الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء0%

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 236

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد منذر الحكيم
تصنيف: الصفحات: 236
المشاهدات: 142773
تحميل: 5180

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 236 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142773 / تحميل: 5180
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بكلمة واحدة حتّى أضرب رقبته كائناً في ذلك ما كان(١) .

وعظم ذلك على الوليد، وهو أكثر بني اُميّة حنكةً، فقال لمروان: يا ليت الوليد لم يولد، ولم يك شيئاً مذكوراً(٢) .

فسخر منه مروان وراح يندّد به، قائلاً: لا تجزع ممّا قلتُ لك ؛ فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء من قديم الدهر(٣) .

ونهره الوليد فقال له: ويحك يا مروان! اعزب عن كلامك هذا، وأحسن القول في ابن فاطمة؛ فإنّه بقيّة النبوّة(٤) .

واتّفق رأيهما على استدعاء الإمام (عليه السّلام) وعرض الأمر عليه لمعرفة موقفه من السّلطة.

الإمام (عليه السّلام) في مجلس الوليد

أرسل الوليد إلى الحسين (عليه السّلام) يدعوه إليه ليلاً، فجاءه الرّسول وهو في المسجد، ولم يكن قد شاع موت معاوية بين النّاس، وجال في خاطر الحسين (عليه السّلام) أنّ الوليد قد استدعاه ليخبره بذلك، ويأخذ منه البيعة إلى الحاكم الجديد بناءً على الأوامر التي جاءته من الشّام، فاستدعى الحسين (عليه السّلام) مواليه وإخوته وبني عمومته وأخبرهم بأنّ الوالي قد استدعاه إليه، وأضاف:(( إنّي لا آمن أن يكلّفني بأمر لا اُجيبه عليه )) (٥) .

وقال الإمام (عليه السّلام) لمواليه بعد أن أمرهم بحمل السّلاح:(( كونوا معي، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه )) (٦) .

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٢٥.

(٢) المصدر السابق ٢ / ٢٥١.

(٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٢٥١.

(٤) المصدر السابق.

(٥) إعلام الورى ١ / ٤٣٤، وروضة الواعظين / ١٧١، ومقتل أبي مخنف / ٢٧، وتذكرة الخواص / ٢١٣.

(٦) الإرشاد ٢ / ٣٣.

١٢١

ودخل الإمام (عليه السّلام) على الوليد فرأى مروان عنده وكانت بينهما قطيعة، فقال (عليه السّلام):(( الصلةُ خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح الله ذات بينكما )) (١) .

ثمّ نعى إليه الوليد معاوية، فاسترجع الإمام الحسين (عليه السّلام)، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له. فقال الحسين (عليه السّلام):(( إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً )) .

فقال الوليد: أجل.

فقال الحسين (عليه السّلام):(( فتصبح وترى رأيك في ذلك )) .

فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتّى تأتينا مع جماعة النّاس. فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين السّاعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه.

فوثب الحسين (عليه السّلام) عند ذلك وقال:(( أنت يابن الزرقاء تقتلني أم هو؟! كذبت والله وأثمت )) . وخرج يمشي ومعه مواليه حتّى أتى منزله.

فقال مروان للوليد: عصيتني! لا والله لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً. فقال له الوليد: ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني. والله، ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإنّي قتلت حسيناً. سبحان الله! أقتل حسيناً لمّا أن قال: لا اُبايع؟ والله، إنّي لأظنّ امرأً يحاسبُ بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة(٢) .

وثمّة روايات أفادت بأنّ النقاش قد احتدم بين الإمام (عليه السّلام) وبين مروان حتّى أعلن (عليه السّلام) رأيه لمروان بصراحة، قائلاً:(( إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون،

____________________

(١) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ٢ / ٢٥٤.

(٢) الإرشاد ٢ / ٣٣ - ٣٤.

١٢٢

وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة )) (١) .

الإمام (عليه السّلام) مع مروان

والتقى الإمام الحسين (عليه السّلام) في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد، فبادره مروان قائلاً: إنّي ناصح فأطعني ترشد وتسدّد.

فقال الإمام (عليه السّلام):(( وما ذاك يا مروان؟ )) .

قال مروان: إنّي آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد؛ فإنّه خير لك في دينك ودنياك.

فردّ عليه الإمام (عليه السّلام) ببليغ منطقه، قائلاً:(( على الإسلام السّلام إذ قد بليت الاُمّة براع مثل يزيد!... سمعت جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. فوالله، لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما اُمروا به )) (٢) .

