اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)0%

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الصفحات: 221

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 221
المشاهدات: 107242
تحميل: 5124

توضيحات:

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107242 / تحميل: 5124
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

اعلام الهداية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعن علي بن جعفر قال : عرضت مؤامرتي على المتوكل فأقبل عليّ عبيد الله بن يحيى فقال : لا تتعبن نفسك ، فإنّ عمر بن أبي الفرج أخبرني أنّه رافضي فإنّه وكيل علي بن محمد ، فأرسل عبيد الله إليّ فعرفني أنّه قد حلف ألا يخرجني من الحبس إلاّ بعد موتي بثلاثة أيام .

قال فكتب إلى أبي الحسن : إنّ نفسي قد ضاقت وقد خفت الزيغ ، فوقّع إلي :أمّا إذا بلغ الأمر منك ما قلت فينا ، فسأقصد الله تبارك وتعالى فيك فما انقضت أيام الجمعة حتى خرجت من الحبس(١) .

ويمكن تلخيص المنهج العام للتربية وبناء الذات عند الإمام الهاديعليه‌السلام بما يلي :

١ ـ التوجيه التربوي من خلال الأحاديث التربوية التي تقدّم للإنسان أهمّ المفاهيم التربوية(٢) .

٢ ـ التأكيد على طاعة الله تعالى .

٣ ـ التأكيد على أهمّية التوجّه إلى الله في الحوائج وعدم طلب الحوائج من غيره(٣) .

٤ ـ أهمّية الدعاء والالتزام به في بلورة روح التوحيد والتوكّل على الله .

٥ ـ الدعاء للمؤمنين .

٦ ـ السعي في قضاء حوائجهم .

٧ ـ الربط العاطفي بالقدوة الصالحة المتمثّلة في أهل البيتعليهم‌السلام من خلال زياراتهم ودراسة سيرتهم .

ــــــــــــــ

(١) راجع مسند الإمام الهاديعليه‌السلام : ١١٢ و ١٢١ .

(٢) راجع تراثه التربوي والأخلاقي في الفصل الأخير من الباب الرابع .

(٣) راجع تحف العقول : ٣٦١ ، وكشف الغمّة : ٣/١٧٦ .

١٦١

وأمّا دعاؤه للمؤمنين وسعيه في قضاء حوائجهم فيشهد له ما يلي :

١ ـ ما مرّ من أنّ الإمامعليه‌السلام أجاب على كتاب عمر بن أبي الفرج إليه بأنّ نفسي قد ضاقت وقد خفت الزيغ فوقّع الإمامعليه‌السلام إليه :أمّا إذا بلغ الأمر منك ما قلت فينا فسأقصد الله تبارك وتعالى فيك فما انقضت أيام حتى خرج من الحبس(١) .

٢ ـ روى المجلسي عن الخرائج : روى عن محمد بن الفرج أنّه قال : إنّ أبا الحسن كتب إليّ :اجمع أمرك ، وخذ حذرك ، قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد فيما كتب به إليّ حتى ورد عليّ رسول حملني من مصر مقيّداً مصفّداً بالحديد ، وضرب على كلّ ما أملك .

فمكثت في السجن ثماني سنين ثم ورد عليّ كتاب من أبي الحسنعليه‌السلام وأنا في السجن( لا تنزل في ناحية الجانب الغربيّ ) فقرأت الكتاب فقلت في نفسي : يكتب إليّ أبو الحسنعليه‌السلام بهذا وأنا في الحبس إنّ هذا لعجيب ! فما مكثت إلاّ أياماً يسيرة حتى أُفرج عنّي ، وحُلّت قيودي وخُلّي سبيلي .

ولمّا رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسنعليه‌السلام وخرج إلى سرّ مَن رأى .

قال : فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله ليردّ عليّ ضياعي فكتب إليّ سوف يردّ عليك ، وما يضرّك أن لا تردّ عليك .

قال علي بن محمد النوفلي : فلمّا شخص محمد بن الفرج إلى العسكر كتب له بردّ ضياعه ، فلم يصل الكتاب إليه حتى مات(٢) .

وقضاء حوائج المؤمنين بالإضافة إلى دوره التربوي يُعدّ خطوة من خطوات التحصين الاقتصادي لهم ، حيث يشكّل عاملاً من عوامل استقلالهم وعدم اضطرارهم للخضوع إلى كثير ممّا يستذلّ به الحكّام رعيّتهم .

ــــــــــــــ

(١) مسند الإمام الرضاعليه‌السلام : ١٢١ .

(٢) بحار الأنوار : ٥٠/١٤٠ .

