الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية0%

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 580

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جلال معاش
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
تصنيف: الصفحات: 580
المشاهدات: 163463
تحميل: 5619

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 580 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 163463 / تحميل: 5619
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

الامام الحسين (عليه السلام) والوهابية

مؤلف:
الناشر: ياس زهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

((أُنشدكم الله، أتعلمون أنّ عليّ بن أبي طالب كان أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه، وقال: أنتَ أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أُنشدكم الله، هل تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه، ثمّ ابتنى فيه عشرة منازل، تسعةً له وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثمّ سدَّ كلّ بابٍ شارعٍ إلى المسجد غيرَ بابه، فتكلّم في ذلك مَنْ تكلّم فقال: ما أنا سددتُ أبوابكم وفتحتُ بابه، ولكنّ الله أمرني بسدّ أبوابكم وفتح بابه.

ثمّ نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يُجنبُ في المسجد ومنزله في منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فولِدَ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وله فيه أولاد؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أفتعلمون أنّ عمر بن الخطّاب حرص على كوّةٍ قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى عليه، ثمّ خطب فقال: إنّ الله أمرني أن ابني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أنشدكم الله، أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهُ يوم غدير خُمٍّ فنادى له بالولاية، وقال: ليبلّغ الشَّاهدُ الغائبَ؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أنشدكم الله، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له في غزوةِ تبوك: أنتَ

٢٦١

منّي بمنزلة هارونَ من موسى، وأنتَ وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أنشدكم الله، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين دعا النصارى مِنْ أهلِ نجرانَ إلى المباهلة لم يأتِ إلاّ به وبصاحبته وابنيه؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أنشدكم الله، أتعلمون أنّه دفع إليه اللواء يوم خيبرٍ، ثمّ قال: لأدفعنَّه إلى رجلٍ يحبّه الله ورسوله ويُحبُّ الله ورسوله، كرّار غير فرار، يفتحها الله على يديه؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثهُ ببراءة وقال: لا يبلِّغ عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي؟)) .

قالوا: اللهمَّ نعم.

قال:((أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم تنزل به شدةٌ قطٌ إلاّ قدَّمه لها ثقةً به، وأنّه لم يدعه باسمه قطّ إلاّ أن يقول: يا أخي، وادعوا لي أخي؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بينه وبين جعفرٍ وزيدٍ، فقال: يا علي، أنت منّي وأنا منك، وأنت وليُّ كلّ مؤمنٍ بعدي؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنّه كانت له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ يومٍ خلوةٌ، وكلّ ليلةٍ

٢٦٢

دخلةٌ، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت ابتدأه؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فضّله على جعفرٍ وحمزة حين قال لفاطمة عليها‌السلام : زوّجتكِ خير أهل بيتي، أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا سيّدُ ولد آدم، وأخي عليّ سيّد العرب، وفاطمةُ سيّدةُ نساء أهل الجنّة، والحسن والحسين ابناي سيّدا شباب أهل الجنّة)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرهُ بغسلهِ، وأخبرهُ أنّ جبرائيل عليه‌السلام يُعينُهُ عليه؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

قال:((أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالَ في آخر خُطبةٍ خطبها: إنّي تركتُ فيكم الثَّقلين؛ كتاب الله وأهل بيتي، فتمسَّكوا بهما لن تضلوا؟)) .

قالوا: اللهمّ نعم.

فلم يدع شيئاً أنزله الله في علي بن أبي طالبعليه‌السلام خاصّة، وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: اللهمّ

٢٦٣

نعم، قد سمعنا، ويقول التابع: اللهمّ قد حدثنيه مَنْ أثق به فلان وفلان.

ثمَّ ناشدهم أنَّهم قد سمعوه يقول:((مَنْ زعمَ أنّه يُحبّني ويبغض علياً فقد كذب، ليس يُحبني ويبغض علياً، فقال له قائل: يا رسول الله وكيف ذلك؟

قال: لأنّه منّي وأنا منه، مَنْ أحبّه فقد أحبني، ومَنْ أحبّني فقد أحبّ الله، ومَنْ أبغضه فقد أبغضني ومَنْ أبغضني فقد أبغض الله)) .

فقالوا: اللهمَّ نعم، قد سمعنا. وتفرّقوا على ذلك(١) .

هذا هو الكلام الفصل، والحجّة من حجّة الله على الخلق في ذاك اليوم المهيب، وتحت ظلّ الحكم الأموي الرهيب الذي طغى فيه معاوية بن أبي سفيان، وراح يقتل الناس لا سيما شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ سعياً منه لإبادة الإيمان، ودفن الإسلام دفناً، كما صرّح بذلك لصاحبه المغيرة بن شعبة ذات يوم.