حركة الإمام (عليه السّلام) في الليلة الثانية

ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) أقام في منزله تلك الليلة، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّهاً إلى مكة، فلمّا أصبح الوليد سرّح في أثره الرجال فبعث راكباً من موالي بني اُميّة في ثمانين راكباً، فطلبوه ولم يدركوه فرجعوا، فلمّا كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال إلى الحسين (عليه السّلام) ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين (عليه السّلام):(( اصبحوا ثمّ

____________________

(١) مقتل الحسين - للمقرّم / ١٤٤، وإعلام الورى ١ / ٤٣٥.

(٢) الفتوح - لابن أعثم ٥ / ١٧، ومقتل الحسين - للخوارزمي ١ / ١٨٤.

١٢٣

ترون ونرى )) . فكَفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه.

فخرج (عليه السّلام) من تحت ليلته - وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب - متوجّهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجلّ أهل بيته إلاّ محمّد بن الحنفيّة (رحمة الله عليه) فإنّه لمّا علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدرِ أين يتوجّه، فقال له: يا أخي أنت أحبّ النّاس إليّ وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثمّ ابعث رسلك إلى النّاس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعك النّاس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع النّاس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا تذهب به مروّتك ولا فضلك، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك واُخرى عليك، فيقتتلوا فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسين (عليه السّلام):(( فأين أذهب يا أخي؟ )) .

قال: انزل مكة، فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نَبَتَ بك)(١) لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتّى تنظر إلى ما يصير أمر النّاس إليه ؛ فإنّك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.

فقال الإمام (عليه السّلام):(( يا أخي، قد نصحتَ وأشفقتَ، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً )) (٢) .

فسار الحسين (عليه السّلام) إلى مكة وهو يقرأ: ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

____________________

(١) أي لم تجد بها قراراً ولم تطمئن عليها. انظر لسان العرب ١٥ / ٣٠٢ مادة نبأ.

(٢) الإرشاد ٢ / ٣٥.

(٣) سورة القصص / ٢١.

١٢٤

وصايا الإمام الحسين (عليه السّلام)

لقد كتب الإمام (عليه السّلام) قبل خروجه من المدينة عدّة وصايا:

منها: وصية لأخيه هذا نصّها:(( هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ إلي أخيه محمّد بن الحنفيّة، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأنّ الجّنة حق والنار حق، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَنْ في القبور، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي؛ اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمَنْ قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومَنْ ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين )) (١) .

ومنها: وصيّته لاُم المؤمنين اُمّ سلمة حيث أوصاها بما يرتبط بإمامة الإمام من بعده. روي أنّه لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته اُمّ سلمة (رضي الله عنها) فقالت: يا بُني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق؛ فإنّي سمعت جدّك يقول:(( يُقتل ولدي الحسين (عليه السّلام) بأرض العراق في أرض يُقال لها: كربلا )) .

فقال لها:(( يا اُماه، وأنا والله أعلم ذلك، وإنّي مقتول لا محالة، وليس لي من هذا بدّ، وإنّي والله لأعرف اليوم الذي اُقتل فيه، وأعرف مَنْ يقتلني، وأعرف البقعة التي اُدفن فيها، وإنّي أعرف مَنْ يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي، وإن أردت يا اُمّاه اُريك حفرتي ومضجعي )) .

ثمّ أشار إلى جهة كربلاء، فانخفضت الأرض حتّى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده، فعند ذلك بكت اُمّ سلمة بكاءً شديداً وسلّمت أمره إلى الله.

فقال لها:(( يا اُمّاه، قد شاء الله (عزّ وجلّ) أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً، وقد

____________________

(١) مقتل الحسين - للمقرّم / ١٥٦.

١٢٥

شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشرّدين، وأطفالي مذبوحين مظلومين مأسورين مقيّدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً )) .

وفي رواية اُخرى: قالت اُمّ سلمة: وعندي تربة دفعها إليَّ جدّك في قارورة، فقال:(( والله إنّي مقتول كذلك، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضاً )) .

ثمّ أخذ تربةً فجعلها في قارورة وأعطاها إيّاها، وقال:(( اجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دماً فاعلمي أنّي قد قتلت )) (١) .

وروى الطوسي عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام):(( لمّا توجه الحسين (عليه السّلام) إلى العراق، ودفع إلى اُمّ سلمة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الوصية والكتب وغير ذلك قال لها: إذا أتاك أكبر ولدي فادفعي إليه ما قد دفعت إليك. فلمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) أتى عليّ بن الحسين (عليه السّلام) اُمّ سلمة فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين (عليه السّلام) )) (٢) .

