الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية0%

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 580

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جلال معاش
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 580
المشاهدات: 159858
تحميل: 5431

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 580 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 159858 / تحميل: 5431
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمام الحسينعليه‌السلام والوهابيّة

دراسة تحليلية لأخلاقيات الإمام الحسينعليه‌السلام

وعقائد ومواقف الوهابيّة

المولف: الشيخ جلال مَعاش

انتشارات ياس زهراءعليها‌السلام

١

الإمام الحسينعليه‌السلام والوهابيّة.

المؤلف: الخطيب الحسيني الشيخ جلال معاش.

الناشر: ياس الزهراء (سلام الله عليها).

المطبعة: سيماي كوثر.

الطبعة: الأولى ذو الحجّة ١٤٢٩ هـ.

عدد المطبوع: ١٥٠٠.

ردمك: ٣ - ٦٣ - ٢٨٤٣ - ٩٦٤ - ٩٧٨

مركز التوزيع: إيران - قم - شارع ٤٥ متري عمّار ياسر - فرع ٦ - الرقم ١ - الطابق ٣.

الناشر: ياس الزهراء (سلام الله عليها) الهاتف: ٩٨٢٥١٧٧١١٦٧٥ + / المحمول: ٠٩١٢٢٥١٠٥٢٦

٢

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *

الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ *

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ *

٣

الإهداء

عفوك سيّدي ومولاي عفوك أتطلّع إليك وأنت بظهر الغيب

وأنت عنواني وأنت رسالتي وأنت هويّتي

إليك يا سيّدي يا صاحب العصر والزمان

يا خليفة الرحمان ومفسِّر القرآن

يابن الحسين الشهيد العطشان الظمآن

إليك يا مولاي يا صاحب الفرج الموعود والعدل المشهود

يا أمل الشعوب، ورجاء المستضعفين

إليك يا إمامي يابن الرسول المصطفى، وعلي الوصي المرتضى، والطهر البتول فاطمة

إليك يا حجّة الله على خلقه، وخاتم أوليائه على أرضه

إليك يا وليّ الدماء الزاكية التي هُدرت على طول المدى ظلماً وعدواناً

إليك يا آخذاً بثأر جدّك سيّد الشهداء ورايتك المظفّرة (يا لثارات الحسين) ..

أرفع هذا القليل؛ لكي أتعطَّر بذكر وطيب أخلاق جدّك الإمام الحسينعليه‌السلام

إنّها بضاعة مزجاة إلى مقامكم السّامي، من خادمكم هذا العبد الفاني

ورجائي القبول وأملي الشفاعة يوم لا ينفع مال ولا بنون

والسّلام عليك أيّها المخلّص، وأيها المنقذ للبشريّة كافّة

المؤلّف

٤

تقديم

ما زال الإمام الحسينعليه‌السلام يحبّبنا بالإسلام، وبدعوة جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله التي وصفها الباري (عزّ وجلّ) في كتابه بقوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (١) .

والإمام الشهيد أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويسير في طريق الإصلاح، مقتدياً بنهج جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح ما أفسده صبيان بني أُميّة وزبانيتهم.

أُميّة: تلك الشجرة الملعونة في القرآن، والتي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار بظهور الإسلام على الجاهليّة، وانتصار الخير والفضيلة على الشرّ والرذيلة. أُميّة هي مصيبة الإسلام ومحنته التي امتحن بها رجالاته كلّهم، بدءاً من الرسول الأعظم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أصْلاه أبو سفيان حرباً ضروساً شعواء دامت حتّى الفتح المبين لمكّة المكرّمة.

ثمّ جاء عثمان بن عفّان الذي جُعِلَ البديل والند لأمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام في مهزلة التحكيم، وما سمّي بالشورى السداسية، وما تنحَّى عن

_____________________

(١) سورة الأنفال / ٢٤.