١٦٢

التحصين الأمني

لقد مارس الإمام الهاديعليه‌السلام وظيفته بصفته الإمام والقائد لمواليه والراعي لمصالحهم بالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمرّ بالإمامعليه‌السلام وبشيعته من تتبّع السلطة لهم ومطاردتهم ، وفرض الإقامة الجبرية على الإمام بعد إشخاصه من المدينة إلى سامراء ليكون قريباً من السلطان وتحت رقابته ، وتتجلّى لنا مواقف الإمامعليه‌السلام في هذا الاتجاه في المحافظة التامّة على شيعته ورعاية مصالحهم الخاصّة والعامّة وقضاء حوائجهم وتحذيرهم ممّا تحوكه السلطة ضدّهم ، وما يجب أن يتخذوه من حيطة وكتمان لنشاطهم واتصالاتهم حتى لا يقعوا في حبائل السلطة الغاشمة التي كانت تتربّص بهم وبالإمامعليه‌السلام الدوائر .

إنّ وصايا الإمامعليه‌السلام لأتباعه تظهر مدى اهتمامه بما يجري في الساحة أوّلاً ، ومدى قربه من الأحداث العامة والخاصة ثانياً وكانت أوامره تصل الجماعة الصالحة بشكل دقيق وسريع ، بل قد تكون سابقة للأحداث في بعض الأحيان ؛ لتتمكّن تلك الجماعة من تجاوز ما يحاك ضدّها كما أنّ إجراءات الإمام وأساليبه كانت مظهراً لعمل حركي وتنظيمي وعلى درجة عالية من الدقّة والتخطيط ، وهذا ما تكشفه لنا خطابات الإمام عليه‌السلام إلى شيعته والتي كانت تحمل بين طيّاتها أدوات ووسائل مختلفة ومتعدّدة لمواجهة الظروف التي تحيط بها وإليك بعض أساليبه ووسائله وتعليماته الخاصّة بهذا الصدد :

أ ـ الحذر من تدوين الأُمور

كان الإمامعليه‌السلام يحذّر أصحابه من تدوين وكتابة بعض الأمور ، وخصوصاً ما كان يتعلّق بعلاقات ووضع الجماعة الصالحة ومواقفها ، فعن داود الصرمي قال : أمرني سيدي بحوائج كثيرة فقالعليه‌السلام لي :قل كيف تقول ؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي ، فمدّ الدواة وكتب :( بسم الله الرحمن الرحيم اذكره إن شاء الله والأمر بيد الله ) ، فتبسّمت ، فقالعليه‌السلام :ما لك ؟ قلت : خير ، فقال :اخبرني ؟ قلت جُعلت فداك ذكرت

١٦٣

حديثاً حدثني به رجل من أصحابنا عن جدّك الرضاعليه‌السلام إذا أمر بحاجة كتب بسم الله الرحمن الرحيم ، اذكر إن شاء الله فتبسّمت ، فقالعليه‌السلام لي :يا داود ولو قلت : إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً (١) .

فالإمامعليه‌السلام هنا يربط الكتمان والحذر بمفهوم إسلامي وهو ( التقيّة ) والتي وردت بها أحاديث وآيات كريمة كقوله تعالى :( إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) وكذا قوله تعالى :( إلاّ مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ، وهي الآية التي نزلت في قضيّة عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه حيث عذّبه المشركون في مكة لكي ينال من الرسول ويتركوه ، ثم جاء إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له :إن عادوا فعد فلم تكن أوامر الإمامعليه‌السلام بهذا الصدد فقط خشية من انكشافها ، بل إنّه طرحها تأكيداً لهذا المفهوم الذي عُرفت به الشيعة منذ نشوئها امتثالاً لوصايا الأئمةعليهم‌السلام والقرآن الكريم .

ــــــــــــــ

(١) مسند الإمام الهاديعليه‌السلام : ٣٠١ .

١٦٤

ب ـ تغيير الأسماء

كان الإمام عليه‌السلام يذكر في توقيعاته إلى بعض أصحابه وينسبهم إلى عبيد بن زرارة وكانوا قد عُرفوا ببني الجهم وهم من أكابر بيوت الشيعة وأصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، فعن الزراري ( أحدهم ) قال : إنّ ذلك تورية وستراً من قِبل الإمام عليه‌السلام ثم اتسع ذلك وسمّينا به ، وكان عليه‌السلام يكاتبه في أمور له بالكوفة وبغداد (١) .

ج ـ التحذير من الحديث في الأماكن العامّة

كان الإمامعليه‌السلام يمنع بعض أصحابه من الحديث والمساءلة في الطريق وغيره من الأماكن التي يكون فيها عيون للسلطان .

فعن محمد بن شرف قال : كنت مع أبي الحسنعليه‌السلام أمشي في المدينة فقال لي : ألست ابن شرف ؟ قلت بلى ، فأردت أن أسأله عن مسألة فابتدأني من غير أن أسأله فقال : ( نحن على قارعة الطريق وليس هذا موضع مسألة ) .

د ـ النفوذ في جهاز السلطة

لقد استولى بنو العباس على السلطة وتولّوا أمر الأمة بالقهر والغلبة بعد سقوط الدولة الأموية سنة (١٣٢ هـ) ، وعاثوا في الأرض الفساد حيث استشرى أمرهم فكان القتل والتشريد وابتزاز الأموال على قدمٍ وساق ، ولم تكن حكومتهم ذات شرعية إسلامية ، ومن هنا كان العمل معهم غير مشروع ، وقد كتب محمد بن علي بن عيسى ـ أحد أصحاب الإمامعليه‌السلام ـ إلى الإمام الهاديعليه‌السلام يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما يتمكّن من أموالهم ، هل فيه رخصة ؟ فقالعليه‌السلام :( ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل به العذر ، وما خلا ذلك فمكروه ، ولا محالة قليله خير من كثيره ، وما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه ويسبّب على يديه ما يسرك فينا وفي موالينا ) .

