اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 221
المشاهدات: 106448
تحميل: 5072

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106448 / تحميل: 5072
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعلام الهداية

الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدّسة

١

اسم الكتاب : أعلام الهداية (ج١١) الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام .

المؤلّف : لجنة التأليف .

الموضوع : كلام وتاريخ .

الناشر : مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام .

الطبعة الأولى : ١٤٢٢ هـ ق .

الطبعة الثانية : ١٤٢٥ هـ ق .

الطبعة الثالثة : ١٤٢٧ هـ ق .

المطبعة : ليلى .

الكمية : ٥٠٠٠ .

شابك : -٢٨-٥٦٨٨-٩٦٤

حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

٢

أهل البيت في القرآن الكريم

( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً )

سورة الأحزاب / آية : ٣٣

أهل البيت في السنّة النبوية

( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً )

( الصحاح والمسانيد )

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى ، ثم الصلاة والسلام على مَن اختارهم هداةً لعباده ، لا سيّما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله الميامين النجباء .

لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة ، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل ، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه .

وقد جعل الله العقل المميِّز حجّةً له على خلقه ، وأعانه بما أفاض على العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ، وأرشده إلى طريق كماله اللائق به ، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها ، وجاء به إلى هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها .

وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها ، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة ، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة أخرى .

قال تعالى :

( قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) (الأنعام (٦) : ٧١) .

( والله يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم ) (البقرة (٢) : ٢١٣) .

( والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل ) (الأحزاب (٣٣) : ٤) .

( ومَن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم ) (آل عمران (٣) : ١٠١) .

( قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (يونس (١٠) : ٣٥) .

( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (سبأ (٣٤) : ٦) .

٤

( ومَن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من الله ) (القصص (٢٨) : ٥٠) فالله تعالى هو مصدر الهداية .

وهدايته هي الهداية الحقيقية ، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الصراط المستقيم وإلى الحقّ القويم .

وهذه الحقائق يؤيّدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم .

ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلى الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلى الكمال اللائق به ، وأسبغ عليه نعمة التعرّف على طريق الكمال ، ومن هنا قال تعالى :( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ ) (الذاريات (٥١) : ٥٦) .

وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة ، صارت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال .

وبعد أن زوّد الله الإنسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال ; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة ; والهوى الناشئ منهما ، والملازم لهما فمن هنا احتاج الإنسان ـ بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات المعرفة ـ إلى ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية ; كي تتمّ عليه الحجّة ، وتكمل نعمة الهداية ، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة ، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته .

ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الإنسان عن طريق الوحي الإلهي ، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد ؛ وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الإرشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة .

٥

وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى العصور والقرون ، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجّة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء ، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله على خلقه ؛ لئلاّ يكون للناس على الله حجّة ، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة ، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً :( إنّما أنت منذر ولكلّ قومٍ هاد ) (الرعد (١٣) : ٧) .

ويتولّى أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها ، والتي تتلخّص في :

١ ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة .

وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة ، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه ، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً :( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) (الأنعام (٦) : ١٢٤) و ( الله يجتبي من رسله مَن يشاء ) (آل عمران (٣) : ١٧٩) .

٢ ـ إبلاغ الرسالة الإلهية إلى البشرية ولمَن أُرسلوا إليه ، ويتوقّف الإبلاغ على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في ( الاستيعاب والإحاطة اللازمة ) بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها ، و ( العصمة ) عن الخطأ والانحراف معاً ، قال تعالى :( كان الناسُ أُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) (البقرة (٢) : ٢١٣) .

٣ ـ تكوين أُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية ، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة ، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم ، قال تعالى :( يزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة ) (الجمعة (٦٢) : ٢) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان .

٦

وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال ، كما قال تعالى :( لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة ) (الأحزاب (٣٣) : ٢١) .

٤ ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها ، وهذه المهمّة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية ، والتي تُسمّى بالعصمة .

٥ ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية ؛ وذلك بتنفيذ الأطروحة الربّانية ، وتطبيق قوانين الدين الحنيف على المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون الأمة على أساس الرسالة الربّانية للبشرية ، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً ، وشجاعةً فائقةً ، وثباتاً كبيراً ، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة ، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية ، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطئ بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة وانقياد الأمة لها بحيث يتنافى مع أهداف الرسالة وأغراضها .

وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي ، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب ، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته ، ولم يتراجعوا لحظة ، ولم يتلكأوا طرفة عين .

وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ ـ على مدى العصور ـ برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها ، طالباً منه تحقيق أهدافها .

وقد خطا الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة ، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية ، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي :

١ ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على عناصر الديمومة والبقاء .

٧

٢ ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف .

٣ ـ تكوين أُمّة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً ، وبالرسول قائداً ، وبالشريعة قانوناً للحياة .

٤ ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء .

٥ ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري :

أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر .

ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال ; على يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته .

ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعداد الصفوة من أهل بيته ، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم ; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين ، وتربية للأجيال على قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها على مرّ العصور ، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها .

وتجلّى هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، كتاب الله وعترتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .

٨

وكان أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده .

إنّ سيرة الأئمّة الاثنى عشر من أهل البيتعليهم‌السلام تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلى أعماق الأمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ الأئمة المعصومونعليهم‌السلام يعملون على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثورته المباركة ، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء .

وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم على نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم ، فكانوا هم الأدلاّء على الله وعلى مرضاته ، والمستقرّين في أمر الله ، والتامّين في محبّته ، والذائبين في الشوق إليه ، والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود .

وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالى ، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ على الحياة مع الذلّ ، حتى فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير .

ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل ، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم ، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق ، عسى الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق .

إنّ دراستنا لحركة أهل البيتعليهم‌السلام الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنتهي بخاتم الأوصياء ، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض بعدله .

٩

ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام عاشر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو المعصوم الثاني عشر من أعلام الهداية الذي جسّد الإسلام العظيم في القول والعمل كآبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) .

ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلى كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلى عالم النور ، لاسيّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى .

ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلى الله تعالى بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنّه حسبنا ونعم النصير .

المجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام

قم المقدّسة

١٠

الباب الأوّل : وفيه فصول :

الفصل الأول : الإمام الهاديعليه‌السلام في سطور .

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام الهاديعليه‌السلام .

الفصل الأوّل : الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام في سطور

الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام هو عاشر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .

فمعدنه هو معدن الرسالة والنبوّة وهو فرع هذا البيت النبوي الطاهر الذي جسّد للإنسانية خطّ محمد خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمع كل المكارم والمآثر الزاخرة بالعطاء والهداية الربّانية مؤثراً رضا الله تعالى على كل شيء في الحياة .

ولد الإمام الهادي علي بن محمدعليهما‌السلام محاطاً بالعناية الإلهية .

فأبوه هو الإمام المعصوم والمسدَّد من الله محمّد الجوادعليه‌السلام وأُمّه الطاهرة التقيّة سمانة المغربية .

ونشأ على مائدة القرآن المجيد وخلق النبي العظيم المتجسّد في أبيه الكريم خير تجسيد .

لقد بدت عليه آيات الذكاء الخارق والنبوغ المبكّر الذي كان ينبئ عن الرعاية الإلهية التي خُصّ بها هذا الإمام العظيم منذ نعومة أظفاره .

وقد تقلّد منصب الإمامة الإلهي بعد أبيه في الثامنة من عمره الشريف فكان مثالاً آخر للإمامة المبكّرة التي أصبحت أوضح دليل على حقّانية خط أهل البيت الرسالي في دعوى الوصيّة والزعامة الدينية والدنيوية للأمة الإسلامية خلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونيابة عنه في كل مناصبه القيادية والرسالية .

وتنقسم حياة هذا الإمام العظيم إلى حقبتين متميّزتين : أمضى الأولى منهما مع أبيه الجوادعليه‌السلام وهي أقلّ من عقد واحد .

١١

بينما أمضى الثانية وهي تزيد عن ثلاثة عقود ، عاصر خلالها ستّة من ملوك الدولة العبّاسية وهم : المعتصم والواثق والمتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتز .

واستشهد في أيام حكم المعتز عن عمر يناهز أربعة عقود وسنتين .