٥

صدر الأُمّة إلاّ بعد أن سلَّط عليها صبيان بني أُميّة الفاسقين المنافقين، لا سيما معاوية بن أبي سفيان الذي كان يتمتّع بدهاء سياسي منافق من الطراز الأوّل، فحارب إمام زمانه الشّرعي في صفين، وتسنَّم المكان الأرفع بعد شهادة الإمام عليعليه‌السلام ، وصلح الإمام الحسنعليه‌السلام حفاظاً على الإسلام الحنيف، وعلى بعض الشخصيات والرموز المرموقة في دين الإسلام، فتحوّل الحكم على يديه إلى ملك عضوض، كما أنذر بذلك رجل الحياة الأوّل الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل.

ولم يهلك معاوية حتّى أخذ البيعة لولده الفاسق الفاجر يزيد الذي ليس له في الدين حظٌّ ولا نصيب؛ لا من بعيد ولا من قريب، وأوّل ما جلس على كرسي الحكم توجّه إلى سرجون النصراني الرومي يستشيره في تنفيذ وصيه أبيه معاوية التي أوصاه فيها بأخذ البيعة من الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ لأنّه لا شرعية ولا طاعة له إلاّ بها، وبعض الشخصيات الأُخرى كعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر.

وكان أوّل عمل له من مخازيه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، أن أمر بقتل سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيّد شباب أهل الجنّة، الإمام الحسينعليه‌السلام على تراب كربلاء الطاهر الزكي.

ومن شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء انطلقت مسيرة الحقّ النورانية، وشاع النور، وأضاء جميع الأرجاء، بمجرّد انفجار أوّل جرح في أجساد أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام حتّى كان الفتح باستشهاد الشهداء وسيّدهم الإمام الحسينعليه‌السلام .

من ذاك اليوم العصيب العاشر من المحرّم لعام ٦١ للهجرة الشريفة بدأ الإسلام بمسيرة التصحيح الحسيني المباركة، ولكنّها كانت

٦

مقترنة بالعناء والشقاء والدماء. من ذلك اليوم وعلى طول الخطّ حتّى يومنا هذا الذي نعيش فيه.

نعم، يفصلنا عن عاشوراء قرون وسنون متطاولة، إلاّ إنّنا نحياها في كلّ عام، بل في كلّ يوم، وكأنّها تحدث الآن، مع فرق واحد وجوهري، هو أنّنا في عصر النور والحضارة الإلكترونية العملاقة، فأيّ حادث أو حديث يجري في العالم يصل باللحظة، ومباشرة إلى أربع جهات المسكونة بالفضائيات المختلفة.

ألم نرَ ونسمع ونتعجّب ممّا حدث في عاشوراء هذا العام (١٤٢٥ هجرية) الدامي في كربلاء الإمام الحسينعليه‌السلام ؟! ألم يهتزّ ضمير العالم الحيّ على الأحداث التي جرت، والدماء التي تفجّرت من أجساد المؤمنين التي تحوّلت إلى أشلاء ممزّقة، ولا ذنب لهم إلاّ حبّهم وولاؤهم وشوقهم لزيارة مولاهم سيّد الشهداء، والدعاء تحت قبته الشامخة؟

ولقد هزّت تلك الأحداث هذا الكربلائي المولد، الحسيني الولاء والخطاب، ففاضت قريحته بالكثير من المحاضرات، وأحيا العديد من المجالس الحسينيّة في مختلف دول العالم المعاصر، لا سيما الدول العربية كالكويت، وقطر، والسعودية، والإمارات العربية المتّحدة، ولبنان، وسورية الشام، وكذا تركيا، وكذلك في الدول الأوروبية كبريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا، والسويد، والدانمارك، والنرويج، وفنلندا وكندا.

وراح يفضح بها اُولئك الذين يكنُّون العداء لكلّ الأُمّة الإسلاميّة حين يكفّرونها، وللإنسانيّة جمعاء حين يعملون على القتل والإفساد في البلاد والعباد.