ــــــــــــــ

(١) تاريخ الكوفة : ٣٩٣ .

١٦٥

ولمّا وافى كتاب الإمامعليه‌السلام إلى محمد بن علي بن عيسى بادر فكتب للإمامعليه‌السلام : ( إنّ مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه وانبساط اليد في التشفّي منهم بشيء أتقرّب به إليهم ، فأجاب الإمامعليه‌السلام مَن فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً بل أجراً وثواباً )(١) .

لقد وضع الإمامعليه‌السلام في النصّين أعلاه ضوابط العمل مع السلطان الجائر التي تتلخّص في توفير وسيلة لإضعاف الظالمين ، أو تحقيق خدمة لمواليه المظلومين .

نظام الوكلاء

بعد أن أكّد الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام على دورهم القيادي الديني في أوساط الجماعة الصالحة وأوضحوا أهمّيّة الولاء لهم ، وأخذت تتسع الرقعة الجغرافية لأتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، واحتاجوا إلى مَن يلبّي حاجاتهم الدينية ويكون حلقة وصل بينهم وبين أئمتهمعليهم‌السلام بادر الأئمةعليهم‌السلام إلى تعيين الوكلاء المعتمدين لهم في مختلف المناطق وأرجعوا إليهم أتباعهم .

ــــــــــــــ

(١) مستطرفات السرائر : ٦٨ ح ١٤ وعنه في وسائل الشيعة ١٧ : ١٩ ح ٩ ب ٤٥ ، وسائل الشيعة : ١٢ / ١٣٧ .

١٦٦

والمهامّ التي تولاّها الوكلاء لهم تمثّلت في بيان الأحكام الشرعية والمواقف السياسية والاجتماعية ، وتوجيه النصائح الأخلاقية والتربوية ، واستلام الحقوق الشرعية وتوزيعها ، وفصل النزاعات وتولّي الأوقاف وأمور القاصرين الذين لا وليّ لهم .

وتعتبر الوثاقة أو العدالة شرطاً أساسياً في الوكيل فضلاً عن إيمانه ومعرفته بأحكام الشريعة وشؤونها ، ولباقته السياسية وقدرته على حفظ أسرار الإمام وأتباعه من الحكّام وعيونهم .

والوكلاء منهم مَن يرتبط بالإمامعليه‌السلام بشكل مباشر ، ومنهم مَن يرتبط به بواسطة وكيل آخر يعتبر محوراً لمجموعة من الوكلاء في مناطق متقاربة .

ويعود تاريخ تأسيس هذا النظام إلى عصر الإمام الصادقعليه‌السلام أو مَن سبقه من الأئمةعليهم‌السلام غير أنّه قد اتّسع نطاقه وبدأ يتكامل بعد عصر الإمام الصادقعليه‌السلام نظراً للتطوّرات السياسية والمشاكل الأمنية التي أخذت تحيط بالجماعة الصالحة وتهدّد وجودهم وكيانهم .

ومنذ عصر الإمام الجوادعليه‌السلام وحتى ابتداء الغيبة الصغرى كان لهذا النظام دور فاعل وكبير جداً في حفظ كيان الجماعة الصالحة ووقايته من التفتّت والانهيار .

وبفضل هذا النظام والعناصر الفاعلة فيه أصبح الانتقال إلى عصر غيبة الإمام المهديعليه‌السلام ميسوراً ، وقلّت المخاطر الناشئة من ظاهرة الغيبة للإمام المعصوم إلى حدّ كان نظام الوكلاء بكل خصائصه قد تطوّر إلى نظام النيابة الخاصّة في عصر الغيبة الصغرى ؛ فكان السفير هو النائب الخاص الذي يقوم بدور الإمام الموجّه لمجموعة الوكلاء وهو الذي يقوم بدور الوساطة بين الإمام والوكلاء وبين الإمام وأتباع الإمام عبر هؤلاء الوكلاء .

١٦٧

أمّا مناطق النفوذ ومناطق تواجد الوكلاء ، ففي الحجاز كانت المدينة ومكة واليمن ، وفي العراق ، كانت الكوفة وبغداد وسامراء وواسط والبصرة وفي إيران كانت خراسان الكبرى ، بما فيها نيسابور وبيهق وسبزوار وبخارا وسمرقند وهرات ، وقم وآوه والري وقزوين وهمدان وآذربايجان وقرميسين والأهواز وسيستان وبست وفي شمال أفريقيا كانت مصر أيضاً من مناطق تواجد أتباع أهل البيتعليهم‌السلام التي استقرّ فيها وكلاؤهم وقاموا بدور همزة الوصل المهمّة وحقّقوا بذلك جملة من مهامّ الأئمةعليهم‌السلام .