وروى عليّ بن يونس العاملي في كتاب الصراط المستقيم النصّ على عليّ بن الحسين (عليه السّلام) في حديث، ثمّ قال: وكتب الحسين (عليه السّلام) وصيّته وأودعها اُمّ سلمة، وجعل طلبها منها علامة على إمامة الطالب لها من الأنام، فطلبها الإمام زين العابدين (عليه السّلام)(٣) .

توجّه الإمام إلى مكة

قال المؤرّخون: إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) عندما توجّه إلى مكة لزم

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٣١، والعوالم ١٧ / ١٨٠، وينابيع المودّة / ٤٠٥... إلى قوله: بكت اُمّ سلمة بكاءً شديداً.

(٢) الغيبة - للطوسي / ١١٨ ح ١٤٨، وإثبات الهداة ٥ / ٢١٤.

(٣) إثبات الهداة ٥ / ٢١٦ ح ٨.

١٢٦

الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير؛ كي لا يلحقك الطلب. فقال:(( لا والله، لا اُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض )) (١) .

ولما دخل الإمام الحسين (عليه السّلام) مكة كان دخوله إيّاها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، دخلها وهو يقرأ:( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ) (٢) .

ثمّ نزلها فأقبل أهلها يختلفون إليه ومَنْ كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين (عليه السّلام) فيمَنْ يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرّة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين (عليه السّلام) في البلد، وأنّ الحسين (عليه السّلام) أطوع في النّاس منه وأجلّ(٣) .

____________________

(١) الفتوح ٥ / ٢٤، وينابيع المودّة / ٤٠٢، الإرشاد - للمفيد ٢ / ٣٥.

(٢) سورة القصص / ٢٢.

(٣) الإرشاد ٢ / ٣٦، وبحار الأنوار ٤٤ / ٣٣٢.

١٢٧

١٢٨

البحث الثالث: أسباب ودوافع الثورة

إنّه من الصعب أن نقف على جميع الأسباب لثورة امتدّت في عمق الزمن، ولا زالت تنبض بالدفق والحيويّة، مثيرة في النفوس روح الإباء والتضحية، وتأخذ بيد الثائرين على مرّ الزمن بالاستمرار في طريق الحقّ وبذل النفس والنفيس لبلوغ الأهداف السّامية، إنّها الثورة التي أحيت الرسالة الإسلاميّة بعد أن كادت تضيع وسط أهواء ورغبات الحكّام الفاسدين، وأثارت في الاُمّة الإسلاميّة الوعي حتّى صارت تطالب بإعادة الحقّ إلى أهله وموضعه.

إنّ أفضل ما نستخلص منه أسباب ودوافع الثورة الحسينيّة هي النصوص المأثورة عن الحسين الثائر (عليه السّلام) وكذا آثار الثورة، إلى جانب معرفتنا بشخصيّته (عليه السّلام)، فها هو الحسين (عليه السّلام) يخاطب جيش الحرّ بن يزيد الرياحي الذي تعجّل لمحاصرته، ولم يسمح له بتغيير مساره قائلاً:(( أيّها النّاس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَنْ رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله.

ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشّيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ مَنْ غَيّر، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، وإنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تمّمتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أُسوة )) (١) .

____________________

(١) تأريخ الطبري ٤ / ٣٠٤، والكامل في التأريخ ٣ / ٢٨٠.

١٢٩

وفي خطاب آخر بعد أن توضّحت نوايا الغدر والخذلان، والإصرار على محاربة الإمام (عليه السّلام) وطاعة يزيد الفاسق، قال (عليه السّلام):(( فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشذّاذ الأحزاب، ونَبَذَة الكتاب، ونفثة الشّيطان، وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب، ومطفئي السُّنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيدي عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنّسب، ومؤذي المؤمنين، وصُراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، ولبئس ما قدّمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون! )) .

ثمّ قال (عليه السّلام):(( ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، واُنوف حميّة، ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام... )) (١) .

من هنا يمكن أن نخلص إلى أسباب ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) كما يلي:

١ - فساد الحاكم وانحراف جهاز الحكومة

لم يعد في مقدور الإمام الحسين (عليه السّلام) أن يتوقّف عن الحركة؛ وهو يرى الانحراف الشّامل في زعامة الاُمّة الإسلاميّة، فإذا كانت السّقيفة قد زحزحت الخلافة عن صاحبها الشّرعي وهو الإمام عليّ (عليه السّلام)، وتذرّع أتباعها بدعوى حرمة نقض البيعة ولزوم الجماعة، وحرمة تفريق كلمة الاُمّة ووجوب إطاعة الإمام المنتخب بزعمهم، فقد كان الإمام عليّ (عليه السّلام) يسعى بنحو أو بآخر لإصلاح ما فسد من جرّاء فعل الخليفة غير المعصوم، وقد شهد الإمام الحسين (عليه السّلام) جانباً من ذلك بوضوح خلال فترة حكم عثمان.