وقد عانى من ظلم العباسيين كما عانى آباؤه الكرام حيث أحكموا قبضتهم على الحكم واتخذوا كل وسيلة لإقصاء أهل البيت النبوي وإبعادهم عن الساحة السياسية والدينية ، وإن كلّفهم ذلك تصفيتهم جسديّاً كما فعل الرشيد مع الإمام الكاظم ، والمأمون مع الإمام الرضا ، والمعتصم مع الإمام الجوادعليهم‌السلام .

وتميّز عصر الإمام الهاديعليه‌السلام بقربه من عصر الغيبة المرتقب ، فكان عليه أن يهيّئ الجماعة الصالحة لاستقبال هذا العصر الجديد الذي لم يُعهد من قبل ، حيث لم يمارس الشيعة حياتهم إلاّ في ظل الارتباط المباشر بالأئمة المعصومين خلال قرنين من الزمن .

ومن هنا كان دور الإمام الهاديعليه‌السلام في هذا المجال مهمّاً وتأسيسيّاً وصعباً بالرغم من كل التصريحات التي كانت تتداول بين المسلمين عامّةً ، وبين شيعة أهل البيت خاصّةً حول غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أي المهدي المنتظر الذي وعد الله به الأمم .

وبالرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسية على هذا الإمام حيث أحكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامراء ولكنّ الإمام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهي بكل دقّة وحذر ، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي أسّسه الإمام الصادقعليه‌السلام وأحكم دعائمه أبوه الإمام الجوادعليه‌السلام وسعى من خلال هذا الجهاز المحكم أن يقدّم لشيعته أهمّ ما تحتاج إليه في ظرفها العصيب .

وبهذا أخذ يتّجه بالخط الشيعي أتباع أهل البيتعليهم‌السلام نحو الاستقلال الذي كان يتطلّبه عصر الغيبة الكبرى ، فسعى الإمام علي الهاديعليه‌السلام بكل جدّ في تربية العلماء والفقهاء إلى جانب رفده المسلمين بالعطاء الفكري والديني ـ العقائدي والفقهي والأخلاقي .

١٢

ويمثّل لنا مسند الإمام الهاديعليه‌السلام جملة من تراثه الذي وصل إلينا بالرغم من قساوة الظروف التي عاشها هو ومَن بعده من الأئمة الأطهارعليهم‌السلام .

فسلام عليه يوم وُلد ويوم تقلّد الإمامة وهو صبيّ لم يبلغ الحلم ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً .

الفصل الثاني : انطباعات عن شخصيّة الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام

تعطي كلمات العلماء والعظماء في الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهاديعليه‌السلام ، صورة من إكبار المؤالف والمخالف لهعليه‌السلام ، وإجماع المسلمين على جلالته وعظمته وإليك بعض الانطباعات التي وصلتنا من معاصريه ومَن تلاهم من العلماء والمؤرّخين عن هذه الشخصية الفريدة .

١ ـ من كتاب للمتوكل العباسي إلى الإمام الهاديعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : إنّ أمير المؤمنين عارف بقدرك ، راعٍ لقرابتك ، موجب لحقّك ، مؤثر في الأمور فيك وفي أهل بيتك لما فيه صلاح حالك وحالهم ، وتثبيت عِزّك وعِزّهم ، وإدخال الأمر عليك وعليهم ، يبتغي بذلك رضى الله وأداء ما افترضه عليه فيك وفيهم .

ثمّ ختمه بقوله : وأمير المؤمنين مشتاق إليك ، ويحب إحداث العهد بقربك والتيمّن بالنظر إلى ميمون طلعتك المباركة(١) .

٢ ـ قال يحيى بن هرثمة ـ الذي أرسله المتوكل لإشخاص الإمام عليه‌السلام إلى سُرّ مَن رأى ـ : فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي الهادي ، وقامت الدنيا على ساق ؛ لأنّه كان

ــــــــــــــ

(١) أصول الكافي : ١/٥٠٢ ، الفصول المهمّة : ٢٦٥ .

١٣

محسناً إليهم ، ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا ، ثم فتّشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتولّيت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلمّا قدمت به بغداد وبدأت بإسحاق الطاهري وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمتوكل مَن تعلم فإن حرّضته عليه قتله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقفت منه إلاّ على كل أمر جميل(١) .