٧

هذا الكربلائي المولد والانتماء، تأثّر بأحداث كربلاء هذا العام أيّما تأثُر، لا سيما وأنّ ولده الأكبر (مهدي) كان هناك في قلب الحدث؛ فراح يفكّر بطريقة إيجابية يوصل بها رسالة الإسلام إلى العالم، وأراد بالبحث في أخلاقيات الإمام الحسينعليه‌السلام القرآنية أن يقول للعالم أجمع: هذا هو الإسلام الذي جاء به الرسول المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قمّة الأخلاق والإنسانيّة. ويقول للسلفية الوهابيّة: هذا هو الإمام الحسينعليه‌السلام الذي نأتم به ونقتدي بمسيرته، ونهتدي بهداه، ونحيي ذكراه، ونفديه بأرواحنا، فهو ابن الإسلام، ومطّبق القرآن بأخلاقيات جدّه وأبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأين أنتم من ذلك كلّه؟!

يا دعاة التكفير لجميع الطوائف الإسلاميّة، اتقوا الله في الأُمّة؛ فإنّ عملكم هذا ليس من الدين الإسلامي في شيء؛ لأنّ الدين المعاملة بالمثل، والجدل بالتي هي أحسن. لقد ابتدعتم ديناً جديداً لا يقدِّس حتّى رسولنا المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

اتقوا الله بالعباد والبلاد إن كان ما تزال لديكم إنسانيّة، وفي قلوبكم رحمة، وفيكم شيء من بقايا ما نسمّيه الضمير يؤاخذكم، فاسمعوا لنداء ربّكم ومواعظ نبيّكم، وأقوال العلماء، وإلهام القلب، ووحي الضمير الحيّ، وتوقّفوا عن أعمالكم الضالّة المضلّة بحقّ هذه الأُمّة التي تكالب عليها الأعداء واللعناء من كلّ جانب؛ يريدون نهشها وتمزيقها، وتقطيع أوصالها، فلا تكونوا أدوات لهم، إلاّ أنّ المخلصين، ولا بدَّ من وجودهم فيكم، يجب أن يرتدعوا، ويتّقوا الله في هذه الأُمّة المرحومة.

وهذا نداء أخلاقي راقٍ، بكلمات تطفح بالفضيلة، وأفعال متّصفة بالجمال

٨

والكمال، ينقلها سماحة الشيخ والخطيب الحسيني جلال معاش في كتابه، وهو من البواكير.

هذا الذي أراد به المقارنة بين الأخلاق الإسلاميّة والأفعال الوهابيّة، فسمّاه بهذا الاسم (الإمام الحسين والوهابيّة).

أسأل الله أن يمدّه من عنده توفيقاً وتسديداً؛ ليتحفنا بمؤلّفات أُخرى إنّه سميع قريب مجيب.

مؤسسة الإمامة

٩

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الأوّل قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد الموت والفناء. الحمد لله على الإيمان، والحمد لله على الإسلام، والحمد لله على الإحسان، والحمد لله على الامتنان، والحمد لله على القرآن، والحمد لله الذي مَنَّ علينا بمحمّد وآله الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين).

والحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، والصلاة والسّلام على محمّد خاتم النبيّين وآل بيته الطّيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

ويبقى الإمام الحسينعليه‌السلام شعارنا إلى الأبد، وإمامنا وسيّدنا على طول المدى.

وتبقى كربلاء قضيتنا، وعاشوراء ملاذنا، والاستشهاد في طريقها ونهجها طلبتنا وأملنا وبغيتنا ما دام فينا عرقٌ ينبض، أو نَفَسٌ يخفق.

وتبقى دماء عاشوراء تغلي في عروقنا، وتفيض بالولاء لسيّد الشهداءعليه‌السلام ، وبالبراءة من أعدائه وقاتليه، وتتفجر عروقنا بأيدينا كشعائر، أو بأيدي أعدائنا

١٠

كشهداء، ولكن لا بدَّ للدم الموالي لأهل البيتعليهم‌السلام أن يُراق في ذكرى عاشوراء الدامية.

