتماعيّة في نفوس المسلمين، ونسب إلى العلائلي قوله:

وشجع الأمويون حياة المجون في مكة والمدنيّة إلى حدّ الإباحة فقد استأجر طوائف من الشعراء والمخنّثين من بينهم عمر بن أبي ربيعة لأجل أن يمسحوا عاصمتي مكة والمدينة بمسحة لا تليق ولا تجعلهما صالحتين للزعامة الدينية وقد قال الأصمعي: دخلت المدينة فما وجدت إلاّ المخنّثين ورجلاً بضع الأخبار والطرف، وقد شاعت في يثرب مجالس الغناء وكان الوالي يحضرها ويشارك فيها وانحسرت بذلك روح الأخلاق وانصرف الناس عن المثل العليا التي جاء بها الإسلام(3) .

____________________

(1) طبقات ابن سعد، ج4 ص282.

(2) أنساب الأشراف، ج5 ص310.

(3) القرشي، حياة الإمام الحسين، ج2 ص147.

٣٥٧

إن كان القصد من إشاعة هذه الروح أنّ معاوية وأنصاره خطّطوا لها ورصدوا لها الجوائز والمكافئات واستوردوا المغنين والمخنّثين إلى المدينتين، فلست أرى ذلك مشجّعاً الناس على حياة المجون والخلاعة ما لم يكن إقبال منهم أنفسهم عليها وإذا حدث ذلك، فإنّ الناس من طبيعتهم تقليد الحاكم وحينئذ يتمّ اندفاع العامة بل والخاصة أيضاً إلى هذه الحياة وإن لم يكن تشجيع منهم بالقول أو العمل، بل تكفي الممارسة بصورة علنيّة مصحوبة بالأغضاء عمّا يجري من مجالس اللهو والخلاعة، وهذا وحده من أشدّ أنواع التشجيع أثراً في الناس. وكان غاية معاوية من ذلك هو ردّ الأوضاع بعد الإسلام إلى ما كانت عليه في الزمن الجاهلي.. وفعلاً حصل له ذلك وارتبطت صورة الأمس بصورة اليوم، وسار الأخلاف على خطى الأسلاف. قال المدائني:

كان عفان بن أبي العاص مؤنثاً يلعب بالدف ومثله الحكم بن أبي العاص، وكان شيبة بن ربيعة حلقياً وكان يأتيه منية بن الحجاج بن سعد بن سهم وكذلك أبو جهل بن هشام، وكان النضر بن الحارث بن علقمة حلقياً ويأتيه صفوان بن اُميّة بن خلف، وكان خالد بن خويلد بن حزام مؤنثاً ويأتيه ربيعة بن الحارث بن عبدالمطّلب، وكان عنبسة بن أبي أجنحة وسعيد بن العاص حلقياً وكان مصعب بن الزبير مؤنثاً وكان عبدالعزيز بن مروان حلقياً محدوداً في الخمر وكان يزيد بن عبدالملك وهو ابن عاتكة بنت يزيد بن معاوية حلقياً وكان الوليد بن يزيد بن عبدالملك حلقياً مؤنثاً وكان الأحوص بن محمّد مستوهاً ويزيد بن المهلّب وقبيصة بن المهلّب حلقيان وكان يزيد بن حاتم مخنّثاً حلقيّاً وجميل بن محفوظ الأزدي مستوهاً وكان خالد بن عبدالله القسري حلقياً مستوهاً وكان سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلّب حلقيّاً مشهوراً بذلك وكان محمّد بن القاسم بن محمّد بن الحكم بن أبي عقيل مسعود بن عامر بن معتّب صاحب السند مستوهاً وكان أبان بن الحجاج بن يوسف مأبوناً وكان مالك بن المنذر بن الجارود مستوهاً. قال الفرزدق:

لكلّ اُناس مسجد يعمرونه

ومسجد عبدالقيس فقحة مالك

وكان كردم السدوسي حلقياً والمقداد بن مجزأة بن ثور حلقياً وكان مصقلة ابن

٣٥٨

رقبة العيرمي مستوهاً ...(1)

أقول: هؤلاء وجوه المجتمع البارزة من أمير إلى خليفة إلى قائد وهكذا وقد مرّ عليك وصف عبدالملك يزيد بالمأبون وقول أبي حمزة عنه: المأبون في فرجه، وعلى هؤلاء قس بقيّة الاُمّة والسواد الأعظم منها تعرف الفرق بين الاُمّة التي حاربت الشرك وأهله مع النبي وحاربت في صفّين أبناء الشرك مع وصيّه أميرالمؤمنين، والاُمّة التي قادتها وزعامئها مابين قرّاد وحلقي ومخنّث ومؤنّث وهكذا وليست حياة المجون مقصورة على المكتين بل شملت بلاد الإسلام كلّها، حتّى ظهر العجز على الولاة في إصلاح ذلك ودفعه. شكى ابن عامر إلى زياد فساد الناس وظهور الخبث فقال: جرّد فيهم السيف. فقال: إنّي أكره أن أصلحهم بفساد نفسي ...(2)