٣ ـ قال أبو عبد الله الجنيدي : والله تعالى لهو خير أهل الأرض ، وأفضل مَن برأه الله تعالى(٢) .

٤ ـ قال يزداد الطبيب : إذا كان مخلوق يعلم الغيب فهو(٣) .

٥ ـ وقال ابن شهرآشوب : وكان أطيب الناس بهجةً وأصدقهم لهجة وأملحهم من قريب وأكملهم من بعيد ، إذا صمت علته هيبة الوقار ، وإذا تكلّم سماه البهاء ، وهو من بيت الرسالة والإمامة ومقرّ الوصية والخلافة ، شعبة من دوحة النبوّة منتضاة مرتضاة ، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة(٤) .

٦ ـ قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي : وأمّا مناقبه : فمنها ما حلّ في الأذان محل حلاها بأشنافها واكتنفته شغفاً به اكتناف اللآلئ الثمينة بأصدافها وشهد لأبي الحسن أنّ نفسه موصوفة بنفائس أوصافها ، وأنّها نازلة من الدوحة النبوية في ذرى أشرافها ، وشرفات أعرافها(٥) .

٧ ـ قال أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان : أبو الحسن علي الهادي

ــــــــــــــ

(١) تذكرة الخواص : ٢٠٢ .

(٢) مآثر الكبراء : ٣/٩٦ .

(٣) بحار الأنوار : ٥٠/١٦١ .

(٤) المناقب : ٤ / ٤٣٢ .

(٥) مطالب السؤول : ٨٨ .

١٤

ابن محمد الجواد بن علي الرضاعليهم‌السلام ، وهو أحد الأئمة الاثنى عشر ، وكان قد سعي به إلى المتوكل وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من شعر ، وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنّم بآيات من القرآن والوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى(١) .

٨ ـ قال عبد الله بن أسعد اليافعي : أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني ، عاش اربعين سنة ، وكان متعبداً فقيهاً إماماً(٢) .

٩ ـ قال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير : وأمّا أبو الحسن علي الهادي فهو ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب ، أحد الأئمة الاثنى عشر ، وهو والد الحسن بن علي العسكري ، وقد كان عابداً زاهداً ، نقله المتوكل إلى سامراء فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر ، ومات بها في هذه السنة ـ سنة أربع وخمسين ومائتين ـ وقد ذُكر للمتوكل أنّ بمنزله سلاحاً وكتباً كثيرة من الناس ، فبعث كبسة فوجدوه جالساً مستقبل القبلة وعليه مدرعة من صوف ، وهو على التراب ليس دونه حائل ، فأخذوه كذلك فحملوه إلى المتوكل(٣) .

١٠ ـ قال محمد سراج الدين الرفاعي : الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري

ــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان : ٢/٤٣٥ .

(٢) مرآة الجنان : ٢/١٦٠ .

(٣) البداية والنهاية : ١١/١٥ .

١٥

والنجيب ، ولد في المدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة ، وتوفي شهيداً بالسم في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة اربع وخمسين ومائتين وكان له خمسة أولاد : الإمام الحسن العسكري ، والحسين ، ومحمد ، وجعفر ، وعائشة فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر ولي الله محمد المهدي(١) .

١١ ـ قال أحمد بن حجر الهيثمي : علي العسكري سُمّي بذلك لأنّه لمّا وجّه لإشخاصه من المدينة النبوية إلى سُرّ مَن رأى وأسكنه بها ، كانت تسمّى العسكر فعرف بالعسكري ، وكان وارث أبيه علماً وسخاءً(٢) .

١٢ ـ قال أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني : الفصل التاسع في ذكر بيت الحلم والعلم والأيادي ، الإمام علي بن محمد الهادي ، رضي الله عنه : ولد بالمدينة وأُمّه أُمّ ولد ، وكنيته أبو الحسن ، ولقبه الهادي والمتوكل ، وكان اسمر ، نقش خاتمه( الله ربّي وعصمتي من خلقه ) وأمّا مناقبه فنفيسة ، وأوصافه شريفة(٣) .

١٣ ـ قال عبد الله الشبراوي الشافعي : العاشر من الأئمة علي الهادي ، وُلدرضي‌الله‌عنه بالمدينة في رجب سنة أربع عشرة ومائتين ، وكراماته كثيرة(٤) .