في صبيحة العاشر من المحرّم عام ١٤٢٥ هجرية، وأنا اُحيي مقتل الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أخبروني بالفاجعة التي حصلت على أرض كربلاء، نظرت إلى التلفاز وتسمّرت أمام الفضائيات، والعيون عبرى، والصدور حرى، وكأنّ في العين قذى، وفي الحلق شجى على ما جرى في كربلاء، وبقيّة الدول الإسلاميّة، ومساجد شيعة أهل البيت الأطهارعليهم‌السلام .

ولكن ما العمل؟ وكيف النجاة من هذه الفتنة العمياء؟!

فكّرت وتدبّرت وتأمّلت في هذه المصائب التي تتوالى علينا من كلّ ناحية، فرأيت أنّ الأزمة التي نعاني منها هي أزمة أخلاقيّة وحقوقيّة أكثر من أيّ شيء آخر. نعم، إنّ أزمة عالمنا المعاصر اليوم حسب ما شخَّصه العلماء المختصّون:

١ - أزمة أخلاقيّة: لأنّ حضارتنا اليوم بلا أخلاق، بل صارت المفردات الأخلاقيّة هي عبارة عن رذائل في قاموس الحضارييّن من الغرب إلى الشرق، كالشرف والكرامة والحياء والعفّة وغيرها.

٢ - أزمة حقوقيّة: رغم أنّ العالم المستكبر ينادي ويدير العالم تحت شعار (حقوق الإنسان)، إلاّ أنّهم يعتبرون حقوقهم وحدهم ولا حقّ لأحد غيرهم؛ لأنّهم الأقوياء، وأصحاب النادي النووي في العالم، وأمّا العالم فلا حقّ له إلاّ أن ينفِّذ ما يُملى عليه من اُولئك الطّغاة.

١١

وبناءً على ما تقدّم رأيت من واجبي أن أكتب هذه الصفحات لا سيما وأنّ العديد من الإخوة الأعزاء، والأساتذة الأصدقاء، والتلاميذ النجباء، والمعارف والأقرباء، ومنذ زمن يلحّون عليَّ في كتابة تجاربي المنبريّة، باعتباري من خدّام منبر الإمام السبط الشهيد الإمام الحسينعليه‌السلام .

وبما إنّني أتشرّف بخدمته وآله الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وأصعد على أعواد المنابر منذ عشرين عاماً، وما زلت أتنقّل في معظم دول قارتي آسيا وأوروبا التي ينتشر فيها المسلمون من أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، لا سيما أبناء العراق الجريح الذين كانوا من الشعب الذي لا تغيب عنه الشمس.

كما إنّني من أبناء الحوزة العلميّة درساً وتدريساً، حيث قضيت كلّ أيّام حياتي منذ أن وعيت في جنباتها المباركة، وتحت ضلال المرجعيّة الوارفة، ولكن تحت إلحاحات الضغوط الحياتية، والانشغال المكثّف بالعمل الإداري في نشر علوم آل البيتعليهم‌السلام في سائر البلاد كنت أرفض الكتابة، ولا حتّى الاهتمام بتسجيل المحاضرات على كاسيت، أو قرص مضغوط.

لا سيما وإنّني قد أشرفت على طباعة ونشر وتوزيع عشرات الآلاف من الكتب العقائدية الهادفة والمميّزة، والتي لاقت رواجاً في الأوساط الدينية؛ لأنّني كنت وما زلت أتطلّع لنشر مذهب أهل البيتعليهم‌السلام بالكتاب، وإعلان مظلوميتهم على المنبر.

فكنت لا أجد وقتاً للتفكير بالكتابة عدا عن التفرّغ لها، وللبحث حول هذا الطريق الشائك والطويل، إلاّ إنّه جميل ومبارك ورائع.