إنّ الإسلام كلّه أخلاق وقيم ومثل عُليا، وكلّ ذلك تمثّله القيادة الربّانيّة، والإمامة الشرعيّة المتمثّلة بأهل البيت الأطهارعليهم‌السلام ، وأبو عبد الله الحسينعليه‌السلام خامس أصحاب الكساء يبيّن الحقائق، ويضع النقاط على الحروف، وكأنّه (روحي له الفداء) يُهيّئ الأُمّة الإسلاميّة ليوم عصيب، سيحلّ يوم عاشوراء، وموقف عجيب سيقفه على تراب كربلاء.

أليس هذا كلّه أخلاق وقيم يجب على الأُمّة تمثّله في حياتها إذا أرادت السعادة والخير لها، والخروج من هذه الشرنقة التي حصرت نفسها فيها في هذا الزمان الأغبر.

_____________________

١ - كتاب سليم بن قيس / ١٦٨ - ١٧١.

٢٦٤

نعم، بنهضة الحسينعليه‌السلام وأخلاقيّاته، ومناقبيّاته النموذجية الصادقة يكون الإنقاذ والخلاص.

الحسينعليه‌السلام وصلة الرحم

بقي علينا أن نتحدّث عن مفردة واحدة من مناقبيّات الإمام الحسينعليه‌السلام في هذا الباب؛ لنكون قد حاولنا إعطاء صورة واضحة عن معظم الجوانب الاجتماعيّة لحياة المولىعليه‌السلام الذي له كلمة رائعة يقول فيها:((مَنْ سرّه أن يُنسأ في أجله ويُزاد في رزقه، فليصل رحمه)) (١) .

عرَّف علماء الأخلاق الصلة بأنّها ضدّ القطيعة.

وصلة الرحم: هي إشراك ذوي اللحمة والقرابات بما ناله من المال والجاه وسائر خيرات الدنيا، وهو أعظم القربات، وأفضل الطاعات(٢) .

قال سبحانه في كتابه العزيز:( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ) (٣) .

وقال تعالى:( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ) (٤) .

وقال تعالى:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) (٥) .

_____________________

١ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ / ٤٤ ح١٥٧، موسوعة البحار ٧٤ / ٩١ ح١٥.

٢ - جامع السعادات ٢ / ٢٥٩.

٣ - سورة النساء / ٣٦.

٤ - سورة النساء / ١.

٥ - سورة رعد / ١.

٢٦٥

وكم هي الأحاديث النبويّة والإماميّة حول الرحم وصلتها، وثواب ذلك الوصل الذي أمر الله به.

ففي الحديث النبوي الشريف:((أوصي الشاهدَ مِنْ أُمّتي والغائب، ومَنْ في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أنْ يصلَ الرَّحمَ وإن كانت منه على مسيرة سنة؛ فإنَّ ذلك من الدِّين)) (١) .

وأمير المؤمنينعليه‌السلام يقول:((صِلوا أرحامكم ولو بالتّسليم)) (٢) .

والإمام الباقرعليه‌السلام يقول:((إنَّ الرحم متعلّقةٌ يوم القيامة بالعرش، وهي تقول: اللهمَّ صل مَنْ وصلني، واقطع مَنْ قطعني)) (٣) .

والإمام الصادقعليه‌السلام يقول:((صلة الرَّحم تهوِّن الحساب يوم القيامة، وهي منسأةٌ في العمر، وتقي مصارع السُّوء)) (٤) .

فالرحم: ربما تكون من الرحمة والتراحم، فإذا وصلت كانت سبباً لنزول الرحمة الإلهيّة على اُولئك المتراحمين، فيرحمهم الله؛ لأنّهم تراحموا فيما بينهم، ولهذا تكون منسأة، مطوّلة للعمر والأجل المحتوم (الموت)، وتزيد في الأرزاق، وتبارك الأعمار، وتبني البلاد، وتزدهر أحوال العباد.

والعقوق والقطيعة: من أهم أسباب التنازع والخصام، وهي في ذوي الأرحام تكون الحالقة؛ لأنّها تحلق الأعمار والأرزاق، وتدع الديار لا خير فيها، ولا بركة تنزل عليها من الباري تعالى:((ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في

_____________________

١ - جامع السعادات ٢ / ٢٦٠.

٢ - المصدر نفسه.

٣ - المصدر نفسه.