وكلاء الإمام الهاديعليه‌السلام

قد وقفنا على أسماء جملة من وكلاء الإمام الهاديعليه‌السلام في مختلف المناطق وهم:

١ ـ إبراهيم بن محمد الهمداني .

٢ ـ أبو علي ابن راشد .

٣ ـ أحمد بن إسحاق الرازي .

٤ ـ علي بن جعفر الوكيل .

٥ ـ محمد بن إبراهيم بن مهزيار .

٦ ـ الحسين بن عبد ربّه .

٧ ـ أبو علي بن بلال .

٨ ـ أيوب بن نوح .

٩ ـ جعفر بن سهيل الصيقل .

١٠ ـ علي بن مهزيار الأهوازي .

١١ ـ فارس بن حاتم .

١٢ ـ علي بن الحسين بن عبد ربّه

١٣ ـ عثمان بن سعيد العمري .

١٦٨

وقد انحرف بعضهم عن الطريق الذي رُسم له ، وكان الأئمةعليهم‌السلام يوضحون الأمر عند انحراف بعض الوكلاء عن الطريق المقرر لهم حينما كانت تغريهم الأموال التي يحصلون عليها فيستغلون منصب الوكالة لأغراض دنيوية مادية ولا يسمحون لهم بإغراء الناس واستغلالهم .

إنّ جهاز الوكلاء الذي عرفنا مهامّه يعتبر أحد عوامل التحصين الأمني للجماعة الصالحة في عصر الإمام بالنسبة للإمام وبالنسبة لأتباعه أيضاً .

وسوى هذه المهمّة الكبيرة يساهم نظام الوكلاء في التحصين الاقتصادي والقضائي والسياسي للجماعة الصالحة فهو جهاز حسّاس ومهمّ للغاية ، وهذا هو السبب في اهتمام الأئمةعليهم‌السلام به وسعيهم المتواصل لتطويره والسهر على صيانته من عوامل الضعف والانهدام .

وسوف نرى ضرورة تكوين هذا الجهاز من حيث إنّه خير وسيلة لإعداد الجماعة الصالحة للدخول في عصر الغيبة والحيلولة دون تأثير صدمة الغيبة والانقطاع عن الإمام المعصومعليه‌السلام على أتباع أهل البيت عليهم‌السلام الذين ألفوا رؤية الإمام واللقاء به خلال قرنين ونصف قرن من الزمن .

التحصين الاقتصادي

عرفنا ـ ممّا ذكر ـ أنّ التحصين الاقتصادي هو أحد الأهداف المنظورة في تخطيط أهل البيتعليهم‌السلام للجماعة الصالحة التي أرادوا لها أن تستقلّ في كيانها ، وتبتعد عن عوامل الضعف والانهيار التي تفرضها الظروف السياسية أو الاقتصادية العامّة .

ولنظام الوكلاء دور مهم في هذا التحصين ، كما أنّ الإمامعليه‌السلام بنفسه كان يباشر قضاء حوائجهم المادية في جملة من الأحيان .

١٦٩

دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعليّ بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكريّ فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال : يا أبا عمر ـ وكان وكيله ـ ادفع إليه ثلاثين ألف دينار وإلى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار وخذ أنت ثلاثين ألف دينار(١) .

وعن أبي هاشم قال : شكوت إليه قصور يدي فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالساً فناولني منه كفّاً وقال : اتّسع بهذا فقلت لصايغ : اسبك هذا فسبكه وقال : ما رأيت ذهباً أشدّ حمرة منه(٢) .

وعن عبد الله بن عبد الرحمان الصّالحي أنّه شكا أبو هاشم إلى أبي الحسنعليه‌السلام ما لقي من السوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد وقال : يا سيّدي ادع الله لي فمالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه قال : قوّاك الله يا أبا هاشم وقوى برذونك قال : وكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد والظهر بسُرّ مَن رأى والمغرب ببغداد إذا شاء(٣) .

وبهذا نختم الكلام عن الخطوط العامّة لدور الإمامعليه‌السلام في إكمال بناء الجماعة الصالحة وتحصينها وإعدادها للدخول إلى عصر الغيبة الذي سوف تقترب منه بسرعة .

ــــــــــــــ

(١) المناقب : ٢/٤٨٨ .

(٢) المناقب : ٢/٤٨٨ .

(٣) المناقب : ٢/٤٤٨ .

١٧٠

الفصل الثالث : الإمام الهاديعليه‌السلام في ذمّة الخلود

استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام

ظلّ الإمام الهاديعليه‌السلام يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث لآبائه الطّاهرين ، وقد قال الإمام الحسنعليه‌السلام :ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم (١) .

قال الطبرسي وابن الصباغ المالكي : في آخر ملكه ( أي المعتز ) ، استشهد وليّ الله علي بن محمدعليهما‌السلام (٢) .

وقال ابن بابويه : وسمّه المعتمد(٣) .