ولقد كانت بنود الصلح تضع قيوداً على تصرّفات معاوية الذي اتّخذ اُسلوب الخداع والتستّر بالدين سبيلاً لتمرير مخطّطاته، أمّا الآن فإنّ الأمر يختلف ؛ إذ بعد موت معاوية لم يبقَ أيّ علاج إلاّ الصدام المباشر في نظر

____________________

(١) أعيان الشّيعة ١ / ٦٠٣.

١٣٠

الإمام المعصوم، وصاحب الحقّ الشّرعي - الحسين (عليه السّلام) - فلم يعد في الإمكان - ولو نظرياً - القبول بصلاحيّة يزيد وبني اُميّة للحكم.

على أنّ نتائج انحراف السّقيفة كانت تنذر بالخطر الماحق للدين، فقد قال الإمام (عليه السّلام):(( أيّها النّاس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَنْ رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاًّ لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بقول ولا بفعل كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله )) .

وقد كان يزيد يتّصف بكلّ ما حذّر منه الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، وكان الحسين (عليه السّلام) وهو الوريث للنبيّ، وحامل مشعل الرسالة أحقّ من غيره بالمواجهة والتغيير.

٢ - مسؤولية الإمام تجاه الاُمّة

كان الإمام الحسين (عليه السّلام) يمثّل القائد الرسالي الشّرعي الذي يجسّد كلّ القيم الخيّرة والأخلاق السّامية.

وبحكم مركزه الاجتماعي - حيث إنّه هو سبط الرّسول (صلّى الله عليه وآله) ووريثه - فإنّه مسؤول عن هذه الاُمّة، وقد وقف (عليه السّلام) في عهد معاوية محاولاً إصلاح الاُمور بطريقة سلمية، فحاجج معاوية وفضح مخطّطاته(١) ، ونبّه الاُمّة إلى مسؤولياتها ودورها(٢) ، بل خطا خطوةً كبيرة لتحفيز الاُمّة على رفض الظلم(٣) ، وحاول جمع كلمة الاُمّة في وجه الظالمين(٤) .

ولمّا استنفد كلّ الإجراءات الممكنة لتغيير الأوضاع الاجتماعية في الاُمّة تحرّك بثقله وأهل بيته للقيام بعمل قويّ في مضمونه ودلالته وأثره

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٢٨٤.

(٢) كتاب سُليم بن قيس / ١٦٦.

(٣) شرح نهج البلاغة ٤ / ٣٢٧.

(٤) أنساب الأشراف ق ١ ج ١، وتأريخ ابن كثير ٨ / ١٦٢.

١٣١

وعطائه؛ لينهض بالاُمّة لتغيير واقعها الفاسد.

٣ - الاستجابة لرأي الجماهير الثائرة

لم يكن بوسع الإمام الحسين (عليه السّلام) أن يقف دون أن يقوم بحركة قوية، وقد تكاثرت عليه كتب الرافضين لبيعة يزيد بن معاوية تطلب منه قيادة زمام اُمورها والنهوض بها، وقد حمّلته المسؤولية أمام الله إذا لم يستجب لدعواتهم، وكانت دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين (عليه السّلام) بمثابة الغطاء السّياسي الذي يُعطي الصّفة الشّرعية لحركته، فلم تكن حركته بوازع ذاتي، ولا مطمع شخصي، لاسيّما بعد إتمام الحجّة عليه من قبل هؤلاء المسلمين.

٤ - محاولة إرغامه (عليه السّلام) على الذلّ والمساومة

لقد كان الإمام الحسين (عليه السّلام) يحمل روحاً صاغها الله بالمُثل العليا والقيم الرفيعة، ففاضت إباءً وعزّةً وكرامةً، وفي المقابل تدنّت نفسيّة يزيد الشّريرة ونفسيات أزلامه، فأرادوا من الإمام الحسين (عليه السّلام) أن يعيش ذليلاً في ظلّ حكم فاسد، وقد صرّح (عليه السّلام) قائلاً:(( ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله، ونفوس أبيّة، واُنوف حميّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )) .

وفي موقف آخر قال (عليه السّلام):(( لا أرى الموت إلاّ سعادةً، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً )) .