٤ - المصدر نفسه.

٢٦٦

السماء)) (١) . كما في الحديث المشهور.

الحكمة في المفهوم الحسيني

عرّفوا الحكمة: بأنّها وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة. وأهل اللغة ذهبوا عدّة مذاهب في المعنى الدقيق للكلمة في اللغة العربية.

ففي (لسان العرب): الحكمة: هي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويُقال لِمَنْ يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم.

وفي (تاج العروس): هي العلم بحقائق الأشياء والعمل بمقتضاها؛ ولهذا انقسمت إلى علميّة وعمليّة.

وقد يُقال بلسان الفلاسفة: هي هيئة القوّة العقليّة العلميّة وهي الحكمة الإلهيّة.

واستطلاع القرآن الكريم وموارد الحكمة فيه يرشدنا إلى المعنى الاصطلاحي الإسلامي لهذه الكلمة، والتي منها اسم الله (الحكيم) سبحانه وتعالى.

وقيل يوماً للإمام عليعليه‌السلام صف لنا الحكيم، فقالعليه‌السلام :((هو الذي يضع الأشياء في مواضعها)) (٢) .

فقيل له: صف لنا الجاهل؟

فقالعليه‌السلام :((قد فعلت)) .

أي أنّ الأمور تُعرف بأضدادها، فإذا كان الحكيم هو الذي يضع الأمور

_____________________

١ - موسوعة البحار ٧٧ / ١٦٧، كنز العمال / ح٥٩٦٩.

٢ - عدّة الدّاعي / ٣٢١، بحار الأنوار ٢٨ / ٤٠١، تنزيه الأنبياء / ١٠٣.

٢٦٧

والأشياء في مواضعها الصحيحة، فإنّ الجاهل هو الذي لا يضعها، أو يضعها في غير أماكنها.

وحياة الإمام الحسينعليه‌السلام حكمة خالصة من بدايتها إلى نهايتها، وإذا قلنا بمقياسنا نحن البسطاء أنّ الأمور تُعرف بخواتيمها، وعلمنا جميعاً أنّ ختام حياة الإمامعليه‌السلام كانت أفضل الخواتيم وأفجعها، ألا وهي الشهادة في سبيل الله، حتّى صار إلى قيام الساعة سيّد الشهداء شهيد الطفوف وكربلاء.

وممّا يروى عنه (صلوات الله عليه) في هذا الباب الحكيم، وهذا المجلس الذي كان بحضرة أبيه أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام حيث أقبل على الحسينعليه‌السلام فقال له:((ما السؤدد؟)) . (أي السمو والرفعة والفخر والشرف للإنسان).

قالعليه‌السلام :((اصطناعُ العشيرةِ، واحتمالُ الجريرة)) . (أي خدمة الناس وحمل الأعباء الثقيلة عن أصحابها).

قالعليه‌السلام :((فما الغنى؟)) . (أي الذي يجعلك غنيّاً في نفسك).

قالعليه‌السلام :((قِلّةُ أمانيك، والرّضا بما يكفيك)) . (أي قلّة الأماني، فالقناعة كنز لا يفنى).

قالعليه‌السلام :((فما الفقر؟)) . (أي المعنوي والنفسي وليس المادي فقط).

قالعليه‌السلام :((الطَّمعُ وشدّةُ القنوط؟)) . (أي الطمع بما في أيدي الناس ذلّ، والقنوط من رحمة الله كفر).

قالعليه‌السلام :((فما اللؤم؟)) . (أي ما يخبرك عن لؤم إنسان ونذالته).

٢٦٨

قالعليه‌السلام :((إحرازُ المرءِ نفسهُ وإسلامهُ عرسهُ)) . (أي أن يصون نفسه عن الأعداء ويسلّم لهم زوجته).

قالعليه‌السلام :((فما الخرَق؟)) .

قالعليه‌السلام :((مُعاداتُكَ أميرَك، ومَنْ يقدرُ على ضُرِّك ونفعك)) .

ثمّ التفت أمير المؤمنين إلى الحارث الهمداني الأعور، فقال:((يا حارث، علّموا هذه الحكمَ أولادكم؛ فإنّها زيادةٌ في العقل والحزم والرأي)) (١) .

نعم، إنّه درس حكيم، وحكمة بالغة تعلّمنا إيّاها هذه الكلمات القصيرة التي اشتملت عليها هذه الرواية، والحوار ما بين الأمير وشبله الحسينعليهما‌السلام .