وقال المسعودي : وقيل إنّه مات مسموماً(٤) ; ويؤيد ذلك ما جاء في الدّعاء الوارد في شهر رمضان : وضاعف العذاب على مَن شرك في دمه(٥) .

وقال سراج الدين الرفاعي في صحاح الأخبار : ( وتوفّي شهيداً بالسمّ في خلافة المعتز العباسي ) .

وقال محمد عبد الغفار الحنفي في كتابه أئمة الهدى : ( فلمّا ذاعت

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٢٧/٢١٦ ، ح ١٨ .

(٢) إعلام الورى : ٣٣٩ ـ الفصول المهمّة : ٢٨٣ .

(٣) بحار الأنوار : ٥٠/٢٠٦ ، ح ١٨ ، المناقب : ٤/٤٠١ .

(٤) مروج الذهب : ٤/١٩٥ .

(٥) بحار الأنوار : ٥٠/٢٠٦ ح ١٩ .

١٧١

شهرتهعليه‌السلام استدعاه الملك المتوكل من المدينة المنوّرة حيث خاف على ملكه وزوال دولته وأخيراً دسّ إليه السمّ )(١) .

والصحيح أنّ المعتز هو الذي دسّ إليه السمّ وقتله به .

ويظهر أنّه اعتلّ من أثر السمّ الذي سُقي كما جاء فى رواية محمّد بن الفرج عن أبي دعامة ، حيث قال : أتيت عليّ بن محمدعليه‌السلام عائداً في علّته التي كانت وفاته منها ، فلمّا هممت بالانصراف قال لي :يا أبا دعامة قد وجب عليّ حقّك ، ألا أُحدّثك بحديث تسرّ به ؟ قال : فقلت له : ما أحوجني الى ذلك يا ابن رسول الله .

قال :حدّثني أبي محمد بن عليّ ، قال : حدثّني أبي عليّ بن موسى ، قال : حدثّني أبي موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن عليّ ، قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن عليّ ، قال : حدّثني أبي علي ابن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ اكتب : فقلت : وما أكتب ؟ فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم الإيمان ما وقّرته القلوب وصدّقته الأعمال ، و الإسلام ما جرى على اللّسان ، وحلّت به المناكحة .

قال أبو دعامة : فقلت : يا ابن رسول الله ، والله ما أدري أيّهما أحسن ؟ الحديث أم الإسناد ! فقال :إنّها لصحيفة بخطّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام وإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتوارثها صاغراً عن كابر (٢) .

قال المسعودي : واعتلّ أبو الحسنعليه‌السلام علّته التي مضى فيها فأحضر أبا محمّد ابنهعليه‌السلام فسلّم إليه النّور والحكمة ومواريث الأنبياء والسّلاح(٣) .

ونصّ عليه وأوصى إليه بمشهد من ثقات أصحابه ومضىعليه‌السلام وله أربعون سنة (٤) .

ــــــــــــــ

(١) راجع : الإمام الهادي من المهد إلى اللحد : ٥٠٩ ـ ٥١٠ .

(٢) بحار الأنوار : ٥٠/٢٠٨ ، مروج الذهب : ٤/١٩٤ .

(٣) إثبات الوصيّة : ٢٥٧ .

(٤) بحار الأنوار : ٥٠/٢١٠ .

١٧٢

تجهيزه وحضور الخاصّة والعامّة لتشييعه

ولمّا قضى نحبه تولّى تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ولده الإمام أبو محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ؛ وذلك لأنّ الإمام لا يتولّى أمره إلاّ الإمام .

وما انتشر خبر رحيله إلى الرفيق الأعلى حتّى هرعت الجماهير من العامّة والخاصّة إلى دار الإمامعليه‌السلام وخيّم على سامراء جو من الحزن والحداد .

قال المسعودي : وحدّثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنّه دخل الدار وقد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين والعبّاسيين ( والقوّاد وغيرهم ) ، واجتمع خلق من الشّيعة ، ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمدعليه‌السلام ولا عرف خبرهم ، إلاّ الثّقاه الذين نصّ أبو الحسنعليه‌السلام (عندهم) عليه ، فحكوا أنّهم كانوا في مصيبة وحيرة ، فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر يا رياش خذ هذه الرقعة وامض بها إلى دار أمير المؤمنين وادفعها إلى فلان ، وقل له : هذه رقعة الحسن بن علي فاستشرف النّاس لذلك ثم فتح من صدر الرّواق باب وخرج خادم أسود ، ثم خرج بعده أبو محمدعليه‌السلام حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة ( ملحمة ) بيضاء .

وكانعليه‌السلام وجهه وجه أبيه عليه‌السلام لا يخطئ منه شيئاً ، وكان في الدّار أولاد المتوكّل وبعضهم ولاة العهود ، فلم يبق أحد إلاّ قام على رجله ووثب إليه أبو أحمد [ محمّد ] الموفّق ، فقصده أبو محمّد عليه‌السلام فعانقه ، ثم قال له : مرحباً بابن العمّ وجلس بين بابي الرّواق ، والناس كلّهم بين يديه ، وكانت الدار كالسّوق بالأحاديث ، فلما خرج عليه‌السلام وجلس أمسك الناس ، فما كنّا نسمع شيئاً إلاّ العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن عليه‌السلام ، فقال أبو محمد : ما هاهنا مَن يكفينا مؤونة هذه الجاهلة ، فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار .

ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمّد فنهضعليه‌السلام ، وأُخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى أُخرج بها إلى الشارع الذي بإزاء دار موسى بن بغا ، وقد كان أبو محمدعليه‌السلام صلّى عليه قبل أن يخرج إلى النّاس ، وصلّى عليه لمّا أُخرج المعتمد .

١٧٣

قال المسعودي : وسمعت في جنازته جارية سوداء وهي تقول : ماذا لقينا في يوم الاثنين ( قديماً وحديثاً )(١) .

ودُفن في داره بسرّ من رأى ، وكان مقامهعليه‌السلام ( بسرّ مَن رأى ) إلى أن توفّي عشرين سنة وأشهراً(٢) .

قال المسعودي : واشتدّ الحرّ على أبي محمدعليه‌السلام وضغطه النّاس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فسار في طريقه إلى دكّان لبقّال رآه مرشوشاً فسلّم واستأذنه في الجلوس فأذن له ، وجلس ووقف الناس حوله .

فبينا نحن كذلك إذ أتاه شاب حسن الوجه نظيف الكسوة على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض قد نزل عنه ، فسأله أن يركبه فركب حتّى أتى الدار ونزل ، وخرج في تلك العشيّة إلى الناس ما كان يخرج عن أبي الحسنعليه‌السلام حتّى لم يفقدوا منه إلاّ الشّخص (٣) .

لماذا دُفن الإمامعليه‌السلام في بيته ؟

لقد جرت العادة عند العامّة والخاصّة أنّه إذا توفّي أحدٌ أن يدفن في المكان المعدّ للموتى المسمّى ـ بالمقبرة أو الجبّانة ـ كما هو المتعارف في هذا العصر أيضاً ، ولا يختلف هذا الأمر بالنسبة لأيّ شخص مهما كان له من المكانة

ــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٥٠/٢٠٧ ح ٢٢ ، مروج الذهب ٤/١٩٣ .

(٢) إعلام الورى : ٣٣٩ .

(٣) إثبات الوصية : ٢٥٧ ، الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٢ .

١٧٤

والمنزلة ، فقد كان ولا يزال في المدينة المحل المُعدّ للدّفن ـ البقيع ـ حيث إنّه مثوى لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأولاده ، وكبار الصحابة والتابعين وغيرهم ، كما وأنّ مدفن الإمامين الجوادينعليهما‌السلام في مقابر قريش .

وأمّا السبب في دفن الإمام الهاديعليه‌السلام داخل بيته ، يعود إلى حصول ردود الفعل من الشيعة يوم استشهادهعليه‌السلام ؛ وذلك عندما اجتمعوا لتشييعه مظهرين البكاء والسخط على السلطة والذي كان بمثابة توجيه أصابع الاتهام إلى الخليفة لتضلّعه في قتله .

وللشارع الذي أُخرجت جنازة الإمامعليه‌السلام إليه الأثر الكبير ؛ حيث كان محلاًّ لتواجد معظم الموالين آل البيتعليهم‌السلام إذ ورد في وصفه : الشارع الثّاني يعرف بأبي أحمد أول هذا الشارع من المشرق دار بختيشوع المتطبّب التي بناها المتوكل ، ثم قطائع قوّاد خراسان وأسبابهم من العرب ، ومن أهل قم ، وإصبهان ، وقزوين ، والجبل ، وآذربيجان ، يمنة في الجنوب ممّا يلي القبلة(١) .

ويشير إلى تواجد أتباع مدرسة أهل البيت في سامراء المظفري في تاريخه إذ يقول : فكم كان بين الجند ، والقوّاد ، والأُمراء ، والكتّاب ، مَن يحمل بين حنايا ضلوعه ولاء أهل البيتعليهم‌السلام (٢) .

كلّ هذا أدّى إلى اتّخاذ السلطة القرار بدفنهعليه‌السلام في بيته ، وإن لم تظهر تلك الصورة في التاريخ بوضوح ، إلاّ أنّه يفهم ممّا تطرّق إليه اليعقوبي في تاريخه عند ذكره حوادث عام (٢٥٤ هـ) ووفاة الإمام الهاديعليه‌السلام حيث يقول : وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكّل فصلّى عليه في الشارع المعروف

ــــــــــــــ

(١) موسوعة العتبات المقدّسة : ١٢/٨٢ .

(٢) تاريخ الشيعة : ١٠١ .

١٧٥

بشارع أبي أحمد ، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم ، فردّ النعش إلى داره ، فدُفن فيها (١) وتمكّنوا بذلك من إخماد لهيب الانتفاضة والقضاء على نقمة الجماهير الغاضبة ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على وجود التحرّك الشيعي رغم الظروف القاسية التي كان يعاني منها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم من سلطة الخلافة الغاشمة .