وكانت البصرة تربة خصبة لظهور الفساد فيها، لأنّها ثغر مطل على بحر الهند وميناءها يستقبل في كلّ يوم عدداً من المهاجرين ومع كلّ مهاجر إليها خلق جديد يحلّ فيها، وليسار أهلها، فقد كان أهلها على شيء من الثروة، من هنا كانت موئلاً للفساد وبؤرة للمجون والفاحشة. لمّا أمر معاوية زياداً بالمصير إلى البصرة سنة خمس وأربعين، جاءها والفسق في البصرة ظاهر فاش، فخطبهم خطبته البتراء(3) .

ويقول ابن الجوزي في سبب عزل ابن عامر عن البصرة: وكان سبب عزله أنّ ابن عامر كان ليّناً لا يأخذ على أيدي السفهاء ولا يعاقب ففسدت البصرة بذلك. وقدم ابن الكوّاء واسمه عبدالله بن أبي أوفى على معاوية فسأله عن الناس فقال: أمّا البصرة فقد غلب عليها سفهاءها وعاملها ضعيف، فعزله معاوية وبعث الحارث بن عبدالله الأزدي(4) .

وكان الفساد من القوّة والإنتشار بحيث أوصله البلاذري إلى سبعمائة ماخور. قال: وكان بالبصرة حين قدمها زياد سبعمائة ماخور فهدمها وركب إلى ماخور كان في

____________________

(1) نور القبس المختصر من المقتبس، تأليف محمّد بن عمران المرزباني، اختصار يوسف اليغموري، تحقيق رودلف زلهايم، ط فرانتس شتايز، بتيسبادن، ص183.

(2) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5 ص212.

(3) الكامل في التاريخ، ج3 ص222.

(4) المنتظم، ج5 ص209 و212، تاريخ ابن خلدون، ج3 ص7.

٣٥٩

بني قيس بن ثعلبة فتولّى هدمه ...(1)

واستطاع معاوية بعد أن وطأ لسياسته بهذه المقدمات من إفساد الاُمّة وتذليلها وتبديل بناء أخلاقها ومسخ شخصيتها الإسلاميّة أن يضرب شرع محمّد ضربةً غيّرت أهمّ معالمه الأساسيّة حتّى بدى وكأنّه دين آخر غير الإسلام. يقول الكميت الأسدي:

وعطّلت الأحكام حتّى كأنّنا

على ملّة غير الّتي نتنحّل

أأهل كتاب نحن فيه وأنتم

على الحقّ نقضي بالكتاب ونعدل

كأنّ كتاب الله يعني بأمره

وبالنهي فيه الكودني المركل

فتلك ملوك السوء قد طال ملكهم

فحتام حتام العناء المطول

وما ضرب الأمثال في الجور قبلنا

لأجور من حكامنا المتمثل(2)

ولما استخف بالاُمّة معاوية وهانت عليها قيمها وتنكّرت لمثلها العليا، وعاشت تحت ظلّ الإسلام الاُموي وعزّ علينا أن ننعت ديننا الكريم بمثل هذا النعت المستهجن.

أقول: تمكّن بعد ذلك عامل من عمّال معاوية وهو المغيرة بن شعبة أن يغيّر أصلاً من أصول العبادة في الإسلام وهو الحجّ فيعرف يوم التروية وينحر يوم عرفة. قال الطبري: وحجّ في هذه السنة المغيرة بن شعبة، لمّا حضر الموسم - يعني في العام الذي قتل فيه عليعليه‌السلام - كتب المغيرة بن شعبة كتاباً افتعله على لسان معاوية فأقام للناس الحج سنة أربعين ويقال: إنّه عرف يوم التروية ونحر يوم عرفة خوفاً أن يفطن بمكانه وقد قيل إنّه إنّما فعل ذلك المغيرة لأنّه بلغه أنّ عتبة بن أبي سفيان مصبّحه والياً على الموسم فعجّل الحجّ من أجل ذلك(3) .

وإنّما فعل ذلك اقتداءاً بوالي الأمر معاوية الذي صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفّين الجمعة في يوم الأربعاء ...(4) والمغيرة وإن كان معتزلاً الحرب إلاّ أنّه يرصد

____________________

(1) البلاذري، أنساب الأشراف، ج5 ص211.

(2) حياة الإمام الحسين للقرشي، ص148، نقلاً عن الهاشميّات، ص111.

(3) تاريخ الطبري، ج5 ص160.

(4) المسعودي، مروج الذهب، ج3 ص32.

٣٦٠