فالحكمة: هي التوازن العادل في القوّة الفكريّة، والرذيلة التي تقابل الحكمة من جانب التفريط هي الحمق والبلادة، ويعنون عنها: تعطيل القوّة الفكريّة عن العمل، وكبت مالها من مواهب واستعدادات، والخسيسة التي تضادها من جانب الإفراط هي المكر والدهاء، ويريدون منه التجاوز بالفكر عن حدود البرهان الصحيح، واستخدام قوّة العقل في ما وراء الحقّ، فقد تثبت نتائج ينكرها الحسّ، وقد تنفي أشياء تثبتها البداهة.

ولست أدري أنّ لفظ المكر والدهاء يدلاّن على هذا المعنى؛ لأنّهما بمعنى الاحتيال والخداع وهو شيء آخر وراء الحكمة الباطلة التي يقصدها هؤلاء المفسّرون، أمّا الدهاء بمعنى جودة الرأي فهو يقرب من معنى الحكمة، وإذن فلنسمّ هذه النقيصة الخلقيّة (بالحكمة الباطلة) كما يسمّيها علماء الأخلاق.

_____________________

١ - معاني الأخبار / ٤٠١ ح٦٢، موسوعة البحار ٧٢ / ١٩٣ ح١٤.

٢٦٩

ونحن إذا فحصنا الفضيلة العقليّة (الحكمة) وجدناها تتألّف من عنصرين أساسيّين لا غنى لها عن أحدهما:

- قوّة فكريّة في طريقها إلى التوازن.

- وعلم يرشد هذه القوّة إلى طريق الاعتدال.

ليس التوازن في القوّة الفكريّة من الأشياء التي تمنحها المصادفة ويكوّنها الاتفاق، وليس بالأمر السهل الذي تكفي في حصوله للإنسان خبرة قليلة وتجربة نادرة؛ لأنّه توازن في كلّ ما يعتقد، وتوازن في كلّ ما يقول، وتوازن في كلّ ما يعمل، وأنّى للقوّة الفكريّة بهذه الاستقامة التامّة إذا هي لم تستعن بإرشاد العلم الصحيح، وأنّى للعقل بمفرده أن يبصر هداه في الطريق الشائك والمسلك الملتوي.

كلّنا نتمنّى التوازن العادل في طبائعنا والاستقامة التامّة في سلوكنا، وأيّ أفراد البشر لا يتمنّى الكمال لنفسه؟ ولكنّ الجهل يقف بنا دون الحدّ، وميول النفس تبعدنا عن الغاية، والعقل هو القوّة الوحيدة التي يشيع فيها جانب التفريط بين أفراد الإنسان؛ وذلك من تأثير الجهل.

فالجهل هو أوّل شيء يحاربه علم الأخلاق؛ لأنّه أوّل خطر يصطدم به الكمال الإنساني، وأوّل انحطاط تقع فيه النفس البشريّة، وأوّل مجرّئ لها على ارتكاب الرذيلة، بل هو أوّل خطيئة وآخر جريمة.

يرتكب الجاهل أخطاء خُلقيّة تعود بالضرر على نفسه، وقد يعود ضررها على أُمّته وشعبه أيضاً، وعذره في ذلك أنّه جاهل، وإذا كان الفقيه لا يعد الجهل عذراً في مخالفة النظام الشرعي، فإنّ الخلقي أجدر أن لا يقبل ذلك العذر؛

٢٧٠

لأنّ الفقه أسلس قياداً، والفقيه أكثر تسامحاً، أمّا العالم الخُلقي فإنّه يطبّق نظامه بحزم، ويقرّر نتائجه بدقّة، ولا يجد في المخالفة عذراً لمعتذر، ولا سيما إذا كان ذلك العذر أحد المحظورات الخُلقيّة كالجهل.

وإذاً، فمن الرشد أن يكون العلم أوّل شيء يفرضه علم الأخلاق(١) ، ولما تقدّم نعرف سبب تقسيم العلماء الحكمة إلى النظرية والعمليّة.

فالحكمة النظريّة: هي الأفكار الحكيمة والأقوال الحكيمة التي تنطلق من عقول وآراء حكماء البشر، لا سيما الكاملين منهم والمعصومين بالذّات وبالخصوص الأئمّة الكرامعليهم‌السلام ، وإذا استعرضنا كلمات الإمام الحسينعليه‌السلام سنجد أنّها لا تخرج عن هذا القانون قيد أنملة.

أمّا الحكمة العمليّة: فهي تطبيق تلك الأفكار النورانيّة على أرض الواقع في الحياة الدنيا، وأمثل تطبيق للحكمة الإلهيّة هو ما أولَّه وطبّقه قادة الإسلام العظام، كلّ في زمانه ومكانه الذي عاش فيه.