١٢

وفي العام المنصرم (١٤٢٤ هجرية)، وعندما كنت حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وبعد كلّ ما رأيته بأُمّ عينيّ من أعمال وتصرّفات الملّة التي تسلّطت على أطهر بقاع الأرض، وراحت تكفّر أُمّة (لا إله إلاّ الله)، وتشكّك الحجّاج في دينهم، وتعامل زوّار بيت الله الحرام والرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأقسى وأبشع المعاملة، فما أفظعها وأبشعها وأشنعها أن يُقال لك: (يا مشرك، أو يا كافر) وأنت في رحلة رحمانيّة ربّانية، ربّما لا تتكرّر أبداً في حياة معظم الحجّاج.

ولكنّ هذا هو الذي يحدث، وهذا هو الواقع المأساوي الذي تعيشه الأُمّة الإسلاميّة في كلّ عام، وتبقى مصائب شيعة أهل البيتعليهم‌السلام مضاعفة، فرأيت أنّه من واجبي أن أكتب في هذا الباب، ولكن كيف لي الدخول وأنا أجهل الباب المباشر؟!

حتى اهتديت إلى فكرة إبداعية جديدة: أن أجري شبه مقارنة، بل مفارقة ما بين المناقب الحسينيّة؛ باعتباري خطيباً حسينياً متخصّصاً في هذا المجال، وبين المواقف والأعمال الوهابيّة التي أصبحت اللعنة المعاصرة للأُمّة الإسلاميّة؛ بسبب ما فيها من جمود وتحجّر، وجحود وتعصّب.

فهي تعامل العالم أجمع على أنّه يجب تدميره وقتل مَنْ فيه، وتصنّف الأُمّة الإسلاميّة ما بين كافر ومشرك مستوجبي القتل والتنكيل، واستباحة الدماء والأعراض والأموال، لا لذنب اقترفوه إلاّ أنّهم تمسّكوا بالقرآن، وسنّة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، أو رفضوا رفضاً قاطعاً تعاليم وتوجيهات محمد بن عبد الوهاب البعيدة كلّ البعد عن منهج الإسلام وتعاليمه.

١٣

١ - فعند بيت الله الحرام عقدت العزم على تأليف وكتابة هذا الكتاب، ولكن أردته أن يكون جديداً في بابه، أو لا أقلّ نادراً من طرقه من الكتَّاب؛ فأقسمت على الله أن يوفّقني لذلك المشروع الرائد.

٢ - ولكن، أيّ الأبواب الحسينيّة التي لم تُطرق، والكتّاب والعلماء كتبوا عن الإمام السبط الشهيد (صلوات الله عليه) آلاف الكتب والموسوعات الضخمة؟

العلماء درسوا كلّ الجوانب المأساوية المحزنة، وحتى السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والفكرية، والعسكرية والحضارية للنهضة الحسينيّة المباركة، فمَنْ يُبدع؟!

هذا الهاجس ظلّ يراودني منذ حوالي عشر سنوات أن أكتب جديداً ولا أكرّر قديماً في النهضة الحسينيّة المباركة، ولكنّ الإمام الشهيدعليه‌السلام ما زال ملهِماً ومسدِّداً لأحبابه وخدّامه؛ فتراني اتّجهت إلى الأخلاق الحسينيّة التي بهرتني طويلاً وعريضاً، وكم تحدّثت وخطبت عن تلك الأخلاق الإلهيّة الرسالية التي كان يتمتّع بها الإمام العظيم الحسين الغريب (صلوات الله عليه).

وهذا باب لم يُبحث بشكل مستقل إلاّ في القليل النادر؛ فاتّجهت إليه، ووجّهت وجهي إلى أخلاق المولى أبي الأحرار الحسينعليه‌السلام ورحت أبحث عنها وفيها، فرأيت العجب العُجاب في هذا العصر الذرّي والحضارة الإلكترونية العملاقة، حيث الإنترنت والفضائيات وثورة المعلومات، كم نحن والعالم من حولنا بحاجة إلى هذه الأخلاق الحسينيّة؟!