١٤ ـ قال محمد أمين السويدي البغدادي : وُلد بالمدينة ، وكنيته أبو الحسن ، ولقبه الهادي ، وكان أسمر اللون ، نقش خاتمه( الله ربّي وهو عصمتي من خلقه ) ومناقبه كثيرة(٥) .

١٥ ـ قال مؤمن الشبلنجي : ومناقبهرضي‌الله‌عنه كثيرة ، قال في الصواعق : كان

ــــــــــــــ

(١) صحاح الأخبار : ٥٦ .

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٠٥ .

(٣) أخبار الدول : ١١٧ .

(٤) الإتحاف بحب الأشراف : ١٧٦ .

(٥) سبائك الذهب : ٥٧ .

١٦

أبو الحسن العسكري وارث أبيه علماً وسخاءً ، وفي حياة الحيوان : سُمّي العسكري لأنّ المتوكّل لما كثرت السعاية فيه عنده أحضره من المدينة وأقرّه بسُرّ مَن رأى(١) .

١٦ ـ قال محمد أمين غالب الطويل : كان حسن الخلق حتى لم يكن أحد يشك في عصمته ، ولكن خطر الإمامة أوهم الخليفة المتوكل بالخطر ، وقد وشي به إليه أنّه جمع في بيته معدّات وأسلحة استعداداً للخروج عليه ، والادعاء بالخلافة ، فأرسل الخليفة حينئذٍ عساكره التركية فهجموا ليلاً على بيته ، وقد اختار الخليفة العساكر التركية لسوء ظنّه بالعرب المسلمين ؛ لأنّهم يعرفون مَن الأحق بالخلافة ، أمّا الأتراك فكانوا حديثي عهد بالإسلامية ، وكانوا لا يعرفون غوامضها ، بل كانوا يناصرون العباسيين الذين اعتادوا التزوّج من بنات الأتراك .

ذهبت العساكر التركية ليلاً إلى بيت الإمام ، ورأوه جالساً على التراب ، ملتفّاً برداء صوف ، وهو يقرأ القرآن وبعد تفتيش جميع زوايا بيته أحضروه إلى الخليفة وأخبروه بالقصّة ، وكيف أنّهم رأوا الإمام زاهداً ، وأنّهم لم يجدوا عنده شيئاً من العدّة(٢) .

١٧ ـ قال السيد عبد الوهاب البدري : وبقي الإمام الهادي يتنقّل في مجالس سامراء ، يواسي ذوي المصاب ويساعد المحتاج ، ويرحم المساكين ، ويشفق على اليتيم ويدلف ليلاً إلى الأرامل والثكالى وثوبه كلّه ( صرر ) فينثرها عليهم( لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ) يذهب نهاره إلى عمله فيقف تحت الشمس يعمل في مزرعته حتى يتصبّب العرق من جسمه ، وعندما يقبل الليل يتّجه إلى ربّه ساجداً راكعاً خاشعاً ليس بين جبينه الوضاح

ــــــــــــــ

(١) نور الابصار : ١٤٩ .

(٢) تاريخ العلويين : ١٦٧ .

١٧

وبين الأرض سوى الرمل والحصى ، وأنّه يردّد دعاءه المشهور( إلهي مسيء قد ورد ، وفقير قد قصد ، لا تخيب مسعاه وارحمه واغفر له خطأه ) (١) .

١٨ ـ قال خير الدين الزركلي : أبو الحسن العسكري علي الملقّب بالهادي ابن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر ، الحسيني الطالبي ، عاشر الأئمة الاثنى عشر ، وأحد الأتقياء الصلحاء ، وُلد بالمدينة ، ووشي به إلى المتوكل العباسي فاستقدمه إلى بغداد ، وأنزله في سامراء(٢) .

١٩ ـ قال دوايت م رونلدسن بعد أن فصّل الحديث عنهعليه‌السلام : قصده كثيرون للأخذ عنه من البلاد التي يكثر فيها شيعة آل محمد ، وهي : العراق وإيران ومصر(٣) .