والحكمة؛ النظريّة منها والعمليّة، تتجلّى في النهضة المباركة للإمام الحسينعليه‌السلام ، والدارس المدقّق، والمنصف لتلك النهضة يراها حكيمة من ألفها إلى يائها، من البداية إلى حيث النهاية المأساويّة على بطاح كربلاء بالسمو الأعظم بالشهادة المقدّسة.

ولسنا هنا في مقام البحث التفصيلي لإثبات الحكمة في كلّ عمل أقدم عليه الإمام الحسينعليه‌السلام في مسيرته المباركة؛ لأنّ ذلك يطيل بنا المقام، والوقوف

_____________________

١ - الأخلاق عند الإمام الصادقعليه‌السلام / ٥٣ - ٥٤.

٢٧١

حيث لا نريد أن نقف حاليّاً لإخراجنا عن موضوعنا وبحثنا حول الأخلاق وأطيافها، ولكن في البحث القادم عن (الشجاعة) فإنّنا سوف نأخذ عيّنات وأمثلة تبيّن لنا حكمة القول والعمل الحسيني ووقوعه في محلّه الصحيح.

الشجاعة الأخلاقيّة في النهج الحسيني

جُبلت الشجاعة على ثلاث طبائع، لكلّ واحدة منهنّ فضيلة ليست للأُخرى؛ السخاء بالنفس، والأنفة من الذلّ، وطلب الذكر.

فإذا تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله والموسوم بالإقدام في عصره، وإذا تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشدّ إقداماً.

هكذا يصف حفيد الإمام الحسينعليه‌السلام الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام الشجاعة، ويعطيها هذا المعنى البديع الذي يحبب للإنسان المؤمن أن يتصف بها، وهي عبارة عن أركان ثلاثة يرتكز عليها معنى الشجاعة الحقيقيّة في بني البشر:

١ - السخاء بالنفس: وهو غاية الجود والكرم، وهل جاد بهذا المعنى أحد كجود الإمام الحسينعليه‌السلام ؟!

٢ - الأنفة من الذلّ: وهو الإباء، والإمام الحسينعليه‌السلام أبيّ الضيم، وقد صارت كلمته في كربلاء:((هيهات منّا الذلّة! يأبى الله ذلك لنا ورسولُهُ والمؤمنون، وحُجورٌ طابت وطهرت)) شعاراً لنا ولكلّ أحرار العالم.

٣ - طلب الذكر بمعنى الشرف والسؤدد: وهذا هو الشَّمم والشموخ، وهو

٢٧٢

القائل:((والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ منكم فرار العبيد)) (١) .

وقبل الاستطراد بالحديث عن شجاعة الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه الميامين، نقول: إنّ الشجاعة هي فضيلة بين التهوّر (الإفراط) والجبن (التفريط)، والإنسان العاقل عليه أن يتذكّرها بما لها من مدائح وشرف عظيم، وعليه أن يكلّف نفسه المواظبة على آثارها ولوازمها حتّى تصير عنده ملكة وطبعاً راسخاً في القلب والنفس.

والشجاعة: هي طاعة قوّة الغضب للعقل في الإقدام أو الإحجام عن الأمور الهائلة والخطيرة، وعدم اضطرابها بدفعها إلى الخوض فيما يقتضيه رأيها عند ثورانها بالغضب.

ولا ريب أنّها من أشرف الملكات النفسيّة، وأفضل الصفات الكماليّة لبني البشر، والفاقد لها من الرجال بريء عن الفحولة والرجولة. وهو في الحقيقة إلى النساء أقرب منه إلى الرجال؛ لأنّ الجبن في المرأة مطلوب ومرغوب.

وقد وصف الله سبحانه خيار الصحابة بها، وذلك قوله في القرآن الكريم:( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) (٢) ، وأمر الله بها نبيّه بقوله:( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (٣) ؛ إذ الشدّة والغلظة من لوازم الشجاعة وآثار القوّة الغضبية المهذّبة.

والأخبار والروايات تذكرها بكثير من التحبيذ، وتعدّها من صفات أولياء الله، والكمَّل من عباده المؤمنين المتّقين.

_____________________

١ - إرشاد المفيد / ٢٣٤.

٢ - سورة الفتح / ٢٩.

٣ - سورة التوبة / ٧٣.