بهذه الصّورة الرائعة سنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) سنّة الإباء لكلّ مَنْ يدين بقيم السّماء وينتمي إليها ويدافع عنها، وانطلق من هذه القاعدة ليغيّر الواقع الفاسد.

٥ - نوايا الغدر الاُموي والتخطيط لقتل الحسين (عليه السّلام)

استشفّ الإمام الحسين (عليه السّلام) - وهو الخبير الضليع بكلّ ما كان يمرّ في

١٣٢

معترك السّاحة السّياسية، والمتغيّرات الاجتماعية التي كانت تتفاعل في الاُمّة - نوايا الغدر والحقد الاُموي على الإسلام وأهل البيت (عليهم السّلام)، وتجارب السنين الاُولى من الدعوة الإسلاميّة، ثمّ ما كان لمعاوية من مواقف مع الإمام علي (عليه السّلام) ومن بعده مع الإمام الحسن (عليه السّلام).

وأيقن الحسين (عليه السّلام) أنّهم لا يكفّون عنه وعن الفتك به حتّى لو سالمهم، فقد كان يمثّل بقيّة النبوّة، والشّخصية الرسالية التي تدفع الحركة الإسلاميّة في نهجها الحقيقي وطريقها الصّحيح.

ولم يستطع يزيد أن يخفي نزعة الشرّ في نفسه، فقد روي أنّه صرّح قائلاً في وقاحة:

لستُ من خندف إن لم انتقمْ

من بني أحمدَ ما كان فعلْ

وقد أعلن الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّ بني اُميّة لا يتركونه بحال من الأحوال، فقد صرّح لأخيه محمّد بن الحنفيّة قائلاً:(( لو دخلت في جُحْر هامّة من هذه الهوامّ لاستخرجوني حتّى يقتلوني )) .

وقال (عليه السّلام) لجعفر بن سليمان الضّبعي:(( والله، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة - يعني قلبه الشّريف -من جوفي )) .

فتحرّك الإمام (عليه السّلام) من مكة مبكّراً؛ ليقوم بالثورة قبل أن تتمكّن يد الغدر من قتله وتصفيته، وهو بعد لم يتمكّن من أداء دوره المفروض له في الاُمّة آنذاك، وسعى لتفويت أيّة فرصة يمكن أن يستغلّها الاُمويّون للغدر به، والظهور بمظهر المدافع عن أهل بيت النبوّة.

٦ - انتشار الظلم وفقدان الأمن

قام الحكم الاُموي على أساس الظلم والقهر والعدوان، فمنذ أن برز معاوية وزمرته كقوّة في العالم الإسلامي برز وهو باغ على خليفة المسلمين

١٣٣

وإمام الاُمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأسرف في ممارساته الظالمة التي جلبت الويل للاُمّة، فقد سفك الدماء الكثيرة، واستعمل شرار الخلق لإدارة الاُمور يوم تفرّد بالحكم، بل وقبل أن يتسلّط على الاُمّة كانت كلّ العناصر الموالية له تشيع الخوف والقتل حتّى قال النّاس في ولاية زياد بن أبيه: « انج سعد، فقد هلك سعيد »؛ للتدليل على ضياع الأمن في جميع أنحاء البلاد(١) .

ومن جانب آخر أمعنت السّلطة الاُموية في احتقار فئات و قطاعات كبيرة من الاُمّة بنظرة استعلائية قبلية(٢) ، كما مارس معاوية في سياسته التي ورثها يزيد أنواع الفتك والتعذيب والتهجير للمسلمين، وبالأخص مَنْ عرف منه ولاء أهل البيت (عليهم السّلام)(٣) .

وبكلّ جرأة على الحقّ واستهتار بالقيم يقول معاوية للإمام الحسين (عليه السّلام): يا أبا عبد الله، علمت أنّا قتلنا شيعة أبيك، فحنّطناهم وكفّناهم وصلّينا عليهم ودفنّاهم(٤) .

أمام هذه المظالم لم يقف الإمام الحسين (عليه السّلام) مكتوف اليد، فقد احتجّ على معاوية ثمّ ثار على ولده يزيد؛ إذ لم ينفع النصح والاحتجاج لينقذ الاُمّة من الجور الهائل.

٧ - تشويه القيم الإسلاميّة ومحو ذكر أهل البيت (عليهم السّلام)

اجتهد الحكم الاُموي أن يغيّر الصّورة الصّحيحة للرسالة الإسلاميّة، والتركيب الاجتماعي للمجتمع المسلم، فقد عمد الاُمويّون إلى إشاعة الفرقة بين المسلمين، والتمييز بين العرب وغيرهم، وبثّ روح التناحر القبلي،

____________________

(١) تأريخ الطبري ٦ / ٧٧، وتأريخ ابن عساكر ٣ / ٢٢٢، والاستيعاب ١ / ٦٠، وتأريخ ابن كثير ٧ / ٣١٩.