٢٠ ـ وقال فضل الله بن روزبهان الشافعي : اللّهمّ صلِّ وسلّم على الإمام العاشر مقتدى الحيّ والنادي سيّد الحاضر والبادي ، حارز نتيجة الوصاية والإمامة من المبادي ، السيف الغاضب على رقبة كلّ مخالف معادي ، كهف الملهوفين في النوائب والعوادي ، قاطع العطش من الأكباد الصوادي ، الشاهد بكمال فضله الأحباب والأعادي ، ملجأ أوليائه بولائه يوم ينادي المنادي أبي الحسن عليّ النقي الهادي بن محمّد الشهيد بكيد الأعداء ، المقبور بسرّ مَن رأى(٤) .

ــــــــــــــ

(١) سيرة الإمام علي الهاديعليه‌السلام : ٥٩ .

(٢) الأعلام : ٥/١٤٠ .

(٣) عقيدة الشيعة : ٢١٥ .

(٤) وسيلة الخادم إلى المخدوم : صلوات الإمام الهاديعليه‌السلام .

١٨

الفصل الثالث : مظاهر من شخصيّة الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام

لقد تحلّى الإمام الهاديعليه‌السلام بمكارم الأخلاق التي بعث جدّه الرسول الأعظم لتتميمها ، واجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والكمال التي لا يسعنا الإحاطة بها ولا تصويرها ، ولكن هذا لا يمنع أن نشير إلى جملة من مكارم أخلاقه التي تجلّت في صور من سلوكه .

وإليك بعض هذه المكارم التي نصّت عليها كتب السيرة والتاريخ .

١ ـ الكرم :

كانعليه‌السلام من أبسط الناس كفّاً ، وأنداهم يداً ، وكان على غرار آبائه الذين أطعموا الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، وكانوا يطعمون الطعام حتى لا يبقى لأهلهم طعام ، ويكسونهم حتى لا يبقى لهم كسوة(١) .

وقد روى المؤرّخون بوادر كثيرة من برّ الإمام الهاديعليه‌السلام وإحسانه إلى الفقراء وإكرامه البائسين ، نقتصر منها على ما يلي :

١ ـ وفد جماعة من أعلام الشيعة على الإمام الهاديعليه‌السلام وهم : أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الحمداني ،

ــــــــــــــ

(١) صفة الصفوة : ٢/٩٨ .

١٩

فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فالتفتعليه‌السلام إلى وكيله عمرو ، وقال له : ادفع له ثلاثين ألف دينار ، والى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، كما أعطى وكيله مثل هذا المبلغ .

وعلّق ابن شهرآشوب على هذه المكرمة العلوية بقوله : ( فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء )(١) .

٢ ـ اشترى إسحاق الجلاب لأبي الحسن الهاديعليه‌السلام غنماً كثيرة يوم التروية ، فقسمها في أقاربه(٢) .

٣ ـ وكان قد خرج من سامراء إلى قرية له ، فقصده رجل من الأعراب ، فلم يجده في منزله فأخبره أهله بأنّه ذهب إلى ضيعة له ، فقصده ، ولمّا مثل عنده سأله الإمام عن حاجته ، فقال بنبرات خافتة : يا بن رسول الله ، أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب ، وقد ركبني فادح ـ أي دين ـ أثقلني حمله ، ولم أرَ مَن أقصده سواك .

فرقّ الإمام لحاله ، وأكبر ما توسّل به ، وكانعليه‌السلام في ضائقة لا يجد ما يسعفه به ، فكتبعليه‌السلام ورقة بخطّه جاء فيها : أنّ للأعرابي ديناً عليَّ ، وعيّن مقداره ، وقال له : خذ هذه الورقة ، فإذا وصلت إلى سُرّ مَن رأى ، وحضر عندي جماعة فطالبني بالدين الذي في الورقة ، وأغلظ عليّ في ترك إيفائك ، ولا تخالفني فيما أقول لك .

فأخذ الأعرابي الورقة ، ولمّا قفل الإمام إلى سرّ مَن رأى حضر عنده جماعة كان فيها من عيون السلطة ومباحث الأمن ، فجاء الأعرابي فأبرز الورقة ، وطالب الإمام بتسديد دينه الذي في الورقة فجعل الإمامعليه‌السلام يعتذر إليه ، والأعرابي يغلظ له في القول ، ولما تفرّق المجلس بادر رجال الأمن إلى

ــــــــــــــ

(١) المناقب : ٤/٤٠٩ .

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤٤٣ .

٢٠