٢٧٣

وتهذيب الغضب يكون قبل حصوله، وطريقه: هو التفكير الصحيح في أسباب الغضب، والتأمّل في عواقبه، وما يجرَّه على النفس وعلى الغير من أضرار وأخطار.

والشجاعة: هي أوّل فضيلة للقوّة الغضبية، ولها مظهران:

- ثبات في مقام الدفاع عن المقدّسات: النفس والمال، والعرض والدين والأرض.

- إقدام في محلّ الجهاد الأكبر والأصغر.

والشجاعة لا تتميّز بلون واحد، ولا تختصّ بسمة خاصّة، فالغضب للحقّ شجاعة؛ لأنّه ممّا يأمر به العقل، والحلم عن جهل الجاهل شجاعة؛ لأنّه ممّا يدعو إليه الرشد، والثورة على الباطل شجاعة؛ لأنّها ممّا تقتضيه الحكمة.

يقدم الشجاع في موضع يقتضي الإقدام، ويحجم في موقف يقتضي الإحجام، وهو في كلتا الحالتين شجاع؛ لأنّه ثابت القلب أمام المخاطر، شجاع لأنّه يدير حركاته وأعماله بحكمة(١) .

وبما أنّنا في رحاب الإمام الحسينعليه‌السلام وأخلاقيّاته الرحمانيّة وأفعاله القيميّة، وما زلنا نسبح في تلك الرحاب العامرة، قد وصلنا إلى البحر الخضمّ، وصرنا في قلب التيّار الهائج، والبحر المحيط المائج.

وهنا أعترف وبكلّ شجاعة أنّني أقف حائراً كلّما وقفت أمام هذه الصفة في الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّها الصفة التي أعجبت الإنس والجنّ، بل قل حتّى السماوات والأرض ومَنْ فيهنّ.

_____________________

١ - الأخلاق عند الإمام الصادقعليه‌السلام / ٨٥.

٢٧٤

هل تعجب وأنت أمام شخصيّة كالحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهم)؟

أنا أعجب؛ لأنّني قاصر عن إدراك أو فهم أو استيعاب مثل هذا الإقدام، أو هذه الشجاعة التي تصدر عن إنسان بشري عاش على تراب هذه الأرض.

قيل الكثير الكثير عن شجاعة الحسين بن عليعليه‌السلام في كربلاء، ولكن مهما قيل فإنّ الصفة أكبر والموصوف أعظم وأجل وأكبر من كلّ قولٍ أو وصف قيل فيه.

وقد شهد له أعداؤه قبل أوليائه بذلك؛ فإنّه هو لا غيره الذي قال فيه ذاك الرجل: ما رأيت مكثوراً قط قُتل أهله وأصحابه جميعاً أربط جأشاً منه! فكان كلّما ازدادت المحن تهلّل وجه أكثر، وكانت الكتيبة إذا شدَّ عليها تفرّ الرجال من بين يديه كالمعزى من السبع.

لم أقرأ ولم أسمع عن شخص يحيط به جيش عرمرم، وهو ملقى على الأرض وفي جسده عشرات، بل مئات من ضربات السيوف وطعنات الرماح، وجراحات السهام والنبال، وهو (روحي له الفداء) يجود بنفسه الشريفة، وهم يخافون منه ويخشون حتّى النظر إلى وجهه الشريف أو عينيه المباركتين، فما نظر لأحد إلاّ هابه وأخذ بمجامع قلبه فيفرّ منه، حتّى انبرى إليه ذاك الشيطان اللعين شمر بن ذي الجوشن!

ولن نطيل الحديث حول هذه الصفة الحسينيّة؛ لأنّها من أوضح الواضحات في تاريخ الإنسانيّة المكافح، ولكن لنا أن نعطي شواهد، وأن نقف أمام محطّات أساسيّة في المسيرة الشجاعة البطلة للمولى أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه).

٢٧٥

١ - رفض الظلم والحاكم الظالم:

الظلم من أبشع الصفات في الإنسان أو حتّى المخلوقات؛ ولذا فإنّ الظلم ظلمات كما في الرواية الشريفة. والظلم من شيم النفوس الضعيفة. وهذا يغلب على طبيعة بني البشر.

وأمّا أصحاب النفوس الأبيّة الضيم، والعالية الهمّة فإنّها تكره أن تظلم كما تأبى أن تُظلم.

ولذا كانت وصيته لولده الإمام علي بن الحسين زين العابدينعليهما‌السلام :((أي بنيّ إيّاكَ وظُلم مَنْ لا يجد عليكَ ناصراً إلاّ الله عزَّ وجلَّ)) (١) .