نعم، هي مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام وليس شيء آخر سواها؛ تُعطي

١٤

للعالم الصورة الحقيقية للإسلام الذي صار مشوَّهاً بسبب الأعمال الوهابيّة العنيفة، فصار الإسلام بنظر العالم يساوي الإرهاب والتخلّف، والضعف والطمع والجشع إلى اللذّات الدنيوية، وحتى سفك دماء الأبرياء، فغدت صورة الإسلام كصور تلك المخلوقات والممسوخات المشوّهة في الأفلام، بما يُسمّى أفلام الخيال العلمي.

فالتصدّي الإعلامي لكشف الشخصيات المزوّرة، وذوي الاتجاهات العنيفة، والأفكار الإرهابية المحسوبة على الإسلام والمسلمين، وتمييزهم أمام الرأي العام العالمي أمر ضروري لا بدَّ منه، وذلك عبر كلّ وسائل الإعلام القديمة والحديثة، من كتب وكرّاسات، ونشرات ومقالات، ومجلات وصحف، وإذاعات وتلفزة وغير ذلك؛ لأنّ الفكر العنيف لا يُقاومه إلاّ الفكر الإسلامي المسالم الصحيح، والفكر المسالم الصحيح أسرع تقبّلاً في الأوساط الشعبية والجماهيرية من غيره، لكن بشرط نشره وبثّه على الناس كافة.

سياسة ترويج الصفات

نعم، إنّ الفكر لا يُقاومه إلاّ الفكر، والكلمة الباطلة لا تدفعها إلاّ الكلمة الحقّة، والثقافة الفاسدة لا تردُّها إلاّ الثقافة الصحيحة، وعلينا أن نعلم أنّ الاستعمار الصليبي لا يكفُّ عن تنفيذ مخطّطاته السيئة تجاه المسلمين ما لم يتَّحدوا ويتآخوا فيما بينهم، كما إنّه لا يُقصِّر في نشر ثقافة الباطل، وهو يروَّج للشخصيات الدموية في الأُمّة الإسلاميّة، وتحكيمها برقاب المسلمين ما لم يحصلوا على وعي ديني وفقه سياسي(١) .

_____________________

١ - من محاضرة للإمام الشيرازي (رحمه الله) عن صلاح الدين الأيوبي.

١٥

والإسلام عكس ذلك تماماً؛ لأنّه دين الحبّ والإخلاص، والعدالة الاجتماعية والوفاء بالعهد، واحترام الآخرين ومعتقداتهم حتّى التقديس، والتسامح والعطاء والعفّة والوقار، والشجاعة والجرأة بقول الحقّ، والعلم والعمل بما يحبّ الله ويرضى.

الإسلام: حديقة غنّاء أهدتها السماء لأهل الأرض، إلاّ أنّ تصرفات وأخلاقيات بعض الأفراد الذين ينتسبون بالاسم فقط للإسلام، شوَّهوا صورة الإسلام بنظر الملايين من البشر في العالم كلّه، ويستطيع الغيارى من المسلمين عن طريق الإعلام العالمي تصحيح هذه الصورة، وبلورة الصورة الصحيحة المشرقة للإسلام الحنيف؛ لأنّه عندما تُعرض صورة الإسلام الحقيقي على العالم لا يمكن لعاقلٍ إلاّ أن يؤمن به، أو على الأقل من أن يحترمه ويعظّمه ويوقّره، بدلاً من أن يحاربه ويسخر منه ومن حامليه ومعتنقيه.

نعم، (الإمام الحسين والوهابيّة):

إيجابٌ وسلبٌ.

بالإيجاب: نريد أن نُعطي الصورة النورانية التي جسّدها الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم) على أرض الواقع، والأخلاق الربّانية التي التزم بها خلال حياته الشريفة من المسجد النبوي الشريف حيث الولادة المباركة، وحتى آخر لحظات حياته حيث الشهادة المفجعة على تراب كربلاء المقدّسة.