انتشار خبر استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام في البلاد

روى الحسين بن حمدان الحضيني في كتاب الهداية في الفضائل : عن أحمد ابن داود القميّ ، ومحمّد بن عبد الله الطلحي قالا : حملنا مالاً اجتمع من خُمس ونذور من بين ورق وجوهر وحُليّ وثياب من بلاد قم وما يليها ، وخرجنا نريد سيّدنا أبا الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام بها ، فلمّا صرنا إلى دسكرة الملك(٢) تلقّانا رجل راكب على جمل ، ونحن في قافلة عظيمة ، فقصَدَنا ونحن سائرون في جملة الناس وهو يعارضنا بجمله حتى وصل إلينا ، فقال : يا أحمد ابن داود ومحمّد بن عبد الله الطلحي معي رسالة إليكم ، فأقبلنا إليه فقلنا له : ممّن يرحمك الله فقال : من سيّدكما أبي الحسن عليّ بن محمّدعليهما‌السلام يقول لكما : أنا راحل إلى الله في هذه الليلة ، فأقيما مكانكما حتى يأتيكما أمر ابني أبي محمد الحسن ، فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وأخفينا ذلك ، ولم نظهره ، ونزلنا بدسكرة الملك واستأجرنا منزلاً وأحرزنا ما حملناه فيه ، وأصبحنا والخبر شائع

ــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢/٥٠٣ .

(٢) الدسكرة : قرية في طريق خراسان قريبة من شهربان ( وهي قرية كبيرة ذات نخل وبساتين من نواحي الخالص شرقي بغداد ) ، وهي دسكرة الملك ( معجم البلدان : ٢/٤٥٥ و٣/٣٧٥ ) .

١٧٦

في الدّسكرة بوفاة مولانا أبي الحسنعليه‌السلام ، فقلنا : لا إله إلاّ الله أترى الرّسول الذي جاء برسالته أشاع الخبر في الناس ؟ فلمّا أن تعالى النّهار رأينا قوماً من الشّيعة على أشدّ قلق ممّا نحن فيه ، فأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره(١) .

تاريخ استشهادهعليه‌السلام

اختلف المؤرّخون في يوم استشهادهعليه‌السلام ، كما اختلفوا في مَن دسّ إليه السمّ .

والتحقيق أنّهعليه‌السلام استشهد في أواخر ملك المعتزّ كما نصّ عليه غير واحد من المؤرّخين ، وبما أنّ أمره كان يهمّ حاكم الوقت ، وهو الذي يتولّى تدبير هذه الأمور كما هو الشأن ، فإنّ المعتزّ أمر بذلك ، ويمكن أنّه استعان بالمعتمد في دسّ السمّ إليه .

وأمّا يوم شهادتهعليه‌السلام فقد قال ابن طلحة في مطالب السؤول : إنّه مات في جمادى الآخرة لخمس ليال بقين منه ووافقه ابن خشّاب(٢) ، وقال الكليني في الكافي : مضى صلوات الله عليه لأربع بقين من جمادى الآخرة(٣) ; ووافقه المسعودي(٤) .

وأمّا المفيد في الإرشاد ، والإربلي في كشف الغمّة ، والطبرسي في إعلام الورى ، فقالوا : قبضعليه‌السلام في رجب ، ولم يحدّدوا يومه(٥) .

وقال أبو جعفر الطوسي في مصابيحه ، وابن عيّاش ، وصاحب الدّروس :

ــــــــــــــ

(١) الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٣ .

(٢) الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٥ و ٢٢٧ .

(٣) الكافي : ١/٤٩٧ .

(٤) مروج الذهب : ٤/١٩٣ .

(٥) الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٦ و ٢٢٧ ، إعلام الورى : ٣٣٩ ، كشف الغمّة ٢ : ٣٧٦ .

١٧٧

إنّه قُبض بسرّ مَن رأى يوم الاثنين ثالث رجب(١) ووافقهم الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين حيث قال : توفّيعليه‌السلام بـ (سرّ مَن رأى) لثلاث ليال خلون نصف النّهار من رجب(٢) ; وللزرندي قول : بأنّه توفّي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب(٣) .

ولكنّ الكلّ متّفقون على أنّه استشهد في سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة(٤) .

وعن الحضيني أنّه قال : حدّثني أبو الحسن عليّ بن بلال وجماعة من إخواننا أنّه لما كان اليوم الرابع من وفاة سيّدنا أبي الحسنعليه‌السلام أمر المعتزّ بأن ينفذ إلى أبي محمدعليه‌السلام مَن يستركبه إليه ليعزّيه ويسأله ، فركب أبو محمدعليه‌السلام إلى المعتزّ فلمّا دخل عليه رحّب به وقرّبه وعزّاه وأمر أن يُثبت في مرتبة أبيهعليهما‌السلام وأثبت له رزقه وأن يدفعه فكان الذي يراه لا يشكّ أنّه في صورة أبيهعليهما‌السلام .