(٢) العقد الفريد ٢ / ٢٥٨، وطبقات ابن سعد ٦ / ١٧٥، ونهاية الإرب ٦ / ٨٦.

(٣) شرح النهج ١١ / ٤٤، وتأريخ الطبري ٤ / ١٩٨.

(٤) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٦.

١٣٤

والعمل على تقريب قبيلة دون اُخرى من البلاط وفق المصالح الاُمويّة في الحكم.

وكان للمال دور مهمّ في إشاعة الروح الانتهازية والازدواج في الشّخصيّة والإقبال على اللهو(١) .

ولمّا كان لأهل البيت (عليهم السّلام) الأثر الكبير في تجذير العقيدة الإسلاميّة، ورعاية هموم الرسالة الإسلاميّة ؛ فقد عمد الاُمويّون ومنذ تفرّد معاوية بالحكم باُسلوب مبرمج إلى محو ذكر أهل البيت (عليهم السّلام)، وقد تكاملت هذه الخطوة في أواخر حكم معاوية ومحاولة استخلافه ليزيد(٢) .

٨ - الاستجابة لأمر الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله)

إنّ عقيدة سامية ورسالة خاتمة لكل الرسالات كرسالة الإسلام لا يمكن أن يتركها قائدها الكبير، ومبلّغها العظيم (صلّى الله عليه وآله) وهو النبيّ المعصوم والمسدّد من السّماء دون تخطيط وعناية، ودون قيّم يرعى شؤونها وأحوالها، يخلص لها في قوله وعمله، ويوجّهها نحو هدفها المنشود، مستعيناً بدرايته وبعلمه الشّامل بأحكامها، ويفتديها بكلّ غال ونفيس من أجل أن تحيى وتبقى كلمة الله هي العليا.

والمتتبّع لسيرة الرّسول وأهل بيته (صلوات الله عليهم) يلمس بوضوح ترابط الأدوار التي قام بها المعصومون من آل النبيّ وتكاملها، وهم مستسلمون لأمر الله ورسوله غاية التسليم.

وقد أدلى الإمام الحسين (عليه السّلام) بذلك حينما أشار المشفقون عليه بعدم الخروج إلى العراق، فقال (عليه السّلام):(( أمرني رسول الله بأمر وأنا ماضٍ له )) (٣) .

____________________

(١) تأريخ الطبري ٨ / ٢٨٨، والأغاني ٤ / ١٢٠.

(٢) نهج البلاغة ٣ / ٥٩٥ و ٤ / ٦١ و و ١١ / ٤٤.

(٣) البداية والنهاية ٨ / ١٧٦، وتأريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام)، ومقتل الحسين - للخوارزمي ١ / ٢١٨، والفتوح ٥ / ٧٤.

١٣٥

كما إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان قد أخبر بمقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) بأيدي الظلمة الفاسقين حين ولادته حتّى بات ذلك من الاُمور المتيقّنة لدى المسلمين(١) .

أهداف منظورة في ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام)

إنّ أهداف الرجال العظام هي عظيمة في التأريخ، وتزداد رفعةً وسموّاً حين تنبعث من عمق رسالة سامية. ونحن حين نقف أمام الحسين (عليه السّلام) الذي يمثّل أعظم رجل في عصره وهو يحمل ميراث النبوّة، وثقل الرسالة الخاتمة الخالدة مسدّداً بالتسديد الإلهي في القول والفعل، وأمام سيرته لنبحث عن أهداف نهضته المقدّسة - التي فداها بنفسه وبأهل بيته وخيرة أصحابه - لا نجد من السّهل لنا أن نحيط علماً بكلّ ذلك، لكنّنا نبحث بمقدار إدراكنا ووعينا للحدث وفق ما تتحمّله عقولنا طبعاً.

لقد تفانى الحسين (عليه السّلام) في الله ومن أجل دينه، فكانت أهدافه - التي تمثّل رضى الله وطاعته - سامية جليلة، كما إنّها كانت واسعة وعديدة. ويمكننا أن نذكر بعض أهداف الإمام الحسين (عليه السّلام) من ثورته كما يلي(٢) :

١ - تجسيد الموقف الشّرعي تجاه الحاكم الظالم

لقد أصابت الاُمّة حالة من الركود حتّى أنّها لم تعد تتحرّك لاتّخاذ موقف عملي واقعي تجاه الحاكم الظالم، فالجميع يعرف مَنْ هو يزيد، وبماذا يتّصف من رذائل الأخلاق ممّا تجعله غير لائق أبداً بأن يتزعّم الاُمّة الإسلاميّة.