وهذا نابع من وصية أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام لولديه الحسنينعليهما‌السلام :((يا بنيّ كونا للظالمِ خَصماً وللمظلومِ عوناً)) (٢) .

والذي يرفض الظلم لا بدّ أن يرفض الظالم؛ سواء كان حاكماً أو محكوماً. والحاكم أولى بالمقاومة والرفض؛ لما جاء في الحديث النبوي الشريف:((إنّ أفضلَ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند إمامٍ جائر)) (٣) .

وهذا المجاهد هو واحد من سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظِلَّ إلاّ ظلُّه.

الإمام الحسينعليه‌السلام رفض الحاكم الطاغية معاوية بن أبي سفيان قبل أن يرفض ولده يزيد الطاغية، والروايات والخطب الحسينيّة بحضور معاوية ومراسلاته معه تؤكّد على هذه الحقيقة الرافضة للحاكم الظالم مهما كانت

_____________________

١ - كلمة الإمام الحسين / ٣٣٧.

٢ - مستدرك الوسائل ١٢ / ١٨٠، بحار الأنوار ٩٧ / ٩٠، نهج البلاغة / ٤٢١.

٣ - الفروع من الكافي ٥ / ٥٩ ح١٦، التهذيب ٦ / ١٧٧، وسائل الشيعة ١٦ / ١٢٦.

٢٧٦

قوّته وعدد جنده.

وذات يوم وصف نافع بن جبير معاوية بقوله تزلّفاً إليه: إنّه كان يسكته الحلم وينطقه العلم، فقال الإمامعليه‌السلام :((بل كان ينطقه البَطَر ويسكته الحصر)) (١) .

فالغني يبطر ويحكي كما يحلو له لا سيما إذا كان حاكماً ومتسلّطاً على مقاليد الأُمّة، وأمّا إذا سكت فإنّه عن حصر وعي وعدم إسعاف قريحته له بالكلام فيسكت رغم أنفه، فأيّ علم كان عند ذاك الطليق، وأيّ حلم كان عند مَنْ قتل الآلاف المؤلّفة، لا لشيء إلاّ لحبّهم وولائهم لأهل البيتعليهم‌السلام ، وصحبتهم لأمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام ؟!

معاوية يعترف بالقتل

وإليك يا عزيزي القارئ هذه القصَّة التي تدلُّ على غباء الرجل، وعدم معرفته بالدين الذي يحكم به أُّمته، ويدَّعي أنّه خال المؤمنين، أو أنّه خليفة رسول ربّ العالمينصلى‌الله‌عليه‌وآله .

يروي صالح بن كيسان يقول: لمّا قتل معاوية حجرَ بن عدي وأصحابه (رضوان الله عليهم) حجَّ ذلك العام فلقي الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فقال: يا أبا عبد الله، هل بلغك ما صنعنا بحجر وأصحابه، وأشياعه وشيعة أبيك؟!

فقالعليه‌السلام :((وما صنعتَ بهم؟)) .

قال: قتلناهم وكفّناهم وصلَّينا عليهم.

_____________________

١ - بحار الأنوار ٣٣ / ٢١٩، كنز الفوائد ٢ / ٣٢.

٢٧٧

فضحك الإمام الحسينعليه‌السلام ثمّ قال:((خَصَمَكَ القوم يا معاويةُ، لكنّنا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم ولا صلّينا عليهم ولا قبرناهم، ولقد بلغني وقيعتك في عليّ عليه‌السلام وقيامك ببغضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك، ثمّ سلها الحقّ عليها ولها، فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية، فلا توترنّ غير قوسك، ولا ترمينّ غير غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكانٍ قريبٍ؛ فإنّك والله لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه ولا حدث نفاقه، ولا نظر لك، فانظر لنفسك أو دع)) (١) .

يعني بقوله الأخير عمرو بن العاص، ذاك الجلف المجافي عن الدين والإسلام والحقّ الذي كان أعدى أعداء الله وأهل بيت رسوله (صلوات الله عليه وآله أجميعن).

وخَصمَه القوم، يعني أنّه اعترف بعظمة لسانه أنّه قتل أناساً مؤمنين من أهل الإسلام الحنيف، ورغم قتلهم فإنّهم أهلٌ أن يُحترموا بالغسل والكفن والصلاة الواجبة لموتى المسلمين، وكتاب الله وأحاديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تشدّد النكير على( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) (٢) ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ) (٣) ، فكيف مَنْ قتل عدداً غير قليل من المؤمنين المخلصين ظلماً وعدواناً؟!