واجتمعت الشيعة كلّها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه إلاّ أصحاب فارس بن حاتم بن ماهويه فإنّهم قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن أبي الحسن صاحب العسكر(٥) .

إنّ ما صدر من المعتزّ هذا كان من باب التمويه والخداع لكي يغطّي على جريمته التي ارتكبها بحقّ أبيه ، وهذا كان ديدن مَن تقدّمه من الطواغيت تجاه أئمة أهل البيتعليهم‌السلام (٦) .

ــــــــــــــ

(١) الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٥ ، بحار الأنوار : ٥٠/٢٠٦ ، ح ١٧ .

(٢) روضة الواعظين : ١/٢٤٦ .

(٣) الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٦ .

(٤) راجع : لمحات من حياة الإمام الهادي عليه‌السلام : ١١٢ ـ ١٢٠ محمد رضا سيبويه .

(٥) الدمعة الساكبة : ٨/٢٢٥ .

(٦) لمحة من حياة الإمام الهادي عليه‌السلام : ١٢١ ـ ١٢٢ .

١٧٨

الفصل الرابع : مدرسة الإمام الهاديعليه‌السلام وتراثه

لقد تميّز عصر الإمام الهاديعليه‌السلام عن عصر أبيه الإمام محمد الجوادعليه‌السلام بزيادة الكبت والضغط عليه من قِبل السلطة حتى كانت الرقابة الدائمة هي الأمر المميّز والفارق الواضح في حياته وحياة ابنه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

كما أنّ الإمام الهاديعليه‌السلام شارك أباه الجوادعليه‌السلام في تولّي مهمّة الإمامة في صغر السن وقبل إكمال عقده الأوّل من العمر فكانت الإمامة المبكّرة وتوجّس السلطة من قيادة خط المعارضة الذي دام قرنين وثلاثة عقود من الزمن في عهدهعليه‌السلام ، وترقّب ظهور المهدي من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ولده هي ثلاث مميزات تميّزت بها فترة إمامته ، ومن هنا شدّدت الرقابة إلى أقصى حدّ ممكن حتى انتهت إلى التصفية الجسدية بعد أن سيطر الخوف والرعب على طغاة عصره .

ومن هنا فإنّ كثرة أصحاب الإمام ـ والذين أحصاهم أحد المهتمّين بتأريخ هذا الإمام العظيم(١) حيث ترجم لـ (٣٤٦) شخصاً كانوا قد ارتبطوا بالإمام ورووا عنه ـ وهو في تلك الظروف العصيبة ، لها دلالة كبيرة وواضحة على سعة نشاط الإمام الهاديعليه‌السلام في تلك الظروف الصعبة ، وعظمة هذا

ــــــــــــــ

(١) راجع الإمام الهادي من المهد إلى اللحد ، السيد محمد كاظم القزويني .

١٧٩

الإمام الذي استوعب بنشاطه السرّي والمنظّم كل تلك العقبات واجتازها بما يحقّق له أهدافه من التمهيد فكرياً وعقائدياً ونفسيّاً لعصر الغيبة المرتقب محافظاً على خط المعارضة بشكل تام ، مراقباً للأحداث بشكل مستمر ومقدّماً لكل ظرف مستجد ما يتطلّبه من الخطوات والأنشطة ، مراعياً التقدّم الحضاري الذي كانت الأُمّة الإسلامية على مشارفه وهو يريد أن تكون الجماعة الصالحة في موقع القيادة والقمّة منه دائماً ، وهكذا كان ومن هذه الزاوية ينبغي أن نطالع ما وصلنا من تراثه ومعالم مدرسته .

وينقسم الحديث في هذا الفصل إلى حقلين : الأوّل : مدرسة الإمام الهادي المتمثلة في أصحابه ورواة حديثه والثاني : تراثه الفكري والعلمي المدوّن أو المروي عنه .

البحث الأوّل : أصحاب الإمامعليه‌السلام ورواة حديثه

كان الإمام الهاديعليه‌السلام مقصداً لطلاب العلوم لتنوع ثقافته وشمول معارفه ، فهوعليه‌السلام المتخصّص في جميع العلوم ، والخبير في تفسير القرآن الكريم ، والمتضلّع في الفقه الإسلامي بشتى حقوله ومستوياته .

وقد مثّل أصحابه الخط الرسالي في الأمة الإسلامية ، باعتبار اتصالهم بأهل البيتعليهم‌السلام ، فرووا أحاديثه ودوّنوها في أصولهم ؛ فكان لهم الفضل الكبير على العالم الإسلامي بما دوّنوه من تراث الأئمة الطاهرين فلولاهم لضاعت ثروة كبيرة تشتمل على الإبداع والأصالة وتساير تطوّر الفكر البشري ، بل وتتقدم عليه .

وتجدر الإشارة إلى أنّ كثيراً من ملامح عمل الإمام الهاديعليه‌السلام تنكشف من خلال أنشطة أتباعه المعتمدين ، وتتعمّق هذه الحقيقة بمقدار اشتداد الظروف الداعية للسرّية في عمل الإمام عليه‌السلام .

١٨٠