وبالسلب: نريد أن نجرّد اُولئك الجهلة المتنطّعين من أسلحتهم ونظهرهم على حقيقتهم، ونقول للعالم أجمع: إنّ هؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء، فهم يحقدون على الإسلام والمسلمين أكثر ممّا يحقدون عليكم؛ ولذا تراهم يكفّرون

١٦

الأُمّة الإسلاميّة كلّها إلاّ أنفسهم ومَنْ تبعهم، فمن أين لهم الإسلام إذن؟!

ونحن نعاني من أعمالهم الشنيعة مثلكم أو حتّى أكثر، ففي كلّ يوم وربما في كلّ بلد، هناك قتل ودماء، وسلب ونهب وتشريد، فأعمالهم تدلّ عليهم وليس على الإسلام؛ فالإسلام منهم بريء.

الإسلام: دين الأخلاق، والقيم السماوية، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال منذ البداية:((إنّما بُعثت لأتِّمم مكارم الأخلاق)) (١) . وقال (صلّى الله عليه وآله:((أدّبني ربّي فأحسن تأديبي)) (٢) .

وقبل هذا وذاك قال الله تعالى عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) .

فما أحوجنا نحن المسلمون إلى العودة إلى حيث النقاء والصفاء الإسلامي، وما أحوج العالم كلّه للدين الإسلامي وأخلاقياته الرحمانية، وشرائعه السماوية، وعدالته الاجتماعية، وتعاليمه الإيمانية؛ ليخرج من عنق الزجاجة الذي حشر نفسه فيها فكاد يختنق ويموت بصنع يديه كدودة القزّ تماماً.

فالبحث في الأخلاق الحسينيّة: ضرورة حضارية، ووفاء إنساني لذلك الإمام العظيم الذي قدّم كلّ ما لديه في سبيل الله ورسالته، وإنقاذ الأُمّة الإسلاميّة من هوّة الضياع الأموية، ومن ثمّ العباسية والعثمانية وحتى الحضارة الإلكترونية.

فهل يسعفنا القلم ويسدّدنا المولى لخدمته؟

هذا ما أرجوه وأطمح إليه في كلّ كلمة أو فكرة أسجّلها على هذه الصفحات، وقد قسّمت البحث (الكتاب) إلى قسمين:

_____________________

١ - مستدرك الوسائل ١١ / ١٨٧ ح ١٢٧٠١.

٢ - تهذيب الأحكام ٩ /٣٩٧، وشرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٣.

٣ - سورة القلم / ٤.

١٧

١ - الأخلاق الحسينيّة: وفيه أبحث عن بعض أخلاقيات الإمام الحسينعليه‌السلام ، بعد مقدّمة عن الأخلاق والنظريات الأخلاقيّة قديمها وحديثها، وهذا يكون صلب الكتاب وأصله.

٢ - مواقف الوهابيّة: أبيِّن فيه، وبالإجمال دون تفصيل، بعض مواقف الوهابيّة المخزية تجاه الإسلام وآثاره، وتجاه رسوله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وتجاه العالم أجمع.

وأسرد بعض المحاورات التي جرت بيني وبين بعضهم، وأبيّن آراء بعض علماء أبناء العامّة فيهم، وأذكر بعض الأحداث المعاصرة التي تُخبر عنهم وعن سلوكياتهم.

وأرى من المناسب والضروري هنا، أن أوجّه شكراً خاصاً إلى أخي العزيز الأستاذ حسين السيد الذي كان عوناً لي في إخراج هذا الكتاب إلى النور.

راجياً من الله العليّ القدير أن أكون قد وفّقت في كلّ ذلك؛ لإيصال الفكرة الصحيحة للقارئ الكريم عن أخلاقيات الإمام السبط الشهيد الحسين المظلوم الذبيح (عليه أفضل الصلاة وأزكى السّلام، وعن الجاهليّة في القرن العشرين التي تطالبنا عناصرها بالعودة إليها، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

جلال معاش     

٩ ربيع الأول ١٤٢٥ هجرية

دمشق - السيدة زينبعليها‌السلام

١٨

الباب الأوّل: الأخلاق الحسينيّة

١٩

٢٠