وأمّا الإمامعليه‌السلام ، فلو قتلهم أو قتل أحداً من أصحاب معاوية لما قام له بأيّ

_____________________

١ - الاحتجاج ٢ / ١٩، كشف الغمّة ٢ / ٢٠٥، وسائل الشيعة ٢ / ٧٠٤ ح٣.

٢ - سورة المائدة / ٣٢.

٣ - سورة النساء / ٩٣.

٢٧٨

شيء ولا حتّى الدفن، وهذه شهادة بأنّ معاوية وأصحابه ليسوا من الإسلام في شيء.

والشجاعة الأدبيّة في كلمات أبي الأحرار الحسينعليه‌السلام كانت عالية، بحيث لم يترك معاوية يتيه ويفخر بأنّه قتل شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام وأصحابه، فبعد الصفعة الأولى وقبل أن يستيقظ معاوية من ألمها ثنّى عليه الإمام الحسينعليه‌السلام بالصفعة الأخرى لتكون أشدّ ألماً وقوّة.

فقال له:((لقد بلغني وقيعتك في عليّ عليه‌السلام )) أي أنّك تسبّه، وهذِهِ سُنّة سيئّة أنت محاسب عنْها، وقد استمرت هذه السُنّة في الأُمّةِ الإسلاميّة عشرات السنوات، وتصل بالعيب إلى بني هاشم وهَمْ مَنْ هم في دنيا الفضائل والإسلام. فإنْ فعلتَ ذلكَ فعليكَ أنْ ترجعَ إلى نفسِكَ وتقف معها وقفةً صادقةً، ألستَ تَراها مَحشوَّةً بالعيوبِ العظامِ، وأعظم عيوب بني هاشم هي أصغر عيوبك فيك؟!

فإيَاكَ أنْ تشدَّ وِترَ القوسِ الذي لا تملكه، وتصطادَ غيرَ هدفِكَ، فإنَّ ذلكَ دلالةٌ على قلّةِ العقلِ، والجهلِ وسوء التدبير، والطاعة لابن النابغة عمرو بن العاص شانئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهِ في العداوة والمحاربة للإمامعليه‌السلام وأهل بيته الكرام جميعاً.

وفي الرسالة التي سبق أن نقلناها قرأت قول الإمام الحسينعليه‌السلام فيها:((وإنّي لا أعلمُ فتنةً أعظم على هذه الأُمّة من ولايتك عليها، ولا أعلمُ نظراً لنفسي ولديني ولأُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلينا أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنّه

٢٧٩

قربةٌ إلى الله، وإنْ تركتُهُ فإنّي أستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقه لإرشاد أمري)) (١) .

وفي نهاية تلك الرسالة يعلن رفضه ليزيد اللعين بقوله:((وأخذك الناس ببيعة ابنك غلامٍ حدث، يشربُ الخمر، ويلعب بالكلاب، لا أعلمك إلاّ وقد خسرت نفسك، وتبّرت دينك، وغششت رعيّتك، وأخربت أمانتك)) (٢) .

هل يوجد أقوى وأصرح من هذه الكلمات الحسينيّة في رفض بيعة معاوية وابنه يزيد؟

إنّه يرى وجوب الجهاد لهم؛ ولذا يستغفر الله بالتقصير من ذلك، لأنّ جهادهم من أقرب القربات إلى الله، ولكنّ الحين لم يحن، وصلح أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام أجدر بالوفاء.

ولذا فإنّ الإمام الحسينعليه‌السلام رفض في المدينة المنوّرة بيعة يزيد رفضاً قاطعاً، وأعلنها نهضة ربّانيّة مباركة لإيقاظ الأُمّة إلى وجوب جهاد الحاكم الظالم، وتنحية الطاغية عن دفّة القيادة للأُمّة الإسلاميّة، فقالعليه‌السلام :((مثلي لا يبايع مثله)) ، وكان هذا هو البيان الأوّل للنهضة الحسينيّة، وقد تقدّم.

٢ - رفض انتهاك حُرمة الكعبة: (إنّ للبيتِ ربّاً يحميه).

كلمة انطلقت منذ آلاف السنين، وما زالت تردّدها الأجيال فتسمع صداها في كلّ زمان ومكان، منذ أن نطق بها سيدنا شبية الحمد عبد المطلب بن عمرو

_____________________

١ - بحار الأنوار ٤٤ / ٢١٣، رجال الكشي / ٥٠.

٢ - رجال الكشي / ٣٢، أعيان الشيعة ١ / ٥٨٢.

٢٨٠