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٤ / ٣٩٨ و ٣ / ١٧٦، وكنز العمال ٧ / ١٠٦، ومجمع الزوائد ٩ / ١٨٧، وذخائر العقبى / ١٤٨، وسير أعلام النبلاء ٣ / ١٥.

(٢) للمزيد من التفصيل راجع أضواء على ثورة الحسين (عليه السّلام) - للسيّد محمّد الصدر / ٥٧.

١٣٦

في مثل هذا الظرف وقف الكثيرون حيارى يتردّدون في قرارهم، فتحرّك الإمام الحسين (عليه السّلام)؛ ليجسّد الموقف الرسالي الرافض للظلم والفساد، في حركة قوية واضحة مقرونة بالتضحية والفداء من أجل العقيدة الإسلاميّة؛ لتتّخذ الاُمّة الموقف ذاته تجاه الظلم والعدوان.

٢ - فضح بني اُميّة وكشف حقيقتهم

إنّ الحكّام الذين تولّوا اُمور المسلمين ولم يكونوا معصومين ولا شرعيين كانوا يغطّون تصرّفاتهم بغطاء ذي مسحة شرعية عند الجماهير. وكان بنو اُميّة من أكثر الحكّام المستفيدين من هذا الاُسلوب الماكر ؛ إذ لم يتردّد معاوية في وضع الأحاديث المفتعلة لتدعيم حكمه، بل سعى بكلّ وسيلة لتضليل الاُمّة، وتمكّن من فعل ذلك مع عامّة النّاس.

وأصبح الأمر أكثر خطورة حين تولّى يزيد ولاية الحكم بطريقة لم يقرّها الإسلام؛ ولهذا كان لا بدّ من فضح التّيار الاُموي وتصويره على حقيقته، لتتّضح الصورة للعالم الإسلامي فيعي دوره ورسالته، ويقوم بواجبه ووظيفته، فتحرّك الحسين (عليه السّلام) بصفته الإمام المعصوم؛ ليواجه زيف الحكم وضلالته.

وفعلاً أسفر التّيار الاُموي عن مكنون حقده بارتكابه الجريمة البشعة في كربلاء بقتل خير النّاس وأصحابه وأهل بيته من الرجال والنساء والأطفال، ثمّ أعقب ذلك بقصف الكعبة بالمنجنيق في واقعة الحرّة، وإباحة المدينة ثلاثة أيام؛ قتلاً ونهباً وسلباً واعتداءً على الأموال والنساء والأطفال بشكل بشع لم يسبق له مثيل(١) .

وانتبه المسلمون إلى انحراف الفئة الحاكمة الضالّة وإلى فساد أعمالها، وسعوا من خلال محاولات عديدة إلى تطهير الجهاز الحاكم

____________________

(١) راجع الفتوح - لابن أعثم ٥ / ٣٠١، والإمامة والسياسة - للدينوري ٢ / ١٩، مروج الذهب ٢ / ٨٤.

١٣٧

المتوغّل في الظلم والطّغيان، حتّى غدت ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) اُنموذجاً يُحتذى به لمقارعة ومقاومة كلّ نظام يستشري فيه الفساد. وقد أفصح الإمام (عليه السّلام) عن الصّفات التي يجب أن يتحلّى بها الحاكم بقوله:(( فلعمري، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله )) (١) .

٣ - إحياء السنّة وإماتة البدعة

انحدرت الاُمّة الإسلاميّة في منحدر صعب يوم انحرفت الخلافة عن مسارها الشّرعي في يوم السّقيفة؛ فإنّها قبلت بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله) أن يتولّى أمرها مَنْ يحتاج إلى المشورة والنّصيحة، ويخطئ في حقّها ويعتذر، فكانت النّتيجة بعد خمسين عاماً من غياب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يتولّى أمرها رجل لا يتورّع عن محارم الله، بل ويظهر الحقد على الإسلام والمسلمين، فتعرّض الإسلام - عقيدةً وكياناً واُمّةً - للخطر الحقيقي، والتشويه المقيت المغيّر لكلّ شيء، على غرار ما حدث لبعض الرسالات السّماوية السّابقة.

في مثل هذا المنعطف الخطير وقف الإمام الحسين (عليه السّلام) ومعه أهل بيته وأصحابه، وأطلق صرخة قويّة ومدوّية محذّراً الاُمّة، مفتدياً العقيدة والاُمّة بدمه الطاهر الزكي، ومن قبل قال فيه جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله):(( إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النّجاة )) .

كما قال غير مرّة:(( حسين منّي وأنا من حسين )) . فكان الحسين (عليه السّلام) ونهضته التجسيد الحقيقي للإسلام الحقّ؛ فقد كان الخطّ الحقيقي للإسلام المحمدي متمثلاً في الحسين(عليه السّلام) وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله تعالى عليهم).

وقد صرّح الإمام الحسين (عليه السّلام) في رسالته التي بعثها إلى أهل

____________________

(١) تأريخ الطبري ٦ / ١٩٧.

١٣٨

البصرة بكل وضوح إلى أنّ السنّة قد ماتت حين وصل الانحراف إلى حدّ ظهور البدع وإجبائها.

٤ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد كان غياب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجة طبيعية لتولّي الزعامة المنحرفة، وقد حدث هذا تحت عناوين متعدّدة، منها: لزوم إطاعة الوالي، وحرمة نقض بيعة تمّت حتّى لو كانت منحرفة، وكذلك حرمة شقّ وحدة الكلمة، وقد وصف الإمام (عليه السّلام) هذه الحالة بقوله:(( ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله... )) (١) .

لذا تطلّب الأمر أن يبرز ابن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) للجهاد وهو يحمل السّيف في محاولة لإعادة الحقّ إلى نصابه من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أدلى (عليه السّلام) بذلك في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة حين كتب له:(( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي؛ اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )) .

إنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام (عليه السّلام) بها، فكانت الهداية والرعاية للبشر دينياً ومعنوياً، وإنسانياً واُخروياً بمقتله وشهادته، وتلك النهضة التي عليها تربّت أجيال من الاُمّة، وتخرّجت من مدرستها الأبطال والصناديد، ولا زالت وستبقى المشعل الوضّاء ينير درب الحقّ والعدل والحرية وطاعة الله إلى يوم القيامة.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣.

١٣٩

٥ - إيقاظ الضمائر وتحريك العواطف

في أحيان كثيرة لا يستطيع أصحاب العقائد ودعاة الرسالات أن يحاوروا العقل والذهن مجرّداً معزولاً عن عنصر العاطفة لأجل تعميق المعتقد والفكر لدى الجماهير، وقد ابتليت الاُمّة الإسلاميّة في عهد الإمام الحسين (عليه السّلام) وبعد تسلّط يزيد بحالة من الجمود والقسوة، وعدم التحسّس للأخطار التي تحيط بها، وبفقدان الإرادة في مواجهة التحديات ضدّ العقيدة الإسلاميّة؛ لهذا لم يكتف الإمام الحسين (عليه السّلام) بتثبيت الموقف الشّرعي وتوضيحه عملياً من خلال موقفه الجهادي، بل سعى إلى إيقاظ ضمائر النّاس، وتحريك وجدانهم وأحاسيسهم ليقوموا بالمسؤولية.

فسلك سبيل البذل والعطاء والتضحية من أجل العقيدة والدين، واتّخذ اُسلوب الاستشهاد الذي يدخل بعمق وحرارة في قلوب الجماهير، وقد ضرب لنا مثلاً رائعاً حينما برّزت ثورته أنّ التضحية لم تكن مقصورة على فئة أو مستوىً معيّن من الاُمّة، فللطفل كما للمرأة والشيخ دور فاعل فضلاً عن الشباب.

وما أسرع ما بان الأثر على أهل الكوفة؛ إذ أظهروا الندم والإحساس بالتقصير تجاه الإمام والإسلام، فكانت ثورة التوّابين التي أعقبت ثورة أهل المدينة التي وقعت في السّنة الثانية من بعد واقعة الطفّ.

لقد كانت واقعة الطفّ تأكيداً حقيقياً على أنّ المصاعب والمتاعب لا تمنع من قول الحقّ والعمل على صيانة الرسالة الإسلاميّة، كما إنّها زرعت روح التضحية في سبيل الله في نفوس أبناء الاُمّة الإسلاميّة، وحرّرت إرادتها ودفعتها إلى التصدّي للظلم والظالمين، ولم تُبقِ عذراً للتهرّب من مسؤولية الجهاد والدفاع عن العقيدة والمقاومة لإعلاء كلمة الله.

لماذا لم ينهض الإمام الحسين (عليه السّلام) بالثورة في حكم معاوية؟

إنّ الأحداث السّياسية التي عصفت بالاُمّة الإسلاميّة بعد وفاة

١٤٠